حسابات معقدة: المواقف الإقليمية والدولية الجديدة من الأزمة السورية
الأحد 21/فبراير/2016 - 11:06 ص
إبراهيم نوّار
لفترة وجيزة خيّم على العالم شبح وقوع حرب عالمية جديدة مركزها سوريا. وبعد أن زمجرت وأرغت وأزبدت قوى إقليمية تتوعد بتدخل بري في سوريا لاقتلاع الأسد من كرسي الحكم وإطلاق أيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة للسيطرة على البلد الذي تحول إلى خرابة بحجم دولة، هدأت العاصفة، وتبخرت الرغاوى والزبد، وعادت الأمور لتستقر بأيدي القوتين العسكريتين الأكبر في العالم، الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية. وخلال الرحلة منذ ظهور شبح الحرب إلى ابتعاده أخيرا، طفت على السطح أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات. ومن أهم تلك الأسئلة سؤال رئيسي بشأن التوازن الرئيسي في العالم الآن والقوى التي تحكمه وتحتكر حق إصدار القرار في الصراعات الدولية. وقد أثبتت التطورات السريعة في الأيام الماضية أن القرار النهائي في الأزمة السورية كان قرارا روسيا- أمريكيا بامتياز، وهو ما يعيدنا- ربما لفترة وجيزة- إلى نظام القطبية الثنائية مرة أخرى.
وكنت قد استنتجت في مقالي المنشور على موقع "المركز العربي للبحوث والدراسات" بتاريخ 10 فبراير بعنوان "غرور القوة ومصادر الضعف: احتمالات التدخل السعودي في سورية" قائلا: "إن الحرب الدائرة في سوريا حاليا قد استوفت تقريبا كل شروط الحرب العالمية، بحضور كل القوى الكبرى، وكل الفرقاء الإقليميين في ساحة القتال، وعجز الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم عن احتوائها." وتأكد هذا الاستنتاج عندما حذر ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي في اليوم التالي في حديث إلى صحيفة هندلزبلات الألمانية من تصعيد الصراع في سوريا داعيا كل الأطراف "للجلوس إلى طاولة التفاوض بدلا من إطلاق حرب عالمية جديدة." وفي 14 فبراير وصفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ما يحدث في سوريا بأنه "حرب عالمية مصغرة" (mini world war) محذرة من انتشار آثارها. وكان التصعيد خلال الأسبوع الثاني من فبراير قد وصل إلى درجة خطيرة، خصوصا عندما قرر الروس على ما يبدو عدم التردد في استخدام أحدث الأسلحة الروسية في ميادين المعارك في سوريا.
وكانت لهجة المسئولين الروس السياسيين والعسكريين حازمة وشديدة الوضوح من ناحية عزم روسيا على التصدي لأي تدخل بري في سوريا.
وكنت قد استنتجت في مقالي المنشور على موقع "المركز العربي للبحوث والدراسات" بتاريخ 10 فبراير بعنوان "غرور القوة ومصادر الضعف: احتمالات التدخل السعودي في سورية" قائلا: "إن الحرب الدائرة في سوريا حاليا قد استوفت تقريبا كل شروط الحرب العالمية، بحضور كل القوى الكبرى، وكل الفرقاء الإقليميين في ساحة القتال، وعجز الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم عن احتوائها." وتأكد هذا الاستنتاج عندما حذر ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي في اليوم التالي في حديث إلى صحيفة هندلزبلات الألمانية من تصعيد الصراع في سوريا داعيا كل الأطراف "للجلوس إلى طاولة التفاوض بدلا من إطلاق حرب عالمية جديدة." وفي 14 فبراير وصفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ما يحدث في سوريا بأنه "حرب عالمية مصغرة" (mini world war) محذرة من انتشار آثارها. وكان التصعيد خلال الأسبوع الثاني من فبراير قد وصل إلى درجة خطيرة، خصوصا عندما قرر الروس على ما يبدو عدم التردد في استخدام أحدث الأسلحة الروسية في ميادين المعارك في سوريا.
وكانت لهجة المسئولين الروس السياسيين والعسكريين حازمة وشديدة الوضوح من ناحية عزم روسيا على التصدي لأي تدخل بري في سوريا.
أدت التطورات العسكرية التي وقعت في ليلة 15 فبراير إلى تغيير كبير في موازين القوى على الأرض لمصلحة قوات الرئيس السوري بشار الأسد والقوى المتحالفة عنه
أولا: ليلة لم تنم فيها أنقرة والرياض
كانت ليلة 15 فبراير تاريخا حاسما على ما يبدو في إبعاد شبح التدخل البري السعودي- التركي في سوريا. ففي هذه الليلة انطلقت القوات الرسمية السورية في عمليات عسكرية واسعة النطاق على محاور حلب واللاذقية ودير الزور وحمص وحماه وإدلب في وقت متزامن. وأبدت هذه القوات بسالة نادرة مستعينة بمساندة جوية غير مشروطة من الطيران الروسي وبأسلحة قتالية حديثة أهمها الدبابة الروسية تي-90 المضادة للصواريخ الخارقة للدروع. وتمكنت قوات الجيش السوري من تحقيق انتصارات كبيرة في هذه المناطق، بينما نجحت قوات حماية الشعب الكردية وميليشيات حزب الاتحاد االديمقراطي الكردي (السوري) في تحرير النقاط الإستراتيجية على الطريق من حلب إلى الحدود التركية، بما في ذلك قاعدة (مينغ) الجوية القريبة من الحدود التركية من قوات جبهة النصرة وفصائل الجيش السوري الحر الذي أسسته الولايات المتحدة الأمريكية وتدعمه واشنطن والرياض وأنقرة.
وبعد سيطرة القوات الكردية على القاعدة الجوية في مينغ ومدينة تل رفعت بدأت القوات التركية قصفا عنيفا للقاعدة التي كانت تسيطر عليها من قبل قوات جبهة النصرة. بينما بدأت في الوقت نفسه قوات الجيش السوري الحر ( نحو 14 ألف مقاتل) في الإنسحاب من مواقعها في شمال حلب إلى داخل تركيا ومعهم قائد الجيش جمال معروف، وبذلك أصبح الطريق من حلب إلى تركيا عبر "باب الهوا" تحت حراسة مقاتلين من جبهة النصرة ومن جماعة أحرار الشام. وتخشى تركيا من إن مثل هذه الجماعات لن تستطيع الصمود أمام هجمات يشنها الأكراد وقوات الجيش السوري المدعومون بقوة من إيران ومن روسيا. ومن وجهة النظر التركية فإن سقوط الطريق إلى المعبر الحدودي مع سوريا، واحتمال سقوط المعبر نفسه يهدد بتدفق موجة عارمة من اللاجئين الفارين من مناطق القتال في سوريا إلى داخل تركيا.
وأدت التطورات العسكرية التي وقعت في ليلة 15 فبراير إلى تغيير كبير في موازين القوى على الأرض لمصلحة قوات الرئيس السوري بشار الأسد والقوى المتحالفة عنه. وقد عبر وزير الدفاع الإيراني حسين دهقاني عن ذلك عند بدء زيارة له إلى موسكو في اليوم نفسه. وقال دهقاني في تصريحات أدلى بها لدى وصوله إلى العاصمة الروسية "إن التعاون بين روسيا وإيران أدى إلى تغيير الموازين العسكرية وإقامة واقع جديد على الأرض في سوريا".
وثبت من المعارك التي جرت على جبهات شمال وشرق حلب ومناطق الوسط والشرق والجنوب أن قوات الأسد والقوى المتحالفة معها تتمتع بروح قتالية عالية على العكس من جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا. وقد لاحظ الخبراء العسكريون أن مقاتلي تلك الجماعات عندما يفرون من مواقعهم فإنهم يتركون وراءهم الأسلحة التي زودهم بها الأمريكان والأتراك والسعوديون، مما يعني أن المكاسب التي تحققها قوات الأسد لا تتوقف على احتلال مواقع كانت تحتلها قوات المعارضة، وإنما يضاف إلى ذلك الحصول على أسلحة وذحائر يتم استخدامها فيما بعد ضد جماعات المتمردين.
وزيادة على ذلك فإن قلق السعودية كان يتزايد بمقدار أكبر بسبب ما تعرضت له قوات التحالف العربي في اليمن من خسائر في اليوم نفسه، والتقدم الذي أحرزته قوات المتمردين الحوثيين المتحالفين مع الرئيس اليمني السابق علي عبد اللـه صالح من تقدم في مناطق تعز والجوف ومأرب، والخسائر التي لحقت بالسعوديين في مدينة جازان وظهران الجنوبية بسبب قصف مدفعي وصاروخي من قواعد للحوثيين في داخل اليمن. إن السعودية التي تريد أن تتمدد عسكريا وجدت نفسها في حال لا تحسد عليه في تلك الليلة.
ثانيا: اجتماع حاسم للحكومة التركية
وبعد التطورات السريعة التي وقعت يوم 15 فبراير عقدت الحكومة التركية اجتماعا حاسما في اليوم التالي لإعادة تقييم الموقف، والنظر في الخطط المستقبلية بشأن الوضع في سوريا بشكل عام، وعلى الحدود التركية- السورية بشكل خاص. وبعد مناقشات حامية توصلت الحكومة إلى قرار مضمونه إنه لا يجب أن تتورط تركيا في مغامرة عسكرية غير محسوبة وغير مضمونة العواقب في شمال سوريا، مع التأكيد في الوقت نفسه على ضرورة الإستعداد لضمان سلامة الحدود ومنع تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا.
وفي أعقاب هذا الاجتماع، واطلاع الرئيس التركي على نتائجه، إتصل رجب طيب أردوغان بالملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض لإبلاغه بموقف الحكومة التركية. ومع ذلك فإن الرئيس التركي حاول أيضا خلال الإتصال أن يؤكد على موقف تركيا الداعم للملكة العربية السعودية في سعيها لإسقاط بشار الأسد.
كانت ليلة 15 فبراير تاريخا حاسما على ما يبدو في إبعاد شبح التدخل البري السعودي- التركي في سوريا. ففي هذه الليلة انطلقت القوات الرسمية السورية في عمليات عسكرية واسعة النطاق على محاور حلب واللاذقية ودير الزور وحمص وحماه وإدلب في وقت متزامن. وأبدت هذه القوات بسالة نادرة مستعينة بمساندة جوية غير مشروطة من الطيران الروسي وبأسلحة قتالية حديثة أهمها الدبابة الروسية تي-90 المضادة للصواريخ الخارقة للدروع. وتمكنت قوات الجيش السوري من تحقيق انتصارات كبيرة في هذه المناطق، بينما نجحت قوات حماية الشعب الكردية وميليشيات حزب الاتحاد االديمقراطي الكردي (السوري) في تحرير النقاط الإستراتيجية على الطريق من حلب إلى الحدود التركية، بما في ذلك قاعدة (مينغ) الجوية القريبة من الحدود التركية من قوات جبهة النصرة وفصائل الجيش السوري الحر الذي أسسته الولايات المتحدة الأمريكية وتدعمه واشنطن والرياض وأنقرة.
وبعد سيطرة القوات الكردية على القاعدة الجوية في مينغ ومدينة تل رفعت بدأت القوات التركية قصفا عنيفا للقاعدة التي كانت تسيطر عليها من قبل قوات جبهة النصرة. بينما بدأت في الوقت نفسه قوات الجيش السوري الحر ( نحو 14 ألف مقاتل) في الإنسحاب من مواقعها في شمال حلب إلى داخل تركيا ومعهم قائد الجيش جمال معروف، وبذلك أصبح الطريق من حلب إلى تركيا عبر "باب الهوا" تحت حراسة مقاتلين من جبهة النصرة ومن جماعة أحرار الشام. وتخشى تركيا من إن مثل هذه الجماعات لن تستطيع الصمود أمام هجمات يشنها الأكراد وقوات الجيش السوري المدعومون بقوة من إيران ومن روسيا. ومن وجهة النظر التركية فإن سقوط الطريق إلى المعبر الحدودي مع سوريا، واحتمال سقوط المعبر نفسه يهدد بتدفق موجة عارمة من اللاجئين الفارين من مناطق القتال في سوريا إلى داخل تركيا.
وأدت التطورات العسكرية التي وقعت في ليلة 15 فبراير إلى تغيير كبير في موازين القوى على الأرض لمصلحة قوات الرئيس السوري بشار الأسد والقوى المتحالفة عنه. وقد عبر وزير الدفاع الإيراني حسين دهقاني عن ذلك عند بدء زيارة له إلى موسكو في اليوم نفسه. وقال دهقاني في تصريحات أدلى بها لدى وصوله إلى العاصمة الروسية "إن التعاون بين روسيا وإيران أدى إلى تغيير الموازين العسكرية وإقامة واقع جديد على الأرض في سوريا".
وثبت من المعارك التي جرت على جبهات شمال وشرق حلب ومناطق الوسط والشرق والجنوب أن قوات الأسد والقوى المتحالفة معها تتمتع بروح قتالية عالية على العكس من جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا. وقد لاحظ الخبراء العسكريون أن مقاتلي تلك الجماعات عندما يفرون من مواقعهم فإنهم يتركون وراءهم الأسلحة التي زودهم بها الأمريكان والأتراك والسعوديون، مما يعني أن المكاسب التي تحققها قوات الأسد لا تتوقف على احتلال مواقع كانت تحتلها قوات المعارضة، وإنما يضاف إلى ذلك الحصول على أسلحة وذحائر يتم استخدامها فيما بعد ضد جماعات المتمردين.
وزيادة على ذلك فإن قلق السعودية كان يتزايد بمقدار أكبر بسبب ما تعرضت له قوات التحالف العربي في اليمن من خسائر في اليوم نفسه، والتقدم الذي أحرزته قوات المتمردين الحوثيين المتحالفين مع الرئيس اليمني السابق علي عبد اللـه صالح من تقدم في مناطق تعز والجوف ومأرب، والخسائر التي لحقت بالسعوديين في مدينة جازان وظهران الجنوبية بسبب قصف مدفعي وصاروخي من قواعد للحوثيين في داخل اليمن. إن السعودية التي تريد أن تتمدد عسكريا وجدت نفسها في حال لا تحسد عليه في تلك الليلة.
ثانيا: اجتماع حاسم للحكومة التركية
وبعد التطورات السريعة التي وقعت يوم 15 فبراير عقدت الحكومة التركية اجتماعا حاسما في اليوم التالي لإعادة تقييم الموقف، والنظر في الخطط المستقبلية بشأن الوضع في سوريا بشكل عام، وعلى الحدود التركية- السورية بشكل خاص. وبعد مناقشات حامية توصلت الحكومة إلى قرار مضمونه إنه لا يجب أن تتورط تركيا في مغامرة عسكرية غير محسوبة وغير مضمونة العواقب في شمال سوريا، مع التأكيد في الوقت نفسه على ضرورة الإستعداد لضمان سلامة الحدود ومنع تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا.
وفي أعقاب هذا الاجتماع، واطلاع الرئيس التركي على نتائجه، إتصل رجب طيب أردوغان بالملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض لإبلاغه بموقف الحكومة التركية. ومع ذلك فإن الرئيس التركي حاول أيضا خلال الإتصال أن يؤكد على موقف تركيا الداعم للملكة العربية السعودية في سعيها لإسقاط بشار الأسد.
إن التعاون بين روسيا وإيران أدى إلى تغيير الموازين العسكرية وإقامة واقع جديد على الأرض في سوريا
ثالثا: بيان مجلس الأمن
مع زيادة القصف المدفعي التركي للقرى الحدودية المتاخمة في شمال سورية، واستهداف مراكز تجمع مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذين كانوا قد نجحوا في السيطرة على العديد من القرى والمواقع المطلة على الطريق الرئيسي للإمدادات بين تركيا وشمال سوريا، ازداد النشاط الدبلوماسي الداعم للأكراد، وزادت الضغوط على تركيا من أجل التوقف عن قصف مواقع الميليشيات الكردية. وتضمنت تلك الضغوط مكالمة هاتفية بين نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن وبين رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو (13 فبراير) طالب فيها بايدن بضرورة وقف القصف المدفعي على قوات حماية الشعب الكردية وعلى ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مع تأكيد موقف الولايات المتحدة الداعم لتركيا في الهجوم على مواقع داعش ومواقع حزب العمال التركي الكردستاني.
وبعد ذلك بيومين (15 فبراير) إتصل وزير الخارجية الفرنسي بنظيره التركي لإبلاغه احتجاج فرنسا على القصف التركي لقرى شمال سوريا. وترددت نغمات الإدانة للقصف التركي لقرى شمال حلب في عدد من العواصم الأورابية، مما يشير إلى حال من الإجماع تقريبا على إدانة الضربات التركية لقرى شمال سورية التي تستهدف المواقع العسكرية للقوات الكردية على وجه الخصوص.
وعندئذ أدركت الحكومة السورية إنها في وضع يسمح لها بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن تطلب فيها وقف العمليات العسكرية في شمال البلاد. وقد حصلت سوريا على دعم روسيا المبدئي في تأييد هذه الشكوى. وبناء عليه فقد اجتمع مجلس الأمن في يوم 16 فبراير لنظر الشكوى السورية، ووافق الأعضاء بالإجماع على إصدار بيان يعرب عن القلق الشديد من عمليات القصف التركي حسب تصريحات سفير ممثل فنزويلا في مجلس الأمن (السفير رفائيل داريو راميريز كارينيو رئيس دور الانعقاد الشهري للمجلس)، ويدعو الحكومة التركية للالتزام بالقانون الدولي وعدم التدخل في سوريا ووقف ضرباتها ضد القرى الشمالية في سوريا وضد قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات حماية الشعب الكردية.
وعندما سئل رئيس مجلس الأمن عن موقف أعضاء المجلس من البيان الذي ألقاه في نهاية الاجتماع، رد بأن "الدول الأعضاء وافقت بالإجماع على البيان". ويمثل هذا البيان نصرا دبلوماسيا كبيرا لسوريا يضاف إلى الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات الجيش السوري والقوات المتحالفة معه خلال الأيام السابقة منذ بدأت دعوات التصعيد والدعوة للتدخل البري في سوريا.
رابعا: تراجع حدة التصريحات السعودية
اتسمت التصريحات السورية بشأن الوضع في سوريا قبل 15 فبراير بقدر كبير من التشدد في الدعوة إلى التدخل البري. لكن المجهود السعودي في الأزمة السورية انتهى إلى إرسال 4 طائرات إف-16 للمشاركة في الضربات الجوية ضد مراكز داعش، والتأكيد على أن إرسال قوات برية سعودية إلى سوريا هو أمر يتوقف على موافقة قيادة التحالف الدولي ضد داعش. وحقيقة الأمر أن الدعوة إلى التدخل البري في سوريا لم تكن تتعلق بالحرب على داعش بقدر ما كانت تنبع أساسا من الرغبة في هزيمة قوات بشار الأسد. وكانت نتائج الاجتماعات التي تمت في ميونيخ وبروكسيل بشأن الأزمة السورية واضحة، وأهمها أن القرار بشأن إرسال قوات برية للحرب في سوريا هو قرار أمريكي في المقام الأول. وقد جاءت تصريحات العميد العسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي في الحرب اليمنية في الأيام التالية أقل حدة وأكثر ليونة بكثير عما كانت عليها الحال قبل منتصف فبراير.
ومن الواضح أن القيادة السعودية أعطت العسيري ونوافذ الإعلام السعودي الضوء الأخضر لشن حملة إعلامية تبرئ السعودية من التأخر في إرسال قواتها البرية إلى سوريا، وبيع حجة أن القرار بشأن هذه القوات يعود إلى قيادة قوات التحالف الدولي وليس للسعودية دخل فيه. وتظهر تصريحات أدلى بها العسيري إلى قناة "العربية" وإلى صحيفة "الشرق الأوسط" بعد انتهاء اجتماعات بروكسيل وميونيخ هذه النبرة الجديدة في الخطاب السعودي بشأن الأزمة السورية. ثم جاءت بعد ذلك تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى وكالة الأنباء الفرنسية التي أكد فيها أن دور القوات السعودية في سوريا هو المشاركة في الحرب على داعش، أما مسألة الموقف من الرئيس السوري، فإن القرار بشأنه هو مسئولية التحالف الدولي. بمعنى آخر أن السعودية لم تعد ترى أن هدفها الأول في سوريا هو إسقاط بشار الأسد. ومع ذلك فإن عودة وزير الخارجية السعودي للدعوة إلى زيادة تسليح المعارضة السورية وتمكينها من الدفاع عن نفسها بضرورة تزويدها بمضادات وبصورايخ للدفاع الجوي (در شبيجل الألمانية 20 فبراير) يشير إلى أن هدف السعودية في الإطاحة بالأسد لم يتزحزح.
ومن الضروري إعادة قراءة الموقف السعودي بشأن الأزمة السورية منذ عام 2011 حتى الآن. وسوف نجد عند إعادة قراءة ذلك الموقف أن القرار النهائي بشأن إستراتيجية السعودية في سوريا كان دائما يخضع للخيارات الأمريكية، وأن الخيارات الأمريكية في سوريا تأثرت إلى حد كبير بمسار المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وأن خيار إقصاء الأسد عن السلطة، وهو الهدف الأولي للإستراتيجية السعودية لم يعد بالقدر نفسه الهدف الأولي للإستراتيجية الأمريكية في سوريا، والتي تعني في المقام الأول بمحاربة داعش بالطريقة التي تراها الولايات المتحدة ملائمة.
وكانت السعودية قد اعتقدت أنها يمكن أن تحصل على موافقة أمريكية أولية للتدخل البري في سوريا (تحت حماية أمريكية) وأن تعزز ذلك بعقد صفقة مع موسكو (تتضمن عقودا عسكرية وتجارية وتعاونا نفطيا) وأعلنت أن الملك سلمان سيقوم بزيارة إلى روسيا، لكنها تراجعت عن كل ذلك، ونفت وجود أي اتفاق بشأن موعد الزيارة، بعد أن اتضح أن الروس مصممون على مساندة بشار الأسد إلى آخر الطريق. لكن المكالمة الهاتفية بين الملك سلمان وبين الرئيس بوتين (19 فبراير) تشير إلى أن السعودية لن تمانع في اتخاذ خطوات للتقارب مع موسكو وتخفيف حدة الخلاف بينهما بشأن الوضع في سوريا والموقف من الأسد.
مع زيادة القصف المدفعي التركي للقرى الحدودية المتاخمة في شمال سورية، واستهداف مراكز تجمع مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذين كانوا قد نجحوا في السيطرة على العديد من القرى والمواقع المطلة على الطريق الرئيسي للإمدادات بين تركيا وشمال سوريا، ازداد النشاط الدبلوماسي الداعم للأكراد، وزادت الضغوط على تركيا من أجل التوقف عن قصف مواقع الميليشيات الكردية. وتضمنت تلك الضغوط مكالمة هاتفية بين نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن وبين رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو (13 فبراير) طالب فيها بايدن بضرورة وقف القصف المدفعي على قوات حماية الشعب الكردية وعلى ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مع تأكيد موقف الولايات المتحدة الداعم لتركيا في الهجوم على مواقع داعش ومواقع حزب العمال التركي الكردستاني.
وبعد ذلك بيومين (15 فبراير) إتصل وزير الخارجية الفرنسي بنظيره التركي لإبلاغه احتجاج فرنسا على القصف التركي لقرى شمال سوريا. وترددت نغمات الإدانة للقصف التركي لقرى شمال حلب في عدد من العواصم الأورابية، مما يشير إلى حال من الإجماع تقريبا على إدانة الضربات التركية لقرى شمال سورية التي تستهدف المواقع العسكرية للقوات الكردية على وجه الخصوص.
وعندئذ أدركت الحكومة السورية إنها في وضع يسمح لها بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن تطلب فيها وقف العمليات العسكرية في شمال البلاد. وقد حصلت سوريا على دعم روسيا المبدئي في تأييد هذه الشكوى. وبناء عليه فقد اجتمع مجلس الأمن في يوم 16 فبراير لنظر الشكوى السورية، ووافق الأعضاء بالإجماع على إصدار بيان يعرب عن القلق الشديد من عمليات القصف التركي حسب تصريحات سفير ممثل فنزويلا في مجلس الأمن (السفير رفائيل داريو راميريز كارينيو رئيس دور الانعقاد الشهري للمجلس)، ويدعو الحكومة التركية للالتزام بالقانون الدولي وعدم التدخل في سوريا ووقف ضرباتها ضد القرى الشمالية في سوريا وضد قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات حماية الشعب الكردية.
وعندما سئل رئيس مجلس الأمن عن موقف أعضاء المجلس من البيان الذي ألقاه في نهاية الاجتماع، رد بأن "الدول الأعضاء وافقت بالإجماع على البيان". ويمثل هذا البيان نصرا دبلوماسيا كبيرا لسوريا يضاف إلى الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات الجيش السوري والقوات المتحالفة معه خلال الأيام السابقة منذ بدأت دعوات التصعيد والدعوة للتدخل البري في سوريا.
رابعا: تراجع حدة التصريحات السعودية
اتسمت التصريحات السورية بشأن الوضع في سوريا قبل 15 فبراير بقدر كبير من التشدد في الدعوة إلى التدخل البري. لكن المجهود السعودي في الأزمة السورية انتهى إلى إرسال 4 طائرات إف-16 للمشاركة في الضربات الجوية ضد مراكز داعش، والتأكيد على أن إرسال قوات برية سعودية إلى سوريا هو أمر يتوقف على موافقة قيادة التحالف الدولي ضد داعش. وحقيقة الأمر أن الدعوة إلى التدخل البري في سوريا لم تكن تتعلق بالحرب على داعش بقدر ما كانت تنبع أساسا من الرغبة في هزيمة قوات بشار الأسد. وكانت نتائج الاجتماعات التي تمت في ميونيخ وبروكسيل بشأن الأزمة السورية واضحة، وأهمها أن القرار بشأن إرسال قوات برية للحرب في سوريا هو قرار أمريكي في المقام الأول. وقد جاءت تصريحات العميد العسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي في الحرب اليمنية في الأيام التالية أقل حدة وأكثر ليونة بكثير عما كانت عليها الحال قبل منتصف فبراير.
ومن الواضح أن القيادة السعودية أعطت العسيري ونوافذ الإعلام السعودي الضوء الأخضر لشن حملة إعلامية تبرئ السعودية من التأخر في إرسال قواتها البرية إلى سوريا، وبيع حجة أن القرار بشأن هذه القوات يعود إلى قيادة قوات التحالف الدولي وليس للسعودية دخل فيه. وتظهر تصريحات أدلى بها العسيري إلى قناة "العربية" وإلى صحيفة "الشرق الأوسط" بعد انتهاء اجتماعات بروكسيل وميونيخ هذه النبرة الجديدة في الخطاب السعودي بشأن الأزمة السورية. ثم جاءت بعد ذلك تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى وكالة الأنباء الفرنسية التي أكد فيها أن دور القوات السعودية في سوريا هو المشاركة في الحرب على داعش، أما مسألة الموقف من الرئيس السوري، فإن القرار بشأنه هو مسئولية التحالف الدولي. بمعنى آخر أن السعودية لم تعد ترى أن هدفها الأول في سوريا هو إسقاط بشار الأسد. ومع ذلك فإن عودة وزير الخارجية السعودي للدعوة إلى زيادة تسليح المعارضة السورية وتمكينها من الدفاع عن نفسها بضرورة تزويدها بمضادات وبصورايخ للدفاع الجوي (در شبيجل الألمانية 20 فبراير) يشير إلى أن هدف السعودية في الإطاحة بالأسد لم يتزحزح.
ومن الضروري إعادة قراءة الموقف السعودي بشأن الأزمة السورية منذ عام 2011 حتى الآن. وسوف نجد عند إعادة قراءة ذلك الموقف أن القرار النهائي بشأن إستراتيجية السعودية في سوريا كان دائما يخضع للخيارات الأمريكية، وأن الخيارات الأمريكية في سوريا تأثرت إلى حد كبير بمسار المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وأن خيار إقصاء الأسد عن السلطة، وهو الهدف الأولي للإستراتيجية السعودية لم يعد بالقدر نفسه الهدف الأولي للإستراتيجية الأمريكية في سوريا، والتي تعني في المقام الأول بمحاربة داعش بالطريقة التي تراها الولايات المتحدة ملائمة.
وكانت السعودية قد اعتقدت أنها يمكن أن تحصل على موافقة أمريكية أولية للتدخل البري في سوريا (تحت حماية أمريكية) وأن تعزز ذلك بعقد صفقة مع موسكو (تتضمن عقودا عسكرية وتجارية وتعاونا نفطيا) وأعلنت أن الملك سلمان سيقوم بزيارة إلى روسيا، لكنها تراجعت عن كل ذلك، ونفت وجود أي اتفاق بشأن موعد الزيارة، بعد أن اتضح أن الروس مصممون على مساندة بشار الأسد إلى آخر الطريق. لكن المكالمة الهاتفية بين الملك سلمان وبين الرئيس بوتين (19 فبراير) تشير إلى أن السعودية لن تمانع في اتخاذ خطوات للتقارب مع موسكو وتخفيف حدة الخلاف بينهما بشأن الوضع في سوريا والموقف من الأسد.
حققت القوات الكردية مكاسب إستراتيجية مهما في شمال حلب، وسيطرت على قطاعات مهمة من الطريق المؤدي إلى المنفذ الحدودي البري بين سوريا وتركيا
خامسًا: الموقف على الأرض
تبدو قوات الأسد وحلفاؤه في موقف أقوى بكثير عما كانت عليها الحال عندما أطلقت المملكة العربية السعودية دعوتها إلى ضرورة التدخل البري في سورية للإطاحة بالأسد. وبينما حققت القوات الكردية مكاسب إستراتيجية مهما في شمال حلب، وسيطرت على قطاعات مهمة من الطريق المؤدي إلى المنفذ الحدودي البري بين سوريا وتركيا، فإن الجيش السوري استطاع السيطرة على عدد مهم من المواقع الإستراتيجية في القتال الدائر على جبهات حماة وحمص واللاذقية ودرعا إلى جانب اكتساح ريف حلب الشرقي. ومن المتوقع أن تستغل القوات السورية والكردية وحلفاؤها فترة الهدنة الإنسانية الهشة الحالية في تعزيز مواقعها وإعادة ترتيب صفوفها لمواصلة القتال. ومع ذلك فإن السوريين يجب عليهم الأخذ في الحسبان أن إستراتيجيتهم قد تختلف عن إستراتيجية الروس. ومن ثم فإن تصريحات الأسد عن استعداده للقتال حتى استرجاع كل المناطق السورية التي فقدها في القتال ضد القوات المعادية له هي نوع من التمني الذي قد لا يستطيع الأسد تحقيقه. ومع ذلك فإن تصلب أردوغان في مواجهة الأكراد خصوصا بعد تفجيرات أنقرة الأخيرة (17 فبراير) ربما يؤدي إلى استمرار القصف التركي لمواقع الأكراد. وقد لجأت تركيا أخيرا إلى القصف الصاروخي بدلا من القصف المدفعي لمواقع القوات الكردية في شمال سوريا.
إن ما حدث خلال الأيام الماضية يجب النظر إليه فقط في إطار تعديل توازنات القوى على الأرض من أجل تحسين فرص الأسد في التفاوض على مستقبل سوريا. وتبدو خريطة المستقبل في سوريا أشد تعقيدا مما يعتقد البعض نظرا لتداخل وتشابك الصراعات الطائفية والإثنية والإمتدادات الإقليمية والدولية لهذه الصراعات. لقد أصبح الأسد أكثر قوة، ولم يعد من المنطقي الدعوة إلى رحيله قبل أن تبدأ المفاوضات بشأن مستقبل سوريا. انتهت هذه الأمنية التي كان يتمناها السعوديون والأتراك والمنظمات الحليفة لهما.
سادسا: الموقف التركي الجديد
هو ليس جديدا تماما، لكن إعادة طرحه مرة أخرى تعكس المتغيرات الجديدة والواقع الحالي على الأرض. تركيا تطالب الآن بمطلبين: الأول هو إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بعمق 10 كيلومترات على أن يكون في داخلها مدينة "أعزاز" الإستراتيجية. أما الثاني فهو إقامة منطقة حظر جوي في سوريا بما يضمن سلامة اللاجئين ويوقف قصف الطائرات الروسية والسورية في مناطق القتال وتحسين الفرص من أجل التفاوض. وقد صعدت تركيا لهجتها في الأيام الأخيرة وهددت بتدخل بري في سورية ردا على هجمات أنقرة (17 فبراير) التي اتهمت فيها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا. وقد أوضح حلف الناتو إنه لن يتدخل لحماية تركيا في حال بدأت هي بشن حرب عبر الحدود السورية، مما يترك الموقف التركي مكشوفا من الناحية العسكرية.
ومن الواضح أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا لا تتفقان مع مطالب أنقرة لأسباب تختلف في موسكو عنها في واشنطن. البيت الأبيض يعتقد أن إقامة منطقة حظر جوي ستكون له نتائج عكسية كما إنه مكلف وصعب التنفيذ. أما روسيا فإنها تقول بأن فرض مثل هذه المنطقة هو انتهاك للسيادة السورية وهي دولة عضو بالأمم المتحدة، ولا يمكن فرض منطقة حظر جوي بغير طلب منها وبموافقتها.
ولم تجد دعوة أردوغان إلى إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا تأييدا قويا إلا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قالت في تصريحات لصحيفة "شتوتجارتر زايتونج" (16 فبراير 2016) إن إقامة منطقة حظر جوي قد يكون فكرة جيدة لضمان توصيل المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين والسكان في المناطق المنكوبة بالأعمال القتالية. ودعت ميركل إلى اتفاق بين خصوم الأسد ومؤيديه من أجل الوقوف في وجه تنظيم داعش والانتصار عليه. وهي دعوة ربما تكشف عن الكثير من عدم المعرفة بالواقع السياسي الحقيقي على الأرض وطبيعة العلاقات بين مؤيدي الأسد ومعارضيه. ومن الواضح أن المطلبين التركيين بشأن إقامة منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات داخل سوريا تضم مدينة "أعزاز"، وفرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا لا يتمتع أي منهما بقوة دفع كافية تعينه على التحقق على الأرض.
تبدو قوات الأسد وحلفاؤه في موقف أقوى بكثير عما كانت عليها الحال عندما أطلقت المملكة العربية السعودية دعوتها إلى ضرورة التدخل البري في سورية للإطاحة بالأسد. وبينما حققت القوات الكردية مكاسب إستراتيجية مهما في شمال حلب، وسيطرت على قطاعات مهمة من الطريق المؤدي إلى المنفذ الحدودي البري بين سوريا وتركيا، فإن الجيش السوري استطاع السيطرة على عدد مهم من المواقع الإستراتيجية في القتال الدائر على جبهات حماة وحمص واللاذقية ودرعا إلى جانب اكتساح ريف حلب الشرقي. ومن المتوقع أن تستغل القوات السورية والكردية وحلفاؤها فترة الهدنة الإنسانية الهشة الحالية في تعزيز مواقعها وإعادة ترتيب صفوفها لمواصلة القتال. ومع ذلك فإن السوريين يجب عليهم الأخذ في الحسبان أن إستراتيجيتهم قد تختلف عن إستراتيجية الروس. ومن ثم فإن تصريحات الأسد عن استعداده للقتال حتى استرجاع كل المناطق السورية التي فقدها في القتال ضد القوات المعادية له هي نوع من التمني الذي قد لا يستطيع الأسد تحقيقه. ومع ذلك فإن تصلب أردوغان في مواجهة الأكراد خصوصا بعد تفجيرات أنقرة الأخيرة (17 فبراير) ربما يؤدي إلى استمرار القصف التركي لمواقع الأكراد. وقد لجأت تركيا أخيرا إلى القصف الصاروخي بدلا من القصف المدفعي لمواقع القوات الكردية في شمال سوريا.
إن ما حدث خلال الأيام الماضية يجب النظر إليه فقط في إطار تعديل توازنات القوى على الأرض من أجل تحسين فرص الأسد في التفاوض على مستقبل سوريا. وتبدو خريطة المستقبل في سوريا أشد تعقيدا مما يعتقد البعض نظرا لتداخل وتشابك الصراعات الطائفية والإثنية والإمتدادات الإقليمية والدولية لهذه الصراعات. لقد أصبح الأسد أكثر قوة، ولم يعد من المنطقي الدعوة إلى رحيله قبل أن تبدأ المفاوضات بشأن مستقبل سوريا. انتهت هذه الأمنية التي كان يتمناها السعوديون والأتراك والمنظمات الحليفة لهما.
سادسا: الموقف التركي الجديد
هو ليس جديدا تماما، لكن إعادة طرحه مرة أخرى تعكس المتغيرات الجديدة والواقع الحالي على الأرض. تركيا تطالب الآن بمطلبين: الأول هو إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بعمق 10 كيلومترات على أن يكون في داخلها مدينة "أعزاز" الإستراتيجية. أما الثاني فهو إقامة منطقة حظر جوي في سوريا بما يضمن سلامة اللاجئين ويوقف قصف الطائرات الروسية والسورية في مناطق القتال وتحسين الفرص من أجل التفاوض. وقد صعدت تركيا لهجتها في الأيام الأخيرة وهددت بتدخل بري في سورية ردا على هجمات أنقرة (17 فبراير) التي اتهمت فيها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا. وقد أوضح حلف الناتو إنه لن يتدخل لحماية تركيا في حال بدأت هي بشن حرب عبر الحدود السورية، مما يترك الموقف التركي مكشوفا من الناحية العسكرية.
ومن الواضح أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا لا تتفقان مع مطالب أنقرة لأسباب تختلف في موسكو عنها في واشنطن. البيت الأبيض يعتقد أن إقامة منطقة حظر جوي ستكون له نتائج عكسية كما إنه مكلف وصعب التنفيذ. أما روسيا فإنها تقول بأن فرض مثل هذه المنطقة هو انتهاك للسيادة السورية وهي دولة عضو بالأمم المتحدة، ولا يمكن فرض منطقة حظر جوي بغير طلب منها وبموافقتها.
ولم تجد دعوة أردوغان إلى إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا تأييدا قويا إلا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قالت في تصريحات لصحيفة "شتوتجارتر زايتونج" (16 فبراير 2016) إن إقامة منطقة حظر جوي قد يكون فكرة جيدة لضمان توصيل المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين والسكان في المناطق المنكوبة بالأعمال القتالية. ودعت ميركل إلى اتفاق بين خصوم الأسد ومؤيديه من أجل الوقوف في وجه تنظيم داعش والانتصار عليه. وهي دعوة ربما تكشف عن الكثير من عدم المعرفة بالواقع السياسي الحقيقي على الأرض وطبيعة العلاقات بين مؤيدي الأسد ومعارضيه. ومن الواضح أن المطلبين التركيين بشأن إقامة منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات داخل سوريا تضم مدينة "أعزاز"، وفرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا لا يتمتع أي منهما بقوة دفع كافية تعينه على التحقق على الأرض.
لم تجد دعوة أردوغان إلى إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا تأييدا قويا إلا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
سابعا: أولوية المساعدات الإنسانية
عندما تتعقد الأمور عسكريا، فإن المجتمع الدولي يتحول للانشغال بقضايا الإغاثة والمساعدات الإنسانية. وهذا هو ما يحدث الآن في سوريا بعد أن ابتعد شبح التصعيد نسبيا. ومن الواضح أن الأمين العام للأمم المتحده ومبعوثه الخاص إلى سوريا يجدان في موضوع الإغاثة إنجازا مهما ومستحقا في سوريا، خصوصا وأن العمليات العسكرية بين الخصوم المتحاربين تتجه في العادة إلى فرض الحصار على المدنيين وتركهم للموت أو الاستسلام. وقد تم الإتفاق بين الرئيسين الأمريكي والروسي (هاتفيا في 14 فبراير) على إفساح المجال أمام أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية وتأمين طرق قوافل الإغاثة في كل أنحاء سوريا. وقد بدأت أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية في الأيام الماضية على خلفية تفاهم أوربي- أمريكي- روسي. وتأمل دول الاتحاد الأوربي أن تنجح عمليات الإغاثة توصيل المساعدات إلى اللاجئين في المناطق المنكوبة إلى الحد من تدفق المهاجرين من سوريا إلى أوربا، حيث أصبحت مشكلة تدفق اللاجئين السوريين إحدى أهم المشاكل العاجلة على أولويات السياسات الحكومية في دول الاتحاد الأوربي. وليس من المتوقع استئناف المفاوضات السياسية بشأن سوريا في جنيف في الموعد المقرر (25 فبراير) لكن ذلك لن يمنع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة من الاستمرار في محاولة إقناع الأطراف لعقد اجتماع (ربما في مارس المقبل) مع تركيز جهود الأمم المتحدة حاليا على أعمال الإغاثة الإنسانية.
ثامنا: استمرار التنسيق العسكري
على الرغم من تأجيل اجتماع كان مقررا في جنيف للبحث في تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا، فقد تم عقد اجتماع (الجمعة 19 فبراير) في جنيف للجنة عسكرية روسية - أمريكية مشتركة، تم الاتفاق بين الجانبين على تشكيلها بغرض إجراء تنسيق "يومي منتظم" بشأن العمليات العسكرية الجارية في سوريا، وتفادي وقوع أخطاء أو أعمال تتسبب في سوء الفهم بين الطرفين، خصوصا وأن الطيران الروسي الذي يقوم بغارات على مواقع داعش يمكن أن يصطدم بطيران قوات التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المعروف أن الولايات المتحدة قد أرسلت مجموعات من قوات العمليات الخاصة الأمريكية إلى مناطق الحدود الشمالية للعراق وسوريا المتاخمة لتركيا، بغرض القيام بأعمال استخبارية وتنفيذ عمليات قنص لقيادات داعش في هذه المناطق. ولا تريد الولايات المتحدة لهذه المجموعات أن تتعرض لخطر ضربات روسية تقع بطريق الخطأ.
وربما تصبح "لجنة التنسيق العسكري الأمريكية- الروسية" في الأسابيع المقبلة المكان الذي تتم فيه مراجعة العمليات اليومية، خصوصا وأن الطائرات الروسية تقوم بمهامها في الأجواء السورية بطلب رسمي من الحكومة السورية. وقد أدت حادثة قصف الطائرات الروسية مستشفى "أعزاز" الذي كان يقدم العون الطبي لقوات الجيش السوري الحر وتديره منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية إلى جدل كبير في المجتمع الدولي، حيث طالبت بعض الدول بتقديم شكوى للأمم المتحدة في حين قالت روسيا إن المستشفى يقوم بأعمال مناهضة للحكومة الرسمية وأن وجود الأطباء الفرنسيين وغيرهم فيه تم من دون علم ومن دون موافقة الحكومة السورية.
خاتمة
ابتعد شبح الحرب العالمية في سورية بعد أن حبس العالم أنفاسه لعدة أيام تحسبا لانفجار صراع دولي على الأرض السورية لن يلبث أن يمتد إلى أنحاء كثيرة من العالم. وكان للموقف الروسي الحازم من رفض التدخل البري في سوريا، وإعلان الروس بأنهم سيقصفون أي قوات برية تجرؤ على الدخول إلى سوريا بدون دعوة أو موافقة الحكومة الروسية، الأثر الحاسم في إبعاد شبح الحرب. ويبدو من مراجعة أحداث الأسبوع الماضي بأكمله أن هناك عددا من الدروس والاستنتاجات التي يتعين تسجيلها وإعادة قراءتها من جديد، للاستفادة منها في عملية صنع السياسة أو في التحليل السياسي فيما يتعلق بالأزمة السورية.
الدرس الأول: لن تسمح القوى الكبرى للدول الصغيرة أن تفرض أجندتها على العالم. وعلى الرغم من التحالف السعودي- الأمريكي، فإن الولايات المتحدة رفضت بلباقة دبلوماسية أن تنجر إلى المستنقع السوري بالصورة التي تبتغيها السعودية. السعوديون قالوا إنهم يريدون التدخل البري، فقال لهم الأمريكان، أهلا وسهلا بخبراء ومدربين على الأرض في إطار التحالف الدولي ضد داعش وليس ضد الأسد.
الدرس الثاني: فهمت الدول الصغيرة أو حتى القوى الإقليمية إنها لن تستطيع أن تغامر وحدها بعملية عسكرية غير محسوبة العواقب في سورية، ولذلك فإن كلا من السعودية وتركيا تراجعتا عن خطة إرسال قوات برية إلى سوريا. وعلى الرغم من ذلك فإن تركيا لا تزال حتى الآن تستجدي الذرائع من أجل مواصلة قصف المواقع الكردية القريبة من حدودها. وتعلم الحكومة التركية أن ذلك لن يمر من دون تكلفة سياسية وعسكرية.
الدرس الثالث: استطاع الأسد مرة أخرى أن يؤكد للعالم من خلال موقف مجلس الأمن إنه لا يزال "السلطة الشرعية في سوريا" التي تمارس السيادة في البلاد. واستطاع الأكراد استثمار الموقف لمصلحتهم خلال الأسبوع الماضي، وحققوا عددا من الإنتصارات الإستراتيجية على الأرض وعلى الصعيد الدبلوماسي، حيث وقفت كل دول العالم تقريبا إلى جانبهم ضد القصف التركي لمواقعهم في شمال سوريا. وكلما زاد القصف التركي سيزيد التعاطف العالمي مع الشعب الكردي.
الدرس الرابع: لا يزال توازن القوى العالمي محكوما بالتوافق الروسي – الأمريكي. أما الحديث عن التعددية القطبية فربما يجد لنفسه مكانا في ساحات التفاوض والمناوشات الدبلوماسية. لكن عندما تصل الأمور إلى حد التهديد بالصدام المسلح، فإن صاحب القرار النهائي في ذلك يتمثل في قرار مشترك بين روسيا والولايات المتحدة، بعيدا عن حلفاء أي منهما. مرة ثانية نحن أمام قطبية ثنائية ربما لفترة وجيزة، لكنها لا تزال هناك حية وهي صاحبة القرار.
وسوف تظل الأزمة السورية مستمرة. ولن يتوقف القتال لفترة من الزمن حتى ينضج الحال على الأرض لتقسيم سوريا وإعادة رسم خريطتها. ذلك ما تتمناه القوى المسيطرة في العالم الآن. وأهلا بالحرب الباردة من جديد.
عندما تتعقد الأمور عسكريا، فإن المجتمع الدولي يتحول للانشغال بقضايا الإغاثة والمساعدات الإنسانية. وهذا هو ما يحدث الآن في سوريا بعد أن ابتعد شبح التصعيد نسبيا. ومن الواضح أن الأمين العام للأمم المتحده ومبعوثه الخاص إلى سوريا يجدان في موضوع الإغاثة إنجازا مهما ومستحقا في سوريا، خصوصا وأن العمليات العسكرية بين الخصوم المتحاربين تتجه في العادة إلى فرض الحصار على المدنيين وتركهم للموت أو الاستسلام. وقد تم الإتفاق بين الرئيسين الأمريكي والروسي (هاتفيا في 14 فبراير) على إفساح المجال أمام أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية وتأمين طرق قوافل الإغاثة في كل أنحاء سوريا. وقد بدأت أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية في الأيام الماضية على خلفية تفاهم أوربي- أمريكي- روسي. وتأمل دول الاتحاد الأوربي أن تنجح عمليات الإغاثة توصيل المساعدات إلى اللاجئين في المناطق المنكوبة إلى الحد من تدفق المهاجرين من سوريا إلى أوربا، حيث أصبحت مشكلة تدفق اللاجئين السوريين إحدى أهم المشاكل العاجلة على أولويات السياسات الحكومية في دول الاتحاد الأوربي. وليس من المتوقع استئناف المفاوضات السياسية بشأن سوريا في جنيف في الموعد المقرر (25 فبراير) لكن ذلك لن يمنع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة من الاستمرار في محاولة إقناع الأطراف لعقد اجتماع (ربما في مارس المقبل) مع تركيز جهود الأمم المتحدة حاليا على أعمال الإغاثة الإنسانية.
ثامنا: استمرار التنسيق العسكري
على الرغم من تأجيل اجتماع كان مقررا في جنيف للبحث في تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا، فقد تم عقد اجتماع (الجمعة 19 فبراير) في جنيف للجنة عسكرية روسية - أمريكية مشتركة، تم الاتفاق بين الجانبين على تشكيلها بغرض إجراء تنسيق "يومي منتظم" بشأن العمليات العسكرية الجارية في سوريا، وتفادي وقوع أخطاء أو أعمال تتسبب في سوء الفهم بين الطرفين، خصوصا وأن الطيران الروسي الذي يقوم بغارات على مواقع داعش يمكن أن يصطدم بطيران قوات التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المعروف أن الولايات المتحدة قد أرسلت مجموعات من قوات العمليات الخاصة الأمريكية إلى مناطق الحدود الشمالية للعراق وسوريا المتاخمة لتركيا، بغرض القيام بأعمال استخبارية وتنفيذ عمليات قنص لقيادات داعش في هذه المناطق. ولا تريد الولايات المتحدة لهذه المجموعات أن تتعرض لخطر ضربات روسية تقع بطريق الخطأ.
وربما تصبح "لجنة التنسيق العسكري الأمريكية- الروسية" في الأسابيع المقبلة المكان الذي تتم فيه مراجعة العمليات اليومية، خصوصا وأن الطائرات الروسية تقوم بمهامها في الأجواء السورية بطلب رسمي من الحكومة السورية. وقد أدت حادثة قصف الطائرات الروسية مستشفى "أعزاز" الذي كان يقدم العون الطبي لقوات الجيش السوري الحر وتديره منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية إلى جدل كبير في المجتمع الدولي، حيث طالبت بعض الدول بتقديم شكوى للأمم المتحدة في حين قالت روسيا إن المستشفى يقوم بأعمال مناهضة للحكومة الرسمية وأن وجود الأطباء الفرنسيين وغيرهم فيه تم من دون علم ومن دون موافقة الحكومة السورية.
خاتمة
ابتعد شبح الحرب العالمية في سورية بعد أن حبس العالم أنفاسه لعدة أيام تحسبا لانفجار صراع دولي على الأرض السورية لن يلبث أن يمتد إلى أنحاء كثيرة من العالم. وكان للموقف الروسي الحازم من رفض التدخل البري في سوريا، وإعلان الروس بأنهم سيقصفون أي قوات برية تجرؤ على الدخول إلى سوريا بدون دعوة أو موافقة الحكومة الروسية، الأثر الحاسم في إبعاد شبح الحرب. ويبدو من مراجعة أحداث الأسبوع الماضي بأكمله أن هناك عددا من الدروس والاستنتاجات التي يتعين تسجيلها وإعادة قراءتها من جديد، للاستفادة منها في عملية صنع السياسة أو في التحليل السياسي فيما يتعلق بالأزمة السورية.
الدرس الأول: لن تسمح القوى الكبرى للدول الصغيرة أن تفرض أجندتها على العالم. وعلى الرغم من التحالف السعودي- الأمريكي، فإن الولايات المتحدة رفضت بلباقة دبلوماسية أن تنجر إلى المستنقع السوري بالصورة التي تبتغيها السعودية. السعوديون قالوا إنهم يريدون التدخل البري، فقال لهم الأمريكان، أهلا وسهلا بخبراء ومدربين على الأرض في إطار التحالف الدولي ضد داعش وليس ضد الأسد.
الدرس الثاني: فهمت الدول الصغيرة أو حتى القوى الإقليمية إنها لن تستطيع أن تغامر وحدها بعملية عسكرية غير محسوبة العواقب في سورية، ولذلك فإن كلا من السعودية وتركيا تراجعتا عن خطة إرسال قوات برية إلى سوريا. وعلى الرغم من ذلك فإن تركيا لا تزال حتى الآن تستجدي الذرائع من أجل مواصلة قصف المواقع الكردية القريبة من حدودها. وتعلم الحكومة التركية أن ذلك لن يمر من دون تكلفة سياسية وعسكرية.
الدرس الثالث: استطاع الأسد مرة أخرى أن يؤكد للعالم من خلال موقف مجلس الأمن إنه لا يزال "السلطة الشرعية في سوريا" التي تمارس السيادة في البلاد. واستطاع الأكراد استثمار الموقف لمصلحتهم خلال الأسبوع الماضي، وحققوا عددا من الإنتصارات الإستراتيجية على الأرض وعلى الصعيد الدبلوماسي، حيث وقفت كل دول العالم تقريبا إلى جانبهم ضد القصف التركي لمواقعهم في شمال سوريا. وكلما زاد القصف التركي سيزيد التعاطف العالمي مع الشعب الكردي.
الدرس الرابع: لا يزال توازن القوى العالمي محكوما بالتوافق الروسي – الأمريكي. أما الحديث عن التعددية القطبية فربما يجد لنفسه مكانا في ساحات التفاوض والمناوشات الدبلوماسية. لكن عندما تصل الأمور إلى حد التهديد بالصدام المسلح، فإن صاحب القرار النهائي في ذلك يتمثل في قرار مشترك بين روسيا والولايات المتحدة، بعيدا عن حلفاء أي منهما. مرة ثانية نحن أمام قطبية ثنائية ربما لفترة وجيزة، لكنها لا تزال هناك حية وهي صاحبة القرار.
وسوف تظل الأزمة السورية مستمرة. ولن يتوقف القتال لفترة من الزمن حتى ينضج الحال على الأرض لتقسيم سوريا وإعادة رسم خريطتها. ذلك ما تتمناه القوى المسيطرة في العالم الآن. وأهلا بالحرب الباردة من جديد.