أسطورة الشر الخالص .. استخدام العلوم السلوكية في فهم ومكافحة الإرهاب
تمثل تلك المقالة محاولة لفهم ومكافحة ظاهرة الإرهاب عبر
استخدام المدخل السلوكي، وهي أحد المجالات ضمن اهتمامات الكاتب وهو هندي الجنسية حيث
يعمل باحث مساعد في مؤسسة Observer
Research Foundation في مومباي، وبحكم اهتماماته البحثية في فهم الآثار المترتبة على الصحة النفسية
للصراع السياسي، ودور علم السلوك في تشكيل نتائج السياسة الخارجية والخطاب المتعلق
بمكافحة التطرف العنيف.
وهو يرى ضرورة إجراء فحص أعمق لمسببات الإرهاب، واستخدام
الأدوات النفسية والعصبية لفهم هذه التهديدات ومواجهتها. وذلك في ظل أن
الاستراتيجيات التقليدية لمكافحة الإرهاب التي تركز على الحملات العسكرية قد حققت
نجاحًا ضئيلًا على مر السنين. بل إن بعض المحللين أشاروا إلى أن الوجود العسكري
الأمريكي المتزايد في المنطقة العربية كان أحد العوامل التي أدت إلى هجمات الحادي
عشر من سبتمبر. كما أن نبذ المتطرفين ونقلهم إلى أطراف المجتمع بوصفهم غير منسجمين
مع المجتمع أو غريبي الأطوار قد فشل أيضا في حل المشكلة.
وفي هذا السياق تغلب الباحث على إشكالية عدم وجود تعريف
مشترك لـ "الإرهاب"، حيث بدأ دراسته بوضع ثلاثة معايير تحدد التنظيمات
الإرهابية في إطار دراسته، وهي:
- أن تستخدم
الجماعات العنف –خاصة ضد المدنيين- من أجل إحداث تغيير سياسي.
- اللجوء إلى زرع الخوف في عقول الناس كوسيلة لتعويض عدم
تكافؤ القدرات العسكرية بين الجماعة والدولة
- الانخراط في أعمال بغيضة أخلاقيا من أجل زرع الخوف.
ولذلك، وفي هذا السياق، يدفع الكاتب بأهمية "
فهم العمليات النفسية الكامنة وراء
الإرهاب وتطوير تنبؤات نفسية موثوقة عن السلوك العنيف" ويؤكد على أهمية تجاوز
التحليلات لاعتبار الإرهابيين متطرفين غريب الأطوار يسعون إلى العنف ويفتقرون إلى
الإنسانية، بل يرى بأن هناك عوامل دافعة ومانعة تجاه مسألة التطرف وحمل السلاح.
وتعتمد الدراسة على الاستفادة من علم النفس وعلم الأعصاب
ونظرية الصراع بين المجموعات لفهم العقل الإرهابي، وعلى الجانب الآخر تدفع بقصور
النماذج التقليدية في تفسير الإرهاب العالمي ومنها "الاعتقاد السائد بأن معظم
المتطرفين الذين يمارسون العنف قد نشأوا في منازل وبيئة محطمة أو ضحايا لإساءة
معاملة الأطفال" حيث بالنظر إلى تنظيم "داعش" على سبيل المثال فإنه
ينجح في ضم أفراد متعلمين ومنتمين إلى مجتمعات ثرية. وفي هذا السياق فقد أشارت
نتائج بحث أجراه الطبيب النفسي "مارك ساجيمان" إلى أن من بين 171 إرهابي
تابعين ل"الجهاد السلفي العالمي" –تنظيم القاعدة حينذاك-عمل على دراسة بياناتهم
وشخصياتهم فإن واحداً فقط قد وثُقت أدلة على تعرضه لصدمات طفولة. ولذلك فإن الكاتب
يطرح دراسة الأسس النفسية للإرهاب ودور الحرمان النسبي والتغريب الثقافي ونظريات
الاختيار العقلاني في شرح أسباب التطرف العنيف.
أولاً-
الأسس النفسية لتكوين الجماعة الإرهابية
في داعش فإن "الحاجة على الانتماء" تظهر كدافع
مشترك بين المجندين، حيث ظهرت حالات متنامية لأبناء الطبقة الوسطى من المهاجرين الذين
يشعرون بخيبة أمل ويقتنعون بالانضمام إلى التنظيم، رغم أن الحضور إلى المساجد لم
يكن ممارسة شائعة لديهم. مما يعضد من فرضية الحاجة إلى الانتماء وصراع الهوية على
حساب فرضية التطرف الديني المسبق.
وبحسب المقابلات التي أجرتها "روكميني ماريا كاليماشي"
فقد قال أحد أفراد تنظيم داعش من المهاجرين لكندا أنه لم يشعر بأنه "كندي
حقيقي" بسبب وضعه كمهاجر وإجازاته المتكررة إلى باكستان، وأن الحرب الأمريكية
على العراق وممارسات جوانتانامو وسعت من صراع الهوية لديه وعمقت من تصوره بأن
الولايات المتحدة تشن حربا على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب، كما يضيف أن
تعاليم سيد قطب لعبت دورا رئيسياً في تطرفه أيضاً. وفي هذا الإطار فإن صراع الهوية
يدفع الأفراد إلى تشكيل مجموعات بهويات قوية وإضفاء الشرعية على العنف ضد المجموعة
الخارجية تحت شعار "نحن ضدهم" وهو ما تلعب عليه الجماعات الإرهابية عبر
توظيف فكرة الأخوة الإسلامية العالمية وحديث الرسول محمد (ص) عن الجسد الواحد الذي
يشعر بألم أحد أعضائه، وهو ما كان دافعا رئيسيا لذهاب البعض للدفاع عن السوريين
والقتال ضد نظام بشار الأسد. ويربط الكاتب بين هذه الفكرة وفكرة الولاء والبراء،
كما ربطها أيضا بدراسات عصبية تتحدث عن استجابة اللوزة الدماغية لفكرة التمييز ضد
مجموعة خارج المجموعة، وفكرة الآخر.
مقولة أحد الداعشيين في المقابلات بأن "المفتاح هو وضع
إطار لتظلماتهم الشخصية بطريقة تجعلهم يعتقدون أنهم يستطيعون المساهمة في قضية أوسع"
توضح فكرة تشكل الجماعات الإرهابية وعملها في إطار رد فعل على ظلم ظاهر، حيث يظهر
لدى الجماعات الإرهابية موقف عميق ومقنع للأفراد فيما يتعلق بمعاناتها، وتغذي تلك المعتقدات
لتبرير العنف. وتعمل في هذا السياق على إقناع أفراد -بخلفيات مختلفة-بالانضمام إلى
قضيتهم بفضل دور "الضحية".
ثانياً-
نموذج الاختيار العقلاني: لماذا لا يعمل؟
أحد التفسيرات الأكثر شيوعًا للإرهاب كقرار استراتيجي تعتمد
على نموذج الاختيار العقلاني. وقد تم تطبيق نظرية المنطق الاقتصادي لأول مرة في فهم
السلوك الإجرامي من قبل كورنش وكلارك في عام 1997. وهذا النموذج يفترض أن الإرهابيين
ممثلون عقلانيون يسعون إلى زيادة فائدتهم، ويتفهم استخدام العنف ضد المدنيين باعتباره
يحقق أقصى منفعة. وفي نفس الإطار فسر "روبرت بيب" الإرهاب الانتحاري
بأنه يدور حول فكرة الأفراد الذين يضحون من أجل مصلحة الجماعة. لكن نموذج الاختيار
العقلاني غير قادر على تفسير بعض التناقضات في العمل الإرهابي مثل تلك التي أوضحها
"روي باومايستر" بقوله أن "الحروب تضر بالجانبين، معظم الجرائم لا تحقق
سوى القليل من المكاسب المالية، والإرهاب والاغتيالات لا يؤديان أبدًا إلى إحداث التغييرات
السياسية المرغوبة." وهو ما يشير إلى أن الإرهاب في كثير من الأحيان اختيار يتحدى
المفاهيم التقليدية للعقلانية.
ثالثاً-
الارتباطات العصبية للإرهاب
قسم علماء النفس سمات "الإرهابيين" إلى نوعين،
الأول يتناسب مع التصورات التقليدية للإرهابي، ولديهم مبررات عقلانية تشمل سحر الخطابة،
والانحراف الاجتماعي، والقسوة، وقلة التعاطف، والبحث عن الإحساس والعدوانية العنيفة.
ومع أن بعض عناصر الملف التعويضي النفسي تساعد في فهم جوانب العمل الإرهابي لدى
بعضهم إلا أن ذلك لا يجعلهم ضمن فئة المختل العقلي. لكن هناك على الجانب الآخر
عناصر إرهابية غالباً ما تكون غنية وذات تعليم جيد ولطيفة الكلام ومتكيفة بشكل جيد
في المجتمع. ومع هذا التناقض فإن العلوم العصبية يمكن أن تساعد في تحديد الخيط المشترك
بين هذين النوعين من السمات.
وتحدثت الأبحاث العصبية عن فكرتي التمتع بالعدوان وتناقص
القدرة على التحكم بالسلوك العدواني وربطهم بهياكل الدماغ، وهو ما يوضح مثلا أن
عملية قطع الرؤوس التي يقوم بها أفراد تنظيم "داعش" تمدهم بالرضا.
وبالطبع فإن هذا لا ينسحب على كل الإرهابيين لكنه يساعد في فهم طبيعة بعضهم إلى
جانب خصائص أخرى. كما أن الدماغ ترتبط لدى البعض بالعنف عبر آليات المكافأة
والمتعة، حيث تنشط "مستقبلات الدوبامين" بشكل كبير رداً على نوبات العدوان،
وهو ما يشير إلى أن الدماغ يربط أعمال العدوان بآليات المكافأة والسرور، وهو ما
يفسر جانب من ميل الأفراد للعنف رغم عدم وجود دوافع عقلانية.
كما تناولت دراسات أخرى الأفراد الذين يعترفون بدعم قضية
إرهابية. كالدراسة التي فحصت ردود الفعل العصبية لـ 30 إسبانيًا من مواليد باكستان
أقسموا على ولائهم لحركة طالبان وتعهدوا بالقتال ضد الغرب باسم الجهاد. ووجدت الدراسة
نشاطًا عاليًا في قشرة الفص الجبهي البطني استجابةً للأسئلة المتعلقة باستعدادهم للموت
من أجل الجهاد. وتدعم الأدلة العلمية العصبية أهمية القيم المقدسة الهامة كعامل أساسي
يجعل الناس ينضمون إلى الجماعات الإرهابية أو حتى يرغبون في الموت من أجل هذه
القيم. كما أشارت الأبحاث إلى أن مستويات الاستبعاد الاجتماعي يمكن أن تتوسط العلاقة
بين الميل للعنف والالتزام بالقيم المقدسة التي تضفي الشرعية على هذا العنف.
رابعاً-
كيف يمكن لعلم الأعصاب تشكيل استراتيجيات مكافحة الإرهاب؟
وفقًا لعمل عالم النفس "ألان فيسك" فإن الإيمان
بمدونة أخلاقية عالمية تؤكد على فعل الخير وتجنب الألم" قد يعكس مجرد "المثل
الغربية الديمقراطية" التي ليس لها سوى عالمية قليلة أو معدومة. أي أن البوصلة
الأخلاقية للإرهابيين ترمز للجيد والسيئ بشكل مختلف عما يمكن قبوله عالمياً، وهو
ما يعني أن أولئك -الذين يظهرون ميولا عقلانية- القادرين على ارتكاب أعمال
عنف ضد المدنيين غير المطمئنين قد يكون لديهم بوصلة أخلاقية مشوهة. وهو بذلك يحاول
أن يغير من الفكرة الشائعة عن غياب الأخلاق لدى المتطرف العنيف ليحولها إلى وجود
مفهوم مختلف للأخلاق لدى الإرهابي يمكنه من القيام بأعمال عنيفة.
وبناء على الطرح السابق فإن استخدام التعذيب كوسيلة لاستخلاص
المعلومات من الإرهابيين المشتبه بهم قد لا يكون طريقة قابلة للتطبيق، فلكي ينتج
التعذيب آثاره لابد أن تُقِيم الضحية –الإرهابي هنا- صلة بين البغض الأخلاقي للفعل
المرتكب وبين الألم الذي يُعتبر عقابًا على الفعل. ومع وجود سمات عقلية وبوصلة
أخلاقية منحرفة قد لا يكون التعذيب هو الطريق الصحيح. والتعذيب محل انتقاد من
المجتمع الدولي وهناك جهود للحد منه كاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب 1987.
وعلى كل فإن حالات التعذيب في غوانتانامو وأبو غريب أثارت تساؤلات حول مدى التقليل
إلى أدنى حد من استخدام التعذيب وتطبيق الاتفاقية. حيث هناك فجوة بين البحث العلمي
والرؤى الإعلامية لوكالة الاستخبارات المركزية وموقف حكومة الولايات المتحدة بشأن استخدام
التعذيب. فبينما يقلل مستشار مكتب التحقيق الفيدرالي ستيف كلينمان من جدوى وفعالية
التعذيب، دعا الرئيس الأمريكي ترامب –في إحدى المقابلات الأولى بعد فوزه بالرئاسة-
إلى استخدام التعذيب في الاستجوابات ومحاربة النار بالنار، وهو موقف متناغم مع
مذكرات التعذيب الأمريكية الشهيرة عقب 11 سبتمبر. وقد استخدمت بلدان أخرى التعذيب
لاستجواب العناصر المشتبه في كونها إرهابية منها الهند مع المشتبه بهم في تفجيرات
2008، وهما يفتح الباب أمام احتمالية الإقرار باعترافات كاذبة تحت وقع الألم.
بالنسبة للعلوم العصبية فإن هناك أدلة كثيرة ضد استخدام التعذيب
كوسيلة. حيث يوضح لنا الفهم الأعمق لاستجابة الدماغ للألم الشديد أن المناطق المرتبطة
بالتحكم في السلوك والنية تصبح أقل نشاطًا في الرد على التعذيب. كما أظهرت الأبحاث
التي أجريت بشأن ضحايا اضطرابات ما بعد الصدمة والجنود المقاتلين أن الضغوطات المرتبطة
بممارسات التعذيب تستنزف –إلى حد كبير- الذاكرة والوظيفة الإدراكية. ولذلك فإن الاعتقاد
بأن ألم التعذيب سوف يؤدي إلى الكشف عن الحقيقة -وفقا للباحث- هو مجرد "علم نفس
شعبي" في ظل أدلة علمية تناقضه. حيث أنه وكما يقول عالم الأعصاب شين أومارا
"المخ هو كيان تخزين محدود يحتوي على ذكريات هشة وعرضة للتشوهات بسبب الألم والمعاناة
الشديدة". فيؤثر التعذيب على القدرة على ترميز واسترجاع الذاكرة طويلة المدى.
وبالتالي فإن هذه العيوب التي تحدث في الدماغ نتاج التعذيب تجعل فرضية "التعذيب
تؤدي إلى الحقيقة" خاطئة، حيث قد تؤدي الحاجة إلى الحفاظ على الذات بضحايا التعذيب
إلى التفكير على المدى القصير والموافقة على أي من التهم الموجهة إليهم لمنع الألم.
وقد ذكر الكاتب في دراسته أمثلة لحالات تؤكد ذلك.
وقد اقترح الباحثون عدة بدائل للتعذيب منها "تقنية
شارف" التي تقوم على الاستجواب غير المباشر حيث يعطي هذا الأسلوب الشخص الذي يتم
استجوابه وهم أن المحقق يدرك بالفعل ما هي المعلومات التي سيتم استخراجها. واستخدام
أساليب استجواب غير مباشرة لا تسمح لمن يتم استجوابه بمعرفة ما قام به المحقق، مما
يزيد من مشاعر القلق لديه وشعوره بأنه مُحاصَر مما يسهل من الكشف الكامل عما لديه
من معلومات. كما أظهرت الأبحاث الحديثة أن الاستجواب القائم على بناء العلاقات والاحترام
المتبادل للمحتجزين كان أكثر عرضة بأربعة أضعاف إلى أن يؤدي لاعترافات كاملة. وذلك
كله يعني –كما يقترح الكاتب- أن هناك حاجة إلى تضمين الرؤى السلوكية والمبادئ
الإنسانية عند اعداد استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
النتائج
والتوصيات
يرى الكاتب أن علم الأعصاب -والعلوم السلوكية بشكل عام-
هما العنصر المفقود في عملية تحليل وفهم "الإرهابي" وكيفية التعامل معه،
ولذلك فهو يرى أن "دمج الفهم العصبي للتطرف العنيف قد يحمل بعض الإجابات الحاسمة
على الأسئلة محل الاختلاف". ومما يعضد من هذا الطرح الابتكارات التكنولوجية السريعة
التي تعزز من فائدة علم الأعصاب في صياغة تدابير ضد الإرهاب مثل فحوصات التصوير بالرنين
المغناطيسي المتقدمة والتي توفر تمثيلًا دقيقًا للهياكل الدقيقة للدماغ.
وبحثت الدراسة في إمكانية دمج العلوم السلوكية في كل من فهم
الإرهاب، وتطوير طرق لمواجهته. ففيما يتعلق بالعنصر الأول فإنها تدعو إلى تجنب
التحليل الاختزالي، فوفقا لجمعية علم النفس الأمريكية فقد تحول علماء السلوك من
وجهة النظر الفردية المركزة على الاضطرابات العقلية إلى "ديناميات المجموعة"
كالاغتراب الثقافي والأقلية والضحية وغيرها.
ويوصي الكاتب ب"عدم الحكم على العمل الإرهابي
باستخدام مدونة أخلاقية عالمية" لأن فكرة أن الناس ينظرون إلى الخير والشر بالطريقة
نفسها عبر الثقافات وتجارب الحياة هي افتراض خاطئ غالبًا ما يوجه بعض الأفكار الخاطئة
عن أن جميع الإرهابيين سيئين بطبيعتهم، فهو يرى أنهم ليسوا إرهابيون بالفطرة بل
بدافع الظروف. وهو ما أبرزه عالم النفس "جون هورغان" في دراسته التي أجرت
مقابلات مع 60 شخصًا كانوا مرتبطين سابقًا بأسباب إرهابية. حيث أكد أهمية دوافعهم
حيث يشعرون بالحرمان من حقوقهم أو يرون أنفسهم ضحايا للظلم الاجتماعي وطالبي المكافآت
من خلال الشهادة وغيرها من الأهداف العليا. ولذلك فإن العوامل التي تدفع هؤلاء الأشخاص
للانضمام إلى الجماعات الإرهابية ليست نتاجًا للشخصية بل للظروف.
أما عن مكافحة الإرهاب فقد تعرض برنامج المملكة المتحدة للنقد
بسبب تركيزه المفرط على الأيديولوجية باعتبارها محركًا للتطرف ولم ينظر إلى ما هو
أبعد من ذلك، حيث ينبغي على الاستراتيجيات أن تدرس الحقائق الاجتماعية والاقتصادية
للمنطقة العربية والإسلامية باعتبارها معقلاً للإرهاب بدلا من التركيز فقط على
الأيدولوجية الأصولية الإسلامية. كما أن افتراض تعرض المجندين لغسيل دماغ وإجبارهم
على حمل السلاح يعد فهم شديد التبسيط للمحفزات العميقة للتطرف. حيث تصف المقابلات التي أجراها
"جون هورغان" مع إرهابيين سابقين محنة الشباب الضعفاء الذين سحرتهم فكرة
القمع الرومانسية التي سُمعت في التجمعات والخطب التي شجعتهم على الانضمام إلى المجموعة
الإرهابية.
وإنطلاقا مما سبق فإن "تحقيق المهام التي توفرها الجماعات
الإرهابية لمجنديها - أي منحهم هوية، وتوفير الحماية والشعور بالمجتمع - هو أمر أساسي
في صياغة استراتيجيات إزالة التطرف". وفي هذا السياق فقد حاولت البرامج في السويد
تحقيق بعض هذه الأهداف من خلال إجراء "محادثات وقائية" مع الشباب المعرضين
لخطر التطرف والتي تضمنت إظهار النتائج السلبية للعنف وتثقيفهم حول مفاهيم التاريخ
المتحيزة التي توجه رغبتهم في العنف.
كما يؤكد الباحث على أهمية تعزيز تبادل البيانات بين مراكز
البحوث والجهات الحكومية. فعلى سبيل المثال أدركت الولايات المتحدة أهمية البحث
العلمي في مواجهة التطرف وتخصيص الأموال لهذا الأمر، كموافقة الكونغرس على منحة بقيمة
10 ملايين دولار لبرنامج مكافحة التطرف العنيف، كما كلفت البحرية الأمريكية مؤسسة
راند للأبحاث بإجراء دراسة مستفيضة حول آفاق دمج العلوم السلوكية في مكافحة الإرهاب.
وفي النهاية فإن المستقبل مبشر بالبحث والتقدم، لكن مع اتخاذ قرارات سياسية معينة حتى لا يتم إهدار مثل هذه البحوث متعددة التخصصات. وبالفعل فإن استراتيجيات مكافحة الإرهاب يتم تطويرها عبر إدراك أن التعذيب ليس أداة مناسبة للتعامل مع المشتبه بهم، وكذلك إدراك أن الإرهاب ليس له سببه الوحيد الخلل العقلي كما تم الترويج عبر تحليلات مختزلة مريحة عن الخير والشر. ويرى الكاتب أنه يمكن للمجتمعات عبر إزالة الغموض عن أسطورة "الشر الخالص" أن تجد طرق أكثر استدامة لمكافحة الإرهاب.
Source:
Prithvi Iyer, “The Myth of 'Pure Evil':
Using Behavioural Science to Help Understand and Counter Terrorism”, ORF
Issue Brief No. 333, January 2020, Observer Research Foundation.