المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الفواعل فى الأزمة الليبية وجهود التسوية السياسية

الجمعة 23/مارس/2018 - 03:54 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
صلاح خليل

تتصدر ليبيا المشهد الإقليمي والدولي طيلة السنوات الماضية، بفضل الصراعات بين القبائل والاضطرابات السياسية والحرب الأهلية، بعد موجة الثورات الربيع العربى، يبدو لدى كثيرين من المتابعين للشأن الليبي على أنه صراع قبلي، أكثر منه صراعاً سياسياً بين الأطراف الليبية، لاسيما أن التركيبة الاجتماعية الداخلية فى ليبيا ترتبط بعاملين يمثلان تحدياص كبيراً لبناء الدولة لارتباطهما الوثيق، هما القبلية والميلشيات المسلحة، هذان العاملان يؤثران سلباً على الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بشكل واضح فى الأزمة الليبية منذ اندلاع ثورات الربيع العربى. حتى أصبح الغموض فى الوضع على الأرض متأرجح بين البتة والأخرى، وهو ما أحبط رؤية صناع القرار والفاعلين فى الأزمة لاستعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا منذ سقوط نظام القذافى. فضلاً عن أن النفوذ المتنامي للأطراف الفاعلة فى الأزمة الليبية، ساهم بدرجة كبيرة فى العديد من المعوقات التى حالت دون الوصول إلى اتفاق سياسي، مما أدى إلى انسداد سياسي ترتب عليه فشل جميع المبادرات لحل الأزمة في ليبيا.

أولاً- مهددات الصراع

تمثل القبائل الليبية إحدى مهددات الصراع القائم بين القبائل من جهة والميلشيات من جهة أخرى، وبالنظر إلى الخريطة الإثنية والمناطقية تتوزع النفوذ والسلطة المبنية على الوزن القبلي، وتعيش فى ليبيا عدداً من القبائل تقدر بنحو 140 قبيلة، ولكن تتفاوت بعض القبائل فى النفوذه والتأثير والوزن، حيث لا يتجاوز عدد القبائل التى تتميز بهذه الصفة نحو 30 قبيلة، تتوزع على النحو التالي:-

1-  الأمازيغ:

تتمركز فى المناطق الساحلية الغربية من ليبيا، بالإضافة إلى جبل نفوسة، وتمثل حوالي 6%، أما القبائل العربية تمثل حوالى 90%، وهى منتشرة على طول الحدود المصرية، والحدود التونسية، والمناطق الصحراوية فى الجنوب، بالإضافة إلى السواحل الليبية وشاطى البحر الأبيض المتوسط. وفى الجنوب تمثل قبائل الزوية والتبو والطوارق ومرزق والكُفرة، وأغلبها ذات أصول إفريقية بنسبة 3%، ما عدا الطوارق التى تتميز بطبيعة بدوية متنقلة وتشكل نسبة 1%، وتعيش فى المناطق الصحراوية، والتخوم مع كل من الجزائر، تشاد، مالى، والنيجر. وتخوض قبائل الطوارق قتالاً شرساً ضد قبائل التبو المتحالفة مع الجيش الليبي.(1)

أما من ناحية الغربية نجد قبائل الورفلة بفروعها التى تتجاوز 53 فرعاً، أشهرهما بنى وليد، والمجابرة، والزنتان، مسلاته، الصيعان، الحابة، أولاد سالم، العمائم، العلاونة، الأحامد، غريان، أولاد مرزوق، المحاميد، الرجبان، ورشفاقة، أولاد صولة، أولاد شبل، وأولاد المرموري. فيما تأتى قبائل الشرق فى المرتبة الثانية من حيث الكم وتتكون هذه المجموعة من العبيدات، الدرسة، أولاد فايد، أولاد أحمد، البراعصة، المغاربة، العواقير، العربيات، الفرقة، الجغبوب، المجابرة، الخلالات، الفواخر، العرفة، وأخيراً المسامير. وتتكون قبائل الوسط الليبي من الفرجان، القذاذفة، الجفرة، المقارحة وأولاد سليمان.

فى الواقع، إن الانتماء القبلي فى ليبيا كرس نمط العصبية والطائفية، وأصبحت هذه النزعة طاغية على المجتمع والدولة، وبالتالي تآكَل دور بناء مشروع الدولة الوطنية، الذي أفضى إلى فراغ سياسي منذ إسقاط نظام القذافى،(2) وجعل التنظيمات والمجموعات المتصارعة يغلب عليها طابع المليشيات المسلحة.

إن النفوذ المتنامي للجماعات الإرهابية والمسلحة فى ليبيا، والمناطق الخاضعة لسيطرتها بات يشكل تهديداً مباشراً، ليس فقط للقوى المتصارعة، بل أصبح يهدد كيان الدولة الليبية، ومنذ عام 2012، تعيش المدن الليبية المختلفة حالة من الصراعات الليبية الخاصة بين عدداً من الميلشيات المسلحة والجماعات الإسلامية المتشددة، وفقاً للولاءات القبلية والجهوية، فحكومة الوفاق الوطني التى يتزعمها السراج تدعهما عدداً من الميلشيات ومن أهمها:-

(1) كتيبة ثوار طرابلس: تتميز بأنها شديدة العداء لكل من المشير حفتر وتيارات جماعات الإسلام السياسى، وفضلاً عن أنها تتمتع بنفوذ كبير فى طرابلس يتزعمها هيثم التاجورى، وتعمل على حماية المجلس الرئاسي والمواقع الإستراتيجية، وحماية البنية التحتية.

(2)  قوة الردع الخاصة: هى الميلشيات الأكثر تسليحاً وعدداً، يقودها عبد الرؤوف كارة وهو من مشايخ السلفية الليبية، وتعتبر أحد أكبر المجموعات العسكرية المسلحة.

(3) كتيبة النواصي: تسير على النهج السلفي، ومن مهامها تأمين وحماية مقار حكومة الوفاق.  

(4) لواء المحجوب: كتيبة تابعة لثوار مصراته، وتعد من أبرز الميلشيات المسلحة بطرابلس، وتعمل كمجموعة قتالية محترفة، وقائدها مجهول الهوية، تتكفل بحماية المقر العمومي لرئاسة الوزراء.

(5) الأمن المركزى: تنشط هذه الكتيبة فى حفظ الأمن فى المناطق الخطيرة داخل طرابلس، ويقودها عبد الغنى الككلى المشهور بــ "غنيوة"، وأيضاً تقوم هذه القوى بتنفيذ المهام الأمنية والعسكرية.

أما الميلشيات التى تقدم الدعم لحكومة الإنقاذ الوطني التى يقودها خليفة الغويل، والتى بدورها رفضت مخرجات عمليات الحوار السياسي لأممي فى مدينة الصخيرات المغربية، بالإضافة إلى المفاوضات الأخرى، وتنفذ هذه الميلشيات هجمات على المؤسسات الوزارية فى طرابلس بهدف إرباك حكومة الوفاق الوطني فى الوقت الحالي، من أجل عودة قائدها خليفة الغويل للمشهد السياسي الليبي حتى تضمن لنفسها دوراً مستقبلياً فى ليبيا، ومن أبرزها:-

(1) كتيبة المرسى: تمتلك قدرة قتالية عالية، من خلال التدريب والمعدات العسكرية ولوجستيكية هامة، وتقوم بحماية المباني وقصور الرئاسة فى المناطق التى تسيطر عليها وتعتمد على أكثر من قائد ميدانى.

(2) لواء الحلبوص: تعتبر من أقوى الكتائب المسلحة بمدينة مصراته، وسميت بذلك تقليداً لقائدها ومؤسسها محمد الحلبوص الذى قاتل القذافى إبان الثورة الليبية فى مصراته قبل أن يٌقتل فيها، وتتميز بأنها أكثر تجهيزاً ويقودها حالياً بشير عبد اللطيف، وتتكون عناصر من حوالي ألف مقاتل، وتتمركز فى قصور الضيافة وباب بن غشير، وصلاح الدين، وخلة الفرجان وطريق المطار الدولي بالإضافة إلى المناطق الجنوبية من طرابلس.(3)

2- الجماعات الإسلامية

سعت الجماعات الإسلامية فى طرابلس فى التوسع منذ إسقاط نظام القذافى، واستفادة من دعم والفتاوى التى كان يقدمها الصادق الغريانى، وكسبت الكثير من الموالين والمؤيدين لها، وهى تتبنى إيديولوجية متطرفة كالقاعدة، وأنصار الشريعة فى بنغازي وغيرها من الحركات الراديكالية ومن أهمها:

الحرس الوطنى: مجموعة من الميلشيات الإسلامية المقاتلة، وتتمركز فى بعض المناطق القريبة من السجن الهضبة، ومن أبرز قياداتها خالد شريف وسامى الساعدى.

الجماعة الليبية: جماعة تأسست على فكر الجهادية السلفية، يتزعمها عبد الحكيم بلحاج، وهو أحد عناصر القاعدة فى أفغانستان، وكان معتقل فى سجن غوانتانامو بتهمة الإرهاب، تسيطر هذه الجماعة على مطار ميعيتيقة العسكري الشهير بالقرب من طرابلس.  

3- تنظيم الدول الإسلامية:

يتخذ تنظيم الدول الإسلامية "داعش" من غرب ليبيا مركزاً آمناً لبناء قدراته القتالية، وتعتمد على استراتيجية القتال من جبهات متعددة، ضد الجيش الوطنى الليبي، وتمكن "داعش" من تكوين تحالف لها مع بعض الميلشيات مصراتة والجماعات السلفية الجهادية ضد قوات المشير حفتر. ونتيجة لهذه التحالفات، أصبحت الجماعات الإسلامية المرتبطة بالقاعدة، تعمل من خلال حركة إسلامية ثورية، تعتمد على الشرعية الكبيرة التي يتمتع بها فى المناطق المسيطر عليها، وبناء على ذلك، أصدرت الجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة رسائل قد تشير إلى الاستعدادات لهجمات على المدى القريب، فضلاً عن تعزيز الظروف والبيئة التى من شأنها ترسخ نفوذ وبناء مجتمع تنسجم مع آراء الخلافة. وعلى الرغم من أن تنظيم الدول الإسلامية، وسع نشاطه فى مدينة سرت فى عام 2014، وهو الأمر الذي منح التنظيم العديد من المزايا الإستراتيجية، وطالما عرف بأن المدينة تأوي مجموعات إسلامية جهادية، كتنظيم جماعة أنصار الشريعة، وتيارات الإسلام السياسي الأخرى التى بدأت نشاطها منذ عام 2012. لاسيما أن المجموعات الإسلامية المسلحة فى "سرت" أصبحت تستعرض قواها العسكرية بصورة مستمرة، من خلال الآليات الحربية، والأعلام السوداء، كما فرضت هذا الجماعات التمسك بالشريعة الإسلامية فى المدينة الساحلية(4). وعمل تنظيم الدولة الإسلامية فى سرت على تعبئة السكان المتعاطفين معها، وسعت الدولة الإسلامية إلى تعبئة السكان المتعاطفين معها في سرت لبناء شبكات التجنيد التى تستهدف الأطفال والأشخاص فى المجتمعات الهشة، وسعى التنظيم الدولة الإسلامية في شرق ليبيا، باستهداف القبائل التى كانت موالية لنظام القذافى.(5)

وبعد أكثر من ست سنوات من ثورات الربيع العربي، أصبحت ليبيا مسرحاً لمجموعة من الفاعلين السياسيين المنتمين إلى القبلية وميلشيات وتنظيمات أخرى، كالإخوان المسلمون، الذين يتمركزون في طرابلس بتنظيمهم "قوات فجر ليبيا" والمنبثقة منها العديد من المجالس العسكرية، وغرف العماليات والكتائب، فضلاً عن مجالس الشورى المنتشرة بين الغرب والشرق، التى عرفت بتحولاتها الكثيرة فى مواقفها وتحالفاتها، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى التى تنشط فى مصراته، ودرنة وبعض المناطق الجنوبية.(6)

ثانياً- القوى المتصارعة

منذ العام 2011، ولا تزال الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا غير مستقرة، وتشهد باستمرار تغير للتحالفات على المستوى المحلي زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني وقوَّض من جهود تسوية الأزمة سياسياً، فيما لم تنجح مبادرات البناء والتسوية المقدمة من أطراف وقوى خارجية في احتواء الأزمة المتصاعدة رغم أنها في كل مرة تستهدف إعادة هندسة المشهد السياسي والأمني. كما أنه وبعد توقيع الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر 2015 لم ينجح الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة في إحياء العملية السياسية المتعثرة منذ العام 2014، على رغم محاولات البعض الفاعلين بدفع المخرجات ومراحل محاولات التسوية  السياسية التي لم تنجح بعد، فبعد توقيع الاتفاق السياسي، اتجهت القوى الخارجية المعنية بالأزمة في ليبيا إلى تصنيف الفاعلين المحليين بين قطبين رئيسيين الأول يمثله فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي فى حكومة الوفاق الوطني "المعترف بها دولياً" في ليبيا، والطرف الآخر الذي يقابله يتمثل في قائد الجيش الوطني في شرق البلاد المشير خليفة حفتر، وهو تصنيف يبدو ظاهرياً معبراً عن مواقف القوى المحلية المؤيدة والرافضة للانقلاب، غير أنه لا يعكس حقيقة التطورات على مستوى التحالفات الميدانية على الأرض. فإن المشير حفتر يبدو هو الحاكم الفعلي الأوحد في شرق ليبيا إلا أن هناك منافسين له يفتقدون في الوقت الراهن لإسناد خارجي يعزز موقفهم في المشهد المحلي مثلما يحدث مع المشير حفتر، بينما رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وإن كان يحظى بدعم دولي وإسناد كبير من القوى الفاعلة المؤيدة للاتفاق في مدينة مصراتة والعاصمة طرابلس، إلا أن ذلك غير كاف لتعزيز موقفه في العملية السياسية التي اقتنع رعاتها الخارجيين بضرورة إعادة هندسة المشهد مجدداً كحل لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة، غير ذلك، هناك قناعة لدى القوى المحلية الأخرى أن الدعم الخارجي لكل من حفتر والسراج هو السبب الرئيسي في تعزيز موقف الرجلين على المستوى المحلي سياسياً وأمنياً، أما إجتماعياً فسرعة تغيير التحالفات القائمة وفق المصلحة ومتغيراتها وتطورات المشهدين الأمني والسياسي تظل دائماً سبباً في احتفاظ الرجلين بموقع الصدارة في المشهد السياسي والأمني لكن ذلك يظل بشكل مؤقت مع بقاء سمة السيولة الحالية في الواقع الليبي الراهن.(7)

ثالثاً- قضايا الصراع والخلاف

فى الواقع، إن القضايا الخلافية للأزمة الليبية، تكمن فى عدم إدارة نقاط الخلاف بين الأحزاب السياسية من جهة والجماعات التي تحمل السلاح من جهة أخرى، خاصة فيما يتعلق بتوزيع السلطة والثروة، فضلاً عن هيمنة ثقافة المنتصر والمهزوم على سلوكيات الأطراف المتصارعة، وتمسكها بالمصالح القبلية دون الالتفاف حول القضايا العامة. وهو الأمر الذى انعكس على طريقة  تعاطي الأطراف المتصارعة فى العديد من جولات الحوار السياسي والمصالحة الليبية التى قادتها أطراف دولية وإقليمية، وكانت نتيجة هذه المفاوضات، لا تتعدى كونها مكاسب لطرف عن الطرف الأخر، بالتالي ينعكس مجدداً فى زيادة وتيرة الصراع باعتبار حجم المكاسب لكل طرف لا تتناسب مع وزنه السياسي والعسكري.(8)

فى الواقع أن انتشار الأسلحة والصراع في ليبيا أربك حسابات القوى الإقليمية المتنافسة الفاعلة فى الأزمة، ولكن بالرغم من ذلك،  لم تتخذ قراراً على مراجعة حساباتها فيما يتعلق بهذا البلد الذي يعاني من حرب أهلية تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة وطائرات عسكرية. وقد أدى الاستقطاب الحاد للقوى الإقليمية والدولية على الوضع السياسي في ليبيا إلى تغذية العداء بين العناصر الاجتماعية المختلفة في البلاد، فضلا عن أنه لم يتمكن أي طرف من الأطراف فى حسم الصراع لصالحه. ثمة اعتبارات عديدة، فمن الأرجح أن يحدث تحول في توازن القوى المتصارعة فى ليبيا، قد يؤدى إلى موجة جديدة من الاشتباكات، بين القبائل بسبب رغبة كل قبيلة إلى حماية توسيع مناطق نفوذها على الأرض، لا سيما أن السياسات التي تتبعها القبائل تعنى لهم كسب مزيد من المزايا فى التوازن المتغير، وبالتالي مما يؤدى حتماً فى ارتفاع وتيرة والاشتباكات المحتملة فى القريب العاجل.(9)

قد نجح حفتر في كسب تأييد زعماء غالبية قبائل المنطقة الشرقية التي يطغى فيها النظام القبلي فبات من الصعب اتخاذ هاتين المؤسستين أي قرار دون موافقته. لكن المثير للجدل هو أن تحالف الكرامة فى الشرق وتحالف الصمود فى الغرب يقاتلان كل منهم الآخر، وفى نفس الوقت كلاهما لا يعترفان ويناوئان حكومة الوفاق الوطني فى ليبيا.

منذ انطلاقة عملية الكرامة العسكرية فى مايو 2014، تقود حرب أهلية طاحنة ضد الفصائل العسكرية أخرى فى شرق ليبيا، خاصة مجلس شورى ثوار بنغازي، دروع ليبيا التي تشكلت بالأساس من ثوار السابع عشر من فبراير، وسرايا الدفاع عن بنغازي التي تشكلت مطلع يونيو، وهى مجموعة مناوئة للواء حفتر فى مدينة إجدابيا 170 كم جنوب غرب مدينة بنغازي، بالإضافة إلى العائدين الذين كانوا قد خرجوا واستقروا في غرب ليبيا بعد انتقال المواجهات المسلحة إلى الأحياء السكنية في بنغازي، التى أصبحت تحتل المرتبة الأولى فى ليبيا من حيث التدهور الأمني وفقاً لإحصائيات الهلال الأحمر. وبعد أكثر من ثلاثة أعوام من إطلاق حفتر حملته لتحرير بنغازي من الجماعات الإسلامية المتشددة، إلا أن الوضع على الأرض أصبح كما هو الحال عليه، لم ينجح حفتر فى السيطرة على مدينة بنغازي، أو حتى استعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا، لاسيما أن حلفاء حفتر كانوا يتوقعون أن يكون لمجموعة الكرامة ان تحكم سيطرتها على الأراضي الليبية.(10)

فى الواقع، إن أغلب الميلشيات التى يزيد عددها عن 1800 فصيل، ومعظمهم مؤيد لجماعة الإخوان فى ليبيا، ترفض التفاوض أو حتى التقارب مع قائد مجموعة الكرامة المشير حفتر، فى المقابل تمكن قواته فى بسط الأمن والاستقرار النسبي فى المناطق التى تسيطر عليها فى شرق ليبيا، إلا أن المليشيات المحسوبة على جماعة الإخوان لا زالت تسيطر على بنغازي(11).

رابعاً- مبادرات الحل

يدرك المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا غسان سلامة، منذ توليه مهامه، تماماً التكالب والتنافس الاقليمى والدولي حول الأزمة الليبية، التى أفشلت جهود الأممية والإقليمية فى إيجاد حلول لتسوية سياسية فى السنوات الماضية، نتيجة لطبيعة المصالح للأطراف المتداخلة فى الأزمة، فكل طرف يريد أن يشكل الحكومة فى ليبيا وفقاً لأيديولوجيته التى تخدمه مصالحه، على المستوى الإقليمي تتشكل الأزمة الليبية فى قوتين متصارعتين هما، جماعات الإسلام السياسي، والآخر المشير حفتر الذي يقود الجيش الوطني وهو تحالف من مجموعات مسلحة قبلية، فبعض الأطراف الإقليمية ترفض إشراك تيار الإسلام السياسي فى تسوية سياسية جديدة فى ليبيا، وفى المقابل هذه المجموعة تدعم الجيش الوطني، ومن ناحية أخرى ترفض بعض دول الجوار أن يكون لحفتر أى دور فى الحكومة الليبية المقبلة، حيال هذه الانقسامات يسعى المبعوث الأممى سلامة فى محاولة فى إيجاد صيغة توافقية لأطراف الصراع الليبي للحد من التأثيرات الإقليمية والدولية المتنافسة فى ليبيا.(12)

فإن تنفيذ الاتفاق السياسي الذي وضعته الأمم المتحدة بوساطتها في عام 2015 والذي أنشأ مجلس الرئاسة والحكومة المؤقتة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، قد عرقلتهما ادعاءات بعدم شرعية القوى السياسية المتنافسة. وعلى الرغم من أن إطار الصفقة هو الطريق الوحيد القابل للتطبيق لحل الصراع الليبي، تشجع مجموعة الأزمات جميع الأطراف على التفاوض مع حكومة جديدة ذات شرعية وطنية. واتخذت خطوات هامة في يوليو 2017، عندما وافق الرئيسان السراج والجنرال حفتر على اتفاق لوقف إطلاق النار وإجراء انتخابات في عام 2018. إلا أن ليبيا لا تزال منقسمة بشدة، كما أن عدم تنفيذ الاتفاق يمكن أن يؤثر سلباً على الأمن الإقليمي فضلاً عن زيادة عدد المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي. وتهدف مجموعة الأزمات إلى إعلام المجتمع الدولي، فضلاً عن الجهات الفاعلة الوطنية والإقليمية، بأهمية إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية والتوافق السياسي الأساسي باعتبارهما حجر الأساس للسلام المستدام.(13)

الشاهد أن المفاوضات التى شهدتها المغرب "الصخيرات" التى ضمت المؤتمر الوطن العام، بالإضافة إلى بعض القوى السياسية الأخرى، التى وقعت اتفاقاً سياسياً، إلا أن الاتفاق لا يتناول القضايا ذات الصلة مثل تقاسم السلطة والثروة، فمن السابق لأوانه التكهن أو التنبؤ بمستقبل الاستقرار السياسي فى ظل عدم توافق الآراء بين فرقاء السلطة فى ليبيا. وتتنافس الفصائل الليبية على السلطة فى وسط ليبيا وجنوبها الغنى بالنفط. (14)

من ناحية أخرى، يعطي الشركاء الليبيون المدعومون من الولايات المتحدة الأولوية لحماية مصالحهم في الحرب الأهلية الجارية في ليبيا، كمكافحة الجماعات السلفية الجهادية والميليشيات، خاصة تحالفات مصراتة التى تدعم حكومة الوفاق الوطني التي تتوسط فيها الأمم المتحدة بدعم من الإدارة الأمريكية. لا سيما أن الصراع البري بين المصرطيون والجيش الوطني الليبي، يعكس رغبة كل طرف من الأطراف، على الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية لبسط النفوذ وسد الفراغ فى السلطة الليبية بعد الثورة. وفى ظل ذلك، كلما طال أمد الحرب الأهلية فى ليبيا، ستسمح تلك الظروف لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتنظيم القاعدة فى توسيع ترسيخ مواقعهما ليس فى ليبيا فقط، بل سوف يمتد إلى منقطة المغرب العربي وشمال أفريقيا. لا سيما أن المشروع الدول الغربية، يسعى إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم فى الغرب طرابلس، وفى الشرق برقة، وأخيراً فى الجنوب إقليم فزان، نتيجة لغياب أو عدم توافر بدائل وطنية سواء على مستوى الممارسة السياسية التي أضعفها العنف والانقسامات، أو حتى على إرادة الوحدة الوطنية.(15) وفى عام 2014، أكدت القوى السياسية الليبية والجماعات المسلحة على مشروع وفاق وطني شامل لا يقصى أحداً، ولكن فى نفس الوقت رفضت القوى السياسية مشاركة الجماعات الإرهابية.

خامساً- دول الجوار الليبي

منذ تفاقم الأزمة الليبية، دخلت دول الجوار في مسعى لوضع حد لإقناع الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة حوار واحدة، وقد رفضت دول الجوار الحل العسكرى والتدخل الخارجي، وسعت الدول الثلاثة مصر والجزائر وتونس، بالتمسك بالحوار كمخرج أساسي ووحيد للأزمة الليبية، وتعهدت الدول بدعم جهود توافقية على اتفاق الصخيرات.

مصر: جاءت المبادرة المصرية و(إعلان القاهرة) المعني بالشأن الليبي، يتعلق بأهمية الدور الإقليمي لمصر، وأيضاً بطبيعة التوازنات الإقليمية فى ظل تكالب القوى الإقليمية الأخرى فى الأزمة الليبية. وجاء إعلان القاهرة بمثابة توصيات من ضمنها كأجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى فبراير 2018، مع تكوين لجنة مشتركة لمراجعة وتعديل اتفاق الصخيرات، الآليات والمقترحات المصرية وفقاً لمخرجات الاتفاق السياسي، ولقاءات القاهرة الأخيرة سعى أيضاً المقترح المصري الإسراع فى تسوية سياسية لجميع الأطراف للخروج من حالتي الجمود والانسداد السياسي اللتان لازمتا الأزمة الليبية. كما أشار إعلان القاهرة التصدي لأي ظهور لكيانات أخرى موازية للجيش الليبي، وأيضاً محاربة الميلشيات والجماعات الراديكالية التى تعارض عملية الاندماج داخل هيكل الدولة الليبية.(16)

الجزائر: تعتمد الجزائر على رهانها الدبلوماسي السابق، الذي لعبته فى الأزمة فى جمهورية مالي، وتحظى الجزائر بمصداقية وإجماع لدى الفرقاء السياسيين الليبيين، وأيضاً دول الجوار، لا سيما فيما يتعلق بالتصدي لظاهرة الإرهاب، ترتكز الجزائر فى تعاملها مع أطراف الصراع الليبي على مبدا واحد هو تكافل الفرص والتمسك بمبادئ الحوار الوطني الذى يعتبر مخرجاً للأزمة الليبية. يرغب الطموح الجزائري إلى السعي ولعب دور فاعل كتقريب وجهات النظر مبني على فاعلين، هما المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، ومجلس النواب فى الشرق التي تفرعت منه حكومة يتزعمها عبدالله الثني، فضلاً عن الدفع بطرف ثالث أقل تأثيراً كخليفة الغويل. وفى ظل ذلك دأبت الدبلوماسية الجزائرية على حراك سياسي من أجل دفع الأطراف الليبية لإجراء محادثات ومفاوضات تسوية سياسية، فاستقبلت خلال الأشهر الماضية كل من اللواء خليفة حفتر، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، فايز السراج، وفضلاً عن مسئولون من روسيا والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، كما أجرت محادثات مع أطراف الأزمة الليبية القاهرة وتونس.

تونس: تحرص على دفع وتشجيع النخب السياسية الليبية على انتهاج مبدأ الحوار للتوصل لتسوية سياسية شاملة، فى 19 فبراير2017، عقد بالعاصمة التونسية اجتماعاً وزارياً بحضور كل من عبدالقادر مساهل الجزائر، سامح شكري مصر، خميس الجيهناوى تونس، فى إطار سلسلة من المشاورات بين هذه الدول لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الليبية. طالبت تونس المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته، وتعمل المبادرة التونسية بدفع القوى السياسية الليبية بمختلف انتماءاتهم الإيديولوجية إلى الحوار، كما تتمسك تونس بتذليل الخلافات حول العقبات الاتفاق السياسى الذى تم توقعيه فى ديسمبر 2015.(17)

خلاصة القول

لقد لعبت الفواعل الإقليمية والدولية دوراً كبيراً فى عدم الوصول لتسوية سياسية فى ليبيا، وذلك بسبب تداخل الأجندات للأطراف المعنية بالأزمة الليبية، لاسيما أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، منذ سقوط نظام القذافى، أصبحت منحازة بدرجة كبيرة فى تسليح وتوريد الأسلحة الثقيلة لثوار مصراته وتيارات الإسلام السياسي كالقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، مما ساهم بدرجة فى تعطيل مسار عملية المصالحة الوطنية وصعوبات تزداد بسبب غياب أجندة واحدة لفرقاء السلطة فى ليبيا يرجع ذلك لعدة أسباب:-

1- المصالح القبلية الضيقة، ونزعات الانتقامية الفجة التى تتنافي مع المبادرات المصالحة، والتسوية السياسية.

2- كثرة التنظيمات وعملية اختراقها من قِبل الفواعل الإقليميين والدوليين.

3- رغبة الأطراف المتصارعة وقدرتهم فى العمل على تعطيل المسار السلمي.

4- تعدد المبادرات الداخلية والخارجية.

الهوامش

(1) https://alqabas.com/339882/

(2) http://www.middleeast/2011/02/110222_libya_tribes.shtml

(3) دراسة حالة لقبل وبعد ثورة فبراير 2011 - تأثير القبلية على العملية السياسية فى ليبيا

(4) http://carnegieendowment.org/sada/?fa=59491

(5)http://carnegie-mec.org/2015/06/29/ar-pub-60542

(6)http://islamion.com/news /

(7)http://www.libya-al-mostakbal.org/95/18628

(8) زياد عقل- التسوية السياسية في ليبيا: التفاوض وإعادة بناء التحالفات

 - http://acpss.ahram.org.eg/News/16377.aspx

(9)) studies.aljazeera.net/ar/events/2017/03/170328093649729.html

(10) http://www.noonpost.org/content/19762

(11)http://www.raialyoum.com/?p=684196

(12) منية غانمي، الشرق الأوسط،، بعد أعوام من الصراع .. هل يحمل 2017 بداية انفراج الأزمة الليبية

(13) http://www.un.org/arabic/news/story.asp?newsID=25282

(14( https://mugtama.com/hot                

(15) https://aawsat.com/home/article/924736

)16) http://www.alchourouk.com/232538/675/1/-

)17) www.alarabiya.net.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟