تفاهمات ما قبل الحسم في سوريا
عندما يعلن المبعوث الأممي إلى سوريا
ستيفان دي ميستورا عن تفاؤله بإطلاق "محادثات سلام حقيقة" وجوهرية خلال
شهري أكتوبر ونوفمبر القادمين بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة خصوصاً بعد
قبول هذه المعارضة الذهاب إلى تلك المحادثات بوفد تفاوضي واحد، وعندما تستنفر
الحكومة الإسرائيلية نفسها وتبادر بإرسال وفد أمني عال المستوى إلى واشنطن برئاسة
رئيس المخابرات الخارجية "موساد" يوسي كوهين وعضوية رئيس شعبة الاستخبارات
العسكرية هرتسي هاليفي ورئيس الهيئة السياسية الأمنية بوزارة الدفاع زوهربلطي
للتباحث مع كبار المسئولين في البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات الأمريكية لإعلان
رفض إسرائيل لـ "هدنة الجنوب" التي شاركت فيها واشنطن وموسكو مع الأردن،
وتقديم قائمة طلبات بشروط إسرائيل لإنقاذ اتفاق التهدئة المذكور فإن هذا يعني أن
التسوية السورية بدأت تتحرك فعلاً، وأن ما يحدث الآن هو معركة إعادة تشكيل
التحالفات وتحديد بؤر الصراعات بين كافة القوى.
ونستطيع أن نقول الآن، وبدرجة ما من الثقة،
أن الحرب في سوريا قد انتهت، والحرب التي، كانت في حقيقتها، حرباً لإسقاط النظام، قد
انتهت، لم تعد الأطراف الأساسية في هذه الحرب ترى أن معركتها في سوريا الآن هي إسقاط
النظام، لا الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا تركيا ولا إسرائيل ولا حتى السعودية أو
قطر، ولا المنظمات الإرهابية والجهادية. أضحت معركة القوى الدولية والإقليمية الآن
ضد الإرهاب (داعش والنصرة بشكل حصري) إضافة إلى أن الصراع بدأ يتحول من صراع في سوريا
لإسقاط النظام إلى "صراع على سوريا" من أجل تحديد حصة كل طرف، وهندسة سوريا
الجديدة بعد الحرب بما يحقق أقصى مكاسب لكل من هذه الأطراف، بما فيها المنظمات الإرهابية
والجهادية التي بدأت تتصارع مع بعضها البعض وتصفي بعضها البعض وتفكك تحالفاتها، وتنسج
تحالفات جديدة في تجربة مريرة شبيهة بما سبق أن حدث في أفغانستان من أجل تثبيت مكان
لها في سوريا الجديدة كشريك في الحكم وإدارة الدولة.
هؤلاء كلهم، بشكل أو بآخر، مهزومون، ويحاولون
جميعاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكاسب في سوريا الجديدة. وفي المقابل هناك المنتصرون
أو "جبهة المنتصرين": روسيا وإيران و"حزب الله" ونظام الرئيس الأسد.
وجميع هؤلاء المهزومون والمنتصرون، يحاولون، قدر استطاعتهم، إعادة تشكيل الواقع العسكري
والأمني، ثم الواقع السياسي، وهذا هو الأهم، بما يحقق أفضل المكاسب، الأمر الذي يعني
أن المنتصرين لن يكونوا أحراراً في فرض ما يريدون، هناك ضوابط، وأدوات تأثير قوية لدى
كل الأطراف، وهناك تشابك في المصالح داخل سوريا وخارجها تفرض إعطاء مساحة لكل الأطراف
أن تكون شريكة في تحديد معالم سوريا الجديدة.
خرائط التحالفات والصراعات الجديدة
توجد العديد من المحددات التي يمكن
وصفها بأنها "محددات حاكمة" لتحرك كل طرف من الأطراف لتعظيم مكاسبه على
حساب الأطراف الأخرى أبرزها:
-
وضع الأزمة
السورية الآن هل هي في وضع الصراع العسكري وأدواته وأولوياته أم أنها باتت تتجه
نحو الحل السياسي، أو بتحديد أكثر حسم الصراع العسكري تهيئة لفرض الحل السياسي.
-
مصالح الأطراف
والقوى الدولية الأخرى المتنافسة على الساحة السورية، ومواقفها من مصالح وتطلعات
الأطراف الأخرى.
-
أهداف كل طرف
في سوريا ومدى تطابقها أو تنافرها مع أهداف الأطراف الأخرى ومدى قدرات وأدوات كل
طرف في تحقيق هذه الأهداف.
لكن هذه المحددات مرتبطة بما هو أهم وهو
الواقع الحالي لخرائط التحالفات في الساحة السورية. هذا الواقع هو الذي سوف يحكم
فرص وتحديات كل طرف من الأطراف المتنافسة الآن على النفوذ في سوريا. ويمكن رصد أهم
معالم هذه الخرائط في المؤشرات التالية:
1- يسيطر على الساحة السورية الآن ثلاثة مسارات تتفاعل معاً
لبلورة معالم الحل السياسي للأزمة السورية:
أ- مسار أستانة ويضم الدول الثلاث الضامنة للحل بين النظام
السوري وفصائل المعارضة وهي: روسيا وإيران وتركيا وإلى جانب هذه الثلاث هناك أطراف
دولية وإقليمية عديدة تشارك في هذا المسار بدرجات متباينة منها مصر، أما الولايات
المتحدة الأمريكية فهي مشارك غير فعّال أو "مشارك متحفظ" من خلال السفير
الأمريكي في جمهورية كازاخستان التي تستضيف أعمال هذا المسار.
ب-مسار عمان ويضم: روسيا والولايات المتحدة والأردن، وكان
تركيزه على جبهة الجنوب السوري المحاذية للأردن وهضبة الجولان السورية المحتلة ومن
ثم فإن إسرائيل كانت طرفاً أساسياً، وهذا المسار أنجز اتفاق التهدئة "اتفاق
خفض التوتر" الخاص بالجنوب السوري.
جـ- المسار الثالث هو مسار جنيف وتشرف عليه الأمم
المتحدة ويقوده المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وتشارك فيه القوى الدولية
المختلفة، وهو الذي سيحسم مسار الحل السياسي وفقاً لمخرجات مساري أستانة وعمان.
2- يحكم تفاعلات هذه المسارات معادلة توازن قوى عسكرية
وسياسية فرضتها انتصارات معارك حلب التي أسفرت عن جبهة منتصرين تضم: روسيا وإيران
و"حزب الله" مع النظام السوري، وجبهة منهزمين وتضم فصائل المعارضة
السورية ومعها الدول الداعمة الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والإقليمية
وفي مقدمتها تركيا والسعودية وقطر والأردن. لكن تركيا استطاعت، بعد معارك حلب،
وبدوافع مصلحية تركية بحتة أن تتقارب مع روسيا وأن تكون شريكاً ضامناً باسم
المعارضة السورية في ترتيبات ما بعد معارك تحرير حلب.
3- لم يعد صراع كافة الأطراف المعارضة والداعمة الآن من أجل
إسقاط النظام السوري، فالأزمة السورية بهذا المعنى قد انتهت، ولم تعد الأطراف
الأساسية في الحرب ترى أن معركتها في سوريا هي إسقاط النظام، لا الولايات المتحدة،
ولا فرنسا ولا السعودية ولا تركيا ولا إسرائيل ولا الأردن ولا المعارضة بكافة
فصائلها باستثناء "داعش" و"النصرة". لكن الصراع بدأ يتركز
الآن على الحرب ضد الإرهاب من ناحية والصراع على مناطق النفوذ والمصالح من ناحية
أخرى، أضحى الصراع الآن "على سوريا" أكثر منه "صراع في
سوريا". من أجل تحديد مصلحة كل طرف من النفوذ والمصالح.
4- هذا الصراع على المصالح وترسيم خرائط النفوذ تلعب فيه
روسيا الدور الرئيسي حيث حرصت على إعادة إدخال الولايات المتحدة إلى التسوية كطرف
ضامن مع روسيا في اتفاق التهدئة الخاص بالجنوب السوري. فروسيا كانت حريصة على
إعادة تشكيل التحالفات التي تقود الشق العسكري من التسوية بحيث لا تبقى في يد
القوى الإقليمية وحدها أو بالتحديد أطراف مسار "أستانة" روسيا وتركيا إضافة
إلى النظام السوري وحزب الله، بحيث تتسع لتشمل القوى الدولية الكبرى وخاصة
الولايات المتحدة التي يحرص الروس على وجودها في المسار العسكري حفاظاً على
التوازن ومنعاً للإخلال بالمعادلات الميدانية التي استقرت منذ التدخل الروسي سواء
عبر الحسم العسكري أو ربطه لاحقاً بالتسوية بعد إضعاف قوى المعارضة وجرّها إليها.
وما يحصل الآن في الجنوب هو محاولة من الروس لتقييد الأمريكيين باتفاقات وتفاهمات
ميدانية تُحد من تدخلهم وتُقيد من اندفاعهم في عهد ترامب للإمساك بمثلث الحدود
السورية- الأردنية- العراقية عبر ضمهم إلى "مسار أستانة" بعد توسيعه
ليشملهم إلى جانب الأردن ولو على حساب إيران و (حزب الله والنظام السوري) وتركيا.
فدخول الولايات المتحدة على خط التسوية في شقها العسكري تزامن مع ازدياد وتيرة
التصعيد بينها وبين الضامنين الآخرين في أستانا، حيث تشهد الجبهة الجنوبية الشرقية
عند مثلث الخدود السورية- العراقية – الأردنية ، من جهة، اشتباكاً متصاعداً بين
قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة وبين القوات السورية والإيرانية، ومن
جهة أخرى يتسع الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا، الضامن الآخر في أستانة إلى
جانب إيران حول مشاركة الأكراد في معارك تحرير الرقة، ويترجم هذا الخلاف أحياناً
في الميدان عبر التصعيد الذي تقوم به تركيا على جبهات أخرى تسيطر عليها "قوات
سوريا الديمقراطية" الكردية حليفة واشنطن في مناطق عفرين على سبيل المثال.
5- تحرص الولايات المتحدة على إعادة تفعيل وجودها ونفوذها
في سوريا ولكن بالتنسيق مع روسيا. فقد أكد ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي
"حرص بلاده على التعاون مع روسيا من أجل استقرار سوريا ولكن شريطة أن تغادرها
القوات الإيرانية وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة". وأكد أن
بلاده "اشترطت على روسيا انسحاب القوات الإيرانية والمتعاونين معها من سوريا،
ومنح السوريين فرصة لكتابة الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة". تيلرسون
حدد هكذا المصالح الأمريكية، أو على الأقل أبرزها، حيث لم يحدد ماذا تريد واشنطن
من معاركها في "الرقة" ضد "داعش" ومخططاتها لـ "ملء فراغ
انسحاب داعش ومن سيملأ هذا الفراغ".
تدرك الولايات المتحدة موازين القوى الراهنة في سوريا
لذلك هي تركز على جبهة الجنوب بالتنسيق مع روسيا وتحارب في الشمال ضد
"داعش" بالتحالف مع "قوات سوريا الديمقراطية"
الكردية.فالاتفاق على وقف إطلاق النار في "جنوب – غرب سوريا بما في ذلك جبهة
الجولان مع إسرائيل اعتبره تيلرسون "يشكل أول نجاح لنا" وأنه "يأتي
نتيجة التعاون والتنيسق بين البيت الأبيض والكرملين". لكن هذا الاتفاق الخاص
بـ "جنوب – غرب سوريا" الذي أقر وقف إطلاق النار اعتباراً من 9 يوليو
الماضي ليس جزءاً من مقررات "أستانة – 5" بل هو اتفاقية منفصلة تقتصر
أطرافها على واشنطن وموسكو مع مشاركة أردنية – إسرائيلية مهد لها الأمريكيون في
مفاوضات منفصلة سبقت اجتماع هامبورج بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس
الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة الدول العشرين. هذا يعني أن الديبلوماسية
الأمريكية هيأت الأجواء اللازمة لإنجاح الاجتماع على هامش قمة العشرين، وبالتالي
فتح الباب لمرحلة جديدة من التعاون الأمريكي- الروسي لإدارة الأزمة السورية.
6- إعلان الولايات المتحدة رسمياً تخليها عن دعم المعارضة السورية
بشقيها السياسي والعسكري، وإغلاق البرنامج السري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية
(سي.آي.إيه) لتسليح المعارضة ودعمها ما يعني تسليم سوريا، أو الجزء الأكبر منها، للروس
والرضوخ لسياساتهم وبرامجهم، والتسليم نهائياً ببقاء الرئيس بشار الأسد وحكومته، ولو
إلى حين. هذا يعني أن الولايات المتحدة قررت أن تتوقف عن مشروعها في سوريا الذي ظلت،
ولست سنوات، تدرب وتسلح وتمول فصائل سورية معارضة في قواعد بالأردن وتركيا، بل وحتى
داخل سوريا بهدف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. هذا التحول ليس طوعياً، ولكنه وليد
حسابات معقدة للإدارة الأمريكية وليس فقط لأن برنامج دعم المعارضة الذي كانت تقوم به
المخابرات الأمريكية "مكلف وخطير وغير فعال" على نحو ما كتب الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب على حسابه الخاص في "تويتر" رداً على انتقادات حادة لمسئولين
أمريكيين وخبراء نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، بدليل ما ورد على لسان مصادر
مسئولة في "الجيش السوري الحر" المعارض قالت أن الولايات المتحدة أبلغت الفصائل
المسلحة، العاملة في جنوب سوريا، أنها سوف توقف الدعم المقدم لها، لتعزيز وقف إطلاق
النار والتفرغ لقتال "داعش"، كما أفادت بأن مسئولين أردنيين وأمريكيين وروس
اجتمعوا مع ممثلي تلك الفصائل على مدار ثلاثة أيام في العاصمة الأمريكية، وطلبوا منهم
"التوقف عن قتال النظام والتفرغ لقتال (داعش)".
7- صراع المصالح الآن يمتد بين كافة الأطراف الأخرى:
أ- تركيا والولايات المتحدة بسبب التحالف الأمريكي مع
"قوات سوريا الديمقراطية" المصنفة إرهابية من جانب تركيا، والمخاوف
التركية من هذا التوجه الانفصالي الكردي في سوريا والعراق على أمن واستقرار تركيا،
الأمر الذي بات يدفع تركيا نحو تمتين تحالفها مع روسيا على حساب مصالحها مع
الولايات المتحدة من ناحية، وأن تعطي الأولوية الآن للخطر الكردي على حساب أولوية
سعيها لـ "إسقاط النظام" في سوريا.
ب-هذا التوجه التركي يلقى استحساناً إيرانياً، فإيران
الحريصة على أن تحافظ على وجود النظام السوري بما يخدم المصالح الإيرانية ستدعم
هذا التوجه التركي، وستركز أيضاً على ورقة "الخطر الكردي" المشترك
لتقوية تحالف إيراني- تركي في سوريا لموازنة مخاطر النفوذ الأمريكي المرتبط
بالمصالح والمطالب والشروط الإسرائيلية. كما تسعى إيران إلى تحجيم الاندفاعة
الروسية نحو واشنطن من خلال التركيز على تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض مع النظام
السوري وحزب الله سواء في جبهة الجنوب والغوطة الشرقية لدمشق أو على جبهة وادي
الفرات الأوسط.
جـ- اضطرار السعودية لتغيير مطلبها الإستراتيجي في سوريا
"مطلب إسقاط النظام" اضطرارياً لسبب التغيرات التي حدثت في موازين
القوى، وتحولات الموقف الأمريكي وانقسامات وانشقاقات تحالفات الفصائل المعارضة
الحليفة خاصة بعد الصدام مع قطر. فقد عبر عادل الجبير وزير الخارجية السعودي عن
هذا التغير في لقائه مع حلفاء السعودية من فصائل المعارضة السورية ومطالبته لهم
بضرورة "الخروج برؤية جديدة تتماشى مع الوقائع على الأرض والوضع الدولي
الجديد"، وتحذيره للمعارضة من أنه في حال عدم حصول ذلك "فإن الدول
العظمى قد تبحث عن حل خارج المعارضة"، ومطالبته للمعارضة بدعوة "منصتي
القاهرة وموسكو" لاجتماع الهيئة العليا للمفاوضات السورية المقبل في الرياض.
د- الاستنفار الإسرائيلي ضد التفاهمات الأمريكية –
الروسية في جبهة الجنوب، فقد قررت إسرائيل إرسال وفد أمني إلى واشنطن لإجراء
محادثات مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات لإدخال تعديلات تراها
"ضرورية" لقبول الهدنة في الجنوب السوري، وتشمل "تعديلات أجزاء من
الاتفاق تتضمن نصاً صريحاً في شأن ضرورة إخراج القوات الإيرانية وعناصر حزب الله
والميليشيات الشيعية من الأراضي السورية"، كما تأمل إسرائيل دخول الولايات
المتحدة كقوة ضامنة لمراقبة وقف إطلاق النار في الجنوب بدلاً من الروس لمزيد من
الطمأنينة.
آفاق التسوية المحتملة
مجمل هذه المؤشرات تؤكد أن هناك فجوات
واسعة بين مصالح كل الأطراف، وتكشف أيضاً أن بعض الأطراف يمكن أن تنجح في نسج
تحالفات داخل سوريا بفعل مصالح أخرى خارج سوريا، لكن يبقى العامل الحاسم هو حدود
التفاهمات الروسية- الأمريكية، وإلى أي مدى يمكن أن يتوصل البلدان إلى تفاهمات
مشتركة بخصوص المستقبل السوري تراعي مصالح الحلفاء.
فإذا كانت روسيا قد استطاعت في مرحلة من
المراحل تحجيم الطموحات الإيرانية من خلال الدفع بتركيا وفرض تركيا كضامن ثالث مع
روسيا وإيران لمحادثات أستانة، فإن الخطر الكردي يزيد الآن من فرص التقارب بين
تركيا وإيران فتركيا تعتبر أن التوجه الكردي سواء في العراق بالسعي للانفصال عن
العراق في استفتاء يصرون على إجرائه في 25 سبتمبر المقبل أو في سوريا بسعي أكراد
سوريا لفرض فيدرالية كردية في شمال سوريا، خطراً وجودياً يستوجب التنازل عن خلافات
مع إيران والتأسيس لموقف مشترك في سوريا، هذا الموقف سوف يدعم حتماً النفوذ
الإيراني.
وكما أن روسيا استطاعت تحجيم الدور
الإيراني بإدخال الطرف الأمريكي فإنها مطالبة الآن بتحجيم الدور الإسرائيلي،
فإسرائيل لها مطالب ولها شروط في هدنة الجنوب، والوفد الاستخباراتي الإسرائيلي
الذي ذهب إلى واشنطن كان معه قائمة مطالب بتعديلات جوهرية تراها إسرائيل "ضرورية"
لقبول هذه الهدنة، ولنفس الأسباب سافر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية
إلى روسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في "سوتشي" (23/8/2017)
للبحث في التطورات الأخيرة في سوريا، وتحديداً للإعراب عن قلق إسرائيل من اتفاق
وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وتأكيد مخاوف إسرائيل من تثبيت إيران أقدامها في
سوريا. هل ستكون روسيا قادرة على تحجيم المطالب الإسرائيلية، وإذا استطاعت هل
ستقبل واشنطن بقهر الإرادة الإسرائيلية، وماذا لو تضامنت واشنطن مع إسرائيل؟
حتماً ستكون روسيا في مأزق بين مطالب
الحليف الإيراني وبين الضغوط الأمريكية، كل هذه المشاكل والتطورات أخذت تعكس نفسها
على المسارات السياسية لحل الأزمة السورية، حيث تسعى الأطراف إلى بلورة معالم سوريا
الجديدة عبر تفاهمات: روسية- إيرانية- تركية في أستانا، وعبر تفاهمات: روسية- أمريكية-
أردنية في عمان، تقود كلها إلى بلورة تسوية الأزمة في جنيف، لكن هذا لا يعني غياب الصراع،
بل أنه أخذ في التفاقم على سوريا من أجل المصالح ومناطق النفوذ عبر هذه المسارات وخارجها
وهو صراع سوف ينعكس كلياً على هندسة التحالفات في الشرق الأوسط. في ظل تحفزات أطراف
أخرى أبرزها إسرائيل المتوجسة من كل ما يحدث، والساعية إلى فرض شروطها في كل ما يحدث
في سوريا حفاظاً على ما تعتبره "مصالح مشروعة".