معضلة كورونا وتاريخ انتشار الأوبئة في إيران
لم تمنح إيران الكثير من الانتباه والاهتمام لفيروس
كورونا المنتشر في كثير من دول العالم حاليًا، الأمر الذي أدى لتفاقمه وانتشاره
بشدة بين مواطني الجمهورية الإسلامية؛ حيث كان رد فعل الحكومة غامضًا ومقصورًا
بشكل ملحوظ، مع الاتجاه لتفضيل الأولويات السياسية والدينية على سياسات الوقاية
العملية. وفي هذا السياق، أشار الأستاذ المشارك في الطب النفسي، الصحة العالمية
والتاريخ بجامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب "العدوى الحديثة: الإمبريالية والصحة
العامة في عصر الكوليرا في إيران" أمير أفخامى، إلى إنه عندما بدأ انتشار
فيروس كورونا في المدينة الصينية "ووهان"، قامت الدول الأخرى باتخاذ بعض
التدابير اللازمة بغرض الاستعداد لمكافحة المرض.
لكن على النقيض
من ذلك استمرت طهران في تصدير أقنعة الوجه (الكمامات) إلى الصين، مما تسبب في نقص
وطني عندما احتاجت مستشفياتها إلى أقنعة في فبراير لعام 2020، كما رفضت إيران
أيضًا تقييد حركة المسافرين القادمين من الصين التي تعتبر بمثابة أكبر شريك تجاري
لها، لتجنب أي تأثير ضار على اقتصادها المتدهور بالفعل، على خلفية العقوبات
الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الانسحاب الأمريكي من
الاتفاق النووي في مايو لعام 2018.
فقبل شهر واحد فقط من الإبلاغ عن أولى حالات الإصابة
بفيروس كورونا في إيران، اسقطت الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري طائرة ركاب
أوكرانية راح ضحيتها عدد كبير من أبناء طلبة الجامعات الإيرانية. وعليه، باتت
معالجة الأزمات من جذورها أمر مشكوك فيه في طهران، الأمر الذى ولد أزمة ثقة بين
المواطن الإيراني والحكومة، كما أدى تفاقم العزلة الإيرانية على خلفية العقوبات
الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفض طهران طلب
المساعدة الدولية واعتمد المسؤولين بدلاً من ذلك على منح الأولوية لبقاء النظام على
حساب تفشي فيروس كورونا بين العامة.
وعلى الرغم من اختلاف الظروف إلى حد كبير، إلا أن هذا
النمط من السياسات يشبه بشكل لافت رد فعل الحكومة الإيرانية على نوبات الكوليرا
الوبائية التي تكررت في مطلع القرن العشرين؛ حيث عجزت السلطات الإيرانية في ذلك
الوقت عن وقف دخول الكوليرا عبر حدودها مما أضر بوضع الاقتصاد، وأثار احتجاجات
شعبية أجبرت سلالة القاجار الحاكمة في إيران آنذاك على إجراء تغييرات سياسية
كبيرة. وبالمثل، تسبب تفشي فيروس كورونا في سلسلة مماثلة من الأحداث؛ حيث تم فرض
حظر دولي متزايد على السفر على إيران، وانخفاض حاد في العملة الإيرانية التي تعاني
بالفعل من تدهور كبير، وعلى نفس المنوال، فإن إصلاحات الصحة العامة التي ساعدت في
نهاية المطاف على القضاء على وباء الكوليرا في إيران قبل قرن من الزمان، من
المحتمل أن تكون مفتاح احتواء تفشي فيروس كورونا اليوم.
أولاً-
رفض الاعتراف واتخاذ التدابير اللازمة
بدأت إيران في الإبلاغ عن وفيات فيروس كورونا في مدينة
قم في وقت مبكر من يوم 19 فبراير لعام 2020؛ حيث أظهر المسافرون من إيران إلى كندا
ولبنان إصابتهم بالفيروس على مدى اليومين اللاحقين، فعلى الرغم من تخفيف الرئيس
حسن روحاني من حالة القلق الداخلي المحيط بالفيروس باعتباره هستيريا لا مبرر لها،
إلا أن مصداقية إيران تعرضت لضربة أشد
عندما اضطر نائب وزير الصحة في البلاد ورئيس فرقة العمل المعنية بالفيروس إلى
الاعتراف بأنه مصاب بالمرض بعد أن ظهر مريضاً في مؤتمر صحفي، حتى صدر أحدث تقرير
رسمي عن الحكومة عن 54 حالة وفاة من أصل 978 حالة في جميع أنحاء البلاد مما يشير
إلى أن تفشي المرض في إيران إما أوسع بكثير من المبلغ عنه سابقًا أو المميت بشكل
غير عادي.
كما كانت استجابة طهران لسياسة تفشي المرض أكثر أهمية من
افتقارها إلى الشفافية؛ فمنذ اكتشاف وجوده في مدينة قم، رفضت وزارة الصحة
الإيرانية إنشاء حجر صحي في المدينة أو حولها، ووصفت هذا الإجراء بأنه قديم، وعليه
فشلت الإدارة في تحديد الأشخاص الذين وصلوا بالفيروس، عزلهم ومعالجتهم بشكل كافٍ،
وبالتالي، انتشرت العدوى إلى أجزاء أخرى من البلاد. وعليه، طلبت وزارة الصحة إغلاق
المعالم الدينية في قم، بما في ذلك ضريح فاطمة معصومة، الأمر الذي قوبل بالرفض من
قبل رجال الدين في طهران، معولين على أن هكذا إجراء من شأنه تعزز مؤامرة شريرة من
جانب الولايات المتحدة الأمريكية لجعل
المدينة المقدسة غير آمنة.
ثانيًا-
سياسات تقليدية للمواجهة
وعلى الرغم من أن فيروس كورونا جديد بالنسبة لإيران، إلا
أن استجابة الحكومة للفيروس مألوفة للغاية، ففي عام 1904، وصلت موجة وبائية من
الكوليرا إلى إيران؛ حيث حاولت طهران أولاً إيقاف العدوى عن طريق قصر الحج على
الأضرحة المقدسة، لكن قاوم آيات الله العظمى في ذلك الوقت هذه الجهود واتهم المسئولين
بتعزيز هدف "الكفار" الغربيين لمنع المؤمنين الشيعة من أداء واجباتهم
الدينية، على غرار حكومة روحاني الحالية، كان يفتقر رئيس الوزراء وحكومته إلى
القدرة على معارضة المؤسسة الدينية، كما تم السماح لقوافل الحجاج المصابين بتجاوز
الحجر الصحي الحكومي ونشر المرض، ثم كما هو الحال الآن، الأمر الذي جعل معدل الوفيات المتزايد من
المستحيل إخفاءه.
كما إن الحفاظ على انتشار الكوليرا سرًا وعدم القيام
بالكثير لاحتوائه قد ساعد في تضخيم الصدمة الديموغرافية والاقتصادية التي سببها
المرض؛ مما أدى بدوره إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق تدعو إلى إصلاح الحكومة،
وكانت النتيجة هى صعود الحركة المعروفة باسم "الثورة الدستورية"، التي
أنشأت نظامًا برلمانيًا وأدت إلى توقف قصير في تاريخ إيران الطويل من الاستبداد في
عام 1906. ولكن في العقد الثاني من القرن العشرين، أنشأت إيران نظامًا علمانيًا
للحكم وإدارة للصحة العامة؛ حيث بدأت في السيطرة على تفشي وباء الكوليرا، لذا، بات
من الواضح أنه من الأمور الأساسية لإنهاء تكرار الأوبئة وشدتها تبني الفهم
الميكروبيولوجي للأمراض المعدية، وبالتالي، تراجع العوائق الدينية والسياسية أمام
النهج المستنير تجريبياً لمكافحة الأمراض والوقاية منها وعلاجها.
في النهاية: يشير الكاتب إلى أنه يبدو وأن القيادة الحالية في
إيران قد نسيت هذه الدروس التي تم الحصول عليها بشق الأنفس، بما في ذلك النهج العلماني
للطب الذي حول مشهد الأمراض المعدية في البلاد بالقرن الماضي. لذا، ما لم يتبنى
قادة إيران نهجا أكثر شفافية، سرعة، وقوة لإيقاف العدوى، فمن المرجح أن يعيد
التاريخ نفسه، لأن تفشي فيروس كورونا المتنامي من شأنه أن يؤدي إلى تآكل شرعية نظام
ولاية الفقيه في إيران بشكل لا رجعة فيه.
المصدر:
Amir
A. Afkhami, Pandemics Ravaged Iran Long Before the Coronavirus, Foreign
Affairs, March 2, 2020, available at: