الدبلوماسية الهادئة: عمان وإدارة العلاقات في إقليم مضطرب
تمثل السياسة الخارجية لسلطنة عمان نموذج
للتعامل الهادئ وسط أمواج إإقليمية وعربية متلاطمة، وهي سياسة جديرة بالبحث
والدراسة لمحاولة فهمها واستخلاص دروس قد تستفيد منها دول المنطقة التي تعاني وسط
الأزمة الجيوسياسية الطائفية المتفجرة في الإقليم منذ بدايات 2011. فعلى الرغم
من وقوع السلطنة بين قطبي الصرع الطائفي الكبيرين، السعودية وايران، إلا أنها
استطاعت الحفاظ على توازن بين المصالح المتضاربة لجيرانها، وبين مصلحتها القومية، ضمن
سياسة خارجية استراتيجية تضع المصالح الوطنية والبعد عن الصراعات كهدف أساسي.
وبدايةً نوضح أن السياسة الخارجية لعمان
تعمل بفاعلية في مجالات ثلاث؛ الأول هو المجال العربي والإسلامي وهو المجال
الأهم بحكم التاريخ والجغرافيا، وينص النظام الأساسي للسلطنة- وهو بمثابة
الدستور- على أن "سلطنة عمان دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة عاصمتها مسقط" وتبعًا لذلك انضمت السلطنة إلى جامعة الدول العربية في عام 1970، وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1972، كما أنها عضو مؤسس بمجلس التعاون الخليجي
منذ 1981.
أمّا المجال الثاني فهو المجال
العالمي والمقصود به العلاقة مع القوى والمنظمات
العالمية والدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي حافظت على
علاقات خاصة مع السلطنة منذ استقلالها. والمجال الثالث هو العلاقات مع دول
المحيط الهادئ، والتي ارتبطت مع عمان بعلاقات تجارية تاريخية، خاصةً دول شرق
افريقيا الساحلية التي اشتركت مع عمان في طريق التجارة البحرية الهام بين آسيا
وأفريقيا، وفي عام 1997 ساهمت سلطنة
عمان مع ست دول أخري في تأسيس "رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي"
والتي توسعت الآن بانضمام 18 دولة أخرى
كأعضاء، وخمس دول كشركاء حوار، وتسعى الرابطة إلى "التعاون الاقتصادي وصولاً
إلى مرحلة تحرير التجارة بين دول الرابطة”.
مجلس التعاون .. اتفاق اختلاف
رغم النشاط الكبير لسلطنة عمان، كعضو في
مجلس التعاون الخليجي وعضو في الجامعة العربية، إلا أن السلطنة كثيراً ما تتخذ
مواقف مختلفة عن الخط السياسي لمجلس التعاون الخليجي وللدول العربية، وقدمت في عدد
من المواقف رؤية مختلفة للعلاقات مع العالم والإقليم، ففي مارس 1979 وعقب توقيع
مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، رفضت سلطنة عمان قرار الجامعة العربية بمقاطعة مصر،
وكانت من أوائل الدول التي أعادت العلاقات عام 1987 بعد قرارات القمة العربية بعمان؛ و أثناء
حرب الخليج الأولى (1980-1988) حين وقفت
دول الخليج إلى جانب صدام حسين في حربه ضد إيران، قررت سلطنة عمان تقوية علاقاتها
مع إيران وعبر سنوات من الجهود الدبلوماسية قادت الوساطة التي أدت في النهاية الى
وقف إطلاق النار وأنهت الحرب بين الدولتين؛ كما أن عُمان رفضت، عبر وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن
علوي، طرد سوريا من الجامعة العربية على أساس أن ذلك يصب في مصلحة داعش والنصرة ..
وأن الوساطة والحل السياسي هما الأفضل، وفي أكتوبر 2015 بادر وزير الخارجية العماني بزيارة سوريا
مخالفًا بذلك قرار المقاطعة الخليجية لسوريا والذي اتخذ عقب الثورة السورية 2011؛ وفي
الوقت الذي سحبت فيه كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائهم من قطر، أبقت
عُمان على سفيرها في الدوحة وساندت جهود الوساطة الكويتية بين قطر وباقي دول
الخليج حتى انتهت الأزمة. ومؤخرًا، شاركت دول الخليج الخمس الأخرى في عملية عاصفة
الحزم في اليمن، بينما رفضت عُمان وفضلت محاولة لعب دور التهدئة وبقيت هي الدولة
الخليجية الوحيدة التي لم تغلق سفارتها في صنعاء وتنقلها إلى عدن.
وهنا يمكن القول أن السياسات الخارجية لسلطنة عمان والتي تختلف
عن الخط السياسي لدول الخليج عامةً والسعودية بشكل خاص، تستند الى أسباب موضوعية
ساهمت في تشكيل هذه السياسة واستمرارها أهمها هي التركيبة المذهبية لسكان سلطنة
عمان، والتي تتوزع بين أغلبية إباضية وأقليتين سنية وشيعية، وهو ما لعب دورًا في
اتخاذ السلطنة مواقف غير منحازة لأي طرف في الصراع المذهبي الإقليمي للحفاظ على
وحدة وتماسك الشعب العماني.
كما أن إيران تظهر كعامل مساعد في ترسيخ هذه
السياسة الخارجية، فسلطنة عمان تتشارك مع إيران
في ملكية مضيق هرمز والذي يمر عبره 30% من صادرات
النفط المنقولة بحرًا في العالم، كما أن السلطنة تشترك مع إيران في مشاريع
اقتصادية كبرى تعتمد عليها عمان في سد احتياجاتها من الطاقة وتحقيق النمو
الاقتصادي للدولة الأفقر – نفطياً- بين دول الخليج.
بعيداً عن الطائفية
بالإضافة لإيران، يمثل الجو الطائفي في الإقليم
عامل مساعد في حرص سلطنة عمان على أخذ مسافة متساوية من جميع الأطراف في النزاع
الاقليمي الحالي، وتفادت عمان أن تكون طرفاً في أي تحالف أو ترتيب طائفي وعززت حيادها لتطور علاقات موثوقة مع
جميع الأطراف وهو ما سمح لها بلعب دور مختلف عن أي دولة خليجية أخرى.
فبالرغم من أن النظام الأساسي لمجلس التعاون
قد نص منذ البداية على أن هدف هذا التجمع الخليجي هو الوصول في النهاية إلى اتحاد
هذه الدول، إلا أنه وحين دعا العاهل السعودي السابق الملك عبد الله، في قمة الرياض،
ديسمبر 2011، إلى
الانتقال من مرحلة مجلس التعاون إلى مرحلة
الاتحاد الخليجي، رفضت سلطنة عمان
بشكل قاطع هذه الفكرة، وهددت
بالانسحاب من المجلس في حالة بدء إجراءات الوحدة. ويعتبر هذا الموقف امتدادًا للموقف العماني الرافض منذ مدة طويلة لمشروع
الوحدة، وهو ما صرّح به السلطان قابوس سابقًا في 1986 حين أكد
أن "الرؤية العُمانية هي نفس الاسم للمجلس،
المجلس هو للتعاون، وهو ليس اتحاداً".
ويبدو أن اختلاف الأهداف والأولويات
العمانية عن باقي دول الخليج قد يعمق من خلافات السلطنة مع جاراتها الخليجيات
قريبًا، فمع تصاعد التوتر الطائفي في المنطقة
يظهر أكثر الاختلاف الجذري بين رؤية سلطنة عمان، وبين رؤية السعودية
والبحرين، للخلاف مع إيران. فالسلطنة لا ترى في إيران مصدر تهديد كبير لها، ولا
تعتبرها امبراطورية فارسية أو ملكية أو جمهورية إسلامية، هي ترى فيها دولة مجاورة
ستبقى موجودة دائمًا مهما تغيرت البنية التي تتولى السلطة، وترى أن الطريقة المثلى
للتعامل مع إيران هي التواصل والانفتاح وليس الصدام والصراع.
عُمان وإيران: علاقات دافئة
تعتَبَر العلاقات العُمانية الإيرانية
نموذجاً فريداً للعلاقات بين إيران والدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص،
وقد لعبت فيها الطبيعة الهادئة للسياسة العُمانية ومبدأ الانفتاح على الجميع دوراً
هاماً في وصولها إلى هذه الدرجة من التعاون والارتباط. فبالرغم من الصعوبات التي تواجه عُمان للحفاظ على هذه العلاقات، مثل ضغوط
بعض الدول الخليجية – كالسعودية - على السلطنة، وحدَّة الصراعات الإقليمية بين
إيران والسعودية في المنطقة، فإن عُمان استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة للحفاظ على
علاقتها مع إيران في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على علاقاتها مع كل من دول مجلس
التعاون والولايات المتحدة وبريطانيا.
وتاريخيًا، ساهمت إيران بشكل كبير في ترسيخ
حكم السلطان قابوس في البلاد بعد أن بادر "شاه ايران" بالاعتراف به
حاكماً للسلطنة بعد إزاحته لأبيه في 1970، كما أنه
ساعده في إخماد ثورة ظفار التي واجهته في بداية حكمه من خلال إرسال قوات ايرانية
إلى عُمان، ويذهب البعض عند تحليله لأسباب العلاقات
الجيدة بين عُمان وإيران إلى أن السلطان قابوس قد حفظ الجميل لإيران بعد الاستعانة
بهذه المساعدة الإيرانية لذلك أبقى على علاقته الجيدة بها. ومع
إمكانية أن يكون هذا صحيحاً بعض الشيء، لكنه لا يرقى إلى أن يكون سبباً جوهرياً في
الحفاظ على العلاقات بين الطرفين خلال كل تلك الفترة السابقة، حيث أن هذه
المساعدات حدثت في ظل نظام الشاه وليس في عصر الثورة الإسلامية الحاكمة الآن في
إيران، كما أن الشاه قد دعم قابوس لأن ثورة ظفار كانت مدعومة من المعسكر الشيوعي،
وقت أن كان الشاه حليفاً للولايات المتحدة التي كانت لديها حساسيات كبيرة تجاه
التمدد الشيوعي أثناء فترة الحرب الباردة.
ويمكن القول أن أبرز الأسباب التي ساهمت في
الحفاظ على هذه العلاقات الجيدة بين الطرفين تتلخص في التوجه العام للسياسة
العُمانية في ظل حكم قابوس من انفتاح على مختلف الأطراف والبعد عن الصراعات
والمصادمات، بالإضافة إلى رغبة عُمان في الحفاظ على حركة مرور السفن في مضيق هرمز الاستراتيجي
، واستمرار استخراج الغاز الطبيعي من بعض الحقول المشتركة بين الدولتين.
وقد بلغت العلاقات مستويات جيدة للغاية بين
الطرفين، وعملت عُمان على تدعيم هذا التوجه بشكل كبير، وهذا يظهر في تمثيل السلطنة
للمصالح الإيرانية في بعض البلاد التي لا يوجد لإيران فيها تمثيل دبلوماسي مثل
كندا، كما كان السلطان قابوس أول زعيم عربي يزور طهران بعد تولي روحاني للسلطة في
أغسطس 2013، وعُمان
كذلك كانت هي الوجهة الإقليمية الأولى لروحاني. وقامت عُمان كذلك برفض الانخراط في مشروع مظلة دفاعية أمريكية لحماية أمن
الخليج، قبل أن توقع في 2009 اتفاقية للتعاون الأمني مع إيران، واتفاقية أخرى مشابهة
في 2013، بالإضافة
إلى مناورات بحرية إيرانية-عمانية مشتركة في مضيق هرمز.
كما كان لعُمان دوراً بارزاً في إحداث
التقارب بين الغرب وإيران بخصوص البرنامج النووي الإيراني وإبعاد شبح الحرب عن
المنطقة من خلال المساهمة في انطلاق المفاوضات بين الطرفين واستضافة محادثات سرية
بين إيران والولايات المتحدة، وقد صرّح السلطان قابوس في 2012 بأنه "على إيران والولايات المتحدة أن يجلسا معاً
ويتحدثا"، وبعد ذلك سلّم السلطان قابوس رسالة من
الرئيس روحاني إلى أوباما في 2013. في وقت تصاعدت فيه تصريحات وتهديدات إيرانية بتلغيم
واعتراض السفن في مضيق هرمز، كما أن الحرب كانت ستضع عُمان في موقف شديد الحرج، مع
إيران الجارة إذا وافقت على استخدام أراضيها لضرب إيران، أو مع الولايات المتحدة
والغرب إذا رفضت استخدام أراضيها لضرب إيران، وفي النهاية أدّت الجهود العُمانية إلى تحقيق دفعة كبيرة في مسار المفاوضات، انتهت
بالتوصل إلى الاتفاق الأخير.
وفي الجانب الاقتصادي أيضاً كان التعاون
حاضراً بشكل كبير بين السلطنة وإيران، فقد تم تدشين خط ملاحي بين الدولتين بين
مينائي بندر عباس الإيراني وصحار العُماني، ويُتوقع من هذا الخط أن يتضاعف التبادل
التجاري الذي يُقدّر بنحو مليار دولار فقط. كما أن عُمان قد أبرمت مع إيران اتفاقاً
لاستيراد نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنوياً، كما تم الاتفاق على بعض
الاستثمارات المشتركة في حقول الغاز التي يشترك فيها البلدان، ويبدو
أن إيران عازمة على استغلال موقع عُمان الاستراتيجي للانطلاق نحو أفريقيا، التي
تزايد الدور الإيراني فيها في الفترة الأخيرة. ولذا، فقد أعلنت إيران عن استثمارات
بقيمة 4 مليارات دولار في ميناء الدقم العُماني ومشروعات بنية تحتية أخرى في عُمان، وفي
محاولة لتعميم مبدأ الاعتماد المتبادل كوسيلة لضمان الاستقرار في المنطقة، حاولت
عُمان في مرحلة سابقة طرح مشروع للتجارة الحرة بين مجلس التعاون وإيران ولكنه رُفض.
غير أن كل هذا لا يعني أن العلاقات بين
عُمان وإيران لا يشوبها التوتر في بعض الأحيان؛ فعُمان تدرك أن إيران قد تشكل
خطراً عليها هي الأخرى، لكنها ترى أن الأسلوب الأفضل لاحتواء هذ الخطر الإيراني
يكمن في الانخراط معه وليس الصدام، وقد شهدت العلاقات الإيرانية العمانية فترات
توتر أثناء الحرب العراقية الإيرانية حين اعترضت إيران ناقلات النفط في مضيق هرمز ونشرت
صواريخ مضادة للسفن بالقرب من المضيق، وهو ما دفع السلطنة إلى تكثيف تواجدها
العسكري هي الأخرى حول المضيق. وهو ما شكل مبعث قلق لعُمان، و دفعها للعب
دور كبير في محاولات التهدئة والوساطة وصولاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
السياسة الخارجية للسلطنة: استراتيجية واحدة .. وسائل متعددة
تنتهج السلطنة منذ تولي السلطان قابوس سياسة
خارجية تجيد التعاطي مع الواقع بعقل براجماتي، وتدير الأمور وفقاً لمصلحتها
الاستراتيجية، اعتماداً على وقوفها كطرف محايد في كافة القضايا العربية والإقليمية.
وفي ظل الوضع المعقد خليجياً وإقليمياً، لا ترى مسقط بداً من الدخول على خط
الملفات الساخنة بما يتفق مع رؤيتها لأمن المنطقة؛ فالسلطنة تحاول أن تمسك العصا
من المنتصف في كل مرة واستطاعت ببراعة مع كل تلك الأحداث ألا تقف ضد أحد، وكان ذلك
هو الوجهَ البارز الذي شكل سياسة عمان الخارجية وطبيعة علاقاتها مع جيرانها. وهذا لم يمنع عُمان من توطيد علاقاتها بالولايات المتحدة لتوفير حماية
استراتيجية لنفسها من خلال التعاون العسكري معها.
ولسلطنة عُمان أسلوب متمايز في التعامل مع
القضايا المصيرية في المنطقة، كالصراع العربي الإسرائيلي، فقد جاء الموقف
العُماني، فريداً بين المواقف العربية من مبادرة السلام المصرية الإسرائيلية في
السبعينيات ورفضت قطع العلاقات مع مصر بعد قرارات قمة بغداد 1978،
وتكرر الحال مع غزو العراق للكويت؛ إذ لم تشأ سلطنة عمان الاصطفاف المباشر ضد
العراق، فحالت سياستها الهادئة دون قطع العلاقات مع العراق، ومع تجدد حالات
الاضطراب في المنطقة بعد الربيع العربي تمسكت عمان بخيارها السياسي الذي اقتضى ألا
تعادي أو تقرب أي طرف على حساب أطراف دولية أخرى؛ فبينما قطعت دول الخليج علاقاتها
مع نظام بشار، وصدر عن مجلس التعاون ما يؤيد حق الشعب السوري في ثورته، استمرت
عمان في مخالفة الموقف الخليجي إذ بقيت على اتصال مع نظام بشار والمعارضة في الوقت
ذاته، واستقبلت وزير خارجية بشار، واستقبلت كذلك وفداً من الائتلاف الوطني السوري.
وإجمالاً يمكن أن نصف السياسة الخارجية لسلطنة عمان بالسمات الآتية:
أولاً-
المنفعة
المتبادلة والارتباط بجميع الأطراف: مثل التعاون مع إيران والحفاظ على علاقات جيدة معها
وإقامة العديد من المشروعات المشتركة، وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقات جيدة مع
دول مجلس التعاون الخليجي والانخراط معهم في المجلس ومشاريعه المختلفة، إلى جانب
الارتباط بالولايات المتحدة وبريطانيا والحفاظ على علاقات تعاونية كبيرة، خصوصاً
في مجالات الأمن. وقد ساهم ذلك في اتباع السلطنة لسياسة
الحياد واعتزال الصراعات، بل والمشاركة في حل هذه الصراعات نتيجة علاقاتها الجيدة
بمختلف الأطراف.
ثانياً- الحفاظ على الأمن في منطقة الخليج ومضيق هرمز: وحماية مراكزها التجارية الهامة في مدخل
الخليج كميناء صحار.
ثالثاً- الثبات والاستمرارية: وهي سمة مميزة للسياسة العمانية بسبب أنها بتوجهات شخصية
السلطان قابوس والذي يقبع على رأس السلطة منذ نحو خمسة وأربعين عاماً.
رابعاً- الوساطة: حيث مكّنت السياسة العُمانية خلال العقود السابقة في
جعل البلاد محل ثقة من جانب مختلف الأطراف، وهو ما دعّم من دورها كوسيط بين
الأطراف المتعارضة حتى في أصعب القضايا وأكثرها حساسية، كما في مفاوضات البرنامج
النووي الإيراني. وقد وصل الأمر إلى حد إطلاق البعض على عُمان
ألقاب من قبيل "سويسرا الشرق الأوسط"، أو "نرويج الخليج".
وقد لعبت عُمان أدوار الوساطة في عدد كبير
من الأزمات والقضايا؛ أبرزها البرنامج النووي الإيراني، كما أسلفنا، والتوسط
لإطلاق سراح بريطانيين وأمريكيين محتجزين في إيران بين أعوام 2007 و2011، وساهمت
كذلك في إطلاق سراح عالِم إيراني من الولايات المتحدة في 2013. ومؤخراً خرجت بعض الأنباء عن وساطة عُمانية
في اليمن، تدعّمت بعد إعلان التحالف العربي انتهاء عمليات عاصفة الحزم في أعقاب
خروجها، بالإضافة إلى بعض الحراك الخاص بالأزمة السورية الذي تم في مسقط وأدّى إلى
تنبؤات بإمكانية لعب عُمان لدور في محاولات حل الأزمة.
وقد جاء تعاظم هذا الدور العُماني في لعب
دور الوسيط في ظل تراجع الدور القطري كوسيط
في أزمات المنطقة ليشير إلى إمكانية وجود تنافس بين الدولتين على هذا
الدور، خصوصاً بعد أن عادت قطر إلى محاولة لعب هذا الدور مرة أخرى بعد مجابهة
محاولات تدخلها في شئون المنطقة بشكل قوي من جانب قوى خليجية أخرى.