المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

آليات وتداعيات خطة دونالد ترامب للسيطرة على الفضاء الخارجي

الأربعاء 27/يونيو/2018 - 01:11 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عمر

طالب الرئيس الأمريكي يوم 18 يونيو الجاري، من وزارة الدفاع "بنتاغون" البدء في إنشاء "قوة فضائية" لتكون الفرع السادس للقوات الأمريكية، وسط اهتمام كبير من قبل إدارة ترامب بالجانب العسكري كأحد ركائز القوة الأمريكية، في ظل التنافس الشديد مع روسيا والصين، خاصة في مجال تطوير الأسلحة الاستراتيجية والنووية، ليعتبر  ترامب في استراتيجيته الجديدة للأمن القومي الأمريكي، أن بكين وموسكو هما العدوان الأول لواشنطن وليس الإرهاب أو أي تحدي آخر، ومجال السيطرة على الفضاء سواء عسكريا أو علميا أحد ساحات التنافس، التي قال ترامب إنه لن يسمح بوجود منافس لأمريكا في هذا الشأن.

أولاً- كيف يسيطر  ترامب على الفضاء

"حين يتعلق الأمر بالدفاع عن أميركا، ليس كافيا أن يكون هناك تواجد أميركي في الفضاء، يجب أن تكون لدينا سيطرة أميركية في الفضاء"، بهذه الكلمات وجه ترامب وزارة الدفاع للبدء في مشروعه الجديد وهو بناء "قوة فضائية" جديدة باعتبارها تشكيلا منفصلا عن الجيش ومستقلة أيضا عن سلاح الجوي الذي لم يعد كافيا بمفرده لحماية أمريكا وضمان تفوقها، في ظل التقدم الروسي الصيني في مجال الأسلحة التي يمكن استخدامها من الفضاء الخارجي بخلاف أقمار التجسس، والقدرة على استهداف المنظومات الأمريكية من خارج الغلاف الجوي.

                ويتشابه ترامب في هذه الخطة، مع خطة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، الذي وضع "مبادرة الدفاع الاستراتيجي"، أو ما يعرف باستراتيجية "حرب النجوم" في مارس  1983، وذلك في إطار الصراع مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وهدفت هذه الخطة لاستخدام الأرض والنظم الفضائية لحماية الأراضي الأمريكية من هجوم بالصواريخ الباليستية النووية الاستراتيجية، التي تفوق فيها السوفيت، ولأهمية هذه الخطة تم رصد حوالي 26 مليار دولار لتنفيذها على مدار 5 سنوات، بمشاركة بعض حلفائها مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لكن تم وقفها مع انتهاء الحرب الباردة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يكشف فيها ترامب عن مساعيه لضمان التفوق الأمريكي في الفضاء، وإنما كشف عن ذلك من قبل، لكن هذه المرة وجه مباشرا للبدء في تنفيذ أمره، الذي لم يكشف عن ملامحه أو الأموال المخصصة له، وهل يدخل ضمن ميزانية وزارة الدفاع التي أقرها في ديسمبر 2017، وبلغت حوالي 700 مليار دولار لتكون أكبر ميزانية في تاريخ البنتاغون، وخصص منها جزءا مهما في إطار  ردع روسيا.

يريد ترامب السيطرة على الفضاء ضمن رؤيته العسكرية والأمنية وليس دعما للمجال الاقتصادي والعلمي بشكل أساسي، وكشف عن ذلك استراتيجيته للأمن القومي الأمريكي، التي أعلن عنها في 18 ديسمبر 2017، أكد فيها أن واشنطن تدخل "عصرا جديدا من التنافس" تتحداها فيه روسيا والصين، واعتبرت الاستراتيجية أن تطوير روسيا لقدراتها العسكرية، يشكل أخطر التهديدات على الأمن القومي الأمريكي، ومن بين المجالات التي تركز فيها روسيا هو الفضاء الخارجي، مثل بنائها قاعدة "فوستوتشني" الفضائية، للاستغناء عن قاعدة "بايكانور" التي تستأجرها من كازخستان، بخلاف تطوير  الصواريخ القادرة على حمل أقمار صناعية للفضاء وتطوير الأقمار ذاتها لاستخدامها في أعمال التجسس وتوجيه الصواريخ الباليستية من الفضاء.

وبخلاف استراتيجية الأمن القومي، حملت "الاستراتيجية الدفاعية الجديدة"، التي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، في 19 يناير 2018، في بنودها، نزعة هجومية تنافسية، مع روسيا والصين، بجانب بعض الفاعلين الإقليميين كإيران وكوريا الشمالية، فقد كشف ماتيس عن عزم بلاده بناء منظومة "أسلحة فتاكة"، والاستثمار  في المجالات النووية والصاروخية، واليوم جاء ترامب ليكشف تدريجيا عن خطط إنتاج الأسلحة الفتاكة، التي لن تقتصر على الأرض أو السماء أو البحار وإنما الفضاء الخارجي، ليكسر بذلك العديد من اتفاقيات الحد من التسلح الموقعة مع روسيا عقب انتهاء الحرب الباردة.

وليس ترامب أول من أثار قضية التراجع الأمريكي في الفضاء، فقد عملت عليها إدارة سلفه باراك أوباما، فقد كشف مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر عام 2015، عن مخاوف الحكومة بشأن التهديد المتزايد للأقمار الصناعية الأمريكية من قبل روسيا والصين، اللذين قاما بسلسلة تجارب للوصول إلى طرق لتدمير الأقمار الصناعية الأمريكية في الفضاء الخارجي كالتي أجرتها بكين عام 2007، بخلاف التجار الروسية، لهذا خصص أوباما في 2015 ميزانية لا تقل عن 5 مليارات دولار لإنفاقها على مدار 5 سنوات لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية لبرنامج الفضاء العسكري الأمريكي، إلى جانب قيادة جهود سياسية لوضع اتفاقيات جديدة لتنظيم الفضاء الخارجي ومنع عسكرته بشكل قد يؤدي إلى صدام بين القوى الكبرى.

ثانياً - هل تصمت روسيا والصين على تحركات ترامب

أدركت روسيا أنها من ضمن المستهدفين الأساسين لخطة ترامب الجديدة بشأن الفضاء، لذا أعربت عن قلقها بشأن خطة ترامب للهيمنة على الفضاء وعسكرته،  وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا "إن الأمر الأكثر إثارة للقلق في هذه الأنباء هو الهدف من تعليماته أي ضمان الهيمنة (الأمريكية) في الفضاء"، وتعلم موسكو أن هذا الجانب هو مجرد جزء في إطار التنافس بين البلدين والخلاف الذي وصل إلى حروب الوكالة بعد أن غاب منذ انتهاء الحرب الباردة، ليصدم الجانبان مجددا في أوكرانيا عام 2014 وفي مناطق أخرى، والعمل على عسكرة العلاقات بينهما وعودة سباقات التسلح مجددا.

وبينما أبدت موسكو اعتراضها على خطة ترامب، لم تعلق الصين حتى الآن على هذا، وربما يمثل هذا فرصة لها، حيث ستستغل التحركات الأمريكية، لتعزيز أنشطتها هي الأخرى، معللة تحركاتها بأنها ردا على تحركات واشنطن العدائية، فقد تعهد ترامب بضمان عم تفوق بكين وموسكو على بلاده، وهو ما يطلق سباق تسلح جديد، ستكون ساحته الفضاء الخارجي.

                وقد فشل المجتمع الدولي في التوصل لاتفاق جديد لتنظيم الفضاء منذ اتفاقية معاهدة الفضاء الخارجي "معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي"، التي وضعت عام 1967، ولم يصدق عليها الكثير  من الأعضاء، وقد حاولت واشنطن الوصول لاتفاق جديد في 2015 يضمن مصالحها لكنها لم تفلح إلى اليوم، وهو ما جعلها تدخل في سباق محموم مع منافسيها.

وحاول المجتمع الدولي مجدداً منع عسكرة الفضاء الخارجي، الذي إن حدث قد يسقط منظومات الاتصال بالكامل التي تعتمد عليها الدول، لتعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 ديسمبر 2017،  قرارا بشأن حظر استخدام الإنجازات التي تحققت في مجال المعلومات والاتصالات لعسكرة الفضاء الخارجي بجان تبني تدابير لبناء الثقة في الفضاء الخارجي، لكن رفضت واشنطن هذا الأمر وبعض الدول، بخلاف أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، ولجأت إلى البحث عن تقوية نفسها في هذا الأمر، الذي واجهته روسيا والصين بالمثل، وهو ما سيزداد حدته مع قدوم ترامب الذي فتح مجال الصراع في أكثر من جبهة سواء عسكرياً أو اقتصادياً أو أمنياً.

فسبق أن قالت الحكومة الصينية عام 2016، في تقرير عن توجهاتها في مجال الفضاء أن برنامجها يهدف لحماية الأمن القومي، وذلك عقب إطلاقها تجارب جديدة مضادة للأقمار الصناعية، أي أن بإمكانها تدمير أقمار صناعية للخصم في الفضاء الخارجي، وفي محاولة منها لعدم إغضاب الأمريكيين قالت وقتها إنها ملتزمة بالاستخدام السلمي للفضاء وتعارض سباق التسلح الفضائي، لكن وزارة الدفاع الأمريكية أكدت أن برنامجها ذو أهداف عسكرية، فكل يستعد لخصمه، حيث تريد الصين ضمان صعودها، بينما تريد واشنطن عرقلتها هي وغيرها لمنع تهديد النفوذ الأمريكي.

ثالثاً- هل يغير الفضاء بنية النظام الدولي

يجري الآن صراع محموم من قبل القوى الكبرى على تغير نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي ضمن سيطرة الولايات المتحدة وتفوقها، لكن الصين وروسيا وآخرون يريدون كسر ترتيبات هذا النظام الذي لم يعد ملائما لإدارة النظام الدولي الحالي، وهو ما تقاتل واشنطن من أجل وقفه ليس فقط من قبل ترامب وإنما بدأ هذا الأمر من قبل سابقيه ومنهم أوباما الذي أعلن سياسة "التوجه شرقا" ومعلنا إعادة توزيع الأسطول الأمريكي حول العالم، من أجل مجابهة النفوذ الصيني خاصة في آسيا، التي ستمثل محورا مهما في تشكيل بنية النظام الدولي، سواء اقتصاديا أو عسكريا.

وجاء ترامب ليزيد من حدة هذا الأمر وإن كان بشكل متسارع وغير متزن، فاقتصاديا فرض رسوما جمركية على حلفائه وخصومه على حد سواء، لحماية الاقتصاد الأمريكي، وعسكريا زاد من ميزانية البنتاغون ووجه بتطوير أسلحة جديدة وفتاكة خاصة في مجال الفضاء، غير عابىء بسباق التسلح الذي سيطلقه على مستوى العالم وليس مع خصومه فقط.

                ولأن ترامب فتح أبواب الصراع مع مهددي النفوذ الأمريكي، كان لابد من فتح ملف الفضاء، فقد كشف تقرير لمجلة "بوليتكو" الأمريكية، في أبريل 2018، عن الولايات المتحدة غير مستعدة للدخول في حرب فضاء مع روسيا والصين، مسلطة الضوء على نجاح البلدان في تطوير وسائل تدمير أو تعطيل الأقمار الصناعية الأمريكية خاصة العسكرية التي تستخدم في توجيه الأسلحة والسفن الحربية والغواصات وغيرهم الكثير، مستغلين انشغال واشنطن بالتهديدات على الأرض منذ عام 2001 والانخراط في أزمات الشرق الأوسط.

وسبق أن ذكر الكاتب جورج فريدمان في كتابه "المئة عام المقبلة، أنه ممن المتوقع أن تتم السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، عن طريق الفضاء، وهو ما يدعم سر التسابق بين القوى الكبرى لإخضاعه، فالتنافس لا يجري على الأرض فقط للسيطرة على البحار ومنابع النفط، وإنما سيحكمه ويغير من مساره الفضاء، الذي يتحكم الآن في توجيهات الأسلحة على الأرض، ودعم آليات السيطرة والتحكم، التي يسعى كل طرف لتعزيزها، آخرها استراتيجية التي لم تتضح معالمها إلى الآن، فهل ستكون مدروسة وقوية أم عشوائية، كسياسة سابقيه في الشرق الأوسط منذ عام 2001 التي طالما انتقدها واتهمها بإهدار 7 تريليون دولار دون تحقيق إنجاز حقيقي.

المصادر:

ـ أمر رئاسي بتشكيل "قوة فضائية" أميركية، قناة الحرة، 19/6/2018، الرابط.

ـ ترامب يوقع أكبر ميزانية عسكرية للولايات المتحدة، روسيا اليوم، 12/12/2018، الرابط.

ـ تدابير عملية أخرى لمنع حدوث سباق تسلح في الفضاء الخارجي، موقع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرابط.

ـ ليونيد سافين، الفضاء الروسي ضد الفراغ الأمريكي.. والجيوبوليتيكا، مركز كاتخيون، 4/1/2018، الرابط.

ـ الصين: البرنامج الفضائي يجب أن يحمي الأمن القومي، وكالة رويترز، 27/12/2016، الرابط.

ـ لي بيلينجز، الحرب في الفضاء قد تكون أقرب من أي وقت مضى، 22/3/2017، الرابط.

ـ بوليتكو: أمريكا غير مستعدة لحرب فضاء مع روسيا والصين، موقع مصراوي،  8/4/2018، الرابط.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟