أزمات متفاقمة ....احتجاجات الأهواز ومعضلة الجفاف في إيران
شهدت
محافظة خوزستان على مدار الأسابيع القليلة الماضية إندلاع تظاهرات متعددة احتجاجًا على جفاف
الأنهار وشحَّ المياه، الأمر الذى ترتب عليه سقوط 8 ضحايا
برصاص القوات الأمنية وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية. وتوسعت التظاهرات لتشمل
غالبية مدن محافظة خوزستان، وتعاطف معهم عدد من المدن الأخرى في إيران ولاسيما
تبريز، وسقز، وبجنورد، وطهران التي أقيم في شوارعها وقفات احتجاجية تضامنًا مع
خوزستان.
فكان متوقعًا منذ بداية العام الميلادي الجاري أن تشهد
إيران موجات غير مسبوقة من الجفاف الأمر الذى بإمكانه إحداث كارثة بيئية جديدة،
إضافةٍ إلى جائحة كورونا، خاصًة أن مستويات أمطار الربيع إنحسرت بما يقرب من 85% عن
الحد الطبيعي، لكن هذا الجفاف كان متنبأ له بالارتفاع في مناطق جنوب محافظة فارس،
وهرمزجان، وبوشهر، وسيستان، وبلوتشستان.
لذلك تواجه إيران منذ بداية صيف العام الجاري
أزمة في توفير مياه الشرب إلى جانب انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي نظرًا للعجز
في توليد الطاقة الكهربائية. وتدلل المظاهرات التي بدأت من الحميدية بالأهواز يوم
5 يوليو لتمتد بعدها إلى المدن الأخرى سريعًا على ما يمكن تسميته بـ "الأزمة
الثلاثية" التي تعيشها إيران والتي ظهرت لأوَّل مرَّة بعد احتجاجات ديسمبر
2017.
أولاً- نظرة تاريخية على
طبيعة الاحتجاجات في إيران
تمتد
الظاهرة الاحتجاجية في إيران إلى ما قبل عام 1979، بسبب نظام الحكم الاستبدادى
للشاه الذي كان قائمًا على قمع الحريات والحقوق وإحكام السيطرة على الحياة
السياسية، فضلاً عن تشديد القبضة الأمنية على رجال الدين في عصر ما قبل الثورة
الإسلامية. والجدير بالذكر، إنه كان هناك قدراً كبيراً من التشابه فيما يتعلق بدوافع
الاحتجاجات التى قامت داخل الجمهورية الإسلامية بدايةً من تظاهرات الطلبة الإيرانيين لعام1999، الحركة الخضراء
لعام 2009، احتجاجات أواخر ديسمبر لعام 2017 وأوائل عام 2018 وحتى يناير 2020؛
الأمر الذي تمثل في قمع الحقوق والحريات، الصراعات الممتدة بين التيارات السياسية،
تنامى قوة بعض المؤسسات مثل الحرس الثوري وحصولها على أكبر نسبة من أرباح بعض
الصناعات الاستراتجية مثل النفط، على حساب المواطن العادي.
كما
ساهمت العقوبات الاقتصادية التى كانت ومازالت مفروضة على طهران نتيجة لسياستها
النووية في الحد من الوصول إلى التمويل والعملات الأجنبية، انخفاض الاستثمار
وارتفاع نسبة البطالة والتضخم مما أدى إلى تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادى. وكان
لسياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما يتعلق بالتعامل مع الأقليات العرقية،
ومزدوجى الجنسية دوراً كبيراً في تأجيج حدة الاحتجاجات بشكل عام؛ حيث يهيمن الفرس
على غالبية المناصب السياسية العليا وجميع مقدرات الدولة، الأمر الذي اتضح في
حرمانهم من استخدام لغتهم الأم بدلاً من الفارسية، فضلاً عن اتباع طهران لبعض
السياسات البيئية الخاطئة، والتى يتمثل أبرزها في تجريف التربة، خاصًة في المناطق
التي يسكنها الأهواز العرب، مما أدى إلى إصابة غالبيتهم بالأمراض الصدرية.
وفي هذا
السياق، اتسمت احتجاجات عام 1999 بالطبيعة السياسية؛ حيث اندلعت هذه التظاهرات
اعتراضًا على إغلاق صحيفة سلام الإصلاحية واستمرت أعمال الشغب لمدة ستة أيام، في
كافة أنحاء الدولة، وفي هذه الأثناء قتل الكثيرين وجرح المئات واعتقل الآلاف
الآخرين. وتعرضت باحة جامعة طهران لهجوم عنيف من قبل بعض العناصر المسلحة يرتدون
ملابس مدنية يطلقون على أنفسهم إسم رفاق "حزب الله".
أما فيما
يتعلق بتظاهرات الحركة الخضراء لعام 2009 فكانت الطبيعة السياسية هى الغالبة أيضًا؛
على خلفية اتهام التيار المحافظ بتزوير الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها أحمدى
نجاد في مواجهة كل من رئيس البرلمان
السابق مهدى كروبي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوى الذين شككوا في نزاهة
النتائج الانتخابية. بينما اتسمت الاحتجاجات التالية على ذلك بالطبيعة الاقتصادية
بما يتضمن تظاهرات أواخر عام 2017 وأوائل 2018، فضلاً عن تظاهرات نوفمبر لعام 2019
على خلفية العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فرضت على طهران بعد الخروج الأمريكي
من الاتفاق النووي، مما أدى لارتفاع نسبة البطالة، والتضخم، وانخفاض قيمة العملة
الإيرانية في مقابل الدولار.
ثانيًا- جذور أزمة المياه في
الأهواز وملابساتها
تواجه إيران أزمة تتعلق بالمياه منذ سنوات عديدة وهي
أزمة وجودية أكثر بكثير من البرنامج النووي، هناك احتجاجات كل يوم تقريبًا، من قبل
المزارعين بشأن نقص المياه وتحويل هذا المورد الثمين من منطقة إلى أخرى. وفي هذا
السياق، أدت آثار ارتفاع درجة حرارة المناخ وانخفاض هطول الأمطار على مر السنين
إلى تفاقم المشكلة، ولكن لا يمكن التعويل على هطول الأمطار الهزيلة أو غير المتسقة
كثيراً؛ حيث يمكن اعتبار العامل البشري - وخاصة سوء الإدارة – هو المُحفز الأساسي لما تواجهه إيران في الوقت الحالي.
ولسوء الحظ، تمت إدارة هذا القطاع بشكل سيء لسنوات عديدة،
الأمر الذى تمثل في استخدام الأساليب
التقليدية، فلا يزال المزارعون يعتمدون على الري بالغمر، الذي يهدر حوالي 65% من
المياه المستخدمة، في حين يعتبر نقل المياه من الآبار إلى المزارع عاملاً آخر يزيد
من إهدار المياه بنسبة 12% في كل عام، بما يتعين على المزارعين حفر آبار أعمق
وأعمق.
وفيما يتعلق بالمصادر المائية لمحافظة خوزستان يتعين
القول إن معدَّل دخول المياه إلى سدود هذه المحافظة خلال العام الجاري 13 مليار
و400 مليون متر مكعب، وقد انخفض بالمقارنة بالمدى البعيد بنسبة 43%، كذلك من
إجمالي 2800 قرية تحت غطاء شركة المياه والصرف الصحي في خوزستان، هناك ما يقرب من
80 إلى 90 قرية تحت التوتر المائي.
ومع توقف العوائد النفطية وزيادة الضغط على الموارد
الطبيعية غير المتجددة، ظهرت الأعراض الجانبية بصورة أكثر حدَّة؛ حيث كانت العوائد
النفطية تغطي على هذه الأعراض وتسهَّل من تجاوزها، الأمر دفع الجماهير إلى الخروج
إلى الشارع والتظاهر في ظل الجفاف وعدم وجود مياه صالحة للشرب فضلًا عن الانقطاعات
المتكررة للكهرباء في ظل درجة حرارة تناهز الـ 50 درجة مئوية.
ثالثًا- دوافع الأزمة
يعانى السكان في محافظة الأحواز من عدة
مشكلات طويلة المدى، والتى تفاقمت بعد تكثيف الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة
دونالد ترامب للعقوبات الاقتصادية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
·
نقص المياه؛ تواجه محافظة الأحواز أزمة بيئية حادة على خلفية تزايد
أعداد السدود الذي أقامتها السلطات الإيرانية على مجارى الأنهار في غرب جبال زاغرس،
والعمل في الوقت ذاته، على عدة مشاريع لحفر أنفاق تمر من وسط الجبال، لتحويل مجرى
الأنهار إلى بعض المحافظات الأخرى والتى تقع في وسط إيران، مثل محافظة أصفهان. وفي
هذا السياق، تداول بعض الناشطين الإيرانيين مقاطع فيديو تُظهر جفاف أجزاء كبيرة من
هور الحويزة الحدودي مع العراق، الذي يصب فيه نهر الكرخة، الأمر الذى أجبر سكان
هذه المنطقة على الهجرة إلى بعض المحافظات الأخرى.
·
تدهور مستوى المعيشة؛ بالتوازى مع ما سبق، نظم عمال قطاع الطاقة في محافظة
الأحواز احتجاجات كبيرة مطالبين فيها بتحسين الأجور وأوضاع العمل في حقول الغاز
الجنوبية وبعض مصافي النفط في المدن الكبيرة، وأمتد ذلك أيضًا إلى أرباب المعاشات الذين نظموا
احتجاجات منفصلة طالبوا فيها بزيادة المعاشات، وهو الأمر الذى يتم بالتوازى مع تنامي حالة الاستياء العام بسبب تدهور وضع الاقتصاد
الإيراني الذى تجاوز معدل التضخم فيه 50 %بالتوازى مع تزايد معدلات البطالة.
فبشكل
عام تتجاوز نسبة البطالة بين السكان الذين تترواح أعمارهم من 15 إلى 24 عام حاجز الـ
33%، بينما أشارت بعض التقديرات إلى أن هذا العام يصل إلى 25%، بالتوازى مع زيادة
نسبة سكان العشوائيات وعدم توظيف القوى العالمية المحلية في مشاريع المحافظة، كما
تأتى فكرة الإصرار على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الغذائي، وبناء السدود ضمن أحد
الأسباب الرئيسية لجفاف أنهار خوزستان.
·
تكثيف الاعتقالات؛ قامت السلطات الإيرانية
أثناء هذه الاحتجاجات باعتقال العشرات من الناشطين الحقوقيين والسياسيين،
والذين نظموا وقفات احتجاجية أمام مقر حاكم المحافظة، للتنديد بالأوضاع السيئة على
كافة الأصعدة التى يعيشها الناس في الأحواز، الأمر الذى زاد من غضب المواطنين إلى
أن وصل بهم الأمر إلى الهتاف ضد المرشد الأعلى "علي خامنئي" ورددوا
شعارات من قبيل "الموت للديكتاتور....الموت لخامنئي".
رابعًا- دلالات الأزمة
إتساقًا مع ما سبق، تتضح بعض الدلالات
الكاشفة عما يدور داخل الساحة السياسية في إيران، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
1- صراعات متصاعدة؛
تشير بعض التقديرات إلى أن
أسباب الاحتجاجات المتواصلة في محافظة الأحواز لا يمكن أن تكون اقتصادية فقط، ولكنها
سياسية أيضًا، والشاهد على ذلك هو حجم الصراعات الدائرة بين كل من المحافظين
والإصلاحيين في إيران عقب إعلان فوز الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، بالتوازى
مع انخفاض نسبة المشاركة التصويتية خلال الاستحقاقات الرئاسية الفائتة، والتى من
المؤكد أنها جاءت كذلك بسبب استبعاد الكثير من المرشحين المحسوبين على التيار
الإصلاحى لإخلاء الساحة أمام مرشح بعينه.
وعليه،
يمكن القول إن التيار المحافظ يحاول استغلال مثل هذه الأزمات سواء فيما يتعلق
بالكهرباء أو الجفاف أو إضرابات عمال العقود في مجال النفط بالمحافظات المختلفة
وما تلاها من احتجاجات، للضغط على حكومة روحاني والهجوم على سياسات حكومته للقضاء
على أي مستقبل سياسي محتمل له بعد خروجه من منصبه، فضلًا عن أن ذلك يبشر بأزمات
سياسية واقتصادية يمكن أن تواجهها حكومة إبراهيم رئيسي في المستقبل. ويتوازى ذلك، مع إدارة تداعيات تفشى جائحة
كورونا، والمفاوضات النووية، فضلاً عن مشاكل البنية التحتية والتلوث.
2- دور جديد؛ من الواضح أن قادة التيار المحافظ لا يهدفون من وراء
إثارة مثل هذه الأزمات في هذا التوقيت إلى إضعاف الإصلاحيين فقط، بل لتقوية دور
المحافظين وخاصة فيما يتعلق بالحرس الثورى الذى كان يحظى بعلاقات متوترة مع حكومة
روحانى. وفي هذا السياق، تتمثل أبرز القضايا الخلافية بين الإصلاحيين والمحافظين
في الاتفاق النووي والمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة
(4+1)؛ حيث أشار الرئيس الحالى حسن روحانى خلال تصريحات له إلى أن البرلمان – الذى
يغلب عليه الطابع المحافظ- تدخل في قرارات الحكومة وعطل العودة للاتفاق النووي
ورفع العقوبات عن إيران، وهو ما ردت عليه صحيفة كهيان بتقرير تحليلي اتهمت فيه
روحاني بـتبرئة واشنطن واتهام طهران. وجاء في التقرير"لم يبق سوى عشرون يوما
ليسلم روحاني نتاج إدارته الكارثي للحكومة المقبلة، ومازال يلقي بنتائج قراراته
الخاطئة والكارثية على عاتق الآخرين"، مضيفة: "إن روحاني الذي
عليه أن يعتذر من الشعب بسبب تدميره لسياسة البلاد واقتصادها، بدلاً من أن يطلب
السماح منهم، نراه اليوم يتحدث بثقة عالية عن انتصاراته بل يوجه العتب على الناس
ويسألهم لماذا لا يشكرونه لفتح الفتوح".
بينما
تتضح القضية الثانية في غلبة الطابع الأصولى على الحكومة القادمة وعدم وجود
أية دور للإصلاحيين؛ حيث أعربت صحيفة "إرمان ملي" الإصلاحية عن قلقها
إزاء تواجد الأصوليين المتشددين في حكومة ابراهيم رئيسي، وذكرت في ذلك: " إن
الأصوليين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ وهم المتشددون الذين يريدون التحكم بابراهيم
رئيسي وحكومته وهم من يرون أنفسهم أصحاب الثورة، والقسم الآخر الأصوليون الداعمين
لرئيسي الذين يحبون التواجد في التشكية الوزارية لكنهم لا يضغطون عليه، والقسم
الثالث هم الفئة المعتدلة من الأصوليين الذين يؤكدون على ضرورة تواجد الكفاءات في
الحكومة المقبلة وحتى أنهم يؤيدون تواجد الكفاءات من الأحزاب الأخرى غير الأصولية
". مشيرة إلى أن عددًا من نواب البرلمان المحسوبين على التيار الإصلاحي
ينون الانتقام من رئيسي عند اعتماد الوزراء في حال عدم الالتفات إليهم، ويطالبوه
بضرورة الالتزام بتعاليم القائد الأعلى "علي خامنئي"، ولاسيما فيما
يتعلق بتحقيق مصالح الشعب.
أما عن القضية
الثالثة فتتمثل في المشكلات الاقتصادية المصاحبة لانتقال السلطة التنفيذية من
حكومة حسن روحاني وتسليمها لإدارة الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي؛ حيث ردد قادة
التيار الأصولى خلال الفترة القليلة الماضية اتهامات لروحانى من قبيل أنها ستسلم
الحكومة الجديدة أرضا محروقة وحكومة مديونة. وفي هذا السياق، شددت صحيفة
"ابتكار الإصلاحية" في تقرير لها بأن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية
كانت عونًا للأصوليين منذ البداية، من خلال مساندتهم ضد حكومة الرئيس حسن روحاني؛
حيث أنها لا تفوت أي فرصة لانتقاد الرئيس روحاني وحكومته ووزارئه، فضلاً عن أنها
حملته كامل المسؤولية تجاه أزمات المياه والكهرباء،
الأمر الذى وصل إلى دعوة الحكومة الحالية للرحيل قبل الموعد الرسمي.
ختامًا: مع التظاهرات الحالية التي تشهدها إيران وخاصًة في
محافظة خوزستان احتجاجًا على ظاهره شح المياه، يبدو أن دورات الاحتجاج في إيران انخفض
الفاصل الزمنى بينها إلى عامين بدلًا من عشرة أعوام. (احتجاجات ١٩٩٩ و٢٠٠٩و٢٠١٩). فيما اختلفت احتجاجات ٢٠١٧ و٢٠١٩و٢٠٢١ في الشكل والمضمون والطبيعة والجغرافية
والعنف عن احتجاجات دورات العشرة أعوام، الأمر الذى يرجع إلى تراكم المشكلات
وتضخمها هذه، وأدى إلى نشوء الأزمة. فكلما زادت الأزمات المتراكمة، ستتضاءل أكثر
الفواصل بين الاحتجاجات، بما يتضمن بعض المزايا والعيوب لنظام الولى الفقيه في
إيران، فالميزة الأهم تتمثل التنفيس عن الغضب والاستياء خلال فترات زمنية قصيرة، مما
سيمنع حدوث انفجار كبير، أما الخطر الأكبر فيكمن في اعتياد الاحتجاج والعنف، فإذا
تشكل توازن العنف، وثُبّت، ستكون الأخطار جادة وحقيقية.