مستقبل النظام الدولي مابعد كورونا .. هل ستتغير خريطة القوى العالمية؟
شهدت
الولايات المتحدة الأمريكية ،منذ تولى دونالد ترامب الحكم فى يناير 2017, تحولا
ملحوظا فى سياستها الخارحية ومدى فعاليتها. الأمر الذى انعكس بدوره على مكانة
الولايات المتحدة الأمريكية فى النظام الدولى وخاصا فى ظل صعود العديد من القوى
على رأسها الصين وروسيا. وهوالأمر الذي أثار الجدل حول بداية تبلور نظام دولي
متعدد القطبية. وقد جاءت أزمة فيروس كورونا لتكشف لنا عن مستوى القوة الحقيقية للولايات
المتحدة الأمريكية والتى ظلت مهيمنة بمفردها على قمة النظام الدولى منذ انتهاء
الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م حتى الوقت الحالى.ففى ظل انتشار
الفيروس فى العديد من الدول ,وتزايد معدلات الإصابة والوفيات وتدهور الاقتصاد
العالمى لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بالدور المنوط بها القيام به تجاه دول النظام
العالمى باعتبارها الدولة القائدة فى هذا النظام. فلقد تخلت الولايات المتحدة
الأمريكية عن حلفائها ولم تقم بتقديم المساعدة والدعم لهم. ولم تستطع احتواء
الأزمة فى الداخل الأمريكي فى ظل تخبط السياسة الأمريكة فى التعامل مع انتشار
فيروس كورونا واتهام الرئيس الأمريكي باتباع سياسة فوضوية فى التعامل مع الأزمة. وقد
كشف فيروس كورونا عن مدى هشاشة البنية الأساسية للمنظومة الصحية الأمريكية, حيث
تعد الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن
أكبر دولة فى العالم من حيث معدلات الإصابة والوفيات فى ظل عدم القدرة على احتواء
انتشار الفيروس داخل الولايات الأمريكية. ومن ثم بدأ التشكيك فى الصورة التى
تصدرها دائما عن نفسها باعتبارها دولة عظمى قادرة على مواجهة كافة التحديات
والأزمات.وعلى الرغم أن مدينة ووهان الصينية كانت البؤرة التى انتشر منها فيروس
كورونا إلى باقى دول العالم، وعدم قدرة الصين على احتواء الأمر منذ بداية ظهور
الفيروس فى أواخر ديسمبر2019 ختى أواخر فبراير 2020, إلا إنها نجحت فى السيطرة على
انتشار الفيروس بداية من شهر مارس. بل ووصلت إلى تسجيل صفر فى معدل الإصابات
والوفيات فى بعض الأيام . وبعد احتواء الصين للفيروس شرعت فى القيام بدور دولى فعال كبديلة عن الولايات
المتحدة الأمريكية, محاولة بذلك ملئ الفراغ الدولى للتعامل مع الأزمة والذى حدث
بتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن القيام به. وقد قامت الصين بإرسال المساعدات إلى
العديد من الدولى الأفريقية والأوروبية مثل مصر وإيطاليا .وتمثلت هذه المساعدات فى
المستلزمات الطبية اللازمة للتعامل مع الفيروس. وبدأت دول العالم المختلفة القيام بتبنى التجربة الصينية للتعامل مع الفيروس وهو
الأمر الذى أدى إلى تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية . كما أن
الأزمة أظهرت ضعف الاتحاد الأوروبى وعجزه عن انتهاج سياسات موحدة تحد من الأزمة،
وهو الأمر الذى أدى إلى التشكيك فى مدى القوة الحقيقة للدول الكبرى وقدرتها على
التعامل مع الأزمات.
ومن ثم
فإن الهدف من هذه الدراسة هو إلقاء الضوء على ديناميكيات خريطة توزان القوة فى النظام الدولى ,وكذلك
إلقاء الضوء على السؤال التالى:هل من المتوقع أن تتغير فى المستقبل بعد انتهاء
الأزمة أم ستظل موازين القوى وهيكل النظام الدولى كما هو عليه؟ ولدراسة ذلك ينبغى
التعرف أولا على ميزان القوى فى النظام الدولى ماقبل كورونا بالتحديد منذ عام2017,
وكذلك دراسة التغييرات التى يشهدها النظام الدولى فى ظل الأزمة الراهنة وتوقعات
المستقبل فى ظل المعطيات الحالية لخريطة القوى فى النظام الدولى. وفى هذا الإطار
سينقسم البحث إلى ثلاث محاور رئيسية.
أولاً-
ميزان القوى فى النظام الدولى ما قبل كورونا (2017- أواخر ديسمبر 2019)
تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية فى النظام الدولي:
لقد بدأت
إرهاصات التغيير فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بوصول ترامب إلى
الحكم فى عام2017.حيث تراجع أداء السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وهو
الأمر الذى أثر بالسلب على المكانة الدولية لها. فمن الممكن القول بأن السياسة
الخارجية فى عهد دونالد ترامب تميزت بعدم وجود استراتيجية واضحة ومنهاجية محددة
للتعامل مع مختلف قضايا النظام الدولى.
فقد ظلت
الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات عديدة متربعة على قمة النظام الدولى وقادرة على
فرض إرادتها فى حل قضايا النظام الدولى المختلفة باعتبارها القوى العظمى فى
العالم. وهو الأمر الى نتج عنه تبلور نظام دولي أحادى القطب. والذى يعنى وجود دولة
واحدة على قمة النظام الدولى قادرة على وضع محددات هذا النظام وذلك بما تمكله من
قدرات اقتصادية وعسكرية وأمنية وتكنولوجية وغيرها من المحددات اللازمة لتصبح
الدولة هلى الدولة القائدة فى النظام الدولي.
فقبل عام
2017 اتسمت السياسة الخارجية بالانفتاح على مختلف قضايا النظام العالمى ومحاولة
لعب دور فعال ومؤثر فى هذه القضايا, وهو الأمر الذى اختلف بعد وصول ترامب إلى
الحكم وانتهاجه سياسية انعزالية إلى حد كبير ورغبته فى عدم توريط الولايات المتحدة
الأمريكية فى صراعات خارجية. والدليل على ذلك قيام ترامب بالانسحاب من الاتفاقيات
والمنظمات الدولية المتعددة الأطراف لتعارضها, من وجهة نظر ترامب, مع الأمن القومى
الأمريكى والشعار الذى يرفعه ترامب وهو"أمريكا أولا". كما قام ترامب
بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا فى 2019وهو الأمر الذى نتج عنه استقالة وزير
الدفاع الأمريكي جيم ماتيس فى إشارة إلى
عدم التناغم بين ترامب والمؤسسات المنوط بها صنع السياسة الخارجية. ومن ثم اتسمت السياسة
الخارجية الأمريكية فى عهد ترامب بالشخصنة, والتى تعنى أن السياسة الخارجية للدولة
لا تخضع لأجندة محددة المعالم ولكن تتم صياغتها وفقا لاتجاهات الرئيس وقناعاته
الشخصية. ولعل السبب الذى دفع ترامب إلى توجيه الاهتمام بالشؤون الداخلية
الأمريكية على حساب فعالية السياسة الخارجية هو الخلفية الاقتصادية لترامب. فترامب
بالأساس هو رجل أعمال معنى بالشؤون الاقتصادية ليصبح بذلك أول رئيس للولايات
المتحدة الأمريكية يتولى المنصب بدون خلفية
سياسية أو عسكرية.
الصراع الصينى الأمريكي:
وفى هذه
الأثناء ظهرت الصين كقوة صاعدة كبرى تحاول مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية على
مكانتها الدولية, وهوالأمر لم ترحب به الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت القوة
الناعمة من أهم الأدوات التى استخدمتها الصين من أجل الترويج لنفسها كدولة مسالمة تؤمن
بأهمية التعاون الدولى .ونجحت الصين فى النهوض باقتصادها لتصبح ثانى أكبر قوة
اقتصادية فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم شهدت السنوات التى
سبقت كورونا تبلور نظام دولى متعدد القوى
مع استمرار الولايات المتحدة الأمريكية فى
الهيمنة عليه.
كما
تميزت سياسة ترامب بتحويل الاهتمام من الشرق الأوسط إلى الصين والحديث عما يسمى"منافسة
القوى العظمى". ومن ثم شهدت العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية التوتر حول عدد من القضايا. فلقد اتهم ترامب
الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية للولايات المتحدة الأمريكية, والتجسس, والتلاعب
بالعملة الصينية وقيامها بإغراق الأسواق فى جميع أنحاء العالم بالمنتجات الصينية.
ومن ثم قام ترامب بفرض مجموعة من الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية إلى
الولايات المتحدة الأمريكية وذلك فى محاولة منه لتعديل الميزان التجاري المختل
لصالح الصين. وبدأ ترامب فى الحديث عن
الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية, الأمر الذى أثر بالسلب ليس
فقط على اقتصاد الدولتين محل الصراع ولكن على اقتصاديات دول العالم المختلفة. وفى ديسمبر
2019 تم توقيع اتفاق تجاري مبدأى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لخفض
الرسوم الجمركية مقابل التزام الصين ببعض الشروط التى وضعتها الولايات المتحدة
الأمريكية لمحاولة إعادة الاتزان إلى الميزان التجارى المختل بين الدولتين. وقد
أعقب هذا الاتفاق توقيع اتفاق المرحلة الأولى فى 2019 وذلك بهدف إنهاء الحرب
التجارية بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، والتى قد أدت إلى تباطؤ معلات
النمو فى الاقتصاد العالمى. وقد أدى ظهور فيروس كورونا فى البداية إلى محاولة
ترامب للضغط على الصين لتقديم المزيد من التنازلات ومحاولة التنصل من االالتزمات
الملقاة على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاق المرحلة الأولى الموقع
2019, أى قبل ظهور الفيروس بفترة قصيرة. ومن القضايا محل الخلاف بين الدولتين كذلك
قضية بحر الصين الجنوبى وتايوان وإصرار الصين أن تايوان هى جزء منها ومحاولة ضمها
لها مستخدمة القوة العسكرية فى ظل رفض الولايات المتحدة الأمريكية لذلك.
الاتحاد الأوروبي و الدور الروسي فى النظام الدولى:
لقد عانى
الاتحاد الأوروبى من العديد من المشكلات على الصعيد السياسي والاقتصادي مما أدى
إلى تراجع دوره فى النظام الدولي. وقامت بريطانيا فى عام 2016 بعمل استفتاء للانسحاب
من الاتحاد الأوروبى فى سابقة هى الأولى من نوعها منذ تأسيسه. ومن المتوقع أن تخرج
بريطانيا من الاتحاد لأوروبي بشكل كامل فى نهاية عام2020.وهو الأمر الذى لاقى
قبولا واسعا لدى ترامب وذلك لرغبته فى
تفكيك الاتحاد الأوروبي حتى لا يصبح قوة كبرى تمثل تهديد على مكانة الوالايات
المتحدة الأمريكية فى النظام الدولي.
بينما استمر
الصعود الروسى فى هذه الأثناء من خلال الدور الذى تستمر روسيا فى القيام به منذ
تدخلها العسكرى فى سوريا فى 2015 ومحاولة توجدها فى الشرق الأوسط لتأكيد دورها
كدولة فاعلة فى النظام الدولى.
ثانياً-
التغييرات التى يشهدها النظام الدولى فى ظل كورونا:
عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على احتواء الأزمة على المستويين
المحلى والعالمى:
لقد جاءت
أزمة فيروس كورونا لتكشف عن مدى هشاشة الدول الكبرى فى العالم وعجزها عن التعامل
مع الأوبئة فى ظل نجاح دول أخرى محدودة القوة فى احتواء الأزمة مثل دولة الأردن.
بل وكشفت الأزمة عن هشاشة الدولة التى تضع نفسها على رأس النظام الدولى وتتزعمه.
فالدولة القائدة للنظام الدولى ليست الدولة التى تتفوق فى جميع جوانب القوة عن
باقى الدول, وليست الدولة التى تمتلك فقط حرية أكبر فى اتخاذ القرارات التى تتعلق بغيرها من الدول فى النظام الدولي, وكذلك
ليست الدولة التى تستطيع فقط فرض إرادتها
فى مختلف القضايا. بل يقع على عاتقها أيضا ضرورة حماية النظام الدولى وتقديم يد
العون إلى كافة أعضائه فى حالة تعرضه لتهديدات تزعزع استقراره, وذلك بغض النظر عن
طبيعة هذه التهديدات. وهو ما لم تقم به الولايات المتحدة الأمريكية فى ظل انتشار
فيروس كورونا. ففى بداية الأزمة عندما أعلنت الصين لأول مرة عن وجود فيروس جديد
سريع الانتشار, لم تتعامل الولايات المتحدة الأمركية مع الأمر بجدية. وقد أبدى
ترامب فى البداية استعداده لتقديم المساعدة للصين. ويبدو أن ترامب كان يأمل فى انهيار
الدولة الصينة على كافة المستويات فى ظل انتشار الفيروس بها حتى يستطيع فرض الشروط
الأمريكية بشكل من الأريحية فيما يخص الحرب التجارية وغيرها من القضايا العالقة
بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وما هى إلا فترة قصيرة حتى انتشر الفيروس
فى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل سريع وفقدت الولايات المتحدة الأمريكية القدرة
على السيطرة عليه لتصل الإصابات حتى الآن 30/6/2020
إلى أكثر من مليوني ونصف إصابة و أكثر من 135 ألف حالة وفاة. حيث انهارت المنظومة
الصحية الأمريكية تماما, والتى كشفت الأزمة عن مدى ضعفها وعدم توافر أبسط المستلزمات
الطبية اللازمة لمواجهة الفيروس. ومن ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية
بالانكفاء على نفسها لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه فى ظل عدم قدرة ترامب على اتخاذ
سياسة صحيحة للتعامل مع الأزمة وماخلفته من تدهور فى الاقتصاد العالمي.
بل وسعى ترامب فى محاولة احتكار عقار
لعلاج فيروس كورونا ومحاولة شرائه من شركة ألمانية معتقدا انه بذلك سيستطيع إعادة
هيبة الولايات المتحدة الأمريكية, ونفاذ كلمتها وإحكام سيطرتها على النظام الدولي.
والجدير
بالذكر أن الحرب التجارية الصينية الأمريكية كان لها دور هام فى انتشار الفيروس
بشكل كبير حيث شككت الدول والشعوب المختلفة فى مدى مصداقية الصين فى الحديث عن وجود فيروس جديد. واعتقدت
العديد من الدول ان الأمر لايخرج عن كونه حربا أمريكية ضد الصين. ولكن سرعان ما انتشر
الفيروس فى معظم أنحاء العالم ليثبت صدق الرواية الصينية بشأن وجود فيروس جديد.
ولكن هذا الأمر, وفقا لبعض الخبراء، لا ينفى إمكانية تورط الصين فى صنع هذا
الفيروس فى إطار حرب بيولجية مع الولايات
المتحدة الأمريكية وتعمدها تصديره إلى باقى الدول.
التصريحات العدائية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
ومن ثم
اشتعلت الحرب الكلامية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى ظل اتهام ترامب للصين
بأنها السبب فيما آلت إليه الأوضاع فى دول العالم المختلفة. وإصراره على تسييس
الفيروس واقتراحه تسمية الفيروس بالفيروس الصيني. والجدير بالذكر أن ترامب لا يترك
أى مناسبة إلا ويقوم بإلقاء اللوم على الصين واتهامها بإخفاء المعلومات فى بداية
الأزمة وعدم تشاركها مع الدول المختلفة وهو ما أى إلى انتشار الفيروس فى معظم
أنحاء العالم. بل وهدد ترامب بقطع العلاقات مع الصين وانه سيقوم بمعاقبتها بعد إنتهاء
الأزمة وفتح التحقيقات لكشف مصدر الفيروس وهو الأمر الذى أنكرته الصين بشدة. وقد
رفضت الصين تصريحات ترامب وطالبته بالنظر إلى كيفية احتواء الأزمة بدلا من
الاتهامات المستمرة للصين. وصرحت الصين أن السبب وراء تصريحات ترامب هو إنه يريد
أن يبعد الأنظار عن عدم قدرته على التعامل مع الأزمة بتحويل الأنظار إلى الصين.
ويبدو أن ترامب قد نجح جزئيا فى ذلك حيث تشير استطلاعات الرأى فى العديد من الدول إلى
حالة العداء الذى يكنها الأفراد فى مختلف الدول ،وخاصة فى الولايات المتحدة
الأمريكية، ضد الصينيين. فلقد تراجعت شعبية الصين بشكل كبير فى العديد من دول
العالم بسبب الأبحاث التى تتحدث عن أن العادات الغذائية للصينين أدت إلى ظهور فيروس كورونا. ويبدو أن المساعدات
التى شرعت الصين فى تقديمها إلى دول العالم المختلفة لم تحد من حالة العداء ضدها.
الصين ما بين كونها بؤرة، مروراً باحتواء الانتشار
استطاعت
الصين ,بعد مرور شهرين من انتشار الفيروس بشكل كبير وتزايد أعداد الإصابات
والوفيات, العبور من الأزمة لتصل إلى تسجيل صفر فى الإصابات الجديدة فى العديد من
الأيام. واستمر الانخفاض فى معدلات الإصابة والوفيات,وبدأت الصين فى إعادة الحياة
لطبيعتها مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية. ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا بسبب
العودة إلى زيادة معدلات الإصابات والحديث عن موجة ثانية للفيروس. ولكن تظل
الأوضاع فى الصين بصفة عامة تحت السيطرة حتى الآن. ومن ثم أصبحت التجربة الصينية
هى النموذج الذى تريد الدول اتباعه لمواجهة انتشار الفيروس.
ومن ثم
سيقع على عاتق الصين محاولة النهوض الاقتصادى مرة أخرى بعد تدهور الاقتصاد الصينى المعتمد
بشكل أساسي على التجارة والتى تأثرت سلبيا بانتشار فيروس كورونا. حيث يعتقد بعض
الخبراء بأن معدل نمو الاقتصاد الصيني لعام 2020 من المتوقع أن يسجل صفر%.
الاتحاد الأوروبي وروسيا فى مواجهة فيروس كورونا
وبالنسبة
لطريقة تعامل الاتحاد الاوروبي مع الفيرس؛ فلقد اتسم بالبطء فى اتخاذ القرارات
اللازمة لاحتواء انتشار الفيروس, وغياب التعاون بين الدول الأوربية وغياب وجود
رؤية مشتركة بين الدول عن كيفية التعامل مع الفيروس. وهو الأمر الذى أدى إلى
انتشاره فى معظم دول الاتحاد الأوروبي وانهيار المنظومة الصحية فى الدول الأوروبية,
واتباع السياسة الصحية المتبعة فى الحروب والتى تعنى قيام الأطباء اختيار من الذى
يستحق تلقى العلاج ومن يترك ليلاقى حتفه.
وعلى
الرغم أن روسيا هى ثالث أكبر دولة فى العالم من حيث معدل الإصابات حيث بلغت
الإصابات حتى 30/6/2020 أكثر من 647 ألف حالة إصابة وبلغ عدد الوفيات أكثر من 9
آلاف إلا إنه من الملاحظ الانخفاض فى عدد الوفيات نسبيا مقارنا بعدد المصابين. وفى
هذا الإطار صرح الرئيس الروسي بوتن:" أن روسيا تتعامل بشكل أفضل من الولايات
المتحدة الأمريكية فى إدارة الأزمة". ومن ثم قامت روسيا بإرسال المساعدات إلى
إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية لمساعدتهم فى التعامل مع الأزمة.
تأثير الفيروس على مفهوم العولمة
ومن ثم
نجد أن مفهوم العولمة أصبح غير قادر على الصمود فى ظل انتشار فيروس كورونا. فبعد
عصر الانفتاح والحديث عن أن العالم أصبح قرية صغيرة, والقدرة على تجاوز الحدود, وتزايد
العلاقات بين الدول فى كافة المجالات والاعتماد المتبادل, جاء فيروس كورونا ليجعل
الدول تمنع الانتقال والسفر فيما بينها. وتأثرت اقتصاديات الدول التى تعتمد على
دول أخرى فى تصنيع بعض المنتاجات نتيجة لتوقف العديد من الصناعات. وقامت جميع
الدول بفرض إجراءات التباعد الاجتماعى والتى من المتوقع أن تستمر إلى أن ينحسر
الفيروس ويتم إنتاج اللقاح المناسب. فنجد أن دول الاتحاد الأوروبي قامت بمنع الانتقال الحر بين الدول والذى كان متاحا
من قبل. بل وقامت بعض الدول بإصدار قرارات
لمنع فتح حدودها مع إيطاليا وهو الأمر الذى يشير إلى التهديدات التى يواجها الاتحاد
الأوروبي فى ظل انتشار فيروس كورونا.
ثالثاً- توقعات
مستقبل النظام الدولى مابعد كورونا
لقد أدى
فيروس كورونا إلى تدهور الاقتصاد العالمى, وانهيار الأسهم فى أسواق المال العالمية
, وانخفاض أسعار النفط وكذلك تأثر الاقتصاديات فى جميع دول العالم. وسيترك الفيروس
آثاره السلبية على اقتصاديات العالم على المدى البعيد, الأمر الذى سيتطلب من جميع
الدول التعاون من أجل النهوض مرة أخرى بالاقتصاد. ومن ثم فإن الدولة التى ستستطيع
تجاوز آثار الأزمة سريعا والنهوض بالاقتصاد مرة أخرى هى التى ستتمكن من لعب دور
فعال ومؤثر فى النظام الدولى.
ومن ثم
انقسم الخبراء السياسيون إلى فريقين,؛ الفريق الأول يرى أن خريطة القوى فى النظام
الدولى فى فترة مابعد كورونا ستظل كما هى, والفريق الأخر يرى أن هناك تغييرات
ستحدث وخاصا فى ظل النجاح الصيني فى التعامل مع الأزمة وتراجع مكانة الولايات المتحدة
الأمريكية.
وفي
الواقع فإن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية مابعد كورونا فى النظام العالمى مرهونة
بأمرين؛ أولا: القدرة على تجاوز الأزمة وإعادة النشاط الاقتصادي وإعادة ثقة
الحلفاء بها ,ثانيا :المرشح الأمريكي الفائز فى الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فى 3
نوفمبر2020. ففى حالة فوز ترامب من المتوقع أن يستمر التراجع فى المكانة الدولية
للولايات المتحدة الأمريكية وفقدان الثقة فيها كدولة عظمي قائدة للنظام الدولى.
ولكنها على الرغم من ذلك ستستمر فى كونها الدولة العظمى فى النظام الدولي بما ليها
من محددات عسكرية وسياسية وأمنية تتفوق بها عن باقى دول العالم. وفى حالة فوز
ترامب من المتوقع نشوب حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية, وخاصا فى
ظل رغبة ترامب بما يمكن أن نطلق عليه "الانتقام من الصين" لما تسببت به
من فوضى فى النظام العالمي. ويستبعد استخدام ترامب للقوة العسكرية فى تعامله مع
الصين وذلك استنادا إلى موقف ترامب من قيام إيران بقصف قاعدة عين الأسد العسكرية
الأمريكية الموجودة فى العراق. حيث توقع المحللون السياسيون والخبراء رد عسكري
عنيف من ترامب, واحتمال حدوث حرب أمريكية إيرانية وهو مالم يحدث. ويبدو أن ترامب
يفضل استخدام العقوبات الاقتصادية فى صراعاته الدولية.وعلى صعيد أخر صرح المرشح
الجمهورى جون بايدن أنه فى حالة فوزة بالانتحابات الرئاسية فإنه سيتبع سياسة
خارجية أكثر صرامة مع الصين. ومن ثم من المتوقع فى حالة فوز المرشح الجمهورى أن
تذهب العلاقات الصينية الأمريكية فى اتجاه
أخر.
كما إنه من
المتوقع فى حالة تجاوز الصين للأزمة, وخاصة فى ظل الحديث عن موجة ثانية للفيروس أشد
فتكا , أن يتم إعادة النظر إليها باعتبارها دولة كبرى لا يستهان بها بما لديها من قدرة
على التعامل فى الأزمات الطارئة, والقيام بدور دولى فعال فى مساعدة الدول الأخرى.
ولكن من غير المتوقع أن تحل مكان الولايات
المتحدة الأمريكية كقوى عظمى فى النظام الدولي . بل من المحتمل أن يتبلور نظام
دولي مائل إلى الثنائية القطبية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية, يسوده التنافس
من أجل الهيمنة على النظام الدولي. وذلك فى ظل الضعف الذى أصاب الاتحاد الأوروبى
وتراجع الأداء الروسي فى النظام الدولى.
كما إنه
من المتوقع أن تتغير خريطة التحالفات بين الدول المختلفة ولاسيما بعد فقدان الثقة
فى الولايات المتحدة الأمريكية كحليف من الممكن أن يتم الاعتماد عليه فى وقت
الأزمات.
ستقوم
الدول بإعادة النظر فى الأولويات الاستراتيجية لها. فعلى مدار السنوات السابقة
كانت الدولة تعطى الأولوية للأمن القومى من الناحية العسكرية حيث كانت تتسابق
الدول فى امتلاك الأسلحة المتطورة ولم تدرك الدول أنه من الممكن لفيروس لا يري
بالعين المجردة أن يتسبب فى انهيار الدول, وخاصة إذا كانت هذه الدولة لا تمتلك
بنية صحية قوية. ومن ثم لابد من وجود دور فعال للدولة لإعادة تأسيس بنية تحتية
قوية للمنظومة الصحية فى مختلف دول العالم.
ستتجه
الدول إلى محاولة التقليل من فكرة الاعتماد المتبادل فى المجالات المختلفة وذلك
حتى لا تستخدمها الدول كأداة للضغط على بعضها فى حالة الأزمات.
من
المتوقع أن يستمر ضعف الاتحاد الأوروبى ولكن ليس لدرجة التفكك كما تشير بعض
الدراسات, وذلك لأن دول الاتحاد لا تستطيع تحمل تبعات التفكك.ولكن من المتوقع أنه ستكون
هناك ضوابط فى الانتقال بين الدول وربما ستنتفى فكرة الانتقال الحر بين دول
الاتحاد بشكل دائم.
فيروس كورونا والصراعات الدولية:
يرى بعض
الخبراء أن الفترة التى تعقب انتشار الأوبئة تقل فيها الصراعات الدولية وتقل حدتها
وذلك بسبب توجيه كل دولة اهتماها لإعادة
البناء الداخلي, والنهوض بالاقتصاد, ومعالجة كافة الآثار السلبية التى
خلفتها الأوبئة أو الكوارث الطبيعية فى كافة المجالات. واتجاه الدول إلى التعاون
فيما بينها من أجل تجاوز تعبات الأوبئة والكوارث الطبيعية. بل ويقل الاهتمام
الموجه من الدول التى ليست طرفا فى الصراع إلى القضايا الدولية المختلفة. ويتم
الاستدلال على ذلك باستطلاع الرأى الذى عقد فى بعض الدول الأوروبية حول وقف إطلاق
النار فى ليبيا والذى كشف عن أن الدول الأوروبية أصبحت أقل اهتماما بالقضية
الييبية. وهناك فريق أخر يرى أنه لايوجد علاقة بين الأوبئة من جهة وبين الصراعات
الدولية من جهة أخرى فى فترة مابعد الأزمات. ويستدل على ذلك بعدم توقف الصراعات
الدولية بعد الانفلونزا الأسبانية, حيث استمرت الصراعات الدولية ونشبت العديد من
الحروب.
خاتمة
تم التوصل إلى مجموعة من النتائج والتى تتمثل فى:
1.هناك
العديد من المتغيرات التى يشهدها النظام الدولى منذ سنوات والتى ساهم فيروس كورونا
فى إبرازها بشكل واضح. لقد شكك فيروس كورونا فى مصداقية الولايات المتحدة
الأمريكية حول قدرتها على إدارة الأزمات وتقديم المساعدة لدول النظام الدولى فى ظل
انتشار الأوبئة. وفى المقابل قامت الصين بمحاولة ملء الفراغ الذى تركته الولايات
الأمريكية بتجاهل دورها كدولة قائدة للنظام الدولى. ومن ثم انقسم الخبراء
السياسيون إلى قسمين؛أحدهم يرى أن خريطة القوى فى النظام الدولى لن تتغير فيما بعد
كورونا, والأخر يرى إنه ستحدث تغيرات تتفاوت حدتها وفقا لمعطيات ستتحدد فى الايام
المقبلة مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية , والدول التى ستستطيع التعافى سريعا
والنهوض باقتصادها مرة أخرى.
2.مستقبل
العلاقات الصينية الامريكية مرهون بالانتخابات الرئاسيىة الأمريكية, ففى حال
استمرار ترامب من المتوقع نشوء حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن على الرغم من ذلك من المحتمل أن ترغب الصين فى فوز ترامب وذلك بسبب ماقام به
من الانسحاب من الاتفاقيات الدولية والمنظمات الدولية المتعددة الأطراف. بالإضافة
إلى عدم فعالية السياسة الخارجية فى عهده وتراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية
فى النظام الدولي وخاصا فى ظل عدم تفضيل ترامب استخدام القوة العسكرية كخيار لحل
القضايا المختلفة. والديل على ذلك عدم رد ترامب على ماقمات به ايران من ضرب قاعدة
عين الاسد العسكرية فى العراق بعد توقع الخبراء لاندلاع حرب إيرانية أمريكية.
3.لكى
تستعيد الولايات المتحدة الأمريكية مكانتها الدولية لابد من أن تقوم بواجبتها
الدولية تجاه أعضاء النظام الدولى وأن تتحمل المسؤولية الدولية وتعيد الثقة إلى
حلفاؤها مرة أخرى. وفى حالة عدم حدوث ذلك واستمرار تخلى أمريكا عن حلفاؤها, من
المتوقع أن يتغير هيكل التحالفات الدولية بعد أزمة كورونا ليختل ميزان القوى لصالح
الصين.
4.من
المتوقع تراجع دور الاتحاد الأوروبي بشكل كبير فى مرحلة مابعد تجاوز أزمة كورونا.
5.كشف
فيروس كورونا عن ضرورة تغيير الأولويات الاستراتيجية للدول و أهمية الاتجاه لتحقيق
الاكتفاء الذاتى فى العديد من الصناعات وعلى رأسها صناعة المعدات والمستلزمات
الصحية.
6.أدى
انتشار فيروس كورونا وما نتج عنه من تداعيات إلى التشكيك فى قدرة العولمة على الاستمرار,
وخاصا فى ظل الحديث عن إغلاق الحدود ووضع شروط فى حالة فتحها وصعوبة الانتقال الحر
بين دول الاتحاد الأوروبى وغيرها من الدول.
قائمة المراجع:
أولاً-
قائمة المراجع باللغة العربية:
1.باسم راشد, هل يتجه
الاتحاد الأوروبي إلى التفكك بعد أزمة كورونا؟, مركزالمستقبل للأبحاث والدراسات
المتقدمة, 31/3/2020.
2.سجاد نشمي, صعود الصين
وقلق الولايات المتحدة الأمريكية, مركز البيان للدراسات والتخطيط, 17/12/2016.
3.كارن أبو الخير, هل ينذر
انتشار كورونا بتراجع روابط العولمة؟, مركزالمستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة, 1/3/2020.
4.كيفين
رود, هل يتجه النظام العالمي للفوضي بعد أزمة كورونا؟, مركزالمستقبل
للأبحاث والدراسات المتقدمة,
10/6/2020.
5.مروان
المعشر, أزمة كورونا وإمكانية التغيير للأفضل, مركز كارنيغى للشرق الأوسط,
30/3/2020.
ثانياً- قائمة المراجع باللغة الإنجليزية:
1.International crisis
group,24/3/2020.
2.Center for Disease
Control and Prevention, 29/6/2020.
3.Dario Cristiani,
Russian Motives Behind Helping Italy's Coronavirus Response: A Multifaceted
Approach, The JamesTown Foundation, 8/4/2020.
4.Justin Logan, No One Has a
Clue What to Do About China, The National Interest, 10/5/2020.
5.Kirill Kukhmar, Coronavirus
in Russia: The latest news, The Moscow Times, 30/6/2020.
6.Sven Biscop,
Coronavirus and power: The impact on international politics, Security Policy Brief,
no.126, march2020.
7.Will covid-19 reshape the global
economy, The World Bank, 4/5/2020.