خبرات متعددة: فية وجهة نظر حول الائتلاف الحزبي والحكومة الائتلافية
الإثنين 11/يناير/2016 - 11:04 ص
د. صفي الدين خربوش
أثيرت في الآونة الأخيرة نقاشات حادة حول الائتلافات الحزبية بمناسبة الدعوة إلى تكوين ائتلاف يضم عددا من الأحزاب السياسية المصرية التي حصدت مقاعد في مجلس النواب خلال الانتخابات البرلمانية. ومرة أخرى، وكما اعتدنا منذ يناير 2011 وما بعدها، خرجت علينا أصوات ممن اعتادوا الإفتاء في كل القضايا، ليقدموا وجهات نظر غريبة، ولا أقول شاذة، حول الائتلاف المزمع تأسيسه. ولم تقتصر وجهات النظر هذه على مؤيدي الائتلاف، بل امتدت إلى معارضيه، وإلى من تبنوا موقفا وسطا بين التأييد والمعارضة.
ومن المثير للدهشة أن بعضا، ولا أقول معظم، من تصدروا المشهد السياسي منذ يناير 2011 وما بعدها، لا يكلفون أنفسهم عناء الاطلاع على التجارب العالمية في تكوين الائتلافات، وهي تجارب لا حصر لها. أكثر من هذا، فقد عرفت مصر الملكية تجارب لحكومات ائتلافية تكونت بناء على ائتلاف بين عدة أحزاب سياسية. ومن ثم، تزخر دول العالم بتجارب عديدة يتجاهلها السادة المعلقون والمحللون والخبراء، وكأن التجربة المصرية هي التجربة الأولى في العالم التي أسفرت الانتخابات البرلمانية فيها عن عدم وجود أغلبية في مجلس النواب.
يعلم المتخصصون في دراسات النظم السياسية المقارنة بأنه باستثناء النظم السياسية ذات الحزبين الكبيرين وقلة محدودة من النظم ذات التعدد الحزبي، عادة ما لا يتمكن أحد الأحزاب السياسية من الحصول على الأغلبية البرلمانية بمفرده؛ الأمر الذي يحتّم عليه تشكيل ائتلاف مع أحد الأحزاب السياسية الأخرى، أو مع عدد منها، كي يتسنى للائتلاف تأمين أغلبية برلمانية تمنح الثقة للحكومة الائتلافية المكونة من الأحزاب المشاركة في الائتلاف.
ومن المثير للدهشة أن بعضا، ولا أقول معظم، من تصدروا المشهد السياسي منذ يناير 2011 وما بعدها، لا يكلفون أنفسهم عناء الاطلاع على التجارب العالمية في تكوين الائتلافات، وهي تجارب لا حصر لها. أكثر من هذا، فقد عرفت مصر الملكية تجارب لحكومات ائتلافية تكونت بناء على ائتلاف بين عدة أحزاب سياسية. ومن ثم، تزخر دول العالم بتجارب عديدة يتجاهلها السادة المعلقون والمحللون والخبراء، وكأن التجربة المصرية هي التجربة الأولى في العالم التي أسفرت الانتخابات البرلمانية فيها عن عدم وجود أغلبية في مجلس النواب.
يعلم المتخصصون في دراسات النظم السياسية المقارنة بأنه باستثناء النظم السياسية ذات الحزبين الكبيرين وقلة محدودة من النظم ذات التعدد الحزبي، عادة ما لا يتمكن أحد الأحزاب السياسية من الحصول على الأغلبية البرلمانية بمفرده؛ الأمر الذي يحتّم عليه تشكيل ائتلاف مع أحد الأحزاب السياسية الأخرى، أو مع عدد منها، كي يتسنى للائتلاف تأمين أغلبية برلمانية تمنح الثقة للحكومة الائتلافية المكونة من الأحزاب المشاركة في الائتلاف.
تشكلت جميع الحكومات في إيطاليا منذ الحرب العالمية الأخيرة وحتى الآن، من حكومات ائتلافية من عدة أحزاب، لعدم تمكن أحد الأحزاب الإيطالية من الظفر بالأغلبية منفردا
أولا: الحكومات الائتلافية في النظم الغربية
كانت جميع الحكومات التي تشكلت في إيطاليا منذ الحرب العالمية الأخيرة وحتى الآن، حكومات ائتلافية من عدة أحزاب، لعدم تمكن أحد الأحزاب الإيطالية من الظفر بالأغلبية منفردا. وتنتشر هذه الظاهرة أيضا في اليونان وإسبانيا ومعظم دول شرق أوربا التي شهدت ظاهرة التحول الديمقراطي في العقد الأخير من القرن العشرين. وفي ألمانيا، كان كل من الحزبين الكبيرين، الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، مضطرا إلى الائتلاف مع أحد الأحزاب السياسية الأصغر لتأمين الأغلبية البرلمانية المطلوبة لتشكيل الحكومة. وكما تبادل الحزبان الكبيران المركز الأول وتناوبا على منصب المستشار، أي رئيس الوزراء، تناوب حزبان صغيران على الاضطلاع بدور الشريك الأصغر في الائتلاف وهما الحزب الليبرالي وحزب الخضر، ولاسيما في الحقبة التي أعقبت الوحدة الألمانية منذ تسعينيات القرن الماضي. فقد كان الليبراليون شريكا أصغر مع الحزب المسيحي الديمقراطي، بينما كان حزب الخضر شريكا أصغر مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وأقدم الحزبان الكبيران على تشكيل ائتلاف كبير منهما معا بعد الانتخابات الماضية. وبينما تشغل زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، أنجيلا ميركل، منصب المستشار؛ يشغل زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين شتاينماير منصب نائب المستشار ووزير الخارجية.
أكثر من هذا، فقد اضطر حزب المحافظين البريطاني إلى الائتلاف مع الحزب الليبرالي خلال الحكومة البريطانية السابقة، حيث لم يتمكن من تحقيق الأغلبية منفردا، على الرغم من رسوخ نظام الحزبين في النظام السياسى البريطاني. وعندما عاد النظام السياسي البريطاني إلى نمطه المعتاد وتمكن حزب المحافظين من تحقيق الأغلبية البرلمانية منفردا، قام بتشكيل الحكومة منفردا، حيث لم يعد بحاجة للائتلاف مع أحد.
كانت جميع الحكومات التي تشكلت في إيطاليا منذ الحرب العالمية الأخيرة وحتى الآن، حكومات ائتلافية من عدة أحزاب، لعدم تمكن أحد الأحزاب الإيطالية من الظفر بالأغلبية منفردا. وتنتشر هذه الظاهرة أيضا في اليونان وإسبانيا ومعظم دول شرق أوربا التي شهدت ظاهرة التحول الديمقراطي في العقد الأخير من القرن العشرين. وفي ألمانيا، كان كل من الحزبين الكبيرين، الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، مضطرا إلى الائتلاف مع أحد الأحزاب السياسية الأصغر لتأمين الأغلبية البرلمانية المطلوبة لتشكيل الحكومة. وكما تبادل الحزبان الكبيران المركز الأول وتناوبا على منصب المستشار، أي رئيس الوزراء، تناوب حزبان صغيران على الاضطلاع بدور الشريك الأصغر في الائتلاف وهما الحزب الليبرالي وحزب الخضر، ولاسيما في الحقبة التي أعقبت الوحدة الألمانية منذ تسعينيات القرن الماضي. فقد كان الليبراليون شريكا أصغر مع الحزب المسيحي الديمقراطي، بينما كان حزب الخضر شريكا أصغر مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وأقدم الحزبان الكبيران على تشكيل ائتلاف كبير منهما معا بعد الانتخابات الماضية. وبينما تشغل زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، أنجيلا ميركل، منصب المستشار؛ يشغل زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين شتاينماير منصب نائب المستشار ووزير الخارجية.
أكثر من هذا، فقد اضطر حزب المحافظين البريطاني إلى الائتلاف مع الحزب الليبرالي خلال الحكومة البريطانية السابقة، حيث لم يتمكن من تحقيق الأغلبية منفردا، على الرغم من رسوخ نظام الحزبين في النظام السياسى البريطاني. وعندما عاد النظام السياسي البريطاني إلى نمطه المعتاد وتمكن حزب المحافظين من تحقيق الأغلبية البرلمانية منفردا، قام بتشكيل الحكومة منفردا، حيث لم يعد بحاجة للائتلاف مع أحد.
على الرغم من التخوف المشروع لدى البعض من ظاهرة سيطرة المستقلين على الأغلبية في مجلس النواب، فمن المؤكد أن لهذه الظاهرة الاستثنائية بعض الجوانب الإيجابية
ثانيا: الحكومات الائتلافية في النظم العربية
شهد كل من الجزائر والعراق والمغرب وتونس حكومات ائتلافية نتجت عن ائتلافات بين حزبين أو أكثر. ففي الجزائر، تشكلت عدة حكومات ائتلافية تكونت بالأساس من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني وكلاهما يدعم الرئيس بوتفليقة، وانضم إليهما كشريك أصغر حركة مجتمع السلم ذي المرجعية الإسلامية. وقد تبادل الحزبان الكبيران المرتبتين الأولى والثانية خلال السنوات العشرة الأخيرة، وانعكس ذلك في تشكيل الحكومة من حيث منصب الوزير الأول (رئيس الوزراء) ونصيب كل من الحزبين من الحقائب الوزارية. وفي النظام السياسي العراقي الحالي، تشكلت عدة حكومات ائتلافية بين عدة أحزاب سياسية كان قوامها دولة القانون والتيار الصدري والمجلس الأعلى للدولة الإسلامية والحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض القوى السنية العربية الأقل نفوذا. ويضمن هذا الائتلاف منح الثقة للحكومة الموزعة حقائبها على أعضاء الائتلاف، وانتخاب رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية، المنتخب من البرلمان. وقد توافقت الأحزاب والقوى السياسية المؤتلفة على توزيع المناصب السياسية الرئيسية على الطوائف الاجتماعية التي تمثلها أحزاب سياسية. فقد خصص منصب رئيس الوزراء، وهو المنصب الرئيسي في النظام السياسي، للطائفة الشيعية منذ تأسيس النظام الحالي عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003. ومنح منصب رئيس الجمهورية الرمزي للطائفة الكردية، وخصص منصب رئيس مجلس النواب للطائفة السنية العربية.
وفي النظام السياسي المغربي، والذي شهد إصلاحات جوهرية عام 2011، لم تسفر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نفس العام عن أغلبية لأحد الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات. وتم تشكيل حكومة ائتلافية من أربعة أحزاب لتأمين الأغلبية في مجلس النواب المغربي، وضمان منح الحكومة ثقة مجلس النواب. وقد تكون هذا الائتلاف الحكومي من أحزاب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، والاستقلال، الحزب الوسطي التاريخي الذي قاد النضال من أجل استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي، وحزب الحركة الشعبية، أكبر الأحزاب المعبرة عن الأمازيغ، وحزب التقدم والاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي المغربي. وعندما انسحب حزب الاستقلال من الائتلاف لخلافات مع حزب العدالة والتنمية، انضم حزب الوطنيين الأحرار، الوسطي التوجه والقريب من العرش، إلى الائتلاف لتعويض انسحاب الاستقلال الذي انتقل إلى المعارضة.
ولم يترتب على هذه الائتلافات السابق الإشارة إليها، ولا على غيرها، انصهار أي من الأحزاب أعضاء الائتلاف في غيره؛ ولا منع مرشحي الأحزاب الأعضاء في الائتلاف من منافسة بعضهم بعضا في الانتخابات البلدية أو المحلية أو الانتخابات البرلمانية التكميلية أو بالطبع في الانتخابات البرلمانية اللاحقة. حيث تسعى جميع الأحزاب السياسية إلى الوصول إلى السلطة من خلال الحصول على الأغلبية البرلمانية، أو تحسين مركزه داخل البرلمان من خلال زيادة عدد نوابه.
فعلى سبيل المثال، تنافس مرشحو أحزاب الائتلاف الحكومي في المغرب مع بعضهم البعض، تماما كما تنافسوا مع مرشحي أحزاب المعارضة في الانتخابات البلدية والجهوية التي أجريت في المغرب خلال هذا العام. بل تعاملت جميع الأحزاب السياسية المغربية، الحاكمة والمعارضة، إلى هذه الانتخابات المحلية باعتبارها مقدمة للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها خلال العام القادم.
وفي تونس، اضطر كل من حزب نداء تونس، الذي ينظر إليه الكثيرون باعتباره امتدادا لنظام بورقيبة وبن علي ذي السمات العلمانية والذي حصل على المركز الأول في انتخابات البرلمان، إلى الائتلاف مع حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية، والذي حصل على المركز الثاني، وذلك لتأمين أغلبية برلمانية منحت الثقة للحكومة. وقد تغاضى كلا الحزبين عن العداء الشديد بينهما، لا سيما وقد قاد نداء تونس القوى التي أطاحت ب "الترويكا " التي حكمت تونس بقيادة النهضة وبالحكومة التي تزعمتها النهضة في أعقاب الإطاحة ببن علي، ثم تمكن من إزاحة النهضة من المرتبة الأولى في البرلمان.
شهد كل من الجزائر والعراق والمغرب وتونس حكومات ائتلافية نتجت عن ائتلافات بين حزبين أو أكثر. ففي الجزائر، تشكلت عدة حكومات ائتلافية تكونت بالأساس من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني وكلاهما يدعم الرئيس بوتفليقة، وانضم إليهما كشريك أصغر حركة مجتمع السلم ذي المرجعية الإسلامية. وقد تبادل الحزبان الكبيران المرتبتين الأولى والثانية خلال السنوات العشرة الأخيرة، وانعكس ذلك في تشكيل الحكومة من حيث منصب الوزير الأول (رئيس الوزراء) ونصيب كل من الحزبين من الحقائب الوزارية. وفي النظام السياسي العراقي الحالي، تشكلت عدة حكومات ائتلافية بين عدة أحزاب سياسية كان قوامها دولة القانون والتيار الصدري والمجلس الأعلى للدولة الإسلامية والحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض القوى السنية العربية الأقل نفوذا. ويضمن هذا الائتلاف منح الثقة للحكومة الموزعة حقائبها على أعضاء الائتلاف، وانتخاب رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية، المنتخب من البرلمان. وقد توافقت الأحزاب والقوى السياسية المؤتلفة على توزيع المناصب السياسية الرئيسية على الطوائف الاجتماعية التي تمثلها أحزاب سياسية. فقد خصص منصب رئيس الوزراء، وهو المنصب الرئيسي في النظام السياسي، للطائفة الشيعية منذ تأسيس النظام الحالي عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003. ومنح منصب رئيس الجمهورية الرمزي للطائفة الكردية، وخصص منصب رئيس مجلس النواب للطائفة السنية العربية.
وفي النظام السياسي المغربي، والذي شهد إصلاحات جوهرية عام 2011، لم تسفر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نفس العام عن أغلبية لأحد الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات. وتم تشكيل حكومة ائتلافية من أربعة أحزاب لتأمين الأغلبية في مجلس النواب المغربي، وضمان منح الحكومة ثقة مجلس النواب. وقد تكون هذا الائتلاف الحكومي من أحزاب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، والاستقلال، الحزب الوسطي التاريخي الذي قاد النضال من أجل استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي، وحزب الحركة الشعبية، أكبر الأحزاب المعبرة عن الأمازيغ، وحزب التقدم والاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي المغربي. وعندما انسحب حزب الاستقلال من الائتلاف لخلافات مع حزب العدالة والتنمية، انضم حزب الوطنيين الأحرار، الوسطي التوجه والقريب من العرش، إلى الائتلاف لتعويض انسحاب الاستقلال الذي انتقل إلى المعارضة.
ولم يترتب على هذه الائتلافات السابق الإشارة إليها، ولا على غيرها، انصهار أي من الأحزاب أعضاء الائتلاف في غيره؛ ولا منع مرشحي الأحزاب الأعضاء في الائتلاف من منافسة بعضهم بعضا في الانتخابات البلدية أو المحلية أو الانتخابات البرلمانية التكميلية أو بالطبع في الانتخابات البرلمانية اللاحقة. حيث تسعى جميع الأحزاب السياسية إلى الوصول إلى السلطة من خلال الحصول على الأغلبية البرلمانية، أو تحسين مركزه داخل البرلمان من خلال زيادة عدد نوابه.
فعلى سبيل المثال، تنافس مرشحو أحزاب الائتلاف الحكومي في المغرب مع بعضهم البعض، تماما كما تنافسوا مع مرشحي أحزاب المعارضة في الانتخابات البلدية والجهوية التي أجريت في المغرب خلال هذا العام. بل تعاملت جميع الأحزاب السياسية المغربية، الحاكمة والمعارضة، إلى هذه الانتخابات المحلية باعتبارها مقدمة للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها خلال العام القادم.
وفي تونس، اضطر كل من حزب نداء تونس، الذي ينظر إليه الكثيرون باعتباره امتدادا لنظام بورقيبة وبن علي ذي السمات العلمانية والذي حصل على المركز الأول في انتخابات البرلمان، إلى الائتلاف مع حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية، والذي حصل على المركز الثاني، وذلك لتأمين أغلبية برلمانية منحت الثقة للحكومة. وقد تغاضى كلا الحزبين عن العداء الشديد بينهما، لا سيما وقد قاد نداء تونس القوى التي أطاحت ب "الترويكا " التي حكمت تونس بقيادة النهضة وبالحكومة التي تزعمتها النهضة في أعقاب الإطاحة ببن علي، ثم تمكن من إزاحة النهضة من المرتبة الأولى في البرلمان.
يكون الائتلاف هشًا كلما كانت قواعده غير واضحة، وكلما انتفى التجانس بين مكوناته، وكلما زاد عدد الأحزاب السياسية أعضاء الائتلاف
ثالثا: مصر والحكومات الائتلافية
نص الدستور على حق رئيس الجمهورية في تكليف رئيس الوزراء على أن تحظى الحكومة بثقة مجلس النواب. وحيث لم يتمكن أحد الأحزاب السياسية من الحصول على الأغلبية البرلمانية، أصبح من المنطقي تكوين أغلبية من خلال ائتلاف بين الأحزاب السياسية لتأمين أغلبية تمنح الثقة للحكومة المنتظر تكليفها. بيد أن الأحزاب السياسية مجتمعة لا تستطيع تأمين الأغلبية المطلوبة، لأنها لم تتمكن من الحصول إلا على أقل من نصف عدد أعضاء مجلس النواب. ومن ثم، أصبح من الحتمي أن يضم الائتلاف عددا غير ضئيل من النواب المستقلين، لتأمين الأغلبية المطلوبة، إلى جانب نواب الأحزاب السياسية أعضاء الائتلاف.
وعادة ما يكون الائتلاف هشًا كلما كانت قواعده غير واضحة، وكلما انتفى التجانس بين مكوناته، وكلما زاد عدد الأحزاب السياسية أعضاء الائتلاف. ومن ثم، تعاني الحكومات الائتلافية، لا سيما التي تتكون من عدة أحزاب سياسية، من عدم الاستقرار، حيث يؤدي انسحاب أحد الأحزاب السياسية المؤتلفة إلى سقوط الحكومة، نظرا لفقدها أغلبيتها البرلمانية. وقد تكررت هذه الظاهرة مرارا في إيطاليا، الأمر الذي جعل متوسط عمر الوزارة في إيطاليا هو الأقصر منذ الحرب العالمية الأخيرة. وقد امتدت هذه الظاهرة أيضا إلى الحكومات الائتلافية في كل من اليونان وإسرائيل.
وعلى الرغم من التخوف المشروع لدى البعض من ظاهرة سيطرة المستقلين على الأغلبية في مجلس النواب، فمن المؤكد أن لهذه الظاهرة الاستثنائية في النظم ذات الأحزاب المتعددة بعض الجوانب الإيجابية. فمن ناحية، ثمة قدر لا بأس به من التوافق بين مجموعات من المستقلين وبينهم وبين بعض النواب من الأحزاب السياسية مرده إلى تشابه الرؤى والتوجهات. ومن الناحية الأخرى، من المتوقع أن تتجمع مجموعات من النواب المستقلين المتشابهين من حيث الرؤى لاسيما في القضايا المحورية. ومن شأن ذلك نشأة أحزاب سياسية جديدة داخل البرلمان . وتشير دراسات نشأة الأحزاب السياسية إلى أن النشأة التاريخية لها كانت داخل البرلمان الإنجليزي، عندما تجمع النواب ذوو التوجهات المتشابهة داخل البرلمان، رغبة في تنسيق مواقفهم. وقد يسفر هذا التنسيق المنتظر حدوثه بين النواب المستقلين إلى نشأة عدد من الأحزاب السياسية التي تنافس الأحزاب السياسية القائمة خلال الانتخابات المقبلة.
ومن ثم، لا تعتبر ظاهرة الائتلاف أمرا غريبا، بيد أن الائتلاف لا يعني إلغاء شخصية أعضاء الائتلاف، ولا يعني انصهار الأحزاب المؤتلفة في الكيان الجديد، ويتسم بكونه ائتلافا مرناومؤقتا، قد يخرج منه بعض الأعضاء وينضم إليه البعض الآخر . ولا يسعى الائتلاف لتكوين بنى تنظيمية تشبه نظيراتها في الأحزاب السياسية مثل المكتب السياسي وشؤون الأعضاء ولجان في المحافظات ومكاتب نوعية ورئيس ونواب رئيس وموارد مالية واشتراكات من الأعضاء (وكيف يكون للائتلاف أعضاء؟).
كلمة أخيرة، لقد شهدت مصر الملكية حكومات ائتلافية من الأحزاب السياسية القريبة من القصر مثل الأحرار الدستوريين والاتحاد والشعب والوطني في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، كما شهدت حكومات ائتلافية قادها السعديون في منتصف الأربعينيات. ولم يترتب على هذه الائتلافات اختفاء أي من هذه الأحزاب أو ذوبانها، ولم يتشكل مكتبة سياسي لهذه الائتلافات. وقد تصدر السعديون المشهد كزعماء للحكومات الائتلافية في الأربعينيات،بعد أن تمكنوا من إزاحة الأحرار الدستوريين الذين كانت لهم الغلبة في الفترات السابقة، باستثناء النصف الأول من ثلاثينيات القرن العشرين، الذي تصدره حزب الشعب بزعامة إسماعيل صدقي باشا. ومن ثم، بينما رأس محمد محمود باشا زعيم الأحرار الدستوريين حكومات ائتلافية في العشرينيات، فقد شكل كل من أحمد ماهر باشا والنقراشي باشا وإبراهيم عبد الهادي باشا زعماء السعديين الحكومات الائتلافية في النصف الأخير من الأربعينيات.
وفي الختام، نأمل أن يراجع المحللون والخبراء والمعلقون المرموقون وجهات نظرهم بالعودة إلى التجارب المصرية والعربية والدولية في تكوين الائتلافات والحكومات الائتلافية، وأن تتسق آراؤهم مع القواعد المستقاة من دراسات النظم السياسية المقارنة بعيدا عن الأهواء وعن المواقف السياسية من فكرة الائتلاف من حيث التأييد أو المعارضة.
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
نص الدستور على حق رئيس الجمهورية في تكليف رئيس الوزراء على أن تحظى الحكومة بثقة مجلس النواب. وحيث لم يتمكن أحد الأحزاب السياسية من الحصول على الأغلبية البرلمانية، أصبح من المنطقي تكوين أغلبية من خلال ائتلاف بين الأحزاب السياسية لتأمين أغلبية تمنح الثقة للحكومة المنتظر تكليفها. بيد أن الأحزاب السياسية مجتمعة لا تستطيع تأمين الأغلبية المطلوبة، لأنها لم تتمكن من الحصول إلا على أقل من نصف عدد أعضاء مجلس النواب. ومن ثم، أصبح من الحتمي أن يضم الائتلاف عددا غير ضئيل من النواب المستقلين، لتأمين الأغلبية المطلوبة، إلى جانب نواب الأحزاب السياسية أعضاء الائتلاف.
وعادة ما يكون الائتلاف هشًا كلما كانت قواعده غير واضحة، وكلما انتفى التجانس بين مكوناته، وكلما زاد عدد الأحزاب السياسية أعضاء الائتلاف. ومن ثم، تعاني الحكومات الائتلافية، لا سيما التي تتكون من عدة أحزاب سياسية، من عدم الاستقرار، حيث يؤدي انسحاب أحد الأحزاب السياسية المؤتلفة إلى سقوط الحكومة، نظرا لفقدها أغلبيتها البرلمانية. وقد تكررت هذه الظاهرة مرارا في إيطاليا، الأمر الذي جعل متوسط عمر الوزارة في إيطاليا هو الأقصر منذ الحرب العالمية الأخيرة. وقد امتدت هذه الظاهرة أيضا إلى الحكومات الائتلافية في كل من اليونان وإسرائيل.
وعلى الرغم من التخوف المشروع لدى البعض من ظاهرة سيطرة المستقلين على الأغلبية في مجلس النواب، فمن المؤكد أن لهذه الظاهرة الاستثنائية في النظم ذات الأحزاب المتعددة بعض الجوانب الإيجابية. فمن ناحية، ثمة قدر لا بأس به من التوافق بين مجموعات من المستقلين وبينهم وبين بعض النواب من الأحزاب السياسية مرده إلى تشابه الرؤى والتوجهات. ومن الناحية الأخرى، من المتوقع أن تتجمع مجموعات من النواب المستقلين المتشابهين من حيث الرؤى لاسيما في القضايا المحورية. ومن شأن ذلك نشأة أحزاب سياسية جديدة داخل البرلمان . وتشير دراسات نشأة الأحزاب السياسية إلى أن النشأة التاريخية لها كانت داخل البرلمان الإنجليزي، عندما تجمع النواب ذوو التوجهات المتشابهة داخل البرلمان، رغبة في تنسيق مواقفهم. وقد يسفر هذا التنسيق المنتظر حدوثه بين النواب المستقلين إلى نشأة عدد من الأحزاب السياسية التي تنافس الأحزاب السياسية القائمة خلال الانتخابات المقبلة.
ومن ثم، لا تعتبر ظاهرة الائتلاف أمرا غريبا، بيد أن الائتلاف لا يعني إلغاء شخصية أعضاء الائتلاف، ولا يعني انصهار الأحزاب المؤتلفة في الكيان الجديد، ويتسم بكونه ائتلافا مرناومؤقتا، قد يخرج منه بعض الأعضاء وينضم إليه البعض الآخر . ولا يسعى الائتلاف لتكوين بنى تنظيمية تشبه نظيراتها في الأحزاب السياسية مثل المكتب السياسي وشؤون الأعضاء ولجان في المحافظات ومكاتب نوعية ورئيس ونواب رئيس وموارد مالية واشتراكات من الأعضاء (وكيف يكون للائتلاف أعضاء؟).
كلمة أخيرة، لقد شهدت مصر الملكية حكومات ائتلافية من الأحزاب السياسية القريبة من القصر مثل الأحرار الدستوريين والاتحاد والشعب والوطني في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، كما شهدت حكومات ائتلافية قادها السعديون في منتصف الأربعينيات. ولم يترتب على هذه الائتلافات اختفاء أي من هذه الأحزاب أو ذوبانها، ولم يتشكل مكتبة سياسي لهذه الائتلافات. وقد تصدر السعديون المشهد كزعماء للحكومات الائتلافية في الأربعينيات،بعد أن تمكنوا من إزاحة الأحرار الدستوريين الذين كانت لهم الغلبة في الفترات السابقة، باستثناء النصف الأول من ثلاثينيات القرن العشرين، الذي تصدره حزب الشعب بزعامة إسماعيل صدقي باشا. ومن ثم، بينما رأس محمد محمود باشا زعيم الأحرار الدستوريين حكومات ائتلافية في العشرينيات، فقد شكل كل من أحمد ماهر باشا والنقراشي باشا وإبراهيم عبد الهادي باشا زعماء السعديين الحكومات الائتلافية في النصف الأخير من الأربعينيات.
وفي الختام، نأمل أن يراجع المحللون والخبراء والمعلقون المرموقون وجهات نظرهم بالعودة إلى التجارب المصرية والعربية والدولية في تكوين الائتلافات والحكومات الائتلافية، وأن تتسق آراؤهم مع القواعد المستقاة من دراسات النظم السياسية المقارنة بعيدا عن الأهواء وعن المواقف السياسية من فكرة الائتلاف من حيث التأييد أو المعارضة.
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة