العلاقات المصرية الأمريكية: لغة بدأت تتقارب
الإثنين 20/يناير/2014 - 03:28 م
إبراهيم منشاوي*
شهدت العلاقات المصرية الأمريكية فى عهد الرئيس محمد أنور السادات نقلة نوعية بعيداً عن حالة التوتر والخصومة التي سادت الحقبة الناصرية، وقد استمرت هذه الحالة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وحتي قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث بدأ التخبط يسود تلك العلاقات، والتي كانت تقوم علي ركيزة أساسية وهي أن مصر الحليف الإستراتيجي الأهم فى منطقة الشرق الأوسط. فقد جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير، لتؤسس لحقبة جديدة من العلاقات بين البلدين، تعتمد فى المقام الأول علي الواقعية في التعامل من قبل الجانب الأمريكي، فمع انتخاب أول رئيس مدني لمصر -وهو الرئيس المعزول محمد مرسي- بدأت تلك العلاقات تتشكل من جديد في ظل وصول جماعة الإخوان المسلمين إلي الحكم، حيث سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلي التعاون معهم باعتبارهم القوة المنظمة القادرة علي التعاطي مع السياسة الأمريكية في المنطقة من أجل الحفاظ علي مصالحها. ولكن سرعان ما توارت كل الترتيبات الأمريكية بقيام الموجة الثانية لثورة 25 يناير فى 30 يونيو 2013، حيث عزل على إثرها الرئيس محمد مرسي، وتولي الرئيس المؤقت عدلي منصور الحكم فى البلاد.
وقد توازي مع ذلك التغيير حدوث تغيير مشابه فى الموقف الأمريكي من 30 يونيو، مما أضفي على تلك العلاقات قدراً من التوتر تسرب لكل المجالات.
طبيعة تلك العلاقات:
العلاقات المصرية الأمريكية ثلاثية بالأساس تدخل فيها إسرائيل من أجل الحفاظ علي أمنها. فقد استندت تلك العلاقات إلي أهمية التعاون الإستراتيجي بين البلدين فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف يأتي على رأسها استمرار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والحفاظ على الصوت المصري المعتدل بجامعة الدول العربية، وكذلك ضمان تدفق البترول من المنطقة العربية إلي الولايات المتحدة الأمريكية، والاستفادة من التعاون مع الجيش المصري ومكافحة الإرهاب. ومن هنا فقد ساندت الإدارة الأمريكية نظام مبارك، ومن بعده نظام مرسي من أجل إرساء تلك الأهداف والحفاظ علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في المقام الأول. فالولايات المتحدة الأمريكية تدرك أهمية الدور المصري فى منطقة الشرق الأوسط، وكيف أن مصر تستطيع أن تلعب دور الموازن فى المنطقة بين القوي الإقليمية الأخري التي تسعي للهيمنة مثل إيران وتركيا. ولذلك سرعان ما تعاملت مع الوضع فى مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بقدر كبير من الواقعية باحتواء جماعة الإخوان المسلمين من أجل الحفاظ على تلك العلاقات، كما هى، وقد حدث، فحصلت واشنطن من مرسي على ضمانات كافية، غير أن تلك العلاقات اتخذت منحى آخر بعد عزل مرسى.
مرحلة التوتر في العلاقات بين الدولتين:
لم تتخذ واشنطن موقفاً واضحاً من 30 يونيو، لم تصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري، ولم تؤيده. لكنها أعلنت عن حزمة قرارات أثارت الجدل حول رؤيتها لمستقبل العلاقات مع مصر، شملت إلغاء مناورات النجم الساطع، والتعليق الجزئي للمساعدات العسكرية، وتأجيل تسليم طائرات ( 3 طائرات إف 16 ) ومعدات عسكرية كان قد تم الاتفاق عليها مسبقًا، فيما ربطت الإدارة الأمريكية إعادة تقديم المساعدات والمعدات العسكرية إلى القاهرة بحدوث تقدم واضح في العملية السياسية.
وازدادت العلاقات توتراً إبان فض اعتصامي رابعة والنهضة، حيث بدأ الموقف الأمريكي أكثر وضوحاً، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مؤتمر صحفي، عندما دعا إلى تعليق العمل بقانون الطوارئ في مصر، وتفادي العنف بين المعتصمين والجيش المصري، واحترام إرادة الشعب، كما أدان المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، "لجوء قوات الأمن المصرية إلى العنف ضد المتظاهرين". ووقتها أدان أوباما استخدام "العنف" والإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة المصرية، مطالباً بإنهاء حالة الطوارئ التي تقيد الحريات الشخصية للمدنيين، وطالب السلطات المصرية بعدم استخدام العنف ضد المدنيين، واحترام الحقوق العالمية للإنسان التي تدعمها الولايات المتحدة. فيما طالب أوباما المتظاهرين بالتزام السلمية. وفي تهديد بتراجع التعاون بين البلدين، قال إن التعاون التقليدي مع مصر لا يمكن أن يستمر كما كان "وهناك من يقتلون في الشوارع"، وأن الولايات المتحدة سوف تتخذ خطوات أخري، غير إلغاء المناورات العسكرية، فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر، وذلك على الرغم من تأكيده علي أهمية الشراكة مع مصر، واعتبارات مصالح الولايات المتحدة في المنطقة التي تفرض عليها الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الدولة المصرية.
وقد أصدرت الرئاسة المصرية بيانًا علقت فيه على بيان الرئيس الأمريكي، مؤكدة على "سيادتها التامة وقرارها المستقل"، وعلى تمكين إرادة الشعب التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير2011 والثلاثين من يونيو 2013. كما حرصت على التأكيد على عدة نقاط أخرى منها أن مصر تواجه أعمالاً إرهابية، تستهدف مؤسسات حكومية ومنشآت حيوية شملت العشرات من الكنائس والمحاكم وأقسام الشرطة، والعديد من المرافق العامة والممتلكات الخاصة. فضلاً عن أن جماعات العنف المسلح استهدفت إزهاق الأرواح، كما استهدفت الملامح الحضارية للدولة المصرية من مكتبات ومتاحف وحدائق عامة وأبنية تعليمية. وحذرت الرئاسة من أن تؤدى التصريحات التي لا تستند إلى حقائق الأشياء، لتقوية جماعات العنف المسلح وتشجيعها في نهجها المعادى للاستقرار والتحول الديمقراطي، بما يعرقل إنجاز خارطة المستقبل.
وقد دخلت تلك العلاقات مرحلة أخري من التوتر؛ بعد إصدار قانون التظاهر فى مصر ( نوفمبر 2013 )، حيث اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن ذلك القانون لا يتلاءم مع المعايير الدولية، كما عبرت عن قلقها من التداعيات المحتملة للقانون في المستقبل. حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي إن الولايات المتحدة قلقة من الآثار السيئة لقانون تنظيم التظاهر الذي أقرته الحكومة المؤقتة. وقد ردت الخارجية المصرية على موقف نظيرتها الأمريكية عبر التأكيد على أن مصر "لا يمكن أن تقبل من أي طرف" التدخل في شؤونها الداخلية، وأوضحت أن إصدار قوانين لتنظيم حق التظاهر أمر متعارف عليه في كافة الدول الديمقراطية، وأن التظاهر والتعبير عن الرأي حق مكفول للجميع دون تمييز ولا مساس به، فهي تعد من الحقوق الأصيلة للمواطن المصري بعد ثورتين شعبيتين.
مرحلة الانفراج في العلاقات بين الدولتين:
إن تراجع النفوذ الأمريكي فى مصر، خاصة بعد التطورات المتعلقة بالعلاقات الروسية-المصرية، والتحالف الإقليمي بين المملكة العربية السعودية، والإمارات، والكويت، ومصر. واتخاذ السلطة الانتقالية في مصر خطوات لتنفيذ خارطة الطريق، والتزامها بمسار العملية السياسية؛ جعل الدوائر الأمريكية تعيد تقدير مواقفها تجاه مصر، حيث شهدت العلاقات تحولات إيجابية بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى القاهرة، بعد مرحلة من الجمود في العلاقات عقب 30 يونيو، ثم تجميد جزء كبير من المعونات الاقتصادية والعسكرية.
قال كيري إن مصر «شريك حيوي» تلتزم واشنطن بالعمل معه، مشيراً إلى أن هناك مؤشرات على أن قادة الجيش المصري مستعدون لإرساء الديمقراطية في البلاد. وإلي ترحيب الرئيس الأميركي بدعوة نظيره المصرى لبدء حوار استراتيجي بين البلدين. فيما أوضح منصور، لدى استقباله كيري، أن العلاقات الثنائية المصرية - الأميركية لا يليق اختزالها في ملف المساعدات، فالمساعدات جزء من المصالح المشتركة بين البلدين التي هي أشمل وأكبر من ذلك بكثير.
هذا التحول يعد منحى جديداً يدل على حدوث انفراج فى العلاقات بين البلدين، حيث إن هذه الزيـارة حققـت أكثر من هدف لواشنطن والقاهرة في الوقت نفسه. فمصر حصلت من خلالها على اعتراف صريح بخريطة الطريق بموجبها وجهت ضربة قوية للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الذي يسعى إلى تدويل قضية الرئيس المعزول محمد مرسي بالرهان على الدعم الأميركي، فيما نجحت واشنطن، فضلاً عن إزالة الخلافات مع شريك مهم وحيوي في المنطقة، في العمل على تضييق الخناق أمام السياسة الروسية والتي تسعي جاهدة لإقامة شراكة إستراتيجية واسعة مع الجانب المصري لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذه الانفراجه في تلك العلاقات تأكدت عقب الاستفتاء علي الدستور المصري في 14-15 يناير الجاري، بزيارة وفد الكونجرس الأمريكي للقاهرة، والذي أشار إلي تحسن الوضع في مصر والتزام الحكومة المؤقتة بخارطة الطريق، واجراء الاستفتاء علي الدستور في جو ديمقراطي معبر عن إرادة الشعب المصري، مما يمثل مؤشراً قوياً علي الاتجاه نحو ديمقراطية حقيقية، تستدعي استمرار المساعدات الأمريكية لمصر والوقوف إلي جانب إرادة الشعب المصري.
مستقبل العلاقات بعد الاستفتاء:
لا شك أن العلاقات المصرية الأمريكية من الأهمية بمكان للدولتين، وما آلت إليه من فترات التوتر يرجع إلي عدم إدراك الإدارة الأمريكية لحجم ودوافع 30 يونيو، والرغبة العارمة من قبل الشعب المصري في عزل الرئيس السابق محمد مرسي. لذلك جاءت ردود الفعل الأمريكية مغايرة تماماً لما يحدث علي أرض الواقع من انتهاج الجماعة للعنف المنظم ضد الشعب المصري، فضلاً عن تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في جميع أنحاء الجمهورية. ونظراً لعدم الإدانة الأمريكية الواضحة والصريحة لتلك الأعمال، توجهت مصر نحو القوي الأخرى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مثل روسيا الاتحادية والصين، مثل هذا التوجه الجديد هو الذي جعل الإدارة الأمريكية تتعاطى مع واقع ما بعد 30 يونيو، خاصة في ظل وقوف دول الخليج، وعلي رأسها السعودية، إلي جانب الحكومة المصرية الجديدة. كل هذه المؤشرات أضفت، وإن يكن متأخراً، قدراً من الليونة والتقارب بين البلدين، بالشكل الذى يمكن معه طرح تصورين رئيسيين لمستقبل تلك العلاقات:
- المسار الأول؛ استمرار الانفراج في تلك العلاقات: وهناك العديد من المؤشرات التي يمكن الاستناد إليها في هذا الصدد، منها، الزيارة الحالية لوفد الكونجرس الأمريكي لمصر والذى أشاد بنتيجة الاستفتاء علي الدستور والتقدم الذي حدث باتجاه العملية الديمقراطية. كما صرحوا بأنهم سيعملون علي تقوية التوجه من أجل دعم مصر ومد الحكومة المصرية بالمساعدات وبما يساندها في هذه المرحلة، مشيرين إلى أنهم التقوا مع الرئيس عدلي منصور ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي. فالتقدم الملموس الذي حققته الحكومة المصرية في خارطة الطريق سيكون دافعاً كبيراً للإدارة الأمريكية لإعادة العلاقات مع مصر إلي سابق عهدها. ومما يصب في هذا الاتجاه أيضاً خوف الولايات المتحدة الأمريكية من التقارب المصري الروسي ودخول العلاقات المصرية الروسية في مرحلة جديدة بعد الزيارات المتبادلة بين الطرفين، التي تناولت الرؤي المشتركة حول العديد من القضايا كالوضع في سوريا والقضية الفلسطينية، فضلاً عن أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وكذلك مما يدفع تلك العلاقات في اتجاه الانفراج، موقف دول الخليج من 30 يونيو ومساندتهم لمصر في حربها ضد الإرهاب. كل هذه المؤشرات من شأنها دعم تلك العلاقات، وهو الاحتمال الأكبر نظراً لسعي الولايات المتحدة الحثيث لحماية وضمان مصالحها في الشرق الأوسط.
- المسار الثانى هو تأزم العلاقات مرة أخري، لاعتبارات منها: عدم اكتمال خارطة الطريق التي أعلنت عنها السلطة المصرية، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، غير مرة، أن عودة العلاقات مع مصر مرهون بنجاح خارطة الطريق التي تبناها الجيش في 3 يوليو وتحقيق التحول الحقيقي نحو الديمقراطية ووقف أعمال القمع ضد المدنيين. لذلك فإن أي انحراف عن المسار الذي حددته قرارات 3 يوليو سوف يصيب تلك العلاقات مرة أخرى بالتأزم، خصوصاً أن هناك تياراً داخل البيت الأبيض غير راض عما حدث بمصر في 30 يونيو 2013. كذلك من الأمور التي يمكن أن توتر العلاقات مرة أخري، ما سينتج عن 25 يناير القادم وكيف ستكون المعادلة في مصر، حيث تسعي جماعة الإخوان المسلمين إلي الدعوة إلي التظاهر في الذكري الثالثة للثورة، فيما يدعو أنصار خارطة الطريق إلي الاحتفال بهذه المناسبة.
وفي النهاية ينبغي التأكيد علي عدد من الملاحظات الهامة:
o أهمية إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها العلاقة بين مصر والولايات المتحدة والنظر إليها في كليتها مع التأكيد علي حسن إدارة فترات التوتر، حيث إنه ليس من مصلحة مصر، في الوقت الحالي، فتح باب المناقشة وإعادة تقييم علاقاتها بالولايات المتحدة، نظراً للسيولة السياسية التي تمر بها تلك العلاقات.
o وبصورة عامة، فإن طبيعة التعامل تفرض معرفة نوع العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، وهل هي علاقة حلفاء أم شركاء أم فرقاء، إذ أن التوافق بين مصر والولايات المتحدة قائم علي ضمان أمن إسرائيل في المقام الأول.
o انتقال مركز الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وإذا صح الأمر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو.. إذا ما كان ذلك خصماً أم إضافة للعلاقة المصرية الأمريكية وماذا عن الأهمية الجيواستراتيجية لاتجاه الولايات المتحدة لدول المحيط الهادي ودول المحيط الأطلنطي.
o يجب أن يُدار الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ممثلين عن جميع مؤسسات الدولة، مع إعادة التفكير في شكل وطبيعة العلاقة في ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، كما أن العلاقات الخارجية عموماً، والعلاقات مع الولايات المتحدة خصوصاً، أخطر من أن تنفرد بها السلطة وهنا يأتي دور مراكز البحث والدراسات والرؤى السياسية للأحزاب.
o كذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أننا نتجه نحو عالم متعدد الأقطاب، وبالتالي يتعين علي السياسة الخارجية المصرية الاستفادة من هذا الزخم وعدم قصر علاقاتها على جانب واحد، ولكن ينبغي لها الانفتاح علي الجميع بما يتوافق مع المصالح المصرية.
*مدرس مساعد بقسم العلوم السياسة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.