الإسلاموفوبيا في روسيا: الحاجة إلى مزيد من الحوار بين الحضارات
تُعد
الإسلاموفوبيا في روسيا أخف وطأة في وجودها من غالبية المجتمعات الأوروبية، ويبقى
المجتمع الروسي بشكل عام غير معادٍ للإسلام؛ ولا تزال الاختلافات الثقافية تُركز
على التمييز العرقي وليس على الدوافع الدينية، رغم الاحتمالات بأن تتزايد في
العقود القادمة الخطوط الفاصلة بين الروس العرقيين والمسلمين في شمال القوقاز وبعض
سكان الفولجا والأورال، فإن هذا التقسيم لن يؤدي بالضرورة إلى أي نوع من العنف،
بقدر ما كونه يعكس الاتجاهات العالمية الحالية المؤثرة في المجتمعات الأوروبية
وعلاقتها بالمسلمين الذين يعيشوا بها.
ما سبق
كان ملخص لما توصلت إليه دراسة بعنوان "الإسلاموفوبيا في روسيا: الاتجاهات
والسياق المجتمعي" والتي هي عبارة عن فصل من التقرير الصادر عن مركز الدراسات
الدولية والاستراتيجية بعنوان "الدين والعنف في روسيا" في يونيو 2018،
وتأتي أهمية هذه الدراسة في ضوء العديد من العوامل وأهمها هو تزايد حدة التهديدات
من التنظيمات الإرهابية العاملة في منطقة آسيا الوسطى، خاصة بعد انحسار تنظيم
الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق، وعودة مجاهدي إلى دول المنطقة، وفي ضوء
ما صدر عنه من تصريحات بعزمه القيام بهجمات في روسيا أثناء تنظيم بطولة كأس العالم.
المسلمون في روسيا
هناك نحو
15 مليون مسلم في روسيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 146 مليون نسمة، بالإضافة إلى 5
مليون مهاجر عمالي مسلم يأتون من البلاد السوفيتية سابقاً (أوزبكستان وطاجيكستان
وقرغيزستان وأذربيجان) يعملون في روسيا، وبشكل عام يتنامى عدد المسلمين في روسيا
مقارنة بدول أوروبا.
توضح
البيانات المتعلقة بالعنف ضد المسلمين أن العنف العرقي ضد الأشخاص ذوي الخلفية
الإسلامية يُمثل جزءاً كبيراً من جميع الإحصائيات المتعلقة بالعنف العرقي، ومع ذلك
فإن النسبة المئوية للعنف الديني المعلن صغيرة، فما بين عامي 2013 و2016 حدثت خمس
هجمات صريحة ضد المسلمين، أربعة منها في العاصمة موسكو، وفي ثلاث حالات منها كانت
الضحايا من النساء المسلمات اللواتي يرتدين الملابس الإسلامية التقليدية. وتبقى
القضية الأكثر شهرة على هذا المنوال هي اغتيال فاليي ياكوبوف نائب مفتي تارارستان
عام 2012، تلك الجريمة التي لايزال مرتكبيها مجهولين حتى الآن.
ويُعد
العنف الجسدي أو اللفظي الذي ترتكبه السلطات هو الأقل في هذا الصدد، وطلبت الشرطة
من المنظمات الدينية الإسلامية تزويدها بمعلومات عن أعضائها وعدد الأشخاص الذين
تحولوا من المسيحية، رغم أن ذلك غير مسموح به قانوناً.
روسيا في مواجهة التطرف
تذهب
الدراسة إلى أن تعامل الدولة الروسية مع الجماعات الإرهابية من منطلق رؤيتها
للتطرف بأنه مصطلح واسع يضم الأعمال الجهادية ودعوات العنف باسم الإسلام، إلى جانب
مساعي إنشاء الخلافة. ومن الجدير بالذكر أن في الولايات المتحدة وأوروبا، ينتشر
الخلط بين الإسلام والتطرف، بينما في روسيا تميل أجهزة الدولة ووسائل الإعلام إلى
أن تكون أكثر حذراً في ربطهما ببعضهما البعض، وتستخدم مصطلح التطرف على نطاق واسع
دون ربطه بالإسلام، وتُدرج تحته اليمين المتطرف وأقصى اليسار، بجانب المشاعر
الدينية "المسيئة" أو تحدي شرعية الدولة.
وتُظهر
تحليلات مركز بيو الأمريكي للأبحاث أن الرأي العام الروسي أقل اهتماماً بالتطرف
مقارنة بالجمهور الأوروبي، وتُفسران الكاتبتان هذا بالنظر إلى أن الأعمال
الإرهابية الرئيسة التي تمت في روسيا في التسعينيات والعقد الأول من القرن العشرين
كانت مرتبطة بالقضية الشيشانية، وبالتالي عزاها الرأي العام إلى الانفصال الشيشاني
وليس إلى التطرف على نطاق أوسع.
وتؤكد
نفس النتائج الاستطلاعات التي أجراها مركز ليفادا بين عامي 2008 و2012، والتي
أظهرت أن الإسلاميين أقل مرتبة من الشيشان والولايات المتحدة وحلف الناتو في قوائم
أعداء روسيا.
وتُثير
التشريعات التي تحظر الدعوات إلى العنف باسم الإسلام جدلية ما إذا كانت تُعبر عن الإسلاموفوبيا
أم أنها مجرد مبرراً لحماية المواطنين، فرسمياً لا يتم مقاضاة الجماعات ومؤيديها
بسبب آرائهم الدينية في حد ذاتها، ولكن للعنف بدوافع دينية، والتهديد لأمن الدولة.
وفي هذا
السياق، تذكر الدراسة أن التشريع الروسي في مجال مناهضة التطرف نجح في صقل أدواته
القانونية ضد تلك الجماعات، ومن بين 27 منظمة مُدرجة في القائمة الروسية الأولى
للجماعات الإرهابية، والتي نشرها جهاز الأمن الفيدرالي عام 2006، كان هناك 23 حركة
إسلامية، بما ذلك المنظمات الدولية كتنظيم القاعدة وحزب التحرير.
وبين
عامي 2011 و2016 تم الحكم على 47 شخصاً معظمهم بسبب الدعوات للجهاد، وارتفع عددهم
في 2015 و2016 بسبب الحرب في سوريا، ولا تتابع السلطات الروسية المنظمات والأفراد
فحسب، بل تُراقب أيضاً الكتب والمقالات ومقاطع الفيديو التابعة لهم عبر الإنترنت،
فيحاكم القانون الأفراد الذين ينشرون مواد تعتبر متطرفة.
الرأي العام والإعلام
توضح
الدراسة أن دراسة الإسلاموفوبيا كمسألة رأي عام هو أمر في غاية التعقيد؛ حيث تندر
الدراسات الاستقصائية الاجتماعية العميقة، وتعتمد على الدراسات المتعلقة بوسائل
الإعلام، وقام مركز بيو بعمل دراسة عن اتجاهات النظرة إلى الإسلام في بداية العقد
الأول من القرن الحالي، وأظهرت النتائج أن ثلث السكان الروس لديهم بعض المشاعر
السلبية تجاه المسلمين، وكانت الإجابات على سؤال حول دور الإسلام في التاريخ
الروسي وتاريخ العالم مستقطبة إلى حد كبير، وقدم استطلاع أجراه مركز ليفادا تصورات
أكثر سلبية، فهبطت نسبة المشاركين الذين شعروا بالإيجابية تجاه الإسلام من 14٪ عام 2008 إلى 8٪ عام 2015.
وتعمل
المؤسسات السياسية على إعادة إنتاج الرواية الرسمية على جانبين، أولهما تُدعم
الخطاب الموروث من النظام السوفييتي، والذي يُنادي بالصداقة بين الشعوب وأن روسيا
بلد متعدد الجنسيات والأديان، وثانيهما صياغة رواية عن الإسلام الراديكالي، وأنه
يجب مواجهة كل من يدعي العنف باسم الإسلام، وتوجد بعض الاستثناءات من هذا الموقف بين
الزعماء الوطنيين والشخصيات الأرثوذكسية، فنجد أن القائد ديمتري سميرنوف رئيس لجنة
الأسرة والطفولة في بطريركية موسكو، أدان ما يرى أنه "تهديد إسلامي"، وصرح
بأن أوروبا مُعرضة لأن تصبح مسلمة في غضون بضعة عقود.
وعلى
صعيد أخر، تلعب التغطية الإعلامية دوراً حاسماً في تشكيل الرأي العام، وتتسم في
نظرتها للإسلام بالتناقض، فتسعى من جانب على أن تأخذ وجهة نظر قراءها المسلمين
بعين الاعتبار، وتحرص من جانب أخر على ألا تتم محاكمتها بسبب مخالفة قانون
"الإساءة إلى الشعور الديني"، ومع ذلك يمكن تحديد بعض الروايات عن
الإسلاموفوبيا في الإعلام، منها على سبيل المثال ما عرضته القناة الروسية الأولى
من فيلمين وثائقيين، وُصف في كلاهما المسلمين بأنهم متطرفون، وأثار هذان الفيلمان
مخاوف بين المشاهدين المسلمين، وتقدم أمين المظالم في الشيشان نوردي نوخارييف
بشكوى ضد الفيلم الأول باعتباره يحتوي على تحريض مفتوح على الكراهية.
ووصلت
أصداء المناقشات الأوروبية حول الرسوم الكاريكاتورية المُسيئة للإسلام والرسول في
الصحافة الدنماركية إلى روسيا، ونظمت السلطات الشيشانية والإنجوش احتجاجات ضدها،
وتنبنت الدولة الروسية وجهة النظر الأنجلو ساكسونية وليست الفرنسية والدنماركية، وحرصت
على عدم الإساءة للمشاعر الدينية، وطالبت من وسائل الإعلام تجنب إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية
من تشارلي إبدو، وكان هدفها الأساسي وقف أعمال الشغب، كما رفضت بلدية موسكو السماح
للجمعيات الإسلامية بالتظاهر في الشوارع ضد المجلة الساخرة الفرنسية من أجل تجنب
"الاستفزازات".
وتوضح
الدراسة أنه برغم إلتزام وسائل الإعلام الرسمية التي تُسيطر عليها الدولة المعايير
السياسية المعمول بها، فإن الإسلاموفوبيا تتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي،
والتي توفر مساحة مجانية ومفتوحة للتعبير.
السياق المجتمعي
والإسلاموفوبيا
تُمثل
قضيتي الزي الإسلامي التقليدي وبناء المساجد ساحة جدال في المجال العام داخل
روسيا، وتتناولا الكاتبتان هاتان القضيتان كالتالي، أولاً الثوب الإسلامي
ولاسيما الحجاب، ويُشير استطلاع أجراه مركز ليفادا عام 2015 أن نحو 74٪ من
المستطلعين لديهم موقف سلبي تجاه الحجاب، وكانت أعلى نسبة من ردود الفعل السلبية
في موسكو وهي 91٪، وقد حدثت حالات من التمييز ضد المسلمين بسبب نمط ملابسهم في
المستشفيات وأماكن العمل الروسية، وتبرز هذه القضية بشكل كبير في المدارس ومؤسسات
التعليم العالي، فأصبحت قضية الفتيات الصغيرات اللواتي يرتدين الحجاب في المدرسة
ساحة معركة رمزية بين القواعد العلمانية والدينية في الفضاء العام.
ويطرح ذلك
إشكالية هامة متعلقة بما إذا كان رفض رؤية الفتيات في سن المدرسة بالملابس
الإسلامية يعني كراهية الإسلام أم دفاعاً مبرراً عن النظام العلماني، ورسمياً، لا
يوجد بالبلاد أي قانون اتحادي يحظر ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية، ويُترك
القرار في المقام الأول إلى السلطات الإقليمية والمحلية، وفي بعض الأحيان لمديري
المدارس أنفسهم.
ثانياً: بناء المساجد الجديدة: كما الحال في أوروبا تُثير هذه القضية المخاوف من
الإسلام، رغم أن المسلمين ليسوا المجموعة الوحيدة التي تواجه صعوبات في الحصول على
تصريح للأماكن الدينية الخاصة بهم في روسيا، فإنه منذ عام 2013 تزايدت حدة
التوترات حول هذه القضية. وبشكل عام يُثير موضوع بناء المساجد نوعين من القضايا،
الأول تتمثل في المشاكل القانونية مع الإدارة المحلية، والثانية تتمثل في احتجاجات
بعض شرائح السكان.
عرض موجز لفصل بعنوان "الإسلاموفوبيا في روسيا: الاتجاهات والسياق المجتمعي" للكاتبتان مارلين لارويل و ناتاليا يوديان من تقرير بعنوان "الدين والعنف في روسيا" الصادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية يونيو 2018.