المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مناورات "الشرق-2018": بين تطوير الآلة العسكرية الروسية وتعزيز النفوذ

الإثنين 24/سبتمبر/2018 - 01:13 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عمر

ضمن آلياتها في استعراض قوتها، نظمت روسيا عرضاً عسكرياً وتدريبات ضخمة، في الفترة من 11 إلى 17 سبتمبر 2018، يعد الأكبر منذ أكثر من 30 عاماً، يأتي ذلك في ظل استمرار التوتر وارتفاع حدة الخلافات مع خصومها الأوربيين بخلاف الولايات المتحدة، لم يقتصر الأمر على مجرد عقوبات اقتصادية أو قطيعة دبلوماسية وإنما، لجأ كل طرف إلى اتخاذ إجراءات عسكرية فعلية على الأرض، تتعدى مراحل الردع لتصل إلى مرحلة التهديد المباشر وحروب الوكالة، والاستعداد لمرحلة المواجهة المباشرة.

تفاصيل مناورات "الشرق-2018":

       نفذ الجيش الروسي مناورات "الشرق-2018" (فوستوك)، بمشاركة عشرات الآلاف من القطع والآليات العسكرية المتطورة، كما شارك حوالي 300 ألف عسكري وألف طائرة حربية و36 ألف آلية عسكرية متنوعة تشمل المدرعات والدبابات وناقلات الجنود وغيرهم، إلى جانب 80 قطعة بحرية من أسطول الشمال وأسطول المحيط الهادي،  بخلاف جميع الوحدات الروسية المنقولة جوًا، وكشف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، عن أن "الشرق – 2018" هي الأكبر منذ المناورات العسكرية السوفيتية "الغرب-81" (زاباد-81) في عام 1981(1).

         وتدربت الوحدات الحربية المشاركة في المناورات على إعادة تجميع القوات على مسافات بعيدة، بجانب التعاون بين القوات البرية والبحرية مع تدرب القادة على إدارة الوحدات خلال العمليات الحربية، وذلك لمراعاة الطبيعة الجغرافية لروسيا، إذ تبلغ مساحتها حوالي 17 مليون كم2 ، ومن الممكن استهدافها من اكثر من جبهة وهو ما يستلزم توحيد القوات والتنسيق فيما بينها، رغم بعد المسافات لتفادي كارثة حرب جورجيا وأوسيتيا الجنوبية عام 2008.

         أجرى الجيش الروسي المناورات في ميدان التدريبات الرئيسي في شرق سيبيريا بالقرب من الحدود مع الصين، ويقع الميدان على بعد حوالي 5000 كم2 إلى الشرق من العاصمة موسكو، بخلاف نشر قوات إضافية أقصى شرق البلاد وحشد قوات بحرية من أسطولي الشمال والمحيط الهادي، وذلك في إشارة على أن القوات الروسية قادرة على تأمين جبهتها من الناحية الشرقية رغم قلة الكثافة السكانية، والتأكيد على أن خصومها لا يمكنهم اختراق هذه الجبهة التي تتجاور فيها روسيا مع بعض خصومها مثل اليابان الحليف للولايات المتحدة.

        وخلال المناورات أجرت القوات الروسية تدريبات في بحر اليابان رغم قلق طوكيو إزاء التحركات العسكرية الروسية في المنطقة، التي ما زالت تتنازع معها على جزر الكوريل الخاضعة لسيطرة روسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فيما تقول اليابان إنها من حقها. وجدد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، موقف بلاده نحو الجزر بالتزامن مع المناورة، مؤكدا رفضه لمقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتوقيع معاهدة سلام بينهما نهاية العام الجاري دون شروط مسبقة، وذلك في رد مباشر على المناورات الروسية أنها لن تثني بلاده عن مطالبها في الكوريل(2).

         وإلى جانب الجيش الروسي شارك حوالي 3 آلاف عسكري صيني في المناورات بجانب عسكريين من دولة منغوليا، وذلك في  تأكيد على التعاون بين بكين وموسكو في مواجهة التهديدات الأمريكية، فاستراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع التي أقرتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، اعتبرت البلدين أكبر تهديد على الأمن القومي الأمريكي أكثر من خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة، وهو  ما اعترض عليه البلدان معتبرين أن الولايات المتحدة ما زالت تتعامل بعقلية الحرب الباردة وتريد التفرد بقيادة النظام الدولي، الذي يجب أن يخضع للتغير  ليواكب القرن الحادي والعشرين.

          رغم التعاون الصيني الروسي حاليا، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي العسكري، فهو  أقرب إلى تعاون مؤقت تجاه عدو مشترك سيزول هذا التعاون في حال تراجع العدو أو الاتفاق معه، وأكد ذلك وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس، أنه لن يكون هناك تحالف عسكري محتمل في المستقبل بين روسيا والصين، على المدى البعيد كالذي بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلنطي "ناتو"، بل إن مراقبين يرو أن المناورات جاءت قرب الحدود الصينية للحد من أطماع بكين في المنطقة الغنية بالثروات النفطية والمعادن، لكن الصين لن تقدم على خلق خصوم أقوياء جدد لها في الوقت الحالي، خاصة في ظل الاستهداف المتزايد من قبل واشنطن لها.

لماذا تزيد روسيا من تطوير قدراتها التقليدية العسكرية؟

         "واجبنا نحو بلدنا ووطننا أن نكون على استعداد للدفاع عن سيادته وأمنه ومصالحه الوطنية، وإذا لزم الأمر، دعم حلفائه"، كانت هذه كلمات للرئيس الروسي فلاديمير  بوتين خلال مشاركته في الإشراف على المناورات، موجها رسالة لخصوم بلاده خاصة الولايات المتحدة والناتو أنهم مستعدون دائما في حال اندلاع مواجهة مباشرة، بخلاف ما حدث من حرب بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية عام 2008 عندما شنت قوات الأولى هجوما عسكريا مفاجئا على الثانية (جمهورية انفصالية موالية لروسيا)، وهو ما أحدث انكشافا كبيرا في الجيش الروسي الذي تأخر في الرد على جورجيا وسط إرباك كبير في صفوفه رغم نجاحها في إفشال الهجوم الجورجي على حليفته(3).

        وشدد  بوتين على أن الاستعداد والتطوير العسكري ليس لحماية روسيا فقط، وإنما دعم "حلفائها"، وذلك في تأكيد على دعم موسكو عسكريا وبشكل مباشر لشركائها وعدم الاكتفاء بصفقات السلاح أو الدعم السياسي في مجلس الأمن، وبرز ذلك في الدعم العسكري للانفصالين في أوكرانيا منذ عام 2014، وما زال قائما، إلى جانب التدخل العسكري المباشر في سوريا منذ عام 2015، الذي أظهر تحديا كبيرا للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبين بل حقق نجاحا كبيرا مقارنة بخصومه في سوريا الذين كانت الأوضاع تميل إلى صالحهم قبل تدخل بوتين.

     جاء هذا الاستعراض الضخم للقدرات التقليدية العسكرية لروسيا، في ظل استمرار التصعيد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوربين ضد موسكو، على خلفية الأزمة الأوكرانية والسورية، وصولا إلى اتهامات التدخل في الانتخابات الأمريكية، وهجوم ساليزبري الذي استهدف عميلا روسيا بريطانيا في لندن واتهمت موسكو بالتورط في قتله، ونتيجة لهذه الأزمات وغيرها تعرضت روسيا إلى عقوبات اقتصادية ضخمة بخلاف الاستهدف السياسي، والعسكري المتمثل في توسيع مناطق تواجد حلف الناتو في دول الجوار الروسي ومحاولة ضم الكثرين من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى الحلف.

       وتمثل مناورات "الشرق 2018" عودة إلى أجواء الحرب الباردة، من استعراض للقوة ودخول سباقات التسلح سواء النووية أو القدرات الفضائية والعسكرية التقليدية، فالنظام الدولي الأحادي الذي نشأ عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في طريقه للأفول والدخول في "عصر الفوضى " وفقا بريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الأمريكية والدبلوماسي الأمريكي السابق، وروسيا تستعد لهذا العصر  محاولة وقف التهديدات الأمريكية الأوروبية أولا وتعزيز وزيادة نفوذها على الأقل في دول الجوار الروسي التي أصبحت مستباحة من قبل الناتو بنشره الدرع الصاروخية في هذه الدول مما يمثل تهديدا مباشرا للأراضي الروسية وتحييد لقدراتها النووية وإضعاف قدرتها في توجيه ضربة استباقية أو حتى صد العدوان الذي قد يقع عليها.

        زادت حدة التنافس والصراع بين بين الولايات المتحدة وروسيا، بداية من الصراع على منابع الطاقة سواء الغاز أوالنفط، في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية أو المياه الدافئة، فالولايات المتحدة تريد الحفاظ على سيطرتها على أهم منابع الطاقة، بجانب حرمان روسيا من الوصول للمياه الدافئة بما يمثل مزاحمة للناتو وواشنطن بخلاف إيجاد قدر كبير من المناورة لروسيا والتغلب على الحصار الذي يريد فرضه الناتو على روسيا وتطويقها عبر دول الجوار ومنع خروجها منه، لكن روسيا نجحت في تقوية نفوذها بالبحر المتوسط عبر وجودها في سوريا بالتعاون مع إيران، وهو الأمر الذي كان صعبا في السابق بالنسبة لها، فمن خلال وجوده بالمتوسط يمكنها تهديد الدول الأوروبية بشكل أكبر بخلاف تهديد حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وتهديد الوجود الأمريكي ذاته.

       بالتالي الصراع العسكري في هذه المنطقة يعتمد بشكل أكبر  على القدرات العسكرية التقليدية بجانب حروب الوكالة، وهو ما نجحت فيه روسيا بخلاف فشل الولايات المتحدة وشركائها، فلا يمكن في مثل هذه الصراعات توظيف القدرات النووية لحسم الصراع، وهو ما حدث في أوكرانيا، فقد استطاعت روسيا خلق حالة انفصالية عبر إقليمي لونتيسك ولوجانسك لم تستطع كييف وحلفائها إنهائها وهو ما قد يمتد إلى دول أوروبا الشرقية الموالية للحلف الغربي، فسبق أن أفشلت موسكو بقدراتها التقليدية – رغم ضعفها في ذلك الوقت- حرب جورجيا ضد أوسيتيا الجنوبية المدعومة غربياً.

    تدرك القيادة الروسية أنه لا يمكن إهمال القدرات العسكرية التقليدية لحساب تطوير القدرات النووية والفضائية، ولهذا جاءت مناورات "الشرق – 2018" للتأكيد على الاهتمام بهذه القوة وتطويرها، فهناك صراعات لن يحسمها التفوق النووي وإن استخدم سيكون مكلفا للجميع، فالولايات المتحدة فشلت حتى الآن في أفغانستان منذ تدخلها عام 2001، فحركة طالبان تسيطر على ما يقرب من نصف الأراضي الأفغانية.

هل تتعاون روسيا مع الصين حقاً؟

          تواجه الصين استهدافا كبيرا من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، فاقتصاديا فرض ترامب رسوما جمركية على بكين في يونيو 2018 وصلت إلى 50 مليار دولار، بجانب دراسته فرض رسوم أخرى تقدر بـ 200 مليار دولار أخرى، مع فرض قيود على عمل الشركات الصينية داخل الأراضي الأمريكية، إلى جانب الاستهداف العسكري سواء عبر دعم خصوم بكين عسكريا مثل الهند وتايوان، وزيادة تطوير القدرات العسكرية خاصة النووية والفضاء التي تستهدف الحد من النفوذ الصيني الآخذ في التصاعد(5).

      ففي 18 يونيو 2018  طالب الرئيس الأمريكي، من وزارة الدفاع البدء في إنشاء "قوة فضائية" لتكون الفرع السادس للقوات الأمريكية، وذلك لتعويض التراجع الأمريكي في هذا المجال مقارنة بروسيا والصين التي  تقدمت بشكل يهدد الأقمار الصناعية الأمريكية في الفضاء وشل حركة القوات الأمريكية، وردا على ذلك أن أكدت الحكومة الصينية عام 2016، أن استراتيجتها في مجال الفضاء جاءت لحماية الأمن القومي، وذلك بعد  إجرائها تجارب مضادة للأقمار الصناعية، بإمكانها تدمير الأقمار الصناعية للخصم في الفضاء الخارجي، لكن واشنطن أكدت أن برنامجها ذو أهداف عسكرية(6).

       وبخلاف ذلك تعترض واشنطن على أنشطة الصين في بحر الصين الجنوبي الذي تريد جعله منطقة نفوذ صينية خالصة متجاهلة حقوق ومصالح حلفاء واشنطن في هذه المنطقة، إلا أن كل هذا لن يجعل الصين وروسيا يدخلان في تحالف عسكري مشترك لمجابهة الخطر الأمريكي، فالأمر حتى الآن وفي المدى القريب لن يتعدى مستويات التعاون والتنسيق من أجل التخفيف من حدة العقوبات والتهديدات الأمريكية لكليهما.

       كذلك لا تريد الصين الدخول في حالة من الصدام العسكري المباشر أو الغير مباشر مع واشنطن وحلفائها من أجل الحفاظ على علاقتها بروسيا، فهي تركز على توسيع نفوذها الاقتصادي عبر طريق الحرير البري والبحري، وهو ما يهدد النفوذ الروسي أيضا مستقبلا في القارة الآسيوية بشكل كبير، لهذا  لم تعترف بكين بضم موسكو لشبه جزيرة القرم حتى لا تثير غضب الأوروبيين وكذلك الأمريكيين الذين يعتبروا من أهم الشركاء التجاريين لبكين، ولهذا جاءت المشاركة الصينية في مناورات "الشرق 2018" محدودة ورمزية بشكل كبير(7).

المصادر:

1- بمشاركة 300 ألف جندي.. روسيا تبدأ أكبر مناورات حربية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، إرم نيوز، 12/9/2018، https://www.eremnews.com/news/world/1491569.

2- رئيس وزراء اليابان: لا توقيع لمعاهدة سلام مع روسيا قبل تسوية مشكلة جزر الكوريل، الأهرام العربي، 16/6/2018، http://arabi.ahram.org.eg/News/144040.aspx .

3- بوتين: روسيا ماضية في تعزيز جيشهاودعم الحلفاء، الخليج الإماراتية، 14/9/2018، http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/1d4b65e5-c17e-4458-aaa7-f9fb5d15687f.

4- محمد عبد الله يونس، "عالم 2018": لماذا يتوقع الخبراء تصاعد الأزمات الدولية؟، مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، 24/12/2017، https://bit.ly/2QDbA3C .

5- ترامب يجهز للصين "ضربة الـ 200 مليار"، سكاي نيوز بالعربية، 16/9/2018، https://bit.ly/2NMKwR3.

6- محمد عمر، آليات وتداعيات خطة دونالد ترامب للسيطرة على الفضاء الخارجي، المركز العربي للبحوث والدراسات، 27/6/2018، http://www.acrseg.org/40802.

7- هل تسعى الصين وروسيا إلى إقامة تحالف عسكري؟ 4/9/2018، إدراك، http://idraksy.net/military-alliance-china-russia/.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟