شاهدت بالصدفة فقرة فى برنامج «بتوقيت مصر» على شاشة الفضائية البريطانية تتحدث عن توصل شركة أدوية مصرية لإنتاج دواء جديد لعلاج فيروس سى من النوع الجينى الرابع الذى يعانيه غالبية المصريين بفعالية أكبر وتكلفة أقل ومدة علاج أقصر.
غمرتنى الفرحة باعتبارى مريضاً سابقاً بالفيروس اللعين وكنت قد دأبت على الاهتمام بكل ما يتعلق به قراءةً وسماعاً ومشاهدة،ً خاصة بعد أن اشتدت على محنة المرض، وواصلت متابعتى للمعركة النبيلة من أجل القضاء على هذا الخطر الجسيم بعد أن من الله على بنعمة الشفاء . بدأت استقصاء المعلومات عن هذا الإنجاز ولاحظت أن ثمة من يذهبون إلى التقليل من قيمته فقررت أن أسأل أهل الذكر ولجأت إلى من كان لى شرف التعرف عليه والاستفادة من علمه وخبرته بادئاً بالدكتور أحمد الراعى طبيبى البارع الذى أدار معركة مواجهتى للفيروس باقتدار، ومثنياً بالعالم القدير الدكتور إمام واكد الذى تشرفت بمشورته بمبادرة من الراحل الجليل الدكتور إبراهيم بدران، ولم يكن يعلم أننى سبق أن حظيت بهذه المشورة بمبادرة كريمة من الدكتور واكد، وكنت قد درست لزوجته الفاضلة فى المرحلة الجامعية، ومنتهياً بالعالم الإنسان الدكتور جمال عصمت الذى شرفت بالتعاون الأكاديمى معه عندما كان نائباً لرئيس جامعة القاهرة والذى حفزنى على الاستفادة من برنامج اللجنة القومية لعلاج الفيروسات الكبدية وكان لمبادرته هذه الفضل من بعد الله فى شفائى من الفيروس بعد أن كنت قد أجريت العملية وتصورت ألا حق لى فى العلاج بعد نجاحها مع أنها تستبدل كبداً جديداً بالكبد التالف وتترك هذا العضو الجديد تحت رحمة الفيروس يتسلى به عبر السنين ، ثم قرأت حواراً صحفياً على بوابة «الفجر» مع الدكتور شيرين حلمى رئيس الشركة المنتجة للدواء . توصلت إلى أن القصة بدأت منذ تسع سنوات كما يقول الدكتور شيرين حلمى عندما بدأت إحدى الشركات الأمريكية العمل على إنتاج مستحضر لعلاج الفيروس وأجرت التجارب قبل الإكلينيكية والدراسات السُمية والمرحلة الأولى من الدراسات الإكلينيكية ثم قامت الشركة المصرية (فاركو) بالاستحواذ على واحد وستين بالمائة من أسهم الشركة الأمريكية وأنجزت المرحلتين الثانية والثالثة من الدراسات الإكلينيكية فى مصر حيث خضع ثلاثمائة مصاب بالفيروس من النوع الجينى الرابع للتجارب، وأظهرت الدراسات نسبة شفاء مائة بالمائة للمرضى غير المصابين بالتليف بعد اثنى عشر أسبوعاً من العلاج وسبعة وتسعين بالمائة من المصابين بالتليف بعد أربعة وعشرين أسبوعاً، والأمر الجميل فيما سبق أن قرار الشركة تم بالتشاور مع العلماء المختصين.
ويقول الدكتور جمال عصمت إنهم كانوا ينصحون شركات الأدوية فى السابق بأن تنشئ مكاتب علمية لأنها كانت مهتمة بالتسويق فقط، ولذلك فإن دخول مجال تطوير الأدوية وإجراء الدراسات الإكلينيكية المتعلقة بهذا التطوير والنجاح فيها على هذا النحو يعد طفرة ، ويضيف الدكتور إمام واكد أن هذه هى المرة الأولى التى تنفق فيها شركة دواء مصرية على بحوث من هذا النوع بمبالغ تصل إلى عشرين مليون جنيه رغم المخاطرة، لأن التجارب قد لا تنجح ، وقد عُرضت نتائج الدراسات على أهم مؤتمرين علميين متخصصين على مستوى العالم وهما مؤتمر الجمعية الأمريكية لأمراض الكبد فى نوفمبر 2015 ومؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض الكبد فى أبريل الماضى ونالت تقديراً عالياً وكانت الدراسة المصرية هى أفضل دراسة فى المؤتمر الأول ، ولا يقل أهمية عن كل ما سبق أن سعر الدواء المصرى سوف يكون فى متناول الجميع وهو ثلاثمائة دولار بالمقارنة مع ثمانين ألف دولار فى السابق وفقاً لرئيس الشركة المنتجة بما كان يلغى قيمته بالنسبة لملايين البسطاء ، كما أنها المرة الأولى التى تُصنَع المادة الفعالة فى الدواء فى مصر، ويضاف إلى ذلك أن الشركة المصرية تواصل بحوثها من أجل التوصل إلى أدوية صالحة لعلاج كل الأنماط الجينية من الفيروس فى ماليزيا وتايلاند وأوكرانيا وجنوب إفريقيا بل وتنوى الدخول فى سباق البحث العلمى فى مجال أدوية السرطان ، وبالنسبة لى شخصياً أتاح لى هذا الإنجاز فرصة الشماتة فى عقار الإنترفيرون الذى يُمَكن الدواء الجديد من الاستغناء عنه تماماً ابتُليت مصر بإصابة الملايين من شعبها بالفيروس اللعين لكن الله سبحانه وتعالى أنعم على أبنائها بنعمة العلم، ولقد أتاحت لى محنتى مع فيروس سى أن أتعرف على كوكبة من خيرة البشر تجمع بين العلم والإنسانية تصدت للدفاع عن المصريين بكل ما أوتيت من علم وخبرة ، ولا أنسى تجربة العلاج الناجحة من الفيروس بعد نجاح عملية زرع الكبد فى إطار برنامج اللجنة القومية للفيروسات الكبدية ، ففى معهد الكبد بجامعة القاهرة تعرفت على جيل جديد من المقاتلين فى الحرب ضد الفيروس ، وكم أفاضت المجموعة التى جمعنى بها برنامج العلاج، فى الثناء على الطبيبة الشابة الخلوقة مى محرز المسئولة عن العلاج والتى كانت نصائحها فى علاجى تسبق نصائح طبيبى الفرنسى المخضرم وتماثلها فى الدقة. هاهم أبناء مصر يخطون خطوة جديدة نحو تحقيق النصر فى معركتهم من أجل مستوى صحى لائق لكل مصرى ومازالت المعركة شاقة، لكن المستقبل مضىء بإذن الله وفضله بما أنعم به على أبنائها من علم نافع وقيم إنسانية رفيعة.
نقلاً عن الأهرام.