الفرص والمعوقات: عملية التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي(1-2)
السبت 07/مارس/2015 - 11:13 ص
د. عبد العليم محمد*
تعاني عملية التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلى، خاصة في جانبها المتعلق بالقضية الفلسطينية، من تعثر وفشل يلاحقانها كالقدر، منذ أوسلو في عام 1993، وهذه التسوية تنتقل من فشل لآخر، وما أن تتقدم خطوة إلى الأمام حتى تعود خطوتين إلى الوراء، تشبه عملية التسوية إحدي الديانات الوثنية القديمة التي يتذكرها بعض مريديها بين الفينة والفينة، فيقومون بتأدية شعائرها وطقوسها بطريقة روتينية ومكررة، وفي الكثير من الأحيان مملة وكأنهم لا يؤمنون بها فعلًا ولا يعتقدون في جدواها، أو أنهم فقدوا الثقة في مبادئها والأسس التي تقوم عليها.
وفي كل مرة تقام شعائر وطقوس هذه التسوية ينقسم المراقبون، ليس فحسب العرب بل والأجانب أيضًا، ما بين متفائل ومتشائم بمصير هذه الجولة من التسوية أو الجولات المتتالية منها، وغالبًا ما يكون الصواب في جانب المتشائمين، باختصار لأنهم يرون ما لا يراه المتفائلون أو لأنهم يركزون على مكمن الخلل في تلك العملية التي يبدو وكأنها حلقة شريرة ومفرغة، وتعود إلى المربع رقم واحد أو نقطة الصفر، يختصر المتشائمون أسباب الفشل في عنوان عريض ألا وهو اختلال موازين القوى لصالح الطرف الأقوي أي إسرائيل، ليس فحسب على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلى، بل أيضًا على الصعيد العربي الإسرائيلى.
يركز كلا الفريقين أي المتشائمين والمتفائلين على جانب واحد من الصورة، ويصدر حكما بناءً على ذلك، فالأولون لا يرون سوى اختلال موازين القوى باعتباره السبب الأول لفشل عملية التسوية، في حين أن المتفائلين يرون عملية التسوية من خلال ضرورتها لمستقبل الطرفين الأقوى والأضعف في آن واحد، فالإسرائيليون ورغم خلل موازين القوى بحاجة إلى التسوية للحصول على الأمن والاعتراف والشرعية في الإقليم، بينما نجد الفلسطينيين يريدون التسوية لضمان بعض حقوقهم في الحدود الدنيا المعترف بها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا المتمثلة في الدولة الفلسطينية في الأراضي التي احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين والحدود والمياه وذلك لأن أوراق القوة التي يمتلكونها لا تمكنهم من انتزاع هذه الحقوق بالقوة.
وبعيدًا عن التفاؤل والتشاؤم والانقسام بين مؤدي الأول ومؤيدي الثانى، فإن هذه الورقة تستهدف رسم صورة تقريبية – من وجهة نظر صاحبها- لفرص ومعوقات عملية التسوية السياسية والسلمية للصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلى، وتستند هذه الورقة إلى بعض الافتراضات، أولها أن هذه الفرص المتاحة أمام التسوية، وتلك المعوقات التي تعترض طريقها متداخلان على نحو فريد ومرتبطان أحدهما بالآخر، بحيث إنه في بعض الأحيان يمكن أن نشكل الفرصة دافعًا وعائقًا في الوقت ذاته أمام السير في عملية التسوية والمثال البارز هنا – كما سنبين لاحقًا - مخاوف الأطراف المختلفة الفلسطيني والإسرائيلى، فهذه المخاوف تمثل حينًا دافعًا للاتجاه صوب التسوية وحينًا آخر تمثل عائقًا يدفع نحو الإحجام عنها.
وبعبارة أخري فإن هذه الفرص والمعوقات توجد جنبًا إلى جنب في تلك العملية السياسية الثقافية التاريخية والنفسية والتي هي عملية التسوية، وهذا يعني أن هذه الفرص وتلك المعوقات لا توجد منفصلة في الواقع أو أن ثمة حدودًا فاصلة بينهما كما أسلفنا، بل يوجدان داخل وفي قلب هذه العملية.
أما الافتراض الثاني فيتلخص في، أن المعوقات لتلك العملية تبدو في الوقت – الراهن على الأقل- أكبر من الفرص المتاحة أمام هذه العملية بدليل فشل التسوية عبر حلقاتها الممتدة منذ أوسلو عام 1993، وأن نصيب كل من الفرص والمعوقات في عملية التسوية يتوقف على ظروف سياسية وبيئة إستراتيجية تحيط بالأطراف المختلفة، وأن هذه الظروف وتلك البيئة بمعطياتها قد تزكي الفرص وقد تزكي المعوقات، باختصار فإن معادلة الفرص المعوقات في مجري عملية التسوية أشبه بموجات المد والجزر التي تجد تفسيرها في المناخ والبيئة السياسية التي تحيط بأطراف عملية التسوية.
وفي كل مرة تقام شعائر وطقوس هذه التسوية ينقسم المراقبون، ليس فحسب العرب بل والأجانب أيضًا، ما بين متفائل ومتشائم بمصير هذه الجولة من التسوية أو الجولات المتتالية منها، وغالبًا ما يكون الصواب في جانب المتشائمين، باختصار لأنهم يرون ما لا يراه المتفائلون أو لأنهم يركزون على مكمن الخلل في تلك العملية التي يبدو وكأنها حلقة شريرة ومفرغة، وتعود إلى المربع رقم واحد أو نقطة الصفر، يختصر المتشائمون أسباب الفشل في عنوان عريض ألا وهو اختلال موازين القوى لصالح الطرف الأقوي أي إسرائيل، ليس فحسب على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلى، بل أيضًا على الصعيد العربي الإسرائيلى.
يركز كلا الفريقين أي المتشائمين والمتفائلين على جانب واحد من الصورة، ويصدر حكما بناءً على ذلك، فالأولون لا يرون سوى اختلال موازين القوى باعتباره السبب الأول لفشل عملية التسوية، في حين أن المتفائلين يرون عملية التسوية من خلال ضرورتها لمستقبل الطرفين الأقوى والأضعف في آن واحد، فالإسرائيليون ورغم خلل موازين القوى بحاجة إلى التسوية للحصول على الأمن والاعتراف والشرعية في الإقليم، بينما نجد الفلسطينيين يريدون التسوية لضمان بعض حقوقهم في الحدود الدنيا المعترف بها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا المتمثلة في الدولة الفلسطينية في الأراضي التي احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين والحدود والمياه وذلك لأن أوراق القوة التي يمتلكونها لا تمكنهم من انتزاع هذه الحقوق بالقوة.
وبعيدًا عن التفاؤل والتشاؤم والانقسام بين مؤدي الأول ومؤيدي الثانى، فإن هذه الورقة تستهدف رسم صورة تقريبية – من وجهة نظر صاحبها- لفرص ومعوقات عملية التسوية السياسية والسلمية للصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلى، وتستند هذه الورقة إلى بعض الافتراضات، أولها أن هذه الفرص المتاحة أمام التسوية، وتلك المعوقات التي تعترض طريقها متداخلان على نحو فريد ومرتبطان أحدهما بالآخر، بحيث إنه في بعض الأحيان يمكن أن نشكل الفرصة دافعًا وعائقًا في الوقت ذاته أمام السير في عملية التسوية والمثال البارز هنا – كما سنبين لاحقًا - مخاوف الأطراف المختلفة الفلسطيني والإسرائيلى، فهذه المخاوف تمثل حينًا دافعًا للاتجاه صوب التسوية وحينًا آخر تمثل عائقًا يدفع نحو الإحجام عنها.
وبعبارة أخري فإن هذه الفرص والمعوقات توجد جنبًا إلى جنب في تلك العملية السياسية الثقافية التاريخية والنفسية والتي هي عملية التسوية، وهذا يعني أن هذه الفرص وتلك المعوقات لا توجد منفصلة في الواقع أو أن ثمة حدودًا فاصلة بينهما كما أسلفنا، بل يوجدان داخل وفي قلب هذه العملية.
أما الافتراض الثاني فيتلخص في، أن المعوقات لتلك العملية تبدو في الوقت – الراهن على الأقل- أكبر من الفرص المتاحة أمام هذه العملية بدليل فشل التسوية عبر حلقاتها الممتدة منذ أوسلو عام 1993، وأن نصيب كل من الفرص والمعوقات في عملية التسوية يتوقف على ظروف سياسية وبيئة إستراتيجية تحيط بالأطراف المختلفة، وأن هذه الظروف وتلك البيئة بمعطياتها قد تزكي الفرص وقد تزكي المعوقات، باختصار فإن معادلة الفرص المعوقات في مجري عملية التسوية أشبه بموجات المد والجزر التي تجد تفسيرها في المناخ والبيئة السياسية التي تحيط بأطراف عملية التسوية.
إن فرص ومعوقات عملية التسوية ليست معطيات أبدية جامدة أو سرمدية ملتصقة بعملية التسوية، بل هي معطيات متغيرة وعمليات ذهنية ومعرفية وإدراكية إنسانية
أما الافتراض الثالث، فيتلخص في أن فرص ومعوقات عملية التسوية ليست معطيات
أبدية جامدة أو سرمدية ملتصقة بعملية التسوية، بل هي معطيات متغيرة وقابلة
للتغيير والتفسير وهي عمليات ذهنية ومعرفية وإدراكية إنسانية يمكن التأثير
فيها والحد من آثارها وتطويعها بدرجة أو بأخرى إذا ما توفرت الإرادة
الإنسانية وحسن النية والثقة المتبادلة بين الأطراف، فهي ليست معطيات جينية
في التكوين الفلسطيني أو التكوين اليهودي الإسرائيلى، بل هي معطيات تشكلت
تاريخيًا في الوعي واللا وعي ويمكن من خلال تفهمها وتفسيرها أن تحظي
بالقابلية للتغيير.
وبلا شك، فإن التشخيص الموضوعي للفرص والمعوقات أمام عملية التسوية، البعيد عن التضخيم والتهوين إن من هذه الفرص أو تلك المعوقات، قد يسهم في الدفع نحو التفكير في إعادة النظر في عملية التسوية على أسس جديدة أو إعادة هيكلتها على نحو آخر، وربما يسهم كذلك في تغيير طبيعة المقاربات التي تتبناها الأطراف المختلفة للمشكلات موضوع التفاوض ويوضح من جهة ثانية متطلبات الدخول في تسوية ناجحة تحقق مصالح كل الأطراف.
أولًا - الفرص المتاحة أمام عملية التسوية
تشتمل هذه الفرص على عناصر وعوامل عديدة تنتمي إلى المجتمع الدولي والمجتمع الفلسطيني والعربي والمجتمع الإسرائيلي، وهذه العناصر كانت قد بدأت في الظهور مع بدء عملية التسوية في مدريد وبعدها في أوسلو، ورغم الفشل الذي عانته هاتان الحلقتان من التسوية فإن ذلك لا يقلل من أهمية هذه العناصر رغم تغير المعطيات، بل تبقي في مجملها قابلة للحياة والاستدعاء مع استمرار الحاجة إلى التسوية لصراع الشرق الأوسط وعدم تنكر أي من الأطراف لضرورة هذه العملية واستمرارها.
وهذه الفرص تنبع من طبيعة القضية الفلسطينية وتاريخ تكوينها وتشكيلها، فمنذ البدء أصبحت القضية الفلسطينية فلسطينية وعربية ودولية في آن واحد، واستمرت هذه المكونات في صلب هذه القضية مع اختلاف تأثير هذه المكونات من حقبة لأخرى، ورغم ذلك فإن تلازم هذه المسارات الفلسطينية العربية الإسرائيلية الدولية لا يزال هو الظهير الأساسي لحل هذه القضية وتسويتها في أفق مقبول إسرائيليًا وفلسطينيًا، ويمكننا تشخيص هذه الفرص المتاحة أمام عملية التسوية على النحو الآتى:
1- القبول الدولي والعربي والفلسطيني لحل الدولتين:
لا شك أن الاعتراف الدولي الواسع بضرورة ومنهجية حل الدولتين أي دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية والتفاوض حول حل قضية اللاجئين والمياه والحدود، يعتبر فرصة طيبة للتسوية ذلك أن استحضار هذا البعد الدولي المتمثل في أن القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والصين وروسيا الاتحادية أو في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من شأنه أن يمثل ضغطًا وإن ناعما على إسرائيل، كما أنه يعوض جزئيًا الخلل في موازين القوى بين إسرائيل والعرب والفلسطينيين ويعزز الحق الفلسطيني في مواجهة القوة الإسرائيلية.
تمثل قرارات الأمم المتحدة خاصة القرارين رقم 242، 338 بصفة خاصة أساسًا لعملية التفاوض التي بدأت منذ عقود بين إسرائيل والعرب على أساس "مبدأ الأرض مقابل السلام" ورغم أن إسرائيل فيما يبدو من خلال وقائع التفاوض حاولت استبدال هذا المبدأ بمبدأ آخر مضمونه "السلام مقابل السلام" فإن المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة لا تزال تتمسك بمبدأ الأرض مقابل السلام وذلك فضلًا عن قرارات الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية بجوانبها المختلفة كالقدس واللاجئين وتقرير المصير.
الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي المعاصر تعترف بضرورة حل الدولتين في صراع الشرق الأوسط وترى أن الأفق الوحيد الممكن والمفتوح لتسوية مقبولة فلسطينيًا وإسرائيليًا، مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ التسعينيات وحتى الآن تعترف بضرورة الدولة الفلسطينية، خطة الطريق التي طرحها بوش الابن تعترف بذلك، اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوربي تعترف هي الأخرى حل الدولتين.
إن تفعيل هذا القبول الدولي الواسع لحل الدولتين يبدو ضرورة لا بد منها لتكثيف الضغوط على إسرائيل وإخراج المواقف الدولية من الخطاب إلى الفعل والممارسة، وهذا الموقف يرتبط بالضرورة بنهوض الموقف الفلسطيني والعربي عبر توحيد الصف الفلسطيني ورأب الصدع في الجبهة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وتبني الدول العربية مواقف أكثر صلابة في الدفاع عن الحق الفلسطيني في المحافل الدولية وفي اللقاءات المشتركة.
إن هذا الموقف الدولي يمثل ركيزة أساسية للموقف الفلسطيني والعربي في مواجهة إسرائيل، ولا ينبغي الاستهانة به حتى لو ظل في المستوي الحالى، لأنه أولًا استدعاء للمسئولية الدولية في نشأة هذا الصراع ونشأة القضية الفلسطينية، ولأنه ثانيًا ورقة إضافية تعزز الموقف الفلسطيني والعربي في ضوء الخلل في موازين القوي الحالية، إن استمرار هذا البعد الدولي في القضية الفلسطينية من شأنه أن يجعل القضية الفلسطينية قضية دولية معولمة وتسويتها ضرورة ليس فحسب للفلسطينيين أو الإسرائيليين بل للعالم كله.
وبلا شك، فإن التشخيص الموضوعي للفرص والمعوقات أمام عملية التسوية، البعيد عن التضخيم والتهوين إن من هذه الفرص أو تلك المعوقات، قد يسهم في الدفع نحو التفكير في إعادة النظر في عملية التسوية على أسس جديدة أو إعادة هيكلتها على نحو آخر، وربما يسهم كذلك في تغيير طبيعة المقاربات التي تتبناها الأطراف المختلفة للمشكلات موضوع التفاوض ويوضح من جهة ثانية متطلبات الدخول في تسوية ناجحة تحقق مصالح كل الأطراف.
أولًا - الفرص المتاحة أمام عملية التسوية
تشتمل هذه الفرص على عناصر وعوامل عديدة تنتمي إلى المجتمع الدولي والمجتمع الفلسطيني والعربي والمجتمع الإسرائيلي، وهذه العناصر كانت قد بدأت في الظهور مع بدء عملية التسوية في مدريد وبعدها في أوسلو، ورغم الفشل الذي عانته هاتان الحلقتان من التسوية فإن ذلك لا يقلل من أهمية هذه العناصر رغم تغير المعطيات، بل تبقي في مجملها قابلة للحياة والاستدعاء مع استمرار الحاجة إلى التسوية لصراع الشرق الأوسط وعدم تنكر أي من الأطراف لضرورة هذه العملية واستمرارها.
وهذه الفرص تنبع من طبيعة القضية الفلسطينية وتاريخ تكوينها وتشكيلها، فمنذ البدء أصبحت القضية الفلسطينية فلسطينية وعربية ودولية في آن واحد، واستمرت هذه المكونات في صلب هذه القضية مع اختلاف تأثير هذه المكونات من حقبة لأخرى، ورغم ذلك فإن تلازم هذه المسارات الفلسطينية العربية الإسرائيلية الدولية لا يزال هو الظهير الأساسي لحل هذه القضية وتسويتها في أفق مقبول إسرائيليًا وفلسطينيًا، ويمكننا تشخيص هذه الفرص المتاحة أمام عملية التسوية على النحو الآتى:
1- القبول الدولي والعربي والفلسطيني لحل الدولتين:
لا شك أن الاعتراف الدولي الواسع بضرورة ومنهجية حل الدولتين أي دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية والتفاوض حول حل قضية اللاجئين والمياه والحدود، يعتبر فرصة طيبة للتسوية ذلك أن استحضار هذا البعد الدولي المتمثل في أن القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والصين وروسيا الاتحادية أو في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من شأنه أن يمثل ضغطًا وإن ناعما على إسرائيل، كما أنه يعوض جزئيًا الخلل في موازين القوى بين إسرائيل والعرب والفلسطينيين ويعزز الحق الفلسطيني في مواجهة القوة الإسرائيلية.
تمثل قرارات الأمم المتحدة خاصة القرارين رقم 242، 338 بصفة خاصة أساسًا لعملية التفاوض التي بدأت منذ عقود بين إسرائيل والعرب على أساس "مبدأ الأرض مقابل السلام" ورغم أن إسرائيل فيما يبدو من خلال وقائع التفاوض حاولت استبدال هذا المبدأ بمبدأ آخر مضمونه "السلام مقابل السلام" فإن المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة لا تزال تتمسك بمبدأ الأرض مقابل السلام وذلك فضلًا عن قرارات الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية بجوانبها المختلفة كالقدس واللاجئين وتقرير المصير.
الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي المعاصر تعترف بضرورة حل الدولتين في صراع الشرق الأوسط وترى أن الأفق الوحيد الممكن والمفتوح لتسوية مقبولة فلسطينيًا وإسرائيليًا، مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ التسعينيات وحتى الآن تعترف بضرورة الدولة الفلسطينية، خطة الطريق التي طرحها بوش الابن تعترف بذلك، اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوربي تعترف هي الأخرى حل الدولتين.
إن تفعيل هذا القبول الدولي الواسع لحل الدولتين يبدو ضرورة لا بد منها لتكثيف الضغوط على إسرائيل وإخراج المواقف الدولية من الخطاب إلى الفعل والممارسة، وهذا الموقف يرتبط بالضرورة بنهوض الموقف الفلسطيني والعربي عبر توحيد الصف الفلسطيني ورأب الصدع في الجبهة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وتبني الدول العربية مواقف أكثر صلابة في الدفاع عن الحق الفلسطيني في المحافل الدولية وفي اللقاءات المشتركة.
إن هذا الموقف الدولي يمثل ركيزة أساسية للموقف الفلسطيني والعربي في مواجهة إسرائيل، ولا ينبغي الاستهانة به حتى لو ظل في المستوي الحالى، لأنه أولًا استدعاء للمسئولية الدولية في نشأة هذا الصراع ونشأة القضية الفلسطينية، ولأنه ثانيًا ورقة إضافية تعزز الموقف الفلسطيني والعربي في ضوء الخلل في موازين القوي الحالية، إن استمرار هذا البعد الدولي في القضية الفلسطينية من شأنه أن يجعل القضية الفلسطينية قضية دولية معولمة وتسويتها ضرورة ليس فحسب للفلسطينيين أو الإسرائيليين بل للعالم كله.
تعترف الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي المعاصر بضرورة حل الدولتين في صراع الشرق الأوسط
وذلك يتطلب تفعيل الحضور العربي دوليًا في المنظمات والهيئات الدولية
المختلفة، وكذلك الدفع لخلق لوبيات عربية من العرب المقيمين بصفة خاصة في
الولايات المتحدة الأمريكية، ودعم الرواية الفلسطينية والعربية لتاريخ
الصراع في الدوائر الإعلامية الغربية.
حقق الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية الحالية نجاحًا مهمًا ينبغي البناء عليه، تمثل ذلك في اعتراف هيئة الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب، كما اعترفت النرويج والسويد بالدولة الفلسطينية وتفكر دول أوروبية أخرى في أن تحذو حذو هذين البلدين، كما سبق ذلك اعتراف مجلس العموم البريطاني بالدولة الفلسطينية.
هذه الإنجازات وإن بدت حتى الآن رمزية في نظر الكثيرين وغير مؤثرة في الموقف الإسرائيلي على الأرض، فإنها من زاوية أخرى قد تمثل حلقات في مسلسل الضغوط الدولية الذي يفضي إلى إنجاح التسوية والتأثير بالسلب على صورة إسرائيل الخارجية.
2- تراجع مقولة "أرض إسرائيل الكاملة".
إن كان ثمة من إيجابية للتفاوض الفلسطيني الإسرائيلي طيلة العقدين المنصرمين فهي تتمثل في قبول إسرائيل الطوعي أو الإكراهي على التفاوض حول الأرض التي كانت تعتبرها "أرض إسرائيل الكاملة" أي قبول التفاوض للتخلي عنها للشعب الفلسطيني خاصة الضفة الغربية حتى ولو اتخذ هذا التخلي شكل إعادة الانتشار كما نص على ذلك أوسلو، فهذا التخلي أو إعادة الانتشار تم بهدف تمكين الفلسطينيين من السيطرة على هذه الأراضي والاعتراف ضمنيًا بأن هذه الأرض تخص الفلسطينيين بعد أن كانت في وقت سابق جزءًا من "أرض إسرائيل الكاملة" أو أراضي متنازع عليها أو أراضي دون صاحب سيادة.
هذا التحول الذي رافق توقيع اتفاق أوسلو أفضي إلى تغير النظر للأمن الإسرائيلي وارتكاز هذا الأمن على ترتيبات سياسية تتعلق بالتسوية بدلًا من ارتكازه على السيطرة على الأرض، وذلك بعد انتشار تقنية استخدام الصواريخ الباليستية وامتداد هذه الصواريخ لتطال الأراضي الإسرائيلية في حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت.
ومع ذلك فإنه رغم تعثر مسار أوسلو وتغير الظروف فإن هذا التغير لم يتم الارتداد عنه أو النكوص عنه، فقد تبين لعديد من أفراد النخبة الإسرائيلية إن في المؤسسة العسكرية والأمنية أو المؤسسة السياسية أنه "لا يمكن السيطرة على ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطينى" كما قال الإرهابي المتطرف "أرئيل شارون" وأن الدولة الفلسطينية "مصلحة إسرائيلية" على حد تعبير "إيهودا أولمرت" وحتى نتنياهو ورغم ديماجوجيته، وتطرفه فإنه يعترف بدولة فلسطينية وإن كانت منزوعة السلاح.
استمرارية الكفاح الفلسطيني المدني وغير المدني أقنعت قطاعات كبيرة من الرأي العام الإسرائيلي والنخبة الإسرائيلية بصعوبة الاستمرار في السيطرة على الشعب الفلسطيني ومخاطر هذا الاستمرار على الهوية اليهودية للدولة الإسرائيلية وصورة إسرائيل في الخارج والخوف من ازدياد عزلتها على الصعيد الدولى.
لقد بدأ إدراك الإسرائيليين في التغير إزاء الشعب الفلسطيني منذ انتفاضة 1987، فقد أدرك قطاع كبير من الإسرائيليين أن الفلسطينيين بشر ذوو كرامة وأنهم يستخدمون في مطالباتهم أساليب غير عنيفة وأنهم أي الفلسطينيون يسيرون في اتجاه الاستقلال، وكان الوجه الآخر لهذا الإدراك هو صعوبة حسم المسألة الفلسطينية عسكريًا وضرورة التوصل لتسوية سياسية توفر لإسرائيل الأمن وتمنح الفلسطينيين الحق في دولة بجوار إسرائيل.
حقق الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية الحالية نجاحًا مهمًا ينبغي البناء عليه، تمثل ذلك في اعتراف هيئة الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب، كما اعترفت النرويج والسويد بالدولة الفلسطينية وتفكر دول أوروبية أخرى في أن تحذو حذو هذين البلدين، كما سبق ذلك اعتراف مجلس العموم البريطاني بالدولة الفلسطينية.
هذه الإنجازات وإن بدت حتى الآن رمزية في نظر الكثيرين وغير مؤثرة في الموقف الإسرائيلي على الأرض، فإنها من زاوية أخرى قد تمثل حلقات في مسلسل الضغوط الدولية الذي يفضي إلى إنجاح التسوية والتأثير بالسلب على صورة إسرائيل الخارجية.
2- تراجع مقولة "أرض إسرائيل الكاملة".
إن كان ثمة من إيجابية للتفاوض الفلسطيني الإسرائيلي طيلة العقدين المنصرمين فهي تتمثل في قبول إسرائيل الطوعي أو الإكراهي على التفاوض حول الأرض التي كانت تعتبرها "أرض إسرائيل الكاملة" أي قبول التفاوض للتخلي عنها للشعب الفلسطيني خاصة الضفة الغربية حتى ولو اتخذ هذا التخلي شكل إعادة الانتشار كما نص على ذلك أوسلو، فهذا التخلي أو إعادة الانتشار تم بهدف تمكين الفلسطينيين من السيطرة على هذه الأراضي والاعتراف ضمنيًا بأن هذه الأرض تخص الفلسطينيين بعد أن كانت في وقت سابق جزءًا من "أرض إسرائيل الكاملة" أو أراضي متنازع عليها أو أراضي دون صاحب سيادة.
هذا التحول الذي رافق توقيع اتفاق أوسلو أفضي إلى تغير النظر للأمن الإسرائيلي وارتكاز هذا الأمن على ترتيبات سياسية تتعلق بالتسوية بدلًا من ارتكازه على السيطرة على الأرض، وذلك بعد انتشار تقنية استخدام الصواريخ الباليستية وامتداد هذه الصواريخ لتطال الأراضي الإسرائيلية في حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت.
ومع ذلك فإنه رغم تعثر مسار أوسلو وتغير الظروف فإن هذا التغير لم يتم الارتداد عنه أو النكوص عنه، فقد تبين لعديد من أفراد النخبة الإسرائيلية إن في المؤسسة العسكرية والأمنية أو المؤسسة السياسية أنه "لا يمكن السيطرة على ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطينى" كما قال الإرهابي المتطرف "أرئيل شارون" وأن الدولة الفلسطينية "مصلحة إسرائيلية" على حد تعبير "إيهودا أولمرت" وحتى نتنياهو ورغم ديماجوجيته، وتطرفه فإنه يعترف بدولة فلسطينية وإن كانت منزوعة السلاح.
استمرارية الكفاح الفلسطيني المدني وغير المدني أقنعت قطاعات كبيرة من الرأي العام الإسرائيلي والنخبة الإسرائيلية بصعوبة الاستمرار في السيطرة على الشعب الفلسطيني ومخاطر هذا الاستمرار على الهوية اليهودية للدولة الإسرائيلية وصورة إسرائيل في الخارج والخوف من ازدياد عزلتها على الصعيد الدولى.
لقد بدأ إدراك الإسرائيليين في التغير إزاء الشعب الفلسطيني منذ انتفاضة 1987، فقد أدرك قطاع كبير من الإسرائيليين أن الفلسطينيين بشر ذوو كرامة وأنهم يستخدمون في مطالباتهم أساليب غير عنيفة وأنهم أي الفلسطينيون يسيرون في اتجاه الاستقلال، وكان الوجه الآخر لهذا الإدراك هو صعوبة حسم المسألة الفلسطينية عسكريًا وضرورة التوصل لتسوية سياسية توفر لإسرائيل الأمن وتمنح الفلسطينيين الحق في دولة بجوار إسرائيل.
حقق الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية الحالية نجاحًا مهمًا ينبغي البناء عليه، تمثل ذلك في اعتراف هيئة الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب
لقد أفضت هذه الإدراكات لتقليص وتراجع مقولة "أرض إسرائيل الكاملة" وتأثيرها في الرأي العام الإسرائيلي والنخبة الإسرائيلية ربما باستثناء قوى اليمين المتطرف، وهو على أية حال تيار لا يستطيع صنع السلام بحكم تطرفه فالسلام مرتبط بالتيارات المركزية العريضة التي تمثل التوجهات الرئيسية لدى الرأي العام.
إن المناخ الداخلي لإسرائيل عنصر مهم في رسم مستقبل أية تسوية ناجحة مقبولة لدي الرأي العام الإسرائيلي وأحد شروط نجاح أية تسوية.
3- الديموجرافيا والجغرافيا
تشير المعطيات الحالية والمستقبلية الخاصة بالديموجرافيا الفلسطينية والإسرائيلية إلى تحقيق توازن ديموجرافي في أرض فلسطين التاريخية في مدي زمني بين المتوسط والطويل، وهذا التوازن الديموجرافي يخل بمعادلة الدولة اليهودية التي يمثل فيها اليهود أغلبية أو أنها قاصرة على اليهود فقط.
من المؤكد أن المعطيات الديموجرافية لن يكون بمقدورها أن تؤثر في مجريات الصراع بمعزل عن الإرادة الإنسانية التي يمكنها أن تحول هذه المعطيات إلى قوة ذات تأثير حاسم في الواقع.
ما يسمى بالصراع بين الديموجرافيا الفلسطينية والإسرائيلية يزيد من مخاوف الإسرائيليين بإمكان تحويل دولتهم إلى دولة ثنائية القومية إذا ما أخذ في الاعتبار الحقوق الجماعية للفلسطينيين أو دولة واحدة ديمقراطية إذا ما أخذ في الاعتبار حق المواطنة على الصعيد الفردى، وهذه المخاوف لدي الإسرائيليين تدفع في اتجاه الانفصال عن الفلسطينيين أو الفصل بينهم وبين إسرائيل سواء اتخذ هذا الفصل شكل الدولة الفلسطينية في حالة إنجاز التسوية السلمية من خلال العملية التفاوضية، أو اتخذ شكل الفصل الأحادي أو الانفصال الأحادي على غرار ما حدث في غزة من بعض مناطق الضفة الغربية.
بيد أنه وفي جميع الحالات فإن ميزان القوي الديموجرافي بين إسرائيل وفلسطين يمثل هاجسًا كبيرًا لدى النخبة الإسرائيلية ويدفعها للبحث عن مخارج لتجنب مخاوف هذا التوازن الديموجرافي المقبل في دولة أنشئت منذ البداية لتكون دولة يهودية، ومن بين هذه المخارج مخرج التسوية والانفصال عن الفلسطينيين "هم هنا ونحن هناك" على حد تعبير إيهود باراك.
ويزداد هذا الهاجس الديموجرافي قوة في إسرائيل لسببين إضافيين أولهما: نضوب مصادر وموارد الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، أو تقلصها إلى حد كبير، وثانيهما أنه ليس بمقدور إسرائيل السيطرة على معدلات نمو الديموجرافيا الفلسطينية، ووجود محاذير دولية وإقليمية وفلسطينية عديدة حول حل "الترانسفير" أي نقل الفلسطينيين ودفعهم للهجرة إلى أماكن أخرى.
4- تآكل صورة إسرائيل كضحية
احتفظت إسرائيل منذ نشأتها بصورة الضحية الأولى الاستثنائية في العالم، وذلك استنادًا إلى أحداث "المحرقة" النازية لليهود، فما حدث لليهود إبان هذه الفترة لم يحدث لشعب آخر، فاليهود ضحية تمتاز بالتفرد والاستثناء، واستثمرت الدعاية الصهيونية والإسرائيلية هذه الصورة لابتزاز كافة الأطراف والقوي الدولية والرأي العام الغربى، لدعم إنشاء إسرائيل في أرض فلسطين التاريخية.
والحال أن هذه الصورة أي صورة الضحية الأولي الاستثنائية ظلت لعقود منذ نشأة الدولة حكرا على إسرائيل واليهود، بيد أن هذه الصورة تتعرض للتآكل بعد ارتكاب إسرائيل المجازر في حق الفلسطينيين تلك المجازر التي أصبح يشاهدها العالم على شاشات التليفزيون في عصر البث المباشر والإنترنت، فالضحية اليهودية والإسرائيلية هي التي ترتكب هذه الانتهاكات في حق شعب آخر وكأنها تحاكي جلاديها في وقت سابق.
اكتشف الرأي العام أو قطاعات كبيرة منه على الأقل أن لهذه الصورة وجهًا آخر، يتمثل في وجود ضحية أخرى للجرائم الإسرائيلية تتمثل في الشعب الفلسطيني، وأن هذه الصورة الأخلاقية والرمزية التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بها ليست كل الحقيقة، بل ثمة وجه آخر للحقيقة هم اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني الذي يسعى إلى التحرر من الاحتلال وممارسة حقوقه في تقرير المصير والدولة.
وقد تمثل هذا التعاطف الذي يحظى به الشعب الفلسطيني في حملة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني إبان الانتفاضة الأولي والثانية في مواجهة إجراءات السلطات الإسرائيلية وبناء الجدار العازل ومساعدة الفلسطينيين في جمع محصول الزيتون وحملات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل واتجاه العديد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لم تعد إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بهذه الصورة التي حرصت على رسم معالمها منذ البدايات خاصة مع التطور المعاصر في وسائل الإعلام والبث المباشر، وأصبحت قطاعات يعتد بها من الرأي العام الغربي ترى أن الضحية في صراع المنطقة هي الشعب الفلسطيني الأعزل في مواجهة القوة العنصرية الإسرائيلية التي تحاول أن تفرض سياسة "الأبارتهايد" المبغوضة بطرق أخرى وتحت ستار آخر.
5- حدود القوة الإسرائيلية
رغم تفوق إسرائيل النوعي واختلال ميزان القوي لصالحها فإن القوة الإسرائيلية لم تتمكن حتى الآن من فرض المفهوم الإسرائيلي للسلام، بل لم تتمكن من إخضاع الشعب الفلسطيني وإسكات صوته، بل العكس هو الصحيح فكلما مضت إسرائيل في استخدام قوتها، كلما ارتفع الصوت الفلسطيني وازداد التعاطف مع قضيته ومعاناته على الصعيد الدولي.
إن المناخ الداخلي لإسرائيل عنصر مهم في رسم مستقبل أية تسوية ناجحة مقبولة لدي الرأي العام الإسرائيلي وأحد شروط نجاح أية تسوية.
3- الديموجرافيا والجغرافيا
تشير المعطيات الحالية والمستقبلية الخاصة بالديموجرافيا الفلسطينية والإسرائيلية إلى تحقيق توازن ديموجرافي في أرض فلسطين التاريخية في مدي زمني بين المتوسط والطويل، وهذا التوازن الديموجرافي يخل بمعادلة الدولة اليهودية التي يمثل فيها اليهود أغلبية أو أنها قاصرة على اليهود فقط.
من المؤكد أن المعطيات الديموجرافية لن يكون بمقدورها أن تؤثر في مجريات الصراع بمعزل عن الإرادة الإنسانية التي يمكنها أن تحول هذه المعطيات إلى قوة ذات تأثير حاسم في الواقع.
ما يسمى بالصراع بين الديموجرافيا الفلسطينية والإسرائيلية يزيد من مخاوف الإسرائيليين بإمكان تحويل دولتهم إلى دولة ثنائية القومية إذا ما أخذ في الاعتبار الحقوق الجماعية للفلسطينيين أو دولة واحدة ديمقراطية إذا ما أخذ في الاعتبار حق المواطنة على الصعيد الفردى، وهذه المخاوف لدي الإسرائيليين تدفع في اتجاه الانفصال عن الفلسطينيين أو الفصل بينهم وبين إسرائيل سواء اتخذ هذا الفصل شكل الدولة الفلسطينية في حالة إنجاز التسوية السلمية من خلال العملية التفاوضية، أو اتخذ شكل الفصل الأحادي أو الانفصال الأحادي على غرار ما حدث في غزة من بعض مناطق الضفة الغربية.
بيد أنه وفي جميع الحالات فإن ميزان القوي الديموجرافي بين إسرائيل وفلسطين يمثل هاجسًا كبيرًا لدى النخبة الإسرائيلية ويدفعها للبحث عن مخارج لتجنب مخاوف هذا التوازن الديموجرافي المقبل في دولة أنشئت منذ البداية لتكون دولة يهودية، ومن بين هذه المخارج مخرج التسوية والانفصال عن الفلسطينيين "هم هنا ونحن هناك" على حد تعبير إيهود باراك.
ويزداد هذا الهاجس الديموجرافي قوة في إسرائيل لسببين إضافيين أولهما: نضوب مصادر وموارد الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، أو تقلصها إلى حد كبير، وثانيهما أنه ليس بمقدور إسرائيل السيطرة على معدلات نمو الديموجرافيا الفلسطينية، ووجود محاذير دولية وإقليمية وفلسطينية عديدة حول حل "الترانسفير" أي نقل الفلسطينيين ودفعهم للهجرة إلى أماكن أخرى.
4- تآكل صورة إسرائيل كضحية
احتفظت إسرائيل منذ نشأتها بصورة الضحية الأولى الاستثنائية في العالم، وذلك استنادًا إلى أحداث "المحرقة" النازية لليهود، فما حدث لليهود إبان هذه الفترة لم يحدث لشعب آخر، فاليهود ضحية تمتاز بالتفرد والاستثناء، واستثمرت الدعاية الصهيونية والإسرائيلية هذه الصورة لابتزاز كافة الأطراف والقوي الدولية والرأي العام الغربى، لدعم إنشاء إسرائيل في أرض فلسطين التاريخية.
والحال أن هذه الصورة أي صورة الضحية الأولي الاستثنائية ظلت لعقود منذ نشأة الدولة حكرا على إسرائيل واليهود، بيد أن هذه الصورة تتعرض للتآكل بعد ارتكاب إسرائيل المجازر في حق الفلسطينيين تلك المجازر التي أصبح يشاهدها العالم على شاشات التليفزيون في عصر البث المباشر والإنترنت، فالضحية اليهودية والإسرائيلية هي التي ترتكب هذه الانتهاكات في حق شعب آخر وكأنها تحاكي جلاديها في وقت سابق.
اكتشف الرأي العام أو قطاعات كبيرة منه على الأقل أن لهذه الصورة وجهًا آخر، يتمثل في وجود ضحية أخرى للجرائم الإسرائيلية تتمثل في الشعب الفلسطيني، وأن هذه الصورة الأخلاقية والرمزية التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بها ليست كل الحقيقة، بل ثمة وجه آخر للحقيقة هم اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني الذي يسعى إلى التحرر من الاحتلال وممارسة حقوقه في تقرير المصير والدولة.
وقد تمثل هذا التعاطف الذي يحظى به الشعب الفلسطيني في حملة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني إبان الانتفاضة الأولي والثانية في مواجهة إجراءات السلطات الإسرائيلية وبناء الجدار العازل ومساعدة الفلسطينيين في جمع محصول الزيتون وحملات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل واتجاه العديد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لم تعد إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بهذه الصورة التي حرصت على رسم معالمها منذ البدايات خاصة مع التطور المعاصر في وسائل الإعلام والبث المباشر، وأصبحت قطاعات يعتد بها من الرأي العام الغربي ترى أن الضحية في صراع المنطقة هي الشعب الفلسطيني الأعزل في مواجهة القوة العنصرية الإسرائيلية التي تحاول أن تفرض سياسة "الأبارتهايد" المبغوضة بطرق أخرى وتحت ستار آخر.
5- حدود القوة الإسرائيلية
رغم تفوق إسرائيل النوعي واختلال ميزان القوي لصالحها فإن القوة الإسرائيلية لم تتمكن حتى الآن من فرض المفهوم الإسرائيلي للسلام، بل لم تتمكن من إخضاع الشعب الفلسطيني وإسكات صوته، بل العكس هو الصحيح فكلما مضت إسرائيل في استخدام قوتها، كلما ارتفع الصوت الفلسطيني وازداد التعاطف مع قضيته ومعاناته على الصعيد الدولي.
إن المناخ الداخلي لإسرائيل عنصر مهم في رسم مستقبل أية تسوية ناجحة مقبولة لدى الرأي العام الإسرائيلي وأحد شروط نجاح أية تسوية
في المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية يقف الحق الفلسطيني القانوني والتاريخي في مواجهة القوة الإسرائيلية، وتفضي هذه المعادلة إلى تآكل تأثير القوة المجردة في مواجهة مطالب الشعب الفلسطيني التي تقرها كل الأطراف، خاصة في ضوء البيئة الإستراتيجية الجديدة التي تواجهها إسرائيل، تلك البيئة التي انتهي فيها عصر الحروب النظامية لتحل محلها حروب مع جماعات صغيرة أشبه بحروب العصابات، وتفضي بالإضافة إلى ذلك إلى نهايات ونتائج ملتبسة يختلط فيها النصر بالهزيمة، وتفقد فيها إسرائيل المزايا النوعية والإستراتيجية التي استثمرتها في الحروب النظامية مع العرب.
لقد اكتشفت إسرائيل إبان انتفاضة عام 1987، صعوبة إخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية وأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد، وأن السيطرة على الفلسطينيين بطريقة مباشرة تزداد صعوبة ومكلفة لإسرائيل، ولذلك اتجهت صوب التسوية السياسية في مدريد وبعد حرب الخليج ثم بعدها أوسلو.
لقد وضح لإسرائيل من خلال الممارسة أن اختلال موازين القوى لصالحها لا يفضي أوتوماتيكيًا إلى نتائج تعزز الموقف الإسرائيلى، ذلك أن الطرف الآخر الفلسطيني يمتلك أوراقًا مؤثرة في مجري الواقع أولها قوة الضعف، وهذا يعني أن الطرف الضعيف في المعادلة يحظى موقفه بقوة أخلاقية ورمزية مؤثرة، فهو يمتلك الحق بالمعني القانوني والتاريخي وفق الشرعية الدولية، كما أنه يمتلك مشروعية مطالبه وعدالتها واقتناعه وإيمانه بشرعية هذه المطالب وعدالتها كما أنه قادر على رفع تكلفة الاستعمار والاستيطان والسيطرة المباشرة عبر احتجاجاته المستمرة والسلمية وفضح زيف الصورة الأخلاقية التي تحاول إسرائيل الاحتفاظ بها.
إن الصراع في المنطقة يشهد منذ فترة تآكل مفهوم القوة وانخفاض رصيده وتعثر إنجازها للأهداف المرسومة لها، بينما يشهد من ناحية أخري ازدياد قوة الطرف الأضعف وتعزيز رصيده السياسي والدبلوماسى، وهذه المعادلة مرشحة للاستمرار في الوقت الراهن.
6- استمرارية الكفاح الفلسطينى
انتقل الكفاح الفلسطيني من المقاومة العسكرية إلى المفاوضات السياسية، ومع توالي هذه المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن الكفاح بكل أشكاله السلمية والعنيفة وهو الأمر الذي أبقى على استمرارية الكفاح الفلسطيني والاحتفاظ بالهوية الفلسطينية وتدعيم أركان الكيانية الفلسطينية ولم تتمكن سلطات الاحتلال المدنية والعسكرية من احتواء مطالب الشعب الفلسطيني، بل أقرت بصعوبة هذا الاحتواء وصعوبة السيطرة المباشرة.
تعرض الكفاح الفلسطيني لأزمات عديدة في كل من الأردن ولبنان، ومع ذلك فإن هذا الكفاح شهد عقب كل أزمة مرحلة جديدة اكتسب فيها مشروعية عربية وإقليمية ودولية، وعلى الرغم من أن إسرائيل ارتكبت العديد من الجرائم في حق القيادات والكوادر الفلسطينية والنضال الفلسطينى، فإنها لم تتمكن من إسكات الصوت الفلسطيني كما لم تتمكن من حمل الشعب الفلسطيني وقيادته على القبول بالمفهوم الإسرائيلي للسلام بل ظلت ثوابت الموقف الفلسطيني في الدولة والقدس واللاجئين كما هي مع إبداء بعض المرونة في الصيغ والأساليب.
إن استمرار الكفاحية الفلسطينية من شأنه أن يذكر إسرائيل والإسرائيليين بعجزهم عن وأد المطالب الفلسطينية، وأن المخرج الوحيد لذلك هو الاعتراف بهذه المطالب خاصة مع اكتساب هذه المطالب الشرعية والمشروعية على الصعيد الدولى.
هذه بعض ملامح ومعالم الفرص المتاحة أمام عملية التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلى، بيد أنه يجب التنويه بأن وجود مثل هذه الفرص أمام التسوية لا يعني بالضرورة أو حتمًا التوصل إلى مثل هذه التسوية، بل يتوقف الأمر أولا على الوعي بوجود هذه الفرص، ويتوقف ثانيًا على توفر الإرادة لدي الأطراف المختلفة لاستثمار هذه الفرص من أجل إنجاز هذه التسوية، وثالثًا وليس أخيرًا يتوقف على مدي تكييف كل من الأطراف لمثل هذه الفرص ومقاربته لها وتكيفه مع محصلتها لتجاوز العثرات والمعوقات التي تحول دون التوصل إلى تسوية تبدو ممكنة في الأفق رغم تعثرها.
*مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأهرام
لقد اكتشفت إسرائيل إبان انتفاضة عام 1987، صعوبة إخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية وأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد، وأن السيطرة على الفلسطينيين بطريقة مباشرة تزداد صعوبة ومكلفة لإسرائيل، ولذلك اتجهت صوب التسوية السياسية في مدريد وبعد حرب الخليج ثم بعدها أوسلو.
لقد وضح لإسرائيل من خلال الممارسة أن اختلال موازين القوى لصالحها لا يفضي أوتوماتيكيًا إلى نتائج تعزز الموقف الإسرائيلى، ذلك أن الطرف الآخر الفلسطيني يمتلك أوراقًا مؤثرة في مجري الواقع أولها قوة الضعف، وهذا يعني أن الطرف الضعيف في المعادلة يحظى موقفه بقوة أخلاقية ورمزية مؤثرة، فهو يمتلك الحق بالمعني القانوني والتاريخي وفق الشرعية الدولية، كما أنه يمتلك مشروعية مطالبه وعدالتها واقتناعه وإيمانه بشرعية هذه المطالب وعدالتها كما أنه قادر على رفع تكلفة الاستعمار والاستيطان والسيطرة المباشرة عبر احتجاجاته المستمرة والسلمية وفضح زيف الصورة الأخلاقية التي تحاول إسرائيل الاحتفاظ بها.
إن الصراع في المنطقة يشهد منذ فترة تآكل مفهوم القوة وانخفاض رصيده وتعثر إنجازها للأهداف المرسومة لها، بينما يشهد من ناحية أخري ازدياد قوة الطرف الأضعف وتعزيز رصيده السياسي والدبلوماسى، وهذه المعادلة مرشحة للاستمرار في الوقت الراهن.
6- استمرارية الكفاح الفلسطينى
انتقل الكفاح الفلسطيني من المقاومة العسكرية إلى المفاوضات السياسية، ومع توالي هذه المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن الكفاح بكل أشكاله السلمية والعنيفة وهو الأمر الذي أبقى على استمرارية الكفاح الفلسطيني والاحتفاظ بالهوية الفلسطينية وتدعيم أركان الكيانية الفلسطينية ولم تتمكن سلطات الاحتلال المدنية والعسكرية من احتواء مطالب الشعب الفلسطيني، بل أقرت بصعوبة هذا الاحتواء وصعوبة السيطرة المباشرة.
تعرض الكفاح الفلسطيني لأزمات عديدة في كل من الأردن ولبنان، ومع ذلك فإن هذا الكفاح شهد عقب كل أزمة مرحلة جديدة اكتسب فيها مشروعية عربية وإقليمية ودولية، وعلى الرغم من أن إسرائيل ارتكبت العديد من الجرائم في حق القيادات والكوادر الفلسطينية والنضال الفلسطينى، فإنها لم تتمكن من إسكات الصوت الفلسطيني كما لم تتمكن من حمل الشعب الفلسطيني وقيادته على القبول بالمفهوم الإسرائيلي للسلام بل ظلت ثوابت الموقف الفلسطيني في الدولة والقدس واللاجئين كما هي مع إبداء بعض المرونة في الصيغ والأساليب.
إن استمرار الكفاحية الفلسطينية من شأنه أن يذكر إسرائيل والإسرائيليين بعجزهم عن وأد المطالب الفلسطينية، وأن المخرج الوحيد لذلك هو الاعتراف بهذه المطالب خاصة مع اكتساب هذه المطالب الشرعية والمشروعية على الصعيد الدولى.
هذه بعض ملامح ومعالم الفرص المتاحة أمام عملية التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلى، بيد أنه يجب التنويه بأن وجود مثل هذه الفرص أمام التسوية لا يعني بالضرورة أو حتمًا التوصل إلى مثل هذه التسوية، بل يتوقف الأمر أولا على الوعي بوجود هذه الفرص، ويتوقف ثانيًا على توفر الإرادة لدي الأطراف المختلفة لاستثمار هذه الفرص من أجل إنجاز هذه التسوية، وثالثًا وليس أخيرًا يتوقف على مدي تكييف كل من الأطراف لمثل هذه الفرص ومقاربته لها وتكيفه مع محصلتها لتجاوز العثرات والمعوقات التي تحول دون التوصل إلى تسوية تبدو ممكنة في الأفق رغم تعثرها.
*مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأهرام