سبقنى ابن الخارجية السابق الصديق جميل مطر إلى الدعوة إلى جهد منظم وجاد حول سياسة مصر الخارجية. هدف هذا المقال هو دفع هذه الفكرة التى جاءت فى وقتها شوطا أبعد، مع التركيز على النواحى الإجرائية العملية.
إذا كان هناك ـ كما أتمنى لجنة متخصصة للإعداد للمؤتمر الاقتصادي، فليكن هناك أيضا لجنة متخصصة أو ورشة عمل عن سياسة مصر الخارجية، فهى لا تقل أهمية عن الاقتصاد، بل قد تكون فى وضع مصر الحالى أحد وأهم مرتكزات نجاح هذا الاقتصاد. مصر تعتمد حاليا على الخارج: مساعدات دول، ما يبعثه المهاجرون إلى ذويهم، بل تبذل كل جهد لجذب الاستثمارات الأجنبية، ثم ماذا لو نجحت إثيوبيا فى سد النهضة وتهديد حياة بعض المدن المصرية بخطر التوقف عن المعيشة؟ فلن يكون ـ حاشا الله ـ هناك فى هذه الحالة اقتصاد لتطويره، السؤال المهم إذن هو نظرة كلية لأحوال هذا البلد دون الاقتصار على قطاع واحد أو منفرد، أى كيف نجعل قطاع السياسة الخارجية المصرية مثلا استثمارا وليس استنزافا لأحوال مصر، فى التسعينيات تكلم الراحل د.عبدالمجيد فراج ـ مدير معهد الاحصاء بجامعة القاهرة عن سياسة خارجية للتنمية، وما أحوجنا للعودة للتركيز على هذا التوجه ودراسة كيفية تنفيذه عن طريق برنامج عمل وأجندة محددة، وقد يكون موضوع «سياسة الخارجية» من أجل تنمية مصر هو أساس «ورشة عمل» تجهز لمؤتمر عام عن سياسة مصر اخارجية، ونستطيع فى هذه الحالة أن نبنى ونقيم ما قامت به مؤتمرات سابقة عن الموضوع فى هذا الصدد.
مثلا منذ أقل من شهر احتفل المجلس المصرى للشئون الخارجية بالعيد الخامس عشر لانشائه، ولكن أحسن المنظمون بعدم اقتصار هذه المناسبة على الاحتفالية بل اختاروا مناقشة »مصر والعالم.. مرحلة جديدة« كان الحضور مكثفا من ممارسى الدبلوماسية، إعلاميين وحتى بعض الأكاديميين من أعضاء المجلس، بل شهد اليوم الثانى من المؤتمر حضور أكثر من خمسين عضوا من وفد شعبى اثيوبى لمناقشات المؤتمر التى ضم أيضا عددا كبيرا من الضيوف الأجانب.
قبل ذلك بشهور قام الوزير النابة ـ نبيل فهمى أثناء توليه وزارة الخارجية بتكوين ورشة عمل من دبلوماسيين، وإعلاميين وأكاديميين اجتمعت عدة مرات، وناقشت أوراق عمل عن السياسة المصرية فى الفترة الحاضرة، وكيفية مواجهة التحديات المتزايدة فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة والربيع العربي، بل هناك تقرير نهائى قام باعداده أحد شباب وزارة الخارجية عن أعمال ورشة العمل هذه.
بل إن الرئيس المعزول ـ محمد مرسى ترأس ورشة عمل عن السياسة الخارجية المصرية فى الاتحادية، ومن الملاحظ أن المشاركين كانوا من تخصصات وتوجهات عدة، بمن فيهم دبلوماسى الخارجية بالطبع ووزيرها محمد كامل عمرو، ولكن أيضا بعض أعضاء المجلس العسكرى السابق، وقد يكون تنوع الكفاءات العامل الأساسى فى قوة المناقشات التى تعدت بكثير خطاب مرسى الافتتاحى الذى عكس سذاجة شديدة عن هيكل النظام العالمى الحالى وطريقة عمله، بمعنى أوضح السياسة الخارجية هى ليست «همبكة» أو فكرة هنا وهناك، ولكنها علم يقوم على التخطيط والتدبير وتوظيف المعلومات المتاحة فى إطار عالمى عام خارج سيطرة متخذ القرار، والذى يجب أن يعرف فى هذه الحالة كيفية التكيف مع »حالة عدم اليقين« والسيولة الفائقة التى يتميز بها النظام العالمى المزدحم بالدول ونواياها المتعددة، ولكن أيضا بمنظمات دولية واقليمية وغيرها من الفاعلين الدوليين، كما نرى مع تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش كما حدث فى فرنسا وانحاء أوروبا، السياسة الخارجية هى فعلا خليط من الفن والعلم، ولكن عنصر العلم يزداد حاليا أكثر وأكثر.
تحديدا تنظيم ورشة العمل هذه:
1 ـ تقتصر على عدد محدود ما بين 18و 20 مشاركا
2 ـ أن يكون المشاركون من تخصصات مختلفة بمن فيهم رجال الأعمال وعسكريون من أجهزة منوط بها مباشرة السياسية الخارجية.
3 ـ بالرغم من أن أساس الاختيار للمشاركة هو الكفاءة يجيء فى المرتبة الثانية التوازن بين الأجيال مع تشجيع شباب المشاركين على ابداء الرأي، ويا حبذا لو قام هؤلاء الشباب والشابات بتقديم أوراق عمل قصيرة لكل جلسة.
4 ـ أن تقوم ورشة العمل بجرد ما تم عمله من مؤتمرات وورش عمل السياسة الخارجية المصرية، وتقييمها سلبا وايجابا، بمعنى ألا تكرر ورش العمل التى تمت سابقا، ولكن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، مع تعدى »الفكر« لتقديم كشف حساب المكسب والخسارة فى تحركات السياسة الخارجية.
قد تأتى المبادرة فى تنظيم ورشة العمل هذه من الوزيرة فايزة أبوالنجا، فهى ابنة الخارجية وحاليا مستشارة الأمن القومي، وبالتالى حلقة وصل فعالة للتنسيق بين الأجهزة المختلفة، بالإضافة إلى تجربتها فى أروقة الأمم المتحدة حتى قبل العمل مع د.بطرس غالي، إذا تعذر ذلك تكون ورشة العمل هذه من مسئولية أحد مراكز الأبحاث أو بنوك الفكر مثل مركز الدراسات بالأهرام أو المركز الاقليمى للدراسات الاستراتيجية. نقلا عن الأهرام