المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات الروابط: محددات سياسة ترامب الشرق أوسطية والموقف من الاتحاد الأوروبي والصين

الإثنين 16/ديسمبر/2024 - 06:34 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

من المتوقع أن تؤدي عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، مما يعد بتحولات جذرية محتملة على جبهات متعددة مع اشتعال الحرب في أجزاء من العالم. وخلال حملته الانتخابية، قدم ترامب تعهدات سياسية واسعة النطاق وغالبًا ما تفتقر إلى تفاصيل محددة؛ حيث يشير فوزه إلى واحدة من أهم الاضطرابات المحتملة في نهج واشنطن لإدارة علاقاتها الخارجية في خضم أزمات موازية منذ سنوات عديدة سواء على مستوى الحلفاء أو الخصوم. ووفق هذا الإطار يمكن الحديث عن مجموعة من الاتجاهات الجديدة في سياسة واشنطن تجاه الصين أو الدول الأوروبية أو منطقة الشرق الأوسط.

الشراكة عبر الأطلسي

تعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شريكان في التنافس مع الصين، كما أن العلاقة القوية بين الصين وروسيا تدعو أميركا وأوروبا إلى وضع مصالحهما الاستراتيجية فوق خلافاتهما التكتيكية قصيرة الأمد ومصالحهما السياسية للوقوف في وجه النزعة التجارية الصينية باعتبارهما شريكان لا غنى عنهما لبعضهما البعض في مواجهة الصين.

وخلال رئاسته السابقة، تعامل ترامب مع القضايا المتعلقة بأوروبا بطريقة قائمة على تشجيع قادتها على إدارة المزيد من ملفاتهم بصورة منفصلة بشكل مستقل رغم أنه جرى وضع القدرات الأمريكية والدعم الثابت في الاعتبار في مرحلة التخطيط. ويبدو أن ترامب ليس وحده ما يقلق أوروبا وإنما أيضًا السيناتور الجمهوري جيمس ديفيد فانس الذي اختاره ترامب لتولي منصب نائب الرئيس وتركيزه على النهج الانعزالي مع أوروبا، وقد أعلن من قبل أنه لا يهتم بالقضايا الأوروبية وأن التركيز الأمني ​​للولايات المتحدة سيتحول إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، داعيًا أوروبا إلى إدارة شئونها بنفسها.

وبالتالي لابد من تجاوز هذه الاتجاهات والبحث عن شراكات استراتيجية تتجاوز الخلافات التكتيكية؛ حيث يمكن أن تتجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعمل على تعزيز مصالحهما المشتركة. ويؤكد التصويت الأخير الذي أجرته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على فرض رسوم جمركية على المركبات الكهربائية الصينية الرخيصة التي تغمر الأسواق الأوروبية على الاعتراف بالتهديد الصيني وتوحيد الدول الأوروبية المختلفة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدرك هذا التقارب عبر الأطلسي وتعطي الأولوية للجهود الجماعية المنسقة التي تغذي هذا التوافق المتنامي.

على الجانب الأخر، فإن الصين تتبع نفس النهج الذي تتبعه روسيا، ولكن بأدوات اقتصادية؛ حيث تهدف بكين إلى زرع الانقسام ليس فقط بين الدول الأعضاء في الكتلة ولكن أيضًا بين الولايات المتحدة وأوروبا. وسيكون من الصعب على ترامب تجاهل أو مساعدة مخططات الصين الهادفة لحدوث الانقسام. وعلى العكس من ذلك، يتعين على القادة الأميركيين والأوروبيين إظهار ضمان إعادة تأكيد وتعزيز التوافق عبر الأطلسي ضد الصين.

الولايات المتحدة وخطر الانقسام الأوروبي

يمتلك الاتحاد الأوروبي وليس أي دولة أوروبية فردية القوة الاقتصادية اللازمة للوقوف في وجه الصين. وتُعَد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الزعيمة الأوروبية الوحيدة التي زارت بكين وألقت رسالة قوية بأن الهدف الواضح للحزب الشيوعي الصيني هو التغيير الشامل للنظام الدولي، مع وضع الصين في مركزه. وعلى النقيض من ذلك، أرسل الرئيس إيمانويل ماكرون رسائل مختلفة بشأن الوضع في تايوان في محاولة لإبعاد فرنسا عن الولايات المتحدة، في حين يبدو أن المستشار الألماني أولاف شولتز أكثر اهتمامًا بالحفاظ على السوق الصينية للسيارات الألمانية. ومن جانبها، تتلقى المجر استثمارات صينية أكبر من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة، كما تمتلك الصين خطط لإنتاج السيارات الكهربائية الصينية محليًا للالتفاف على التعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي. وكثيرًا ما يرحب العديد من الزعماء السياسيين والأحزاب الأوروبية، وخاصة أولئك الذين يتحالفون مع المحافظين الأميركيين في القضايا الثقافية، بالمبادرات الروسية والصينية التي تتعارض مع المصالح الوطنية الأميركية والأوروبية.

وامتدادًا لذلك، تنظر فون دير لاين، بدعم من المجموعة الأساسية من الدول التي صوتت بالموافقة على زيادة التعريفات الجمركية على السيارات الصينية باستثناء فرنسا وأيرلندا إلى الصين وروسيا باعتبارهما تهديدين متكاملين. وعلى النقيض من الآخرين، لا تطلب هذه المجموعة ضمانات أميركية لحلف شمال الأطلسي في حين تتزايد مخاوف من الوقوع في منافسة بين الولايات المتحدة والصين. ويمتد التحدي الذي تشكله الصين للمصالح الأميركية إلى ما هو أبعد كثيرًا من منطقة المحيطين الهندي والهادئ. والدعم المادي الذي تقدمه الصين لروسيا باعتباره أمر بالغ الأهمية لاستدامة حربها ضد أوكرانيا، وهو ما دفع بعض القادة الأوروبيون إلى الاتجاه نحو تعزيز روابطهم مع واشنطن في مواجهة التحدي العالمي الذي تشكله الصين على أساس أن العمل الجماعي مطلوب لمواجهته.

بالنسبة للصين، فإنها تغلبت على معوقات شراكتها مع روسيا وهي خلافات بنيوية أكثر أهمية بكثير من أجل الاتحاد ضد التحالف عبر الأطلسي، في حين لا تظهر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي نفس القدر من الواقعية في الاستجابة للتهديدات الصينية. وبالتالي يتعين على الإدارتين الأمريكية والأوروبية إعطاء الأولوية لإيجاد أرضية مشتركة في معالجة النزعة التجارية الصينية خاصة وأن اختلاف الموقف الأوروبي بشأن النزاع على التعريفات الجمركية عبر الأطلسي سيؤدي إلى تعزيز الانقسام بشأن التهديد الصيني، مما يؤدي إلى قيام الدول الأعضاء الأوروبية بالضغط على المفوضية لاتخاذ تدابير عكسية ضد الولايات المتحدة. وهو ما من شأنه تشجيع العلاقة بين الصين وروسيا من خلال إضعاف قدرة الولايات المتحدة والدول الأوروبية على المواجهة.

سياسة ترامب الشرق أوسطية

من المتوقع أن يتجه البيت الأبيض الجديد إلى شن حملة ضغط قصوى ضد إيران والدفع مجددًا للتطبيع السعودي الإسرائيلي، خاصة بعدما فشلت سياسة جو بايدن في الشرق الأوسط بعد سلسلة من سوء التقدير والتصورات الخاطئة التي جعلت المنطقة غير مستقرة. وكل هذا يمنح إدارة ترامب القادمة فرصة لتمرير سياسات تهدف إلى تمكين الحلفاء وإضعاف الخصوم.

من المؤكد أن إدارة ترامب الجديدة ستعيد إحياء سياستيها المميزتين تجاه الشرق الأوسط اللتين أثبتتا نجاحهما خلال ولايته الأولى والمتمثلة في الاعتماد على استراتيجية جديدة للضغط الأقصى ضد إيران والتي من شأنها أن تستنزف خزانتها مرة أخرى. والواقع أن العقوبات الأمريكية تتجه بشكل أكثر صعودًا مع سعي إيران إلى إعادة تأهيل وكلائها في المنطقة، إلا أنه في ظل تراجع القدرات الاقتصادية الإيرانية فمن المتوقع أن تتراجع الجمهورية الإسلامية عن تطلعاتها الإقليمية.

ومن ناحية أخرى، فمن المرجح أيضًا أن يتم تعزيز تمديد اتفاقيات إبراهيم التي شهدت تطبيع العلاقات مع إسرائيل مع التركيز على المملكة العربية السعودية، ومن المتصور أن المملكة العربية السعودية لن تصنع السلام مع إسرائيل طالما لم يكن هناك تقدم ملموس في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وضمن السياق ذاته، تتخوف الرياض من التهديدات الإيرانية وقد أظهرت سياسة بايدن بأن واشنطن ليست جادة في ردع إيران وبالتالي لا يزال مفتاح تحقيق المزيد من التقدم في اتفاقيات إبراهيم بمثابة المسار الاستراتيجي في مواجهة إيران.

وضمن السياق ذاته، وفي ظل تراجع إمكانية نشر قوات أميركية في المنطقة فإن ذلك لا يعني بذل جهود أكثر تضافرًا لبناء تحالفات واشنطن العسكرية في المنطقة ومنح إسرائيل حرية التصرف والذخائر اللازمة للدفاع عن نفسها، وهو ما يعني دخول المملكة العربية السعودية في تحالف الدول الذي صاغته اتفاقيات إبراهيم، وهو ما سيكون أسهل إذا ما نظرنا إلى إيران على أنها تتراجع.

في الختام: سيكون على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد إدارة مجموعة متنوعة من الملفات التي ستنعكس على استراتيجيات السياسة الخارجية سواء تجاه المناطق والدول الحليفة والمنافسة والخصوم، وهو ما ستحدده تطورات الأوضاع مع هذه الدول، خاصة وأن العالم يمر بمرحلة حرجة، تتطلب لتهدئة الأوضاع وضمان عدم توسع الصراعات، وهو ما يتطلب أهمية وجود مقاربة شاملة ومستدامة للتعامل مع هذه الملفات مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة الأطراف المعنية.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟