تبدل المواقف: صورة مصر في الصحافة الأمريكية قبل ثورة 30 يونيو وبعدها
الإثنين 22/فبراير/2016 - 11:30 ص
أ.د. شريف درويش اللبان
تؤدي وسائل الإعلام دورا بارزا في تشكيل الصور الذهنية عن الدول والشعوب المختلفة من خلال ما تقدمه من معلومات حول تلك الدول ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة في ظل اقتصار الخبرة الشخصية بالدول على الأقلية من الصفوة . ولا تمثل الصورة الإعلامية التي تكونها هذه الوسائل تجسيدا للواقع، بل تعد تجسيدا مشروطا بهوية الوسيلة وأهدافها الإستراتيجية، وتمارس هذه الوسائل تأثيرا على الرأي العام الذي يتعرض لها ويستخدمها في فهم الأحداث وتقييمها.
وتعتبر الصحافة الدولية – شأنها شأن كافة وسائل الإعلام الدولية الأخرى – أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول التي تصدرها، وإذا كان الدور الإخباري للصحف الدولية قد تناقص نتيجة لانتشار وسائل أخرى أسرع منها في نقل الأخبار، فإنها تمارس اليوم دورا يزداد أهمية في الشرح والتفسير والتعليق على الأحداث الدولية، خاصة عندما تثور مناقشات حول المتغيرات الدولية الكبرى، التي تتطلب تحليلا مستفيضا لا مجرد تغطية إخبارية موجزة .
ولقد أصبحت مصر بعد أحداث 30 يونيو 2013 موضع اهتمام كثير من القوى الدولية، فما إن أعلن الجيش ممثلا في وزير دفاعه الفريق السيسي عزل الرئيس مرسي، والمضي في خريطة مستقبل جديدة، حتى سارت مصر محطا لأنظار القوى الدولية والإقليمية (4) وبالتبعية صحافة هذه الدول ووسائل إعلامها التي اهتمت بتغطية الشئون المصرية وإثارة المناقشات حولها، حيث مثلت أحداث 30 يونيو مرحلة مغايرة في مجمل علاقات مصر الدولية سواء في محيطها الإقليمي أو على الصعيد الدولي والعالمي.
في هذا الإطار، تأتي الدراسة المهمة التي أعدها الباحث الدكتور وليد محمد الهادي عواد مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان بعنوان: " أطر تقديم صورة مصر في افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست: دراسة تحليلية للفترة قبل وبعد 30 يونيو 2013 "، والتي سعت للكشف عن تأثير ثورة 30 يونيو في تشكيل صورة مصر في افتتاحيات صحيفتين دوليتين تعدان من أهم الصحف الأمريكية، هما النيويورك تايمز والواشنطن بوست؛ خاصة في ظل اهتمام الإدارة الأمريكية بمصر خلال هذه الفترة؛ نظرا للعلاقات والمصالح الإستراتيجية بين البلدين من ناحية، ولموقع مصر القيادي والإقليمي في المنطقة من ناحية أخرى.
وتعتبر الصحافة الدولية – شأنها شأن كافة وسائل الإعلام الدولية الأخرى – أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول التي تصدرها، وإذا كان الدور الإخباري للصحف الدولية قد تناقص نتيجة لانتشار وسائل أخرى أسرع منها في نقل الأخبار، فإنها تمارس اليوم دورا يزداد أهمية في الشرح والتفسير والتعليق على الأحداث الدولية، خاصة عندما تثور مناقشات حول المتغيرات الدولية الكبرى، التي تتطلب تحليلا مستفيضا لا مجرد تغطية إخبارية موجزة .
ولقد أصبحت مصر بعد أحداث 30 يونيو 2013 موضع اهتمام كثير من القوى الدولية، فما إن أعلن الجيش ممثلا في وزير دفاعه الفريق السيسي عزل الرئيس مرسي، والمضي في خريطة مستقبل جديدة، حتى سارت مصر محطا لأنظار القوى الدولية والإقليمية (4) وبالتبعية صحافة هذه الدول ووسائل إعلامها التي اهتمت بتغطية الشئون المصرية وإثارة المناقشات حولها، حيث مثلت أحداث 30 يونيو مرحلة مغايرة في مجمل علاقات مصر الدولية سواء في محيطها الإقليمي أو على الصعيد الدولي والعالمي.
في هذا الإطار، تأتي الدراسة المهمة التي أعدها الباحث الدكتور وليد محمد الهادي عواد مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان بعنوان: " أطر تقديم صورة مصر في افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست: دراسة تحليلية للفترة قبل وبعد 30 يونيو 2013 "، والتي سعت للكشف عن تأثير ثورة 30 يونيو في تشكيل صورة مصر في افتتاحيات صحيفتين دوليتين تعدان من أهم الصحف الأمريكية، هما النيويورك تايمز والواشنطن بوست؛ خاصة في ظل اهتمام الإدارة الأمريكية بمصر خلال هذه الفترة؛ نظرا للعلاقات والمصالح الإستراتيجية بين البلدين من ناحية، ولموقع مصر القيادي والإقليمي في المنطقة من ناحية أخرى.
إن أكثر القضايا ظهورا في صحيفة النيويورك تايمز هي قضية الانتقال الديمقراطي حيث جاءت في المرتبة الأولى بنسبة (52.2%)، وفي المرتبة الثالثة جاءت قضية إصلاح الاقتصاد المصري بنسبة (20%)
أولا: مشكلة الدراسة وأهميتها ومنهجيتها
تتحدد مشكلة الدراسة في استكشاف ماهية صورة مصر التي قدمتها افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست الأمريكيتين والأطر الإعلامية التي ظهرت بها خلال الفترة التي سبقت أحداث 30 يونيو والفترة التي بعدها؛ وذلك من أجل الوقوف على مدى الاختلاف الذي لحق بالصورة خلال الفترتين.
وتستمد هذه الدراسة أهميتها من طبيعة الفترة التي تتناولها بالتحليل حيث تمثل أحداث 30 يونيو مرحلة مهمة وحرجة في تاريخ مصر، حيث حظيت هذه الفترة باهتمام شديد من الصحافة العربية والعالمية على حد سواء. كما أن المقال الافتتاحي يعبر عن السياسة التحريرية للصحيفة، ومن هنا تتجلى أهمية هذه الدراسة في الكشف عن السياسة التحريرية لصحيفتين من كبريات الصحف الأمريكية في معالجتهما للشئون المصرية، خاصة في ظل الموقف الدولي الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث 30 يونيو في مصر. وتوضح هذه الدراسة حجم المتابعة والاهتمام اللذيْن تحظى بهما مصر في الإعلام الدولي ممثلا في الصحافة الأمريكية، ومدى متابعة شئونها الداخلية باعتبارها دولة مؤثرة في محيطها العربي والإقليمي.
واعتمدت الدراسة على نظرية الأطر الخبرية، وتعد هذه النظرية من الروافد الحديثة في دراسات الاتصال، حيث تسمح للباحث بقياس المحتوى الضمني للرسائل التي تعكسها وسائل الإعلام، وتقدم هذه النظرية تفسيرا منتظما لدور وسائل الإعلام في تشكيل الأفكار والاتجاهات حيال القضايا البارزة، وعلاقة ذلك باستجابات الجمهور المعرفية والوجدانية لتلك القضايا .
وفي إطار دراسته التحليلية، استخدم الباحث منهج المسح Survey عن طريق مسح جميع المقالات الافتتاحية التي تتناول مصر في صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست خلال الفترة الخاضعة للتحليل. وأجرى الباحث دراسة استطلاعية على عينة من افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست، لاحظ خلالها أن الصحيفتين بدأتا اهتمامهما الملحوظ يتصاعد بالشأن المصري خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو 2012، وتولى فيها الرئيس محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية، وقد ظل هذا الاهتمام مستمرا حتى بلغ ذروته بأحداث 30 يونيو 2013 والفترة التي تلتها أيضا.
وعلى هذا اعتبر الباحث أن أحداث 30 يونيو 2013 مثلت فترة مفصلية في اهتمام الصحيفتين بمصر؛ وبناء عليه حدد الباحث عينة دراسته بالسنة التي قبل أحداث 30 يونيو، والتي أجريت فيها الانتخابات الرئاسية وتولى فيها الرئيس مرسي مقاليد الحكم في البلاد، وشهدت هذه الفترة الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، والسنة التي بعدها التي تم فيها إعلان خريطة الطريق الخاصة بمستقبل مصر وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا لمصر بعد عزل مرسي، أي أن عينة الدراسة تبدأ من 30/6/ 2012 وتنتهى فى 30/6/2014.
وفيما يتعلق باختيار صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست دون غيرهما من الصحف الأمريكية، فيرجعه الباحث إلى اهتمامهما بالشئون الخارجية والشأن المصري خاصة، حيث تقتبس الصحف المصرية كثيرا من افتتاحيتهما، هذا بالإضافة إلى أنهما أهم صحيفتين في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت لها موقف خلافي من أحداث 30 يونيو 2013 .
وقد اختار الباحث المقالات الافتتاحية دون غيرها من الفنون الصحفية الأخرى؛ لأنها تعبر عن السياسة التحريرية للصحيفة، وبالتالي يمكن من خلالها الكشف بسهولة عن موقف الصحيفتين من أحداث 30 يونيو 2013، والشأن المصري عامة خلال هذه الفترة المهمة والحرجة في تاريخ مصر.
وفي هذا العرض، سوف نركز على صورة مصر في افتتاحيات صحيفة "نيويورك تايمز" لأنه لا يوجد ثمة فارق كبير بين توجهات هذه الصحيفة وافتتاحيات صحيفة "واشنطن بوست".
ثانيا : صورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز
يمكن الكشف عن صورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز من خلال التعرف على القضايا التي تناولت مصر في افتتاحيات الصحيفة، وأطر تقديم الصورة الخاصة بمصر في هذه الافتتاحيات، والقوى الفاعلة التي شكلت صورة مصر فيها .
1- القضايا الخاصة بمصر في افتتاحيات النيويورك تايمز
إن أكثر القضايا ظهورا في صحيفة النيويورك تايمز هي قضية الانتقال الديمقراطي حيث جاءت في المرتبة الأولى بنسبة (52.2%) وهو ما يعني أنها ظهرت في أكثر من نصف افتتاحيات الصحيفة، ويمكن تفسير هذا في ضوء الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها مصر في الفترة من يونيو 2012 حتى يونيو 2014، أما المرتبة الثانية فقد احتلتها قضية المصالح المشتركة بين مصر وأمريكا بنسبة (33.8%) وهو ما يعني اهتمام الصحيفة بمصالح أمريكا في المنطقة وخاصة مع مصر نظرا لدورها الإقليمي.
وفي المرتبة الثالثة جاءت قضية إصلاح الاقتصاد المصري بنسبة (20%) وفي المرتبة الرابعة كانت قضية مكافحة الإرهاب بسيناء بنسبة (12.3%) أما المرتبة الخامسة فقد احتلتها قضية حرية الصحافة والإعلام في مصر بنسبة (10.7%) وفي المرتبة السادسة والأخيرة جاءت قضية الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر بنسبة (9.2%)، وفيما يتعلق باتجاه الصحيفة نحو كل قضية فيمكن تناوله على النحو التالي:
• قضية الانتقال الديمقراطي في مصر
في البداية وعقب فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية تخوفت صحيفة النيويورك تايمز من احتكار مرسي وجماعته للسلطة، ففي مقال افتتاحي بعنوان الرئيس مرسي ومنتقدوه ترى الصحيفة " أن الكثير من المصريين يتخوفون من أن يكون مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يسعيان لاحتكار السلطة وفرض قيود جدية على حرية الصحافة"، كما أن مخاوف المعارضة في مصر مشروعة، فبدلا من أن يقوم مرسي بتشكيل حكومة تضم جميع الأطياف السياسية سعى مرسي وحزبه لتعزيز قبضتيهما على السلطة، فسارع بكتابة دستور معيب ثارت حوله خلافات مريرة، كما فشل في إصلاح الشرطة الفاسدة"، "وقد أثبت مرسي بهذا انسياقه المتزايد لفرض الحكم السلطوي الإسلامي على البلاد، وقالت المعارضة ردا على هذا إنها جمعت ما يزيد على 20 مليون توقيع للمطالبة بعزله من السلطة ".
وفي إطار الصراع على السلطة تشير الصحيفة إلى أنه " يوم الخميس الماضي اندلعت حرب شوارع بين المؤيدين الإسلاميين لمرسي وخصومهم العلمانيين أدت لمقتل ما لا يقل عن 6 أشخاص وإصابة 450 آخرين، وأغلقت الدبابات شوارع القاهرة وتم نشر القوات الخاصة التابعة للحرس الجمهوري فتحصن المتظاهرون خلف المتاريس حول القصر الجمهوري".
" كما هددت جبهة الإنقاذ الوطني التي تقود المعارضة في البلاد بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المزمع إجراءها أواخر ابريل القادم؛ بسبب امتناع حكومة مرسي الإسلامية عن توفير الضمانات التي تكفل حرية الانتخابات ونزاهتها".
" كما أن القرارات السلطوية التي صدرت عن مرسي أدت إلى إجبار الجماعات العلمانية والليبرالية التي كانت منقسمة وغير فاعلة على التوحد خلف جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة له، التحدي الحقيقي حاليا هو استمرار توحد هذه القوى وبروزها كقوة سياسية تكتسب المصداقية وتكون قادرة على دفع مصر على طريق الديمقراطية".
كما هاجمت صحيفة النيويورك تايمز الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي ودستور 2012 " فالإعلان الدستوري الديكتاتوري يضع مرسي فوق القانون، وهو السبب وراء الأزمة الحالية، ولقد تسبب مرسي في تعميق الأزمة عندما رفض مجددا سحب الإعلان الدستوري الذي منحه سلطات شبه مطلقة، كما صمم على الاستفتاء يوم 15 ديسمبر على مسودة الدستور التي اعترضت عليها المعارضة العلمانية والكنيسة المسيحية القبطية".
" وكان ينبغي على الرئيس مرسي تأجيل الاستفتاء وإعادة تشكيل جمعية لكتابة الدستور يهيمن عليها حلفاء الإخوان المسلمين بدرجة أقل، وتكليف أعضائها بكتابة مسودة معدلة تتجاوب مع مخاوف خصومه الأكثر ليبرالية وعلمانية تجاه المسودة الحالية".
" كما أن هناك مشاكل أخرى مزعجة بشأن طريقة إنشاء لجنة كتابة الدستور، فقد انسحب من اللجنة المسئولة عن كتابة الدستور الأعضاء العلمانيون والأقباط المسيحيون بدعوى هيمنة الإسلاميين عليها، وسارعت اللجنة بالموافقة على الدستور، حيث قرر مرسي وضع موعد مبكر للاستفتاء على الدستور مختصرا أشهرا عديدة".
وبعد إقرار الدستور واستفتاء الناخبين عليه رأت الصحيفة " أنه كان من المفترض أن يسهم وضع دستور جديد لمصر في دفع المواطنين للالتفاف حول رؤية موحدة لبلدهم، غير أن الدستور المدعوم من الإسلاميين ساهم في تعزيز الانقسام ودفع غير المسلمين للشعور بالغضب، وبأن حقوقهم السياسية قد نزعت منهم وبالرغبة في تعديل الدستور من جديد".
أما بعد 30 يونيو 2013 فقد تغير موقف صحيفة النيويورك تايمز، فقد هاجمت الجيش المصري واعتبرت 30 يونيو انقلابا عسكريا على الديمقراطية " فمصر تواجه احتمالية التعرض لتغيير إجباري هذه المرة على يد الجيش، فبعد مرور عامين على الإطاحة برئيس سلطوي مدعوم من الجيش تم تنصيب أول رئيس منتخب ديمقراطيا، هناك مخاطر تحيط بالبلاد دون أن تتوفر ضمانة بنجاح تحول قد يتحقق للمرة الثانية".
"ويظل الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس منتخب ديمقراطيا رغما عن إخفاقاته الكثيرة، ولا جدال في أن تكون إطاحة الجيش به يوم الأربعاء الماضي انقلابا عسكريا مكتمل الأركان".
" وقال القادة العسكريون في إعلان إذاعة التليفزيون الحكومي يوم الأربعاء، إنهم يعلقون العمل بالدستور، وينصبون حكومة مؤقتة بقيادة رئيس المحكمة الدستورية العليا، سيتمثل الاختبار الأول أمام هؤلاء القادة في سماحهم من عدمه لقادة مدنيين ودينيين بأن يحلوا محل تلك الحكومة عبر الانتخابات".
" وعلى الرغم من أن الكثير من مجموعات المعارضة قد رحبت برغبة الجيش في التدخل مرة أخرى في السياسة، فإنه سيضر كثيرا بفرص التحول الديمقراطي في مصر، سيؤدي هذا التدخل إلى فتح المجال أمام الجيش لتوريط نفسه في الشئون السياسية كلما وقعت أزمة سياسية جديدة ".
وعلى الرغم من اعتبار الصحيفة أن أحداث يونيو انقلاب عسكري، فإنها حملت مسئولية الأزمة السياسية في مصر وتصاعد الأحداث على هذا النحو المربك لمرسي وجماعته " فاللوم الأساسي يقع على مرسي وداعميه في جماعة الإخوان المسلمين , فبعد أن عانوا من الاضطهاد والحرمان من الحياة السياسية لعقود عديدة، لم يفهموا ما يجب عليهم فعله لقيادة أكبر دولة في العالم العربي، حيث استخدموا الانتخابات لاحتكار السلطة وتشويه الخصوم، وتعزيز الصلة بالمتشددين الإسلاميين".
" ولم يمارس مرسي ولا أنصاره دورا إيجابيا لتحسين الأوضاع، فبعد أن أضاعوا فرصة قيادة التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 2011 والإطاحة بالرئيس حسني مبارك، فإنهم يزيدون الوضع سوءا بالتصعيد والدعوة لثورة شعبية ".
" كما لم تهتم الجماعة كثيرا بإجراء مفاوضات تقود لحل سلمي للأزمة، ولم يهتم مرسي وغيره من قادة الجماعة حتى قبل الانقلاب بالتواصل مع المصريين من أصحاب التوجهات السياسية والدينية المختلفة ".
وعلى الجانب الآخر تناولت صحيفة النيويورك تايمز موقف الإدارة الأمريكية من الأحداث في مصر، وتناولته بالنقد الشديد ووصفته بالارتباك والتخبط وعدم الحسم وسلك الطرق الملتوية والباهتة تجاه هذه الأحداث .
ففي البداية أشفقت الصحيفة من صعوبة موقف أوباما في اتخاذ القرار تجاه الأحداث في مصر " فإدارة الرئيس أوباما في موقف صعب؛ فقد رفضت تسمية الإطاحة بمرسي بالانقلاب؛ لأن إطلاق هذه التسمية سيستدعي تفعيل قانون يجبرها على قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية عن بلد يلعب دورا حيويا كنقطة ارتكاز إقليمي ".
ولكن مع تطور أحداث 30 يونيو رأت الصحيفة " أن إدارة أوباما سلكت طرقا ملتوية حتى تبتعد عن إدانة ما حدث بوصفه انقلابا، حيث كانت تأمل في تجنب قطع المعونات المقدمة لمصر حتى لا يؤدي هذا إلى إثارة مشاعر العداء ضد أمريكا، والمحزن على ما يبدو أن السياسة الخارجية للرئيس أوباما لا تولي بوضوح أهمية قصوى لتحويل مصر لدولة ديمقراطية ".
" فطريقة تعامل أوباما مع قادة الجيش لا تبعث على الثقة، فقد وجه إليهم انتقادات غير قوية، كما اتسمت ردود أفعاله على المذبحة بانعدام الحسم، وعلى مسئولي الإدارة الأمريكية التوقف عن الكلام الكثير، والبدء فورا في تعليق المعونة العسكرية السنوية لمصر التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، وكذلك وقف تسليم طائرات الأباتشي لحين اتخاذ قادة الجيش قرارا بالعودة للمسار السلمي ".
كما وصفت الصحيفة زيارة كيري لمصر بالتخبط في مقال لها بعنوان كيري يتخبط في مصر " فقد تمت إضافة مصر إلى رحلة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى الشرق الأوسط في آخر لحظة، لكنها لم تؤد إلا إلى زيادة تخبط سياسة إدارة أوباما الخارجية تجاه هذا البلد شديد الأهمية في العالم العربي، كيري هو أول مسئول أمريكي رفيع المستوى يزور القاهرة منذ الإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس منتخب في يوليو الماضي، سعى كيري إلى إبراز التفاهم المشترك بينه وبين القادة السلطويين الذين قادوا الانقلاب والذين يديرون البلد حاليا متجاوزا في ذلك حدود الضرورة أو الحصافة ".
وفي مقال آخر للصحيفة بعنوان الإدارة الأمريكية تتخذ قرارا خاطئا في الشأن المصري ترى " أن هناك استمرارا للنهج المعوج المرتبك للسياسة الأمريكية تجاه مصر، عندما قررت إدارة أوباما استئناف تقديم بعض المساعدات لدولة تتصاعد ممارساتها القمعية يوما بعد يوم، وبغض النظر عن طبيعة الاعتبارات وراء إصدار هذا القرار فسوف يتم النظر إليه بوصفه تصويتا على الثقة في حكومة مدعومة من الجيش لها أجندة سلطوية وسجل في القمع العنيف للمخالفين والمعارضين السياسيين ".
وانتقدت صحيفة النيويورك تايمز الدستور الذي وضعته لجنة الخمسين، ورأته معيبا ولا يختلف كثيرا عن دستور 2012 الذي وضعه الرئيس مرسي وجماعته .
" فالمصريون يضيعون فرصة جديدة لبناء نظام ديمقراطي يضم جميع الأطياف السياسية، فمسودة الدستور الجديدة لا تلبي الوعد الثوري للربيع العربي، وقد نال الدستور موافقة لجنة تضم 50 شخصية مدنية، وحصل الجيش على قدر ملحوظ من الاستقلالية في دستور 2012، أما الدستور الجديد فقد وسع من صلاحياته معطيا إياه سلطة الموافقة على تعيين وزير الدفاع خلال الفترتين الرئاسيتين القادمتين، ويسمح الدستور للجيش كذلك بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وهو إجراء عارضه طويلا النشطاء المدافعون عن الديمقراطية، كما يشترط الدستور الجديد استشارة المجلس الأعلى للشرطة بشأن السياسة الأمنية، وهو ما سيزيد احتمالية تقليص أو حتى استبعاد تحقيق إصلاحات جدية تؤدي لإخضاع الجيش والشرطة بشكل كامل للحكومة المدنية ".
وعلى الجانب الآخر أدانت الصحيفة قمع الجيش لأنصار مرسي والمعارضين وفض اعتصام رابعة ففي مقال افتتاحي بعنوان الجميع يتعرض للقمع في مصر تذهب الصحيفة إلى " أن قادة الجيش والمسئولين المدنيين المعينين استغلوا انشغال العالم بتصاعد الأحداث في سوريا، ليقرروا تمديد حالة الطوارئ في البلاد لشهرين، كما نفذت القوات الأمنية حملة لسحق أنصار مرسي من الإخوان المسلمين، لكنها لم تكتف بهذا بل بدأت كذلك في قمع المعارضين الآخرين ".
" والمثير للاستغراب هو انتقال الهجمة الحكومية من الإخوان وغيرهم من الإسلاميين إلى النشطاء الليبراليين واليساريين، وقالت حركة 6 ابريل إن الشرطة يوم الأربعاء الماضي قد هاجمت أحد مكاتبها الداخلية دون إذن من النيابة واحتجزت العديد من النشطاء لساعات ".
وتعليقا على أحداث فض اعتصام رابعة تؤكد صحيفة النيويورك تايمز في افتتاحية لها بعنوان جنون الجيش " أن مئات المتظاهرين السلميين لقوا مصرعهم عندما استخدم الجيش ووحدات الشرطة طائرات الهليكوبتر والقناصة والبولدوزر والغاز المسيل للدموع لطرد المعتصمين في تجمعين لهم داخل القاهرة، وأعلن الجيش حالة الطوارئ لمدة شهر في جميع أنحاء البلاد ".
" وقد كان بوسع الجيش المصري التحول ليصبح قوة إيجابية بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي إذا تقدم بخطة للتحول الديمقراطي، ولكن بدلا من هذا اتخذ قرارا قاسيا بل مصيريا بقمع المتظاهرين السلميين بدعوى تبنيهم للإرهاب "، " فالمظاهرات التي يريد السيسي حظرها الآن هي السبب في صعوده للسلطة، وعلى ما يبدو أنه لن يتم التسامح إلا مع المظاهرات التي تخرج لدعمه وتأييده ".
وبعد فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية في عام 2014، علقت الصحيفة في مقال افتتاحي لها بعنوان النسخة الأحدث من الرجال الأقوياء تظهر في مصر قائلة " لم يكن الفوز في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت الأسبوع الماضي محل ترقب وانتظار الكثيرين على الإطلاق، فقد أحكم عبد الفتاح السيسي سيطرته على الأوضاع، وضمن ولاء الجيش وخضوع وسائل الإعلام وانعدام المنافسة الحقيقية، بعد نجاحه في حبس أو تهديد المقاومة الجادة ".
تتحدد مشكلة الدراسة في استكشاف ماهية صورة مصر التي قدمتها افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست الأمريكيتين والأطر الإعلامية التي ظهرت بها خلال الفترة التي سبقت أحداث 30 يونيو والفترة التي بعدها؛ وذلك من أجل الوقوف على مدى الاختلاف الذي لحق بالصورة خلال الفترتين.
وتستمد هذه الدراسة أهميتها من طبيعة الفترة التي تتناولها بالتحليل حيث تمثل أحداث 30 يونيو مرحلة مهمة وحرجة في تاريخ مصر، حيث حظيت هذه الفترة باهتمام شديد من الصحافة العربية والعالمية على حد سواء. كما أن المقال الافتتاحي يعبر عن السياسة التحريرية للصحيفة، ومن هنا تتجلى أهمية هذه الدراسة في الكشف عن السياسة التحريرية لصحيفتين من كبريات الصحف الأمريكية في معالجتهما للشئون المصرية، خاصة في ظل الموقف الدولي الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث 30 يونيو في مصر. وتوضح هذه الدراسة حجم المتابعة والاهتمام اللذيْن تحظى بهما مصر في الإعلام الدولي ممثلا في الصحافة الأمريكية، ومدى متابعة شئونها الداخلية باعتبارها دولة مؤثرة في محيطها العربي والإقليمي.
واعتمدت الدراسة على نظرية الأطر الخبرية، وتعد هذه النظرية من الروافد الحديثة في دراسات الاتصال، حيث تسمح للباحث بقياس المحتوى الضمني للرسائل التي تعكسها وسائل الإعلام، وتقدم هذه النظرية تفسيرا منتظما لدور وسائل الإعلام في تشكيل الأفكار والاتجاهات حيال القضايا البارزة، وعلاقة ذلك باستجابات الجمهور المعرفية والوجدانية لتلك القضايا .
وفي إطار دراسته التحليلية، استخدم الباحث منهج المسح Survey عن طريق مسح جميع المقالات الافتتاحية التي تتناول مصر في صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست خلال الفترة الخاضعة للتحليل. وأجرى الباحث دراسة استطلاعية على عينة من افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست، لاحظ خلالها أن الصحيفتين بدأتا اهتمامهما الملحوظ يتصاعد بالشأن المصري خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو 2012، وتولى فيها الرئيس محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية، وقد ظل هذا الاهتمام مستمرا حتى بلغ ذروته بأحداث 30 يونيو 2013 والفترة التي تلتها أيضا.
وعلى هذا اعتبر الباحث أن أحداث 30 يونيو 2013 مثلت فترة مفصلية في اهتمام الصحيفتين بمصر؛ وبناء عليه حدد الباحث عينة دراسته بالسنة التي قبل أحداث 30 يونيو، والتي أجريت فيها الانتخابات الرئاسية وتولى فيها الرئيس مرسي مقاليد الحكم في البلاد، وشهدت هذه الفترة الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، والسنة التي بعدها التي تم فيها إعلان خريطة الطريق الخاصة بمستقبل مصر وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا لمصر بعد عزل مرسي، أي أن عينة الدراسة تبدأ من 30/6/ 2012 وتنتهى فى 30/6/2014.
وفيما يتعلق باختيار صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست دون غيرهما من الصحف الأمريكية، فيرجعه الباحث إلى اهتمامهما بالشئون الخارجية والشأن المصري خاصة، حيث تقتبس الصحف المصرية كثيرا من افتتاحيتهما، هذا بالإضافة إلى أنهما أهم صحيفتين في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت لها موقف خلافي من أحداث 30 يونيو 2013 .
وقد اختار الباحث المقالات الافتتاحية دون غيرها من الفنون الصحفية الأخرى؛ لأنها تعبر عن السياسة التحريرية للصحيفة، وبالتالي يمكن من خلالها الكشف بسهولة عن موقف الصحيفتين من أحداث 30 يونيو 2013، والشأن المصري عامة خلال هذه الفترة المهمة والحرجة في تاريخ مصر.
وفي هذا العرض، سوف نركز على صورة مصر في افتتاحيات صحيفة "نيويورك تايمز" لأنه لا يوجد ثمة فارق كبير بين توجهات هذه الصحيفة وافتتاحيات صحيفة "واشنطن بوست".
ثانيا : صورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز
يمكن الكشف عن صورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز من خلال التعرف على القضايا التي تناولت مصر في افتتاحيات الصحيفة، وأطر تقديم الصورة الخاصة بمصر في هذه الافتتاحيات، والقوى الفاعلة التي شكلت صورة مصر فيها .
1- القضايا الخاصة بمصر في افتتاحيات النيويورك تايمز
إن أكثر القضايا ظهورا في صحيفة النيويورك تايمز هي قضية الانتقال الديمقراطي حيث جاءت في المرتبة الأولى بنسبة (52.2%) وهو ما يعني أنها ظهرت في أكثر من نصف افتتاحيات الصحيفة، ويمكن تفسير هذا في ضوء الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها مصر في الفترة من يونيو 2012 حتى يونيو 2014، أما المرتبة الثانية فقد احتلتها قضية المصالح المشتركة بين مصر وأمريكا بنسبة (33.8%) وهو ما يعني اهتمام الصحيفة بمصالح أمريكا في المنطقة وخاصة مع مصر نظرا لدورها الإقليمي.
وفي المرتبة الثالثة جاءت قضية إصلاح الاقتصاد المصري بنسبة (20%) وفي المرتبة الرابعة كانت قضية مكافحة الإرهاب بسيناء بنسبة (12.3%) أما المرتبة الخامسة فقد احتلتها قضية حرية الصحافة والإعلام في مصر بنسبة (10.7%) وفي المرتبة السادسة والأخيرة جاءت قضية الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر بنسبة (9.2%)، وفيما يتعلق باتجاه الصحيفة نحو كل قضية فيمكن تناوله على النحو التالي:
• قضية الانتقال الديمقراطي في مصر
في البداية وعقب فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية تخوفت صحيفة النيويورك تايمز من احتكار مرسي وجماعته للسلطة، ففي مقال افتتاحي بعنوان الرئيس مرسي ومنتقدوه ترى الصحيفة " أن الكثير من المصريين يتخوفون من أن يكون مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يسعيان لاحتكار السلطة وفرض قيود جدية على حرية الصحافة"، كما أن مخاوف المعارضة في مصر مشروعة، فبدلا من أن يقوم مرسي بتشكيل حكومة تضم جميع الأطياف السياسية سعى مرسي وحزبه لتعزيز قبضتيهما على السلطة، فسارع بكتابة دستور معيب ثارت حوله خلافات مريرة، كما فشل في إصلاح الشرطة الفاسدة"، "وقد أثبت مرسي بهذا انسياقه المتزايد لفرض الحكم السلطوي الإسلامي على البلاد، وقالت المعارضة ردا على هذا إنها جمعت ما يزيد على 20 مليون توقيع للمطالبة بعزله من السلطة ".
وفي إطار الصراع على السلطة تشير الصحيفة إلى أنه " يوم الخميس الماضي اندلعت حرب شوارع بين المؤيدين الإسلاميين لمرسي وخصومهم العلمانيين أدت لمقتل ما لا يقل عن 6 أشخاص وإصابة 450 آخرين، وأغلقت الدبابات شوارع القاهرة وتم نشر القوات الخاصة التابعة للحرس الجمهوري فتحصن المتظاهرون خلف المتاريس حول القصر الجمهوري".
" كما هددت جبهة الإنقاذ الوطني التي تقود المعارضة في البلاد بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المزمع إجراءها أواخر ابريل القادم؛ بسبب امتناع حكومة مرسي الإسلامية عن توفير الضمانات التي تكفل حرية الانتخابات ونزاهتها".
" كما أن القرارات السلطوية التي صدرت عن مرسي أدت إلى إجبار الجماعات العلمانية والليبرالية التي كانت منقسمة وغير فاعلة على التوحد خلف جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة له، التحدي الحقيقي حاليا هو استمرار توحد هذه القوى وبروزها كقوة سياسية تكتسب المصداقية وتكون قادرة على دفع مصر على طريق الديمقراطية".
كما هاجمت صحيفة النيويورك تايمز الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي ودستور 2012 " فالإعلان الدستوري الديكتاتوري يضع مرسي فوق القانون، وهو السبب وراء الأزمة الحالية، ولقد تسبب مرسي في تعميق الأزمة عندما رفض مجددا سحب الإعلان الدستوري الذي منحه سلطات شبه مطلقة، كما صمم على الاستفتاء يوم 15 ديسمبر على مسودة الدستور التي اعترضت عليها المعارضة العلمانية والكنيسة المسيحية القبطية".
" وكان ينبغي على الرئيس مرسي تأجيل الاستفتاء وإعادة تشكيل جمعية لكتابة الدستور يهيمن عليها حلفاء الإخوان المسلمين بدرجة أقل، وتكليف أعضائها بكتابة مسودة معدلة تتجاوب مع مخاوف خصومه الأكثر ليبرالية وعلمانية تجاه المسودة الحالية".
" كما أن هناك مشاكل أخرى مزعجة بشأن طريقة إنشاء لجنة كتابة الدستور، فقد انسحب من اللجنة المسئولة عن كتابة الدستور الأعضاء العلمانيون والأقباط المسيحيون بدعوى هيمنة الإسلاميين عليها، وسارعت اللجنة بالموافقة على الدستور، حيث قرر مرسي وضع موعد مبكر للاستفتاء على الدستور مختصرا أشهرا عديدة".
وبعد إقرار الدستور واستفتاء الناخبين عليه رأت الصحيفة " أنه كان من المفترض أن يسهم وضع دستور جديد لمصر في دفع المواطنين للالتفاف حول رؤية موحدة لبلدهم، غير أن الدستور المدعوم من الإسلاميين ساهم في تعزيز الانقسام ودفع غير المسلمين للشعور بالغضب، وبأن حقوقهم السياسية قد نزعت منهم وبالرغبة في تعديل الدستور من جديد".
أما بعد 30 يونيو 2013 فقد تغير موقف صحيفة النيويورك تايمز، فقد هاجمت الجيش المصري واعتبرت 30 يونيو انقلابا عسكريا على الديمقراطية " فمصر تواجه احتمالية التعرض لتغيير إجباري هذه المرة على يد الجيش، فبعد مرور عامين على الإطاحة برئيس سلطوي مدعوم من الجيش تم تنصيب أول رئيس منتخب ديمقراطيا، هناك مخاطر تحيط بالبلاد دون أن تتوفر ضمانة بنجاح تحول قد يتحقق للمرة الثانية".
"ويظل الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس منتخب ديمقراطيا رغما عن إخفاقاته الكثيرة، ولا جدال في أن تكون إطاحة الجيش به يوم الأربعاء الماضي انقلابا عسكريا مكتمل الأركان".
" وقال القادة العسكريون في إعلان إذاعة التليفزيون الحكومي يوم الأربعاء، إنهم يعلقون العمل بالدستور، وينصبون حكومة مؤقتة بقيادة رئيس المحكمة الدستورية العليا، سيتمثل الاختبار الأول أمام هؤلاء القادة في سماحهم من عدمه لقادة مدنيين ودينيين بأن يحلوا محل تلك الحكومة عبر الانتخابات".
" وعلى الرغم من أن الكثير من مجموعات المعارضة قد رحبت برغبة الجيش في التدخل مرة أخرى في السياسة، فإنه سيضر كثيرا بفرص التحول الديمقراطي في مصر، سيؤدي هذا التدخل إلى فتح المجال أمام الجيش لتوريط نفسه في الشئون السياسية كلما وقعت أزمة سياسية جديدة ".
وعلى الرغم من اعتبار الصحيفة أن أحداث يونيو انقلاب عسكري، فإنها حملت مسئولية الأزمة السياسية في مصر وتصاعد الأحداث على هذا النحو المربك لمرسي وجماعته " فاللوم الأساسي يقع على مرسي وداعميه في جماعة الإخوان المسلمين , فبعد أن عانوا من الاضطهاد والحرمان من الحياة السياسية لعقود عديدة، لم يفهموا ما يجب عليهم فعله لقيادة أكبر دولة في العالم العربي، حيث استخدموا الانتخابات لاحتكار السلطة وتشويه الخصوم، وتعزيز الصلة بالمتشددين الإسلاميين".
" ولم يمارس مرسي ولا أنصاره دورا إيجابيا لتحسين الأوضاع، فبعد أن أضاعوا فرصة قيادة التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 2011 والإطاحة بالرئيس حسني مبارك، فإنهم يزيدون الوضع سوءا بالتصعيد والدعوة لثورة شعبية ".
" كما لم تهتم الجماعة كثيرا بإجراء مفاوضات تقود لحل سلمي للأزمة، ولم يهتم مرسي وغيره من قادة الجماعة حتى قبل الانقلاب بالتواصل مع المصريين من أصحاب التوجهات السياسية والدينية المختلفة ".
وعلى الجانب الآخر تناولت صحيفة النيويورك تايمز موقف الإدارة الأمريكية من الأحداث في مصر، وتناولته بالنقد الشديد ووصفته بالارتباك والتخبط وعدم الحسم وسلك الطرق الملتوية والباهتة تجاه هذه الأحداث .
ففي البداية أشفقت الصحيفة من صعوبة موقف أوباما في اتخاذ القرار تجاه الأحداث في مصر " فإدارة الرئيس أوباما في موقف صعب؛ فقد رفضت تسمية الإطاحة بمرسي بالانقلاب؛ لأن إطلاق هذه التسمية سيستدعي تفعيل قانون يجبرها على قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية عن بلد يلعب دورا حيويا كنقطة ارتكاز إقليمي ".
ولكن مع تطور أحداث 30 يونيو رأت الصحيفة " أن إدارة أوباما سلكت طرقا ملتوية حتى تبتعد عن إدانة ما حدث بوصفه انقلابا، حيث كانت تأمل في تجنب قطع المعونات المقدمة لمصر حتى لا يؤدي هذا إلى إثارة مشاعر العداء ضد أمريكا، والمحزن على ما يبدو أن السياسة الخارجية للرئيس أوباما لا تولي بوضوح أهمية قصوى لتحويل مصر لدولة ديمقراطية ".
" فطريقة تعامل أوباما مع قادة الجيش لا تبعث على الثقة، فقد وجه إليهم انتقادات غير قوية، كما اتسمت ردود أفعاله على المذبحة بانعدام الحسم، وعلى مسئولي الإدارة الأمريكية التوقف عن الكلام الكثير، والبدء فورا في تعليق المعونة العسكرية السنوية لمصر التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، وكذلك وقف تسليم طائرات الأباتشي لحين اتخاذ قادة الجيش قرارا بالعودة للمسار السلمي ".
كما وصفت الصحيفة زيارة كيري لمصر بالتخبط في مقال لها بعنوان كيري يتخبط في مصر " فقد تمت إضافة مصر إلى رحلة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى الشرق الأوسط في آخر لحظة، لكنها لم تؤد إلا إلى زيادة تخبط سياسة إدارة أوباما الخارجية تجاه هذا البلد شديد الأهمية في العالم العربي، كيري هو أول مسئول أمريكي رفيع المستوى يزور القاهرة منذ الإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس منتخب في يوليو الماضي، سعى كيري إلى إبراز التفاهم المشترك بينه وبين القادة السلطويين الذين قادوا الانقلاب والذين يديرون البلد حاليا متجاوزا في ذلك حدود الضرورة أو الحصافة ".
وفي مقال آخر للصحيفة بعنوان الإدارة الأمريكية تتخذ قرارا خاطئا في الشأن المصري ترى " أن هناك استمرارا للنهج المعوج المرتبك للسياسة الأمريكية تجاه مصر، عندما قررت إدارة أوباما استئناف تقديم بعض المساعدات لدولة تتصاعد ممارساتها القمعية يوما بعد يوم، وبغض النظر عن طبيعة الاعتبارات وراء إصدار هذا القرار فسوف يتم النظر إليه بوصفه تصويتا على الثقة في حكومة مدعومة من الجيش لها أجندة سلطوية وسجل في القمع العنيف للمخالفين والمعارضين السياسيين ".
وانتقدت صحيفة النيويورك تايمز الدستور الذي وضعته لجنة الخمسين، ورأته معيبا ولا يختلف كثيرا عن دستور 2012 الذي وضعه الرئيس مرسي وجماعته .
" فالمصريون يضيعون فرصة جديدة لبناء نظام ديمقراطي يضم جميع الأطياف السياسية، فمسودة الدستور الجديدة لا تلبي الوعد الثوري للربيع العربي، وقد نال الدستور موافقة لجنة تضم 50 شخصية مدنية، وحصل الجيش على قدر ملحوظ من الاستقلالية في دستور 2012، أما الدستور الجديد فقد وسع من صلاحياته معطيا إياه سلطة الموافقة على تعيين وزير الدفاع خلال الفترتين الرئاسيتين القادمتين، ويسمح الدستور للجيش كذلك بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وهو إجراء عارضه طويلا النشطاء المدافعون عن الديمقراطية، كما يشترط الدستور الجديد استشارة المجلس الأعلى للشرطة بشأن السياسة الأمنية، وهو ما سيزيد احتمالية تقليص أو حتى استبعاد تحقيق إصلاحات جدية تؤدي لإخضاع الجيش والشرطة بشكل كامل للحكومة المدنية ".
وعلى الجانب الآخر أدانت الصحيفة قمع الجيش لأنصار مرسي والمعارضين وفض اعتصام رابعة ففي مقال افتتاحي بعنوان الجميع يتعرض للقمع في مصر تذهب الصحيفة إلى " أن قادة الجيش والمسئولين المدنيين المعينين استغلوا انشغال العالم بتصاعد الأحداث في سوريا، ليقرروا تمديد حالة الطوارئ في البلاد لشهرين، كما نفذت القوات الأمنية حملة لسحق أنصار مرسي من الإخوان المسلمين، لكنها لم تكتف بهذا بل بدأت كذلك في قمع المعارضين الآخرين ".
" والمثير للاستغراب هو انتقال الهجمة الحكومية من الإخوان وغيرهم من الإسلاميين إلى النشطاء الليبراليين واليساريين، وقالت حركة 6 ابريل إن الشرطة يوم الأربعاء الماضي قد هاجمت أحد مكاتبها الداخلية دون إذن من النيابة واحتجزت العديد من النشطاء لساعات ".
وتعليقا على أحداث فض اعتصام رابعة تؤكد صحيفة النيويورك تايمز في افتتاحية لها بعنوان جنون الجيش " أن مئات المتظاهرين السلميين لقوا مصرعهم عندما استخدم الجيش ووحدات الشرطة طائرات الهليكوبتر والقناصة والبولدوزر والغاز المسيل للدموع لطرد المعتصمين في تجمعين لهم داخل القاهرة، وأعلن الجيش حالة الطوارئ لمدة شهر في جميع أنحاء البلاد ".
" وقد كان بوسع الجيش المصري التحول ليصبح قوة إيجابية بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي إذا تقدم بخطة للتحول الديمقراطي، ولكن بدلا من هذا اتخذ قرارا قاسيا بل مصيريا بقمع المتظاهرين السلميين بدعوى تبنيهم للإرهاب "، " فالمظاهرات التي يريد السيسي حظرها الآن هي السبب في صعوده للسلطة، وعلى ما يبدو أنه لن يتم التسامح إلا مع المظاهرات التي تخرج لدعمه وتأييده ".
وبعد فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية في عام 2014، علقت الصحيفة في مقال افتتاحي لها بعنوان النسخة الأحدث من الرجال الأقوياء تظهر في مصر قائلة " لم يكن الفوز في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت الأسبوع الماضي محل ترقب وانتظار الكثيرين على الإطلاق، فقد أحكم عبد الفتاح السيسي سيطرته على الأوضاع، وضمن ولاء الجيش وخضوع وسائل الإعلام وانعدام المنافسة الحقيقية، بعد نجاحه في حبس أو تهديد المقاومة الجادة ".
ركزت صحيفة النيويورك تايمز في معالجتها لقضية حقوق الإنسان في مصر على الدفاع عن النساء المصريات ضد تعرضهن للاغتصاب في ميدان التحرير
• قضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر
اهتمت صحيفة النيويورك تايمز في افتتاحياتها بالعلاقات المصرية الأمريكية، وركزت الصحيفة على المصالح المتبادلة بين الدولتين، والتي تمثلت لمصر في المعونة التي تتلقاها من أمريكا، أما بالنسبة لأمريكا فكانت مصالحها تتمثل في الحفاظ على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التي تمثل حليفا إستراتيجيا لها، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، والمرور من قناة السويس، ففي مقالة بعنوان كيري يتخبط في مصر تذهب الصحيفة إلى أن " لأمريكا مصالح تدفعها للمحافظة على علاقتها بمصر، منها اتفاقية السلام مع إسرائيل والأمن في سيناء وتدفق حركة السفن في قناة السويس والتعاون ضد الإرهاب، ومن المهم أن تواصل الدولتان العمل معا، لكنهما لابد أن تتحدثا بوضوح عن خلافاتهما، خصوصا بشأن ما تعنيه كلمة الديمقراطية ".
" كما أن الولايات المتحدة تحتاج للعمل مع مصر لإقامة حدود مستقرة مع إسرائيل، لكن الانهيار الدائم للاستقرار في مصر جراء خروج الديمقراطية عن مسارها الصحيح لن يكون مفيدا للمصريين ولا لإسرائيل ولا لبقية دول المنطقة ".
وفي موضع آخر في افتتاحيات الصحيفة تظهر فيه محافظة أمريكا على هذه المصالح مع مصر " فالولايات المتحدة رغبت في عدم المخاطرة بعلاقة أمنية عالية المستوى تحفظ السلام مع إسرائيل وتمنح المرور التفضيلي لقناة السويس، وتضمن التعاون في مكافحة الإرهاب".
أما بالنسبة للمعونة التي تتلقاها مصر من أمريكا، فقد هددت النيويورك تايمز بتعليقها بعد أحداث 30 يونيو، وفي هذا الصدد تشير الصحيفة إلى أن " طريقة تعامل الرئيس أوباما مع قادة الجيش لا تبعث على الثقة، فقد وجه إليهم انتقادات غير قوية، كما اتسمت ردود أفعاله على المذبحة بعدم الحسم، وعلى مسئولي الإدارة الأمريكية التوقف عن الكلام الكثير والبدء فورا في تعليق المعونة السنوية لمصر التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار ".
" ويقول البعض إن المعونة سيسهل تعويضها بالمساعدات السخية القادمة من دول الخليج، لكن هذه الدول وعدت بتقديم مساعدات للفلسطينيين على سبيل المثال وعجزت عن الوفاء بوعدها، بينما ألتزمت الولايات المتحدة بوعدها خلال العقود الثلاث الماضية ليصل إجمالي ما قدمته من المساعدات إلى نحو 60 مليار دولار ".
وفي موضع آخر في الصحيفة تذهب إلى أن " الدرس الذي يجب تعلمه من ثورات الربيع العربي هو أن الاستثمار في الحكام السلطويين لا يؤدي إلى تحقيق استقرار طويل الأجل، لا تستطيع واشنطن التحكم في مستقبل مصر لكنه يتعين عليها بذل جهد أكبر في استخدام نفوذها لتشجيع الجيش على كتابة دستور يعكس التقاليد الديمقراطية، ولا يجب أن يقتصر استخدام النفوذ على التهديد بقطع المساعدات فقط بل الوعد ببذل جهد دولي لإنقاذ الاقتصاد المصري المنهار ".
" فلا ينبغي قطع المعونة الأمريكية المقدمة لمصر، لكنه يتعين ربطها بشكل واضح بسلوك الجيش ومدى التقدم الذي يحققه في استعادة الحكم الديمقراطي، ويجدر بالرئيس أوباما القيام قبل كل شيء بتوضيح المبادئ السامية التي تحرك الموقف الأمريكي أثناء خوض مصر معركة بناء مستقبلها ".
ولم يتوقف الأمر على المعونة الاقتصادية بل وصل التهديد بتعليق وتخفيض المساعدات العسكرية الأمريكية عن الجيش المصري، ففي مقال افتتاحي بعنوان تحذير إلى قادة الجيش، تشير النيويورك تايمز إلى أن " القرار الذي اتخذه الرئيس أوباما بعدم إلغاء الدعم العسكري والاكتفاء بتخفيضه هو إجراء مدروس، يهدف إلى حماية المصالح الأمريكية في منطقة مضطربة دون الإخلال بالتزام الرئيس بدعم الديمقراطية، يبعث الإجراء رسالة مفادها أن العلاقة بين البلدين تلعب دورا أساسيا في المحافظة على استقرار المنطقة، الرسالة الأخرى هي أن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى الجيش المصري يفتك بالمعارضة السياسية ".
" فقد استفاد قادة الجيش كثيرا من المعونة التي تدفقت إلى مصر منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، لكنه سيتم الآن على أقل تقدير حرمانهم من المعدات العسكرية التي أصبحت مفضلة لديهم، سيتم تأجيل تسليم أسلحة عالية الثمن مثل طائرات الأباتشي القتالية وصواريخ هاربون وقطع غيار الدبابات من طراز (M1-A1) ومقاتلات أف 16 ".
وعندما قامت إدارة أوباما بعد ذلك باستئناف تقديم المعونات العسكرية لمصر بشكل كامل، عارضت جريدة النيويورك تايمز هذا القرار في مقال لها بعنوان الإدارة الأمريكية تتخذ قرارا خاطئا في الشأن المصري، حيث ذهبت الجريدة إلى أنه " قد استمر النهج المعوج المرتبك للسياسة الأمريكية تجاه مصر الأسبوع الماضي، عندما قررت إدارة أوباما استئناف تقديم بعض المساعدات لدولة تتصاعد ممارساتها القمعية يوما بعد يوم، القرار الذي تم اتخاذه يوم الثلاثاء يتيح تسليم 10 طائرات أباتشي، وقال متحدث باسم البنتاجون إن طائرات الهليكوبتر ستساعد مصر في حربها ضد المسلحين الإسلاميين في سيناء وهي المنطقة المتاخمة لإسرائيل، وهذا المنطق محير؛ لأن مسئولا في البنتاجون قد أخبر الكونجرس في أكتوبر الماضي بأن تعليق الأباتشي لا يؤثر على العمليات المصرية في سيناء، وقال الجيش المصري نفسه يوم الخميس إنه قد سيطر بشكل تام على الموقف من دون الأباتشي ".
• قضية إصلاح الاقتصاد المصري
دأبت صحيفة النيويورك تايمز على وصف الاقتصاد المصري بأوصاف سلبية تعبر عن أزماته وضعفه : فالاقتصاد المصري يقترب من السقوط في الهاوية، ويندفع نحو الهاوية، ولابد من بذل جهد دولي لإنقاذ الاقتصاد المصري المنهار، كما أن الفساد منتشر في مفاصل الدولة، والبطالة مرتفعة وعجز الميزانية يتزايد، وظهرت تحت قضية الإصلاح الاقتصادي في مصر ثلاثة موضوعات.
أولها كان سعي مصر للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، ففي إحدى الافتتاحيات تذهب الصحيفة إلى أن " مصر تحتاج لقرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكنها تعجز عن استكمال الصفقة لحين إصدار إصلاحات مالية سيسهل تطبيقها كثيرا إذا وثق المصريون في الحكومة، وشعروا أنهم جزء من خطة ستصب في الصالح العام، على المصريين أن يختاروا بين مواصلة الحرب الأهلية التي ستدفع باقتصادهم إلى الهاوية،
أو العودة للتوحد وبناء مستقبل أكثر أملا في الإصلاح، الخيار يرجع لهم وحدهم ".
وفي مقال آخر بعنوان الرئيس مرسي ومنتقدوه، تشير الصحيفة إلى أن " مرسي بدأ لتوه التعامل مع التحديات الصعبة لمصر، حيث سعى للحصول على قرض صندوق النقد الدولي للمساهمة في إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، يتطلع معظمنا لرئيس برجماتي يقود مصر نحو النمو الاقتصادي والاستقرار مع احترام آراء جميع مواطنيه " (71) " وإذا كان مرسي وحزبه التابع للإخوان المسلمين اتخذا في البداية موقف رفض المعونة الخارجية، وهو ما كان سيلحق أضرارا بالاقتصاد، فقد أصبح مرسي الآن أكثر برجماتية منذ توليه السلطة في يونيو الماضي تحت ضغط من التحديات الصعبة التي تهدد الحكم، مشاكل مصر كبيرة جدا لدرجة استحالة حلها دون الحصول على دعم دولي ".
" وعلى الرئيس مرسي حث المعارضة السياسية على تأييد حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل زيادة الضرائب وتخفيض دعم الطاقة، وإفساح المجال للحصول على قروض أكبر من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار، فالحصول على قرض صندوق النقد سيفتح الطريق لتلقي مساعدات واستثمارات أكبر من المؤسسات المالية ومن دول أخرى ".
أما الموضوع الثاني الذي ركزت عليه صحيفة النيويورك في معالجتها لقضية الإصلاح الاقتصادي فكان الأزمات الاقتصادية الشديدة التي تواجهها مصر، ففي مقال بعنوان صعوبات جمة تواجه الاقتصاد المصري رأت الصحيفة " أن مصر لديها مشاكل كبيرة، حيث تعاني البلاد من فجوة هائلة في الميزانية، وتراجع خطير في احتياطيات العملة، والحاجة لتوفير آلاف الوظائف الجديدة وتحسين أحوال المدارس، اعترف مرسي الشهر الماضي بسوء الأوضاع عندما طلب الحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ".
وعندما تولى الرئيس السيسي منصب رئيس الجمهورية أشارت الصحيفة إلى " أنه يتوجب على السيسي بعد أن حصل الآن على لقب الرئيس اتخاذ إجراءات شجاعة لإنقاذ اقتصاد يعاني من أزمة اقتصادية حادة، كما أن الفساد منتشر في مفاصل الدولة والبطالة مرتفعة وعجز الميزانية متزايد، والمستشارون يحثونه على تخفيض دعم الوقود الذي ترجح التقديرات بلوغه مستوى 19 مليار دولار في العام المقبل، وعلى فرض خطة لتحصيل المزيد من الضرائب "، " كما يستحيل تعافي السياحة والاستثمارات الأجنبية حال استمرار العنف والاضطراب ".
" ولن يكتب لمصر التقدم بدون تحقيق إصلاحات اقتصادية تفتح الأسواق بجانب إنجاز إصلاحات سياسية تسمح بمشاركة الجماعات المختلفة دون استثناء الإسلاميين، لكنه لا تتوفر مؤشرات على أن السيسي يمتلك رؤية لتحقيق إصلاحات اقتصادية، فالعلاج الوحيد الذي يمتلكه لتلافي نقص الوقود هو مطالبة الناس باستعمال مصابيح موفرة للطاقة في كل منزل ".
أما الموضوع الثالث الذي ركزت عليه صحيفة النيويورك تايمز فكان المساعدات التي تلقتها مصر من دول الخليج " فقد حصلت مصر على مساعدات بمليارات الدولار لدعم اقتصادها المنهار من السعودية ودول الخليج الأخرى التي تعارض الإخوان المسلمين وتفضل تنصيب حاكم سلطوي في البلاد، اختفت بشكل مريب مشاكل نقص الوقود وغيرها من الأزمات التي عصفت بمصر أثناء حكم مرسي، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ظهورها ثم اختفائها "، " فمصر تعتمد بشكل كامل على التبرعات التي تحصل عليها من دول الخليج المتحالفة معها، في حين يبدو البلد في أمس الحاجة لإعادة بناء الاقتصاد ليصبح قويا قادرا على توفير الوظائف وبناء المنازل وتعليم الشعب ".
وتنتقد الصحيفة اعتماد مصر على هذه المساعدات حيث لا تعتبرها حلا ناجزا لمشاكل الاقتصاد المصري، " فمصر لا تستطيع الاعتماد على المعونات الخليجية على الأجل الطويل، فلابد من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي يسهم في توفير الوظائف وإتاحة فرص التعليم وغيرها من الخدمات للشعب، هذا هو الطريق الصحيح نحو الاستقرار الحقيقي وهو ما سيتطلب تحسين أوضاع السياحة وزيادة الاستثمار الأجنبي، لكن حدوث هذا غير ممكن حال استمرار الاضطرابات واندفاع الجيش للقضاء على خصومه، لا ينبغي أن تشارك الولايات المتحدة في هذه الكارثة ".
• قضية الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر
ركزت صحيفة النيويورك تايمز في معالجتها لقضية حقوق الإنسان في مصر على الدفاع عن النساء المصريات ضد تعرضهن للاغتصاب في ميدان التحرير، والدفاع عن جمعيات حقوق الإنسان التي تعرضت للمهاجمة من قبل قوات الأمن والدفاع عن الحريات الدينية، خاصة بعد تعرض الشيعة للهجوم من جانب السنة وبعض الشيوخ المتشددين.
ففي مقال افتتاحي بعنوان إرهاب في ميدان التحرير تشير الصحيفة إلى أن " الاعتداء على النساء واغتصابهن في ميدان التحرير أصبح نهجا شائعا خلال العامين الماضيين لدرجة أن الميدان أصبح محرما على النساء خصوصا أثناء الليل، لكن تقرير نشرته صحيفة التايمز يوم الثلاثاء أكد وقوع ما لا يقل عن 18 حادثة اغتصاب يوم 25 يناير، كما تم في هذا اليوم احتجاز عدد من النساء، وكانت إحداهما مصابة بطعنات في أعضائها التناسلية وتطلب الأمر استئصال رحم سيدة أخرى ".
" الفضيحة لا تقتصر على كم العنف الذي حدث، بل تمتد إلى توجيه اللوم للنساء من قبل الإسلاميين المحافظين بدعوى تحملهن مسئولية الاعتداء عليهن، حيث تسهم الفتاة أحيانا في اغتصابها عندما تعرض نفسها لمثل هذه المواقف، وهذا النوع من التفكير التبريري ليس كريها فقط في ذاته، بل لأنه يحرم النساء كذلك من ممارسة السياسة والسلطة ".
وفي مقال آخر بعنوان حمى العنف الجسدي تجتاح مصر وامتهان النساء يتصاعد تقول الصحيفة " يحق لضحايا الاغتصاب والمدافعين عن حقوق النساء الشعور بالغضب الجارف، جراء إخفاق الحكومة المصرية التي تخضع حاليا لقيادة عبد الفتاح السيسي في الرد بالقوة اللازمة على الهجمات الجنسية، حيث تم نشر فيديو على الإنترنت لعملية اغتصاب جماعي لامرأة يوم الأحد في ميدان التحرير، أدان السيسي حادثة الاعتداء الجنسي وأمر وزارة الداخلية باتخاذ كل الإجراءات الضرورية ".
وفيما يتعلق بالدفاع عن جمعيات حقوق الإنسان العاملة في مصر والتابعة لأمريكا أشارت صحيفة النيويورك تايمز إلى أن " حقوق الإنسان في مصر تعرضت للتضييق حتى بعد نجاح ثورة 25 يناير والإطاحة بالرئيس مبارك، وساد شعور بالصدمة عندما تمت إدانة 43 موظفا يعملون لدى جماعات غير هادفة للربح منهم 16 أمريكيا بتهم جنائية، وحصلوا على أحكام بالسجن تتراوح بين عام و خمسة أعوام، وبدأت وقائع القضية عندما فرضت الحكومة التي يقودها عسكريون حملة ضد حقوق الإنسان والجماعات المدافعة عن الحريات المدنية، واقتحمت قوات الأمن في 20 ديسمبر مقار العديد من الجمعيات، منها ثلاث جمعيات ممولة أمريكيا لبناء الديمقراطية، وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي القومي، وفريدم هاوس، وصادرت القوات الملفات وأجهزة الكمبيوتر، وخضع نحو 43 ناشطا أجنبيا ومحلي لتحقيقات جنائية ملفقة ".
" كما اقتحم الجيش المصري بأمر من الحكام المستبدين مكاتب منظمة مرموقة لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي، تحمل اسم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو علامة أخرى على رغبة اللواءات في توسيع نطاق حملة القمع لتشمل أي شخص آخر في المجتمع يعلن تحديه ممارساتهم السلطوية، وقد قامت قوات الأمن عالية التسليح باحتجاز وضرب أعضاء المنظمة لمدة 9 ساعات كاملة ثم أطلقت سراحهم ".
أما بالنسبة لدفاع صحيفة النيويورك تايمز عن الشيعة المصريين، ففي مقال افتتاحي بعنوان انقسامات خطيرة في العالم، تدين الصحيفة الهجوم على الشيعة في مصر " حيث إن مقتل أربعة من الشيعة في مصر نهاية الأسبوع الماضي يندرج ضمن الأعمال الوحشية، وذكرت تقارير إخبارية أن حشودا من المسلمين السُنة المسلحين بالهراوات والسيوف قد اقتحموا أحد المنازل عندما كان نحو 30 شخصا موجودين للاحتفال بمناسبة دينية فضربوا وطعنوا وشنقوا أربعة أشخاص منهم، وظهر في فيديو أجساد الضحايا المضرجة في الدماء أثناء جرها في الشوارع بعد أن أصبحت جثثا هامدة، وكان من بين القتلى حسن شحاتة الإمام الشيعي البارز ".
وتحمل الصحيفة مسئولية ما حدث للشيعة للرئيس مرسي الذي فشل في توحيد المصريين " فقد أخفق الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس في توحيد هذا البلد ذي الأغلبية السُنية وأقلياته المسيحية والشيعية، وفي دفع طوائفه المختلفة للاحتشاد حول أجندة مركزية، الهجوم على الشيعة وقع بعد مرور أشهر على إطلاق خطب كراهية معادية للشيعة، فقبل أسبوع من الحادث ظهر مرسي لحضور أحد المناسبات بصحبة شيوخ متشددين من السنة قللوا من شأن الشيعة معتبرين إياهم من الأنجاس ".
• قضية حرية الصحافة والإعلام في مصر
اهتمت صحيفة النيويورك تايمز بحرية الصحافة والإعلام في مصر، حيث ذهبت الصحيفة إلى أن مرسي قد تعرضت الصحافة في عهده للتضييق، ولم يتحمل معارضيه من الصحفيين، ففي مقال بعنوان الرئيس مرسي ومنتقدوه تشير الصحيفة إلى أنه " يتخوف منتقدو مرسي من أن تكون حملة قمع الصحفيين مؤشرا على رغبة الإسلاميين في الهيمنة على جميع جوانب الحياة، وربما يكون مرسي قد أدرك في حالة عفيفي أنه قد تصرف متجاوزا الحدود، فقرر يوم الخميس استخدام سلطاته التشريعية الواسعة للمرة الأولى ليحظر الحبس الاحتياطي للأشخاص المتهمين بجرائم متصلة بالإعلام، أدى هذا الحظر إلى إطلاق سراح عفيفي، لكن الاتهامات ما زالت موجودة ".
" ربما يكون مرسي مثله مثل أي قائد سياسي آخر يكره الانتقادات التي يتعرض لها من وسائل الإعلام، لكن قمع التمرد لا يؤدي إلا إلى تأجيج المشاعر وانعدام الاستقرار، الطريقة الأكثر ذكاء للتعامل مع هذا الأمر هي الاجتماع بشكل منتظم مع الصحفيين خصوصا مع منتقديه الأكثر حدة لتوضيح حقيقة ما يفعله والإجابة عن أسئلتهم ".
كما انتقدت النيويورك تايمز أوضاع الصحافة ووسائل الإعلام بعد 30 يونيو2013، حيث أشارت الصحيفة إلى إغلاق بعض وسائل الإعلام المتعاطفة مع الإخوان، كما أدانت الصحيفة بشدة محاكمة صحفي الجزيرة ورأت أن التهم الموجه إليه هي تهم مضللة، ففي مقال بعنوان الجميع يتعرض للقمع في مصر تذهب الصحيفة إلى أن " الحكومة قد وجهت اتهامات أمام محكمة عسكرية ضد الناشط أحمد أبو دراع الصحفي المختص بتغطية منطقة شمال سيناء التي يتعرض الجيش فيها لأعمال عنف يشنها مسلحون إسلاميون، وذلك بهدف ترويع الصحفيين ومنعهم من التغطية الصحفية، وقد فرض الجيش قيودا لا نهاية لها على الإعلام لمنع تداول الأخبار ".
" يجيء هذا بينما حصلت مصر وفقا لتصنيف لجنة حماية الصحفيين على المركز التاسع في قائمة الدول الأكثر إساءة للصحفيين في عام 2013 "، " كما أغلقت الحكومة وسائل الإعلام المصرية المتعاطفة مع الإخوان، وقبضت على النشطاء العلمانيين لمجرد محاولتهم رفع علامات أو ملصقات تعارض الدستور الجديد ".
وفيما يتعلق بقضية صحفيي الجزيرة فقد علقت الصحيفة بأنه " أدانت محكمة مصرية ثلاثة من الصحفيين يوم الإثنين بتهمة تأدية أعمالهم، ليطبق القادة المدعومون من الجيش أحدث محاولات سحق كل أشكال المعارضة، يبعث الحكم المزعج برسالة تهديد ووعيد إلى المواطنين المصريين العاديين فضلا عن الصحفيين الآخرين الذين يعملون في البلاد، وتم توجيه اتهامات مضللة لهم بالتواطؤ مع جماعة الإخوان المسلمين ونشر تقارير مزيفة حول اضطرابات أهلية، ولم تقدم النيابة أية أدلة علنية على أن الصحفيين قد دعموا جماعة الإخوان أو نشروا بيانات غير دقيقة".
• قضية مكافحة الإرهاب في سيناء
استحوذ الهجوم المسلح على الجنود المصريين في سيناء ومقتل 16 جنديا منهم في شهر أغسطس 2012 على اهتمام صحيفة النيويورك تايمز، حيث اعتبرت الصحيفة أن هذا الحادث استدعى مكافحة الإرهاب في سيناء ومطاردة العناصر المسلحة التي استهدفت الجيش المصري هناك .
وتحت هذه القضية أظهرت الصحيفة هجوم الجيش على العناصر الإرهابية في سيناء " فقد شنت طائرات الهليوكبتر أول هجوم لها خلال عقود في شبه جزيرة سيناء لضرب مسلحين، بعد مقتل 16 جنديا مصريا يوم الأحد، تم الكشف عن تفاصيل قليلة حول هجوم الجيش المصري، لكن المرجح هو أن يكون بدافع انتقامي للدفاع عن مصر ضد تصاعد هجمات المسلحين ".
" يختبر الهجوم قدرة مرسي على فرض سيطرته على سيناء التي وصفت دائما بأنها خارج القانون، كما إنه يختبر طريقة تعامله مع إسرائيل، فمهما كان حجم التناقض بين الدولتين، فهما مجبرتان على التعاون لضبط الحدود المشتركة بينهما ".
" ولم تتحدد هوية المهاجمين الذين قتلوا الجنود أثناء تناولهم الإفطار في رمضان، ووجهت إسرائيل اتهامات بالتورط في الحادث إلى مسلحين منتمين فكريا إلى القاعدة ومرتبطين بالفلسطينيين في غزة "،" في حين أن الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين والذي جاهر كثيرا بمعاداة إسرائيل قد استخدم موقعه على شبكة الإنترنت لاتهام المخابرات الإسرائيلية بارتكاب الحادث ".
" أما مرسي فأصدر قرارا يوم الأربعاء الماضي بعزل رئيس المخابرات الحربية ووزير الدفاع ومحافظ شمال سيناء؛ حيث توصف هذه القرارات بأنها عملية تطهير لافتة للمسئولين الذين كان ينظر إليهم بأنهم مرتبطون بالنظام القديم "، " ويبدو أن الرئيس مرسي استغل الهجوم المسلح على شبه جزيرة سيناء منذ أسبوعين لتعزيز هيمنة الحكم المدني للبلاد ".
2 - الأطر الإعلامية الخاصة بصورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز
تصدر إطار إدانة العنف السياسي (46.1%)، وإطار التحريض (33.8%)، وإطار تقديم المساعدات (30.7%) قد احتلوا المراتب الثلاث الأولى على التوالي من جملة الأطر التي ظهرت بها صورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز، في حين جاء إطار التحذير أو الخسائر المتوقعة (20%) في المرتبة الرابعة، واحتل المرتبة الخامسة إطار الاحتكار والهيمنة (15.3%)، وفي المرتبة السادسة جاء كل من إطار التشكيك وإطار النقد بنسبة (12.3%) لكل واحد منهما، ثم جاءت مجموعة من الأطر الأخرى التي كان تكرارها قليلا في افتتاحيات الصحيفة مثل إطار الفشل، والصراع، واللوم، والشفقة والتعاطف، والمصلحة، ويمكن الكشف عن طرق توظيف الصحيفة لهذه الأطر في تشكيل صورة مصر على النحو التالي :
• إطار إدانة القمع والعنف
يعد هذا الإطار من أكثر الأطر بروزا في افتتاحيات صحيفة النيويورك تايمز، وقد كانت قضية الانتقال الديمقراطي أكثر القضايا توظيفا لهذا الإطار، حيث ظهر هذا الإطار بشكل متكرر بعد تصدي الجيش والشرطة لأنصار مرسي والمعارضين حيث " لقى مئات المتظاهرين السلميين مصرعهم يوم الأربعاء عندما استخدم الجيش ووحدات الشرطة طائرات الهليكوبتر والقناصة والبولدوزر والغاز المسيل للدموع لطرد المعتصمين في تجمعين لهم بالقاهرة ".
" كما شنت أجهزة الأمن خلال الأيام القليلة الماضية حملة لقمع آلاف النشطاء الليبراليين واليساريين الذين احتجوا على قانون جديد يحظر فعليا التظاهرات في أحدث محاولة حكومية للقضاء على جميع أشكال المعارضة ".
وظهر هذا الإطار أيضا أثناء الصراع على السلطة بين القوى السياسية في مصر " حيث اندلعت حرب شوارع بين المؤيدين الإسلاميين لمرسي وخصومهم العلمانيين أدت لمقتل ما لا يقل عن 6 أشخاص وإصابة 450 آخرين، أغلقت الدبابات شوارع القاهرة وتم نشر القوات الخاصة التابعة للحرس الجمهوري فتحصن المتظاهرون خلف المتاريس حول القصر الجمهوري، وتقدم تسعة مسئولين باستقالتهم من إدارة مرسي احتجاجا على سفك الدماء وطريقة تعامله مع الأحداث ".
كما ظهر إطار إدانة القمع والعنف السياسي أيضا عند الدفاع عن النساء المصريات ضد تعرضهن للعنف الجنسي " فالاعتداء على النساء واغتصابهن جماعيا في ميدان التحرير أصبح نهجا شائعا خلال العامين الماضيين، لدرجة أن الميدان أصبح محرما على النساء خصوصا أثناء الليل، والفضيحة لا تقتصر على كم العنف الذي حدث، بل تمتد إلى توجيه اللوم للنساء من قبل الإسلاميين بدعوى تحملهن مسئولية الاعتداء عليهن ".
وبعد انتخاب السيسي رأت الصحيفة أنه " قد وقعت الكثير من الهجمات الجنسية ضد النساء في ميدان التحرير في احتفالات جرت الأسبوع الماضي بمناسبة انتخاب السيسي وتنصيبه، ولهذا يحق لضحايا الاغتصاب والمدافعين عن حقوق النساء الشعور بالغضب الجارف".
كما وظفت قضية الدفاع عن جمعيات حقوق الإنسان العاملة في مصر إطار إدانة القمع " إذ يسعى اللواءات لتوسيع نطاق حملة القمع لتتجاوز الداعمين الإسلاميين لمرسي وتشمل أي شخص آخر في المجتمع يعلن تحديه ممارساتهم السلطوية، فقد قامت قوات الأمن عالية التسليح باحتجاز وضرب أعضاء منظمة حقوقية لمدة 9 ساعات كاملة، ثم أطلقت سراحهم جميعا باستثناء محمد عادل".
كما ظهر إطار إدانة العنف السياسي أثناء مكافحة الإرهاب في سيناء، حيث أدانت الصحيفة مقتل الجنود المصريين في رفح ورأت أن " الهجوم المسلح الذي أودى بحياة 16 جنديا مصريا في منطقة حدودية من شبه جزيرة سيناء أصبح يفرض على الرئيس المنتمي للتيار الإسلامي إدراج تحدٍّ آخر جديد وخطير ضمن أولوياته، كما أنه يحول المخاوف الأمنية المتواصلة بشأن سيناء إلى أزمة كاملة الأركان ".
• إطار المساعدة والتعاون
وقد كان هذا الإطار دائم الظهور مع قضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، حيث كانت الصحيفة توظفه عند الحديث عن المعونة الأمريكية، باعتبارها مساعدة جادة من الولايات المتحدة الأمريكية لمصر لكي تخرجها من أزمتها الاقتصادية " فقد قدمت الولايات المتحدة لمصر نحو 2 مليار دولار سنويا على الرغم من أن بعض أعضاء الكونجرس يطالبون بوقف هذا الدعم، ولو فقد الأمريكيون والغرب عموما الثقة في بلوغ مصر مرحلة الأمن، فلن يكون هناك سبب يبرر دعم قرض يقدمه صندوق النقد الدولي لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار أو تنفيذ تعهدات بضخ الاستثمارات أو الإعفاء من الديون ".
غير أنه بعد 30 يونيو حدث تغير عكسي في إطار المساعدة والتعاون، حيث ربطت الصحيفة بين تعليق المساعدات الأمريكية لمصر والسير في طريق التحول الديمقراطي " فينبغي على الرئيس أوباما الإعلان بجلاء لا لبس فيه عن معارضته لسلوك الجيش المصري، يستطيع أن يفعل هذا عن طريق التعليق الفوري للمساعدات العسكرية وإلغاء التدريبات العسكرية المشتركة المقررة في سبتمبر، ويمكن التراجع عن هذه الإجراءات حال تغيير القادة العسكريين نهجهم الحالي ".
كما رأت الصحيفة أن " قادة الجيش قد استفادوا كثيرا من المعونة التي تدفقت إلى مصر منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، لكنه سيتم الآن على أقل تقدير حرمانهم من المعدات العسكرية التي أصبحت مفضلة لديهم ".
كما ظهر إطار التعاون عند تناول الصحيفة لدعم دول الخليج لمصر " فقد حصلت مصر على مساعدات بمليارات الدولار لدعم اقتصادها المنهار من السعودية ودول الخليج الأخرى التي تعارض الإخوان المسلمين، وتفضل تنصيب حاكم سلطوي في البلاد، فقد اختفت بشكل مريب مشاكل نقص الوقود وغيرها من الأزمات التي عصفت بمصر أثناء حكم مرسي دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ظهورها ثم اختفائها ".
كما وظفت الصحيفة هذا الإطار عندما دعت مصر إلى ضرورة التعاون مع إسرائيل من أجل التحكم في الحدود المشتركة بينهما " فمهما كان حجم التناقض بين الدولتين - وهو كبير بالفعل - فهما مجبرتان على التعاون لضبط الحدود المشتركة، لن تتمكن مصر أبدا من تحقيق الاستقرار الحقيقي إذا عجزت عن إيجاد وسائل التعاون مع إسرائيل بشأن المسائل الأمنية واحترام اتفاقية السلام بينهما "، " وقد تضطر مصر وإسرائيل لوضع تصور مشترك يساعدهما على العمل معا لمواجهة التطرف وتحسين الحالة الأمنية عند الحدود ".
اهتمت صحيفة النيويورك تايمز في افتتاحياتها بالعلاقات المصرية الأمريكية، وركزت الصحيفة على المصالح المتبادلة بين الدولتين، والتي تمثلت لمصر في المعونة التي تتلقاها من أمريكا، أما بالنسبة لأمريكا فكانت مصالحها تتمثل في الحفاظ على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التي تمثل حليفا إستراتيجيا لها، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، والمرور من قناة السويس، ففي مقالة بعنوان كيري يتخبط في مصر تذهب الصحيفة إلى أن " لأمريكا مصالح تدفعها للمحافظة على علاقتها بمصر، منها اتفاقية السلام مع إسرائيل والأمن في سيناء وتدفق حركة السفن في قناة السويس والتعاون ضد الإرهاب، ومن المهم أن تواصل الدولتان العمل معا، لكنهما لابد أن تتحدثا بوضوح عن خلافاتهما، خصوصا بشأن ما تعنيه كلمة الديمقراطية ".
" كما أن الولايات المتحدة تحتاج للعمل مع مصر لإقامة حدود مستقرة مع إسرائيل، لكن الانهيار الدائم للاستقرار في مصر جراء خروج الديمقراطية عن مسارها الصحيح لن يكون مفيدا للمصريين ولا لإسرائيل ولا لبقية دول المنطقة ".
وفي موضع آخر في افتتاحيات الصحيفة تظهر فيه محافظة أمريكا على هذه المصالح مع مصر " فالولايات المتحدة رغبت في عدم المخاطرة بعلاقة أمنية عالية المستوى تحفظ السلام مع إسرائيل وتمنح المرور التفضيلي لقناة السويس، وتضمن التعاون في مكافحة الإرهاب".
أما بالنسبة للمعونة التي تتلقاها مصر من أمريكا، فقد هددت النيويورك تايمز بتعليقها بعد أحداث 30 يونيو، وفي هذا الصدد تشير الصحيفة إلى أن " طريقة تعامل الرئيس أوباما مع قادة الجيش لا تبعث على الثقة، فقد وجه إليهم انتقادات غير قوية، كما اتسمت ردود أفعاله على المذبحة بعدم الحسم، وعلى مسئولي الإدارة الأمريكية التوقف عن الكلام الكثير والبدء فورا في تعليق المعونة السنوية لمصر التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار ".
" ويقول البعض إن المعونة سيسهل تعويضها بالمساعدات السخية القادمة من دول الخليج، لكن هذه الدول وعدت بتقديم مساعدات للفلسطينيين على سبيل المثال وعجزت عن الوفاء بوعدها، بينما ألتزمت الولايات المتحدة بوعدها خلال العقود الثلاث الماضية ليصل إجمالي ما قدمته من المساعدات إلى نحو 60 مليار دولار ".
وفي موضع آخر في الصحيفة تذهب إلى أن " الدرس الذي يجب تعلمه من ثورات الربيع العربي هو أن الاستثمار في الحكام السلطويين لا يؤدي إلى تحقيق استقرار طويل الأجل، لا تستطيع واشنطن التحكم في مستقبل مصر لكنه يتعين عليها بذل جهد أكبر في استخدام نفوذها لتشجيع الجيش على كتابة دستور يعكس التقاليد الديمقراطية، ولا يجب أن يقتصر استخدام النفوذ على التهديد بقطع المساعدات فقط بل الوعد ببذل جهد دولي لإنقاذ الاقتصاد المصري المنهار ".
" فلا ينبغي قطع المعونة الأمريكية المقدمة لمصر، لكنه يتعين ربطها بشكل واضح بسلوك الجيش ومدى التقدم الذي يحققه في استعادة الحكم الديمقراطي، ويجدر بالرئيس أوباما القيام قبل كل شيء بتوضيح المبادئ السامية التي تحرك الموقف الأمريكي أثناء خوض مصر معركة بناء مستقبلها ".
ولم يتوقف الأمر على المعونة الاقتصادية بل وصل التهديد بتعليق وتخفيض المساعدات العسكرية الأمريكية عن الجيش المصري، ففي مقال افتتاحي بعنوان تحذير إلى قادة الجيش، تشير النيويورك تايمز إلى أن " القرار الذي اتخذه الرئيس أوباما بعدم إلغاء الدعم العسكري والاكتفاء بتخفيضه هو إجراء مدروس، يهدف إلى حماية المصالح الأمريكية في منطقة مضطربة دون الإخلال بالتزام الرئيس بدعم الديمقراطية، يبعث الإجراء رسالة مفادها أن العلاقة بين البلدين تلعب دورا أساسيا في المحافظة على استقرار المنطقة، الرسالة الأخرى هي أن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى الجيش المصري يفتك بالمعارضة السياسية ".
" فقد استفاد قادة الجيش كثيرا من المعونة التي تدفقت إلى مصر منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، لكنه سيتم الآن على أقل تقدير حرمانهم من المعدات العسكرية التي أصبحت مفضلة لديهم، سيتم تأجيل تسليم أسلحة عالية الثمن مثل طائرات الأباتشي القتالية وصواريخ هاربون وقطع غيار الدبابات من طراز (M1-A1) ومقاتلات أف 16 ".
وعندما قامت إدارة أوباما بعد ذلك باستئناف تقديم المعونات العسكرية لمصر بشكل كامل، عارضت جريدة النيويورك تايمز هذا القرار في مقال لها بعنوان الإدارة الأمريكية تتخذ قرارا خاطئا في الشأن المصري، حيث ذهبت الجريدة إلى أنه " قد استمر النهج المعوج المرتبك للسياسة الأمريكية تجاه مصر الأسبوع الماضي، عندما قررت إدارة أوباما استئناف تقديم بعض المساعدات لدولة تتصاعد ممارساتها القمعية يوما بعد يوم، القرار الذي تم اتخاذه يوم الثلاثاء يتيح تسليم 10 طائرات أباتشي، وقال متحدث باسم البنتاجون إن طائرات الهليكوبتر ستساعد مصر في حربها ضد المسلحين الإسلاميين في سيناء وهي المنطقة المتاخمة لإسرائيل، وهذا المنطق محير؛ لأن مسئولا في البنتاجون قد أخبر الكونجرس في أكتوبر الماضي بأن تعليق الأباتشي لا يؤثر على العمليات المصرية في سيناء، وقال الجيش المصري نفسه يوم الخميس إنه قد سيطر بشكل تام على الموقف من دون الأباتشي ".
• قضية إصلاح الاقتصاد المصري
دأبت صحيفة النيويورك تايمز على وصف الاقتصاد المصري بأوصاف سلبية تعبر عن أزماته وضعفه : فالاقتصاد المصري يقترب من السقوط في الهاوية، ويندفع نحو الهاوية، ولابد من بذل جهد دولي لإنقاذ الاقتصاد المصري المنهار، كما أن الفساد منتشر في مفاصل الدولة، والبطالة مرتفعة وعجز الميزانية يتزايد، وظهرت تحت قضية الإصلاح الاقتصادي في مصر ثلاثة موضوعات.
أولها كان سعي مصر للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، ففي إحدى الافتتاحيات تذهب الصحيفة إلى أن " مصر تحتاج لقرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكنها تعجز عن استكمال الصفقة لحين إصدار إصلاحات مالية سيسهل تطبيقها كثيرا إذا وثق المصريون في الحكومة، وشعروا أنهم جزء من خطة ستصب في الصالح العام، على المصريين أن يختاروا بين مواصلة الحرب الأهلية التي ستدفع باقتصادهم إلى الهاوية،
أو العودة للتوحد وبناء مستقبل أكثر أملا في الإصلاح، الخيار يرجع لهم وحدهم ".
وفي مقال آخر بعنوان الرئيس مرسي ومنتقدوه، تشير الصحيفة إلى أن " مرسي بدأ لتوه التعامل مع التحديات الصعبة لمصر، حيث سعى للحصول على قرض صندوق النقد الدولي للمساهمة في إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، يتطلع معظمنا لرئيس برجماتي يقود مصر نحو النمو الاقتصادي والاستقرار مع احترام آراء جميع مواطنيه " (71) " وإذا كان مرسي وحزبه التابع للإخوان المسلمين اتخذا في البداية موقف رفض المعونة الخارجية، وهو ما كان سيلحق أضرارا بالاقتصاد، فقد أصبح مرسي الآن أكثر برجماتية منذ توليه السلطة في يونيو الماضي تحت ضغط من التحديات الصعبة التي تهدد الحكم، مشاكل مصر كبيرة جدا لدرجة استحالة حلها دون الحصول على دعم دولي ".
" وعلى الرئيس مرسي حث المعارضة السياسية على تأييد حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل زيادة الضرائب وتخفيض دعم الطاقة، وإفساح المجال للحصول على قروض أكبر من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار، فالحصول على قرض صندوق النقد سيفتح الطريق لتلقي مساعدات واستثمارات أكبر من المؤسسات المالية ومن دول أخرى ".
أما الموضوع الثاني الذي ركزت عليه صحيفة النيويورك في معالجتها لقضية الإصلاح الاقتصادي فكان الأزمات الاقتصادية الشديدة التي تواجهها مصر، ففي مقال بعنوان صعوبات جمة تواجه الاقتصاد المصري رأت الصحيفة " أن مصر لديها مشاكل كبيرة، حيث تعاني البلاد من فجوة هائلة في الميزانية، وتراجع خطير في احتياطيات العملة، والحاجة لتوفير آلاف الوظائف الجديدة وتحسين أحوال المدارس، اعترف مرسي الشهر الماضي بسوء الأوضاع عندما طلب الحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ".
وعندما تولى الرئيس السيسي منصب رئيس الجمهورية أشارت الصحيفة إلى " أنه يتوجب على السيسي بعد أن حصل الآن على لقب الرئيس اتخاذ إجراءات شجاعة لإنقاذ اقتصاد يعاني من أزمة اقتصادية حادة، كما أن الفساد منتشر في مفاصل الدولة والبطالة مرتفعة وعجز الميزانية متزايد، والمستشارون يحثونه على تخفيض دعم الوقود الذي ترجح التقديرات بلوغه مستوى 19 مليار دولار في العام المقبل، وعلى فرض خطة لتحصيل المزيد من الضرائب "، " كما يستحيل تعافي السياحة والاستثمارات الأجنبية حال استمرار العنف والاضطراب ".
" ولن يكتب لمصر التقدم بدون تحقيق إصلاحات اقتصادية تفتح الأسواق بجانب إنجاز إصلاحات سياسية تسمح بمشاركة الجماعات المختلفة دون استثناء الإسلاميين، لكنه لا تتوفر مؤشرات على أن السيسي يمتلك رؤية لتحقيق إصلاحات اقتصادية، فالعلاج الوحيد الذي يمتلكه لتلافي نقص الوقود هو مطالبة الناس باستعمال مصابيح موفرة للطاقة في كل منزل ".
أما الموضوع الثالث الذي ركزت عليه صحيفة النيويورك تايمز فكان المساعدات التي تلقتها مصر من دول الخليج " فقد حصلت مصر على مساعدات بمليارات الدولار لدعم اقتصادها المنهار من السعودية ودول الخليج الأخرى التي تعارض الإخوان المسلمين وتفضل تنصيب حاكم سلطوي في البلاد، اختفت بشكل مريب مشاكل نقص الوقود وغيرها من الأزمات التي عصفت بمصر أثناء حكم مرسي، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ظهورها ثم اختفائها "، " فمصر تعتمد بشكل كامل على التبرعات التي تحصل عليها من دول الخليج المتحالفة معها، في حين يبدو البلد في أمس الحاجة لإعادة بناء الاقتصاد ليصبح قويا قادرا على توفير الوظائف وبناء المنازل وتعليم الشعب ".
وتنتقد الصحيفة اعتماد مصر على هذه المساعدات حيث لا تعتبرها حلا ناجزا لمشاكل الاقتصاد المصري، " فمصر لا تستطيع الاعتماد على المعونات الخليجية على الأجل الطويل، فلابد من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي يسهم في توفير الوظائف وإتاحة فرص التعليم وغيرها من الخدمات للشعب، هذا هو الطريق الصحيح نحو الاستقرار الحقيقي وهو ما سيتطلب تحسين أوضاع السياحة وزيادة الاستثمار الأجنبي، لكن حدوث هذا غير ممكن حال استمرار الاضطرابات واندفاع الجيش للقضاء على خصومه، لا ينبغي أن تشارك الولايات المتحدة في هذه الكارثة ".
• قضية الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر
ركزت صحيفة النيويورك تايمز في معالجتها لقضية حقوق الإنسان في مصر على الدفاع عن النساء المصريات ضد تعرضهن للاغتصاب في ميدان التحرير، والدفاع عن جمعيات حقوق الإنسان التي تعرضت للمهاجمة من قبل قوات الأمن والدفاع عن الحريات الدينية، خاصة بعد تعرض الشيعة للهجوم من جانب السنة وبعض الشيوخ المتشددين.
ففي مقال افتتاحي بعنوان إرهاب في ميدان التحرير تشير الصحيفة إلى أن " الاعتداء على النساء واغتصابهن في ميدان التحرير أصبح نهجا شائعا خلال العامين الماضيين لدرجة أن الميدان أصبح محرما على النساء خصوصا أثناء الليل، لكن تقرير نشرته صحيفة التايمز يوم الثلاثاء أكد وقوع ما لا يقل عن 18 حادثة اغتصاب يوم 25 يناير، كما تم في هذا اليوم احتجاز عدد من النساء، وكانت إحداهما مصابة بطعنات في أعضائها التناسلية وتطلب الأمر استئصال رحم سيدة أخرى ".
" الفضيحة لا تقتصر على كم العنف الذي حدث، بل تمتد إلى توجيه اللوم للنساء من قبل الإسلاميين المحافظين بدعوى تحملهن مسئولية الاعتداء عليهن، حيث تسهم الفتاة أحيانا في اغتصابها عندما تعرض نفسها لمثل هذه المواقف، وهذا النوع من التفكير التبريري ليس كريها فقط في ذاته، بل لأنه يحرم النساء كذلك من ممارسة السياسة والسلطة ".
وفي مقال آخر بعنوان حمى العنف الجسدي تجتاح مصر وامتهان النساء يتصاعد تقول الصحيفة " يحق لضحايا الاغتصاب والمدافعين عن حقوق النساء الشعور بالغضب الجارف، جراء إخفاق الحكومة المصرية التي تخضع حاليا لقيادة عبد الفتاح السيسي في الرد بالقوة اللازمة على الهجمات الجنسية، حيث تم نشر فيديو على الإنترنت لعملية اغتصاب جماعي لامرأة يوم الأحد في ميدان التحرير، أدان السيسي حادثة الاعتداء الجنسي وأمر وزارة الداخلية باتخاذ كل الإجراءات الضرورية ".
وفيما يتعلق بالدفاع عن جمعيات حقوق الإنسان العاملة في مصر والتابعة لأمريكا أشارت صحيفة النيويورك تايمز إلى أن " حقوق الإنسان في مصر تعرضت للتضييق حتى بعد نجاح ثورة 25 يناير والإطاحة بالرئيس مبارك، وساد شعور بالصدمة عندما تمت إدانة 43 موظفا يعملون لدى جماعات غير هادفة للربح منهم 16 أمريكيا بتهم جنائية، وحصلوا على أحكام بالسجن تتراوح بين عام و خمسة أعوام، وبدأت وقائع القضية عندما فرضت الحكومة التي يقودها عسكريون حملة ضد حقوق الإنسان والجماعات المدافعة عن الحريات المدنية، واقتحمت قوات الأمن في 20 ديسمبر مقار العديد من الجمعيات، منها ثلاث جمعيات ممولة أمريكيا لبناء الديمقراطية، وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي القومي، وفريدم هاوس، وصادرت القوات الملفات وأجهزة الكمبيوتر، وخضع نحو 43 ناشطا أجنبيا ومحلي لتحقيقات جنائية ملفقة ".
" كما اقتحم الجيش المصري بأمر من الحكام المستبدين مكاتب منظمة مرموقة لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي، تحمل اسم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو علامة أخرى على رغبة اللواءات في توسيع نطاق حملة القمع لتشمل أي شخص آخر في المجتمع يعلن تحديه ممارساتهم السلطوية، وقد قامت قوات الأمن عالية التسليح باحتجاز وضرب أعضاء المنظمة لمدة 9 ساعات كاملة ثم أطلقت سراحهم ".
أما بالنسبة لدفاع صحيفة النيويورك تايمز عن الشيعة المصريين، ففي مقال افتتاحي بعنوان انقسامات خطيرة في العالم، تدين الصحيفة الهجوم على الشيعة في مصر " حيث إن مقتل أربعة من الشيعة في مصر نهاية الأسبوع الماضي يندرج ضمن الأعمال الوحشية، وذكرت تقارير إخبارية أن حشودا من المسلمين السُنة المسلحين بالهراوات والسيوف قد اقتحموا أحد المنازل عندما كان نحو 30 شخصا موجودين للاحتفال بمناسبة دينية فضربوا وطعنوا وشنقوا أربعة أشخاص منهم، وظهر في فيديو أجساد الضحايا المضرجة في الدماء أثناء جرها في الشوارع بعد أن أصبحت جثثا هامدة، وكان من بين القتلى حسن شحاتة الإمام الشيعي البارز ".
وتحمل الصحيفة مسئولية ما حدث للشيعة للرئيس مرسي الذي فشل في توحيد المصريين " فقد أخفق الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس في توحيد هذا البلد ذي الأغلبية السُنية وأقلياته المسيحية والشيعية، وفي دفع طوائفه المختلفة للاحتشاد حول أجندة مركزية، الهجوم على الشيعة وقع بعد مرور أشهر على إطلاق خطب كراهية معادية للشيعة، فقبل أسبوع من الحادث ظهر مرسي لحضور أحد المناسبات بصحبة شيوخ متشددين من السنة قللوا من شأن الشيعة معتبرين إياهم من الأنجاس ".
• قضية حرية الصحافة والإعلام في مصر
اهتمت صحيفة النيويورك تايمز بحرية الصحافة والإعلام في مصر، حيث ذهبت الصحيفة إلى أن مرسي قد تعرضت الصحافة في عهده للتضييق، ولم يتحمل معارضيه من الصحفيين، ففي مقال بعنوان الرئيس مرسي ومنتقدوه تشير الصحيفة إلى أنه " يتخوف منتقدو مرسي من أن تكون حملة قمع الصحفيين مؤشرا على رغبة الإسلاميين في الهيمنة على جميع جوانب الحياة، وربما يكون مرسي قد أدرك في حالة عفيفي أنه قد تصرف متجاوزا الحدود، فقرر يوم الخميس استخدام سلطاته التشريعية الواسعة للمرة الأولى ليحظر الحبس الاحتياطي للأشخاص المتهمين بجرائم متصلة بالإعلام، أدى هذا الحظر إلى إطلاق سراح عفيفي، لكن الاتهامات ما زالت موجودة ".
" ربما يكون مرسي مثله مثل أي قائد سياسي آخر يكره الانتقادات التي يتعرض لها من وسائل الإعلام، لكن قمع التمرد لا يؤدي إلا إلى تأجيج المشاعر وانعدام الاستقرار، الطريقة الأكثر ذكاء للتعامل مع هذا الأمر هي الاجتماع بشكل منتظم مع الصحفيين خصوصا مع منتقديه الأكثر حدة لتوضيح حقيقة ما يفعله والإجابة عن أسئلتهم ".
كما انتقدت النيويورك تايمز أوضاع الصحافة ووسائل الإعلام بعد 30 يونيو2013، حيث أشارت الصحيفة إلى إغلاق بعض وسائل الإعلام المتعاطفة مع الإخوان، كما أدانت الصحيفة بشدة محاكمة صحفي الجزيرة ورأت أن التهم الموجه إليه هي تهم مضللة، ففي مقال بعنوان الجميع يتعرض للقمع في مصر تذهب الصحيفة إلى أن " الحكومة قد وجهت اتهامات أمام محكمة عسكرية ضد الناشط أحمد أبو دراع الصحفي المختص بتغطية منطقة شمال سيناء التي يتعرض الجيش فيها لأعمال عنف يشنها مسلحون إسلاميون، وذلك بهدف ترويع الصحفيين ومنعهم من التغطية الصحفية، وقد فرض الجيش قيودا لا نهاية لها على الإعلام لمنع تداول الأخبار ".
" يجيء هذا بينما حصلت مصر وفقا لتصنيف لجنة حماية الصحفيين على المركز التاسع في قائمة الدول الأكثر إساءة للصحفيين في عام 2013 "، " كما أغلقت الحكومة وسائل الإعلام المصرية المتعاطفة مع الإخوان، وقبضت على النشطاء العلمانيين لمجرد محاولتهم رفع علامات أو ملصقات تعارض الدستور الجديد ".
وفيما يتعلق بقضية صحفيي الجزيرة فقد علقت الصحيفة بأنه " أدانت محكمة مصرية ثلاثة من الصحفيين يوم الإثنين بتهمة تأدية أعمالهم، ليطبق القادة المدعومون من الجيش أحدث محاولات سحق كل أشكال المعارضة، يبعث الحكم المزعج برسالة تهديد ووعيد إلى المواطنين المصريين العاديين فضلا عن الصحفيين الآخرين الذين يعملون في البلاد، وتم توجيه اتهامات مضللة لهم بالتواطؤ مع جماعة الإخوان المسلمين ونشر تقارير مزيفة حول اضطرابات أهلية، ولم تقدم النيابة أية أدلة علنية على أن الصحفيين قد دعموا جماعة الإخوان أو نشروا بيانات غير دقيقة".
• قضية مكافحة الإرهاب في سيناء
استحوذ الهجوم المسلح على الجنود المصريين في سيناء ومقتل 16 جنديا منهم في شهر أغسطس 2012 على اهتمام صحيفة النيويورك تايمز، حيث اعتبرت الصحيفة أن هذا الحادث استدعى مكافحة الإرهاب في سيناء ومطاردة العناصر المسلحة التي استهدفت الجيش المصري هناك .
وتحت هذه القضية أظهرت الصحيفة هجوم الجيش على العناصر الإرهابية في سيناء " فقد شنت طائرات الهليوكبتر أول هجوم لها خلال عقود في شبه جزيرة سيناء لضرب مسلحين، بعد مقتل 16 جنديا مصريا يوم الأحد، تم الكشف عن تفاصيل قليلة حول هجوم الجيش المصري، لكن المرجح هو أن يكون بدافع انتقامي للدفاع عن مصر ضد تصاعد هجمات المسلحين ".
" يختبر الهجوم قدرة مرسي على فرض سيطرته على سيناء التي وصفت دائما بأنها خارج القانون، كما إنه يختبر طريقة تعامله مع إسرائيل، فمهما كان حجم التناقض بين الدولتين، فهما مجبرتان على التعاون لضبط الحدود المشتركة بينهما ".
" ولم تتحدد هوية المهاجمين الذين قتلوا الجنود أثناء تناولهم الإفطار في رمضان، ووجهت إسرائيل اتهامات بالتورط في الحادث إلى مسلحين منتمين فكريا إلى القاعدة ومرتبطين بالفلسطينيين في غزة "،" في حين أن الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين والذي جاهر كثيرا بمعاداة إسرائيل قد استخدم موقعه على شبكة الإنترنت لاتهام المخابرات الإسرائيلية بارتكاب الحادث ".
" أما مرسي فأصدر قرارا يوم الأربعاء الماضي بعزل رئيس المخابرات الحربية ووزير الدفاع ومحافظ شمال سيناء؛ حيث توصف هذه القرارات بأنها عملية تطهير لافتة للمسئولين الذين كان ينظر إليهم بأنهم مرتبطون بالنظام القديم "، " ويبدو أن الرئيس مرسي استغل الهجوم المسلح على شبه جزيرة سيناء منذ أسبوعين لتعزيز هيمنة الحكم المدني للبلاد ".
2 - الأطر الإعلامية الخاصة بصورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز
تصدر إطار إدانة العنف السياسي (46.1%)، وإطار التحريض (33.8%)، وإطار تقديم المساعدات (30.7%) قد احتلوا المراتب الثلاث الأولى على التوالي من جملة الأطر التي ظهرت بها صورة مصر في افتتاحيات النيويورك تايمز، في حين جاء إطار التحذير أو الخسائر المتوقعة (20%) في المرتبة الرابعة، واحتل المرتبة الخامسة إطار الاحتكار والهيمنة (15.3%)، وفي المرتبة السادسة جاء كل من إطار التشكيك وإطار النقد بنسبة (12.3%) لكل واحد منهما، ثم جاءت مجموعة من الأطر الأخرى التي كان تكرارها قليلا في افتتاحيات الصحيفة مثل إطار الفشل، والصراع، واللوم، والشفقة والتعاطف، والمصلحة، ويمكن الكشف عن طرق توظيف الصحيفة لهذه الأطر في تشكيل صورة مصر على النحو التالي :
• إطار إدانة القمع والعنف
يعد هذا الإطار من أكثر الأطر بروزا في افتتاحيات صحيفة النيويورك تايمز، وقد كانت قضية الانتقال الديمقراطي أكثر القضايا توظيفا لهذا الإطار، حيث ظهر هذا الإطار بشكل متكرر بعد تصدي الجيش والشرطة لأنصار مرسي والمعارضين حيث " لقى مئات المتظاهرين السلميين مصرعهم يوم الأربعاء عندما استخدم الجيش ووحدات الشرطة طائرات الهليكوبتر والقناصة والبولدوزر والغاز المسيل للدموع لطرد المعتصمين في تجمعين لهم بالقاهرة ".
" كما شنت أجهزة الأمن خلال الأيام القليلة الماضية حملة لقمع آلاف النشطاء الليبراليين واليساريين الذين احتجوا على قانون جديد يحظر فعليا التظاهرات في أحدث محاولة حكومية للقضاء على جميع أشكال المعارضة ".
وظهر هذا الإطار أيضا أثناء الصراع على السلطة بين القوى السياسية في مصر " حيث اندلعت حرب شوارع بين المؤيدين الإسلاميين لمرسي وخصومهم العلمانيين أدت لمقتل ما لا يقل عن 6 أشخاص وإصابة 450 آخرين، أغلقت الدبابات شوارع القاهرة وتم نشر القوات الخاصة التابعة للحرس الجمهوري فتحصن المتظاهرون خلف المتاريس حول القصر الجمهوري، وتقدم تسعة مسئولين باستقالتهم من إدارة مرسي احتجاجا على سفك الدماء وطريقة تعامله مع الأحداث ".
كما ظهر إطار إدانة القمع والعنف السياسي أيضا عند الدفاع عن النساء المصريات ضد تعرضهن للعنف الجنسي " فالاعتداء على النساء واغتصابهن جماعيا في ميدان التحرير أصبح نهجا شائعا خلال العامين الماضيين، لدرجة أن الميدان أصبح محرما على النساء خصوصا أثناء الليل، والفضيحة لا تقتصر على كم العنف الذي حدث، بل تمتد إلى توجيه اللوم للنساء من قبل الإسلاميين بدعوى تحملهن مسئولية الاعتداء عليهن ".
وبعد انتخاب السيسي رأت الصحيفة أنه " قد وقعت الكثير من الهجمات الجنسية ضد النساء في ميدان التحرير في احتفالات جرت الأسبوع الماضي بمناسبة انتخاب السيسي وتنصيبه، ولهذا يحق لضحايا الاغتصاب والمدافعين عن حقوق النساء الشعور بالغضب الجارف".
كما وظفت قضية الدفاع عن جمعيات حقوق الإنسان العاملة في مصر إطار إدانة القمع " إذ يسعى اللواءات لتوسيع نطاق حملة القمع لتتجاوز الداعمين الإسلاميين لمرسي وتشمل أي شخص آخر في المجتمع يعلن تحديه ممارساتهم السلطوية، فقد قامت قوات الأمن عالية التسليح باحتجاز وضرب أعضاء منظمة حقوقية لمدة 9 ساعات كاملة، ثم أطلقت سراحهم جميعا باستثناء محمد عادل".
كما ظهر إطار إدانة العنف السياسي أثناء مكافحة الإرهاب في سيناء، حيث أدانت الصحيفة مقتل الجنود المصريين في رفح ورأت أن " الهجوم المسلح الذي أودى بحياة 16 جنديا مصريا في منطقة حدودية من شبه جزيرة سيناء أصبح يفرض على الرئيس المنتمي للتيار الإسلامي إدراج تحدٍّ آخر جديد وخطير ضمن أولوياته، كما أنه يحول المخاوف الأمنية المتواصلة بشأن سيناء إلى أزمة كاملة الأركان ".
• إطار المساعدة والتعاون
وقد كان هذا الإطار دائم الظهور مع قضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، حيث كانت الصحيفة توظفه عند الحديث عن المعونة الأمريكية، باعتبارها مساعدة جادة من الولايات المتحدة الأمريكية لمصر لكي تخرجها من أزمتها الاقتصادية " فقد قدمت الولايات المتحدة لمصر نحو 2 مليار دولار سنويا على الرغم من أن بعض أعضاء الكونجرس يطالبون بوقف هذا الدعم، ولو فقد الأمريكيون والغرب عموما الثقة في بلوغ مصر مرحلة الأمن، فلن يكون هناك سبب يبرر دعم قرض يقدمه صندوق النقد الدولي لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار أو تنفيذ تعهدات بضخ الاستثمارات أو الإعفاء من الديون ".
غير أنه بعد 30 يونيو حدث تغير عكسي في إطار المساعدة والتعاون، حيث ربطت الصحيفة بين تعليق المساعدات الأمريكية لمصر والسير في طريق التحول الديمقراطي " فينبغي على الرئيس أوباما الإعلان بجلاء لا لبس فيه عن معارضته لسلوك الجيش المصري، يستطيع أن يفعل هذا عن طريق التعليق الفوري للمساعدات العسكرية وإلغاء التدريبات العسكرية المشتركة المقررة في سبتمبر، ويمكن التراجع عن هذه الإجراءات حال تغيير القادة العسكريين نهجهم الحالي ".
كما رأت الصحيفة أن " قادة الجيش قد استفادوا كثيرا من المعونة التي تدفقت إلى مصر منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، لكنه سيتم الآن على أقل تقدير حرمانهم من المعدات العسكرية التي أصبحت مفضلة لديهم ".
كما ظهر إطار التعاون عند تناول الصحيفة لدعم دول الخليج لمصر " فقد حصلت مصر على مساعدات بمليارات الدولار لدعم اقتصادها المنهار من السعودية ودول الخليج الأخرى التي تعارض الإخوان المسلمين، وتفضل تنصيب حاكم سلطوي في البلاد، فقد اختفت بشكل مريب مشاكل نقص الوقود وغيرها من الأزمات التي عصفت بمصر أثناء حكم مرسي دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ظهورها ثم اختفائها ".
كما وظفت الصحيفة هذا الإطار عندما دعت مصر إلى ضرورة التعاون مع إسرائيل من أجل التحكم في الحدود المشتركة بينهما " فمهما كان حجم التناقض بين الدولتين - وهو كبير بالفعل - فهما مجبرتان على التعاون لضبط الحدود المشتركة، لن تتمكن مصر أبدا من تحقيق الاستقرار الحقيقي إذا عجزت عن إيجاد وسائل التعاون مع إسرائيل بشأن المسائل الأمنية واحترام اتفاقية السلام بينهما "، " وقد تضطر مصر وإسرائيل لوضع تصور مشترك يساعدهما على العمل معا لمواجهة التطرف وتحسين الحالة الأمنية عند الحدود ".
حرضت صحيفة النيويورك تايمز أمريكا ضد مصر عندما أصدر القضاء المصري أحكاما بالإعدام على جماعة الإخوان المسلمين
• إطار التحريض
وقد ظهر هذا الإطار في قضيتي الانتقال الديمقراطي في مصر، وقضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر،حيث دأبت صحيفة النيويورك تايمز على تحريض الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصر وضد جيشها حتى تتخذ موقفا معاديا منهما " فلا ينبغي أن يكرر أوباما الخطأ نفسه في تعامله مع قادة الجيش الذين اعتادوا ممارسة القمع وعدم التسامح مع مخالفيهم، حيث ستؤدي هذه الممارسات إلى خلق حالة من انعدام الاستقرار وتدمير فرص تحقيق أهداف ثار الشعب في 2011 من أجل تحقيقها مثل الديمقراطية والحرية وإتاحة الوظائف والتعليم ".
وفي موضع آخر تذهب الصحيفة إلى مدى أبعد في التحريض " فالإدارة الأمريكية قد بنت حساباتها على فكرة احتياجها لدعم اللواء السيسي والجيش المصري لتنفيذ إستراتيجيتها الأمنية الإقليمية، لا ينبغي على واشنطن الانخداع بتأكيدات النظام المصري بأن الممارسات القمعية ضرورية لتحقيق الديمقراطية أو المحافظة على الاستقرار، ربما تكون مصر متجهة لتكرار أخطاء حقبة مبارك، لكن السياسة الأمريكية لا ينبغي عليها تكرار الأخطاء التي ارتكبتها خلال ذات الفترة ".
كما حرضت الصحيفة الولايات المتحدة الأمريكية بقطع المعونة عن مصر في حالة عدم استماعها إلى نصائح إدارة أوباما " فعلى مسئولي الإدارة الأمريكية التوقف عن الكلام الكثير والبدء فورا في تعليق المعونة العسكرية السنوية لمصر التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، وكذلك وقف تسليم طائرات الأباتشي لحين اتخاذ قادة الجيش قرارا بالعودة للمسار السلمي "، " كما كان المسئولون الأمريكيون محقين عندما حذروا القادة العسكريين يوم الإثنين بأنهم يجازفون بفقدان معونة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات إذا لم يسرعوا بنقل السلطة ".
كما حرضت صحيفة النيويورك تايمز أمريكا ضد مصر أيضا عندما أصدر القضاء المصري أحكاما بالإعدام على جماعة الإخوان المسلمين " فيصعب تفسير موقف الولايات المتحدة وبريطانيا واكتفائهما بإصدار بيانات ضعيفة منفصلة أكدت شعورهما بالقلق العميق على أحكام الإعدام، لن يكون لهذا الموقف الباهت أدنى تأثير على الجيش المصري ولا على الشعب الذي أصبح يرغب لحد بعيد في الصبر على انتهاكاته ".
• إطار التحذير
ظهر هذا الإطار في قضية الانتقال الديمقراطي في مصر، حيث كان دائم الظهور نظرا لخوف الصحيفة من نشوب حرب أهلية في مصر، حيث حذرت في أكثر من موضع في افتتاحياتها بأن الصراع في مصر بين القوى السياسية ينذر بالخطر ويهدد مستقبل مصر " فعلى المصريين أن يختاروا بين مواصلة الحرب الأهلية التي ستدفع باقتصادهم إلى الهاوية أو العودة للتوحد وبناء مستقبل أكثر أملا في الإصلاح، الخيار يرجع لهم وحدهم "، " فمصر تقف الآن على مشارف حرب أهلية مهلكة، فحملة القمع الدموي التي أمر بها اللواء عبد الفتاح السيسي الحاكم الفعلي للبلاد تهدد بوقوع أسوأ الاحتمالات الممكنة، وسيكون هذا الوضع مأساويا لمصر التي كانت التقديرات ترجح سيرها بثبات نحو إنهاء عقود من القمع والديكتاتورية ".
وفي موضع آخر تحذر الصحيفة من ازدياد موجة العنف في البلاد وتخشى أن تتحول مصر إلى عراق جديد " فإيداع نحو 16 ألف شخص في السجن بتهم سياسية وقتل ألف شخص آخرين أثناء الاحتجاجات، هذه الوحشية في التعامل مع المعارضين ستدفع الأمور لذات النتيجة التي تحققت في العراق وستتفاقم الانقسامات الطائفية وستساعد على تمكين المتطرفين ".
كما حذرت النيويورك تايمز من التفويض الذي طلبه السيسي لمحاربة الإرهاب؛ لأنه سيؤدي إلي المزيد من الاستقطاب وسفك الدماء " فدعوة القائد العسكري القوي اللواء عبد الفتاح السيسي لنزول الناس لميدان التحرير للحصول على تفويض في الحرب على الإرهاب، ما هي إلا محاولة يائسة ستؤدي إلى إلحاق أضرار إضافية، ومن جانبها أعلنت جماعات مؤيدة للديمقراطية قبول هذه الدعوة، في حين حث قادة الإخوان المسلمين أنصارهم على مواجهة القوات الأمنية، وبالتالي سيكون هناك سفك للدماء، وسيمنح الجيش مبررات جديدة للقمع ".
• إطار التشكيك
ظهر إطار التشكيك عند حديث الصحيفة عن القضاء المصري حيث دأبت على النيل من سمعته في أكثر من موضع، حيث علقت الصحيفة على الأحكام الصادرة على مبارك باعتبارها تمثل انتقاصا من قدر المحكمة ونزاهتها " فقد خسرت المحكمة قدرا عظيما من مصداقيتها بإصدارها الأسبوع الماضي حكما ضد مبارك، فقد قضت المحكمة بسجن مبارك مدى الحياة بتهمة امتناعه عن منع قتل مئات المتظاهرين، بينما قضت بتبرئة ستة من كبار قادة الشرطة، وزاد الموقف إثارة قيام المتحدث الرسمي باسم القضاة الذين سيراقبون التصويت على الانتخابات الرئاسية الشهر الجاري بإصدار تصريح يوم الخميس يعلن مجازفة القضاة بالتخلي عن حياديتهم حتى يتسنى لهم التصدي لمحاولات الإسلاميين السيطرة على السلطة ".
كما شككت الصحيفة أيضا في حكم القضاء الخاص بحل مجلس الشعب عام 2012 حيث رأت " أنه تمت الإطاحة بآمال تحقيق الديمقراطية في مصر جراء انتقال السلطة إلى قادة الجيش والقضاة الذين حافظوا على النظام القمعي لحسني مبارك، حيث أصدر قضاة كانوا يعملون تحت قيادة مبارك قرارا بحل البرلمان المنتخب حديثا الذي احتفظ فيه الإخوان المسلمون بأغلبية كبيرة، وأسرع القادة العسكريون بتنفيذ الحكم القضائي ليستعيدوا هيمنتهم على سلطات التشريع في البلاد".
وهكذا واصلت الصحيفة حملة تشكيكها ضد القضاء المصري حتى مثول مرسي أمام القضاء حيث رأت الصحيفة " أن المحكمة تحركها دوافع سياسية، والقضية برمتها ما هي إلا جزء من محاولة الجيش القضاء على الإخوان والمعارضين "، " كما انتقدت القضاء المصري بشدة وشككت فيه أيضا حين أصدر حكما بإعدام 529 متهما، واعتبرت الحكم عملا هزليا بكل المقاييس " (125) " وعندما أصدر أحكاما بإدانة ثلاثة من صحفيي الجزيرة عام 2014 ".
وبعيدا عن القضاء المصري، فقد ظهر إطار التشكيك عند الحديث عن قدرة جماعة الإخوان المسلمون على إدارة شئون البلاد حيث " يتشكك الكثير من المصريين في جماعة الإخوان المسلمين ورؤيتها بشأن طريقة إدارة البلاد، كان ينبغي أن يبذل مرسي جهودا أكبر لتعيين رموز المعارضة في حكومته، والتأكد من تمثيل لجنة كتابة الدستور لكل طوائف المجتمع ووجود إجماع واسع على الدستور قبل بدء الاستفتاء عليه ".
كما شككت الصحيفة كذلك في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2014 ورأت " أن الإقبال على التصويت فيها كان ضعيفا فلم يشارك إلا نسبة 47% من إجمالي الناخبين، وعندما انتهى التصويت زعمت الصحيفة أن المراقبين الأجانب قالوا إن الانتخابات لم تستوف المعايير الدولية للديمقراطية ".
• إطار الاحتكار والهيمنة
ارتبط ظهور هذا الإطار بجماعة الإخوان المسلمين، حيث اعتبرت الصحيفة أن الجماعة مارست احتكارا للسلطة فور تولي مرسي رئاسة الجمهورية، ولهذا رأت الصحيفة أن " مخاوف المعارضة مشروعة، فبدلا من أن يقوم مرسي بتشكيل حكومة تضم جميع الأطياف السياسية، سعى مرسي وحزبه لتعزيز قبضتيهما على السلطة، فسارع بكتابة دستور معيب ثارت حوله خلافات مريرة "، " ولهذا انسحب من اللجنة المسئولة عن كتابة الدستور الأعضاء العلمانيون والأقباط المسيحيون بدعوى هيمنة الإسلاميين عليها ".
" وقال منتقدو المسودة الحالية للدستور إنها تفتح مساحة واسعة أمام الإسلاميين للهيمنة والتعدي على حقوق أقليات مثل المسيحيين ".
كما ظهر إطار الاحتكار في سعي مرسي لقمع الصحفيين من أجل الهيمنة على السلطة حيث " يتخوف منتقدو مرسي من أن تكون حملة قمع الصحفيين مؤشرا على رغبة الإسلاميين في الهيمنة على جميع جوانب الحياة، سيبدو الأمر مأسويا إذا تبين أن مصر قد بذلت كل هذه الجهود للتخلص من الاستبداد تحت حكم مبارك، لتجد أن مرسي قد عاد لذات الأساليب غير المتسامحة "، " فجماعة الإخوان استخدموا الانتخابات لاحتكار السلطة وتشويه سمعة الخصوم، وتعزيز الصلة بالمتشددين الإسلاميين ".
• إطار النقد
جاء إطار النقد مقترنا دائما بالحديث عن كتابة الدستور، حيث انتقدت صحيفة النيويورك تايمز دستور 2012 ودستور 2013 معا " فالرئيس مرسي كان ينبغي عليه تأجيل الاستفتاء وإعادة تشكيل جمعية لكتابة الدستور يهيمن عليها حلفاء الإخوان المسلمين بدرجة أقل، وتكليف أعضائها بكتابة مسودة معدلة تتجاوب مع مخاوف خصومه الأكثر ليبرالية وعلمانية "، " كما أن مرسي خرج عن المسار الصحيح ليؤسس دستورا تثور حوله خلافات عميقة لكونه يمنح الرئيس سلطات شبه ديكتاتورية ".
هذا فيما يخص دستور مرسي، أما دستور 2013 فتنقده الصحيفة أيضا وترى " أن مسودة الدستور الجديدة لا تلبي الوعد الثوري للربيع العربي، فهي تعزز صلاحيات المؤسسات السيادية التي ضيقت الخناق على مصر طويلا ووضعتها داخل قبضتها الحديدية "، " فمصر تقترب للأسف الشديد من تمرير دستور يمهد الطريق لإنشاء نظام سلطوي سعت ثورة 2011 إلى القضاء عليه ".
وتقارن الصحيفة بين الدستورين وتنتقدهما في موضع آخر حيث تذهب إلى " أن مرسي وداعميه كتبوا العام الماضي دستورا يعزز دور الشريعة الإسلامية ويقيد الحريات، والدستور الجديد يعد معيبا بنفس الدرجة؛ لأنه تمت كتابته بمشاركة محدودة للغاية من الإسلاميين، وتم تغيير أحد مواده في اللحظات الأخيرة، ليتم كذلك تعزيز احتمالية عدم سماح الجيش بإجراء انتخابات البرلمان قبل انتخاب رئيس جديد ".
ثالثا: مناقشة نتائج الدراسة
سعت الدراسة إلى الكشف عن صورة مصر في افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست في الفترة التي قبل 30 يونيو 2013 والفترة التي أعقبتها، حيث قامت الدراسة بتحليل 154 مقالة افتتاحية تناولت مصر في هاتين الصحيفتين، وذلك باستخدام منهج المسح واستمارة تحليل المضمون بشقيه الكمي والكيفي، وانتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج كان أبرزها :
1) سلبية الصورة المقدمة عن مصرفي افتتاحيات صحيفتى الدراسة، ويبدو ذلك واضحا في سلبية كل الأطر الإعلامية التي ظهرت بها صورة مصر، وكذلك سلبية أدوار كل القوى الفاعلة التي شكلت صورة مصر في افتتاحيات الصحيفتين، باستثناء قوة واحدة فقط ظهرت بشكل إيجابي هي حركة 6 إبريل، التي اعتبرتها الصحيفتان حركة ليبرالية قادت الحراك الديمقراطي في ثورة 25 يناير 2011 ضد الرئيس حسنى مبارك.
2) تشابه موقف الصحيفتين تجاه الأحداث في مصر، حيث اعتبرت الصحيفتان أحداث 30 يونيو انقلابا عسكريا من الجيش على الديمقراطية، وإن كانت كلتا الصحيفتين قد حملت مرسي وجماعته مسئولية الأزمة السياسية التي مرت بها مصر في تلك الفترة، ويؤكد تشابه موقف الصحيفتين نتائج الفرض الأول التي أثبتت عدم وجود فروق معنوية بين الصحيفتين فى تناولهما للقضايا الخاصة بمصر، إلا في قضية واحدة ( هي قضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر ) من أصل ست قضايا اهتمت بها الصحيفتان في معالجتهما لصورة مصر.
3) اختلاف الأطر التي ظهرت بها صورة مصر قبل 30 يونيو عن الفترة التي بعدها، حيث كان إطار النقد، وإطار إدانة العنف السياسي، وإطار الصراع علي السلطة، وإطار التحريض، وإطار الشفقة، وإطار المصلحة أكثر ظهورا وتوظيفا في الفترة التي بعد 30 يونيو 2013 عن الفترة التي قبلها، بل إن إطار الشفقة والتعاطف التي أظهرتهما الصحيفتان تجاه جماعة الإخوان المسلمين وإطار تغليب أمريكا للمصلحة الخاصة بها لم يظهرا إلا بعد 30 يونيو 2013.
4) مارست الصحيفتان تحريضا واضحا ضد مصر وضد جيشها، بل لامت الصحيفتان في كثير من افتتاحياتهما أمريكا لعدم اتخاذها موقفا حاسما ضد مصر، وإن كانت صحيفة الواشنطن بوست أكثر حدة وتحريضا من صحيفة النيويورك تايمز، ويؤكد هذا احتلال إطار التحريض مرتبة متقدمة فى كلتا الصحيفتين ( المرتبة الأولي في الواشنطن بوست والمرتبة الثانية في النيويورك تايمز).
5) جاءت بعض القوى الفاعلة التي شكلت صورة مصر مختلفة في طرح الصحيفتين، حيث أولت النيويورك تايمز اهتماما أكبر لمحمد مرسي، والمعارضة السياسية، والقضاة في تشكيل صورة مصر عن صحيفة الواشنطن بوست.
6) أظهرت الصحيفتان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتغليب مصلحتها بعد فترة 30يونيو2013، حيث إنه عندما اختلفت الإدارة الأمريكية مع الجيش المصري والسلطات المصرية بشأن المسار الديمقراطي في مصر بعد 30 يونيو 2013، لم يهمها سوى الحفاظ على مصالحها الأساسية في المنطقة (الحفاظ على أمن حليفتها الإستراتيجية إسرائيل، والمرور من قناة السويس، وتدفق النفط) بغض النظر عن مصالح مصر وأمنها.
7) اعتراف الصحيفتين بقوة الجيش المصري كقوة لا يستهان بها في المنطقة، سواء داخليا أو خارجيا على الرغم من الأدوار السلبية التي نسبتها الصحيفتان له في أكثر من موضع في افتتاحياتهما.
8) تشابه موقف السياسة التحريرية للصحيفتين مع موقف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه أحداث 30 يونيو 2013، حيث اتخذ كل منهما موقفا مضادا من هذه الأحداث، وهذا يؤيد ما ذهبت إليه الدراسات السابقة من أن وسائل الإعلام الدولية ما هي إلا أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول.
*وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة
*ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز
وقد ظهر هذا الإطار في قضيتي الانتقال الديمقراطي في مصر، وقضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر،حيث دأبت صحيفة النيويورك تايمز على تحريض الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصر وضد جيشها حتى تتخذ موقفا معاديا منهما " فلا ينبغي أن يكرر أوباما الخطأ نفسه في تعامله مع قادة الجيش الذين اعتادوا ممارسة القمع وعدم التسامح مع مخالفيهم، حيث ستؤدي هذه الممارسات إلى خلق حالة من انعدام الاستقرار وتدمير فرص تحقيق أهداف ثار الشعب في 2011 من أجل تحقيقها مثل الديمقراطية والحرية وإتاحة الوظائف والتعليم ".
وفي موضع آخر تذهب الصحيفة إلى مدى أبعد في التحريض " فالإدارة الأمريكية قد بنت حساباتها على فكرة احتياجها لدعم اللواء السيسي والجيش المصري لتنفيذ إستراتيجيتها الأمنية الإقليمية، لا ينبغي على واشنطن الانخداع بتأكيدات النظام المصري بأن الممارسات القمعية ضرورية لتحقيق الديمقراطية أو المحافظة على الاستقرار، ربما تكون مصر متجهة لتكرار أخطاء حقبة مبارك، لكن السياسة الأمريكية لا ينبغي عليها تكرار الأخطاء التي ارتكبتها خلال ذات الفترة ".
كما حرضت الصحيفة الولايات المتحدة الأمريكية بقطع المعونة عن مصر في حالة عدم استماعها إلى نصائح إدارة أوباما " فعلى مسئولي الإدارة الأمريكية التوقف عن الكلام الكثير والبدء فورا في تعليق المعونة العسكرية السنوية لمصر التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، وكذلك وقف تسليم طائرات الأباتشي لحين اتخاذ قادة الجيش قرارا بالعودة للمسار السلمي "، " كما كان المسئولون الأمريكيون محقين عندما حذروا القادة العسكريين يوم الإثنين بأنهم يجازفون بفقدان معونة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات إذا لم يسرعوا بنقل السلطة ".
كما حرضت صحيفة النيويورك تايمز أمريكا ضد مصر أيضا عندما أصدر القضاء المصري أحكاما بالإعدام على جماعة الإخوان المسلمين " فيصعب تفسير موقف الولايات المتحدة وبريطانيا واكتفائهما بإصدار بيانات ضعيفة منفصلة أكدت شعورهما بالقلق العميق على أحكام الإعدام، لن يكون لهذا الموقف الباهت أدنى تأثير على الجيش المصري ولا على الشعب الذي أصبح يرغب لحد بعيد في الصبر على انتهاكاته ".
• إطار التحذير
ظهر هذا الإطار في قضية الانتقال الديمقراطي في مصر، حيث كان دائم الظهور نظرا لخوف الصحيفة من نشوب حرب أهلية في مصر، حيث حذرت في أكثر من موضع في افتتاحياتها بأن الصراع في مصر بين القوى السياسية ينذر بالخطر ويهدد مستقبل مصر " فعلى المصريين أن يختاروا بين مواصلة الحرب الأهلية التي ستدفع باقتصادهم إلى الهاوية أو العودة للتوحد وبناء مستقبل أكثر أملا في الإصلاح، الخيار يرجع لهم وحدهم "، " فمصر تقف الآن على مشارف حرب أهلية مهلكة، فحملة القمع الدموي التي أمر بها اللواء عبد الفتاح السيسي الحاكم الفعلي للبلاد تهدد بوقوع أسوأ الاحتمالات الممكنة، وسيكون هذا الوضع مأساويا لمصر التي كانت التقديرات ترجح سيرها بثبات نحو إنهاء عقود من القمع والديكتاتورية ".
وفي موضع آخر تحذر الصحيفة من ازدياد موجة العنف في البلاد وتخشى أن تتحول مصر إلى عراق جديد " فإيداع نحو 16 ألف شخص في السجن بتهم سياسية وقتل ألف شخص آخرين أثناء الاحتجاجات، هذه الوحشية في التعامل مع المعارضين ستدفع الأمور لذات النتيجة التي تحققت في العراق وستتفاقم الانقسامات الطائفية وستساعد على تمكين المتطرفين ".
كما حذرت النيويورك تايمز من التفويض الذي طلبه السيسي لمحاربة الإرهاب؛ لأنه سيؤدي إلي المزيد من الاستقطاب وسفك الدماء " فدعوة القائد العسكري القوي اللواء عبد الفتاح السيسي لنزول الناس لميدان التحرير للحصول على تفويض في الحرب على الإرهاب، ما هي إلا محاولة يائسة ستؤدي إلى إلحاق أضرار إضافية، ومن جانبها أعلنت جماعات مؤيدة للديمقراطية قبول هذه الدعوة، في حين حث قادة الإخوان المسلمين أنصارهم على مواجهة القوات الأمنية، وبالتالي سيكون هناك سفك للدماء، وسيمنح الجيش مبررات جديدة للقمع ".
• إطار التشكيك
ظهر إطار التشكيك عند حديث الصحيفة عن القضاء المصري حيث دأبت على النيل من سمعته في أكثر من موضع، حيث علقت الصحيفة على الأحكام الصادرة على مبارك باعتبارها تمثل انتقاصا من قدر المحكمة ونزاهتها " فقد خسرت المحكمة قدرا عظيما من مصداقيتها بإصدارها الأسبوع الماضي حكما ضد مبارك، فقد قضت المحكمة بسجن مبارك مدى الحياة بتهمة امتناعه عن منع قتل مئات المتظاهرين، بينما قضت بتبرئة ستة من كبار قادة الشرطة، وزاد الموقف إثارة قيام المتحدث الرسمي باسم القضاة الذين سيراقبون التصويت على الانتخابات الرئاسية الشهر الجاري بإصدار تصريح يوم الخميس يعلن مجازفة القضاة بالتخلي عن حياديتهم حتى يتسنى لهم التصدي لمحاولات الإسلاميين السيطرة على السلطة ".
كما شككت الصحيفة أيضا في حكم القضاء الخاص بحل مجلس الشعب عام 2012 حيث رأت " أنه تمت الإطاحة بآمال تحقيق الديمقراطية في مصر جراء انتقال السلطة إلى قادة الجيش والقضاة الذين حافظوا على النظام القمعي لحسني مبارك، حيث أصدر قضاة كانوا يعملون تحت قيادة مبارك قرارا بحل البرلمان المنتخب حديثا الذي احتفظ فيه الإخوان المسلمون بأغلبية كبيرة، وأسرع القادة العسكريون بتنفيذ الحكم القضائي ليستعيدوا هيمنتهم على سلطات التشريع في البلاد".
وهكذا واصلت الصحيفة حملة تشكيكها ضد القضاء المصري حتى مثول مرسي أمام القضاء حيث رأت الصحيفة " أن المحكمة تحركها دوافع سياسية، والقضية برمتها ما هي إلا جزء من محاولة الجيش القضاء على الإخوان والمعارضين "، " كما انتقدت القضاء المصري بشدة وشككت فيه أيضا حين أصدر حكما بإعدام 529 متهما، واعتبرت الحكم عملا هزليا بكل المقاييس " (125) " وعندما أصدر أحكاما بإدانة ثلاثة من صحفيي الجزيرة عام 2014 ".
وبعيدا عن القضاء المصري، فقد ظهر إطار التشكيك عند الحديث عن قدرة جماعة الإخوان المسلمون على إدارة شئون البلاد حيث " يتشكك الكثير من المصريين في جماعة الإخوان المسلمين ورؤيتها بشأن طريقة إدارة البلاد، كان ينبغي أن يبذل مرسي جهودا أكبر لتعيين رموز المعارضة في حكومته، والتأكد من تمثيل لجنة كتابة الدستور لكل طوائف المجتمع ووجود إجماع واسع على الدستور قبل بدء الاستفتاء عليه ".
كما شككت الصحيفة كذلك في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2014 ورأت " أن الإقبال على التصويت فيها كان ضعيفا فلم يشارك إلا نسبة 47% من إجمالي الناخبين، وعندما انتهى التصويت زعمت الصحيفة أن المراقبين الأجانب قالوا إن الانتخابات لم تستوف المعايير الدولية للديمقراطية ".
• إطار الاحتكار والهيمنة
ارتبط ظهور هذا الإطار بجماعة الإخوان المسلمين، حيث اعتبرت الصحيفة أن الجماعة مارست احتكارا للسلطة فور تولي مرسي رئاسة الجمهورية، ولهذا رأت الصحيفة أن " مخاوف المعارضة مشروعة، فبدلا من أن يقوم مرسي بتشكيل حكومة تضم جميع الأطياف السياسية، سعى مرسي وحزبه لتعزيز قبضتيهما على السلطة، فسارع بكتابة دستور معيب ثارت حوله خلافات مريرة "، " ولهذا انسحب من اللجنة المسئولة عن كتابة الدستور الأعضاء العلمانيون والأقباط المسيحيون بدعوى هيمنة الإسلاميين عليها ".
" وقال منتقدو المسودة الحالية للدستور إنها تفتح مساحة واسعة أمام الإسلاميين للهيمنة والتعدي على حقوق أقليات مثل المسيحيين ".
كما ظهر إطار الاحتكار في سعي مرسي لقمع الصحفيين من أجل الهيمنة على السلطة حيث " يتخوف منتقدو مرسي من أن تكون حملة قمع الصحفيين مؤشرا على رغبة الإسلاميين في الهيمنة على جميع جوانب الحياة، سيبدو الأمر مأسويا إذا تبين أن مصر قد بذلت كل هذه الجهود للتخلص من الاستبداد تحت حكم مبارك، لتجد أن مرسي قد عاد لذات الأساليب غير المتسامحة "، " فجماعة الإخوان استخدموا الانتخابات لاحتكار السلطة وتشويه سمعة الخصوم، وتعزيز الصلة بالمتشددين الإسلاميين ".
• إطار النقد
جاء إطار النقد مقترنا دائما بالحديث عن كتابة الدستور، حيث انتقدت صحيفة النيويورك تايمز دستور 2012 ودستور 2013 معا " فالرئيس مرسي كان ينبغي عليه تأجيل الاستفتاء وإعادة تشكيل جمعية لكتابة الدستور يهيمن عليها حلفاء الإخوان المسلمين بدرجة أقل، وتكليف أعضائها بكتابة مسودة معدلة تتجاوب مع مخاوف خصومه الأكثر ليبرالية وعلمانية "، " كما أن مرسي خرج عن المسار الصحيح ليؤسس دستورا تثور حوله خلافات عميقة لكونه يمنح الرئيس سلطات شبه ديكتاتورية ".
هذا فيما يخص دستور مرسي، أما دستور 2013 فتنقده الصحيفة أيضا وترى " أن مسودة الدستور الجديدة لا تلبي الوعد الثوري للربيع العربي، فهي تعزز صلاحيات المؤسسات السيادية التي ضيقت الخناق على مصر طويلا ووضعتها داخل قبضتها الحديدية "، " فمصر تقترب للأسف الشديد من تمرير دستور يمهد الطريق لإنشاء نظام سلطوي سعت ثورة 2011 إلى القضاء عليه ".
وتقارن الصحيفة بين الدستورين وتنتقدهما في موضع آخر حيث تذهب إلى " أن مرسي وداعميه كتبوا العام الماضي دستورا يعزز دور الشريعة الإسلامية ويقيد الحريات، والدستور الجديد يعد معيبا بنفس الدرجة؛ لأنه تمت كتابته بمشاركة محدودة للغاية من الإسلاميين، وتم تغيير أحد مواده في اللحظات الأخيرة، ليتم كذلك تعزيز احتمالية عدم سماح الجيش بإجراء انتخابات البرلمان قبل انتخاب رئيس جديد ".
ثالثا: مناقشة نتائج الدراسة
سعت الدراسة إلى الكشف عن صورة مصر في افتتاحيات صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست في الفترة التي قبل 30 يونيو 2013 والفترة التي أعقبتها، حيث قامت الدراسة بتحليل 154 مقالة افتتاحية تناولت مصر في هاتين الصحيفتين، وذلك باستخدام منهج المسح واستمارة تحليل المضمون بشقيه الكمي والكيفي، وانتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج كان أبرزها :
1) سلبية الصورة المقدمة عن مصرفي افتتاحيات صحيفتى الدراسة، ويبدو ذلك واضحا في سلبية كل الأطر الإعلامية التي ظهرت بها صورة مصر، وكذلك سلبية أدوار كل القوى الفاعلة التي شكلت صورة مصر في افتتاحيات الصحيفتين، باستثناء قوة واحدة فقط ظهرت بشكل إيجابي هي حركة 6 إبريل، التي اعتبرتها الصحيفتان حركة ليبرالية قادت الحراك الديمقراطي في ثورة 25 يناير 2011 ضد الرئيس حسنى مبارك.
2) تشابه موقف الصحيفتين تجاه الأحداث في مصر، حيث اعتبرت الصحيفتان أحداث 30 يونيو انقلابا عسكريا من الجيش على الديمقراطية، وإن كانت كلتا الصحيفتين قد حملت مرسي وجماعته مسئولية الأزمة السياسية التي مرت بها مصر في تلك الفترة، ويؤكد تشابه موقف الصحيفتين نتائج الفرض الأول التي أثبتت عدم وجود فروق معنوية بين الصحيفتين فى تناولهما للقضايا الخاصة بمصر، إلا في قضية واحدة ( هي قضية المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر ) من أصل ست قضايا اهتمت بها الصحيفتان في معالجتهما لصورة مصر.
3) اختلاف الأطر التي ظهرت بها صورة مصر قبل 30 يونيو عن الفترة التي بعدها، حيث كان إطار النقد، وإطار إدانة العنف السياسي، وإطار الصراع علي السلطة، وإطار التحريض، وإطار الشفقة، وإطار المصلحة أكثر ظهورا وتوظيفا في الفترة التي بعد 30 يونيو 2013 عن الفترة التي قبلها، بل إن إطار الشفقة والتعاطف التي أظهرتهما الصحيفتان تجاه جماعة الإخوان المسلمين وإطار تغليب أمريكا للمصلحة الخاصة بها لم يظهرا إلا بعد 30 يونيو 2013.
4) مارست الصحيفتان تحريضا واضحا ضد مصر وضد جيشها، بل لامت الصحيفتان في كثير من افتتاحياتهما أمريكا لعدم اتخاذها موقفا حاسما ضد مصر، وإن كانت صحيفة الواشنطن بوست أكثر حدة وتحريضا من صحيفة النيويورك تايمز، ويؤكد هذا احتلال إطار التحريض مرتبة متقدمة فى كلتا الصحيفتين ( المرتبة الأولي في الواشنطن بوست والمرتبة الثانية في النيويورك تايمز).
5) جاءت بعض القوى الفاعلة التي شكلت صورة مصر مختلفة في طرح الصحيفتين، حيث أولت النيويورك تايمز اهتماما أكبر لمحمد مرسي، والمعارضة السياسية، والقضاة في تشكيل صورة مصر عن صحيفة الواشنطن بوست.
6) أظهرت الصحيفتان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتغليب مصلحتها بعد فترة 30يونيو2013، حيث إنه عندما اختلفت الإدارة الأمريكية مع الجيش المصري والسلطات المصرية بشأن المسار الديمقراطي في مصر بعد 30 يونيو 2013، لم يهمها سوى الحفاظ على مصالحها الأساسية في المنطقة (الحفاظ على أمن حليفتها الإستراتيجية إسرائيل، والمرور من قناة السويس، وتدفق النفط) بغض النظر عن مصالح مصر وأمنها.
7) اعتراف الصحيفتين بقوة الجيش المصري كقوة لا يستهان بها في المنطقة، سواء داخليا أو خارجيا على الرغم من الأدوار السلبية التي نسبتها الصحيفتان له في أكثر من موضع في افتتاحياتهما.
8) تشابه موقف السياسة التحريرية للصحيفتين مع موقف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه أحداث 30 يونيو 2013، حيث اتخذ كل منهما موقفا مضادا من هذه الأحداث، وهذا يؤيد ما ذهبت إليه الدراسات السابقة من أن وسائل الإعلام الدولية ما هي إلا أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول.
*وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة
*ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز