مبادرة التمويل العقاري: ومستقبل سوق العقارات في مصر
جاءت مبادرة التمويل العقاري، التي أعلنها محافظ البنك
المركزي المصري، خطوة مهمة في مكونات حزمة التحفيز الاقتصادي الثانية التي صممتها
حكومة الدكتور حازم الببلاوي في بداية عام 2014 بقصد مساعدة الاقتصاد على النمو،
وتلبية احتياجات المواطنين في قطاعات الحياة المختلفة والتي ترتكز بالأساس على
ضرورة تطوير مشروعات البنية الأساسية وتعزيز إمكانيات النمو، وخلق وطائف جديدة
للعاطلين عن العمل. وبمقتضى المبادرة طرح البنك المركزي المصري 10 مليارات جنيه
لمدة 20 سنة بأسعار فائدة منخفضة للبنوك المصرية، لتقوم هذه البنوك بإعادة إقراض
هذه الأموال للراغبين في شراء المساكن من محدودي ومتوسطي الدخل بأسعار فائدة
متناقصة تبلغ 7% لمحدودي الدخل 8% لمتوسطي الدخل واشترطت الصيغة الأولى للمبادرة
أن يتم توجيه أموالها إلى شراء وحدات سكنية بمشروعات الإسكان بالمجتمعات العمرانية
الجديدة (13 مدينة على مستوى الجمهورية).
ومن ثم، فإن مبادرة التمويل العقاري في صيغتها الأصلية التي
تم إعلانها في 19 فبراير 2014 كانت موجهة لتمويل الطلب على الإسكان الاقتصادي في
المجتمعات العمرانية الجديدة لمتوسطي ومحدودي الدخل. لكن المبادرة لا تزال ملامحها
آخذة في التشكل حتى الآن، حيث أصدر البنك المركزي إلى البنوك العاملة في مصر عددا
من الكتب الدورية كان آخرها الكتاب الدوري بقرار مجلس الإدارة الصادر في 20 مارس
2014 والذي يقضي بتعديل البند الأول من المبادرة بإضافة "مشروعات الإسكان
التي تقام لمحدودي ومتوسطي الدخل في محافظات الجمهورية المختلفة إلى المشروعات
التي يمكن أن تستفيد منها في إطار محددات المبادرة". وهذا يعني إن
مشروعات الإسكان لمحدودي ومتوسطي الدخل في أي مكان في مصر يمكنها الاستفادة من هذه
المبادرة التي لم تعد تقتصر على تمويل الإسكان في مناطق التنمية أو المجتمعات
العمرانية الجديدة. وهذا تطور إيجابي يسهم بلا شك في توسيع الاستفادة من مبادرة
التمويل العقاري على جانبي العرض والطلب مقارنة بالصيغة الأولى التي صدرت على
أساسها المبادرة.
وسوف تقود مبادرة البنك المركزي طفرة كبيرة في سوق
التمويل العقاري في مصر التي ظلت لسنوات طويلة تعاني من نقص التمويل وصعوبة
الإجراءات البيروقراطية، وارتفاع أسعار الفائدة على التمويل العقاري بشكل عام.
وكانت سوق التمويل العقاري تستند إلى حد كبير على صندوق دعم وتنشيط التمويل
العقاري الذي أنشئ في عام 2001 وتم تفعيل نشاطه في عام 2005. لكن هذا الصندوق لم
يتمكن خلال الفترة منذ بدء عمله حتى نهاية عام 2013 من القيام بدور كبير في سوق
التمويل العقاري حيث تشير البيانات الرسمية للصندوق (الأهرام، 28 مارس 2014) إلى
إن الصندوق قام بتمويل 69 ألف عميل منذ إنشائه استفادوا بمساندة مالية بلغت قيمتها
نحو 250 مليون جنيه. وهذه الأرقام متواضعة جدا في سوق يصل حجم الطلب فيها إلى ما
يقرب من مليون وحدة سكنية سنويا. وقد جاءت المبادرة لتسد فجوة مهمة في سوق التمويل
تتمثل في عدم قدرة محدودي الدخل على تحمل أعباء سداد الفوائد وأقساط ديون التمويل
العقاري بسبب انخفاض مستوى الدخول المنتظمة عن الوفاء بالقيمة المطلوبة للسداد.
وقد تضمنت توجيهات البنك المركزي إلى البنوك التي ستشارك في المبادرة والتي تبلغ 4
بنوك حتى الآن هي البنك الأهلي وبنك مصر وبنك القاهرة وبنك التعمير والإسكان برفع
نسبة الخصم من دخل العميل لغرض سداد القرض العقاري من 25% إلى 40% سنويا، مما
سيقلل من قيمة المقدم النقدي المطلوب سداده عند التعاقد على القرض العقاري. وقد
تضمنت الكتب الدورية التي وجهها البنك المركزي إلى البنوك المشاركة في المبادرة
حتى الآن القواعد التفصيلية لاحتساب أسعار الفائدة المتناقصة والإجراءات الاحترازية
في حال عجز العميل عن السداد وغيرها من القواعد الضرورية بما في ذلك إنشاء وحدة
متخصصة للتمويل العقاري داخل هذه البنوك. ويجري البنك المركزي حاليا مفاوضات مع 6
بنوك أخرى للمشاركة في المبادرة.
وقبيل إعلان مبادرة التمويل العقاري كانت قيمة سوق التمويل العقاري في مصر تبلغ نحو 4 مليارات جنيه فقط. ومن ثم فإن هذه المبادرة تعني مضاعفة قيمة التمويل في السوق إلى أكثر من مرة ونصف ضعف قيمة التمويل الذي كان متاحًا من قبل. ومن شأن توسيع السوق أن يؤدي إلى تشجيع أعمال البناء الجديدة في إقامة التجمعات السكنية والتجارية والإدارية في كل أنحاء البلاد بفضل الموارد الإضافية التي ستتوفر للحلقات الأدنى من سوق الإنشاءات العقارية. ولذلك فإن مبادرة التمويل العقاري تعتبر ركنا مهما من أركان تحفيز النمو الاقتصادي بشكل عام. وعلى الرغم من أن المبادرة ليست من الناحية الرسمية جزءًا من اعتمادات التمويل الإضافية التي اقترحتها وأقرتها حكومة الدكتور حازم الببلاوي، فإنها ستلعب دورها في نفس اتجاه الآثار المتوقعة من الحزمة التنشيطية الثانية التي أقرتها الحكومة في شهر يناير 2014.
أولا: سوق عقارات قادرة على التحدي
على الرغم من التطورات السياسية السلبية وحالة عدم الاستقرار
السياسي والأمني التي تشهدها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 فإن سوق العقارات
حافظت على تماسكها وتمكنت من مقاومة الضغوط السلبية الناتجة عن حالة التوتر وعدم
اليقين بين المستثمرين بشكل عام بسبب الانفلات الأمني والسياسي والاقتصادي الذي
غرقت فيه البلاد. وقد حافظت أسعار العقارات على معدلات زيادة معقولة على الرغم من
التباطؤ الاقتصادي سواء فيما يتعلق بالعائد على الاستثمار في مجال الإيجارات أو في
مجال التمليك سواء في القطاع العقاري السكني أو في القطاع العقاري التجاري وذلك
بفضل استمرار الزيادة في الطلب المحلي والأجنبي على العقارات، وأيضا بفضل الزيادة
المضطردة في أعمال البناء والإنشاءات الجديدة.
وطبقا لتقديرات مؤسسة جونز لانج- لاسال للوساطة والإدارة
العقارية فإن متوسط السعر المطلوب للمتر مربع من الإنشاءات السكنية زاد في الربع
الثاني من العام 2013 بنسبة 8% في المتوسط في مناطق القاهرة الكبرى مقارنة بالربع
السابق من العام. وهي زيادة كبيرة بكل المقاييس تفوق متوسطات الزيادة على المستوى
العالمي وتتحدى كافة الظروف السلبية التي تحيط بالنمو الاقتصادي وبنمو القطاع
العقاري في مصر. وقد حافظت أسعار العقارات على هذه الزيادات خلال النصف الثاني من
العام 2013 على الرغم من الضغوط السلبية القوية الناتجة عن التحديات الأمنية وعدم
الاستقرار السياسي والضغوط الدولية التي تمارسها أطراف فاعلة قوية مثل الولايات
المتحدة والتحاد الأوربي.
وطبقا لهذه التقديرات فإن متوسط الأسعار للشقق السكنية في
القاهرة الجديدة ارتفع بنسبة بلغت 11% ليصل
سعر المتر المربع إلى 1125 دولارا في النصف الثاني من عام 2013 بينما استقرت أسعار
الفيلات على متوسط 1659 دولارًا للمتر المربع في نهاية العام بعد أن كانت قد سجلت
ارتفاعا بنسبة 3% خلال النصف الأول من العام حين بلغ متوسط سعر المتر المربع فيها
1741 دولارا. وفي مدينة 6 أكتوبر، كذلك استقرت الأسعار تقريبا عند مستوياتها خلال
النصف الثاني من العام حيث بلغ متوسط أسعار البيع للمتر المربع في الشقق السكنية
نحو 897 دولارًا بانخفاض بنسبة 3% تقريبا
عما كانت عليه في النصف الأول من العام. بينما استمرت الأسعار المطلوبة من
المستثمرين في الفيلات أعلى بنسبة 10% عنها في بداية النصف الأول من العام حيث بلغ
متوسط سعر المتر المربع فيها نحو 1111 دولارا. أما بالنسبة للعائد الإيجاري فإن
مؤشرات جزنز لانج لاسال تشير إلى تراجع ملحوظ في إيجارات العقارات السكنية
والتجارية في النصف الثاني من العام 2013 مقارنة بالنصف الأول. ففي القاهرة
الجديدة انخفضت إيجارات الشقق السكنية بنسبة 18% وإيجارات الفيلات بنسبة 12.5% في
حين انخفضت إيجارات الشقق السكنية في مدينة 6 أكتوبر بنسبة 28% وتراجعت إيجارات
الفيلات تراجعا طفيفا عما كانت عليه في بداية العام الماضي. ولا تزال كل من
القاهرة الجديدة و6 أكتوبر ومحافظات القاهرة الكبرى بشكل عام تشهد طلبا قويا على الإسكان
التجاري والإداري تقوده شركات النفط
والغاز (42%) وشركات تكنولوجيا المعلومات (20%) تليهما البنوك وشركات
البناء والتشييد بنسبة 11% لكل منهما. وبمعنى آخر فإن السوق العقارية المصرية نجحت
في مقاومة الضغوط السلبية الناتجة عن تراجع السياحة (- 30.7% في أعداد السائحين في
عام 2013) ومن ثم انحفاض الطلب على الإسكان الفندقي وتراجع النشاط الاقتصادي بما في ذلك نشاط شركات النفط والغاز.
وقد استفاد سوق الاستثمار العقاري في مصر من عدد من
المؤشرات الإيجابية خلال عام 2013، والتي كان من أهمها إعداد مشروع الدستور ثم
التصويت عليه بنجاح في عام 2014 والإصرار على استكمال خريطة الطريق للمستقبل من
جانب السلطة التأسيسية في البلاد إضافة إلى ظهور مؤشرات قوية على التماسك السياسي
الداخلي على الرغم من التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر. وعلى الصعيد
الاقتصادي والمالي استفادت السوق من الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع البنك الدولي
بقيمة 610 ملايين دولار لبناء محطة كهرباء ولتطوير عدد من محطات الصرف الصحي
ومعالجة مياه الصرف وكذلك من حزمة المساعدات العربية المقدمة لمصر ومن الاعتمادات
الإضافية للموازنة العامة للدولة التي قررتها الحكومة والتي تضمنت سداد جزء من
مستحقات شركات النفط والغاز (1.5 مليار دولار) وجزءًا من مستحقات المقاولين
المتأخرة على الدولة ( مليار جنيه مصري). وقد أسهمت الاعتمادات المالية الإضافية
في الميزانية وتخفيف القيود على تحويلات النقد الأجنبي للمستثمرين (من 100 ألف
دولار إلى 200 ألف دولار) في طمأنة المستثمرين في السوق العقاري الذي يشكل حصة
كبيرة من محفظة الاستثمارات العربية والأجنبية المباشرة في مصر (تصل إلى 60% من
محافظ الاستثمار) وتشجيع المستثمرين العقاريين على المضي قدما في تنفيذ المشروعات القائمة وإضافة توسعات إليها
والتقدم بطلبات تخصيص لإقامة مشروعات جديدة.
وكانت سوق العقارات في مصر قد شهدت تغيرات درامية في
الفترة السابقة لثورة 25 يناير 2011 حيث واصلت السوق اتجاهًا نزوليًا في الأسعار
منذ عام 2006 حتى عادت الأسعار إلى التماسك نسبيا بفضل الطلب الأجنبي والمحلي
القوي اعتبارا من عام 2010. وخلال تلك الفترة هبطت الأسعار (بالقيمة الجارية) في
عام 2006 بنسبة 0.4% (- 4.4% بالقيمة الحقيقية) ثم بنسبة 0.6% (- 10.4% بالقيمة
الحقيقية) في عام 2007 واستمرت الأسعار في الانخفاض في عام 2008 بفعل الأزمة الاقتصادية
العالمية ثم تسارع هبوط الأسعار في العام التالي 2009 حتى قدر المتعاملون المحليون
أن نسبة الانخفاض الحقيقي في الأسعار وصلت إلى (-) 37% في نهاية العام 2009. ومنذ
بداية العام 2010 تبدلت الصورة تماما، وسجلت أسعار العقارات ارتفاعا بنسبة 10%
بحلول نهاية العام.
ويبين الجدول التالي
التغيرات في أسعار العقارات في مصر خلال الفترة من 2005 وحتى نهاية 2013
السنة |
نسبة التغير% (القيمة الاسمية) |
نسبة التغير %(القيمة
الحقيقية) |
2005 |
13.7 |
+ 4.5 |
2006 |
- 0.4 |
- 4.4 |
2007 |
- 0.6 |
- 10.4 |
2008/2009 |
-- |
- 37 |
2010 |
10.0 |
-- |
2013 |
8.0 |
-- |
المصدر:
www.globalpropertyguide.com/Middle-East/Egypt/price-History
Bearing Point. Inc.
Egypt Housing Survey
Jones Lang LaSalle
ثانيا: متغيرات العرض والطلب
يقدر المسئولون في صندوق دعم وتنشيط التمويل العقاري في
مصر، أن هناك عجزا في الوحدات السكنية المتاحة يتراوح بين مليون إلى مليون ونصف
المليون وحدة سكنية سنويًا (صحيفة الأهرام، السبت 28 مارس 2014) وتمثل حالات
الزواج الجديد المتغير الرئيسي في هذا التقدير. وتشهد مصر ما يقرب من مليون حالة
زواج جديد كل سنة في الوقت الحالي، وهو ما يستدعي توفير ما لا يقل عن 600 ألف وحدة
سكنية للوفاء باحتياجات إقامة الأسر الجديدة. وكانت وكالة التنمية الأمريكية قد
أجرت دراسة عن مشكلة الإسكان في مصر في العام 2009، وقام بتنفيذ الدراسة مركز (Prime Research) وذلك بغرض
تقدير احتياجات السوق من المساكن الجديدة والمساهمة في إعداد سياسة رسمية للتخفيف
من مشكلة الإسكان. وتوصلت هذه الدراسة في ذلك الوقت إلى أن الطلب السنوي على
الإسكان يبلغ 816 ألف وحدة جديدة. وأخذت الدراسة في اعتبارها أن عدد حالات الزواج
الجديد يبلغ نحو 500 ألف حالة وأن معدل النمو الاقتصادي يصل إلى نحو 7% وأن مصر
تشهد طلبا أجنبيا قويا من الأفراد الراغبين في امتلاك مسكن لهم في مصر لأغراض
السياحة أو الإقامة لبعض الوقت أو الإقامة الكاملة للعاملين في الشركات والمؤسسات
الأجنبية سواء كان ذلك عن طريق التملك أو
عن طريق الإيجار.
وهناك مظاهر كثيرة لتشوّهات جانب العرض في قطاع الإسكان.
وتشير تقديرات المسح الإسكاني إلى أن أكثر من 90% من الإنشاءات السكنية يتم بناؤها
بواسطة القطاع غير الرسمي، وتشكل امتدادا لعمليات البناء العشوائي الذي يسيطر على
سوق الإسكان في مصر بشكل عام. أما أعمال التشييد والبناء في قطاع الإسكان والتي
يقوم بها القطاع الرسمي ويتم تنفيذها بواسطة مطورين عقاريين أو شركات محترفة فإن
نصيبها لا يزيد عن 10% من الإنشاءات السكنية الجديدة يتركز معظمها في الامتداد
العمراني للقاهرة الكبرى ومناطق التعمير في الساحل الشمالي وشواطئ البحر الأحمر. ويتميز
سوق العقارات في مصر بدرجة عالية من انعدام التنظيم لأسباب كثيرة أهمها صعوبات
التسجيل العقاري التي تستغرق في المتوسط وفي الحالات الناجحة إلى ما يزيد عن 6
أشهر وربما يستحيل إتمامها في أغلب الأحوال إن لم يكن جميعها بغير الرشوة. وكذلك
ضآلة حجم التمويل العقاري وسيطرة القطاع غير الرسمي على عمليات البناء وضآلة نصيب
القطاع الرسمي المنظم والمحترف. وطبقا لتقديرات صندوق دعم وتنشيط التمويل العقاري
فإن إجمالي عدد العقارات في مصر يبغ نحو 28 مليون عقار، منها 2 مليون عقار فقط ( 7%) لها سجلات منظمة
في حين أن العدد الباقي (93%) هي عقارات غير مسجلة. ومن ناحية أخرى فإن ما يقرب من
45% من المساكن القائمة فعلا يشغلها ملاكها في حين إن المساكن المتاحة في سوق
الإيجارات تعادل نسبة 35.7% من الإجمالي وذلك طبقا للدراسة التي أجرتها وكالة التنمية الأمريكية في العام 2009.
ويقدر المستثمرون في قطاع التطوير العقاري أن إجمالي ما
يتم تقديمه من وحدات سكنية كل عام يبلغ في المتوسط 300 ألف وحدة، وهو ما يترك
السوق في حالة عجز عن إشباع الطلب الجديد بنسبة تصل إلى 50% عند أحسن التقديرات.
غير إن نسبة مهمة من الوحدات السكنية الجديدة التي يتم بناؤها سنويا تنتمي إلى
شريحة "إسكان الأغنياء" أو الإسكان الفاخر في حين إن نسبة ما يتم بناؤه
لأغراض إشباع الطلب على "إسكان الفقراء" تتضاءل كثيرا أمام احتياجات
إشباع الطلب على إسكان الفقراء ومحدودي ومتوسطي الدخل. ولا يبدو أن الطلب على
"إسكان الأغنياء" يعاني من نقص شديد في قدرة العرض على إشباعه، فمعدل
البناء في الفيلات والشقق الفاخرة يزيد بمعدلات مضطردة خصوصا في التوسعات
العمرانية الجديدة في القاهرة الكبرى مثل مدينتي والرحاب والتجمع الخامس و6 أكتوبر
والشروق والمناطق السياحية الساحلية على شواطئ البحر المتوسط شمالا والبحر الأحمر
شرقا، والتي تلبي جميعا احتياجات السكن الأساسي أو السكن الثانوي (بالنسبة للساحل
الشمالي والبحر الأحمر).
ويبين الجدول التالي تطور عدد الوحدات السكنية تامة
الإنشاء في المناطق الجديدة خصوصا في القاهرة الجديدة في مدينة 6 أكتوبر حسب
تقديرات جونز لانج لاسال في السنوات الأخيرة التي يقوم بها المطورون العقاريون.
السنة |
عدد الوحدات (بالألف) |
التغير % |
2011 |
66 |
-- |
2012 |
74 |
10.4 |
2013 |
85 |
14.8 |
المصدر: JonesLangLaSalle تقارير
الأعوام المذكورة
أما بالنسبة للعرض في سوق العقارات مقابل الطلب على
إسكان الفقراء ومحدودي ومتوسطي الدخل فإنه بلا شك يواجه نقصا تراكميا فادحا يجد
التعبير المباشر عنه في زيادة أعداد سكان العشوائيات والمقابر والمساكن الآيلة
للسقوط في القاهرة الكبرى وبقية محافظات الجمهورية. ومن هنا تأتي أهمية مبادرة
التمويل العقاري التي طرحها البنك المركزي المصري وأتاح بموجبها 10 مليارات جنيه
مصري للبنوك لإعادة إقراضها بأسعار فائدة منخفضة متناقصة لطالبي السكن من محدودي
ومتوسطي الدخل.
وفيما يتعلق بتمويل الطلب على الإسكان فإن ما يقرب من
57% من عمليات البيع والشراء تتم نقدا وذلك طبقا للنتائج المستقاة من المسح
الإسكاني (Egypt Housing Survey) في حين
ينخفض حجم سوق التمويل العقاري إلى ما دون نصف في المئة من الناتج المحلي الإجمالي
بقيمة بلغت 4 مليارات جنيه في العام 2010. وهذه القيمة تعد متدنية بكل المقاييس إذا
جرت مقارنتها ليس بالدول المتقدمة ولكن حتى بالدول النامية وبالدول العربية مثل
الأردن والسعودية والإمارات حيث تصل قيمة سوق التمويل العقاري إلى 12% من إجمالي
الناتج المحلي. وسوف تتيح مبادرة البنك المركزي قوة شرائية إضافية مهمة في السوق
لتمويل الطلب على الإسكان الاقتصادي تعوّض النقص في قدرة طالبي السكن على تمويل
شرائه بواسطة دخولهم المحدودة.
ثالثا: آفاق سوق التمويل العقاري بعد المبادرة
تبدو سوق التمويل العقاري في مصر بعد المبادرة في وضع
أفضل كثيرا عما كانت عليه خلال الأعوام الماضية. وقد كانت الهيئات العاملة في مجال
التمويل العقاري تطمح إلى الوصول لرقم 10 مليارات جنيه كحجم للسوق منذ سنوات مضت،
لكنها لم تستطع أبدًا الوصول إلى هذا الحجم. ومن المتوقع أن تساهم المبادرة في
تحريك الركود الذي قد يصيب السوق بسبب نقص التمويل وبسبب عوامل اقتصادية وصناعية
أخرى منها نقص الطاقة الذي يؤثر سلبا على الإنتاج في صناعات البناء خصوصا صناعات
الطوب والإسمنت والحديد والسيراميك والزجاج وغيرها، وكذلك بسبب التأثير السلبي
للعوامل غير الاقتصادية خصوصا الحالة الأمنية والحالة السياسية.
وهناك مشكلة قانونية وإدارية كبيرة تواجه سوق التمويل
العقاري تتمثل في؛ صعوبة تسجيل العقارات والفساد في المحليات الذي يؤدي إلى خلق
تعقيدات بشأن تراخيص البناء، وغياب مفهوم التقييم العقاري على أسس علمية سليمة، والبطء
الشديد في تحديد وإعادة رسم الأحْوِزة العمرانية للمدن القديمة في الدلتا والوادي
على وجه الخصوص، إضافة إلى نقص الأراضي المتاحة للبناء في مناطق الدلتا والوادي
القديم.
وعلى الرغم من أن مبادرة التمويل العقاري التي طرحها البنك المركزي تمثل دفعة كبيرة لنشاط التمويل العقاري في مصر، فإنها لا تزال خطوة محدودة جدا إذا ما قورنت باحتياجات التمويل العقاري في مصر بشكل عام واحتياجات تمويل الطلب على "إسكان الفقراء" على وجه الخصوص. ومن الضروري أن يواصل البنك المركزي المصري جهوده من أجل توسيع نطاق التمويل العقاري كوسيلة من وسائل زيادة النمو والاستثمار وتحريك الثروة العقارية وإدماجها في هيكل الاقتصاد بشكل عام، باعتبار أن قطاع العقارات يمثل من الناحية الواقعية الركيزة الأساسية للاقتصاد غير الرسمي في مصر. فإذا كانت حكومات كثيرة قد رفعت شعار دمج الاقتصاد غير الرسمي، فإن تحقيق هذه الشعارات لن يتجسد بغير إدماج القطاع العقاري بأكمله في الاقتصاد الرسمي، وهذا لن يتأتَّى بدون إدخال تغييرات واسعة النطاق ذات طابع تشريعي وهندسي ومالي وإداري. إن الثروة العقارية للمصريين لن تدخل إلى دائرة المبادلات الاقتصادية الحقيقية بدون إصلاح جذري لنظام التسجيل العقاري والضرائب العقارية ونظام التمويل الذي يجب أن يغطي كل أنحاء الجمهورية، وكل شرائح الدخل وكل احتياجات الإسكان، وتشارك فيه كل البنوك بحيث يصبح نظاما معمما لا يقتصر فقط على تمويل احتياجات "إسكان الفقراء". وإذا تحقق هذا النظام المعمم للتداول العقاري، فإن اعتبارات الرشادة الاقتصادية، مع القليل من المعايير المالية والإدارية بمقدورها أن تصحح الاختلالات الموجودة في السوق حاليًا.
*خبير اقتصادي ومستشار سابق لوزير الصناعة والتجارة