الحرب الاقتصادية التي تخوضها مصر: الضرائب، وإصلاح الخلل في المالية العامة
الضرائب التي
يتم جمعها من دافعي الضرائب يجب أن تعود عليهم بفوائدها ووفوراتها، فالضرائب هي
الوسيلة الرئيسية لتمويل التنمية وتحقيق مستويات معيشة أفضل للمواطنين من خلال
تحقيق وفورات النطاق وإعادة توزيع الدخل ومراعاة اعتبارات العدالة الإجتماعية.
وليس من المقبول أن يتم توسيع قاعدة المجتمع الضريبي وتضييق قاعدة المستفيدين من
تخصيص الإيرادات الضريبية لأن ذلك يعني في نهاية الأمر فرض ضرائب على المجتمع كله
لتمويل التفاوت الإجتماعي وليس لتحقيق التنمية والعدالة ورفع مستويات المعيشة.
فإذا تم زيادة الضريبة بمقدار جنيه واحد مع توسيع قاعدة المجتمع الضريبي إلى مليون
شخص مثلا، فإن الإيرادات الضريبية التي يتم تحصيلها والتي تبلغ مليون جنيه لن يكون
من المقبول تخصيص نسبة 80% منها لفائدة 10% فقط من دافعي الضرائب. وسوف تؤدي مثل
هذه السياسة إلى خلق حافز فردي لدى أغلبية الممولين للتهرب الضريبي. كذلك فإن
سياسة مركزية الإستثمار والإنفاق العام التي تؤدي إلى استحواذ العاصمة والمدن
الكبرى على النسبة الأعظم من الإستثمار ومن الإنفاق العام تمثل أيضا وجها من وجوه
انعدام العدالة في إدارة المالية العامة للدولة.
العدالة الضريبية
ومبدأ التصاعدية
ولتحقيق
العدالة الضريبية يجب الأخذ بمعيار التناسبية في سعر الضريبية proportionality وهذا يعني ضرورة الأخذ بمعدلات
الضريبية التصاعدية والتخلي على سياسة سعر الضريبة الموحدtaxation uniform or flat rate على كل الممولين، سواء فيما يتعلق بضرائب الدخل الفردي أو ضرائب الشركات أو
ضرائب القيمة المضافة. وتعتبر فكرة التناسبية من الأفكار المستقرة في فلسفة
الضريبة منذ آدم سميث. ولذلك فإن فكرة الضرائب التصاعدية تعتبر فكرة أساسية في فقه
الضريبة وفلسفتها، ويتسبب الجنوح عنها في تشويه مفهوم الضريبة وإنتاج حوافز سلبية
لدى قطاعات كبيرة من المولين للتهرب الضريبي، خصوصا فيما يتعلق بالضرائب المباشرة.
كما يتسبب الجنوح عنها إلى انتشار حالة من عدم الرضا الإجتماعي ومن الحوافز
السلبية ضد الإنتاج بسبب عدم التناسبية في تحمل أعباء تمويل إنتاج السلع العامة أو
السلع والخدمات الإجتماعية.
وقد ترسخ مفهوم
الضرائب التصاعدية منذ مطلع القرن العشرين وأصبحت مبدأ مستقرا في السياسة الضريبية
على مستوى العالم. واكتسبت فكرة الضريبة التصاعدية أساسها النظري والفلسفي إعتمادا
على نظرية المنفعة الحدية للدخل والتضحية الحدية للضريبة، فقيمة التضحية الحدية
ترتفع كلما كان الدخل محدودا والعكس صحيح. ولذلك فإن اعتماد سعر واحد للضريبة
يقتطع من المنفعة الحدية لأصحاب الدخل المنخفض أكثر مما يقتطع من أصحاب الدخل
المرتفع، فتكون التضحية الحدية في حال أصحاب الدخل المنخفض أعلى بكثير منها
بالنسبة لأصحاب الدخل المرتفع. ويصدق هذا في حال الضرائب على الأفراد وعلى
الشركات.
ولعلاج الخلل
في المالية العامة بشكل عام يكون أمام صناع السياسة المالية اتخاذ أحد طريقين: إما
المضي على نفس المنوال السابق الذي أنتج الخلل مع إحلال تعديلات ذات طابع كمي
مظهري لا تغير من طبيعة الأمر شيئا، بمعنى آخر أن تسير الأمور على ما كانت عليه business as usual، أو أن تأخذ السياسة المالية في اعتبارها ضرورة تحقيق مستهدفات محددة من شأنها
إصلاح أسباب الخلل في المالية العامة للدولة وليس مجرد إجراء معالجات محاسبية
للخلل نفسه. وهذه السياسة تعني إدخال تغييرات حقيقية مسؤولة وهي ما نسميها سياسة
مالية مسؤولة responsible fiscal policy تأخذ في
اعتبارها المصالح العامة للمواطنين.
وفي الظروف العادية
يتم تحديد أهداف السياسة المالية بواسطة المشرعين والقيادات السياسية المنتخبة،
أما في حالتنا في مصر في الوقت الحاضر فإن حدود مسؤولية المشرعين والقيادات
السياسية في وضع أهداف السياسة المالية تقع داخل نطاق ضيق جدا نظرا لوجود اتفاق
تعاقدي مع صندوق النقد الدولي يحدد سلفا هذه الأهداف. وبعيدا عن الجدل بشأن ما إذا
كان برنامج الإصلاح الإقتصادي هو برنامج مصري نابع من الداخل أي home grownأم لا، فإن البرنامج يعكس بجدارة نتائج المفاوضات بين
مصر وصندوق النقد الدولي منذ عام 2011 والتي توجت بموافقة صندوق النقد على البرنامج.
كذلك فإن دور المشرعين في تحديد أهداف السياسة المالية هو غائب تماما تقريبا على
ضوء استئثار السلطة التنفيذية فعليا بوضع أهداف السياسات الإقتصادية وتقديم الصورة
المالية أو العينية إلى النواب للموافقة عليها طبقا لما يقضي به الدستور.
ومع الإقرار
بالدور الأعلى للإتفاق مع صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بوضع أهداف السياسة
الإقتصادية والمالية والتجارية، فإن تنفيذ توصيات ومستهدفات برنامج الإصلاح
الإقتصادي يمكن أن يتم أيضا أن يتم في إطار واحد من سياقين كل منهما يختلف عن
الآخر اختلافا جوهريا، الأول هو السير على نفس المنوال السابق الذي أنتج الخلل
والفشل business as usual والثاني هو
السياق المسؤول responsible policy making الذي يسعى
إلى علاج أسباب الخلل مع تجنب إعادة إنتاج الفشل. وهناك الكثير من الدلائل التي
تشير إلى أن صناع السياسة المالية والجهاز الإداري للدولة والمؤسسات التنفيذية
المختلفة لاتزال تسير على طريق المنوال السابق بمنطق (ليس في الإمكان أحسن مما
كان) وهو ما يؤهل السياسات المعمول بها لإعادة إنتاج الفشل وليس لتغير المسار
والإنطلاق إلى طريق سياسة مسؤولة تقود الإقتصاد بعيدا عن شبح تكرار الأزمات.
الجباية والقهر
وتمويل الفساد
تعتبر مشكلة
التهرب الضريبي من المشاكل التي يعاني منها النظام الضريبي في مصر. كما أن ضخامة
حجم القطاع غير الرسمي أو غير المنظم تؤدي عمبيا إلى قصور الربط الضريبي وانخفاض
الإيرادات. ويحتاج دمج القطاع غير الرسمي أو غير المنظم إلى معالجة خاصة نظرا
لأهميته. أما علاج التهرب الضريبي فإنه يعتمد
على ثلاثة مسارات مختلفة، الأول إقتصادي وثقافي وسياسي، الثاني قانوني، الثالث
أمني، والإعتماد على واحد منها فقط بديلا عن الآخرين يسفر عن تجاهل الظاهرة ومن ثم
استمرارها واتساع نطاقها.
ومن الملاحظ في
مصر أن التهرب الضريبي نشأ كظاهرة تاريخية إرتبطت باعتصار الدولة لموارد المواطنين
في عصور مختلفة من تاريخ مصر كانت فيها سلطات الدولة بأيدي قوى مستبدة داخلية أو
قوى محتلة خارجية. وقد بالغ الفراعنة والولاة والسلاطين والحكام المماليك وغيرهم
في جباية المال إلى الحد الذي ارتبطت فيه حياة المصريين بحد الكفاف بشكل عام ومن
ثم فقد انعدمت الفرص الملائمة لتكوين تراكم رأسمالي لدى المنتجين، خصوصا في الفترة
الطويلة من تاريخ مصر التي انعدمت فيها حقوق الملكية. وخلال تاريخ مصر حتى
ثمانينات القرن التاسع عشر فإن ما زاد عن حد الكفاف والمحافظة على القدرة على
إعادة الإنتاج كان يذهب للحاكم. ليس ذلك فقط بل إن بعض فترات التاريخ في مصر كان
فيها مستوى معيشة المصريين تقرره احتياجات الحاكم إلى المال، فيحصل هو أولا على ما
يريده، ثم يكون الفتات الباقي من نصيب المواطنين. وقد وصل الحال بالبلاد إلى أن حكمها
كان يباع ويشترى بالمال نظرا لعظمة ثروتها وخراجها.
ولذلك فإن
جباية الضرائب في عصور التاريخ المختلفة حتى العصر الحديث إرتبطت بقوة السلطان
وبرجال الشرطة، فاتخذ جمع الضرائب هذا الوجه القسري حتى بعد منتصف القرن التاسع
عشر عندما وجد حكام مصر نجاتهم في فرض المزيد من الضرائب وفي فرض أنواع من الضرائب
تدفع مقدما بعدما وقع خلفاء محمد علي في أزمة ديون إستفحلت حتى اضطروا إلى بيع
حقوق ملكية الأرض للقادرين على دفع الضرائب مبكرا. ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن
يرتبط جمع الضريبة بالجهاز الأمني وليس بالقانون. ومن الضروري تصحيح هذا الميراث
التاريخي والثقافي والسياسي المرتبط بالجباية من خلال سياسات واعية تعيد إلى
الضرائب احترامها على أساس دورها في التنمية وتحقيق العدالة.
لكن إعادة
الإعتبار إلى طبيعة الضريبة وإلى دورها الإقتصادي والإجتماعي يصطدم بعقبة أخرى
كبيرة تتمثل في الفساد الإداري. وينظر المواطنون بشكل عام إلى الضريبة على إنها
وسيلة من وسائل تمويل الفساد المؤسسي وهو ما يمثل أحد أخطر الحوافز السلبية التي
تحول دون دفع الضرائب أو التهرب منها، ومن ثم فهي واحد من محركات التهرب الضريبي. وطبقا
لهذه النظرة فإن المواطن يفضل في ظل
انتشار الفساد المؤسسي ألا يدفع للدولة شيئا على الإطلاق إن استطاع، وأن يدبر
أموره بنفسه؛ فرب الأسرة سيعالج أولاده عند طبيب خاص، وسيعهد بتعليمهم إلى مدرس
خاص، وسيتولى ترتيبات زواجهم وإسكانهم إن استطاع، أو سيتركهم لتدبير شؤونهم كيفما
استطاعوا بدون حاجة إلى الدولة.
وهذا المواطن
لن يحتاج إلى الدولة حتى في المسائل شديدة الحساسية المتعلقة بالعرف أو بالقانون،
فهو في حال نشوب نزاعات مع غيره من المواطنين سيجد نفسه في وضع أفضل إذا دعا خصمه
إلى جلسة عرفية، فبهذه الطريقة ستقضي الجلسة بحكم ناجز لن يستطيع أحد وقف تنفيذه
في معظم الأحوال.
الدولة إذن
بالنسبة للمواطن هي شر يجب الإبتعاد عنه بقدر ما يستطيع، ولكنه سيدفع لها أقل ما
يستطيع تجنبا لبطشها، وهو يستطيع دفع أقل القليل إذا أقنع الموظف المعني بالتواطؤ
معه مقابل حصول ذلك الموظف لنفسه على جزء مما تحصل عليه الدولة! وهكذا يتحول
الفساد الإداري إلى دائرة متكاملة مغلقة يدور في داخلها نظام يقود إلى التحلل
والهلاك للفرد وللجماعة، خصوصا في حال وجود تهديد خارجي.
وللخروج من هذه
الحلقة المفرغة للركود والتدهور يصبح من الضروري وضع سياسة مالية جديدة مستقرة،
تكون أساسا لسياسة ضريبية مستقرة ومتوازنة وعادلة
في سياق تحقيق أهداف السياسة المالية، التي يجب أن تسعى أيضا للقضاء على
الخلل في المالية العامة للدولة إلى جانب تحقيق التنمية والعدالة. إن الأهداف
النهائية للسياسة الإقتصادية تتمثل أساسا في زيادة رفاهية المواطنين وتعزيز القوة
التافسية للإقتصاد بشكل عام. ويجب أن تكون هذه السياسة واضحة ومفهومة للمواطنين،
لأن هذا الوضوح والفهم هو الأساس للقدرة على التفاعل معها والإسهام في تحقيقها.
وفي غياب وضوح
وفهم السياسة الإقتصادية تنشأ حالة الإنفصال بين أهداف السياسة المالية وبين مصالح
أو وعي المواطنين بالمصالح the case of dis-connection التي تؤدي عمليا إلى انزلاق
السياسة وتدهورها في التطبيق العملي، بسبب عدم تأييد المواطنين وعجز الحكومة عن
الإقناع بها.
هيكل الضرائب في
مصر
تتميز السياسة
الضريبية في مصر حاليا ومنذ أواخر العقد الأخير من القرن الماضي بثلاثة ملامح
رئيسية:
-
الملمح الأول هو الأخذ بمفهوم السعر الموحد للضريبة على الأفراد والشركات
الذي يبلغ حاليا 22 قرشا ونصف القرش من كل جنيه واحد، يدفعها الأغنياء والفقراء
والشركات الصغيرة والشركات العملاقة (باستثناء أنشطة التنقيب عن النفط
والغاز).
-
أما الملمح الثاني فيتمثل في اللجوء إلى توسيع المجتمع الضريبي لغرض زيادة
الحصيلة؛ وبمقتضاه فإن الحكمة إذا أرادت زيادة الحصيلة الضريبية بقيمة مليون جنيه
مثلا فإنها تلجأ مثلا إلى فرض ضريبة بقيمة جنيه واحد على مجتمع ضريبي يتكون من
مليون شخص، بدلا من من تحقيق الحصيلة الإضافية عن طريق زيادة سعر الضريبة بقيمة
أكبر على الممولين ذوي الدخل المرتفع.
-
ويتمثل الملمح الثالث في التوسع في الإعتماد على الضرائب على السلع
والخدمات مثل ضريبة القيمة المضافة أو الضرائب العامة على المبيعات قبلها بغرض
زيادة الحصيلة الضريبية. ومن المعروف بين مدارس الفكر الضريبي أن الضرائب السلعية
هي أقل عدالة من ضرائب الدخل، وأن هذه الضرائب متحيزة بشكل عام ضد الفقراء وأصحاب
الدخل المحدود.
ويتكون هيكل الضرائب في مصر حاليا من المكونات التالية:
-
22.5% ضريبة على الدخل بعد خصم الإعفاء العائلي،
-
قيمة الشريحة المعفاة من الضرائب 7200 جنيه سنويا،بواقع 19.7 جنيه يوميا
للممول، أي ما يعادل دولار واحد تقريبا وهو حد الفقر المدقع!
-
14% ضريبة
قيمة مضافة يدفعها المستهلك النهائي وتستردها الشركات،
-
الحصيلة المتوقعة لضريبة القيمة المضافة في السنة المالية 2017/2018 تبلغ 253
مليار جنيه تعادل 6.2% من إجمالي الناتج المحلي،
-
السلع الغذائية الأساسية ومصروفات التعليم العام والصحة العامة معفاة من
ضريبة القيمة المضافة،
-
ضريبة القيمة المضافة على السجائر ترتفع إلى 50%،
-
الدمغات على المرتبات والمعاملات الحكومية،
-
رسوم التنمية على الخدمات التي تشمل خدمات التليفون المحمول وتراخيص
السيارات وغيرها،
-
كما يدفع المواطن رسوما جمركية على السلع ومستلزمات الإنتاج المستوردة.
ضآلة نصيب
الضرائب من الناتج
تبلغ قيمة
الضرائب المستهدفة في السنة المالية 2017/2018 حوالي 603.9 مليار جنيه مصري. ويوضح
الجدول التالي تطور قيمة الإيرادات الضريبية خلال السنوات الخمس الأخيرة ونصيب
الإيرادات الضريبية من الناتج المحلي الإجمالي.
تطور قيمة الإيرادات
الضريبية (بالمليار جنيه مصري بالأسعار الجارية تقريباً)
السنة/ |
17/18 |
16/17 |
15/16 |
14/15 |
13/14 |
الإيرادات الضريبية |
604 |
433.3 |
352.3 |
306 |
260 |
قيمة الزيادة |
170.7 |
81.0 |
46.3 |
46.0 |
9.1 |
الزيادة % |
39.39% |
22.99% |
15.13% |
17.69% |
3.6% |
إجمالي الناتج* |
4106 |
3246 |
2709 |
2430 |
2101 |
الضرائب/الناتج |
14.71% |
13.34% |
13.00% |
12.59% |
12.37% |
*أرقام 17/18 و 16/17 حسب
الميزانية، والسنوات السابقة فعلية طبقا للحساب الختامي للدولة
ويعتبر نصيب
الإيرادات الضريبية من إجمالي الناتج المحلي منخفضا جدا في مصر مقارنة باحتياجات
التمويل المحلي خصوصا في ميادين الإستثمار العام، كما يعتبر منخفضا جدا بالمقارنة
مع المتوسط العالمي سواء في الدول الصناعية الناشئة أو الدول الصناعية المتقدمة
التي نطمح إلى أن نحذو حذوها في ميادين التنمية المختلفة.
وحتى نتجنب
إصدار أحكام مطلقة غير مسندة، فقد لجأنا إلى إحصاءات البنك الدولي لغرض مقارنة حصة
الضرائب من إجمالي الناتج المحلي في مصر مع غيرها من بلدان العالم. وتظهر إحصاءات
البنك الدولي لعينة مختارة من الدول أن حصة الإيرادات المحلية من إجمالي الناتج
المحلي في بعض الدول تعادل أكثر من ثلاثة أمثالها في مصر، كما يوضح الجدول التالي.
حصة الإيرادات الضريبية من
إجمالي الناتج المحلي (2016)
الدولة |
المعدل |
الدول الصناعية OECD |
34.8% |
النرويج |
53.1% |
الدنمارك |
50.8% |
فرنسا |
47.9% |
ألمانيا |
40.6% |
إسرائيل |
36.8% |
تركيا |
25.0% |
مصر |
13.3% |
(المصدر:
إحصاءات البنك الدولي)
وكما نرى فإن
الإرقام تتحدث عن نفسها، فنصيب الإيرادات الضريبية في تركيا يعادل تقريبا ضعف
مثيله في مصر، وفي إسرائيل يقترب من ثلاثة أمثال، ويرتفع في النرويج، وهي دولة
نفطية غنية إلى ما يقرب من أربعة أمثاله في مصر. وهذا يعني قصور حصيلة الضريبة عن
تلبية احتياجات التنمية ورفع مستوى المعيشة من خلال زيادة الإنفاق على السلع
والخدمات العامة. وطبقا لذلك فإن السياسة المالية إذا لم تتعرض لدراسة أسباب
انخفاض نصيب الضرائب من الناتج وأن تتبع ذلك بتقديم الإقتراحات الضرورية لزيادة
نصيبها من الناتج إلى المتوسط العالمي، ستستمر واقعة في فخ الخلل في هيكل المالية
العامة، بل إن الأمور سوف تزداد سوءا إذا استمرت الحكومة في الإعتماد على الأقتراض
من الدخل ومن الخارج لمحاولة إصلاح الخلل، فالإقتراض يزيد حدة المشكلة ويعقد حلها
كلما مر الزمن.
السعر الموحد
وانعدام العدالة
وكما ذكرنا فإن
النظام الضريبي الحالي في مصر يعتمد على سعر موحد للضريبة على الدخل للأفراد
والشركات، وسعر موحد لضريبة القيمة المضافة، لكن توجد بعض الإستثناءات فيما يتعلق
ببعض الأنشطة والسلع ذات الطابع الخاص. ويبين الجدول التالي أسعار أهم الضرائب
المعمول بها في مصر.
أسعار الضرائب في مصر
نوع الضريبة |
سعر الضريبة |
الدخل الفردي |
22.5% |
التجارية والصناعية |
22.5% |
التنقيب عن النفط والغاز |
40.55% |
السجاير والكحوليات |
حتى 50% |
القيمة المضافة |
14% |
ويعتبر السعر
الأساسي للضريبة البالغ 22.5% سعرا منخفضا على المستوى العالمي بالنسبة للشرائح
العليا من الدخل، ولغرض التوضيح والمقارنة فسوف نعرض فيما يلي أسعار الضرائب على
إيرادات الشركات في مجموعة مختارة من دول العالم، تضم دولا صناعية متقدمة ودولا
صناعية ناشئة ودولا نامية، وقد تم تجميع هذه الأرقام من أحصاءات البنك الدولي
ومنظمة التعاول الإقتصادي والتنمية OECD .
ضرائب الشركات في بعض دول
العالم 2016
الدولة |
المعدل |
الولايات المتحدة |
38.9% |
الدول الصناعية |
30.2% |
الهند |
34.6% |
البرازيل |
34.0% |
الكاميرون |
33.0% |
تشاد |
35.0% |
ويتضح من أرقام
الجدول السابق أن سعر الضريبة على الشركات في مصر يقل عن مثيله في الهند والبرازيل
والكاميرون وتشاد بمقدار الثلث تقريبا. ويمثل هذا المستوى المنخفض لضريبة الشركات
في مصر واحدا من أسباب انخفاض الإيرادات الضريبية بينما تحقق البنوك والشركات
الكبرى معدلات ربحية مرتفعة على الرغم من الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها
البلاد. ومن الصعب الإستمرار في تطبيق سعر موحد للضرائب على الشركات على الرغم من
التباين الشديد في إيراداتها وأرباحها لأن ذلك يساوي في العبء الضريبي بين الشركة
الصغيرة أو المتوسطة العاملة في مجال المقاولات أو التنمية العقارية مع الشركات
الضخمة التي تحصل على مزايا هائلة من تعاقداتها مع الحكومة كما تتمتع بأفضلية في
تخصيص الأراضي والمشروعات. وليس من المقبول أن يتم معاملة صاحب ورشة ميكانيكا أو ورشة
بلاط بنفس السعر الضريبي الذي تخضع له شركات مثل فودافون وموبينيل وأبوقير للأسمدة
وعز للحديد وغيرها.
إن إصلاح الخلل
في المالية العامة للدولة يتطلب تغييرا في السياسة الضريبية وأيضا يتطلب تغييرا في
أولويات تخصيص الإيرادات الضريبية لأوجه الإنفاق المختلفة. إن السعر الواحد
للضريبة هو ضد العدالة وضد القدرة على التنمية، كما أن التحيز المركزي في تخصيص
الموارد للسلع والخدمات العامة للعاصمة والمدن الكبرى على حساب الأرياف والمناطق
الهامشية هو أيضا ضد العدالة وضد مقتضيات التنمية المستدامة. ومع ذلك فإننا نؤكد
أن الوفاق المجتمعي بشأن الضرائب لن يتحقق بدون القضاء على فساد الجهاز الإداري
للدولة الذي يتعامل معه الأشخاص الطبيعيون والإعتباريون في حياتهم اليومية. ويميل
رجال الأعمال بشكل خاص إلى احتساب تكاليف الرشاوى والإكراميات والأتاوات وما إلى
ذلك ضمن العبء الضريبي المفترض الذي تتحمله المنشآت الإقتصادية. ولذلك فإن محاولة
إقناع شركة ما في مصر بأن تدفع معدل الضريبة المعمول به في الهند أو في إسرائيل أو
النرويج أو فرنسا مع استمرار الفساد الحالي في الجهاز الإداري، هي محاولة سيكون
نصيبها الفشل بكل تأكيد.