الحرب المؤجلة: إيران و"إسرائيل" والصراع على الجولان
أحداث الشهرين الماضيين في جنوب سوريا وبالذات جبهة هضبة الجولان التي بدأت بالعملية النوعية "الإسرائيلية" يوم 18 يناير/ كانون الثاني الفائت ضد موكب لحزب الله بالقرب من مدينة القنيطرة والذي راح ضحيته عدد من القادة العسكريين والأمنيين لبنانيين وإيرانيين تؤكد أن "إسرائيل" تتورط يوماً بعد يوم في الأزمة السورية.
أولا- الرهان الخاسر
فقد تصورت "إسرائيل" أنها بهذه العملية النوعية قد نجحت في فرض "خط أحمر" أمام أي طموحات من حزب الله وإيران لفتح جبهة مقاومة جديدة ضد الكيان الصهيوني انطلاقاً من الجولان، وتصور "الإسرائيليون" أن كلاً من إيران وحزب الله أمامهما عقبات موضوعية تحول دون تورطهما في مواجهة واسعة معهم، وأنهم بهذه العملية قد كسبوا معركة مهمة إستراتيجياً من منطلقين، أولهما السماح بتمكين "جبهة النصرة" من فرض "شريط حدودي آمن" على جبهة الجولان يحول دون عودة الجيش السوري إلى الجنوب ويقضي على أية طموحات إيرانية أو لحزب الله من التأسيس لجهة مقاومة جديدة في الجولان، وثانيهما تمكين "جبهة النصرة" من السيطرة الكاملة على الجنوب وبالذات نطاق محافظة درعا وريفا امتداداً إلى الحدود مع الأردن لتأمين دخول المتدربين والمعونات المادية والدعم العسكري للتمدد نحو العاصمة السورية دمشق.
كان رهان "إسرائيل" أن ظروف إيران
الصعبة سواء ما يتعلق بالانهيار الحادث في أسعار النفط أو الحرص الإيراني على عدم
إفشال مفاوضاتها حول برنامجها النووي مع "مجموعة دول 5+1" ستحول دون
تورط إيران في رد موسع قد يقود إلى حرب مع "إسرائيل"، وكان رهانها أيضاً
على محدودية خيارات حزب الله في الرد على ضوء وجوده المكثف في سوريا وانشغاله
بالأزمة السورية وتعقد الحسابات السياسية مع فرقاء العملية السياسية في لبنان، لكن
كل هذه الرهانات أخذت في التداعي ابتداءً من الرد الذي قام به حزب الله ضد
"إسرائيل" انطلاقاً من مزارع شبعا أو عبر "الخطاب الناري"
للسيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب الذي حول حفل تأبين عملية القنيطرة إلى
احتفال صاخب لإعلان التحدي الذي جرى تنفيذه ليس في الجبهة اللبنانية مع
"إسرائيل" بل في جبهة الجولان والذي من شأنه تغيير كل حسابات
"إسرائيل" ورهاناتها على تحالفها مع "جبهة النصرة".
ففي هذا الخطاب واجه نصر الله "الإسرائيليين" بإعلان قبول التحدي محذراً بأنهم "بفعلتهم الجبانة جعلوا المقاومة تكسر كل قواعد المعادلات" ومؤكداً أن "قواعد الاشتباكات انتهت، ففي مواجهة العدوان والاغتيال لا قواعد اشتباك، ولم نعد نعترف بتفكيك الساحات والميادين، ومن حقنا الشرعي والأخلاقي والإنساني والقانوني أن نواجه العدوان أياً كان، في أي زمان وكيفما كان، وقصة ضربتك هنا ترد عليَّ هنا انتهت. من حق المقاومة أن ترد أينما كان وكيفما كان، وفي أي مكان".
ثانيا- لماذا الجولان
وجاء الاختيار على جبهة الجولان ليكون الموقع الاستراتيجي الأنسب للرد لحرمان "إسرائيل" من جني ثمار مشروعها الذي بدأته منذ أكثر من عام بالتعاون مع جبهة النصرة لإقامة ما يمكن تسميته بـ "جيش لحد سوري" في الجولان يكون بمثابة "حائط صد آمن" يحمي الجبهة الشمالية والمستوطنات الإسرائيلية في هضبة الجولان من أي تمدد للنفوذ الإيراني أو عودة الجيش السوري إلى هذه المناطق. فمنذ مارس/ آذار 2013 بدأت "إسرائيل" هذا المخطط بلقاءات على الحدود بين ضباط الجيش "الإسرائيلي" ومسلحين من المعارضة السورية، تطورت إلى استيعاب جرحى من المسلحين السوريين للعلاج الطبي في مستشفياتها. فقد تم نقل جرحى سوريين إلى المستشفيات الميدانية "الإسرائيلية" في هضبة الجولان، وتم أيضاً نقل بعض الجرحى للعلاج في مستشفيات في صفد ونهاريا، وفي الوقت نفسه كانت "إسرائيل" تقصف، عند الحاجة، مواقع للجيش السوري وتقوم بتغطية نارية للمسلحين كي يتقدموا للسيطرة على مواقع إستراتيجية مهمة في القنيطرة، وجاء الاعتداء على موكب القادة العسكريين والأمنيين من حزب الله وإيران بالقرب من القنيطرة ليمثل ذروة التصعيد "الإسرائيلي" في هذا المخطط.
لذلك فإن رد حزب الله والجيش السوري بدعم من مستشارين إيرانيين لإسقاط هذا المخطط واستعادة المواقع التي نجحت جبهة النصرة في السيطرة عليها طيلة العام الماضي يعد ضربة قوية ليس فقط ضد مشروع "الحزام الأمني" الذي خططت له "إسرائيل" على جبهة الجولان، ولكن أيضاً لفرض سيطرة الجيش السوري على جبهة الجنوب وتأمين طريق درعا – دمشق، وإغلاق الحدود السورية مع الأردن لمنع دخول المتدربين والدعم العسكري لجبهة النصرة وتنظيمات تكفيرية أخرى وبقايا الجيش الحر.
فقد نجح الجيش السوري المدعوم من قوات حزب الله ابتداءً من منتصف فبراير/ شباط الماضي من فرض سيطرته على قرية دير العدس في ريف درعا بعد إجبار المسلحين على الانسحاب باتجاه قرية كفر ناسج، وكان الجيش قد تمكن قبلها من السيطرة على تل المصيح المشرف على دير العدس لتصبح تحت سيطرته النارية، كما تقدم الجيش ليطوّق دير ماكر، وأحكم السيطرة على قرية الدناجي، بعدما كان سيطر على تل مرعي الاستراتيجي.
ثالثا- الأهداف الاستراتيجية للعمليات
استهدفت كل هذه العمليات تحقيق ثلاثة أهداف مباشرة، أولها تأمين الدفاع عن العاصمة دمشق من جبهة الغوطة الغربية، وثانيها قطع الطريق بين درعا والجولان بما يعزز قدرات الجيش السوري في معركة درعا نفسها، وثالثها، إغلاق بوابة التغلغل إلى الأراضي السورية عبر الحدود الأردنية، وهو التغلغل الذي كان يصب في الأساس لصالح جبهة النصرة، لكن ما هو أهم، هو ضرب المخطط "الإسرائيلي" الذي كان يرمي إلى تمكين "جبهة النصرة" من الإمساك بنحو 80% من مواقع الجيش السوري على طول خط الجبهة الأمامي بهدف الالتفاف على المقاومة عبر المثلث السوري- الفلسطيني- اللبناني، ولذلك كان الإعداد، عن طريق المجموعة التي استهدفت بعملية القنيطرة يوم 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، لعرقلة هذا المخطط، وجاء نجاح "إسرائيل" في تصفية هذه المجموعة، ليضع حزب الله وإيران أمام التحدي الذي فرض تمدد الجيش السوري في جبهة الجنوب لإفساد ما يخطط له "الإسرائيليون" حيث يساهم هجوم الجيش السوري في الجنوب في تقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في ريف القنيطرة، وإغلاق الطريق التي قد يستخدمونها للانتقال إلى ريف دمشق، وخنق المجموعات المسلحة في الغوطة الغربية قبل التقدم للسيطرة على الحميدية في الجولان والحارة في درعا التي تتعرض لغارات متصلة.
هذه التحولات الميدانية هي التي أجبرت "الإسرائيليين" مجدداً على المطالبة بعودة قوات المراقبة الدولية (الاندوف) بالعودة والانتشار خاصة على خطي "برافو" في الجانب السوري و"الفا" على الجانب "الإسرائيلي" بعد خسارة الرهان على تأسيس "حزام أمني" يحمي الحدود "الإسرائيلية" مع سوريا في الجولان من خلال مسلحي جبهة النصرة. لكن كل هذا لا يعني أن الأزمة قد وجدت الحلول، فـ "إسرائيل" لن تستسلم لخيار تأسيس جبهة مقاومة جديدة تنطلق من جبهة الجولان تتكامل مع جبهة مقاومة الجنوب اللبناني، كما أن إيران وحزب الله لن يفرطا في الفرصة التي باتت متاحة لخلق نفوذ إيراني على الحدود السورية مع الأردن وعلى الحدود السورية مع "إسرائيل" وهي الفرصة التي من شأنها إحداث تحول في موازين القوى الإقليمية تستطيع إيران أن توظفه جيداً في مفاوضاتها الراهنة مع "مجموعة دول 5+1" حول برنامجها النووي.