اعتبارات العدالة: ملامح إعداد موازنة 2015- 2016 في مصر (2)
الثلاثاء 14/يوليو/2015 - 11:05 ص
إبراهيم نوّار
عندما طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكومة تعديل الميزانية بغرض تخفيض العجز الوارد في المشروع الأصلي، فإن وزارة المالية اختارت تخفيض الإنفاق على الأجور والتعليم والصحة وبعض بنود الإنفاق ذات الطابع الاجتماعي، لتعود إلى الحكومة بميزانية تم تخفيض الإنفاق الإجمالي فيها بنحو 30 مليار جنيه. ويعكس هذا الاختيار انحيازا اجتماعيا يتحدث عن نفسه بنفسه. وفي السنة المالية الماضية عندما طلب الرئيس إجراء مماثلا لتخفيض عجز الميزانية لجأت السلطات المالية إلى الاختيارات السابقة مضافا إليها تخفيض قيمة الاستثمارات الفعلية وإبطاء تنفيذ المشروعات القائمة بما في ذلك تخفيض اعتمادات دعم إسكان محدودي الدخل بنسبة 50%!
وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن تقارير متابعة الأداء المالي خلال الأحد عشر شهرا الأولى من السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2015 تشير إلى أن العجز في الميزانية زاد إلى 261 مليار جنيه بنسبة 10.8% من الناتج المحلي مقارنة بنحو 189 مليار جنيه بنسبة 9.5% من الناتج المحلي خلال الفترة الزمنية المقابلة من السنة المالية 2013/2014. وعلى الرغم من كل محاولات التلاعب بالأرقام التي تقوم بها السلطات المالية من أجل تحسين نتائج الأداء، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الحكومة فشلت في لجم العجز المالي أو الحد من تراكم الدين الحكومي العام الداخلي والخارجي.
ومن الإنصاف أن نرى صورة الأداء المالي في كليتها وبجانبيها الإيجابي والسلبي، بغرض تقويم السياسة المالية والاقتصادية، ومحاولة إرشادها إلى المسار الذي يلبي احتياجات وطموحات المواطنين بدون التفريط في الإعتبارات التي تحكم رغبة الحكومة في تحقيق التوازن المالي. فالتوازن المالي يجب أن يتم في سياق تنموي وليس على حساب التنمية وخنق الاقتصاد ككل لصالح قطاعات بعينها، ولا التضحية باحتياجات المواطنين لإرضاء الأولويات التي تحددها الحكومة تلبية لمصالح المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية. وفي سياق رؤية صورة الأداء الاقتصادي في كليتها يمكننا رصد المؤشرات التالية:
وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن تقارير متابعة الأداء المالي خلال الأحد عشر شهرا الأولى من السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2015 تشير إلى أن العجز في الميزانية زاد إلى 261 مليار جنيه بنسبة 10.8% من الناتج المحلي مقارنة بنحو 189 مليار جنيه بنسبة 9.5% من الناتج المحلي خلال الفترة الزمنية المقابلة من السنة المالية 2013/2014. وعلى الرغم من كل محاولات التلاعب بالأرقام التي تقوم بها السلطات المالية من أجل تحسين نتائج الأداء، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الحكومة فشلت في لجم العجز المالي أو الحد من تراكم الدين الحكومي العام الداخلي والخارجي.
ومن الإنصاف أن نرى صورة الأداء المالي في كليتها وبجانبيها الإيجابي والسلبي، بغرض تقويم السياسة المالية والاقتصادية، ومحاولة إرشادها إلى المسار الذي يلبي احتياجات وطموحات المواطنين بدون التفريط في الإعتبارات التي تحكم رغبة الحكومة في تحقيق التوازن المالي. فالتوازن المالي يجب أن يتم في سياق تنموي وليس على حساب التنمية وخنق الاقتصاد ككل لصالح قطاعات بعينها، ولا التضحية باحتياجات المواطنين لإرضاء الأولويات التي تحددها الحكومة تلبية لمصالح المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية. وفي سياق رؤية صورة الأداء الاقتصادي في كليتها يمكننا رصد المؤشرات التالية:
أن العجز في الميزانية زاد إلى 261 مليار جنيه بنسبة 10.8% من الناتج المحلي مقارنة بنحو 189 مليار جنيه بنسبة 9.5% من الناتج المحلي
أولا- في جانب الإيجابيات
1- قامت الحكومة بتنفيذ عدد من الإجراءات التي ساعدت على تحسين التصنيف الائتماني لمصر، وهو ما يسمح بتحسين قدرة مصر على الاقتراض من الخارج، لكنه لا يعني بالضرورة زيادة فرص مصر في الحصول على استثمارات من الخارج. ويقف أفضل تصنيف ائتماني لمصر حاليا عند مستوى (ب- مستقر) الذي أعلنته مؤسسة فيتش.
2- تحقيق زيادة ملموسة في قيمة الحصيلة الضريبية خلال الأحد عشرا شهرا الأولى من السنة المالية بنسبة 22.5% مقارنة بالفترة المقابلة من السنة المالية السابقة.
3- زيادة صافي التدفقات الراسمالية للداخل بقيمة 7 مليارات دولار تقريبا أو ما يعادل 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 1.1 مليار دولار فقط في الفترة من يوليو إلى مارس 2014/2015 مقارنة بالفترة المناظرة السابقة.
4- سداد 3 مليارات دولار من مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة في مصر، وهو إجراء كان قد تم الإتفاق عليه في عام 2013 وبدأ تنفيذه فعلا في ديسمبر من ذلك العام بهدف تخفيض المديونية المستحقة على مصر لصالح شركات النفط والغاز العاملة في البلاد وتشجيع هذه الشركات على زيادة استثمارها في مصر. ومع ذلك فإن الرصيد القائم لمديونية مصر تجاه هذه الشركات في نهاية يونيو الماضي يظهر زيادة بنسبة 6% على الأقل عما كان عليه.
5- وقد ساعدت التدفقات المالية الخارجية وتحسن المناخ الاستثماري وزيادة درجة الاستقرار الاقتصادي على زيادة معدل النمو خلال النصف الأول من السنة المالية الماضية إلى 5.6% طبقا لتقديرات وزارة التخطيط مقابل 1.2% خلال النصف الأول من السنة السابقة.
1- قامت الحكومة بتنفيذ عدد من الإجراءات التي ساعدت على تحسين التصنيف الائتماني لمصر، وهو ما يسمح بتحسين قدرة مصر على الاقتراض من الخارج، لكنه لا يعني بالضرورة زيادة فرص مصر في الحصول على استثمارات من الخارج. ويقف أفضل تصنيف ائتماني لمصر حاليا عند مستوى (ب- مستقر) الذي أعلنته مؤسسة فيتش.
2- تحقيق زيادة ملموسة في قيمة الحصيلة الضريبية خلال الأحد عشرا شهرا الأولى من السنة المالية بنسبة 22.5% مقارنة بالفترة المقابلة من السنة المالية السابقة.
3- زيادة صافي التدفقات الراسمالية للداخل بقيمة 7 مليارات دولار تقريبا أو ما يعادل 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 1.1 مليار دولار فقط في الفترة من يوليو إلى مارس 2014/2015 مقارنة بالفترة المناظرة السابقة.
4- سداد 3 مليارات دولار من مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة في مصر، وهو إجراء كان قد تم الإتفاق عليه في عام 2013 وبدأ تنفيذه فعلا في ديسمبر من ذلك العام بهدف تخفيض المديونية المستحقة على مصر لصالح شركات النفط والغاز العاملة في البلاد وتشجيع هذه الشركات على زيادة استثمارها في مصر. ومع ذلك فإن الرصيد القائم لمديونية مصر تجاه هذه الشركات في نهاية يونيو الماضي يظهر زيادة بنسبة 6% على الأقل عما كان عليه.
5- وقد ساعدت التدفقات المالية الخارجية وتحسن المناخ الاستثماري وزيادة درجة الاستقرار الاقتصادي على زيادة معدل النمو خلال النصف الأول من السنة المالية الماضية إلى 5.6% طبقا لتقديرات وزارة التخطيط مقابل 1.2% خلال النصف الأول من السنة السابقة.
ارتفاع قيمة إجمالي الدين العام المحلي إلى 2.2 تريليون جنيه في مارس 2015 مقارنة بنحو 1.8 تريليون جنيه في مارس 2014
ثانيا- في جانب السلبيات
1- ارتفاع قيمة العجز في الميزانية إلى 261 مليار جنيه مصري بنسبة 10.8% من الناتج المحلي خلال الفترة من يوليو إلى مايو 2014/2015 مقابل 189.4 مليار جنيه في الفترة المقابلة من السنة المالية 2013/2014. ويستهدف مشروع الميزانية للسنة المالية المذكورة تحقيق عجز بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
2- ارتفاع قيمة إجمالي الدين العام المحلي إلى 2.2 تريليون جنيه في مارس 2015 مقارنة بنحو 1.8 تريليون جنيه في مارس 2014، وهو ما يعكس ضعف قدرة الحكومة في سياسات السيطرة على الدين العام لأجهزة الموازنة (الحكومة المركزية- الهيئات الاقتصادية- المحافظات).
3- انخفاض الحصيلة الضريبية عن المستهدف بما يقرب من 100 مليار جنيه أي بنسبة تصل إلى 27% تقريبا. وتقدر وزارة المالية قيمة الحصيلة الضريبية قبل شهر من نهاية السنة المالية بنحو 261 مليار جنيه بزيادة 48 مليار جنيه على الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة. وتظهر تفاصيل الإيرادات الضريبية أن الضرائب على الدخل تمثل وحدها 42.5% يأتي ما يقرب من نصفها من الهيئات والشركات المملوكة للدولة وعلى رأسها شركات البترول وقناة السويس والبنك المركزي. وتوفر الهيئات والشركات المملوكة للدولة ما يقرب من 38% من الإيرادات الضريبية الواردة في الميزانية. أما الضرائب على السلع والخدمات التي سجلت زيادة بنسبة 35% عن السنة الماضية فإنها تعكس حصيلة الضرائب غير المباشرة التي يتحمل الفقراء ومحدودو الدخل النسبة الأعظم منها. وقد تحققت الزيادة الكبيرة في الإيرادات من الضريبة على السلع والخدمات نتيجة لزيادة الضرائب على البنزين والسجائر.
4- ارتفاع معدل التضخم إلى 13.1% في مارس 2015 مقارنة بـ 8.2% في مايو 2014 وتسبب الإرتفاع في الرقم القياسي لأسعار المواد الغذائية مثل الخضروات والأسماك واللحوم والسكر وغيرها العامل الأكبر في زيادة معدل التضخم. وحيث إن الأسر الفقيرة ومحدودي الدخل ينفقون ما يقرب من 50% من دخولهم على مجموعة السلع الغذائية، فإن أثر التضخم يبدو أشد ثقلا على هذه الفئات. وعلى الرغم من أن ارقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى ارتفاع أسعار مجموعة سلع الطعام والشراب بنسبة 15% تقريبا فإن أرقام الغرف التجارية تشير إلى زيادات بنسب أعلى تتجاوز 20%.
5- ارتفاع العجز في الميزان التجاري إلى 8.4 مليار دولار في الأحد عشر شهرا الأولى من السنة المالية، وهو ما يعادل تحويلات صافية إجبارية إلى الخارج بما يعادل 2.5% من إجمالي الناتج المحلي. لقد فشلت السياسات النقدية والمالية والاقتصادية في أن تساعد الاقتصاد على تحقيق مزيد من القدرة التنافسية في مواجهة السلع الأجنبية وكذلك عجزت في مساعدته على تحقيق نسبة أكبر من الاعتماد على النفس، فكانت النتيجة هي زيادة نزيف الموارد المحولة إجباريا من الداخل إلى الخارج.
6- ارتفاع سعر الفائدة على أذون الخزانة العامة (91 يوما) إلى 11.2% خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2014 مقارنة بمتوسط بلغ 10.9% خلال السنة المالية السابقة.
7- فشل السلطات الإدارية المسئولة عن التنسيق بدرجة عالية بين السياسات النقدية (مسئولية البنك المركزي) والمالية (مسئولية وزارة المالية) والاقتصادية (مسئولية رئيس الوزراء والحكومة ككل) من أجل تحقيق أعلى درجة ممكنة من الاستقرار الاقتصادي. وقد ظهرت ملامح ذلك الفشل في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر الصرف للعملة المحلية وزيادة الدين العام وارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إضافة إلى الزيادة الحادة في العجز التجاري وعجز ميزان المدفوعات.
ومن الواضح أن الميزانية الجديدة للسنة المالية 2015/2016 تجاهلت إلى حد كبير هموم "المواطنين" الاقتصادية لمصلحة الاهتمام بهموم "الحكومة" الإقتصادية. وشتان الفارق بين هموم المواطن، الذي يتوق إلى فرصة عمل ملائمة، وإلى زيادة المعروض من السلع والخدمات بأسعار مناسبة لدخول الأغلبية العظمى، وبين هموم الحكومة التي تركز كل جهودها من أجل الحصول على "شهادة صلاحية" من المؤسسات المالية الدولية ومن شركات النفط والغاز العاملة في البلاد. نحن إذن في مواجهة اقتصادين مختلفين، أحدهما هو اقتصاد المواطن الذي تجور عليه الحكومة بالاقتطاع من مخصصاته، مثل تخفيض دعم إسكان محدودي الدخل من 300 مليون جنيه إلى 150 مليون جنيه. بينما الاقتصاد الآخر وهو "اقتصاد الحكومة" يحظى بكل الاهتمام. ليس ذلك فقط بل إن مخصصات رجال الأعمال في الدعم مثل دعم الصادرات لم تمس. والأكثر من ذلك أن الأداء المالي في السنة المالية الأخيرة سجل تراجعات عديدة لصالح رجال الأعمال منها تأجيل تنفيذ ضريبة ال5% الاستثنائية على الدخل لما يتجاوز مليون جنيه سنويا، وتخفيض الحد الأقصى للضريبة إلى 22.5% وتأجيل تطبيق الضريبة على أرباح وتوزيعات الأسهم والمعاملات في البورصة.
إن برامج الإصلاح الاقتصادي التي تقوم الحكومة بتنفيذها تتطلب من وجهة نظر صندوق النقد الدولي إتاحة برامج للوقاية الاجتماعية وحماية محدودي الدخل أولا قبل البدء في تطبيق إجراءات من شأنها الإضرار بهذه الفئات الاجتماعية غير القادرة. ومع ذلك فإن الحكومة بادرت إلى تنفيذ إجراءات للإصلاح الاقتصادي قبل أن تضع برامجا ملائمة وقائية موضع التنفيذ. وليس من المقبول أن تلجأ السلطات المالية إلى اقتطاع مخصصات في أبواب الاستثمار أو الدعم أو المزايا الاجتماعية للفئات الاجتماعية المهمشة أو غير القادرين بغرض تخفيض العجز في الميزانية بينما تبقي على حاليها بنود كان من الضروري تخفيضها مثل دعم المصدرين الذي يذهب معظمه في حقيقة الأمر إلى حفنة من مصدري السلع الزراعية التي تتمتع بمزايا كمية تتيحها الدول المستوردة.
1- ارتفاع قيمة العجز في الميزانية إلى 261 مليار جنيه مصري بنسبة 10.8% من الناتج المحلي خلال الفترة من يوليو إلى مايو 2014/2015 مقابل 189.4 مليار جنيه في الفترة المقابلة من السنة المالية 2013/2014. ويستهدف مشروع الميزانية للسنة المالية المذكورة تحقيق عجز بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
2- ارتفاع قيمة إجمالي الدين العام المحلي إلى 2.2 تريليون جنيه في مارس 2015 مقارنة بنحو 1.8 تريليون جنيه في مارس 2014، وهو ما يعكس ضعف قدرة الحكومة في سياسات السيطرة على الدين العام لأجهزة الموازنة (الحكومة المركزية- الهيئات الاقتصادية- المحافظات).
3- انخفاض الحصيلة الضريبية عن المستهدف بما يقرب من 100 مليار جنيه أي بنسبة تصل إلى 27% تقريبا. وتقدر وزارة المالية قيمة الحصيلة الضريبية قبل شهر من نهاية السنة المالية بنحو 261 مليار جنيه بزيادة 48 مليار جنيه على الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة. وتظهر تفاصيل الإيرادات الضريبية أن الضرائب على الدخل تمثل وحدها 42.5% يأتي ما يقرب من نصفها من الهيئات والشركات المملوكة للدولة وعلى رأسها شركات البترول وقناة السويس والبنك المركزي. وتوفر الهيئات والشركات المملوكة للدولة ما يقرب من 38% من الإيرادات الضريبية الواردة في الميزانية. أما الضرائب على السلع والخدمات التي سجلت زيادة بنسبة 35% عن السنة الماضية فإنها تعكس حصيلة الضرائب غير المباشرة التي يتحمل الفقراء ومحدودو الدخل النسبة الأعظم منها. وقد تحققت الزيادة الكبيرة في الإيرادات من الضريبة على السلع والخدمات نتيجة لزيادة الضرائب على البنزين والسجائر.
4- ارتفاع معدل التضخم إلى 13.1% في مارس 2015 مقارنة بـ 8.2% في مايو 2014 وتسبب الإرتفاع في الرقم القياسي لأسعار المواد الغذائية مثل الخضروات والأسماك واللحوم والسكر وغيرها العامل الأكبر في زيادة معدل التضخم. وحيث إن الأسر الفقيرة ومحدودي الدخل ينفقون ما يقرب من 50% من دخولهم على مجموعة السلع الغذائية، فإن أثر التضخم يبدو أشد ثقلا على هذه الفئات. وعلى الرغم من أن ارقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى ارتفاع أسعار مجموعة سلع الطعام والشراب بنسبة 15% تقريبا فإن أرقام الغرف التجارية تشير إلى زيادات بنسب أعلى تتجاوز 20%.
5- ارتفاع العجز في الميزان التجاري إلى 8.4 مليار دولار في الأحد عشر شهرا الأولى من السنة المالية، وهو ما يعادل تحويلات صافية إجبارية إلى الخارج بما يعادل 2.5% من إجمالي الناتج المحلي. لقد فشلت السياسات النقدية والمالية والاقتصادية في أن تساعد الاقتصاد على تحقيق مزيد من القدرة التنافسية في مواجهة السلع الأجنبية وكذلك عجزت في مساعدته على تحقيق نسبة أكبر من الاعتماد على النفس، فكانت النتيجة هي زيادة نزيف الموارد المحولة إجباريا من الداخل إلى الخارج.
6- ارتفاع سعر الفائدة على أذون الخزانة العامة (91 يوما) إلى 11.2% خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2014 مقارنة بمتوسط بلغ 10.9% خلال السنة المالية السابقة.
7- فشل السلطات الإدارية المسئولة عن التنسيق بدرجة عالية بين السياسات النقدية (مسئولية البنك المركزي) والمالية (مسئولية وزارة المالية) والاقتصادية (مسئولية رئيس الوزراء والحكومة ككل) من أجل تحقيق أعلى درجة ممكنة من الاستقرار الاقتصادي. وقد ظهرت ملامح ذلك الفشل في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر الصرف للعملة المحلية وزيادة الدين العام وارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إضافة إلى الزيادة الحادة في العجز التجاري وعجز ميزان المدفوعات.
ومن الواضح أن الميزانية الجديدة للسنة المالية 2015/2016 تجاهلت إلى حد كبير هموم "المواطنين" الاقتصادية لمصلحة الاهتمام بهموم "الحكومة" الإقتصادية. وشتان الفارق بين هموم المواطن، الذي يتوق إلى فرصة عمل ملائمة، وإلى زيادة المعروض من السلع والخدمات بأسعار مناسبة لدخول الأغلبية العظمى، وبين هموم الحكومة التي تركز كل جهودها من أجل الحصول على "شهادة صلاحية" من المؤسسات المالية الدولية ومن شركات النفط والغاز العاملة في البلاد. نحن إذن في مواجهة اقتصادين مختلفين، أحدهما هو اقتصاد المواطن الذي تجور عليه الحكومة بالاقتطاع من مخصصاته، مثل تخفيض دعم إسكان محدودي الدخل من 300 مليون جنيه إلى 150 مليون جنيه. بينما الاقتصاد الآخر وهو "اقتصاد الحكومة" يحظى بكل الاهتمام. ليس ذلك فقط بل إن مخصصات رجال الأعمال في الدعم مثل دعم الصادرات لم تمس. والأكثر من ذلك أن الأداء المالي في السنة المالية الأخيرة سجل تراجعات عديدة لصالح رجال الأعمال منها تأجيل تنفيذ ضريبة ال5% الاستثنائية على الدخل لما يتجاوز مليون جنيه سنويا، وتخفيض الحد الأقصى للضريبة إلى 22.5% وتأجيل تطبيق الضريبة على أرباح وتوزيعات الأسهم والمعاملات في البورصة.
إن برامج الإصلاح الاقتصادي التي تقوم الحكومة بتنفيذها تتطلب من وجهة نظر صندوق النقد الدولي إتاحة برامج للوقاية الاجتماعية وحماية محدودي الدخل أولا قبل البدء في تطبيق إجراءات من شأنها الإضرار بهذه الفئات الاجتماعية غير القادرة. ومع ذلك فإن الحكومة بادرت إلى تنفيذ إجراءات للإصلاح الاقتصادي قبل أن تضع برامجا ملائمة وقائية موضع التنفيذ. وليس من المقبول أن تلجأ السلطات المالية إلى اقتطاع مخصصات في أبواب الاستثمار أو الدعم أو المزايا الاجتماعية للفئات الاجتماعية المهمشة أو غير القادرين بغرض تخفيض العجز في الميزانية بينما تبقي على حاليها بنود كان من الضروري تخفيضها مثل دعم المصدرين الذي يذهب معظمه في حقيقة الأمر إلى حفنة من مصدري السلع الزراعية التي تتمتع بمزايا كمية تتيحها الدول المستوردة.
إن نسبة الإيرادات الضريبية إلى إجمالي الناتج المحلي في مصر (8-10%) تكشف عيبا هيكليا صارخا في هيكل مالية الدولة بسبب محاباة كبار رجال الأعمال
ثالثا- خلل ضريبي لصالح الأثرياء
ومن غير المقبول بعد ثورتين أن يتحمل الفقراء وغير القاردين العبء الأعظم لسياسات الإصلاح وأعباء البناء الاقتصادي، في حين ترتفع أصوات الأثرياء الذين حصل معظمهم على ثروته بطريق الفساد من أنظمة سابقة (مثل عقود تخصيص الأراضي والمشروعات وتراخيص شركات لمزاولة أنشطة في مجالات الاتصالات والسياحة والعلاج والجامعات الخاصة وغيرها) ضد أي محاولة لإشراكهم في تحمل أعباء الإصلاح وإعادة البناء الاقتصادي. إن نسبة الإيرادات الضريبية إلى إجمالي الناتج المحلي في مصر (8-10%) تكشف عيبا هيكليا صارخا في هيكل مالية الدولة بسبب محاباة كبار رجال الأعمال والأثرياء. إن حصيلة الضريبة على النشاط التجاري والصناعي خلال الفترة من يوليو إلى أبريل (2014/2015) بلغت 8.4 مليار جنيه أي ما يقل عن نصف في المائة (0.5%) من إجمالي الناتج المحلي وأقل من نصف حصيلة الضرائب على المرتبات المحلية. وليس من المقبول في بلد فقير يواجه عدة امتحانات رهيبة في وقت واحد أن تنحاز الحكومة لسياسات تكريس مجتمع النصف في المئة الذي كانت مصر قد ثارت عليه منذ 63 عاما. إن مجتمع النصف في المائة يطل برأسه من جديد، ولكن في ظروف بالغة القسوة محليا وإقليميا ودوليا.
وكان من المفترض وضع مشروع ميزانية السنة المالية الجديدة بالاستفادة من مؤشرات أداء السنة الماضية، لكن واضعي الميزانية اختاروا أن يبدأوا من نقطة افتراضية وليس حقيقية. ومن المرجح أن يؤدي هذا الاختيار إلى إعادة إنتاج الفشل مرة أخرى في السنة المالية الجديدة. ومن المرجح أن تشهد السنة المالية التي بدأت في يوليو 2015 زيادة في الاقتراض المصرفي، بما يمثله ذلك من ضغط على موارد التمويل اللازمة للقطاع الخاص، ومن احتمالات زيادة أسعار الفائدة على أذون الخزانة عن مستوياتها الحاضرة. وسوف يعني هذا زيادة في الدين العام ومدفوعات الفوائد وسداد اقساط الديون، واستمرار تفاقم العجز المالي. ومما سيزيد من صعوبة الوضع المالي احتمالات تراجع تدفقات المساعدات والمعونات المالية من دول الخليج، فهذه المساعدات على أي حال هي ذات طبيعة استثنائية ومؤقتة وغير متكررة. وقد ساعدت التدفقات النقدية والعينية من دول الخليج خلال السنتين الماضيتين (خصوصا من الإمارات والسعودية والكويت) على مساندة الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي المصري، وإمداد الاقتصاد بشحنات من البتول والغاز والبوتاجاز مجانا أو بشروط ميسرة، مما ساعد على توفير قدر كبير من الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومن غير المقبول أن تتجاهل الحكومة ضرورة أخذ هذه المتغيرات في الاعتبار والاستعداد لمواجهة آثارها.
ومن غير المقبول بعد ثورتين أن يتحمل الفقراء وغير القاردين العبء الأعظم لسياسات الإصلاح وأعباء البناء الاقتصادي، في حين ترتفع أصوات الأثرياء الذين حصل معظمهم على ثروته بطريق الفساد من أنظمة سابقة (مثل عقود تخصيص الأراضي والمشروعات وتراخيص شركات لمزاولة أنشطة في مجالات الاتصالات والسياحة والعلاج والجامعات الخاصة وغيرها) ضد أي محاولة لإشراكهم في تحمل أعباء الإصلاح وإعادة البناء الاقتصادي. إن نسبة الإيرادات الضريبية إلى إجمالي الناتج المحلي في مصر (8-10%) تكشف عيبا هيكليا صارخا في هيكل مالية الدولة بسبب محاباة كبار رجال الأعمال والأثرياء. إن حصيلة الضريبة على النشاط التجاري والصناعي خلال الفترة من يوليو إلى أبريل (2014/2015) بلغت 8.4 مليار جنيه أي ما يقل عن نصف في المائة (0.5%) من إجمالي الناتج المحلي وأقل من نصف حصيلة الضرائب على المرتبات المحلية. وليس من المقبول في بلد فقير يواجه عدة امتحانات رهيبة في وقت واحد أن تنحاز الحكومة لسياسات تكريس مجتمع النصف في المئة الذي كانت مصر قد ثارت عليه منذ 63 عاما. إن مجتمع النصف في المائة يطل برأسه من جديد، ولكن في ظروف بالغة القسوة محليا وإقليميا ودوليا.
وكان من المفترض وضع مشروع ميزانية السنة المالية الجديدة بالاستفادة من مؤشرات أداء السنة الماضية، لكن واضعي الميزانية اختاروا أن يبدأوا من نقطة افتراضية وليس حقيقية. ومن المرجح أن يؤدي هذا الاختيار إلى إعادة إنتاج الفشل مرة أخرى في السنة المالية الجديدة. ومن المرجح أن تشهد السنة المالية التي بدأت في يوليو 2015 زيادة في الاقتراض المصرفي، بما يمثله ذلك من ضغط على موارد التمويل اللازمة للقطاع الخاص، ومن احتمالات زيادة أسعار الفائدة على أذون الخزانة عن مستوياتها الحاضرة. وسوف يعني هذا زيادة في الدين العام ومدفوعات الفوائد وسداد اقساط الديون، واستمرار تفاقم العجز المالي. ومما سيزيد من صعوبة الوضع المالي احتمالات تراجع تدفقات المساعدات والمعونات المالية من دول الخليج، فهذه المساعدات على أي حال هي ذات طبيعة استثنائية ومؤقتة وغير متكررة. وقد ساعدت التدفقات النقدية والعينية من دول الخليج خلال السنتين الماضيتين (خصوصا من الإمارات والسعودية والكويت) على مساندة الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي المصري، وإمداد الاقتصاد بشحنات من البتول والغاز والبوتاجاز مجانا أو بشروط ميسرة، مما ساعد على توفير قدر كبير من الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومن غير المقبول أن تتجاهل الحكومة ضرورة أخذ هذه المتغيرات في الاعتبار والاستعداد لمواجهة آثارها.