حرب الغفران: هموم إسرائيل تتراكم بين طهران والقاهرة
الخميس 10/سبتمبر/2015 - 12:59 م
د. محمد السعيد إدريس
على مدى أكثر من اثني عشر عامًا ظل بنيامين نتنياهو يقاتل على الجبهة الإيرانية دفاعًا عن هدفين؛ أولهما، إرجاء الملف الفلسطيني نهائيًا وإلى أجل غير مسمى وتفريغ مشروع "حل الدولتين" من كل مضامينه وعلى الأخص عدم ترك مجال جغرافي لإقامة "دولة فلسطينية" من خلال التوسع اللا محدود في الاستيطان والتهويد، والسعي الحثيث لفرض مشروع "إسرائيل دولة يهودية"، ما يعني أمرين أولهما تفريغها نهائيًا من كل وجود عربي فلسطيني بطرد كل السكان الفلسطينيين، وثانيهما، جعل إسرائيل وطنًا لكل يهود العالم أي فرض مشروع "المواطنة اليهودية". كان نتنياهو يدفع في صراع متواصل مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقبله الرئيس جورج دبليو بوش لإعطاء الأولوية للملف الإيراني وفرض إيران "عدوًا بديلًا" لإسرائيل عند العرب، واستبدال الصراع العربي- الإسرائيلي بصراع عربي- إيراني ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، وإرجاء الملف الفلسطيني، والآن، وبعد الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه مع إيران لم يعد هناك مجال آخر للهروب من استحقاقات الملف الفلسطيني، وهذا هم كبير يصعب تجاوزه.
أما الهدف الثاني من قتال نتنياهو على الجبهة الإيرانية، فكان دافعه المحافظة على الوظيفة التاريخية للكيان الصهيوني في إستراتيجية الدفاع الأمريكية. فإسرائيل قامت لتحقيق أهداف غربية وأمريكية ترمي في مجملها الحيلولة دون ظهور قوة عربية قادرة على الإضرار بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. هذا الدور تداعى بعد خروج مصر من معادلة الصراع العربي – الإٌسرائيلي بالتوقيع على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية منذ عام 1979، واكتمل المسعى مع تدمير الأمريكيين للدولة العراقية وإجهاض قدراتها الإستراتيجية وامتداد مسلسل التدمير إلى سوريا بعد انتفاضة مارس 2011، لذلك كان من الضروري كي تحفظ إسرائيل دورها وتبرر وجودها وتحصل على كل ما تريده هو فرض إيران عدوًا بديلًا للعرب وطرح نفسها القوة الإقليمية القادرة على مواجهة هذا العدو. والآن وبعد الاتفاق النووي والتحول في الموقف الأمريكي من إيران باعتبارها "دولة منبوذة" إلى "حليف محتمل" بدأ بنيامين نتنياهو يفقد صوابه في ظل تراكم همومه التي أخذت تتوالى الواحدة تلو الأخرى مع إيران وأخيرًا مع مصر.
،، بادر عشرات المسئولين السابقين الكبار في الجهاز الأمني «الإسرائيلي» والجيش والمخابرات إلى رئيس الحكومة برسالة يطالبونه فيها بالتسليم بالاتفاق النووي ،،
أولا- حسابات الذات المريرة
أبرز هذه الهموم جاء من الداخل الإسرائيلي في شكل فضح كشف حساب حكومة نتنياهو في التقصير مع الخيار العسكري الذي ظل نتنياهو يتاجر به في عدائه لإيران، فقد كشف إيهود باراك رئيس وزراء الكيان «الإسرائيلي» الأسبق، في حوار تليفزيوني مثير كيف أفشل وزراء الحكومة المصغرة وقادة الأجهزة الأمنية هذا الخيار وقت أن كان وزيرًا للحرب في حكومة بنيامين نتنياهو، كما كشف أن «إسرائيل» فكرت ثلاثة مرات في أعوام 2010، 2012، 2013 ضرب وتدمير المنشآت النووية الإيرانية.
تحدث باراك عن مسألتين أساسيتين سيطرتا على المناقشات ولم يستطع الوزراء المجتمعون الاتفاق حول إجابات محددة عنها، ومن هنا كان رفض خيار الضربة العسكرية، المسألة الأولى وصفها باراك ب «النضج العملياتي» بمعنى: هل الجيش «الإسرائيلي» قادر على أن يضرب بشكل ذي مغزى المنشآت النووية الإيرانية ويعيد طياريه إلى الديار بسلام.
أما المسألة الثانية التي اعتبرها مصيرية فكانت: من أجل ماذا يمكن وصف قرار الضربة العسكرية بأنه خيار جيد مع أسئلة أخرى من نوع: ماذا ستكون نتائج هذه العملية إذا ما نجحت؟ ماذا ستحدث العملية بالمشروع النووي الإيراني، وماذا ستحدث في الشرق الأوسط؟
وإذا كان باراك قد اتهم أشخاصًا بأسمائهم بأنهم هم من أعاقوا قرار الضربة العسكرية الإجهاضية للمنشآت النووية الإيرانية مثل: مائير داغان، يوفال ديسكن، غابي أشكنازي، تمير باردو، دان مريدور، بيني بيغن، يوفال شتانيتيس، ويوجي يعلون، وأنه، أي إيهود باراك مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية أفيجدور ليبرمان هم من كافحوا لفرض خيار الضربة العسكرية فإن الاتهامات أخذت تنال بالأساس من شخص باراك نفسه وبنيامين نتنياهو من منطلق افتقادهما صدق النية وافتقادهما العزيمة على اتخاذ القرار، وهناك شبه توافق على أن فشل خيار الضربة العسكرية له ثلاثة تفسيرات أو، بالأحرى، ثلاثة أسباب.
أول هذه الأسباب، وكما يقول الكاتب «بن كاسبيت» في صحيفة «معاريف»، هو نتنياهو لأنه لم ينجح في تجنيد القوى النفسية المطلوبة لاتخاذ القرار، ولأنه رئيس حكومة قوي فقط بالأقوال وضعيف بالأفعال، ومن هنا جاء تجرؤ أشخاص مثل يوفال شتاينتيس ودان مريدور وبيني بيغن، وايلي يشاي وبوغي يعلون على رفض هذا القرار، هم تجرأوا لإدراكهم أن نتنياهو، حسب إدراكهم، لم يكن جادًا في الدفع بهذا الخيار.
أما السبب الثاني فهو رفض الأجهزة الأمنية للقرار، من منطلق خطر وهو التحسب للنتائج، ما يعني أن «إسرائيل» بإدراك القادة الأمنيين لم تكن قادرة على تحمل نتائج ما بعد هذه الضربة في حال حدوثها.
كان على رأس الرافضين مائير داغان رئيس الموساد، ويوفال ديسكن رئيس الأمن الداخلي (الشاباك) وكل من غابي أشكنازي وعاموس يادلين وافيف كوخافي من المخابرات العسكرية.
،، لم يكن مستغربًا أن يعتبر "الإسرائيليون" إعلان اكتشاف حقل الغاز المصري بمثابة "حرب يوم غفران اقتصادية"،،
السبب الثالث هو باراك نفسه، لأنه وزير الحرب وصاحب القرار الأساسي، ولعل هذا ما يفسر أسباب الحملة الشديدة الآن عليه، إضافة إلى أنه لم يكتف بالهروب من اتخاذ القرار، عكس ما يزعم، بل إنه فضح القدرات الإستراتيجية «الإسرائيلية»، ومن هنا جاء اتهامه من جانب بعض الكتاب بأنه «عميل إيراني» واتهامه من جانب كتاب آخرين بأنه «عميل باراكي» أي أنه عميل لنفسه ويخوض معاركه الشخصية على حساب كل شيء، حتى ولو كان على حساب المصالح الوطنية العليا، فهو بهذا الاعتراف سيعطي للإيرانيين أوراقًا مهمة للنيل من «إسرائيل» سيكون في مقدورهم توظيفها للمضي قدمًا في امتلاك القنبلة النووية وامتلاك الصاروخ الباليستي القادر على حمل هذه القنبلة إلى حيث يريدون، مثل القول بعد كل هذه المكاشفات «الإسرائيلية» الفاضحة «نحن ملزمون بالدفاع عن أنفسنا من هؤلاء المجانين في «تل أبيب» الذين جلسوا وخططوا كيف يهاجموننا»، ومثل «العالم سيفهم الآن لماذا نقوم بامتلاك صواريخ باليستية، وسيبرر لنا هذا الأمر، خصوصًا أنه لم يعد الحديث يدور عن تكهنات وإشاعات بتهديدات «إسرائيلية»، بل عن اعترافات مباشرة من أحد كبار المسئولين الصهاينة عن الأمن».
مكاشفات إيهود باراك دفعت الصحافة الموالية لرئيس الحكومة وخاصة صحيفة «إسرائيل» اليوم لتشديد هجومها عليه وإفقاده فرص تحقيق «الصيد في المياه العكرة هذه الأيام الذي يخوض فيها نتنياهو حربًا داخل الكونغرس ضد الرئيس الأمريكي لإفشال موافقة الكونجرس على الاتفاق النووي مع إيران، من بين ما حرصت الصحيفة على قوله إن ما قام به باراك هو «كشف أسرار «إسرائيل» التي من المفترض أن تبقى لغزًا لخصومنا» وأنه من دون مبرر تم نشر تفاصيل متعلقة بقدرات الجيش «الإسرائيلي»، التي أفضت، في نهاية المطاف، إلى الخلاصة النهائية وهي: عدم مهاجمة إيران.
هكذا وضع باراك نهاية مأساوية لخيار مشكوك في حديثه، الأمر الذي دفع نتنياهو للتمسك بالخيار الثاني وهو إسقاط الاتفاق النووي داخل الكونجرس الأمريكي وخوض حرب ضد الرئيس باراك أوباما وهو الخيار الذي يراه «إسرائيليون» منتقدون بأنه خيار فاشل هو الآخر، ودفعهم للبحث عن خيار ثالث بديل بعد أن فشل الخيار العسكري قبل أن يبدأ، وحتمًا سيفشل خيار نتنياهو في الحرب ضد الرئيس أوباما الذي من شأنه أن يؤدي إلى خسارة «إسرائيلية» هائلة فضلًا عن الانقسام المؤكد في صفوف اليهود الأمريكيين بين مؤيد لرئيس الحكومة وخاصة منظمة «إيباك» (اللوبي الصهيوني) ومؤيد للرئيس الأمريكي.
فقد بادر عشرات المسئولين السابقين الكبار في الجهاز الأمني «الإسرائيلي» والجيش والمخابرات (بعضهم ممن تزعموا في السابق رفض خيار الضربة العسكرية) إلى رئيس الحكومة «الإسرائيلية» برسالة يطالبونه فيها بالتسليم بالاتفاق النووي الموقع مع إيران، وطالبوا في رسالتهم الحكومة «الإسرائيلية» بالتفرغ لتجديد الثقة وتعزيز التعاون والتنسيق السياسي والأمني مع الإدارة الأمريكية، وأوضحوا أن «إسرائيل» تحتاج إلى انعطاف حاد في توجهاتها السياسية والمبادرة إلى خطوة سياسية توفر الثقة وتدعم «إسرائيل» في حل الدولتين مع الفلسطينيين، وتسمح بإنشاء مسار «سُني- غربي» معتدل ضد القوى المتطرفة التي تقوض الاستقرار في المنطقة.
من بين الموقعين على هذه الرسالة باسمهم وباسم زملاء لهم ما زالوا في الخدمة ولا يستطيعون الإدلاء بآرائهم رئيسا الشاباك سابقًا عامي إيالون وكرمي غيلون، ونائب رئيس الموساد سابقًا عميرام ليفين، والعميد احتياط عوزي عيلم الرئيس السابق للجنة الطاقة النووية في ديوان رئيس الحكومة، والجنرالات السابقون ديفيد بن يعشاط، وشلومو غازيت، وأليكس طال، وأبيعيز بعاري، وعمرام متسناع، ومندي ماروز، وداني روتشيلد، وغيورام رام، وميخا رام، وأمنون ريشف، ونتاي شاروني وغيرهم.
هذا الخيار تدعمه أطراف أخرى من بينهم 340 حاخامًا يهوديًا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة وجهوا (18-8-2015) رسالة إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي تحثهم على دعم الاتفاق مع إيران، ووصفوا الاتفاق بأنه «يهدف إلى منع إيران من حيازة السلاح النووي». واضح من تعدد هذه الخيارات أن الكيان يواجه ارتباكًا إستراتيجيًا في التعامل مع المتغيرات الإقليمية الجديدة وخاصة في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي وبالذات خطر التقارب الغربي والأمريكي على وجه الخصوص مع إيران، وخطر تداعي الوظيفة التاريخية «الإسرائيلية» كأهم قاعدة للدفاع عن المصالح الغربية في الشرق الأوسط بظهور أطراف إقليمية أخرى قادرة على القيام بالمهمة، فضلًا عن تداعيات سقوط رهانات نتنياهو على أولوية الملف الإيراني وأولوية الخطر الإيراني للهروب من استحقاقات باتت ضرورية وحتمية نحو الشعب الفلسطيني.
،، لم يكن مستغربًا أن يعتبر "الإسرائيليون" إعلان اكتشاف حقل الغاز المصري بمثابة "حرب يوم غفران اقتصادية"،،
ثانيا- التحول نحو القاهرة
في ظل هذه التداعيات الداخلية لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني، والأزمة المتصاعدة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في محاولة من نتنياهو لدفع الكونجرس الأمريكي لرفض الاتفاق النووي الموقع مع إيران، ومخاوف قطاع كبير من عقلاء إسرائيل من هذا التورط ضد الرئيس الأمريكي وإدارته، اندفع نتنياهو للتورط مع مصر لأسباب أخرى طارئة لم تكن في الحسبان مع إعلان القاهرة عن اكتشاف حقل هائل للغاز في المنطقة الاقتصادية المصرية بالبحر المتوسط وهو الاكتشاف الذي اعتبره كثيرون في "إسرائيل" (يومًا أسود) في تاريخ "إسرائيل" التي آملت أن يسهم اكتشافها لحقل "لفيتان" للغاز بالبحر المتوسط في تعزيز مكانتها الإستراتيجية في المنطقة عبر التحول من مستورد للطاقة إلى مصدر لها. تجدر الإشارة إلى أن حقل "لفيتان" الذي كان يعتبر الاكتشاف الأهم في مجال الطاقة في القرن الحادي والعشرين، لا يحوي إلا على 21 تريليون قدم مكعب، في حين يحتوي الحقل المصري الواقع في عمق المياه الاقتصادية المصرية على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز. وبحساب بسيط، وحسب رؤية تشارلز آلينس المدير العام السابق لشركة الغاز القبرصية فإن "الاكتشاف الجديد يشكل تابوت دفن خيار تصدير الغاز إلى مصر" فاكتشاف 30 تريليون قدم مكعب من الغاز لا يكفي لسد حاجة مصر فقط وإنما أيضًا لتشغيل محطتي التسييل. فكمية الـ 30 تريليون قدم مكعب تعني 840 مليار متر مكعب، ولذلك فإن إنتاج 30 مليار متر مكعب سنويًا يعني أن الحقل سيستمر ما بين 25- 30 سنة. وبوسع الاقتصاد المصري استهلاك خمسة مليارات متر مكعب سنويًا، ومحطات تسييل الغاز يمكنها أن تصدر 16 مليار متر مكعب، وهذا يعني أن مصر، مع تشغيل هذا الحقل، لن تكون في حاجة إلى شراء الغاز لا من "إسرائيل" ولا من قبرص.
كارثة "إسرائيل" باتت مزدوجة بعد إنهاء الحظر المفروض على استيراد النفط والغاز الإيراني كإحدى نتائج الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه مع إيران، فلأول مرة يجري الإفصاح عن أحد أسباب أو دوافع بنيامين نتنياهو لرفض هذا الاتفاق وإصراره ليس على البحث عن اتفاق بديل أفضل ولكن كان خياره دائمًا هو "لا.. اتفاق" أي استمرار حالة حظر تصدير النفط والغاز الإيراني على أمل احتكار "إسرائيل" السوق التركية لاستيراد الغاز "الإسرائيلي". الآن ستبدأ إيران في تصدير الغاز إلى تركيا وإلى كل العالم، وفي ظل تراجع أسعار النفط لم يعد أمام "إسرائيل" فرصًا مواتية لتسويق الغاز "الإسرائيلي" بالأسعار التي تريدها حكومة نتنياهو أي ستة دولارات للوحدة الحرارية.
كان رهان "إسرائيل" هو أسواق مصر والأردن وتركيا بالأساس، وربط هذه الأسواق باتفاقيات طويلة المدى لشراء الغاز "الإسرائيلي" يمكن استثمارها في علاقات ونفوذ إستراتيجي إسرائيلي مع هذه الدول. الآن دخل الغاز الإيراني منافسًا في السوق التركية وانخفضت الأسعار، وأغلقت السوق المصرية، وربما معها السوق الأردنية التي ستفضل حتمًا شراء الغاز المصري لوجود خطوط أنابيب نقل الغاز من مصر للأردن عكس الحال مع "إسرائيل".
الخسارة ليست فقط في انسداد أسواق البيع أمام الغاز "الإسرائيلي" وخسارة فرص تمديد النفوذ "الإسرائيلي" في مصر والأردن وتركيا، بل إن تطوير حقل غاز "لفيتان" سيواجه بتحديات كبيرة. فقد اعتبر عوديد عيران رئيس مركز دراسات الأمن القومي السابق أن اكتشاف حقل الغاز المصري الجديد يشكل ضربة قوية، وربما قاصمة لمشروع تطوير حقل "لفيتان" الذي اعتبر مصر وتركيا المستوردين الأساسيين. فمصر لن تشتري الغاز من "إسرائيل" وهشاشة العلاقة مع تركيا خاصة في ظل المنافس الإيراني أفقد "إسرائيل" ليس فقط "الدافع السياسي- الإستراتيجي" لبيع الغاز "الإسرائيلي" بل أيضًا سيعرقل صفقة الغاز مع شركتي "نوبل انيرجي" و"ديلك" الشريكتان في حقل "لفيتان" خصوصًا بعد التراجع الفوري الذي جرى في أسعار أسهم شركات الطاقة في "إسرائيل" ما بين 11% لشركة "ديلك" و21% لشركة "رتسيو" وهما شريكتان في حقل "لفيتان"، كما تراجعت أسعار أسهم شركات النفط بنحو 6% في يوم واحد عقب الإعلان عن اكتشاف حقل الغاز المصري، ولعل هذا ما دفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لعدم عرض صيغة صفقة الغاز أمام الكنيست في ذلك اليوم انتظارًا لمراجعة الصفقة كلها.
لذلك لم يكن مستغربًا أن يعتبر "الإسرائيليون" إعلان اكتشاف حقل الغاز المصري بمثابة "حرب يوم غفران اقتصادية"، ولم يكن مستغربًا أيضًا أن يفقد "الإسرائيليون" أعصابهم في العلاقة مع مصر والتوجه لفتح ملف خلافي جديد يتعلق بالموقف المصري العدائي من القدرات النووية العسكرية "الإسرائيلية" والمشروع المصري المقرر تقديمه خلال أيام إلى مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا بخصوص الدعوة المصرية لفرض رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية الإسرائيلية، وتحريك ملف الدعوة إلى المؤتمر الدولي الذي قررته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لجعل الشرق الأوسط إقليمًا خاليًا من الأسلحة النووية خاصة ومجمل أسلحة الدمار الشامل الأخرى عامة.
فقد كشفت صحيفة "هآرتس" النقاب عن أن "إسرائيل" طلبت من مصر الكف عن محاولاتها تمرير مشروع لفرض الرقابة على المنشآت النووية "الإسرائيلية" في المؤتمر العام للوكالة الولية للطاقة الذرية الذي سيعقد خلال الأيام القادمة. وأوضحت أن تل أبيب أوصلت رسالة إلى مصر قام بها للقاهرة المبعوث الخاص لرئيس الحكومة اسحق مولخو ومستشار الأمن القومي يوسي كوهين.
الطلب "الإسرائيلي" اقترن بعتاب شديد وتحذير. العتاب كان من أن القاهرة لم ترد جميل التعاون الأمني "الإسرائيلي" مع مصر في مكافحة التنظيمات الإرهابية بما في ذلك موافقتها على إدخال قوات كبيرة من الجيش المصري إلى شبه جزيرة سيناء بشكل يتجاوز العدد المسموح به حسب اتفاق السلام مع مصر.
أما التحذير، فكان أن "إسرائيل" وأصدقائها لن يسمحوا أبدًا بتمرير المشروع المصري وسوف يحبطونه داخل مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على نحو ما جرى إحباط هذا المسعى المصري أثناء مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الأخير الذي عقد في نيويورك بمقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية (إبريل – مايو 2015)، حيث تضامنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا في رفض تضمين المطالب المصرية في البيان الختامي لذلك الاجتماع.
تصعيد إسرائيلي مزدوج ضد مصر يكشف مدى افتقاد نتنياهو وحكومته التوازن في التعامل مع التحديات المتصاعدة التي تجيء دائمًا على عكس ما يود الإسرائيليون وما يروجون له من أن العصر الحالي هو عصر السيادة الإسرائيلية.