التعاطي الحذر: النهج الأوروبي مع سفن إغاثة المهاجرين في المتوسط
استمرارًا لتدفق موجات الهجرة غير النظامية عبر
المتوسط منطلقة من شمال وغرب أفريقيا تجاه العواصم الأوروبية؛ حيث يعاني المهاجرين
من ويلات الحروب الأهلية في دولهم، علاوة على تنامي حدة العنف والإرهاب مما جعلهم
يخاطرون بأرواحهم هروبًا من استمرار العيش في هذا الواقع الأليم. وعليه فقد تزايدت
أعداد المهاجرين من بالتوازي مع زيادة عدد السفن والمراكب التابعة لبعض المنظمات
الدولية غير الحكومية لإنقاذهم من الغرق، ولكن جهود الإنقاذ واجهت العديد من
الصعوبات واصطدمت بقيود الحكومات اليمينية الأوروبية.
ونتيجة لحالة عدم الاستقرار التي تواجهها العواصم
الأوروبية منذ تدفق موجات الهجرة، اجتمع قادة العالم في الجمعية العامة للأمم
المتحدة في محاولة منهم لتسوية الأوضاع بما يحقق الأمن والاستقرار للعالم، وذلك من
خلال إصدار إعلان نيويورك للاجئين والمهاجرين في سبتمبر/ أيلول 2016، الذي اعتمدته
الدول الأعضاء؛ حيث وضع نهجًا للتعاطي مع الظاهرة يعتمد على التعاون والتنسيق بين
الدول التي سوف تتوج باعتماد الميثاق العالمي للهجرة في عام 2018. كما تعهدت الدول
بالنظر وضع مبادئ توجيهية غير ملزمة، ومبادئ توجيهية طوعية بشأن معاملة المهاجرين(1).
سفن إغاثة المهاجرين
بدأت سفن الإغاثة في العمل في إطار مبادرات لمنظمات
غير حكومية تبحر في المتوسط بين 2015 و2016؛ حيث قامت منظمة "ميغران أوفشور
آيد ستاسيون" الممولة من قبل أثرياء من مالطة، بتخصيص سفينة
"فونيكس" لهذا الغرض، كما ساهمت عدد من المنظمات غير معنية بشئون الهجرة
في هذه المبادرات مثل منظمة "السلام الأخضر" التي حاولت التدخل لإنقاذ المهاجرين،
لكنها لم تستمر في العمل نتيجة ما هو جهته من ضغوط أعاقة عملهم، علاوة على ضعف
التمويل الذي يعتمد في كثير من الأحيان على التبرعات والمساهمات المالية من قبل
رجال الأعمال، مما أدى إلى انخفاض أعدادهم بشكل ملحوظ لم يتبق منها إلا أربع سفن
وهما أكواريوس، لايف لاين، لوسي-واتش3، وأوبن آرمس.
والجدير بالذكر؛ أن فكرة الإغاثة لم تكن وليدة
اللحظة؛ فقد قامت الحكومة الإيطالية بعدد من المبادرات الخاصة بعمليات الإغاثة
لإنقاذ المهاجرين في عهد الاشتراكي "إنريكو ليطا"، في 2013، من خلال
إطلاق عملية الإنقاذ "مار
نوستروم" عقب غرق قارب المهاجرين أمام جزيرة "لامبيدوزا" وبالفعل تمكنت
من إنقاذ ألف مهاجر(2).
"أكواريوس" طوق النجاة
تعد السفينة "أكواريوس" التابعة لمؤسسة
"نجد المتوسط" من أبرز سفن الإنقاذ لما لها من نشاطات واسعة النطاق في
التعامل مع المهاجرين؛ وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهى أن هذه السفينة لا
تبحر في المتوسط إلا بموافقة مسبقة من قبل "مكتب تنسيق عمليات النجدة البحرية
الإيطالي"، التابع لوزارة النقل، وذلك في سياق القوانين البحرية الدولية
الخاصة بعمليات الإنقاذ في المياه الإقليمية والدولية، إلا إنه من حق الحكومة في
روما الرفض في استقبالهم.
وفي هذا الصدد؛ تُسند مهام المهاجرين على السفينة إلى
كل من منظمتي "إس أو إس
ميديتيراني"، خاصة فيما يتعلق بعمليات الإنقاذ، و"أطباء بلا حدود"
فيما يتعلق بالعلاج، فضلًا عن إمكانية التدخل الجو من قبل الحكومة الإيطالية عند
اللزوم، كما تبلغ الطاقة الاستيعابية لها ما يقرب من 600 شخص، ويمكن ان تصل الطاقة
الاستيعابية إلى أكثر من ذلك(3).
اصطدام بين اليمين وسفن الإغاثة
ساهم صعود
اليمين المتطرف داخل عدد من العواصم الأوروبية وتحديدًا في إيطاليا إلى المطالبة
بوضع سياسات جديدة تجاه المهاجرين واللاجئين، وذلك نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية
وما تواجه من تحديات ناجمة عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين، لذا فقد بدأت
باتخاذ عدد من التدابير لتصدي لهذه الظاهرة تجسدت في طلب خفر السواحل الإيطالي من
سفن الإغاثة التي تنشط في البحر المتوسط عدم التوجه للشواطئ الإيطالية في حالات الإغاثة.
إذ رفضت
استقبال عدد من السفن وذلك بعد أن تنصلت من استقبالها، وفتح موانئها لهم، مما أدى
إلى حدوث أزمة دبلوماسية مع باقي الدول الأوروبية مثل فرنسا التي انتقدت الموقف
الإيطالي(4).
كما تجلت سياسة التصادم مع سياسات الاتحاد الأوروبي
في النهج الذي اتبعه السياسي المتطرف وزير
الداخلية "ماتيو سالفيني" الذي رفض فتح الموانئ في وجه سفن الإغاثة
مبررًا إنها تشكل خطرًا على النظام العام في روما، وقد انتهى المطاف بالسفن
بالتوجه نحو إسبانيا، -فعلى سبيل المثال- انتهى المطاف بالسفينة أكواريوس التي
كانت تقل 630 مهاجرًا، فيما انتهى المطاف
بالسفينة لايفلاين التي كانت تقل 230 مهاجرًا في مالطا(5).
غرب المتوسط محط أنظار المهاجرين
أضحى غرب المتوسط في مرمى
المهاجرين في الآونة الأخيرة نتيجة ما واجهته سفن الإنقاذ من معوقات قبالة السواحل
الأوروبية، وخاصة من قبل روما وأثينا وفاليتا عاصمة مالطا، لذا فقد قد أصبح مسار
غرب المتوسط الطريق الأكثر نشاطًا للهجرة غير النظامية إلى أوروبا؛ حيث بلغ
المهاجرين منذ بداية العام الحالي وحتى منتصف أغسطس/ آب 26.350 أي ثلاثة أضعاف عدد
الوافدين في الأشهر السبعة الأولى من عام 2017. ففي يوليو/ تموز وحده، وصل 8.800
لاجئ ومهاجر إلى إسبانيا، أي أربعة أضعاف عدد الوافدين في يوليو/ تموز من العام
الماضي.
ويأتي هذا الانخفاض نتيجة
لتدابير جديدة للحد من الهجرة غير النظامية التي تبنتها الدول الأعضاء في الاتحاد
الأوروبي، بما في ذلك زيادة التعاون مع ليبيا، التي كانت البلد الرئيسي في
الانطلاق في طريق الهجرة وسط البحر المتوسط. حتى هذا الوقت من العام الحالي، قام
حرس السواحل الليبية باعتراض 12.152 لاجئًا ومهاجرًا كانوا على متن قوارب التهريب
(أكثر من ضعف العدد الإجمالي لعمليات الاعتراض في عام 2017).
كما انعكس على تراجع أعداد
المهاجرين واللاجئين –فعلى سبيل المثال- تأتي نيجيريا واريتريا في مقدمة الدول
التي تقصد روما كوجهة لها، وعليه فقد بلغ عدد المهاجرين واللاجئين للنيجيريين والإرتيريين
الذين وصلوا إلى روما في 2015 (50018)
وبانخفاض طفيف ( 096 47 ) في العام التالي. ثم بلغ عددهم بين عامي 2016 و 2017؛
حيث انخفض العدد الإجمالي للوافدين النيجيريين والإرتيريين إلى إيطاليا بنسبة 66%
كان الانخفاض أكثر أهمية في عام 2018؛ في النصف الأول من هذا العام؛ حيث بلغ عددهم
2812 فقط. كما ينطبق الشيء نفسه على اللاجئين والمهاجرين من بنغلاديش والسودان
والصومال - الذين كانوا أيضا مدرجين في قائمة أكثر بلدان المنشأ شيوعًا بين
الوافدين إلى روما(6).
ختامًا؛ مازالت ظاهرة الهجرة غير النظامية من أهم التحديدات
التي تواجه الدول الأوروبية وأصبحت من الملفات الشائكة بينهم، نتيجة تزايد حدة
الضغوط الداخلية التي تواجه الدول التي تجسدت في زيادة عدد الحركات الانفصالية، وتعرض
بعض المدن لعمليات إرهابية، بجانب الأزمات الاقتصادية التي لم تتعافى منها منذ
الأزمة الاقتصادية في 2008، الأمر الذي ساهم في صعود اليمين المتطرف والقوى
الشعبوية المطالبة بالعزلة، وعدم اتباع نهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع
الأزمات الدولية والإقليمية المتلاحقة لإنها أصبحت غير مُجدية للصالح العام بل أدت
إلى تفاهم الأزمات ومنها تزايد أعداد المهاجرين إلى حد الخروج عن السيطرة
وفي هذا السياق، لابد على القادة الأوروبيين اتخاذ التدابير الازمة وفقًا لما تقتاضيه المصلحة الوطنية لكل دولة بالتنسيق مع سياسات الاتحاد، حتى يسهل التصدي لهذه الظاهرة مع التركيز على معالجة جذور الأزمة والتفاعل معها سواء داخل الدول التي انطلقت منها أو دول المعبر بالتنسيق مع دول الشمال الأفريقي بالتوازي مع اتباع سياسات أمنية أكثر كفاءة تعمل على إحباط محاولات التهريب التي تتم عبر الحدود؛ عليه لابد من اتنهاج تدابير تحمل في طياتها البعد الإنساني والأمني.
المراجع:
1.
Eliza Galos, Laura Bartolini, Harry Cook
and Naomi Grant, "Migrant Vulnerability to Human Trafficking and
Exploitation: Evidence from the Central and Eastern Mediterranean Migration
Routes", International Organization for Migration, e-ISBN:
978-92-9068-755-9, 2017. http://migration.iom.int/docs/migrant_vulnerability_to_human_trafficking_and_exploitation_November_2017.pdf
2. بوعلام عبشي، "كيف تتدخل السفن الإنسانية لإنقاذ
المهاجرين من الغرق؟"، مهاجر نيوز، 28/6/2018. متاح على الرابط
التالي: http://cutt.us/nZF77
3. بوعلام
غبشي، " أكواريوس... سفينة إنقاذ المهاجرين من الغرق بالمتوسط"، مهاجر
نيوز، 20/6/2017. متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/cO2Iw
4. "إيطاليا توجه سفن المهاجرين إلى
ليبيا"، سكاي نيوز عربي، 24/6/2018. متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/ClvVQ
5. "إيطاليا ترفض استقبال سفينة أخرى لإنقاذ المهاجرين"، اليوم
السابع، 30/6/2018. متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/YLIhP