المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التغيير التدريجي: السلفيون .. النسخة المعدلة بعد نتائج انتخابات برلمان 2015

الإثنين 04/يناير/2016 - 10:51 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
دكتور كمال حبيب
نقصد هنا بالسلفيين في هذه الورقة الدعوة السلفية في مدينة الإسكندرية الساحلية والسائرون على منهجها في محافظات مصر المختلفة سواء أكان عدد هؤلاء الأتباع كثيفًا أم ضعيفًا، كما نقصد هنا بالتحديد حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية، الذي خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في مصر وحصل في الجولة الأولى على تسعة مقاعد بينما حصل في الجولة الثانية على ثلاثة مقاعد، وبذلك يكون لديه في البرلمان القادم اثنا عشر نائبا.
واجه السلفيون ذوي النسخة السياسية المعدلة – كما أشرنا في العنوان ضغوطا هائلة بسبب إعلانهم الوقوف مع الجيش المصري في حركته باتجاه عزل الرئيس المنتخب الإخواني محمد مرسي بعد انفتاح البلاد على أبواب توتر عنيف قد يفتح الأبواب مشرّعة على حرب أهلية في تقديرات الجيش آنذاك خاصة بعد خروج الملايين في ثورة يناير مطالبين بعزل الرئيس المنتخب.
تحالف السلفيون كما هو معلوم مع الإخوان المسلمين إبان فترة حكمهم، ومثلوا في الواقع إحدى أدوات الضغط عليهم بحديثهم عن الشريعة الإسلامية ومواقفهم من التيارات الأخرى المدنية والعلمانية والليبرالية، وكانوا هم من وضع الديني في مواجهة المدني بالضرورة، واعتبروا الحديث عن الدولة المدنية كأنه رجس من عمل الشيطان، لأنهم تحدثوا عن المدنية بمعنى المواجهة مع الدين، كما أنهم أثاروا قضايا ذات طابع هوياتي والهوية حين تكون أساس الفعل السياسي لحركة أو حزب سياسي فإنها بالضرورة تستدعي الاستقطاب وتعمق الانقسام داخل مجتمعات في حاجة إلى تمتين أواصر التوحد والتكامل فيها.
وبقدر ما حرص السلفيون على موقف يبتعدون فيه عن الإخوان مع تعمق أزمتهم في علاقتهم بالقوى المدنية ورفضهم على عدم مشاركة القوى الأخرى في القرار السياسي، فإنهم ظلوا يرون عدم الخروج على محمد مرسي، وإن كانوا اعتبروا خروج الجماهير في 30 يونيه عملا مقبولا، ولا بد من احترام إرادة الشعب والجماهير التي خرجت.
بيد أن سلفيي الدعوة السكندرية وذراعها السياسية حزب النور تعرضوا لضغوط هائلة من التيار السلفي نفسه ومن الإخوان المسلمين باعتبارهم قد وقفوا مع الدولة المصرية في 3 يوليو في  مواجهة التيار الإسلامي، وهو ما يعد خيانة من وجهة نظر التيار الإسلامي الذي وصف حزب النور بالزور، ووصف السلفيين بالخائنين، وهناك أصوات سلفية عالية في هذا السياق يأتي على رأسهم وجدي غنيم الداعية الإخواني المقيم في الخارج، ومحمد عبد المقصود الداعية السلفي وعاصم عبد الماجد عضو الجماعة الإسلامية.
النتائج التي حصل عليها حزب النور في انتخابات 2015 كانت صادمة للمراقبين والباحثين كما كانت صادمة للقوى المدنية والليبرالية، كما صدمت أعضاء حزب النور أنفسهم
أولا- نتائج الانتخابات البرلمانية ومستقبل حزب النور
النتائج التي حصل عليها حزب النور في انتخابات 2015 كانت صادمة للمراقبين والباحثين كما كانت صادمة للقوى المدنية والليبرالية، كما صدمت أعضاء حزب النور أنفسهم، فالحزب الذي حصل في انتخابات 2012 على 112 مقعدا بنسبة 23%، لم يحقق أي شيء في الجولة الأولي من الانتخابات البرلمانية للعام 2015، وفي جولة الإعادة استطاع أن يحصل على تسع مقاعد من بين 22 مرشحا له دخلوا جولة الإعادة، بينما لم يحظ في الجولة الثانية بشيء أيضا وفي جولة الإعادة استطاع الحصول على 3 مقاعد فقط، وذلك لأن الجولة الثانية تمت في محافظات كان وجود الحزب فيها أقل من وجوده في محافظات الجولة الأولى التي اعتبرت معاقله الرئيسية كالإسكندرية والبحيرة ومطروح، كما لم يحصل الحزب على أية نتائج إيجابية في الجيزة والأقصر وسوهاج وقنا وأسوان، وتشير نتائج الدوائر المؤجلة أن الحزب قد خرج من السباق فيها، ولم يفز أي من مرشحيه في دائرة الرمل بالإسكندرية، وكان قد سحب مرشحًا له في البحيرة كان سيخوض الانتخابات في أحد الدوائر المؤجلة وبقي له مرشح واحد، ولم يفز ذلك المرشح، كما لم يفز أي من مرشحي الحزب الآخرين في دوائر البحيرة وبني سويف، كما علمنا وقت كتابة هذه السطور.
تحدث قادة الحزب عن أن نظام الانتخابات القائم على القائمة المطلقة أفقدهم أي مقعد في القوائم بسبب عدم قدرته على الحصول على نسبة 50% من أصوات المشاركين، وهو ما جعل الأصوات التي حصل عليها ـ وهي بالملايين ـ كما أفادوا لم تمثل في البرلمان، وكان الحزب قد تقدم في الجولة الأولى بقائمة واحدة في غرب الدلتا، بينما تقدم في الجولة الثانية بقائمة أخرى هي قائمة القاهرة والوجه البحري.
ويشير القيادي في الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات إلى أن الحزب كان قد تقدم في البداية بأربع قوائم لينافس على كل مقاعدها، وتقدم بـ220 نائبا على المقاعد الفردية، وهو ما يعني أن الحزب كان سينافس على 65% من المقاعد، بيد أنه عاد وقلص منافسته لتكون على ثلث المقاعد فانسحب من قائمتي الصعيد وشرق الدلتا واكتفى بقائمتين في غرب الدلتا والقاهرة الكبرى وبحري، وقلص عدد مرشحيه إلى 160 مرشحًا.
نحن أمام حزب يقدم نفسه دائما بشكل معدل – في تقديرنا، بمعني أنه يعدل نفسه وفق ما تتيحه الساحة التي يتحرك فيها حتى لا يبدو وكأنه يريد السيطرة على المجال العام بأكثر مما يحتمله ذلك المجال، وبأكثر مما يعبر عنه الحزب في الشارع، لا شك أن تجربة الإخوان في الحكم وقد كان الحزب قريبا منها وشاهدها.  وحاول أن يلتمس طريقا مختلفا في التواصل مع جبهة الإنقاذ وفي القبول بحركة تمرد باعتبارها حركة سياسية وليست قضية كفر أو إيمان، كما قبل خروج الناس في الشارع في 30 يونيه، وأفاد أن غالبية الخارجين لهم مطالب مشروعة وليسوا كما يقال فلولا أو علمانيين.
لا يزال الحزب بعد مغامرته الكبيرة بالدخول في تحالف الدولة المصرية الجديد والذي حضره جلال مرة، أمينه العام وقت إعلان تعليق العمل بالدستور وعزل الرئيس المنتخب مرسي، والتأسيس لخارطة طريق جديد البرلمان هو نهاية الاستكمال السياسي لها، لا يزال مصرا على الاستمرار ليكون جزءًا من المشهد السياسي رغم مرارة ما يتعرض له سواء من جانب التيار الإسلامي المعادي له أو من جانب تلك التيارات العلمانية التي دشنت حملة "لا للأحزاب الدينية" ووضعت الحزب قبل بدء الانتخابات في موقع دفاعي ونفسي مضطرب، حيث حاول التأكيد بأنه جزء من خارطة طريق ما بعد 3 يوليو، وأنه حزب سياسي وليس حزبا دينيا، وأن قانون ممارسة الحقوق السياسية يقبل بوجوده كحزب ليس حزبا دينيا لأنه ليس مغلقا على طائفة بعينها وقد رشح على قوائمه أقباط يرون الحزب معبرا عن أفكارهم التي لا تعارض مرجعية الشريعة الإسلامية التي ينادي بها الحزب.
تحدث قياديون في الحزب أنهم سينسحبون من جولة الإعادة في انتخابات الجولة الأولى بعد النتائج الصادمة التي حصل عليها الحزب، كما استقال بعض أعضائه بسبب هزيمة الحزب المدوية، واعتبر قادة فيه أيضا أن الدولة تركتهم لهجمات الإعلام عليهم وأن الرئيس لم يقف في صفهم، كما أن أعضاء الحزب تعرضوا لاعتقالات حتى لا يقومون بالدعاية الانتخابية، بينما اكتسح المال السياسي والتصويت الطائفي، وبدا الحزب وكأنه على المحك، وأن مستقبله السياسي مطروح على الطاولة.
يبدو حزب النور مستوعبا تماما لما جرى مع الإخوان إلا أنه يقدر أن الظرف السياسي الراهن لن يستمر، وأن الهندسة السياسية التي حرمته من تمثيل عادل في المجلس لن تستمر
ويمكن القول إن الحزب يواجه في المستقبل ثلاثة بدائل:
الأول: الاستمرار في العملية السياسية كحزب صغير ليؤكد أنه ماض في خيار ما أطلق عليه "الإسلام المشارك"، وذلك ليكون قريبا من المشهد السياسي ليتعلم منه ويعرف ما يجري في كواليسه، ويدرب أعضاءه في البرلمان على الجوانب الفنية في العملية التشريعية وفي نفس الوقت يسجل حضوره بما يتوافق وقناعاته كحزب محافظ مهتم بشكل أساسي بالجوانب الهويّاتية والاجتماعية المتصلة بطريقة حياة الناس أكثر من اهتمامه بالمسألة السياسية ذاتها.
الثاني: العودة مرة أخرى إلى بداياته الأولى الدعوية بعيدا عن العمل السياسي، وقد أشار رئيس الحزب يونس مخيون إلى أنه إذا لم يكن هناك قبول للحزب في المشهد السياسي، فإنه لن يتردد في حل الحزب، وهو ما يعني أن هناك تيارًا داخل الحزب قويًا جدًا يرى أن وجود الحزب في المشهد في تلك اللحظة العصيبة التي تمر بها البلاد وبعد تجربة حكم لتيار إسلامي، المزاج العام منقلب عليها وينظر إليها بحذر وتخوف، لا معنى له ومن ثم إعلان حل الحزب والعودة مرة أخري للعمل الدعوي.
الثالث: تأجيل خوض العمل السياسي العام لمدة زمنية ولتكن خمس سنوات، يكتفي فيها الحزب بالمشاركة على مستوي المحليات ويعمل على تدريب كوادره، ومد خطوط تواصله مع شبكاته التي غادرته، والتركيز على العمل الاجتماعي والأهلي.
ثانيا- السلفيون.. النسخة المعدلة الجديدة
نقول النسخة المعدلة لأنه من الواضح أن الحزب يقبل بالاستمرار في العملية السياسية حتى ولو كان حزبا صغيرا، وهو الخيار الأول الذي أشرنا إليه – ومنح تطمينات سياسية للمشاركين في المشهد السياسي وإعادة الثقة في صورة الحزب أنه لا يريد أن يكرر تجربة الإخوان، وقد بدا ذلك واضحا في ابتعاد ممثلي الحزب عن اللجنة الدينية والذهاب إلى لجان التشريع والزراعة والتعليم كما ابتعدوا عن لجنة الدفاع والأمن. ومن الواضح أن الأحزاب المدنية ترفض التحالف مع حزب النور ومن ثم سيكون له هيئته البرلمانية المستقلة وسيكون رئيسها أحمد خليل، ويجادل أعضاء الحزب أنه رغم محاولة عزلهم وعدم التحالف معهم إلى أن لديهم العديد من التشريعات والقوانين والتي ستكون مفاجأة، كما أن وجودهم سيظل مؤثرا.
في نسخته المعدلة الجديدة يحتاج الحزب إلى أن يبلور برنامجا سياسيا يربط بين الشريعة وحل مشاكل الناس، وأن يعلن مواقفه من قضايا جوهرية مثل المواطنة والمرأة والأقباط
يبدو حزب النور مستوعبا تماما لما جرى مع الإخوان ومع أنه يحاول أن يكون بديلا عنهم إلا أنه يقدر أن الظرف السياسي الراهن لن يستمر، وأن الهندسة السياسية التي حرمته من تمثيل عادل في المجلس لن تستمر، فهو قد حصل على مليون و800 ألف صوت، ومن ثم فإنه سيبقي في المشهد مع محاولة تعديل الصورة الذهنية التي كان مسئولا في جزء كبير عن صناعتها مع مقدمة للحياة السياسية بعد ثورة 25 يناير، واهتمامه بقضايا شكلية أثارت جدلا وفزعا في المجتمع، وفي نفس الوقت تركيزه على قضية الهوية والشرعية وهي قضية استقطابية وانقسامية، وابتعاده عن طرح حلول واقعية لمواجهة مشاكل الناس، كما أنه سيعمل على الأرض لتأكيد الطبيعة غير الانقلابية له وأنه حزب ينافس على ما تجود به الدولة المصرية وما تتيحه قواعد المنافسة السياسية القانونية حتى ولو كان ينقدها ويعارضها، إلا أنه مستمر في العمل وفقها.
في نسخته المعدلة الجديدة يحتاج الحزب إلى أن يبلور برنامجا سياسيا يربط بين الشريعة وحل مشاكل الناس، وفي نفس الوقت على الحزب أن يعلن مواقفه من قضايا جوهرية مثل المواطنة والدولة المصرية، والعمل العنفي في السياسية، والموقف من المرأة والموقف من الأقباط والموقف من القوي السياسية الأخرى، كما يحتاج الحزب إلى أن يبني كوادر سياسية حديثة تفهم العالم والدنيا فمما لا شك فيه أن الحزب ليس لديه الكوادر السياسية الكافية، كما أنه تعرض للانشقاق الذي جعل مؤسِّسه يغادره قد أضعفه فضلا أن الحزب الآن بما حصل عليه من أصوات تشير فعلا إلى قوة الحزب الحقيقية على الأرض ومن ثم فقصة المبالغة في قوة الحزب لنفسه أو قوة الآخرين له يجب أن توضع في ميزانها الصحيح.
علي الحزب أن يعدل نفسه وأن يعدل خطابه، وأن يغذي النفس السياسي في خطابه وبرامجه وكوادره، وعلى الجانب الآخر فإن الهجمة الإعلامية على الحزب والدعوة إلى حله وإلغاء وجوده السياسي من القوى الكارهة للحزب يجب أن تتوقف، لأن الحزب في النهاية يعبر عن تيار محافظ موجود على الأرض ويحتاج إلى صوت يعبر عنه، وبقاؤه في الحياة السياسية كصوت مختلف عن بقية التيارات الأخرى يثري الحياة السياسية ولا يفسدها، وطالما أن الحزب يقبل بقواعد العملية السياسية ويقدم استقرار الوطن ويعتبرها هدفا فإنه يمثل طاقة جذب للشباب السلفي نحو العمل السياسي بعيدا عن الذهاب إلى موجة السلفية الجهادية التي تعلو موجتها حتى تكاد أن تحصد الأخضر واليابس في بلادنا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟