العـلاقــــــات الباكستانيـــــة الأمريكيـــــة .. جدلية المصلحة والتحالف في جنوب آسيا
صدر
في 2018 واحد من أهم الكتب المهمة في دراسة العلاقات الدولية، ومحاولة فهم عميق
وتتبع لمسار العلاقات الأمريكية الباكستانية بما فيها من تحولات وتناقضات، وهو
كتاب (العـلاقــــــات الباكستانيـــــة الأمريكيـــــة .. جدلية المصلحة والتحالف
في جنوب آسيا)، للكاتب الجزائري الأستاذ الدكتور مصطفى محمد حميداتو، والذي له
العديد من المؤلفات.
ويتضمن
الكتاب من فصل تمهيدي وخمسة فصول؛ راعت في بنيتها التقسيم التاريخي والتحليلي في
ذات الوقت؛ حيث تناول الفصل التمهيدي دراسة باكستان
وبيئتها الجنوب آسيوية، ومن ثم
دراسة طبيعة وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية. وفي الفصل
الأول تناول الأستاذ الدكتور مصطفى محمد حميداتو مرحلة التحالف الباكستاني الأمريكي
وهي مرحلة الحرب الباردة الأولى(1947-1965) وتناول عدة ملفات منها، المعونات الأمريكية
للعالم وآلياتها متضمنة الحالة الباكستانية، التقارب الصيني الباكستاني والدور الأمريكي،
الموقف الأمريكي من حرب 1965 بين الهند وباكستان، وأهمية باكستان بالنسبة للولايات
المتحدة.
بينما تناول
المؤلف في الفصل الثاني عملية الفتور في العلاقات الباكستانية الأمريكية وهي مرحلة
التعايش السلمي(1965-1979)؛ وهنا تم التعرض لتراجع الدور الباكستاني في جنوب آسيا،
التحالف الباكستاني الصيني، الموقف الأمريكي من حرب 1971، وتباين مواقف البلدين في
بعض القضايا الدولية.
وقد تعرض
حميداتو في الفصل الثالث للحرب الباردة الثانية وانتعاش العلاقات بين البلدين
(1979-1989)؛ وهو ما انعكس في تطور العلاقات بين البلدين إبان الغزو السوفييتي
لأفغانستان، البرنامج النووي الباكستاني بين المصلحة الوطنية والمعارضة الأمريكية،
ومنطقة القبائل الباكستانية والتهديد المتنامي.
وقد تعرض
الفصل الرابع للمصالح والاهتمامات الباكستانية الأمريكية في جنوب آسيا؛ من خلال
التركيز على مصالح كل طرف على حدى، والمصالح المشتركة، والمتناقضة بين البلدين. بينما
الفصل الخامس يركز على العلاقات الباكستانية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة؛ وتناول
فيها العلاقات الباكستانية الأفغانية والدور الأمريكي، والحكومات المدنية غير
المستقرة والدور الأمريكي، ثم العلاقات الباكستانية الأمريكية في عهد الرئيس مشرف
(1999-2008)، وعلاقة باكستان بحركة طالبان والدور الأمريكي في تلك القضية، ومن ثم
ينتقل المؤلف إلى رؤية مستقبلية للعلاقات الباكستانية الأمريكية.
يؤكد الكتاب
أنه شهدت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تغيّرات كبيرة في الجغرافيا
السياسية للعالم، كان من أبرزها ، خروج بريطانيا من شبه القارة الهندية، واستقلال
باكستان عن الهند. وقد استبشر قادة باكستان، في السني الأولى لاستقلال بلادهم،
بأنّ الدول الإسلامية ستشد من أزرهم وتقف إلى جانب بلادهم، إلا أنّ أوضاع تلك الدول لم تكن لتسعفهم. ولخطورة ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة،
واستفحال عدائهم مع الهند، جعلهم يتقربون من الولايات المتحدة ، طلبا للحماية.
وقد شهدت
العلاقات بين جمهورية باكستان الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية، منعطفات
كثيرة، امتاز بعضها بالتقارب والتعاون والتحالف أحيانا، بينها تميّز بعضها الآخر
بالتباين والاختلاف. ويعد الكتاب أحد أهم الأعمال التي ساعدت على الكشف عن حقيقة
هذه العلاقات، والأسباب الكامنة وراء التقارب والتحالف الذي طبع هذه العلاقات في
فترات معينة، والتباين والاختلاف الذي طبعها في فترات أخرى.
يقدّم هذا النموذج من
العلاقات، الصورة الواقعية لمقولة السيد هنري تامبل بأنه " ليس لدينا حلفاء
أبديون، كما أنه ليس لدينا أعداء دائمون، والدائم الوحيد هو مصلحتنا".
وينطلق المؤلف من أنه ورغم أنّ باكستان هي الطرف
الأضعف في هذه الثنائية، إلا أنّ ساستها، خاصة العسكريين منهم، أحكموا وضبطوا حدود
المصلحة الوطنية، التي يجب صيانتها، وما دون ذلك مما يمكن المناورة فيه، وهو ما
سارت عليه السياسة الخارجية الباكستانية، إلا في ما ندر من أحداث.
والمؤلف تتبع في هذا
البحث أهم المراحل التي مرّت بها العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، منذ
الاستقلال عن الهند سنة 1947، وإلى نهاية الفترة الثانية من رئاسة باراك أوباما. وقد
آثر المؤلف الاختصار كلما كان الاختصار أولى، وأطنبت وتوسّع متى استلزم الأمر ذلك؛
فقد تطرق لمرحلة الحرب الباردة الأولى، التي تعتبر العصر الذهبي للعلاقات بين
البلدين، وما عضّدها من اتفاقيات وتحالفات، قصد احتواء المدّ الشيوعي، والدور
المتميّز الذي لعبته باكستان.
ثم عرّج
المؤلف على مرحلة التعايش السلمي والانفراج في العلاقات الدولية، وانخفاض حدة
التوتر بين المعسكرين، الشرقي والغربي، وفتور حماسهما لإقامة المزيد من الأحلاف
العسكرية، وانعكاس ذلك على العلاقات بين البلدين، خاصة أثناء حروب باكستان مع
الهند.
وقد
تميّزت هذه المرحلة بفتور العلاقات بين البلدين، حيث فقدت باكستان بريقها، وتدنّت
حاجة الغرب إليها. كما ألقى الضوء على مرحلة الحرب الباردة الثانية، التي ميّزها
الغزو السوفييتي لأفغانستان، واقترابه من المياه الدافئة للخليج، وانتعاش العلاقات
بين البلدين، وهي الفترة التي أفلت فيها البرنامج النووي الباكستاني من سيف
الرقابة الأمريكية. وأوضحت المصالح والاهتمامات الباكستانية الأمريكية في جنوب
آسيا، وبيّنت نطاق الاتفاق، ومجال الاختلاف في ذلك.
وقد رأى الكتاب
أن أهم العوامل المؤثرة في مستقبل العلاقات الباكستانية الأمريكية، تتمثل في:
- محاربة ما يسمى بالإرهاب.
- خفض التوتر مع الهند والبحث عن تسوية مقبولة
للنزاع حول كشمير
- المشاركة في جهود التسوية في أفغانستان، بما
يخدم مصالح الطرفين.
- الحد من الانتشار النووي في المنطقة.
ويكن
التأكيد بأنّ الواقعية، كانت السمة الغالبة لسياسة باكستان تجاه الولايات المتحدة،
بينما كانت المصالح، الأكثر حضورا في سياسة الولايات المتحدة تجاه باكستان. وكان لبرنامج المساعدات الأمريكية لباكستان دور
واضح في انتزاع العديد من المواقف لصالح الولايات المتحدة. ومن قبل قال الرئيس
نيكسون :
" يجب أن نتذكر أن الغرض الرئيسي
للمعونة الأمريكية ليس مساعدة الشعوب ولكن مساعدة أنفسنا".
وإجمالاً،
فقد شهدت العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، منذ عهد هاري ترومان ومحمد علي
جناح، إلى عهد باراك أوباما وممنون حسين، منعطفات كثيرة. اتسم بعضها بالتقارب
والتحالف الأمني والعسكري، انهالت خلالها كل أصناف المساعدات، الاقتصادية
والعسكرية، على باكستان، خاصة في عقد الخمسينيات وفترة الحرب الباردة الثانية، بعد
الاجتياح السوفييتي لأفغانستان. وبدرجة أقل ، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
كما شهدت
انتكاسات متعددة، وصلت إلى حدّ العقوبات والحصار.
فكلما توترت الأوضاع في المنطقة،
تصدّرت باكستان قائمة أولويات الولايات المتحدة، وعند انتفاء التهديدات، انتقلت
باكستان إلى الظل، وخفت بريقها المعتاد.
وفي
رحلتها لتحصين مصالحها ضد التهديدات الهندية، انخرطت باكستان في العديد من الأحلاف
العسكرية الإقليمية.
كما شاركت باكستان في تطويق المدّ الشيوعي قبل انهيار
الاتحاد السوفييتي، ولاحقا في محاربة الجماعات المتطرفة. وامتازت السياسة الباكستانية في إدارة علاقاتها مع
الولايات المتحدة بالحنكة والمرونة والواقعية، وتغليب المصلحة الوطنية. وهو أمر
تعتمده أغلب دول العالم.
وقد استطاعت باكستان
استغلال المناسبات والتقلبات السياسية التي عصفت بالمنطقة، للإفلات بمشروعها
النووي، الذي توّجته بالتفجيرات الميدانية في ماي 1998.
ولم تكن
الولايات المتحدة غافلة عن ذلك، إلا أنّ الأولويات، تقتضي، في كثير من الأحيان ،
التضحية بالأقل ضرراً. فقد غضت الأخيرة الطرف عن المشروع النووي الباكستاني، عند
الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، ورفعت كل العقوبات عنها، بل فتحت عليها كل أبواب
المساعدات.
يعتبر
النزاع بين الهند وباكستان، حول منطقة كشمير، من أقدم الأزمات التي عرفتها الساحة
الدولية منذ الحرب العالمية الثانية. وما لم تتوصّل الأطراف المعنية إلى حلّ عادل،
يرضي الشعب الكشميري، فإنّ هذه الأزمة مرشّحة للمزيد من التصعيد.
ورغم الضغوط الأمريكية
على باكستان للجم الفصائل الكشميرية المسلحة، إلا أن الشعب المسلم في كشمير الخاضعة
للحكم الهندي، يطوّسر، باستمرار، من أساليبه في مقاومة الاضطهاد الهندي.
وتحتل باكستان موقعا
استراتيجيا متميّزا، حيث تصل جنوب وشرق ووسط آسيا بالشرق الأوسط، وهي تشترك في
الحدود مع كل من الهند والصين وأفغانستان وإيران، كما أنها تفتح على بحر العرب
الذي يمرّ من خلاله حوالي 40% من النفط
العالمي.
وإذا ما
استقرّت الأوضاع في أفغانستان، فستكون باكستان الممرّ المرشّح لعبور الغاز
التركماني نحو الأسواق العالمية.
وبعيداً عن لغة
التهديد والعقوبات فإنّ أمن باكستان يعتبر ضرورة أمريكية بامتياز.
كما أن
عدم الانتشار النووي، والازدهار الاقتصادي، والاستقرار الأمني في منطقة جنوب آسيا،
يجعل من باكستان، لاعبا لا يمكن الاستغناء عنه في تحقيق ذلك. ومهما تقلبت المواقف،
فإنّ مصلحة الولايات المتحدة تقتضي عدم استعداء باكستان، والوقوف معها لتجاوز
المصاعب السياسية والاقتصادية والأمنية.
وقد تقاربت وجهات نظر البلدين في العديد من
القضايا، منها:
- الانخراط في محاربة ما يسمى بالإرهاب.
- التعاون حول مستقبل أفغانستان، والمصالحة مع حركة طالبان.
- الأمن والاستقرار في جنوب آسيا.
كما تباينت مواقف البلدين في أمور
عديدة منها:
- الدعم الأمريكي للهند لجعلها قوة اقتصادية وعسكرية، تنافس الصين الشعبية في المنطقة.
- عدم السير مع الولايات المتحدة في ضرورة محاصرة إيران.
- رغم التقارب الهندي الأمريكي، إلا أنّ الولايات المتحدة تعترض على مدّ أنبوب الغاز من إيران، مرورا بباكستان، وصولا إلى الهند.
ويخلص الكاتب ويؤكد حقيقة تاريخية أساسية وهي أن الثابت الأكيد في العلاقات الدولية، هو المصلحة الوطنية. ومن قبل قال السيد هنري تامبل بأنه" ليس لدينا حلفاء أبديون كما أنه ليس لدينا أعداء دائمون، الدائم الوحيد هو مصلحتنا " .