المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

نيجيريا: العنف الطائفي يأكل مقومات الدولة!

الأحد 09/فبراير/2014 - 01:23 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
كرم سعيد
لم تمض شهور على الهدنة السياسية بين الدولة فى نيجيريا وجماعة بوكو حرام، بفضل دخول الرئيس جودلاك جوناثان فى مفاوضات مباشرة مع قادة الجماعة، حتى عادت العناوين الخلافية إلى الحلبة، بعد إقدام بوكو حرام على تفجير واستهداف الكنائس والقرى التى تقطنها أغلبية مسيحية.
وقد وصل الوضع الأمنى فى نيجيريا إلى ذروة التأزم بعد تجدد المواجهات بين الدولة والجماعة، فى ظل إصرار الأولى على اجتثاث جذور الجماعة وأنصارها بالقوة، ودخل المناخ مرحلة الشحن بينهما، وتخلله تصعيد في التصريحات تحمل نبرة تحد من الطرفين.
وأسفرت المواجهات بين الجانبين حتى الآن عن مقتل المئات ناهيك عن تشريد الآلاف، إذ أجبرت المواجهات بين الدولة والجماعة، بحسب الأمم المتحدة، عن تهجير ما يقرب من 40 ألف مواطن إلى الدول المجاورة.
ولم تكن أعمال العنف التى تدور رحاها اليوم هى الأولى من نوعها، إذ سبقتها اعتداءات متقطعة لبوكو حرام طوال الفترة الماضية، لكن ما يجرى اليوم يبدو مختلفاً عما حدث من قبل فى أماكن متفرقة بسبب تأثير أحداث العنف على اقتصاد البلاد، وإعادة التفكير مجدداً فى محافظ الاستثمار التى ينتظر ضخها فى نيجيريا ناهيك عن تفسخ النسيج المجتمعى للبلاد، وتنامى حدة الاستقطاب الطائفى.
وتحتكم بوكو حرام إلى إيديولوجية عقائدية تنطلق من ضرورة إقامة الدولة الإسلامية التى تقيم شرع الله، لذلك تقاتل هذه الجماعة لإقامة مملكة إسلامية فى شمال نيجيريا الذى تسكنه غالبية مسلمة والانفصال عن الجنوب ذى الغالبية المسيحية، وتبيح مرجعية بوكو حرام المتشددة قتل الآخر، وتحرم، فى الوقت ذاته، التقاعس عن نصرة الدولة المزعومة.
وعادت جماعة باكو حرام لتتصدر المشهد مجدداً ليس فى نيجيريا وحدها، وإنما فى الأوساط الدولية التى تخشى على مصالحها جراء تزايد نفوذ هذه الجماعة، وتنسيقها بليل أو من وراء ستار مع أخواتها فى مالى وأفريقيا الوسطى.
وتسابق الدولة فى نيجيريا الزمن للقضاء على الجماعة وجيوبها المنتشرة فى أوساط قطاعات شعبية وجغرافية واسعة، فثمة ضغوط على نظام الرئيس جودلاك جوناثان الذي وصل للمقعد الوثير فى لاجوس في العام 2011، أولها ضغط الداخل، ويتمثل فى اقتراب موعد الاقتراع الرئاسى المقرر فى العام 2015، وقد يصبح الرجل مرشح الحزب الحاكم. وثانيهما فشل جهود الحوار الذى خاضتها الدولة مع بوكو حرام طوال الأعوام الثلاثة التي خلت، إذ لم تسفر اللقاءات مع قيادات الحركة عن اختراق للأزمة أو تجاوز الخلاف.
وراء ذلك يقف ضغط الخارج، فقد أبدى قطاع معتبر من المجتمع الدولى مخاوفه من تنامي العنف فى نيجيريا، وهو الأمر  الذي أقلق مضاجع نخب الحكم، خصوصاً بعد أن حصلت نيجيريا مؤخراً على قوة دفع كبيرة فى سعيها لجذب مستثمرين جدد إلى البلاد، ناهيك عن تراجع مؤشر نيجيريا دولياً فيما يتعلق بعملية التطور الديمقراطي ومراعاة حقوق الإنسان، وغيرها من المؤشرات التى يفرضها نادي الدول المدنية المتقدمة، والتى تسعى نيجيريا إلى اللحاق به.
وتواجه نيجيريا جماعة بوكو حرام منذ العام 2009 بعدما نهجت الأخيرة العمل المسلح، ووصلت المواجهات التي خلفت ورائها عشرات القتلي ذروتها في يناير الماضى عقب الهجوم بالمتفجرات على قرية شمال شرق البلاد.
ورغم أن الرئيس جودلاك وعد باجتثاث جذور جماعة بوكو حرام التي تؤرق جنبات المجتمع بحلول يونيو 2012، إلا أن الدولة تبدو عاجزة عن مواجهة الجماعة على أرض الواقع، وربما ما حدث هو تقليص هجمات الجماعة وليس إنهاءها. 
والأرجح أن ثمة تربة خصبة وأسباب جوهرية منحت بوكو حرام التي ترتكز قاعدتها بولاية يوبه شمال شرقي البلاد على الحدود مع النيجر، زخماً داخل المجتمع أولها التآكل الملحوظ في الرصيد التقليدي لحكومة أبوجا كشفته مناخات الفساد وعمليات اختلاس ممنهجة لأموال حكومية. وثانيهما تركز القدرات الاقتصادية الهائلة لنيجيريا وعوائد النفط فى يد نخب الحكم مقابل معاناة لغالبية المواطنين, فلا يزال قطاع واسع من السكان البالغ عددهم 170 مليون نسمة يعيش بأقل من دولارين في اليوم. وثالثهما الفشل في معالجة واحتواء قضايا المسلمين، وكان بارزاً، هنا، قرار الحكومة مطلع فبراير الجاري بحظر ارتداء الحجاب فى المدارس الحكومية، وهو الأمر الذى أثار هياج المسلمين وتذمرهم من النظام السياسي. ورابعهما بروز حركات شعبية وشبابية على الإنترنت، احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية والبطالة والفساد الذي ينخر جسد الدولة، لتنجح لاحقاً فى الانتقال إلى أرض الواقع عبر تنظيم مسيرات واحتجاجات.
وراء ما سبق يقف الانحياز الصارخ من قبل الدولة الرسمية تجاه القطاع المسيحى الذي يشكل 40% من مجموع السكان على حساب واقع المسلمين، وتجلى ذلك فى  تركيز إعلام الدولة على وحشية اعتداءات باكو حرام ضد المسيحيين، ووضع الضحايا منهم فى مقدمة المشهد، بينما يتم التعامى عن قتلى المسلمين وهم الأغلبية.
بقى العامل السادس، وهو تجاهل الدولة للتعاليم الإسلامية فى مناهج التدريس المدنية بالأساس، ولذلك كان سهلاً على جماعة باكو حرام، التي تأسست فى العام 2004، على يد محمد يوسف أن تطرح نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، الأمر الذي خلق نوعاً من التعاطف من بسطاء المسلمين تجاه الجماعة، لا سيما وأن قطاعاً معتبراً من مسلمى نيجيريا ينظر للتعليم المدنى على أنه الباب الخلفي لانهيار دعائم المجتمع وقيمه.
في هذا السياق العام يتوقع أن تبقى العناوين الخلافية هى الأبرز بين بوكو حرام المعروفة بـ "طالبان نيجيريا" والدولة الرسمية، خصوصاً أن إجراءات التعاطى مع الأزمة وتداعياتها تبقى من قبل نظام الحكم وليد اللحظة، وبعيداً عن جوهر المشكلة التي منحت المسلحين زخماً غير مسبوق فى أوساط الفقراء والمسلمين المضطهدين.
لذلك فإن المتابع للمشهد فى نيجيريا يدرك أن أعمال العنف ستكبر وتستمر، طالما أن الحكومة تسير في طريق متعرج غير محدد الملامح ليس تجاه بوكو حرام وحدها، وإنما تجاه المسلمين عموماً، فسياسة جودلاك تقوم تارة على مغازلة الحركة دون الاستجابة لمطالبها، وتارة على المواجهات التي تعتمد العشوائية وتفتقد للدقة وأحياناً للتأييد الشعبي العام.
هكذا باتت البلاد معرضة لأكبر عملية تحرش فى تاريخها المعاصر من نخب سياسية زاوجت السلطة بالمال،وطبقات اجتماعية ضاقت ذرعاً بسوء العيش، وأخيراً جماعات جهادية لا تدرك قيمة الدولة التى تعيش فيها.
فى هذا السياق العام يحتاج نظام الحكم فى نيجيريا إلى أكثر من مصيدة للقفز على أزمته الراهنة، أولها التأسيس لتفاهمات جديدة بين الدولة والأطراف الفاعلة، والشروع فى حوار واسع لمعالجة قضايا المسلمين، وفى القلب منها جماعة بوكو حرام. وثانيهما إعادة النظر فى المنظومة التشريعية والقانونية التى تعيق عملية الاندماج المجتمعي، وترسخ فى الوقت ذاته التمييز بين أبناء نيجيريا فى بعض الأحيان على أساس العرق أو الدين، وربما تساعد مثل هذه الإجراءات فى إنهاء حال التوتر والاحتقان المتصاعد في البلاد.
 خلف ما سبق يبقي مهماً إعادة صوغ الصورة الذهنية لنيجيريا فى الوعى الجمعى العالمى، إذ تعرضت صورة البلاد لعملية تشويه مع تنامى أعمال العنف المسلح، والفشل فى وقف نزيف الدماء.

باحث بمؤسسة الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟