كنت أنوى الكتابة عن النتائج الإيجابية العديدة لزيارة العاهل السعودى ولكن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين البلدين والجدل الذى احتد حولها غطت على ما عداها ، وبداية لابد أن أقرر أننى تساءلت بينى وبين نفسى وأنا أتابع توقيع الاتفاقيات المتعددة بين البلدين ماذا عساها تكون هذه الاتفاقية؟ وعندما عرفت مضمونها تذكرت على الفور ما كنت قد درسته منذ عشرات السنين فى كتاب الدكتور محمد حافظ غانم من أن السعودية قد طلبت من مصر فى 1950حماية الجزيرتين، وكان أول شىء فعلته فى اليوم التالى هو الذهاب لمكتبة الكلية لمراجعة الكتاب الذى ورد فيه نصاً: «كما أن القوات المصرية قامت بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية باحتلال جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين فى مدخل الخليج بقصد إمكان فرض الرقابة عليه»، وعندما دخلت المحاضرة استأذنت طالبة مهذبة فى أن أحدثهم عن القضية فاستجبت بحماسة بالغة، وقد وجدت إصغاءً كاملاً وأسئلة متعاقبة من آخرين وكان هذا مؤشراً مبكراً على التفاعل الشديد من قِبَل الرأى العام المصرى مع هذه القضية الحساسة. واصلت البحث فى الموضوع طيلة يومين كاملين خرجت بعدهما بأن ثمة وجهات نظر ثلاث بخصوص القضية أولاها تذهب إلى أن الجزيرتين سعوديتان استناداً إلى الواقعة الشهيرة التى سبقت الإشارة إليها وإن اختُلف حول الطرف الذى طلب الحماية وما إذا كان الملك عبدالعزيز أم فاروق، وقد وضع المؤرخ عاصم الدسوقى بعداً تاريخياً لها مؤداه أن الجزيرتين كانتا تابعتين لمملكة الحجاز حتى ضمهما الملك عبد العزيز إلى ملكه فى 1926 وبعد ذلك معروفة هى الوقائع التى أدت إلى احتلال إسرائيل سيناء فى 1956 وانسحابها فى 1957 بعد وضع قوات دولية لضمان حرية الملاحة فى خليج العقبة الذى كانت مصر تمنع إسرائيل من المرور فيه، واتخذت إسرائيل من طلب عبدالناصر سحب هذه القوات ذريعة لشن عدوان 1967 الذى أدى إلى احتلال الجزيرتين مجدداً إلى أن وُقعت معاهدة السلام فى 1979 ودخلت الجزيرتان فى المنطقة ج التى لا توجد فيها قوات مصرية، وهنا ذكر مؤيدو تبعية الجزيرتين للسعودية أنهما ظهرتا فى الملحق الجغرافى للمعاهدة بلون الأراضى السعودية، وبعد عودة العلاقات المصرية - السعودية طلب وزير الخارجية السعودى من نظيره المصرى إعادة الجزيرتين وذُكر أن الأخير كتب إلى رئيس الوزراء بخصوص هذه المسألة أكد فيه تبعية الجزيرتين للسعودية مشيراً إلى واقعة 1950 وما تلاها، ويضيف أنصار وجهة النظر هذه أن رئيس الجمهورية أصدر فى 1990 قراراً بتحديد خطوط الأساس التى تُحسب منها المياه الإقليمية المصرية وهو القرار الذى اعتمدت عليه اللجنة المشكلة لترسيم الحدود البحرية بين البلدين والتى استمر عملها ست سنوات ووصلت إلى النتائج التى أفضت إلى الاتفاقية الأخيرة.
أما وجهة النظر الثانية فتذهب إلى أن الجزيرتين مصريتان وتستشهد باتفاقية تعيين الحدود بين مصر والدولة العثمانية فى 1906، وللأمانة فإن فهم مضمون هذه الاتفاقية بالنسبة لغير متخصص فى الجغرافيا مثلى عسير وغير مأمون ولذلك أدعو علماء الجغرافيا المصريين إلى الإدلاء بدلوهم ، غير أن الخبيرة القانونية القديرة هايدى فاروق ساقت أدلة كثيرة على تبعية الجزيرتين لمصر عبر التاريخ وهنا يتعين على أساتذة القانون الدولى أن يجيبوا عن سؤال مهم: إلى أى مدى يمكن الاستناد إلى الحقوق التاريخية كسند للملكية لأننى يجب أن أعترف بأننى غير ملم بالوقائع التى أفضت إلى الوضع الذى تحدث عنه الدكتور عاصم الدسوقى بخصوص تبعية الجزيرتين لمملكة الحجاز ومن ثم المملكة السعودية، وأود فقط أن أُذَكِر أن مبدأ الحقوق التاريخية هو الذى استند إليه صدام حسين فى غزو الكويت ، وثمة وجهة نظر ثالثة لم يقل بها سوى السفير سيد المصرى أول سفير لمصر إلى السعودية بعد عودة العلاقات التى قُطعت عقب توقيع معاهدة السلام وذهب فيها إلى أن صنافير سعودية وتيران مصرية وأنه سلم بنفسه رسالة من عصمت عبدالمجيد إلى سعود الفيصل تتضمن اعتراف مصر بتبعية صنافير للسعودية أما تيران فمصرية ولم يحدث أن طالبت السعودية با.
المسألة ليست سهلة كما نرى وهى مشتعلة فى أوساط الرأى العام وكالعادة سارع أعداء النظام وأعداء مصر إلى استغلالها لتحقيق أغراضهم ، وظنى أن الحكومات المصرية المتعاقبة أخطأت خطأً جسيماٍ بالتعتيم على هذه المسألة منذ 1988 وحتى توقيع الاتفاقية الأخيرة ، ويجب أن تكون هذه هى المرة الأخيرة التى يتم فيها تجاهل الرأى العام فى عملية صنع القرار ، وما يمكن الحديث عنه الآن هو ترشيد المرحلة القادمة وهى إقرار الاتفاقية ، وأُؤيد بداية فكرة المستشارة تهانى الجبالى بضرورة الحصول على رأى المحكمة الدستورية العليا فيما إذا كان إقرار الاتفاقية يُكتفى فيه بموافقة مجلس النواب أم يتعين اللجوء إلى استفتاء وفقاً للدستور ، ومن ناحية ثانية يتعين على الحكومة أن تتقدم للشعب ولمجلس النواب بكل ما لديها من وثائق تثبت وجهة نظرها ويتعين على مجلس النواب إذا كنا سننتهى إلى أنه صاحب الحق فى التصديق على الاتفاقية أن يأخذ الأمر بأقصى جدية ويستعين بكل العقول المصرية فى التاريخ والجغرافيا والقانون حتى يخرج بقرار ذى مصداقية، ولنعلم أن هذا مع الاهتمام غير المسبوق من قِبَل الرأى العام يعلى شأننا ويكسب المفاوض المصرى قوة ، وفى النهاية لا أملك إلا أن أنحنى إجلالاً لشهداء مصر الذين قُضوا دفاعاً عن الجزيرتين ولكل من حارب دفاعاً عنهما وأن أحيى الشعب المصرى على غيرته الوطنية المعهودة .
نقلاً عن الأهرام