المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

المراوغة السياسية: حكومة التوافق الليبية والموقف الدولي

الإثنين 04/أبريل/2016 - 11:05 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي
في أجواء متوترة، قرر فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبي، الانتقال مع بعض أعضاء حكومته إلى العاصمة لمباشرة مهامهم الرسمية، تسبقه تصريحات رافضة لوجوده في طرابلس أطلقها أعضاء المؤتمر الوطني، وخليفة الغويل رئيس حكومة طرابلس، والشيخ الصادق الغرياني. غير أن بوادر التأييد الشعبي الذي لقيه السراج في تجواله بالعاصمة يوم الجمعة، متزامنا مع إعلان  بلديات الغرب الليبي تأييد الحكومة الجديدة، يبشر أن ليبيا تسير في الطريق الصحيح نحو إنهاء الصراعات المسلحة وبسط الأمن والقانون وعودة الدولة. فهل تتحقق البشارة بتمكّن الحكومة الجديدة من فرض سيطرتها على كامل التراب الليبي؟
تقوم مبادئ اتفاق الصخيرات، على تمكين الأطراف المتصارعة من المشاركة في مستقبل ليبيا على نحو شبه متوازن
أولا: المشهد الليبي بعد اتفاقي الصخيرات ومالطا
 بعد سقوط القذافي، لم يتمكن الليبيون من الوصول بخريطة الانتقال الديمقراطي إلى نهايتها، فقد احتدم الصراع بين كتلة المؤتمر الوطني المنتهية ولايته المتمركز في طرابلس العاصمة، وبين كتلة البرلمان الليبي المعترف به دوليا والمتمركز في مدينة طبرق. ورويدا رويدا أصبح كل طرف على قناعة بأن استمرار الصراع سيؤدي إلى تقسيم ليبيا وتوطن الجماعات الإرهابية. ما دفع كلا الطرفين إلى الانخراط في مفاوضات طويلة برعاية الأمم المتحدة، وقبيل الإعلان عن اتفاق الصخيرات  في منتصف  ديسمبر 2015، ينحرف مسار حل الأزمة بشكل مفاجئ، إثر الإعلان عن اتفاق تونس- مالطا، خارج إطار ومسار مفاوضات الأمم المتحدة، برعاية كل من عقيلة صالح رئيس البرلمان ونوري أبوسهمين رئيس المؤتمر الوطني.
تقوم مبادئ اتفاق الصخيرات، على تمكين الأطراف المتصارعة من المشاركة في مستقبل ليبيا على نحو شبه متوازن، حيث يتقاسم السلطة ثلاث مؤسسات دولة رئيسية، كما يلي: (1)  البرلمان الليبي (برلمان طبرق) هو ممثل السلطة التشريعية في المرحلة الانتقالية التي تستمر لمدة عامين. (2) المجلس الأعلى للدولة، ويتشكل من أعضاء المؤتمر الوطني، وهو مجلس استشاري للحكومة. (3) المجلس الرئاسي يضم ستة أعضاء يمثلون أقاليم ليبيا، برئاسة فايز السراج، الذي سيتولى رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ومعه نائبان ممثلان عن المؤتمر الوطني والبرلمان.
بينما ينص اتفاق تونس- مالطا على: (1) العودة إلى الشرعية الدستورية المتمثلة في الدستور الليبي السابق (دستور الملكية). (2) تهيئة المناخ لإجراء انتخابات تشريعية في مدة أقصاها عامين. (3)  تشكيل لجنة من عشرة أعضاء تتولى العمل على المساعدة في اختيار حكومة وفاق وطني ونائبين لرئيس الحكومة خلال أسبوعين. (4) تشكيل لجنة تتولى تنقيح الدستور.
ويبدو من هذه البنود المبدئية، أن اتفاق تونس- مالطا، ما هو إلا مماطلة وتسويف لكسب الوقت، ويحتاج إلى جهود تفاوضية ضخمة حتى يمكن إبرامه في صورة نهائية، لأن فكرة العودة إلى الملكية الدستورية، فكرة صورية غير مقبولة من الغالبية العظمى من أفراد المجتمع الليبي. على معنى أن تضييع الوقت في ملاحقة هذا السراب، والتنصل من اتفاق الصخيرات هو إهدار لفرصة ثمينة ربما لن تتكرر مرة أخرى، وقد أدرك ذلك نسبة معتبرة من أعضاء برلمان طبرق ومؤتمر طرابلس، ليس من بينهم رئيسا المؤسستين ومن لف لفّهم.

ثانيا:  الدعم الدولي لاتفاق الصخيرات
في ظل المستجدات في منطقة الشرق الأوسط، وبتأثير من الأزمة السورية وأزمة الهجرة غير الشرعية، وكذلك تمدد تنظيم داعش وأنصار الشريعة في حوض سرت، والأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية، كل هذه العوامل، دفعت القوى الدولية وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا إلى الضغط على الأطراف، والتلويح بفرض العقوبات على المعرقلين، ما أسهم بشكل كبير في التوقيع على اتفاق الصخيرات، في 17 ديسمبر 2015. وبادر  مجلس الأمن ثم  مجلس وزراء الخارجية العرب للاتفاق بدعم وتأييد الاتفاق، ما وضع الأطراف المتصارعة في حالة ضغط إقليمي ودولي كبيرين. وبدا واضحًا أن مفاوضات تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة، ستمضي في طريقها رغما عن المعارضين في طبرق وطرابلس.
لجأ البعض في طبرق، والبعض في طرابلس، إلى المراوغة السياسية، واستهلاك الوقت في محاولة لوقف إجراءات تشكيل حكومة التوافق، بحجج ضعيفة، تخلو من المسئولية الوطنية
ثالثا: المراوغة السياسية وانكشاف المستور
لجأ البعض في طبرق وعلى رأسهم عقيلة صالح، والبعض في طرابلس وعلى رأسهم نوري أبو سهمين، إلى المراوغة السياسية، واستهلاك الوقت في محاولة  لوقف إجراءات تشكيل حكومة التوافق، بحجج ضعيفة، تخلو أحيانًا من المسئولية الوطنية. ومع الوقت علت أصوات المؤيدين للتوافق، رغم سعي الرئاسة في برلمان طبرق ومؤتمر طرابلس إلى إسكات هذه الأصوات الوطنية. لدرجة أن كتلة السيادة الوطنية التي يتزعمها عقيلة صالح، قامت بعرقلة التصويت على حكومة التوافق أكثر من مرة، ومنع الأعضاء المؤيدين لهذه الحكومة من دخول قاعة البرلمان. وهو ما يعني أن حكومة الوفاق تحظى بتأييد حقيقي من  الغالبية المطلقة للبرلمان الليبي.
هذه المراوغة السياسية، دفعت الشارع الليبي، المنحاز لفكرة الدولة المدنية ووحدة ليبيا، إلى الانصراف بعيدًا عن تأييد كلتا المؤسستين، بعد أن كشفت الأحداث والمواقف السياسية الأخيرة، أن هناك انقسامات حادة داخل كلٍّ من المؤتمر الوطني والبرلمان، وأن هناك قوى لا ترغب في استقرار ليبيا، وتتمسك بنفوذها ومصالحها وتكالبها على السلطة دون مراعاة للمعاناة التي يعانيها أفراد الشعب الليبي، خاصة بعد زيادة نفوذ التنظيمات الإرهابية وسيطرتها على الطرق الرئيسية، واحتلالها لمدن جديدة من بينها سرت وبني وليد وصبراطة.

رابعا: موقف دول الجوار من حكومة التوافق
على خلفية التداعيات الخطيرة التي شهدتها تونس ابتداء من الهجوم على متحف باردو وفندق سوسة، وحتى الهجوم على مدينة بن قردان التونسية في السابع من مارس الماضي، دعت تونس مجموعة وزراء خارجية دول الجوار الليبي (مصر، تونس، الجزائر، تشاد، السودان) إلى الاجتماع الثامن لهم منذ بداية الأزمة الليبية، في حضور السراج، وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحادين الأوربي والأفريقي، وصدر عن الاجتماع، إعلان قوي لدعم حكومة السراج، ودعوتها إلى مباشرة أعمالها من العاصمة طرابلس، كما تضمن الإعلان موافقة دول الجوار على التدخل العسكري الخارجي، في حال طلب حكومة السراج لذلك رسميًا، وكان هذا البند محل خلاف بين دول الجوار من قبل.
أصدر مجلس الأمن بيانا بالإجماع مرحبا بخطوة انتقال السراج إلى طرابلس، داعيًا جميع الدول إلى الامتناع عن التعامل مع المؤسسات الموازية في ليبيا
خامسا: دعم انتقال حكومة التوافق إلى طرابلس
الترتيب لدخول حكومة السراج إلى طرابلس، صاحبه وأعقبه عدة إجراءات مهمة داعمة لهذا الانتقال، حيث وافق الاتحاد الأوربي في 31 مارس على فرض عقوبات على رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني نوري أبوسهمين، ورئيس الحكومة المنبثقة عن المؤتمر خليفة الغويل. وأصدر مجلس الأمن بيانا بالإجماع مرحبا بخطوة انتقال السراج إلى طرابلس، داعيًا جميع الدول إلى الامتناع عن التعامل مع المؤسسات الموازية في ليبيا، كما أجاز المجلس طلب من حكومة التوافق باستيراد السلاح لمحاربة الإرهاب. على معنى أن المجتمع الدولي يحاول جاهدًا توفير المناخ الملائم لإنجاح مهمة السراج، لكي تستعيد ليبيا تماسكها واستقرارها وقدرتها على وقف التمدد الإرهابي من جهة، ومنع تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى أوربا عبر السواحل الليبية من جهة ثانية.

سادسا: ملامح نجاح الحكومة الجديدة
لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تمر عملية نقل السراج إلى طرابلس مرور الكرام، في ظل الوعيد والإنذار اللذين تلقتهما الحكومة في حال إصرارها على التوجه إلى طرابلس. فبمجرد وصول السراج إلى القاعدة البحرية، يوم 30 مارس2016،  صرح خليفة الغويل رئيس حكومة طرابلس، أنه يتوجب على المتسللين – يقصد السراج وفريقه الرئاسي-  تسليم أنفسهم أو مغادرة طرابلس. وعلق الصادق الغرياني المفتي المعترف به من قبل المؤتمر الوطني، بأن السراج دخل على ظهر بارجة أجنبية، مدعومة بقوات أجنبية، وأن هذه الحكومة تمثل الاستعمار، ما يوجب الجهاد ضدها.
غير أن هذه التوقعات خابت، بفضل شجاعة السراج وفريقه في الالتحام المباشر بالجماهير يوم الجمعة، بالصلاة في المسجد الكبير بوسط العاصمة، وترجّله في ميدان الشهداء وسط ترحيب أهالي المدينة بقدومه. ليس هذا فقط، لكن أسهم في ظهور ملامح النجاح عدة أمور أهمها: (1) نجاح الحكومة في الاجتماع بمحافظ البنك المركزي الليبي. (2) اجتماع السراج مع عدد كبير من هيئة المجلس الأعلى للدولة، الذي يضم أعضاء المؤتمر الوطني بحسب اتفاق الصخيرات. (3) إعلان عمداء البلديات في طرابلس ولاءهم لحكومة الوفاق (4) إعلان بلديات 10 مدن ساحلية في الغرب الليبي تأييدها الكامل لحكومة الوفاق الوطني. (5) إعلان حرس المنشآت النفطية عدم السماح بتصدير النفط إلا لصالح حكومة الوفاق الوطني. (6) في تطور لافت للنظر أصدر خليفة الغويل رئيس حكومة طرابلس بيانًا أكد فيه أن معارضته لحكومة الوفاق، ستكون بالطرق السلمية والقانونية، دون استخدام للقوة أو التحريض على القتال بين أبناء الوطن الواحد. (7) من المنتظر وصول أعضاء برلمان طبرق المؤيدين للحكومة إلى العاصمة لإعلان تأييدهم للحكومة. كما يتوقع أن تعلن بلديات أخرى في الشرق الليبي تأييدها خلال الأيام القليلة المقبلة. (8) وأخيرا، المتوقع أن يصدر المجلس الأعلى للقبائل الليبية بيانا مؤيدا لخطوة انتقال الحكومة لطرابلس، بعد عدة بيانات داعمة بصفة عامة لاتفاق الصخيرات من قبل.
ما يعني أن دائرة التأييد لهذه الحكومة تتسع مع الوقت، وأنها جاءت لتبقى، ونأمل أن تحقق طموحات الشعب الليبي، وأن يتحول الترحيب الدولي والإقليمي، إلى خطوات ملموسة على الأرض لدعم الحكومة التي خرجت إلى الوجود عبر مخاض صعب وبشق الأنفس.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟