المحددات والآفاق: العلاقات المصرية - الروسية بعد 30 يونيو
الخميس 05/مارس/2015 - 11:31 ص
د. مروة نظير
شهدت العلاقات بين القاهرة وموسكو دفعة قوية خلال الأشهر التي أعقبت الموجة الثورية الثانية، التي أسفرت عن إسقاط نظام الإخوان المسلمين في مصر في منتصف العام 2013، وهو ما يستدعي التوقف أمام الآفاق المحتملة لذلك الانفتاح في العلاقات، وتداعياتها على المستويين الإقليمي والعالمي. لاسيما في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي للقاهرة في وقت سابق من الشهر الجاري فبراير 2015، والتي يرى المراقبون أنها كرست التوجه الذي اتخذته العلاقات بين الجانبين عبر الأشهر الماضية.
ويتطلب الأمر التعرف على أهم العوامل المؤثرة في العلاقات المصرية- الروسية في الوقت الحالي، والتي تدفعها باتجاه نمط تفاعلات أكثر تعاونية. كما يمكن متابعة تطورات آفاق هذه العلاقات سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
ويتطلب الأمر التعرف على أهم العوامل المؤثرة في العلاقات المصرية- الروسية في الوقت الحالي، والتي تدفعها باتجاه نمط تفاعلات أكثر تعاونية. كما يمكن متابعة تطورات آفاق هذه العلاقات سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
تلاقت مصالح القاهرة وموسكو على التعاون استجابة للمتغيرات الجديدة التي فرضها اللاعب الأمريكي على الساحتين الإقليمية والدولية
أولا: محددات العلاقات المصرية-الروسية بعد 30 يونيو
يمكن تسمية أهم المحددات التي تؤطر العلاقات المصرية- الروسية بعد 30 يونيو، وتدفعها باتجاه نمط تفاعلات أكثر تعاونية. على النحو التالي:
1- العامل الأمريكي
يرى كثيرون أن استئناف العلاقات الروسية المصرية ـ مجددا ـ جاء إثر توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، فقد استنكرت واشنطن الإطاحة بـ“محمد مرسي” في 3 يوليو 2013 معتبرة أن هذه الأحداث هي انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية، كما تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية بشكل واضح في أعقاب فض اعتصام أنصار الإخوان بميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في 14 أغسطس من العام ذاته، حيث جمدت أمريكا مؤقتا ما يعادل 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها أمريكا للجيش المصري، من دبابات ومروحيات وصواريخ وطائرات مقاتلة(1).
ويمكن القول بأن هذا التوجه الأمريكي تجاه الأوضاع في مصر قد دفع صانعي القرار في كل من القاهرة وموسكو نحو التطلع للآخر كأفضل الخيارات المتاحة لتحقيق المصالح الوطنية لكل منهما في المرحلة الحالية. بعبارة أخرى، تلاقت مصالح القاهرة وموسكو على التعاون استجابة للمتغيرات الجديدة التي فرضها اللاعب الأمريكي على الساحتين الإقليمية والدولية.
فعلى الجانب المصري، ترافق توتر العلاقات مع الولايات المتحدة مع تصاعد واضح في شعبية روسيا كحليف بديل، فتكرر ظهور صور كبيرة للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في شوارع القاهرة، كتب على بعض منها عبارات من قبيل: “وداعا لأمريكا”(2). كما تجلى ذلك في تصريحات المسئولين المصريين التي لفتت الانتباه إلى وجود لبس في شأن حقيقة الدور الأميركي وموقف (الولايات المتحدة) تجاه الرئيس السابق حسني مبارك في الثورة الأولى، ثم تجاه الإخوان في الثورة الثانية(3).
أما على الجانب الروسي، فيرتبط الأمر بالتوجهات الحالية للسياسة الخارجية الحالية لموسكو والتي تقوم على استعادة بعض النفوذ والهيبة الروسية في العالم، إذ ينتهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الإستراتيجية عبر اختبار حدود التأثير الأميركي. في هذا السياق، يرى البعض أن مساعي روسيا بوتين للتقارب مع مصر تأتي في إطار إستراتيجيتها إزاء الشرق الأوسط، والتي تسعى لتأمين تمتع روسيا بنفوذ مساو لما لدى الولايات المتحدة في واحدة من الأنظمة العربية المعتدلة(4). وهو يبدو متوافقا مع استعداد واشنطن لقبول ذلك مع حاجتها لمساعدة روسيا في الخروج من أفغانستان، وكذلك مأزق الملف النووي الإيراني والمأزق السوري(5).
2- شبكة المتغيرات الإقليمية
حين نشبت ثورات الربيع العربي، أُصيبت السياسة الروسية بالارتباك الشديد وشهد العالم تضاربًا في المواقف الروسية. ففي تونس، دعمت موسكو الثورة. وفي مصر، تردّدت ثم دعت النظام الجديد إلى التعاون معها. وفي ليبيا، رفضت التدخل الدولي، ثم قبِلت به، ثم عادت إلى رفضه والتنديد به. وفي البحرين، رفضت الثورة فيها وصمّتت على التدخل العسكري الخليجي، ثم أبرمت صفقات تجارية مع حكومة المنامة. وفي ثورة اليمن، حذت حذو السياسة الغربية - الخليجية عينها. الصدام الوحيد بين روسيا والغرب في خِضَم الربيع العربي، أما في سوريا فقد دعمت موسكو الأسد، وهو ما يفسر بسعيها للحفاظ على عقود التسلّح واستثمارات النفط والقاعدة البحرية في طرطوس، ولأنها تخشى أن تنتقل سوريا من كونها حليفًا لها إلى أن تكون حليفة لواشنطن (6).
ويمكن القول أن مرحلة ما بعد 30 يونيو خلقت نقطة للالتقاء الروسي - المصري - السعودي تتمثل في «الإخوان المسلمين»، إذ إن الثلاثي عازم على منع صعودهم مجددًا إلى السلطة. أما نقطة الاختلاف بين هذا الثلاثي، فهي إيران وسوريا، بالذات لدى المملكة العربية السعودية، علمًا أن مصر - «الإخوان» - كانت اتخذت موقفًا معارضًا للنظام في دمشق ولتدخّل روسيا في سوريا. أما مصر اليوم فإنها أقل وضوحًا وحدة في مواقفها من التطورات في سوريا، بل إن إجراءات الحكومة المصرية ضد اللاجئين أو النازحين المدنيين السوريين قاسية في كثير من الأحيان. ففي الأمر السوري، تختلف المواقف الروسية - السعودية - المصرية، مما يجعل التعاون الأمني بين الأطراف الثلاثة لافتًا للنظر ومحيّرًا في آن. بيد أن ما يثير الفضول أكثر هو أين تقع إيران في المسيرة الثلاثية، علمًا أن روسيا واضحة تمامًا في تحالفها الإستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي انحيازهما إلى مصلحة النظام في دمشق كما في علاقاتهما الأوسع وتموضع كل منهما إقليميًا ودوليًا. فالمحور الذي يضم موسكو وطهران ودمشق والذي يشمل أيضًا «حزب اللـه» أضحى محورا ثابتا لدى صانع قرار السياسة الخارجية الروسية بالذات في هذا المنعطف، ومن غير المتوقع أن تتخلى موسكو عن هذا المحور- لا سيما في شقه مع طهران- مهما كانت الإغراءات(7).
من هذه المنطلقات يمكن القول أن مصر مؤهلة لتكون بابًا لعودة روسيا إلى المنطقة ولتمتين النفوذ الروسي في أفريقيا. لاسيما وأن روسيا بحاجة إلى أن يكون لها دور في ما يدور من صراعات في المنطقة(8).
يمكن تسمية أهم المحددات التي تؤطر العلاقات المصرية- الروسية بعد 30 يونيو، وتدفعها باتجاه نمط تفاعلات أكثر تعاونية. على النحو التالي:
1- العامل الأمريكي
يرى كثيرون أن استئناف العلاقات الروسية المصرية ـ مجددا ـ جاء إثر توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، فقد استنكرت واشنطن الإطاحة بـ“محمد مرسي” في 3 يوليو 2013 معتبرة أن هذه الأحداث هي انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية، كما تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية بشكل واضح في أعقاب فض اعتصام أنصار الإخوان بميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في 14 أغسطس من العام ذاته، حيث جمدت أمريكا مؤقتا ما يعادل 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها أمريكا للجيش المصري، من دبابات ومروحيات وصواريخ وطائرات مقاتلة(1).
ويمكن القول بأن هذا التوجه الأمريكي تجاه الأوضاع في مصر قد دفع صانعي القرار في كل من القاهرة وموسكو نحو التطلع للآخر كأفضل الخيارات المتاحة لتحقيق المصالح الوطنية لكل منهما في المرحلة الحالية. بعبارة أخرى، تلاقت مصالح القاهرة وموسكو على التعاون استجابة للمتغيرات الجديدة التي فرضها اللاعب الأمريكي على الساحتين الإقليمية والدولية.
فعلى الجانب المصري، ترافق توتر العلاقات مع الولايات المتحدة مع تصاعد واضح في شعبية روسيا كحليف بديل، فتكرر ظهور صور كبيرة للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في شوارع القاهرة، كتب على بعض منها عبارات من قبيل: “وداعا لأمريكا”(2). كما تجلى ذلك في تصريحات المسئولين المصريين التي لفتت الانتباه إلى وجود لبس في شأن حقيقة الدور الأميركي وموقف (الولايات المتحدة) تجاه الرئيس السابق حسني مبارك في الثورة الأولى، ثم تجاه الإخوان في الثورة الثانية(3).
أما على الجانب الروسي، فيرتبط الأمر بالتوجهات الحالية للسياسة الخارجية الحالية لموسكو والتي تقوم على استعادة بعض النفوذ والهيبة الروسية في العالم، إذ ينتهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الإستراتيجية عبر اختبار حدود التأثير الأميركي. في هذا السياق، يرى البعض أن مساعي روسيا بوتين للتقارب مع مصر تأتي في إطار إستراتيجيتها إزاء الشرق الأوسط، والتي تسعى لتأمين تمتع روسيا بنفوذ مساو لما لدى الولايات المتحدة في واحدة من الأنظمة العربية المعتدلة(4). وهو يبدو متوافقا مع استعداد واشنطن لقبول ذلك مع حاجتها لمساعدة روسيا في الخروج من أفغانستان، وكذلك مأزق الملف النووي الإيراني والمأزق السوري(5).
2- شبكة المتغيرات الإقليمية
حين نشبت ثورات الربيع العربي، أُصيبت السياسة الروسية بالارتباك الشديد وشهد العالم تضاربًا في المواقف الروسية. ففي تونس، دعمت موسكو الثورة. وفي مصر، تردّدت ثم دعت النظام الجديد إلى التعاون معها. وفي ليبيا، رفضت التدخل الدولي، ثم قبِلت به، ثم عادت إلى رفضه والتنديد به. وفي البحرين، رفضت الثورة فيها وصمّتت على التدخل العسكري الخليجي، ثم أبرمت صفقات تجارية مع حكومة المنامة. وفي ثورة اليمن، حذت حذو السياسة الغربية - الخليجية عينها. الصدام الوحيد بين روسيا والغرب في خِضَم الربيع العربي، أما في سوريا فقد دعمت موسكو الأسد، وهو ما يفسر بسعيها للحفاظ على عقود التسلّح واستثمارات النفط والقاعدة البحرية في طرطوس، ولأنها تخشى أن تنتقل سوريا من كونها حليفًا لها إلى أن تكون حليفة لواشنطن (6).
ويمكن القول أن مرحلة ما بعد 30 يونيو خلقت نقطة للالتقاء الروسي - المصري - السعودي تتمثل في «الإخوان المسلمين»، إذ إن الثلاثي عازم على منع صعودهم مجددًا إلى السلطة. أما نقطة الاختلاف بين هذا الثلاثي، فهي إيران وسوريا، بالذات لدى المملكة العربية السعودية، علمًا أن مصر - «الإخوان» - كانت اتخذت موقفًا معارضًا للنظام في دمشق ولتدخّل روسيا في سوريا. أما مصر اليوم فإنها أقل وضوحًا وحدة في مواقفها من التطورات في سوريا، بل إن إجراءات الحكومة المصرية ضد اللاجئين أو النازحين المدنيين السوريين قاسية في كثير من الأحيان. ففي الأمر السوري، تختلف المواقف الروسية - السعودية - المصرية، مما يجعل التعاون الأمني بين الأطراف الثلاثة لافتًا للنظر ومحيّرًا في آن. بيد أن ما يثير الفضول أكثر هو أين تقع إيران في المسيرة الثلاثية، علمًا أن روسيا واضحة تمامًا في تحالفها الإستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي انحيازهما إلى مصلحة النظام في دمشق كما في علاقاتهما الأوسع وتموضع كل منهما إقليميًا ودوليًا. فالمحور الذي يضم موسكو وطهران ودمشق والذي يشمل أيضًا «حزب اللـه» أضحى محورا ثابتا لدى صانع قرار السياسة الخارجية الروسية بالذات في هذا المنعطف، ومن غير المتوقع أن تتخلى موسكو عن هذا المحور- لا سيما في شقه مع طهران- مهما كانت الإغراءات(7).
من هذه المنطلقات يمكن القول أن مصر مؤهلة لتكون بابًا لعودة روسيا إلى المنطقة ولتمتين النفوذ الروسي في أفريقيا. لاسيما وأن روسيا بحاجة إلى أن يكون لها دور في ما يدور من صراعات في المنطقة(8).
إن مصر مؤهلة لتكون بابًا لعودة روسيا إلى المنطقة ولتمتين النفوذ الروسي في أفريقيا. لاسيما وأن روسيا بحاجة إلى أن يكون لها دور في ما يدور من صراعات في المنطقة
3- المتغيرات الداخلية في البلدين
تؤشر قراءة خارطة المتغيرات الداخلية في كلا البلدين إلى أن التوجه نحو التعاون بين القاهرة وموسكو يأتي متناغما مع الاتجاه العام للأحداث في كل منهما، فعلى الجانب الروسي، يتوافق التقارب مع مصر مع "إستراتيجية الأمن القومي الروسية حتى عام 2020"، - والتي تدعو إلى تحويل "روسيا المُنبعثة" إلى دولة كبرى مجددًا وإلى أن تكون إحدى القوى الخمس الأكبر اقتصادًا في العالم(9).
أما على الجانب المصري، فيمكن بقدر كبير من الأريحية الدفع بأن مصر - قيادة وشعبًا - تبدو راضية عن الموقف الروسي من "ثورة 30 يونيو(10)، فالنظام السياسي الجديد بحاجة إلى حليف قوي يسانده على الساحة الدولية، وهو بحاجة إلى دولة عظمى يستورد منها ما يحتاجه من أسلحة وتسديد أثمانها على دفعات(11). كما أن النظام الحاكم في مصر في بداية المرحلة الانتقالية كان بحاجة لغطاء دولي لتأمين عملية التحول الديمقراطي في مصر، ودعم خارطة الطريق، ومع توتر العلاقات مع الولايات المتحدة وأوربا أضحى لا بد للقاهرة من اللجوء إلى طرف آخر (روسيا) للتخفيف من هذه الضغوط(12).
ثانيا: آفاق العلاقات بين القاهرة وموسكو بعد 30 يونيو
شهدت العلاقات المصرية الروسية زخما ملحوظا في أعقاب الموجة الثورية الثانية في 30 يونيو، ويمكن استعراض أبعاد وآفاق هذا الزخم على عدد من الصعيد على النحو التالي:
1- على الصعيد السياسي
تبلور الزخم على هذا الصعيد في تبادل الزيارات بين مسئولين رفيعي المستوى على الجانبين، كان من أهمها زيارة وزير الدفاع المصري -آنذاك- المشير عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية نبيل فهمي-آنذاك- إلى موسكو في بدايات عام 2014 استقبلهما الرئيس فلاديمير بوتين. من ناحية أخرى تمت المباحثات خلال هذه الزيارة من خلال صيغة "2+2" وهى صيغة رفيعة جدا لا يطبقها النظام الروسي إلا مع عدد من الدول الكبرى في العالم مثل اليابان وفرنسا، ولا تتعدى قائمة الدول التى تتمتع بتلك الصيغة سبع أو ثماني دول في العالم (13).
كما قام الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بزيارة روسيا منتصف أغسطس الماضي 2014، التقى خلالها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتوصلا لعدد من التفاهمات لتعزيز التعاون العسكري والتجاري والاستثماري بين البلدين(14).
فيما جاءت أحدث الحلقات في هذا السياق مع زيارة الرئيس الروسي بوتين للقاهرة في فبراير الحالي، والتي دشنت التفاهمات التي توصلت إليه البلدان في الآونة الأخيرة.
2- على الصعيد العسكري
يربط المراقبون بين التقارب المصري الروسي والتوتر الذي شاب العلاقات بين مصر والولايات المتحدة منذ 30 يونيو، وقد تجلى ذلك بشكل واضح على الصعيد العسكري، فقد كانت مصر تحصل على مساعدات عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة منذ توقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، بيد أن تلويح واشنطن المستمر بوقف هذه المساعدات دفع مصر إلى البحث عن مصادر أخرى وفتح آفاق جديدة للتعاون في هذا المجال، لا سيما مع روسيا التي تعد أنسب بديل لمصر لتنويع مصادر التسليح. وفي سبتمبر 2014، تم الإعلان عن صفقة وقّعت بالأحرف الأولى بين مصر وروسيا لتزويد الأولى بأسلحة دفاعية بقيمة 3.5 مليارات دولار، إذ أعلن مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري الكساندر فومين، إن روسيا ومصر وقعتا بالأحرف الأولى صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار(15).
وهذا ما تأكد خلال زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر، والتي شهدت توقيع صفقة أسلحة قيمتها 3 مليارات دولار وعقدا لإنشاء محطة طاقة نووية(16).
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن التعاون العسكري الروسي المصري قد تضمن أيضا إشارات إلى تصريحات نسبت لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حول رغبة بلاده إقامة قاعدة عسكرية في مصر، بيد أن الخارجية المصرية نفت ذلك تماما، مؤكدة أن الجانب الروسي "يحترم تمامًا السيادة المصرية وسياسة مصر القائمة على رفض فكرة القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، وأن التعاون بين البلدين يسير في إطار من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة(17).
تؤشر قراءة خارطة المتغيرات الداخلية في كلا البلدين إلى أن التوجه نحو التعاون بين القاهرة وموسكو يأتي متناغما مع الاتجاه العام للأحداث في كل منهما، فعلى الجانب الروسي، يتوافق التقارب مع مصر مع "إستراتيجية الأمن القومي الروسية حتى عام 2020"، - والتي تدعو إلى تحويل "روسيا المُنبعثة" إلى دولة كبرى مجددًا وإلى أن تكون إحدى القوى الخمس الأكبر اقتصادًا في العالم(9).
أما على الجانب المصري، فيمكن بقدر كبير من الأريحية الدفع بأن مصر - قيادة وشعبًا - تبدو راضية عن الموقف الروسي من "ثورة 30 يونيو(10)، فالنظام السياسي الجديد بحاجة إلى حليف قوي يسانده على الساحة الدولية، وهو بحاجة إلى دولة عظمى يستورد منها ما يحتاجه من أسلحة وتسديد أثمانها على دفعات(11). كما أن النظام الحاكم في مصر في بداية المرحلة الانتقالية كان بحاجة لغطاء دولي لتأمين عملية التحول الديمقراطي في مصر، ودعم خارطة الطريق، ومع توتر العلاقات مع الولايات المتحدة وأوربا أضحى لا بد للقاهرة من اللجوء إلى طرف آخر (روسيا) للتخفيف من هذه الضغوط(12).
ثانيا: آفاق العلاقات بين القاهرة وموسكو بعد 30 يونيو
شهدت العلاقات المصرية الروسية زخما ملحوظا في أعقاب الموجة الثورية الثانية في 30 يونيو، ويمكن استعراض أبعاد وآفاق هذا الزخم على عدد من الصعيد على النحو التالي:
1- على الصعيد السياسي
تبلور الزخم على هذا الصعيد في تبادل الزيارات بين مسئولين رفيعي المستوى على الجانبين، كان من أهمها زيارة وزير الدفاع المصري -آنذاك- المشير عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية نبيل فهمي-آنذاك- إلى موسكو في بدايات عام 2014 استقبلهما الرئيس فلاديمير بوتين. من ناحية أخرى تمت المباحثات خلال هذه الزيارة من خلال صيغة "2+2" وهى صيغة رفيعة جدا لا يطبقها النظام الروسي إلا مع عدد من الدول الكبرى في العالم مثل اليابان وفرنسا، ولا تتعدى قائمة الدول التى تتمتع بتلك الصيغة سبع أو ثماني دول في العالم (13).
كما قام الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بزيارة روسيا منتصف أغسطس الماضي 2014، التقى خلالها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتوصلا لعدد من التفاهمات لتعزيز التعاون العسكري والتجاري والاستثماري بين البلدين(14).
فيما جاءت أحدث الحلقات في هذا السياق مع زيارة الرئيس الروسي بوتين للقاهرة في فبراير الحالي، والتي دشنت التفاهمات التي توصلت إليه البلدان في الآونة الأخيرة.
2- على الصعيد العسكري
يربط المراقبون بين التقارب المصري الروسي والتوتر الذي شاب العلاقات بين مصر والولايات المتحدة منذ 30 يونيو، وقد تجلى ذلك بشكل واضح على الصعيد العسكري، فقد كانت مصر تحصل على مساعدات عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة منذ توقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، بيد أن تلويح واشنطن المستمر بوقف هذه المساعدات دفع مصر إلى البحث عن مصادر أخرى وفتح آفاق جديدة للتعاون في هذا المجال، لا سيما مع روسيا التي تعد أنسب بديل لمصر لتنويع مصادر التسليح. وفي سبتمبر 2014، تم الإعلان عن صفقة وقّعت بالأحرف الأولى بين مصر وروسيا لتزويد الأولى بأسلحة دفاعية بقيمة 3.5 مليارات دولار، إذ أعلن مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري الكساندر فومين، إن روسيا ومصر وقعتا بالأحرف الأولى صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار(15).
وهذا ما تأكد خلال زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر، والتي شهدت توقيع صفقة أسلحة قيمتها 3 مليارات دولار وعقدا لإنشاء محطة طاقة نووية(16).
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن التعاون العسكري الروسي المصري قد تضمن أيضا إشارات إلى تصريحات نسبت لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حول رغبة بلاده إقامة قاعدة عسكرية في مصر، بيد أن الخارجية المصرية نفت ذلك تماما، مؤكدة أن الجانب الروسي "يحترم تمامًا السيادة المصرية وسياسة مصر القائمة على رفض فكرة القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، وأن التعاون بين البلدين يسير في إطار من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة(17).
لا بد من إدراك أن روسيا في علاقاتها مع مصر لن تكون الاتحاد السوفيتي، فهي ليست مؤدلجة بالشيوعية، بل دولة تبحث عن مصالح وأسواق وعن دور تلعبه في الفضاء الدولي
3- على الصعيد الاقتصادي
تكرر تأكيد الجانبان ـ المصري والروسي ـ في أعقاب 30 يونيو على وجود آفاق واعدة للتعاون بينهما في مشاريع ضخمة، كما أبدت روسيا استعدادها لصيانة المصانع المصرية التي سبق أن أسهم الروس في إنشائها في مصر، وبحث تمويل خطي المترو الجديدين، ومناقشة إنشاء صوامع روسية لتخزين القمح في مصر. أما في مجال التبادل التجاري فتجدر الإشارة إلى أن مصر لها ميزات تنافسية في التبادل التجاري مع روسيا سواء في صادرات الخضر والفاكهة وغيرهما، ورغم ذلك أقول لدينا إمكانات أكبر بكثير وخلال الأعوام القادمة ستتحسن هياكل الصادرات المصرية إلى روسيا في ظل المساعي المصرية للوصول إلى المواصفات القياسية العالمية. كما أن مصر لديها صناعات دخلت الأسواق الروسية مثل السجاد والسيراميك(18).
من ناحية أخرى، تكرر تأكيد الجانبان ضرورة تفعيل آليات التعاون بينهما لاسيما فيما يتعلق باستعادة مصر لمكانتها السياحية بالنسبة للسياح الروس، فأعلنت وزارة السياحة المصرية أن الوزارة تستهدف جذب نحو 2.8 مليون سائح روسي سنويا، عبر السعي إلى الاستحواذ علي أكبر نسبة من السائحين الروس، الذين قد يغيرون وجهاتهم السياحية بعيدًا من أوربا خلال الفترة الحالية، على خلفية توتر العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، جراء أزمة شبه جزيرة القرم الأوكرانية(19).
كما تم استئناف المشاورات الخاصة ببدء مفاوضات توقيع اتفاق تجارة حرة بين مصر ودول الاتحاد الجمركي الأورآسـيوي والذي يضم كلا من روسيا الاتحـادية وكازاخستان وروسيـا البيضـاء (بيلاروسيا) وذلك بعد توقف دام ثلاث سنوات. كما جرت فاعليات الدورة التاسعة للجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني، والتي عقدت على مدى 3 أيام بالعاصمة الروسية، خلال شهر مارس (2014). وفي ختام هذا الاجتماع تم توقيع بروتوكول تعاون في مجالات التجارة، الصناع، الاستثمار، النقل، البنوك، الاتصالات، الزراعة، الجمارك، الري، البنية التحتية، البيئة، البترول، النقل(20).
على صعيد متصل يبدو أن هناك تعاونا بين البلدين في مجالات الطاقة غير التقليدية؛ إذ اتفقت مصر في أبريل الماضي مع روسيا على توريد احتياجات هيئة الطاقة الذرية من الوقود لتشغيل المفاعل النووي البحثي المصري الثاني، في ظل سعي مصر لتأمين الوقود النووي اللازم لأغراض البحوث، كما تم الاتفاق مع روسيا من خلال بروتوكول تعاون على تحديث وتطوير المفاعل النووي البحثي المصري الأول الذي كانت روسيا قد قامت بتصنيعه في نهاية الخمسينيات(21). كما أعلن مجلس الوزراء في أبريل الماضي أيضا، عن إطلاق قمرًا صناعيًا جديدًا لأغراض التنمية من قاعدة باكي نور الروسية بكازاخستان(22).
تجدر الإشارة إلى أن زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر شهدت تركيزا على الأبعاد الاقتصادية، لا سيما وأن الرئيسين ـ المصري والروسي ـ استعرضا إعدادات مصر للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ والتطلع لوجود مشاركة روسية فاعلة، وهو ما أكد عليه الرئيس الروسي، واتفقا كذلك على دفع العلاقات الاستثمارية وإقامة منطقة صناعية روسية في شمال عتاقة على محور قناة السويس. كم تم التوقيع علي مذكرات تفاهم لإقامة منطقة نووية في الضبعة، وأيضا في مجالات الاستثمار والغاز (23).
ثالثا- رؤيـــــة استشرافية
يمكن التوقف أمام عدد من الملاحظات التي قد تكون معينا في فك تشابكات العلاقات المصرية الروسية في المستقبل المنظور. فمن ناحية أولى، لا تزال الأوضاع الإقليمية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة غير مستقرة، ومن ثم فإن التغيرات الحادثة في المنطقة العربية بكاملها - وعلى رأسها الأحداث في سوريا- سوف تخرج بمتغيرات جديدة يعاد معها رسم خارطة الشرق الأوسط وخارطة التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية طالما كانت الساحة العربية مسرحًا للقوى الكبرى الدولية ومحددة لأطراف معادلة النظام الدولي، ومن دون شك ستتغير معه الحسابات الروسية في سياستها الخارجية الرامية إلى دور أساسي في معادلة التوازنات الكبرى.
من ناحية أخرى لا بد من إدراك أن روسيا في علاقاتها مع مصر لن تكون الاتحاد السوفيتي، فهي ليست مؤدلجة بالشيوعية، بل دولة تبحث عن مصالح وأسواق وعن دور تلعبه في الفضاء الدولي، يحاكي دور الاتحاد السوفيتي لكن بطريقة مختلفة، أي لن تكون هناك حرب باردة بل سيكون هناك مشاكسة سياسية ودبلوماسية، تساندها قوة اقتصادية فاعلة وانفتاح سياسي على الدول المحورية، ومن ضمنها مصر من دون شروط مسبقة وتسهيل لصفقات عسكرية وسياسية تتم من دون استفزاز للولايات المتحدة الأمريكية، والدليل على التفاهم والتناغم هو الأزمة الكورية والحد من تطوراتها، وكذلك حل مشكلة الكيماوي السوري(24).
من ناحية ثالثة، لا يجب إغفال علاقات روسيا بالقوى الإقليمية الأخرى التي يمكن تصنيفها كمنافسين لمصر. فروسيا هي الحليف الأول لإيران - أحد أهم الأقطاب في موازين القوى الإقليمية. بل هناك اليوم تقاطع أمريكي - إسرائيلي - روسي - إيراني جديد آخذ في التبلور وهو ما يجب على الأطراف العربية مراعاته إذا كانت تفكر حقًا باستعادة موقع عربي في موازين القوى الإقليمية(25).
وفي السياق ذاته لا يمكن إغفال علاقات روسيا بإسرائيل بما تحويه من ملايين الأسر الروسية، والمهاجرين إلى إسرائيل من أصول روسية وسوفيتية، وبالنظر إلى المواقف الروسية من إسرائيل فهي لا تعمل على عزل إسرائيل من صورة الشرق الأوسط خاصة وأن هناك تعاونًا في قضايا الإرهاب الدولي(26).
أخيرا، يمكن بقدر كبير من الثقة القول بأن مصر مؤهلة لاستعادة وزنها الإقليمي، بيد أن الأمر يتطلب التنسيق بين القاهرة والقوى العربية ذات المصالح المشتركة (لاسيما السعودية والإمارات)، بحيث يقوم ذلك التنسيق على تصوّر ورؤية بعيدة المدى للعلاقات مع العملاقين الأميركي والروسي، بعيدا عن الإجراءات المرحلية التي يتم اتخذها كردود أفعال.
مدرس العلوم السياسية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
قائمة المراجع:
1. آية الزيات، "الإندبندنت: مصر تخطط لإعادة موازنة سياستها الخارجية"، البديل، 15 نوفمبر 2013.
2. المرجع السابق.
3. - راغدة درغام، "تقاطع أمريكي - إسرائيلي - روسي - إيراني جديد"، الحياة اللندنية ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٣.
4. - غادة غالب، "مجلة أمريكية: صفقة السلاح بين مصر وروسيا إشارة نصر «للدكتاتور» الروسي"، المصري اليوم ، 18-12-2013 .
5. - علي العنزي، "مصر بيضة القبان!"، الحياة اللندنية، ٢٣ نوفمبر٢٠١٣ .
6. - سعد محيو، "روسيا والربيع العربي: ارتباك وحيرة.. وبراجماتية!"، - swissinfo.ch، 30 سبتمبر 2012.
7. راغدة درغام، المرجع السابق.
8. د. فايز رشيد، . فايز رشيد، "مصر… روسيا… هل يعود التحالف؟"، صحيفة القدس العربي، 19 فبراير .2014
9. سعد محيو، المرجع السابق .
10. ريما ميتا، "روسيا تستعيد مكانتها في مصر"، صحيفة "السفير" اللبنانية، 13 نوفمبر 2013.
11. د. فايز رشيد، " المرجع السابق.
12. زيارة السيسي إلى روسيا بين المناورة والتحول الإستراتيجي في علاقات مصر، وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، 13 فبراير 2014.
13. - عبد اللطيف وهبة، "د.محمد البدري سفير مصر فى روسيا لـ”الأهالي” : علاقة مصر وروسيا لا تمر عبر واشنطن"، الأهالي، 1أبريل 2014.
14. محمود غريب، وزيرا خارجية مصر وروسيا يحضران لزيارة بوتين للقاهرة،، http://www.eremnews.com/?sect=2 ، 2014-12-03
15. صفقة دفاعية بين مصر وروسيا بـ 3.5 مليار دولار، البيان، 18 سبتمبر 2014
16. http://www.dotmsr.com/topic/664
17. - مصر: روسيا تدرك رفضنا لقواعد عسكرية أجنبية cnn ، 14 ديسمبر 2013، http://arabic.cnn.com/
18. عبد اللطيف وهبة، المرجع السابق.
19. - مصر تستهدف جذب 2.8 مليون سائح روسي إلى مصر خلال العام الحالي، الحياة،١٣ مارس ٢٠١٤.
20. - محمد سليمان، "مصر وروسيا توقعان اتفاقيات تعاون في 11 مجال اقتصادي"، موقع مصراوي،26-3-2014.
21. - روسيا تزود مصر بالوقود النووي لمفاعلها البحثي الثاني.. وتوافق على تحديث "الأول"، بوابة الأهرام،7-4-2014 .
22. "مصر تطلق قمرا صناعيا من قاعدة روسية بكازاخستان"، الشروق، 14 أبريل 2014.
23. http://www.egynews.net/%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%81%D9%89-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A/
24. علي العنزي، المرجع السابق.
25. راغدة درغام، المرجع السابق.
26. راندا موسى، "العلاقات العربية – الروسية ما بعد الربيع العربي" مجلة رؤية تركية، ربيع 2013.
تكرر تأكيد الجانبان ـ المصري والروسي ـ في أعقاب 30 يونيو على وجود آفاق واعدة للتعاون بينهما في مشاريع ضخمة، كما أبدت روسيا استعدادها لصيانة المصانع المصرية التي سبق أن أسهم الروس في إنشائها في مصر، وبحث تمويل خطي المترو الجديدين، ومناقشة إنشاء صوامع روسية لتخزين القمح في مصر. أما في مجال التبادل التجاري فتجدر الإشارة إلى أن مصر لها ميزات تنافسية في التبادل التجاري مع روسيا سواء في صادرات الخضر والفاكهة وغيرهما، ورغم ذلك أقول لدينا إمكانات أكبر بكثير وخلال الأعوام القادمة ستتحسن هياكل الصادرات المصرية إلى روسيا في ظل المساعي المصرية للوصول إلى المواصفات القياسية العالمية. كما أن مصر لديها صناعات دخلت الأسواق الروسية مثل السجاد والسيراميك(18).
من ناحية أخرى، تكرر تأكيد الجانبان ضرورة تفعيل آليات التعاون بينهما لاسيما فيما يتعلق باستعادة مصر لمكانتها السياحية بالنسبة للسياح الروس، فأعلنت وزارة السياحة المصرية أن الوزارة تستهدف جذب نحو 2.8 مليون سائح روسي سنويا، عبر السعي إلى الاستحواذ علي أكبر نسبة من السائحين الروس، الذين قد يغيرون وجهاتهم السياحية بعيدًا من أوربا خلال الفترة الحالية، على خلفية توتر العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، جراء أزمة شبه جزيرة القرم الأوكرانية(19).
كما تم استئناف المشاورات الخاصة ببدء مفاوضات توقيع اتفاق تجارة حرة بين مصر ودول الاتحاد الجمركي الأورآسـيوي والذي يضم كلا من روسيا الاتحـادية وكازاخستان وروسيـا البيضـاء (بيلاروسيا) وذلك بعد توقف دام ثلاث سنوات. كما جرت فاعليات الدورة التاسعة للجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني، والتي عقدت على مدى 3 أيام بالعاصمة الروسية، خلال شهر مارس (2014). وفي ختام هذا الاجتماع تم توقيع بروتوكول تعاون في مجالات التجارة، الصناع، الاستثمار، النقل، البنوك، الاتصالات، الزراعة، الجمارك، الري، البنية التحتية، البيئة، البترول، النقل(20).
على صعيد متصل يبدو أن هناك تعاونا بين البلدين في مجالات الطاقة غير التقليدية؛ إذ اتفقت مصر في أبريل الماضي مع روسيا على توريد احتياجات هيئة الطاقة الذرية من الوقود لتشغيل المفاعل النووي البحثي المصري الثاني، في ظل سعي مصر لتأمين الوقود النووي اللازم لأغراض البحوث، كما تم الاتفاق مع روسيا من خلال بروتوكول تعاون على تحديث وتطوير المفاعل النووي البحثي المصري الأول الذي كانت روسيا قد قامت بتصنيعه في نهاية الخمسينيات(21). كما أعلن مجلس الوزراء في أبريل الماضي أيضا، عن إطلاق قمرًا صناعيًا جديدًا لأغراض التنمية من قاعدة باكي نور الروسية بكازاخستان(22).
تجدر الإشارة إلى أن زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر شهدت تركيزا على الأبعاد الاقتصادية، لا سيما وأن الرئيسين ـ المصري والروسي ـ استعرضا إعدادات مصر للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ والتطلع لوجود مشاركة روسية فاعلة، وهو ما أكد عليه الرئيس الروسي، واتفقا كذلك على دفع العلاقات الاستثمارية وإقامة منطقة صناعية روسية في شمال عتاقة على محور قناة السويس. كم تم التوقيع علي مذكرات تفاهم لإقامة منطقة نووية في الضبعة، وأيضا في مجالات الاستثمار والغاز (23).
ثالثا- رؤيـــــة استشرافية
يمكن التوقف أمام عدد من الملاحظات التي قد تكون معينا في فك تشابكات العلاقات المصرية الروسية في المستقبل المنظور. فمن ناحية أولى، لا تزال الأوضاع الإقليمية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة غير مستقرة، ومن ثم فإن التغيرات الحادثة في المنطقة العربية بكاملها - وعلى رأسها الأحداث في سوريا- سوف تخرج بمتغيرات جديدة يعاد معها رسم خارطة الشرق الأوسط وخارطة التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية طالما كانت الساحة العربية مسرحًا للقوى الكبرى الدولية ومحددة لأطراف معادلة النظام الدولي، ومن دون شك ستتغير معه الحسابات الروسية في سياستها الخارجية الرامية إلى دور أساسي في معادلة التوازنات الكبرى.
من ناحية أخرى لا بد من إدراك أن روسيا في علاقاتها مع مصر لن تكون الاتحاد السوفيتي، فهي ليست مؤدلجة بالشيوعية، بل دولة تبحث عن مصالح وأسواق وعن دور تلعبه في الفضاء الدولي، يحاكي دور الاتحاد السوفيتي لكن بطريقة مختلفة، أي لن تكون هناك حرب باردة بل سيكون هناك مشاكسة سياسية ودبلوماسية، تساندها قوة اقتصادية فاعلة وانفتاح سياسي على الدول المحورية، ومن ضمنها مصر من دون شروط مسبقة وتسهيل لصفقات عسكرية وسياسية تتم من دون استفزاز للولايات المتحدة الأمريكية، والدليل على التفاهم والتناغم هو الأزمة الكورية والحد من تطوراتها، وكذلك حل مشكلة الكيماوي السوري(24).
من ناحية ثالثة، لا يجب إغفال علاقات روسيا بالقوى الإقليمية الأخرى التي يمكن تصنيفها كمنافسين لمصر. فروسيا هي الحليف الأول لإيران - أحد أهم الأقطاب في موازين القوى الإقليمية. بل هناك اليوم تقاطع أمريكي - إسرائيلي - روسي - إيراني جديد آخذ في التبلور وهو ما يجب على الأطراف العربية مراعاته إذا كانت تفكر حقًا باستعادة موقع عربي في موازين القوى الإقليمية(25).
وفي السياق ذاته لا يمكن إغفال علاقات روسيا بإسرائيل بما تحويه من ملايين الأسر الروسية، والمهاجرين إلى إسرائيل من أصول روسية وسوفيتية، وبالنظر إلى المواقف الروسية من إسرائيل فهي لا تعمل على عزل إسرائيل من صورة الشرق الأوسط خاصة وأن هناك تعاونًا في قضايا الإرهاب الدولي(26).
أخيرا، يمكن بقدر كبير من الثقة القول بأن مصر مؤهلة لاستعادة وزنها الإقليمي، بيد أن الأمر يتطلب التنسيق بين القاهرة والقوى العربية ذات المصالح المشتركة (لاسيما السعودية والإمارات)، بحيث يقوم ذلك التنسيق على تصوّر ورؤية بعيدة المدى للعلاقات مع العملاقين الأميركي والروسي، بعيدا عن الإجراءات المرحلية التي يتم اتخذها كردود أفعال.
مدرس العلوم السياسية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
قائمة المراجع:
1. آية الزيات، "الإندبندنت: مصر تخطط لإعادة موازنة سياستها الخارجية"، البديل، 15 نوفمبر 2013.
2. المرجع السابق.
3. - راغدة درغام، "تقاطع أمريكي - إسرائيلي - روسي - إيراني جديد"، الحياة اللندنية ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٣.
4. - غادة غالب، "مجلة أمريكية: صفقة السلاح بين مصر وروسيا إشارة نصر «للدكتاتور» الروسي"، المصري اليوم ، 18-12-2013 .
5. - علي العنزي، "مصر بيضة القبان!"، الحياة اللندنية، ٢٣ نوفمبر٢٠١٣ .
6. - سعد محيو، "روسيا والربيع العربي: ارتباك وحيرة.. وبراجماتية!"، - swissinfo.ch، 30 سبتمبر 2012.
7. راغدة درغام، المرجع السابق.
8. د. فايز رشيد، . فايز رشيد، "مصر… روسيا… هل يعود التحالف؟"، صحيفة القدس العربي، 19 فبراير .2014
9. سعد محيو، المرجع السابق .
10. ريما ميتا، "روسيا تستعيد مكانتها في مصر"، صحيفة "السفير" اللبنانية، 13 نوفمبر 2013.
11. د. فايز رشيد، " المرجع السابق.
12. زيارة السيسي إلى روسيا بين المناورة والتحول الإستراتيجي في علاقات مصر، وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، 13 فبراير 2014.
13. - عبد اللطيف وهبة، "د.محمد البدري سفير مصر فى روسيا لـ”الأهالي” : علاقة مصر وروسيا لا تمر عبر واشنطن"، الأهالي، 1أبريل 2014.
14. محمود غريب، وزيرا خارجية مصر وروسيا يحضران لزيارة بوتين للقاهرة،، http://www.eremnews.com/?sect=2 ، 2014-12-03
15. صفقة دفاعية بين مصر وروسيا بـ 3.5 مليار دولار، البيان، 18 سبتمبر 2014
16. http://www.dotmsr.com/topic/664
17. - مصر: روسيا تدرك رفضنا لقواعد عسكرية أجنبية cnn ، 14 ديسمبر 2013، http://arabic.cnn.com/
18. عبد اللطيف وهبة، المرجع السابق.
19. - مصر تستهدف جذب 2.8 مليون سائح روسي إلى مصر خلال العام الحالي، الحياة،١٣ مارس ٢٠١٤.
20. - محمد سليمان، "مصر وروسيا توقعان اتفاقيات تعاون في 11 مجال اقتصادي"، موقع مصراوي،26-3-2014.
21. - روسيا تزود مصر بالوقود النووي لمفاعلها البحثي الثاني.. وتوافق على تحديث "الأول"، بوابة الأهرام،7-4-2014 .
22. "مصر تطلق قمرا صناعيا من قاعدة روسية بكازاخستان"، الشروق، 14 أبريل 2014.
23. http://www.egynews.net/%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%81%D9%89-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A/
24. علي العنزي، المرجع السابق.
25. راغدة درغام، المرجع السابق.
26. راندا موسى، "العلاقات العربية – الروسية ما بعد الربيع العربي" مجلة رؤية تركية، ربيع 2013.