المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

السيسي - أردوغان - روحاني.. الصراع على "رقعة شطرنج"

الثلاثاء 11/فبراير/2014 - 03:00 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عبد القادر خليل*
ترتبط عملية التحول الديمقراطي والتطور الاقتصادي والتنمية السياسية بالعديد من دول العالم الثالث في غالب الأحيان بمحورية الزعيم أو القائد الذي يستطيع أن يعبأ الطاقات ويشحذ الهمم ويتحمل التحديات ويوجهها، ويبدو أن ثلاث دول شرق أوسطية تشهد هذه العملية وفق أطر مرحلية وزمنية وهيكلية متباينة، حيث تركيا التي شهدت بدايات هذه المرحلة منذ نوفمبر 2002 مع حكم رجب طيب أردوغان، لتحظى بتطورات اقتصادية ضخمة جعلت منها واحدة من دول العالم الصاعدة، وإيران مع حسن روحاني الذي وصل إلى السلطة في يونيو 2013، واستطاع أن يجرى عدداً من التحولات المركزية في علاقات إيران الخارجية، ومصر بعد انتهاء فترة حكم الإخوان وصعود نجم المشير عبد الفتاح السيسي، كمرشح أبرز لقيادة مصر خلال السنوات الأربع القادمة. 
وبينما تواجه هذه الدول تحديات مختلفة فثمة غموض نسبي يتعلق بمستقبل الأدوار الإقليمية لهذه الدول، غير أن هذا لا ينفي أن الأدوار الرئيسية التي أضطلع بها القادة الثلاث في تجاوز عثرات عدم الاستقرار السياسي والتدهور الأمني وبناء نمط من التحالفات الإقليمية يسمح بتحقيق المصالح الوطنية، لا يمكن إغفاله، وإن تحقق ذلك بنسب متفاوتة، وبدا من المبكر الحكم على التجارب الثلاث، فالمحصلة أن سياقات سياسية واجتماعية أفرزت قيادات جديدة قطعت الصلة نسبياً بالأوضاع السائدة قبل وصولها للسلطة أو قبل بزوغ وهجها السياسي والشعبي، لتصوغ معادلة سياسية جديدة يلعب فيها القائد الدور المؤسس لنمط مستجد من التفاعلات السياسية محلياً والتوجهات والمبادرات خارجياً. 
غير أن السؤال المركزي، في حالة كهذه، يرتبط من ناحية بأثر المتغير القيادي على مستقبل الاستقرار السياسي داخلياً، وعلى الأدوار الإقليمية للدول الثلاث ونمط التلاقي والتعارض بين المشروعات المختلفة لهذه الدول، خصوصاً أن شرعية كل قائد في هذه الدول ترتبط بصورة أساسية بالقدرة على نسج خيوط تشابك وبناء تحالفات، قد تبدو متعارضة مع توجهات الدول الأخرى، وهو ما قد يطرح في أحد سيناريوهاته ارتفاع حدة الصراع على مسرح عمليات الشرق الأوسط، أو بالأحرى على "رقعة الشطرنج" التي تتحرك قواها الإقليمية والدولية تحركات مستجدة وطارئة تستهدف تعزيز مصالحها أو حماية المتحقق منها.
سياقات مختلفة:
صعود القادة الثلاث جاء مختلفاً في كل حالة عن الأخرى، فقد ارتبط الصعود السياسي للمشير السيسي، ودعوة الكثيرين من النخب وقطاعات شعبية له بخوض غمار الاستحقاق الرئاسي، بانحيازه إلى الإرادة الشعبية والوطنية في مواجهة السلطة القائمة بالترافق مع تبني خطاب سياسي يركز على البعد القومي والعربي لمصر، ويدفع بإطروحات مغايرة حول محورية العمل من أجل تحقيق التنمية سياسياً والنهوض اقتصادياً لتفادي سنوات العجز والضعف التي أفضت إلى الاعتماد على المعونات الخارجية وإصلاح الخلل الهيكلي في الاقتصاد المصري، عبر "تلميحات" وتصريحات بشأن إعادة النظر في استغلال الموارد وتعبئة الطاقات وطرح مقاربات متكاملة تعوض ما فات في حقب زمنية تراجعت فيها الهمم وقلت فيها معدلات الإنجاز، بما أثر سلباً على الأدوار الخارجية للدولة.
في المقابل من ذلك فإن حسن روحاني في إيران يأتي من خلفية متقاربة، نسبياً، مع الفريق السيسي، نظراً إلى الأدوار العسكرية التي أضطلع بها كونه  لعب دوراً ملموساً في إعادة تنظيم الجيش الإيراني وقواعده العسكرية عقب الحرب مع العراق، وانتقل في مناصب عسكرية عدة من بينها قيادة قوات الدفاع الجوي خلال الحرب العراقية – الإيرانية. وبينما أدى المشير السيسي أدواراً سياسة معينة كونه كان أصغر أعضاء المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، فإن روحاني أدى أدوراً سياسية مباشرة من خلال عضويته في مجلس الشورى الإسلامي لخمس دورات متتالية وعبر شغله لمنصب سكرتير مجلس الأمن القومي لمدة 16 عاماً. 
ويمثل صعود روحاني إلى السلطة فوزاً كبيراً للتيار الإصلاحي في مواجهة التيار المحافظ، غير أنه يتميز بعلاقاته الوثيقة مع العديد من رموز هذا التيار، ليطرح من نفسه شخصية وسطية معتدلة تحاول أن تمثل فكرة "ما بعد الأجنحة" في طهران، ويسعى إلى تحقيق إصلاح اقتصادي وتحسين سجل إيران فيما يخص قضايا حقوق الإنسان من خلال الإفراج عن رموز "الحركة الخضراء" والعديد من السجناء السياسيين، فضلاً عن إعادة فتح نقابة الصحفيين. 
هذا فيما تعد تجربة أردوغان في تركيا ليست في بدايتها ولكنها في مرحلتها الأصعب، ذلك أنها قامت على فكرة مركزية تتشابه مع الحالة الإيرانية السائدة من خلال الترويج لأفكار تتعلق بتعزيز الحريات العامة وتجاوز العثرات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار السياسي، غير أنها، على جانب آخر، باتت تواجه إشكاليات كبرى تتعلق بالرغبة في الاستئثار بالسلطة و"الانقلاب" على الصيغة التي ضمنت له البقاء في الحكم على مدى اثني عشر عاماً متتالية، وذلك بعد تفاقم الصراع مع حركة "الخدمة" وزعيمها الشيخ محمد فتح الله كولن، فضلاً عن تفجر العديد من ملفات الفساد التي ترتبط بدوائر سياسية وعائلية قريبة منه، على نحو ساهم في إعادة إنتاج عدم الاستقرار السياسي والتراجع الاقتصادي الذي اتسمت به المرحلة السابقة على وصوله للسلطة، والتي كانت واحدة من محددات بقاءه فيها. 
المشروع الداخلي: 
بالنسبة لحسن روحاني سيظل مشروعه الداخلي واستقراره مرتبطاً بإنجاز وتحقيق ما  وعد ناخبيه به قبيل يونيو الخالي، على النحو الذي أهله للفوز بنحو 52% من الأصوات، في تجربة دعمته فيها التيارات الإصلاحية وساندته بسببها تيارات محافظة، وعلى الرغم من أن التيارات المتشددة مازالت تتخوف من تجربته وتتشكك في قدرته على النهوض الاقتصادي بإيران التي تعاني من مشكلات اقتصادية جمة، غير أنه حتى الآن يتبع استراتيجية حذرة من أجل النهوض التدريجي بالاقتصاد الإيراني الذي يحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة تنشيطه وللإنفاق على البنية التحتية. 
كما أنه مازال بعيداً عن الوفاء بتعهداته الإصلاحية فيما يخص دعم الحريات العامة والإفراج عن السجناء والنشطاء السياسيين، وهو ما بات يطرح تساؤلات حول إمكانية استمرار تأييده من قبل التيارات الليبرالية والإصلاحية التي ساندته وشكلت غرف عمليات عديدة من أجل إفساح الطريق أمام انتخابه. 
وفيما يتعلق بأردوغان فإنه بات يتبنى الطريق الذي تبناه رافضو حكم الإخوان المسلمين في مصر من التيارات الليبرالية واليسارية والقومية، من خلال رفضه وجود حركة اجتماعية لها أجنحة سياسية متغلغلة في مفاصل الدولة، بما يخلق "دولة عميقة جديدة" أو "دولة موازية" كما أسماها، غير أن هذا يطرح مفارقتين الأولى: أن أردوغان، الذي مازال يدعم حركة الإخوان المسلمين في مصر في مواجهة السلطة السياسية الجديدة، بات يعاني مما عانت منه مصر في ظل حكم الإخوان، وبينما دعم رسوخ ذلك في مصر، فإنه يرفضه في تركيا، والمفارقة الثانية تتعلق بأنه يتجه إلى "الانقلاب" على المعادلة السياسية التي ضمنت له البقاء في السلطة، والتي بواستطها ظل في الحكم على مدى السنوات الخالية. 
"انقلاب" أردوغان، عبر استهداف حركة "الخدمة"، يبدو أن ثمنه قد يكون باهظاً، ذلك أنه من الناحية السياسية قد يؤثر على تماسك الحزب الحاكم بفعل سلسلة الاستقالات المتلاحقة التي يشهدها، بسبب رفض طريقة تعاطيه مع الوضع السياسي وسياسات الاستفراد والتسلط التي باتت تسم حكمه، بما بات يسفر من ناحية أخرى عن مشكلات اقتصادية غدت تعصف بالعملة التركية (الليرة) وتفضي إلى مشكلات تتعلق بمعالجة العجز في الميزان التجاري. 
الوضع الداخلي في مصر جد مختلف، ذلك أن مصر ستبدو أقرب إلى إيران فيما يتعلق بتحديد ثماني سنوات كحد أقصى لبقاء الرئيس، كما ستغدو أقرب إلى النظام شبه الرئاسي، أي أنها لن تتبنى النظام الرئاسي على الطريقة الإيرانية أو النظام البرلماني على الطريقة التركية، وبينما يسعى أردوغان إلى تعديل الدستور للتحول إلى النظام الرئاسي، فإن مصر ستكون في سبيلها إلى إجراء أول انتخابات رئاسية وفق دستورها الجديد، ورغم التحديات السياسية والاقتصادية الكبرى، غير أن ترشح المشير عبد الفتاح السيسي في هذه الانتخابات والفوز بها، قد يفضى إلى تحقيق استقرار داخلي أكبر من طهران وتركيا. 
يرتبط ذلك بأن الرجل "ابن" المؤسسات المصرية التي تدعمه وتراهن عليه، وهو القائد العام للمؤسسة الأكبر، وهى القوات المسلحة، كما أنه لديه قاعدة شعبية عريضة، ومع ذلك قد يواجه السيسي، حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية، بتحديات داخلية ليست قليلة تتعلق بصعوبة الوضع الاقتصادي، وأن ثمة تياراً عريضاً من التيارات الإسلامية وبالتحديد من مناصري جماعة الإخوان المسلمين سيحاولون فرض معوقات أمنية على طريق استقرار الدولة، فضلاً عن أن ثمة "أحلاماً كبرى" تضعها قطاعات شعبية واسعة على عاتق الرجل الذي بات في عيون مناصريه أقرب إلى "المخلٌص". 
صراع "ثلاثي الأبعاد" 
ثمة تحديات داخلية كبرى تواجه القادة الثلاث، ينعكس أثرها على تحركاتهم الخارجية على "رقعة شطرنج" الشرق الأوسط، فعلى الرغم من التنافس التركي – الإيراني التاريخي، وتعارض الأجندات الإقليمية حيال ثورات "الربيع العربي"، التي نظر إليها كل منهما باعتبارها إنجازاً لسياساته الإقليمية وثورته الداخلية، غير أن التحديات الأمنية والاقتصادية باتت تدفع إلى التفكير في المصالح المشتركة، من خلال إنشاء مجلس استراتجيي أعلي لدعم التعاون السياسي والاقتصادي وتوطيد الصلات الاستخباراتية والأمنية بين الدولتين.
وفيما تسعى الدولتان إلى تحقيق ذلك بالتوازي مع رفض الأوضاع السياسية الجديدة القائمة في مصر، مع توسيع أفاق التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتوسيع الخيارات المتاحة حيال القوى  الغربية من خلال سياسات الانفتاح التي تبعتها الحكومة التركية منذ وصولها إلى السلطة، وباتت تراهن عليها السلطة الإيرانية القائمة بهدف كسر جدار العزلة الدولية، فإن مصر بدورها ستكون مدعومة بتحولها إلى نظام ديمقراطي يضمن إجراء انتخابات دورية نزيهة، بما يعيد صوغ قوتها الناعمة، خصوصاً حال تمتعها بقائد كعبد الفتاح السيسي، والذي يحظى بشعبية كبرى، فضلاً عن دعم وتأييد دول عربية رئيسية له، بما يقلل من فراغ القوى الذى عانى منه الشرق الأوسط بغياب مصر عن ممارسة دورها الإقليمي، وأتاح لكل من إيران وتركيا التحرك بفاعلية ودون قيود إقليمياً. 
هذا إضافة إلى أن مصر قد تستفيد من اللحظة التاريخية التي ترتبط بالمشكلات الداخلية التي باتت تعاني منها تركيا، وسياسات الانفتاح التي تتبعها طهران، في لعب دور إقليمي مهم من خلال إدارة صراع منخفض الحدة مع تركيا المضطربة وإيران غير الراغبة في التصعيد السياسي حيال أي من القوى العربية، وذلك بهدف بث رسائل الطمأنة حيال مشروعها الإقليمي وبرنامجها النووي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يوفر الطاقات للشروع في مشروع داخلي جديد يقوم على الاستقرار السياسي ودولة المؤسسات بلا مرجعيات دينية حاكمة أو أطر وعلاقات حزبية عابرة للحدود، وهو ما يعطي مصر قدرة على النفاذ وبناء التحالفات أكبر وأعمق، كونها تؤسس علاقاتها الخارجية على أساس المصلحة المصرية والكرامة الوطنية، دون غيرها من اعتبارات. 

باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟