المواجهة القائمة والمحتملة بين إيران ودول الخليج
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:54 م
“,” “,”
إعداد لواء ركن متقاعد/ حسام سويلم
مقدمة:
- ليست المشكلة النووية الإيرانية هي التهديد الرئيسي الذي تواجهه دول الخليج العربية، لأن إيران بالقطع لن تستخدم أي أسلحة نووية ضد هذه الدول القريبة جدًّا منها؛ لما لذلك من تأثير مدمر عليها أيضًا، وإن كانت ستستخدم سلاحها النووي -إذا تمكنت من إنتاجه- في ابتزاز الدول العربية الخليجية وغير الخليجية، والسعي لتحقيق غاياتها وأهدافها القومية في بسط هيمنتها السياسية والإستراتيجية على دول المنطقة؛ باعتبارها القوة الإقليمية العظمى في المنطقة.
كما لن تستخدم إيران أيضًا ما يمكن أن تمتلكه من سلاح نووي ضد إسرائيل؛ لأنها تعلم جيدًا حجم الفارق الكبير في القوة النووية والعسكرية بينها وبين إسرائيل التي تملك أكثر من 200 سلاح نووي، فضلاً عن الدعم العسكري والنووي الأمريكي لإسرائيل، ناهيك عن أن إسرائيل ليست داخل دائرة الاهتمام الإيراني؛ لبعدها عنها (1800 كم)؛ ذلك لأن دائرة الاهتمام الإيراني تنحصر في المنطقة العربية ومنطقتي وسط وجنوب آسيا المجاورين لها (مجموعة دول آسيا الوسطى، وباكستان، وأفغانستان).
ولتحقيق هدف الابتزاز في السياسة الإيرانية، فإنه يمكن الجزم بأن إيران لن تتخلى عن برنامجها النووي التسليحي تحت أي ضغوط؛ لسببين: الأول: أنه محور التفاف وتجمع الرأي العام الإيراني والجبهة الداخلية حول نظام حكم الملالي، فإيران النووية هي وسيلة افتخار كل إيراني ببلده، حتى وإن تعرضت بلاده لانهيار اقتصادي واجتماعي وسياسي داخلي وعزلة دولية. أما السبب الثاني: فهو أن البرنامج النووي سيكون وسيلتها للتعامل بنديّة مع الدول الكبرى على الساحة العالمية؛ وبما يساهم في تحقيق أهدافها في الساحة الإقليمية، ومد نفوذها إلى ساحات بحرية أوسع.
- أما التهديدات الأخرى الرئيسية التي تواجهها دول الخليج -ومعها باقي الدول العربية- فتتمثل في قدرة النظام الإيراني الحاكم في النفاذ إلى داخل عمق الجبهات الداخلية في هذه الدول، وخلق نفوذ قوي لإيران يؤدي إلى تقويض الأنظمة الحاكمة القائمة حاليًّا، واستبدالها بأنظمة سياسية دينية متحالفة مع إيران توسع من دائرة المجال الحيوي الإيراني في منطقة غرب ووسط وجنوب آسيا، وأيضًا في إفريقيا. وأساليب إيران لتحقيق هذا الهدف متعددة تشمل أعمال التجسس، وتجنيد عملاء معظمهم من الشيعة، والتحالف مع أحزاب دينية شيعية وسنية ومساعدتها في الوصول للسلطة (أبرزها جماعة الإخوان المسلمين التي فازت بالحكم في مصر وتونس والمغرب، ويتوقع أن تسيطر على الحكم بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، مع احتمالات لذلك أيضًا في الأردن) فضلاً عن تعاون إيران مع تنظيم القاعدة خاصة في اليمن، حيث تسيطر القاعدة تقريبًا على جنوب اليمن، في حين يسعى الحوثيون للسيطرة على شمال اليمن، وكلاهما مدعومان من الحرس الثوري الإيراني، وإنشاء تنظيمات مسلحة أشبه بالحرس الثوري الإيراني في هذه الدول تؤمن للحكومات الدينية المتحالفة مع إيران استمرار هيمنتها على الحكم لسنوات طويلة، هذا فضلاً عن استخدام الدعم المالي والتسليحي والإعلامي؛ لترسيخ أقدام هذه الحكومات الدينية في دولها.
التوقعات في المديَيْن القريب والمتوسط:
“,” “,”
خامنئي
- تعتبر الأشهر الثلاثة القادمة حاسمة في تطور الأحداث في منطقة الخليج والشرق الأوسط؛ بسبب تطور عدة محاور:
المحور الأول : الضرب تحت الحزام بين إسرائيل وإيران، في محاولات اغتيالات علماء إيرانيين، وتفجيرات في منشآت صاروخية ونووية إيرانية، وتخريب إلكتروني في معدات تخصيب اليورانيوم، فضلاً عن عمليات تجسس جوي وبشري من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، يقابل ذلك أعمال مضادة من جانب إيران، تتمثل في محاولات تفجير سفارات إسرائيلية في آسيا، وبما قد يؤدي إلى تصعيد المواجهة إذا ما استُخدمت مثل هذه الأحداث ذريعة للتصعيد، خاصة أن الوضع الداخلي والاقتصادي في إيران أصبح لا يطاق، ومع اشتداد القلق الإسرائيلي عن قرب امتلاك إيران سلاح نووي في غضون من سنة إلى سنتين.
المحور الثاني : يتمثل في اشتداد تأثير المقاطعة الاقتصادية في إيران، خاصة مع التهديد بمقاطعة النفط الإيراني، ومنع التعامل مع البنك المركزي الإيراني؛ مما أدى إلى انخفاض في سعر العملة الإيرانية بنسبة 60%؛ حيث وصل سعر الدولار إلى 17.000 ريال إيراني، واضعين في الاعتبار أن إيران هي ثالث منتج للنفط في العالم (4.1 مليون برميل يوميًّا)، كما تشكل عائدات النفط 80% من دخل إيران القومي. وهو ما يعني في المحصلة اشتداد الأزمة الداخلية، وخنق إيران، وما يحمله ذلك من حراك شعبي ضد النظام الحاكم ومواجهات داخلية، خاصة مع مطالب الإنفاق المالي على القوات النظامية وغير النظامية، حيث يبلغ تعداد من هم تحت السلاح في إيران 454 ألف شخص، يساندهم في الاحتياط حوالي 4 مليون آخرين، فضلاً عن الإنفاق المتصاعد على تطوير ترسانات الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية، ناهيك عن الإنفاق على البرنامج النووي، فإذا ما انخفض الإنفاق على هذا الحجم الضخم من القوة العسكرية، فإنه سيؤدي إلى انخفاض روحها المعنوية وتأثير ذلك سلبًا على ولائها للنظام الحاكم.
المحور الثالث : تردي الوضع السياسي والأمني في كل من سوريا والعراق؛ حيث يحتمل أن تفقد إيران نفوذها في سوريا بسبب تصاعد الثورة ضد نظام الأسد، وهو ما يشكل خسارة كبيرة لإيران؛ بسبب فقدها حليفها الرئيسي في المشرق العربي وممر توصيل أسلحتها ودعمها إلى حزب الله في لبنان، يرتبط ذلك بانتقال قيادات المنظمات الفلسطينية المتشددة -وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي- من دمشق إلى دول أخرى، وبما يضعف محور “,”المقاومة والممانعة“,” الذي تترأسه إيران، كما يرتبط بهذا الإضعاف احتمالات نقص تمويل أذرع إيران في المنطقة؛ وهو ما يؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني في المشرق العربي. أما في العراق فقد اكتشفت إيران رغم تغلغلها العميق في جميع أنحاء العراق -لاسيما محافظاته الجنوبية- واعتمادها على الأحزاب والميليشيات الشيعية هناك، أن شيعة العراق أصبحوا ينفرون من تزايد النفوذ الإيراني في العراق، وصار ذلك علنًا في كثير من محافظات العراق؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام صراع دموي بين جميع الأطراف المشكلة لنسيج العراق؛ من أجل الاستحواذ على السلطة والثروة، لا سيما مع قرب رحيل المرجع الشيعي آية الله سيستاني، وسعي إيران أن يحل محله محمود الشهرودي، الذي أرسلته فعلاً إلى النجف؛ لينفذ ولاية الفقيه في العراق.
المحور الرابع : زيادة حجم التواجد العسكري البحري الأمريكي في مياه الخليج؛ تحسبًا لمواجهات محتملة مع إيران، خاصة إذا ما نفذت إسرائيل تهديداتها بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، ودفعت أمريكا للتورط في الحرب لصالحها. وحيث يتوقع العسكريون الأمريكيون إذا ما نفذت البحرية الإيرانية تهديداتها، باستخدام لنشات الصواريخ السريعة والانتحارية في هجمات ضد حاملات الطائرات وبوارج الصواريخ الأمريكية، وتمكنها من إغراق إحداها؛ مما ينتج عنه مقتل حوالي 1000 - 5000 جندي أمريكي، أن يؤدي ذلك إلى انقلاب في الرأي العام يعضض التدخل العسكري السافر ضد إيران، وإلى درجة السماح باستخدام أسلحة نووية تكتيكية؛ حيث من المستحيل أن تتورط أمريكا عسكريًّا بقوات برية ضد إيران على النحو الذي جرى في العراق عام 2003، ولكن سيكون الرد الأمريكي عن بعد بواسطة هجمات صاروخية وجوية، وربما يتطلب الأمر استخدام القوات الخاصة على نطاق ضيق -مثل السيطرة على قاعدة بندر عباس- لتأمين المرور البحري في ممر هرمز. وتوجد للولايات المتحدة حاليًّا 2 مجموعة حاملة طائرات، 15.000 جندي، و34 قطعة بحرية، ووحدة مروحيات، مع احتمال أن تنضم مجموعة حاملات طائرات ثالثة وهي (أبراهام لينكولن).
المحور الخامس : ستسعى إيران لتعويض خسارتها في سوريا؛ بتطبيع علاقاتها مع مصر في ظل حكومة تسيطر عليها جماعة الإخوان المتحالفة مع إيران (دراسة منفصلة مرفقة)، ولكنها في هذه الحالة ستصطدم بقوة سياسية دينية في مصر، تعتبر الثانية في نفوذها داخل البرلمان والمستوى الشعبي، وهم السلفيون المعادون لجماعة الإخوان وإيران، والتابعون للسعودية (المذهب الوهابي). ومن المتوقع أن تحدث مواجهات أمنية بين جماعة الإخوان وبين السلفيين من جهة، وبين الجماعتين وائتلافات الثورة والليبراليين من جهة أخرى، ستساند إيران جماعة الإخوان فيها؛ مما سيؤدي إلى استعداء الرأي العام المصري ضد إيران، وقد حسمت الثورات العربية موقفها في رفض الامتدادات الشيعية السياسية.
المحور السادس : نقل ساحة العمليات من إيران إلى الأراضي العربية، حيث جهزت إيران 6 كتائب فلسطينية لتخوض الحرب بالوكالة عن إيران، وفتح جبهات قتال جديدة في سيناء، والضفة الغربية، والأردن، ضد إسرائيل (رفعت الدعم المالي لحماس من 340 مليون دولار إلى 500 مليون، وللجهاد الإسلامي من 90 مليون دولار إلى 200 مليون، والجبهة الشيعية (أحمد جبريل) من 50 مليون دولار إلى 100 مليون). وستكون المواجهة ذات قسمين: الأولى فضائية وإعلامية وعبر الإنترنت، والمواجهة الثانية جغرافية وتشمل جميع أراضي دول المواجهة العربية مع إسرائيل.
حقيقة الموقف الأمريكي وأبعاده:
- ليس خافيًا أن القيادات السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة ترفض التورط في حرب ضد إيران، كما ترفض فكرة أن تبادر إسرائيل بشن ضربة عسكرية ضد إيران، يستتبعها بالضرورة تورط أمريكا في الحرب، بحكم مسئوليتها عن الدفاع عن أمن إسرائيل، خاصة في ضوء الرد الصاروخي الإيراني المتوقع ضد إسرائيل. ولذلك تبذل إدارة أوباما جهودًا مكثفة لمنع إسرائيل من الإقدام على شن ضربة ضد إيران دون تنسيق مسبق مع واشنطن، وإن كان أوباما أعلن مرارُا أنه لا يستبعد الخيار العسكري، وأن الوقت أزف لتوجيه تحذيرًا نهائيًّا لإيران لإيقاف عمليات التخصيب، وأن المجتمع الدولي لن يسمح بوجود إيران نووية، وأنه ينتظر أن تؤتي العقوبات الاقتصادية المشددة ثمارها في المستقبل القريب. ولا تخفي إدارة أوباما تخوفها من التأثير السلبي لضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران على الحملة الانتخابية للرئيس أوباما لفترة رئاسية ثانية، لا سيما في ضوء مزايدة المرشحين الجمهوريين على دعم ومساندة إسرائيل بما في ذلك حقها في شن ضربة ضد إيران. ولذلك تراهن إدارة أوباما على نجاح العقوبات الاقتصادية في إحداث ثورة داخلية في إيران تحظى بدعم أمريكي وأوروبي واسع، كما أن دخول أمريكا في حرب ضد إيران يحتاج إلى موافقة الكونجرس، وهو أمر صعب.
- وتتبع الإدارة الأمريكية إستراتيجية ثلاثية الأبعاد في التعامل مع إيران تتمثل في:
(1) الاحتواء ( Containment ): وذلك بالمقاطعة وإحكام الحصار السياسي والاقتصادي.
(2) الاستنزاف ( Depletion ): حيث المزيد من الإنفاق العسكري، ويبرز ذلك بوضوح في إجراء إيران مناورات عسكرية عقب كل مناورات أمريكية في المنطقة، وتورطها في سباق صاروخي وتسليحي وفضائي لن يلحق أبدًا بالتفوق العسكري الأمريكي، وقد نجح هذا الأسلوب (الاستنزاف) في تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق، وفي استنزاف قدرات نظام صدام حسين في العراق.
(3) الاختراق ( Penetration ) : وذلك عبر تكثيف عمليات التجسس، واستقطاب قيادات علمية في الحرس الثوري، ويوجد برنامج سري لتشجيع علماء وقادة في الحرس الثوري على الهروب من إيران، يطلق عليه (تصفية الأدمغة)، وكانت أبرز نجاحات هذا البرنامج لجوء نائب وزير الدفاع الإيراني -علي رضا أصغري- إلى أمريكا عبر تركيا، فضلاً عن عمليات التخريب الداخلي ( Covert Actions )، وهو ما يجري حاليًّا ضد البرنامج النووي الإيراني عبر عدة مسارات خارجية وداخلية.
- وفي نفس الإطار الإستراتيجي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تكريس الإحباط في محاولات التفاوض مع إيران، وحشد الدعم الدولي لخنق الاقتصاد الإيراني، وإمداد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بأنظمة تسليح دفاعية وهجومية متقدمة، وكذلك إسرائيل، مع استخدام موسع للطائرات بدون طيار في عمليات التجسس بعمق داخل إيران. هذا إلى جانب توعية المجتمع الدولي بخطورة طموحات إيران السياسية ومشاريعها الإستراتيجية، ودعم حزب العمال الكردستاني الإيراني المعارض، واستغلال 3000 عنصر في منظمة «مجاهدي خلق» في عمليات تخريبية ضد إيران، بعد إخراج هذه المنظمة من قائمة المنظمات الإرهابية، وتشجيع القوى الليبرالية في إيران على الثورة، إلى جانب دفع سكان المحافظات الحدودية على الثورة ضد نظام حكم الملالي، ومعظم سكان هذه المحافظات من عرقيات غير فارسية وتدين بالمذهب السني، إلى جانب تكثيف الضغط الإعلامي والنفسي ضد النظام الحاكم في طهران.
- وعلى الصعيد العسكري، تسعى الإدارة الأمريكية إلى زيادة وتكثيف قواعدها العسكرية في الدول المحيطة بإيران في شرق وجنوب آسيا وجنوب أوروبا والخليج، وبما يمهد لنشر المزيد من القطع البحرية على خطوط الملاحة البحرية في الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي، وقد شجعت فرنسا على إنشاء قاعدة بحرية لها في أبو ظبي على مسافة 225 كم من مضيق هرمز. هذا إلى جانب تطوير أنظمة تسليح وذخائر خاصة يمكنها تدمير التحصينات المقامة لوقاية المنشآت النووية الإيرانية، خاصة منشأة «فاردو» القريبة من مدينة «قم» لتخصيب اليورانيوم داخل مغارات جبلية حصينة؛ لذلك طورت أمريكا القنبلة ( Blu-54 )، التي تزن 15 طنًّا، منها 2.65 طن متفجرات، وهي قادرة على الوصول إلى عمق 60 مترًا تحت الأرض وتدمير ما يتواجد على هذا العمق من منشآت، وقد حصل الجيش الأمريكي على 8 قنابل قيمتها 32 مليون دولار، كما تم تطوير القاذفة المقاتلة ( B-2 )؛ لتحمل هذه القنبلة، والتي يتم توجيهها بالقمر الصناعي، هذا إلى جانب القنبلة (MOP) ( Massive Ordnance Penetration )، التي تزن 13.6 طنًّا، منها 2.3 طن متفجرات، وتنفجر على عمق 20 مترًا. مع الاستعداد لاستخدام صواريخ ذكية ( B-86 ، B-69 ) تم تطويرها مؤخرًا، والقنبلة النووية التكتيكية ( B-61-11 )، ويوجد منها حوالي 120 قنبلة في القواعد الأمريكية في الخليج، خاصة أنجرليك بجنوب تركيا. وقد عززت الولايات المتحدة قدراتها التجسسية الفضائية فوق منطقة الخليج بإطلاق عدة أقمار صناعية؛ لتأمين تجسس فضائي فوق المنطقة على مدار الساعة. كما نقلت إلى قاعدة ديجوجارسيا بالمحيط الهندي 387 قنبلة قادرة على اختراق التحصينات.
“,” “,”
خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات
وفي نفس الإطار العسكري قامت الولايات المتحدة بعقد عدة صفقات مع دول الخليج، تضمنت أنظمة دفاعية وهجومية متقدمة، منها 96 صاروخًا مضادًا للصواريخ لدولة الإمارات، و4900 قنبلة ذكية جو/أرض مزودة بجهاز (جدام) الذي يربط القنبلة بالهدف عبر قمر صناعي. كما عقدت السعودية صفقة ضخمة شملت 84 مقاتلة ف-15، وتطوير 70 مقاتلة أخرى نفس الطراز، 178 مروحية هجومية، منظومة صواريخ ثاد المضادة للصواريخ، مع تطوير نظام (باتريوت- باك - 2) المضاد للصواريخ.
وتحث الولايات المتحدة دول الخليج على نشر المزيد من منظمات الدفاع الصاروخي (باتريوت - باك2، 3) و(ثاد)، وهو تجديد لمحاولات قديمة قام بها وزير الدفاع الأمريكي السابق، وليام كوهين، في الفترة بين 1997 و2001. إلا أن الخطة الأمريكية الجديدة تشمل نشر نظام الدفاع الصاروخي البحري (إيجيس) المزود بصواريخ مضادة للصواريخ SM-3 ، وهو نظام راداري- صاروخي مشترك، محمل فوق سفن بحرية، ويمكن نشره في مواقع أرضية، وقد نشرته أمريكا في جنوب أوروبا بديلاً لنظام الدرع الصاروخي NMD الذي عارضته روسيا. إلا أن النظام (إيجيس) يعتبر مكلفًا جدًّا
-البطارية الواحدة نصف مليار دولار- وهو ما يثقل كاهل دول الخليج، فضلاً عن المشكلات الفنية لعمل هذا النظام؛ بسبب تقارب المسافة بين دول الخليج وإيران. ولعل إعلان البنتاجون فشل تجربة أمريكية لإسقاط صاروخ طويل المدى في محاكاة لهجوم صاروخي إيراني دليل على تلك المشكلة.
- تعتبر البحرية الإيرانية أكثر ما تزعج القادة الأمريكيين، وتعطي تدميرها أولوية على تدمير المنشآت النووية الإيرانية؛ حيث تتكون بحرية الحرس الثوري من أكثر من 150 قطعة من لنشات الصواريخ البحرية، واللنشات الانتحارية، والغواصات الصغيرة، وهي قادرة -إذا ما تم حشدها بأسلوب جيد- على توجيه ضربات نارية قوية وسريعة ومفاجئة ضد السفن الحربية الأمريكية الضخمة في الخليج (حاملات طائرات وبوارج صواريخ)، وفي حال نجاح البحرية الإيرانية في تدمير وإغراق إحدى هذه السفن الحربية فإن ذلك سيشكل كسرًا لهيبة الولايات المتحدة على مستوى العالم؛ مما يتطلب ردًّا انتقاميًّا قويًّا، قد يصل إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي ضد إيران، وهو سيناريو أشبه بنجاح الأرجنتين في إغراق طراد بريطاني في حرب جزر فوكلاند عام 1986.
- وقد طرح الجنرال الأمريكي المتقاعد (تشاك وولد) سيناريو لحل هذه المشكلة المعقدة دون حدوث حرب، تتمثل في تلويح الجيش الأمريكي بالاستعداد لشن هجوم عسكري من خلال نشر قوات أمريكية كبيرة في المنطقة، مثل مجموعة قتال حاملة طائرات ثالثة، إضافة للحاملتين الموجودتين بصفة دائمة، إلى جانب كاسحات ألغام في مياه الخليج، ووصول أسراب مقاتلات قاذفة إلى قواعد جوية بالمنطقة، مع الإعلان عن بدء مناورات عسكرية مع دول المنطقة. وإذا فشلت هذه الضغوط في التأثير على القيادة الإيرانية، فإن البحرية الأمريكية بإمكانها أن تتحرك لحصار الموانئ الإيرانية، وهو ما يعد شكلاً من أشكال الحرب لقطع واردات البنزين إلى إيران التي تشكل ثلث استهلاكها. ويعتقد الجنرال وولدان أن هذا الأسلوب الذي يجمع بين الردع والتلويح بالحرب والحصار سيدفع إيران إلى التراجع.
- وقد أكد قائد سلاح الجو الأمريكي، الجنرال نورتون شوارتز، امتلاك بلاده قنابل قوية جاهزة للاستعمال، بينها 30.000 قنبلة خارقة للتحصينات. وأن هيئة أركان الجيوش الأمريكية أعدت خيارات عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا حدث نزاع عسكري، وقد أفاد مسئولون في البنتاجون أن تلك الخيارات تبدأ بتوفير طائرات تزويد بالوقود للمقاتلات الإسرائيلية جوًّا، وتشمل شن هجمات جوية وصاروخية على ركائز النظام الإيراني، بما في ذلك الحرس الثوري -خاصة فيلق القدس- وقواعد عسكرية إيرانية نظامية ووزارة الاستخبارات. أما رئيس الأركان الأمريكي، الجنرال مارتن ديمبس، فقد أفاد أمام لجنة الموازنة في الكونجرس “,”لا مجموعة في أمريكا أكثر تصميمًا على منع إيران من امتلاك سلاح نووي أكثر من رئاسة هيئة الأركان“,”.
- ولكن في نهاية المطاف قد تلجأ واشنطن إلى القبول بإيران نووية، كما قبلت قبل ذلك بهند نووية وباكستان نووية وكوريا الشمالية نووية رغم الإرادة الأمريكية. وفي حال قبول واشنطن بسيناريو إيران نووية سيكون ذلك في إطار صفقة مع إيران، يتم خلالها توزيع مناطق النفوذ، وإعطاء إيران دورًا في أمن الخليج، والاعتراف بها كمعبّرة عن مصالح الشيعة في العالم، وضمان عدم تدخل أمريكا في شئون إيران الداخلية أو تهديد نظام الحكم الديني فيها، مقابل عدم تهديد المصالح الأمريكية -خاصة النفطية في منطقة الخليج- وكذلك المصالح الإسرائيلية؛ على اعتبار أن تدخل دول الخليج العربية تحت المظلة النووية الأمريكية والدفاعية الصاروخية.
- ويلاحظ في مواقف صناع القرار الأمريكي، خلال الحروب والصراعات المسلحة التي خاضتها الولايات المتحدة، أن مشكلتهم تتمثل في أنهم يدخلون الحرب دائمًا متأخرين. ففي الحرب العالمية الأولى دخلوا بعد إغراق سفينة حربية بواسطة الغواصات الألمانية، وفي الحرب العالمية الثانية بعد ضرب قاعدة بيرل هاربر البحرية، وبعد أن تعبت الأطراف الرئيسية في الحرب (ألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا)، ولكنهم في المقابل يتحسبون لما سيقع في اليوم التالي.
حقيقة الموقف الإسرائيلي وأبعاده:
- ملأت إسرائيل العالم ضجيجًا بشأن توجيه ضربة إلى المفاعلات النووية الإيرانية، ودفعت العالم كله إلى طرح أسئلة كثيرة حول: متى وكيف ستتم هذه الضربة؟ وهل ستكون إسرائيلية منفردة أم مشتركة مع الولايات المتحدة والناتو؟ ويبدو أن هذا ما تريده إسرائيل فعلاً بإثارة زوبعة تشغل العالم، تكون هي محورها، ولا تعطي إزاءها جوابًا قاطعًا. ولكن الحقيقة المهمة التي كشفت عن نفسها في هذه الزوبعة هو وجود انقسام في القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بين مؤيد ومعارض لهذه الضربة، وقد تمثل ذلك فيما أبداه الرئيس الإسرائيلي (شيمون بيريز) من معارضة لهذه الضربة التي لن تؤدي إلا إلى تعطيل البرنامج النووي بضع سنوات أو شهور، وهو ما لا يساوي الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل من أرواح ودماء شعبها، التي تقدرها الدوائر الإسرائيلية الدفاعية بما لا يقل عن 5000 قتيل وضعفهم من المصابين، ناهيك عن الخسائر المادية. يؤيد بيريز في ذلك رؤساء سابقون في جهاز الاستخبارات (موساد)، مثل مائير داجان، بل أيضًا وزير الخارجية المتشدد أفيجدور ليبرمان، ووزير شئون المخابرات دان مريدور، ووزير الدولة ميخائيل إيتان. وقد كشف البعض -مثل الباحث العسكري تصيفي رخفلسكي- عن نقاط ضعف خطيرة في منظومة الدفاع المدني عن الجبهة الداخلية، منها عدم توافر أجهزة إطفاء حريق كافية؛ مما تسبب في مقتل 44 فردًا في حريق الكرمل منذ سنتين، وتساءل إذا كان هذا هو حال الدفاع المدني إزاء حادث حريق غير معادٍ، فكيف سيكون حاله عندما يسقط على إسرائيل حوالي 200.000 صاروخ من ثلاث أو أربع اتجاهات إستراتيجية مسلح معظمهما برءوس كيماوية؟! كما اتضح أن موقف معظم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية رافض للضربة، رغم كثافة التدريب الجوي والصاروخي والبحري والقوات الخاصة عليها، لا سيما بعد بروز العجز في عدد طائرات القتال اللازمة لضرب حوالي 200 هدف إستراتيجي وعسكري، المنشآت النووية بينهما لا تزيد عن 35- 40 هدف، أما باقي الأهداف فتشمل القواعد الحيوية والمطارات وبطاريات الرادارات والدفاع الجوي، ووحدات الصواريخ البالستية «شهاب»، ومراكز القيادة والسيطرة السياسية والإستراتيجية، ومواقع الحرس الثوري، والمصانع الحربية... الخ، وكلها أهم بكثير من المنشآت النووية، وإن لم يتم تدميرها وإسكاتها في المرحلة الأولى من الضربة فإنها ستعترض المقاتلات الإسرائيلية وتكبدها خسائر جسيمة. وإذا كان كل هدف يحتاج إلى ثلاث مقاتلات على الأقل لتدميره؛ فإن 200 هدف ستحتاج إلى حوالي 600 طائرة قتال لتدميرها في طلعة واحدة، أو 300 طائرة قتال (معظمها ف-16) لتدميرها في طلعتين، بالإضافة لما لا يقل عن 30 مقاتلة ف-15 للحماية الجوية، بإجمالي حوالي 400 مقاتلة. فإذا كان كل ما تملكه إسرائيل من مقاتلات لا يتعدى 600 مقاتلة، فستخصص ما لا يقل عن ثلثها -أي حوالي 200 مقاتلة- لتأمين الأجواء الإسرائيلية، وتوجيه ضربات جوية ضد حلفاء إيران في لبنان وسوريا وغزة في حالة قيامهم بقصف إسرائيل بالصواريخ، وسيتبقى لدى إسرائيل حوالي 400 طائرة قتال؛ مما سيضطرها إلى تنفيذ عملياتها الجوية في طلعتين أو أكثر، مع إشراك الصواريخ الباليستية (أريحا-3) بعد أن زاد مداها إلى 2000 كم، وبلغ وزن الرأس الحربية 750 كجم، وتعتقد إسرائيل أن إشراك 50 صاروخ أريحا-3 سيحدث خسائر ضخمة في المنشآت النووية الإيرانية، وأن النقص في الطائرات الإسرائيلية ستعوضه المقاتلات والقاذفات الأمريكية، التي ستُجبر على المشاركة في العملية بدعوى حماية إسرائيل من رد الفعل الإيراني.
- هذا فضلاً عن مشاكل أخرى ستواجه الضربة الإسرائيلية، أبرزها أن هناك كمية من الأهداف النووية والعسكرية غير معلوم أماكنها بدقة؛ مما يزيد من حجم الأهداف عما هو مرصود، وبعض هذه الأهداف خداعي (هيكلي). هذا إلى جانب بعد المسافة (1800 كم)؛ مما سيفرض تنفيذ عمليات تزويد بالوقود في الجو، لا سيما وأن خطوط الطيران الثلاثة المحتملة لتنفيذ الضربة تمر في أجواء دول معادية (العراق، تركيا، السعودية)؛ الأمر الذي دفع وزير الجبهة الداخلية (متاي فلنائي) للقول بأن إسرائيل ليست جاهزة لتلقي ضربات صاروخية معادية، لا سيما وأن 40% من السكان لم يتسلموا أقنعة واقية بعد، وتشكيك في مدى جدية جاهزية إسرائيل لشن ضربة ضد إيران وتحمل تبعاتها؛ الأمر الذي جعل معلقين إسرائيليين يصفون مؤيدي الضربة -أمثال ناتنياهو رئيس الوزراء، وإيهود باراك وزير الدفاع- بأنهم يعملون بطريقة «امسكوني حتى لا أفقد أعصابي وأضرب».
والهدف الإسرائيلي هو أن يدب الفزع في قلوب قادة أمريكا وأوروبا، فيهرعون إلى مطالبة إسرائيل بالامتناع عن ضرب إيران، وهو في حد ذاته يشكل ضغطًا على إيران للتراجع عن برنامجها النووي العسكري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن لإسرائيل أن تفرض مطالبها السياسية والعسكرية والاقتصادية على هؤلاء القادة. وأبرز هذه المطالب الحصول على أنظمة تسليح وذخائر متطورة (مقاتلات ف-35، قنابل خارقة للتحصينات، أنظمة دفاع صاروخي متطورة (مثل باتريوت- باك-3، إيجيس، ثاد)... الخ، خاصة بعد ما ثبت من أنه من بين كل 7 صواريخ بالستية معادية يمكن لوسائل الدفاع الصاروخي أن تعترض 1 - 3 صواريخ فقط، كما أن منظومة الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية)، التي عوّلت عليها إسرائيل كثيرًا في اعتراض الصواريخ قصيرة المدى أرض/أرض ثبت أنه من بين 77 صاروخًا معاديًا قصير المدى تعرضت لها إسرائيل في حربي 2006، 2009 نجحت القبة الحديدية في اعتراض 44 صاروخًا فقط.
وتحتاج إسرائيل أيضًا إلى عدد إضافي من طائرات التزود بالوقود في الجو؛ حيث لا تملك سوى 8 طائرات فقط KC-757 ستحلّق على ارتفاع 50.000 قدم لتكون بعيدة عن نيران نظم الدفاع الجوي الإيرانية، إلى جانب تحديث ما تملكه من طائرات حرب إلكترونية لتنفيذ عمليات الإعاقة اللاسلكية والرادارية قبل وأثناء تنفيذ الضربة، فضلاً عن طائرات إنذار مبكر وقيادة وسيطرة E2-C ، وطائرات هليكوبتر لإنقاذ الطيارين الذين يحتمل إسقاط طائراتهم، وتوصيل القوات الخاصة إلى مناطق عملياتها التخريبية في المنشآت النووية الإيرانية التي لن يستطيع القصف الجوي تدميرها. ولذلك تقوم إسرائيل بتدريب قوات كوماندوز تدريبًا شاقًّا على تنفيذ عمليات تخريبية في العمق الإيراني، بما في ذلك السير مسافات طويلة ليلاً ونهارًا حتى يصلوا إلى منشآت نووية محصنة -مثل منشأة فاردو لتخصيب اليورانيوم التي تم تجهيزها في جوف الجبل- ثم يقومون بتدميرها.
وبغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر بين المسئولين الإسرائيليين والأمريكيين حول ضرورة الضربة الإسرائيلية ضد إيران -سواء منفردة أو بالاشتراك مع القوات الأمريكية- فإن هناك عدة مبادئ واعتبارات يتفق عليها الطرفان، وهي:
(1) لا تملك إسرائيل رفاهية التخلي عن مبدأها الإستراتيجي في احتكار السلاح النووي في المنطقة لوحدها لاعتبارات أمنها القومي.
(2) إن إيران باتت قادرة على إنتاج 4 قنابل نووية خلال 1.5 سنة، وهو ما صرح به الجنرال عفيف كوتشافي؛ على أساس أن إيران ضاعفت عدد أجهزة الطرد المركزي ووصلت إلى 9000 جهاز، بعد أن أضافت 3000 جهاز طراز حديث P-4 الأسرع والأنقى في عمليات التخصيب والأقل أعطالاً، كما زادت قدرتها على التخصيب إلى نسبة مستوى 20% في منشأتي (فاردو) و(ناتانز)؛ ولذلك فهي قادرة على الحصول على 25 كجم يورانيوم مخصب بنسبة 90%، وهي الكمية اللازمة لصنع سلاح نووي خلال 1.5 عام، فضلاً عن استمرار مفاعل آراك في برنامجه لفصل البلوتونيوم وإنتاج الماء الثقيل.
(3) إن استمرار إيران في تطوير ترسانتها الصاروخية التي تعدى مداها 4000 كم، ومن طرازات متطورة دقيقة تعمل بالوقود الصلب متعددة المراحل (مثل الصاروخ سجيل 1، 2)، وتزويدها برءوس كيماوية، يمكن أن تحدث خسائر بشرية ومادية جسيمة (الرأس الكيماوية تلوث 50 هكتارًا، ومع افتراض إطلاق 100 صاروخ مزودة برؤوس كيماوية فبمقدورها تلويث 5000 هكتار في مناطق شمال ووسط إسرائيل المكتظة بالسكان والأهداف الإستراتيجية الحيوية العسكرية والمدنية، وتقدر حجم الخسائر البشرية بحوالي 10.000 فرد، بما يتطلب تهجير حوالي نصف مليون إسرائيلي إلى منطقة غور الأردن، وهو ما تدربت عليه القوات الإسرائيلية في مناوراتها الأخيرة.
(4) تعتقد إسرائيل أنه لا فائدة من سياسة العقوبات الأخيرة، بما فيها مقاطعة النفط الإيراني وحظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني؛ لأن إيران تأقلمت مع مثل هذه العقوبات لمدة ثلاثة عقود، فضلاً عما لديها من إمكانات وقدرات ذاتية تمكنها من تقليص تأثير العقوبات؛ ومن ثم لا سبيل لإيقاف أو تأخير البرنامج النووي الإيراني إلا بتفعيل الخيار النووي.
(5) لذلك تعتبر إسرائيل نفسها في صراع مع الزمن لإيقاف أو تأجيل البرنامج النووي العسكري الإيراني، حتى وإن تسببت الضربة في تعجيل إيران بالوصول إلى سلاح نووي، والتحول إلى الردع النووي العلني (كما فعلت باكستان عام 1998 بتجاربها النووية العلنية الخمسة عقب ثلاث تجارب نووية هندية).
- أما وجه الاختلاف الرئيسي بين إسرائيل والولايات المتحدة فيتمثل في: (1) اعتقاد الرئيس أوباما أنه لا يزال هناك وقت يجب انتظاره حتى تؤتي العقوبات الاقتصادية الأخيرة ثمارها في كسر الإرادة الإيرانية. (2) لا ينبغي لإسرائيل أن تشن ضربة ضد إيران دون إخطار مسبق للولايات المتحدة بذلك، وقد وعدت إسرائيل بأن تبلغ واشنطن بموعد الضربة قبل تنفيذها بـ12 ساعة فقط، وهو ما لا توافق عليه واشنطن. لذلك تأجلت المناورات البحرية الأمريكية - الإسرائيلية المشتركة ( Ouster Challenge-12 ) للضغط على إسرائيل؛ حيث يريد أوباما أن يكون قرار الحرب ضد إيران في أيدي واشنطن وليس إسرائيل؛ لأن المصالح الأمريكية في العالم كله، وليس في منطقة الخليج فقط، ستتضرر من جراء قيام إيران بشن ضربة مضادة انتقامية. وهو ما فرض على الولايات المتحدة أن تزيد حجم وجودها البحري في الخليج، وأن توافق على مشاركة القوات البحرية الإسرائيلية مع قوات الناتو في مناوراتها البحرية -وهي أول مرة لدولة ليست عضوًا في الناتو- وذلك ضمن ما يعرف بـ“,”عمليات السعي النشط للحلف في البحر المتوسط“,”، والتي يتولاها الناتو بهدف مراقبة السفن والتأكد من عدم حملها أسلحة أو عناصر إرهابية، كما فرض هذا الموقف الإسرائيلي على الولايات المتحدة أن تعمل على تطويق إيران بقواعد عسكرية في آسيا الوسطى، خاصة تركمانستان، إضافة للنشاط الإسرائيلي في بلدان هذه المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني فيها.
- ويشتمل التخطيط الإستراتيجي لإسرائيل لشن ضربة ضد إيران على عدة ركائز تشمل: (1) خلق ذريعة الحرب، (2) اختيار توقيت شن الحرب، (3) مسار الحرب (تحديد بنك الأهداف التي ستضرب، صيغة الرد الإسرائيلي على الرد الانتقامي الإيراني، إستراتيجية الخروج من الحرب)، (4) خطة خداع إيران عن نوايا إسرائيل. وتتبع إسرائيل في تعاملها مع إيران المثل الصيني: «انتظر عدوك عند النهر فسيأتيك طافيًا».
- كما تعتمد الإستراتيجية الإسرائيلية في إضعاف البرنامج النووي الإيراني قبل شن الضربة على أساليب اغتيال العلماء الإيرانيين، وتخريب البرنامج النووي بوسائل متعددة، منها:
(1) شن حرب إلكترونية ضد أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بتخصيب اليورانيوم (مثل زرع فيروس «ستاكسنت» الذي عطل معظم أجهزة الطرد المركزي، وفيروسات أخرى بإمكانها تعطيل الحواسب الإلكترونية)، وبما يعطي دلالات خاطئة عن قياسات الأمان المطلوب توافرها، ويؤدي بالتالي إلى وقوع حوادث في المفاعلات والأجهزة النووية تتسبب في كوارث.
(2) اغتيال أربع علماء نوويين إيرانيين حتى اليوم، وتستهدف حاليًّا العالم «محسن فخري زادة»، عالم الطبيعة النووي، والأب بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني، والعالم «عباس دوالي»، والعالم «مسعود علي محمدي»، وكان آخر من اغتالتهم إسرائيل العام الحالي من العلماء الإيرانيين «مصطفى أحمد روشان»، المسئول عن منشأة ناتانز، وذلك بواسطة عملائها داخل إيران.
(3) تخريب المعدات النووية التي تستوردها إيران من الدول التي تنتجها، قبل أن تصل إلى إيران، أو وهي في الطريق إليها، أو بعد وصولها وتركيبها.
(4) ينتحل ضباط الموساد صفة أمريكيين لتجنيد عملاء في إيران، وقد استخدمت الموساد عناصر سنية من قبائل البالوش في باكستان وإيران لتنفيذ عمليات هجومية ضد إيران، بعد أن ادعى ضباط الموساد أنهم من جهاز المخابرات المركزية الأمريكية ؛ CIA لإلصاق التهمة بالولايات المتحدة.
(5) الاستفادة استخباراتيًّا من العلاقات التجارية التي تقيمها شركة «عوفر» الإسرائيلية للنقل البحري مع إسرائيل، والتي سبق أن اشترت من إيران نفطًا «خام» لصالح إسرائيل في موانئ أوروبية، أبرزها ميناء روتردام في هولاندا، مقابل بيعها نفطًا مكررًا (بنزين) إلى إيران سبق أن أرسلته شركة (عوفر) إلى إيران في 9 ناقلات بحرية إسرائيلية. ويوجد نحو 200 شركة إسرائيلية تتعامل مع إيران تستفيد منها الموساد في جمع معلومات عن إيران واختراقها.
(6) التعاون مع روسيا في تبادل معلومات إلكترونية عن شفرات أنظمة التسليح؛ حيث كشف موقع (ويكيليكس) عن وثيقة تفيد أن إسرائيل تلقت من موسكو شفرات ورموز أنظمة الدفاع الجوي الروسية التي بيعت إلى إيران طراز ( Tor-M1 )، وذلك مقابل رموز وشفرات الاتصال الخاصة بالطائرات بدون طيار التي باعتها إسرائيل إلى جورجيا. (7) كما تعاونت إسرائيل وتركيا في فك شفرات نظام الصواريخ المضاد للصواريخ الروسي ( S-300 ) الذي قامت روسيا بتزويد اليونان به.
(8) التخطيط الإسرائيلي لشن عمليات تخريبية ضد إيران، انطلاقًا من أذربيجان التي اشترت من إسرائيل أسلحة بقيمة 1.5 مليار دولار.
- وترفض إسرائيل مقارنة إيران بكوريا الشمالية بعد اتفاق الأخيرة مع الولايات المتحدة على تجميد أنشطتها النووية في مقابل مساعدات غذائية. وذلك باعتبار أن الملفين النوويين لإيران وكوريا الشمالية مختلفان تمامًا؛ ذلك أن كوريا الشمالية قد تخطت عتبة القدرة النووية، وأصبحت تملك فعلاً أسلحة نووية، وهو ما لم يحدث ولا تريد إسرائيل حدوثه أصلاً في إيران بمنعه من الآن. هذا فضلاً عن كون كوريا الشمالية دولة صغيرة وضعيفة، وإذا امتلكت قنبلة نووية أو اثنتين فإن ذلك للابتزاز الاقتصادي فقط، فيما لدى إيران قدرات ذاتية اقتصادية ضخمة وأذرع ممتدة في أنحاء كثيرة في المنطقة وعلى مستوى العالم، إلى جانب دوافع أيديولوجية. ولقد ساهم الاتفاق بين واشنطن وبيونج يانج على تجميد الأخيرة لبرنامجها النووي في تعزيز حجة إدارة أوباما ضد عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران.
- وفي إطار استعداد إيران لمواجهة رد الفعل الصاروخي الإيراني ضدها في حالة إقدام إسرائيل على شن ضربة ضد إيران، فقد عززت إسرائيل قوتها البحرية من الغواصات بإضافة غواصة سادسة من طراز (دولفين) الألمانية الأصل، قادرة على البقاء في البحر 50 يومًا، وبعمق يصل إلى 1150 قدمًا تحت الماء ولمدة أسبوع، فضلاً عن تسليحها بصواريخ كروز يصل مداها إلى 1500كم، وهي قادرة على ضرب إيران من مواقع لها في خليج عمان، وقد تدربت بالفعل قوة الغواصات الإسرائيلية على الإبحار إلى منطقة العمل المتوقعة في خليج عمان.
حقيقة الموقف الإيراني وأبعاده:
- لم يعد خافيًا على أحد أن النظام الإيراني نجح بدرجة كبيرة في تصدير ثورته الخومينية إلى عدد من الدول العربية والإسلامية، ولكن بدماء العرب، كما حدث في حرب لبنان 2006، وحرب غزة 2009، وحرب الحوثيين في شمال اليمن وجنوب السعودية، ناهيك عن سيطرته شبه الكاملة اليوم على العراق، وتعميق نفوذه في السودان الذي ثبت أنه يشكل معبر إرسال الأسلحة الإيرانية إلى عملاء إيران في مصر، وإلى حركة حماس في غزة من خلال صحراء سيناء، كما يوجد بالسودان عناصر من اللواء السابع كحرس ثوري إيراني (والي الأنصار) مند عام 2006، كذلك إريتريا؛ حيث حصلت إيران على قواعد عسكرية في بورسودان وميناء عصب الذي نشرت فيه إيران صواريخ ساحلية تهدد بإغلاق مضيق باب المندب وتعطيل الملاحة في قناة السويس.
“,” “,”
حاكم البحرين
واليوم تسعى إيران إلى تصدير ثورتها إلى دول الخليج، من خلال أعمال التجسس، وتجنيد العملاء في الحصول على المعلومات، وتنفيذ أعمال تخريبية في المنشآت والأهداف الإستراتيجية في هذه الدول، بل ومحاولة إسقاط الأنظمة الحاكمة -مثل محاولاتها في البحرين التي تعتبرها إيران المحافظة الرابعة عشر الإيرانية -حيث شكلت ما يسمى بـ (أحزاب الله الخليجية)، التي يتم تدريبها وتسليحها في معسكرات فيلق القدس، المسئول عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني، الذي لم يتردد في التصريح بأن «إيرانات جديدة ستظهر في المنطقة.. ومنها البحرين، وستكون مصر إيرانية شاءوا أم أبوا»!! ولم يكتف بذلك، بل زاد الأمر صراحة عندما قال إن بلاده حاضرة في لبنان والعراق، وأن هذين البلدين يخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها، وأن إيران بإمكانها تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بغية مكافحة “,”الاستكبار“,”. وهو ما يعني أن إيران ترى أن الوقت صار مناسبًا لحزب الله لإعلان حكومة إسلامية في لبنان، وهو ما عارضته قوى 14 آذار في لبنان، وائتلاف دولة القانون برئاسة د. علاوي في العراق، وكذلك كتلة التحالف الكردستاني هناك.
فإذا علمنا أن سليماني هو الشخصية السياسية والعسكرية الأقوى اليوم في إيران، وأنه المرشح ليكون خليفة نجاد في رئاسة الجمهورية؛ لأدركنا مغزى وخطورة هذا الرجل، وما تحمله تصريحاته من دلالات، أبرزها أن هذه التصريحات لم تأت من فراغ، ولكن ترتكز على إدراك بوجود قواعد سياسية وشبه عسكرية منظمة تابعة لإيران داخل هذه الدول التي يرشحها سليماني لتكون إيران أخرى، أبرزها -في مصر وسوريا وتونس والأردن والمغرب- جماعة الإخوان، التي أوشكت أن تتولى مقاليد السلطة في معظم ما يطلق عليه «دول ثورات الربيع العربي»، والتي يتوقع أن تبرم حكومات جماعة الإخوان بتوليها السلطة تحالفات سياسية وإستراتيجية مع إيران، ترسخ أقدام ونفوذ إيران سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا في هذه الدول، على النحو الذي جرى في سوريا ولبنان والعراق، وفي ذلك قال سليماني: «إن إيران قادرة على فرض حكومات إسلامية في الدول التي تسيطر عليها».
- ومما لا شك فيه أن تحالف إيران مع جماعة الإخوان سيشكل ضغطًا على دول الخليج من جانبين: عربي وإيراني، وسيكون هذا التحالف تحت اسم «تحالف الثوار ضد المحافظين»، وهو عنوان يمكن أن يلهب عواطف الجماهير، ويلهيها في نفس الوقت عن الساحة الداخلية الإيرانية التي تئن من اضطرابات كثيرة، وباعتبار أن إيران هي قاعدة الشيعة في العالم المعاصر، وأن مصر هي قاعدة السُنه الموالية لقاعدة الشيعة في إيران، وبتحالف القاعدتين يتكون -في الظن الإيراني- محور سياسي إستراتيجي يعادل جبهة جنوب أوروبا، وأيضًا جنوب شرقي آسيا.
- وقد أكد على هذه المخاطر الأمنية من جانب إيران ضد دول الخليج اللواء ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي، في كلمته أمام مؤتمر الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون بالبحرين في بداية هذا العام عندما قال: «إن تبعية العراق لإيران أمر يهدد أمن الخليج، كما أن البرنامج النووي الإيراني يهدد أمن الخليج، حتى وإن كان سلميًّا». وكان اللواء خلفان واضحًا عندما تحدث عن خريطة «مملكة البحرين الشيعية» الممتدة من كاظمة إلى الفجيرة، ثم شن هجومًا لاذعًا على جماعة الإخوان، واعتبر تنظيمهم تهديدًا للأمن الخليجي، وقال: «إن أمريكا تؤيد الإخوان المسلمين، وأقولها بكل صراحة: إن الإخوان لا يتمنون رؤية شيوخنا حكامًا في الخليج».
ولم يغفل اللواء خلفان تهديدات الأمن السياسي المتعلقة بضعف الولاء والانتماء الوطني، ووجود فجوة بين الحاكم والمحكوم، وترهل الإدارة وضعف الشفافية وخطر الفساد. كذلك هاجم خلفان الغموض الأمريكي في السياسة الخليجية، وعدم وضوح الأجندة الأمريكية، وتحدث أيضًا عن تراجع ثقة شعوب دول الخليج في الدور الأمريكي بالمنطقة، وعن تساؤلهم حول تحقيق مصالحهم وأمنهم. وقد صدق اللواء خلفان في حديثه عن اضطراب السياسة الأمريكية في منطقتنا، ولقد رأينا هذا واضحًا في تسليم العراق بالمفتاح إلى أتباع إيران في العراق من الأحزاب الشيعية الأصولية وعلى رأسهم نوري المالكي. ورأينا أيضًا اضطراب الموقف الأمريكي في تأييدهم المبكر للمخطط القاضي بإسقاط حكم مملكة البحرين، وإقامة «الجمهورية الإسلامية»، ثم بعد أن فرض الخليجيون قوة الأمر الواقع من خلال التدخل بقوات درع الجزيرة لإنقاذ البحرين، وإحباط المخطط الإيراني، بلع الأمريكيون لسانهم وغيّروا لغتهم، ولم يقولوا كلمة «ارحل الآن وفورًا» التي قيلت للرئيس السابق في مصر حسني مبارك. وهو ما يؤكد حقيقة أن «الآخرين لن يفهموا مصالحك إلا إذا كنت أنت نفسك تفهمها وتعيها وتقدر على الدفاع عنها».
أما حديث اللواء خلفان عن خطورة جماعة الإخوان المستقبلية على أمن الخليج السياسي، وكيف يتباين الإخوان في رؤيتهم السياسية لطبيعة الأنظمة والسياسة في المنطقة؛ فقد كان صادقًا في تحليله دون مبالغة. فنجد دولة قطر تأوي الأب الروحي والمالي والإعلامي لهم في الخليج، وهو يوسف القرضاوي، الذي سخـَّرت له قطر قناة الجزيرة بكل قنواتها لهم، ناهيك عن أنواع الدعم الأخرى. بينما نرى دولة الإمارات لديها موقف صارم جدًّا تجاه جماعة الإخوان لدرجة شديدة الحزم والوضوح. أما في السعودية فقد كانوا لاجئين وممكنين في حضن الدولة والمجتمع، حتى حدث الشرخ السياسي الكبير بعد غزو صدام حسين للكويت ودعم جماعة الإخوان له، ثم قيام ما يسمى بـ«محور الممانعة»، وكيف ساهم الإخوان -خصوصًا في مصر- في تنمية وتضخيم هذا المحور بقيادة إيران ضد دول الخليج ومن معها من الدول العربية. ومن المعتقد أن الإخوان بعد أن ركبوا موجات الثورة في تونس ومصر وليبيا، واليمن وسوريا لاحقًا، إن استطاعوا تجاوز التحديات الخطيرة في الاقتصاد والسياسة والأمن، فقد يمكنهم ذلك من تشكيل محور جديد مع إيران لن تجني دول الخليج منه خيرًا. فإن لديهم خبرة في الانقلاب السياسي، ويكفي التذكير بما فعلوه بإمام اليمن يحيى حميد الدين عام 1948 بتدبير من مرشدهم وإمامهم الأول حسن البنا، والجزائري الفضيل الورتلاني.
- وحقيقة الأمر أن الخليج ليس وحده هو المهدد، فإيران تمثل خطرًا داهمًا على مصر من خلال تحالفها مع جماعة الإخوان، خاصة بعد توليهم السلطة في مصر، واعتبارهم حماس في غزة فرعًا من الجماعة، وفتح الحدود الشرقية لمصر مع حماس، وما ترتب وسيترتب على ذلك من تهديد لأمن مصر، من خلال تهريب السلاح الإيراني إلى سيناء من فوق وتحت الأنفاق، لا سيما وأن لحماس مخططًا لمد نفوذها إلى أجزاء من شمال سيناء؛ بدعوى تخفيف ضغط الكثافة السكانية في قطاع غزة، وقد سبق لحركة حماس أن اقتحمت الحدود المصرية عدة مرات، حيث قامت بتهريب أفراد وأسلحة ومتفجرات ضبط بعضها في العمق المصري.
فإذا ما ربطنا بين تحالف جماعة الإخوان مع حماس في الشرق، ونظام حكم البشير بالسودان في الجنوب، ومع التيار الإسلامي وتنظيم القاعدة في ليبيا غرب مصر، لأمكننا أن ندرك حجم التهديد الأمني الذي ستواجهه مصر مستقبلاً إذا ما دخلت في تحالف إستراتيجي مع النظام الإيراني، الذي يفرض حمايته ودعمه لهذه الأنظمة السياسية. يزيد من خطوة التهديد الإيراني لمصر التمويل الإيراني لبعض الجماعات الدينية المتطرفة في مصر، وتمويل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى التابعة لطهران في القاهرة، وكذلك ضخ أموال لتجنيد الشباب، وهو ما انعكس في الأعداد المتزايدة من الشباب المصري الذين يذهبون إلى إيران، وكشف أجهزة الأمن المصرية دخول 575 مليون دولار من إيران إلى عملائها في مصر في الأشهر القليلة التي تبعت الثورة المصرية حتى نوفمبر 2011، وكانت ثمرة كل ذلك الإعلان عن تشكيل الحرس الثوري المصري، ووجود لوبي سياسي إعلامي طهراني في مصر يدافع عن التغلغل الإيراني، ويرشح الموقف بين مصر وإيران إلى مزيد من التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، حتى وصل الأمر إلى عرض إيران تعويض مصر عن المساعدات الأمريكية (1.3 مليار دولار) التي تهدد واشنطن بإيقافها. وقد كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن وجود مخطط إيراني لاستغلال حالة الفوضى في مصر بعد سقوط النظام السابق بإقامة بنية تحتية لها في سيناء، يمكن استخدامها في تهريب أسلحة متطورة وبكميات ضخمة إلى قطاع غزة.
- ولا شك أن نظام حكم الملالي في إيران يسعى لاستعادة مملكة فارس التي كانت تمتد من الهند شرقًا إلى الأرخبيل الإفريقي غربًا، ومن بحر قزوين والقوقاز والبحر الأسود ونهر الدانوب شمالاً إلى الصحراوين العربية والنوبية جنوبًا، وهذا هو حلم حكومات الملالي المتعاقبة في طهران اليوم ومنذ الثورة الخومينية عام 1979. لذلك باتت الأولوية الإيرانية هي لترسيخ صورة الدولة الإقليمية القائد، والقادرة على تغيير العالم بأسره وليس فقط الإقليم المحيط، والدولة التي تواجه القوة الأعظم بكل الأساليب الممكنة، والدولة التي لا تعيش إلا على إثارة الأزمات والمشاركة فيها والامتداد في كل مكان.
ويمكن للمرء أن يحصي عددًا كبيرًا من تصريحات الرئيس نجاد وبعض كبار المسئولين في حكومته التي تعكس هذه المعاني مجتمعة. ومما قاله نجاد أن بلاده هي الأقوى على وجه الأرض، وأن جيشها هو الأول في العالم، وأن الأعداء لن ينالوا منه شيئًا. وقد يتفهم المرء دوافع مثل هذه التصريحات الاستعلائية، التي تتسم بالمبالغة لاعتبارات الاستهلاك المحلي وحشد الرأي العام الداخلي، ولكنه بالقطع لا يقبل الخضوع لها بدافع الخوف أو الانبهار أو الخداع، خاصة إذا ما حاول قائلها الإيحاء بأن قوة إيران بهذا الشكل لن تفعل ذلك من أجل الغير، بل من أجل نفسها ومن أجل طموحاتها، وهو ما اكتشفه المستمعون العرب للخطاب الإيراني؛ حيث فشل هذا الخطاب في توليد أدني قناعة لدى العرب بحقيقة ومشروعية الدعاوى الإيرانية في الجهاد والمقاومة والممانعة دفاعًا عن الإسلام.
- ولم يعد خافيًا أيضا أن ملالي إيران ينظرون إلى أهل السنة في العالم الإسلامي على أنهم كفار، بل وينظرون لجميع العرقيات غير الفارسية نظره دونية، وأصبح العرب جميعًا يعيشون اليوم وكأنهم يمشون في حقل ألغام زرعه ملالي إيران، ووقفوا يتفرجون علينا من بعيد -وقريب أيضًا- في انتظار من تنفجر فيه الألغام أولاً؛ لكي يتوالى بعد ذلك انفجار باقي الألغام. ولا يكتفي الملالي بذلك، بل ويتوعدون أيضًا بنسف مكة والمدينة لتكون كربلاء قبلة المسلمين، وذلك فيما عرف بنظرية «أم القرى» التي تحدث عنها د. محمد جواد لاريجاني في كتابه (مقولات في الإستراتيجية الوطنية)، وخلاصة قوله إن دول العالم العربي ستصبح في نهاية المطاف بمثابة مقاطعات ستدين للولي الفقيه في طهران بالسمع والطاعة والانقياد، وأن الجمهورية الإيرانية هي دولة المقر بالنسبة للعالم الإسلامي؛ لذلك يجب أن تسعى إيران لتحقيق الوحدة بين الدول الإسلامية جميعًا تحت الراية الشيعية، والتي ستـُرفع عنوة في العواصم السنية، وإن مسئولية إنجاز هذه المهمة يقع على عاتق أم القرى (إيران) التي تعتبر نفسها الركيزة الأساسية للحكومة الإسلامية العالمية؛ لأنها -أي إيران- هي الدولة الوحيدة الجديرة بزعامة العالم الإسلامي؛ لأنها وحدها التي تملك النظام الإسلامي الصحيح، وهي المخولة بالمهمة الإلهية لإنقاذ العالم السني وإخراجه من الظلمات إلى النور“,”.
ويمضي لاريجاني في شرح نظرية «أم القرى» قائلاً: «وفي إطار ذلك يجب ألا تعترف إيران بالحدود الجغرافية والأيديولوجية؛ لأنها حدود مصطنعة ينبغي على إيران أن تزيلها بالقوة أو دعم العنف داخل الدول العربية؛ لأنها -أي إيران وفق نظرية أم القرى- هي القلب المذهبي الذي يسعى للتوسع لبناء الإمبراطورية الشيعية الإيرانية الموعودة لتكون النواه لدولة المهدي –الشيعية- المنتظر، والذي سوف ينقذ العالم».
فهل يختلف ما قاله لاريجاني عما قاله خامنئي حول الشرق الأوسط الإسلامي الكبير؟ وما يقوله قائد فيلق القدس عن فرض إيران حكومات إسلامية في لبنان والعراق ومصر وتونس؟ وما نراه من تغلغل عمليات التبشير الشيعي في بلدان إسلامية سنية وانتشاره كالعنكبوت، وإثارة الفوضى في هذه البلدان؟ وهو ما يكشف عن تأصل العرقية والمذهبية في سياسة وإستراتيجية نظام حكم الملالي في إيران، وانجذابها الطوعي واللاإرادي إلى العنصرية الفارسية. لذلك فهي لا تقبل مجرد الحديث عن الحقوق والحدود والهوية القومية. وتقول بأن لا أسد في المنطقة سوى «الأسد الفارسي»، وتهاجم كل من يكشف هذه الحقيقة العنصرية لنظام الملالي، سواء في الداخل أو الخارج، وتتهمه بسلسلة من الاتهامات المعدة سلفًا والجاهزة للإطلاق، وبخاصة تهمة محاباة أمريكا وإسرائيل.
- وحقيقة الأمر فيما سبق قوله عن مشروع «أم القرى» الإيراني، أن ما تمارسه إيران حاليًّا من عمليات تمدد وانتشار سياسي وأمني وعسكري واقتصادي، في العالمين العربي والإسلامي، إنما هو سعي في حقيقة الأمر للانتقال من مشروع «أم القرى» في إطاره النظري إلى بعده الإجرائي. والذي لن يتحقق إلا إذا بسطت إيران سيطرتها على دائرة مجالها الحيوي، الذي يشمل -إلى جانب منطقة الخليج- مناطق الشيعة في باكستان وأفغانستان، وفي بلدان آسيا الوسطى وحتى المغرب غربًا، إلى جانب البحر الأحمر والقرن الإفريقي جنوبًا، فضلاً عن سيطرتها على الممرات الملاحية العالمية المهمة، وهي: مضيق هرمز، مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، مضيق البسفور والدردنيل في تركيا، ومضيق جبل طارق الذي يفصل المغرب عن إسبانيا؛ ومن هنا يمكننا أن نفهم مغزى إصرار إيران على التغلغل في المغرب ومحاولات نشر مذهبها الشيعي هناك؛ وهو ما أدى بحكومة المغرب إلى قطع علاقاتها مع إيران. كذلك محاولات إيران لتطبيع علاقاتها بعمق مع حكومة أردوغان في تركيا وإقامة تحالف معها؛ باعتبارها ذات واجهة إسلامية، ناهيك عن تحالفها الإستراتيجي مع إريتريا.
وفي إطار تطبيق إيران لمشروع «أم القرى»، فإن الأمر يتطلب من وجهة نظرها افتعال وإثارة حروب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها (لبنان، مصر، سوريا، فلسطين)، ليس من أجل تدمير إسرائيل كما تعلن الأجهزة السياسية والإعلامية في إيران، ولكن من أجل تخفيف الضغط الإسرائيلي على إيران، وهو ما كشف عنه «شمس الواعظين»، مدير أحد مراكز الدراسات الإستراتيجية في إيران، عندما سئل في أثناء حرب غزة في 7/1/2009: هل لسوريا وإيران من المنظور الإقليمي مصلحة في أن تواجه إسرائيل المقاومة الفلسطينية في المجال الحيوي لإسرائيل -أي دول الطوق المحيطة بإسرائيل-؟ فأجاب: «نعم، هناك مصلحة طبيعية لإيران، وأريد أن أؤكد أن مصلحة إيران في أن تقوم إسرائيل باستنزاف قواها في مجالها الحيوي بدلاً من أن تقوم بالانتقال إلى خارج حدودها، ونقل الصراع بعيدا إلى إيران»، ثم أضاف كاشفًا حقيقة أهداف إيران من وراء دفع حماس إلى هذه الحرب: «ستـُحدث الحرب تغييرًا أكيدًا في كثير من المعادلات مستقبلاً، وفي البيت الفلسطيني، وفي الكفاح المسلح، وفي السلطة في رام الله، وأعتقد أن حماس ستصبح على غرار حزب الله بعد الحرب في لبنان، وستكون لحماس اليد العليا في التفاعلات الداخلية الفلسطينية، وستكون حماس القوة الكبرى على الساحة الفلسطينية، وهي التي ستقرر ما إذا كانت ستستمر في عملية التسوية على الشكل الذي تطلبه حماس أو ستستمر في النهج المقابل (يقصد المقاومة المسلحة)، وهو ما سيقلب الكثير من الموازين في الشرق الأوسط؛ لذلك سيتعين على إيران أن تجهد نفسها لمواجهة هذه المعادلة الجديدة. وعند ذلك ستلعب إيران دورًا رئيسيًّا في المستقبل، عندما يتضح أن هناك تغييرًا جيوستراتيجيًّا في منطقة الشرق الأوسط».
- يتضح مما سبق أن نهج إيران وأساليبها لتحقيق غاياتها وأهدافها القومية متعددة، بدءًا بنشر المذهب الشيعي من خلال تمويل وخداع البسطاء والفقراء في الدول العربية والإسلامية، وخلق نتوءات في خاصرة وقلب كل البلدان العربية والإسلامية المجاورة لها، وأيضًا في آسيا وإفريقيا، مستغلة في ذلك أوضاعًا قائمة صعبة تعانيها هذه البلدان.. مثل مقاومة قوات محتلة (العراق)، أو أقليات عرقية وطائفية تعاني اضطهادات من الأنظمة الحاكمة، أو مشاكل حدودية، أو حتى مجموعات تعاني الفقر والإهمال.
ويعتبر شراء العملاء بالأموال الإيرانية هو أساس البلاء في لبنان والعراق وسوريا واليمن ومصر والسودان؛ حيث تتسرب الأموال الإيرانية عبر واجهات تجارية، أفرادًا ومؤسسات، ومن خلال هذه الأموال يمكن لإيران أن تشتري ذمم السياسيين والإعلاميين والمخربين، وخلق مؤسسات وهمية هدفها اختراق المجتمع وتشتيته، فضلاً عن تشييعه، ويعتبر التشتيت في الحالة المصرية أخطر بكثير من التشييع؛ وهو ما يفرض على الأجهزة الأمنية والرقابة المالية في الدول العربية تتبع الأموال القادمة من الخارج بكل أنواعها، وتحديد مصادرها والمستفيدين منها في الداخل، خصوصًا في أثناء الحملات الانتخابية البرلمانية والرئاسية والمحلية، سواء كانت هذه الأموال قادمة مباشرة من إيران أو عبر واجهات عربية، وهي للأسف كثيرة؛ ولذلك فإن أفضل وسيلة لضبط اختراق إيران للدول العربية هو مراقبة الأموال المتدفقة منها وبشكل صارم. ولقد كانت النصيحة التي أطلقت إبان فضيحة «إيران جيت» في أثناء إدارة نيكسون في الولايات المتحدة بسيطة ولكنها ذهبية وتتمثل في «تتبع الأموال».
- وإذا كان الإرهاب والتخريب هو الوسيلة الرئيسية للنظام الإيراني لتحقيق أهدافه، بل إن الإرهاب يلتصق بهذا النظام التصاق الإيراني بسجادته، وحيث تكمن قوة إيران الحقيقية في التخريب والقتل؛ فإن النظام الإيراني يعمد إلى إذكاء الحس الطائفي في المنطقة، وبناء التحالفات على هذا الأساس، بل لقد اتضح أن طهران لا تتوانى حتى عن استغلال الجماعات الأصولية السنية بالمنطقة -ومنها تنظيم القاعدة- للترويج لمشروعها التوسعي، فهدف إيران بالمنطقة، وتحديدًا العالم العربي، ليس البناء ولكن الهدم. ولذا فإن كل المؤشرات الماثلة أمامنا تقول إن خطورة إيران لا تزال حاضرة؛ لأن الهدف الإيراني واضح وبسيط، وهو مفاوضته الغرب على مساحة نفوذ طهران بالمنطقة التي تستخدمها إيران، وتستخدم قضاياها، ككروت تفاوض مع الغرب لا أكثر ولا أقل. لذا علينا أن نتذكر أنه ومنذ الثورة الخومينية وحتى اليوم لم تقدم طهران أي نموذج ناجح للتعاون بينها وبين دول المنطقة، لا اقتصاديًا، ولا حتى ثقافيًّا؛ ذلك أن مهمة إيران التخريب، وهو عامل قوتها.
- وكما يعتمد نهج الإيرانيين على إطلاق الخطب النارية والاستفزازية للاستهلاك المحلي وإثارة الجماهير العربية والإسلامية في الخارج، وإظهار عجز الموقف العربي عن مواجهة الأزمات الإقليمية، ومخاطبة مشاعر الرأي العام العربي لدعم موقفها في الحوار عبر إثارة عدد من المواضيع، وكأن إيران معنية بالمشكلات العربية والقضايا الإسلامية، مثل إظهار عدائها لإسرائيل، وأنها تقف مع مصالح الشعب الفلسطيني، إلا أن أفعال الإيرانيين غالبًا ما تكون حذرة. وأبرز دليل على ذلك تهديدهم بإغلاق مضيق هرمز، ثم عندما فوجئوا بردود أفعال عنيفة من جانب الدول الكبرى المستوردة للنفط، تراجعوا قائلين أنه لا توجد حاجة لإغلاق هرمز؛ لا سيما بعد ما ثبت علميًّا وعمليًّا من صعوبة إغلاق هذا المضيق. إلا أن الخطاب الإيراني -خاصة في الآونة الأخيرة- تميز بالتناقض المكشوف، فبينما قال خامنئي إن ما جرى في تونس ومصر والبحرين من ثورات هو نضال شعبي حقيقي، نجده يصف ثورة الشعب السوري بأنها انحراف عن الهدف القومي تسبب في خلل في جبهة المقاومة والممانعة، كما يصف الاضطرابات الأمنية التي تقوم بها بعض تجمعات الشيعة في شرق السعودية (القطيف والعوامية)، وما وقع فيها من أعمال تخريب وشغب، يصفها خامنئي بأنها «نضال مشروع».
وللأسف نجد في بعض الدول العربية من يزعم أن هذه الأحداث ليس وراءها تحريض خارجي؛ وذلك بهدف تضليل -والتشويش على- الرأي العام. ولقد تلقى حكام إيران صفعة قوية عندما حسمت الثورات العربية في بدايتها موقفها برفضها الامتدادات الشيعية السياسية التي تتبناها إيران. لذلك يعتبر كثير من المراقبين أن قوة إيران الحقيقية ليست فقط في قدراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، لكن في الأساس بقدراتها على تنفيذ عمليات تخريبية واغتيالات... الخ، ولكن يبدو أن إيران التي يفتخر قادتها بأن نظامهم كان أول نظام يستخدم الهجمات الانتحارية في منطقة الشرق الأوسط، وتمارس الإرهاب بكل أنواعه، أصبحت تتذوق طعم دوائها بما يجري على أراضيها من أعمال تخريبية واغتيالات مضادة لزعمائها، وعلمائها، وقادتها، جرت خلال السنوات الأخيرة في محافظات مختلفة من إيران، بما فيها طهران العاصمة، رغم الإجراءات الأمنية المشددة.
ومن سمات الخطاب الإيراني أنه ابتزازي إلى جانب كونه تهييجي وغوغائي. ومن مظاهر ابتزاز الخطاب الإيراني تهديد دول الخليج التي وافقت على رفع حجم صادراتها النفطية في حالة اتخاذ قرار دولي بمقاطعة النفط الإيراني، بمنع ناقلات نفطها من المرور في مضيق هرمز وإغراقها، وتدمير المنشآت النفطية الخليجية المتواجدة على الساحل الغربي للخليج؛ وهو ما يؤكد أن الإيرانيين بدأوا يشعرون بلسعة العقوبات الجديدة وما ستؤدي إليه من إثارة الجبهة الداخلية ضد النظام الحاكم في طهران؛ لذا هرع حكام طهران إلى التلويح بالانتقام من السعودية ودول الخليج. ويبدو أن حكام إيران يسيرون على خطى صدام حسين عندما هدّد قبل غزوه للكويت بـ«قطع الرقاب لا قطع الأرزاق»؛ بسبب زيادة معدلات إنتاج النفط في الكويت والإمارات، إلا أن سلوكه بعد ذلك أدى إلى قطع الأعناق والأرزاق معًا. حيث تتبع إيران سياسة «حافة الهاوية»، وتصدير مشاكل إيران وأزماتها الداخلية إلى الخارج، كما فعل صدام حسين من قبل، وثبت أنها سياسة فاشلة وتؤدي إلى التهلكة.
- أما ادعاءات إيران حول نظرية «توازن الرعب»؛ وذلك من خلال ما تجريه دوريًّا من مناورات عسكرية وتجارب صاروخية، والإعلان عن تطويرات منظومات أسلحة برية وجوية وبحرية ودفاع جوي متطورة محليًّا؛ وما تمارسه من عمليات إرهاب وتخريب ضد الأهداف والمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وذلك في تحد للموقف الأمريكي - الإسرائيلي المشترك، وإظهار القدرة على الصمود في مواجهة أي عقوبات، وامتلاك أدوات للرد الموجع على الصعيد الاقتصادي، والذي من شأنه إحداث حالة من الفوضى في الاقتصاد العالمي، مع تغذية الجماعات المناهضة للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بالأموال والسلاح والأفراد، فإن هذه النظرية، وإن ثبت نجاحها في الماضي في فترة الحرب الباردة بين القوى العظمى، فإن ذلك النجاح يرجع إلى عقلانية أطراف اللعبة وتحركهم في الحدود المسموح بها، والتي لا تتجاوز الخطوط الحمراء التي من شأنها إسقاط التوازن القائم، وهو أمر غير متوفر في السياسة والإستراتيجية الإيرانية التي تنتهج أسلوب تصعيد سياسي وإرهابي ونووي غير عقلاني، وبما قد يؤدي إلى انفجار المنطقة، والتي تموج فعلاً بالتوترات والمواجهات، تشارك فيها القوات الأمريكية بأدوار فعالة.
أما محاولات إيران في دعم النظام السوري في حربه ضد الثورة الشعبية، وتعزيز الموقف الروسي في وقوفه مع النظام السوري، عبر انضمام قطع بحرية إيرانية إلى القطع الروسية في طرطوس، وربط ملفات روسيا وإيران وسوريا وتحويلها إلى رزمة واحدة والعمل على طرحها على طاولة التفاوض للبحث عن حل يضمن مصالح أنظمتها؛ وذلك بهدف إقناع الغرب بالتفاوض معها، وقبول مطالبها، وعدم المغامرة بالدخول في صدام نتيجته غير مضمونة، وكل هذا في لحظة تعتبرها إيران مواتية بالنظر لانشغال الغرب بملفات داخلية خطيرة، أولها المشكلة الاقتصادية ومخاطر انهيار اقتصاديات دول أوروبية، وتورطها في نزاعات خارجية منهكة ومكلفة. إلا أن حقيقة الأمر أن خطوات النظام الإيراني لا تقدم حلاًّ نهائيًّا للملف النووي، ومن هنا يبقى الغرب دائمًا الخيار العسكري على طاولة التفاوض، وقد تنجح إيران في تأجيل لحظة الصدام، لكنها لن تلغيه؛ لأن الظروف الإقليمية والدولية لن تبقى ثابتة.
- ويرجع التوتر الذي يسود الساحة الإيرانية، والقلق الواضح في تصريحات قادة إيران، إلى عدة اعتبارات تتمثل في الآتي:
(1) لا تعرف طهران من هو الرئيس الأمريكي المقبل، وتتمنى أن يستمر أوباما، وتخشى من فوز المرشح الجمهوري الأكثر تشددًا في دعم إسرائيل ورغبته في ضرب إيران.
(2) لا تعرف طهران على وجه اليقين حدود حزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة والتي ستفرض على إيران؛ وبالتالي مدى تأثيراتها السلبية على الاقتصاد والوضع الداخلي في إيران.
(3) تراقب إيران بكل القلق تطور الوضع الداخلي في سوريا، وترى في رحيل نظام الأسد خسارة لحليف إستراتيجي لا يعوض، لا سيما في مجال نقل الدعم الإيراني التسليحي والمالي إلى حزب الله في لبنان الذي سيفقد ظهيره الإستراتيجي؛ مما قد يؤثر سلبًا على المكانة الإيرانية في لبنان.
(4) تتابع إيران بقلق التجاذب الداخلي العراقي - العراقي، خاصة على صعيد نفور شيعة العراق من تزايد النفوذ الإيراني في بلادهم.
(5) كما تتابع طهران أيضًا بقلق شديد تنامي الدور التركي في المنطقة والاستعدادات التركية العسكرية للعب دور مناطق عازلة على الحدود العراقية من ناحية، وعلى الحدود السورية من ناحية أخرى.
(6) يضاف إلى كل ذلك حالة الخلاف المتصاعد بين خامنئي ونجاد، وتصاعد التوتر بين أنصارهما في كافة قطاعات ومؤسسات المجتمع الإيراني.
(7) تأثير ثورات «الربيع العربي» على الشباب الإيراني الذي لم تتوقف حركاته الاحتجاجية في الشارع، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وحسابات خاطئة حول أن هذه الثورات العربية ستصب في مصلحة إيران.
(8) فشل المخطط والحلم الإيراني في البحرين؛ بسبب سرعة مفاجأة قوات درع الجزيرة بدخول المنامة.
(9) في المحصلة النهائية تراقب إيران حالة كسوف جزئي في الهلال الشيعي الإيراني، لا سيما مع إبراز الإعلام العربي والإسلامي مساوئ نظام دولة الفقيه، سواء بالشكل الشيعي في إيران، أو بالشكل السني في أفغانستان والسودان.
- وتستعد إيران حاليًّا لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا ؛ وذلك بالانفتاح على قادة محتملين ومنهم جماعة الإخوان، شرط الالتزام باستمرار دعم حزب الله، والقضاء على عناصر معارضة لا يمكن الوثوق بها، كما تدرس إيران حاليًّا سحب دعمها للأسد؛ من أجل الحد من تهديد المصالح الإيرانية، ومن المؤكد أن إيران لن تحارب من أجل أحد غير نظامها السياسي، حتى وإن سقط الأسد ومعه لبنان أيضًا.
ولكن في المشروع الإيراني أن تعزيز المكاسب التي حققتها إيران يتطلب استمرار الرهان عليها والتمسك بها والدفاع عنها، وليكون العراق بديلاً عن سوريا إذا ما سقط النظام السوري، رغم استمرار النظام الإيراني في دعم نظام الأسد، وهو ما تمثل في دعمه بحوالي 7 مليار دولار وإرسال 300.000 برميل نفط يوميًّا إلى سوريا، وتجنيد آلاف من عرب الأهواز العراقية وإرسالهم إلى سوريا عبر الأنبار العراقية وكردستان العراق. إلا أن انحسار النفوذ الإيراني في العراق أخيرًا، والمتمثل في انسحاب كتلة علاوي من حكومة المالكي، ورفض شيعة العراق تغلغل النفوذ الإيراني في العراق، بما فيهم رجال مقتدى الصدر، وهو ما يهدد بأن يكون لهذه التراجعات نتائج سلبية على الساحة الداخلية في إيران، لا سيما بعد أن صرح محافظ النجف بأن 90% من السكان الشيعة يكرهون الإيرانيين، ويرفضون شراء بضائعهم، كما يرفضون التعامل بالريال الإيراني الذي انخفضت قيمته بحوالي 60% أخيرًا، وقد ثبت فعلاً أنه من غير الصحيح أن كل شيعة العرب يدينون بالولاء لإيران، وأن الذين يدينون بالولاء لها من العراقيين هم من الأصل الإيراني، ممن يسمون أنفسهم بـ(السادة)، أما باقي الإيرانيين -الشيعة والسنة معًا- فهم متضررون من النفوذ والتسلط الإيراني؛ حيث تفتح عليهم إيران المياه المالحة من أراضيها لتدمر مزروعاتهم وبيئتهم، فضلاً عن احتلال إيران لعدد من آبار النفط العراقية في محافظتي البصرة ونيسان رغم أن معظم سكانها من الشيعة، ناهيك عن تصدير المخدرات من إيران إلى العراقيين لتدميرهم ذاتيًّا، لا سيما بعد أن رصدت معلومات عن مشروع مشترك بين فيلق القدس الإيراني والموساد الإسرائيلي، يستهدف اغتيال الطيارين العراقيين، وأساتذة الجامعات، والعلماء، والأطباء؛ بهدف القضاء على العقول النابهة في العراق، والتي تشكل أهم عناصر البنية الأساسية في بناء أي دولة متقدمة في مجال الاستثمار البشري.
- ومن أجل تهيئة العراق ليكون بديلاً عن سوريا، والحليف الوثيق في المنطقة في حال سقوط النظام السوري، نلاحظ أخيرًا تكثيف الدور الذي تقوم به الميليشيات المدعومة من قبل إيران في المناطق السنية من العراق، والتي باتت تسجل قتيلاً كل أسبوع على أيدي هذه الميليشيات التي تعاظم دورها بعد الانسحاب الأمريكي من هناك. وقد طالب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، زعماء العشائر السنية بتسهيل مهمة نقل السلاح والمقاتلين إلى سوريا عبر منطقة الأنبار الملاصقة للحدود العراقية مع سوريا، مهددًا بأن أمان مناطقهم في العراق مرهون بذلك وإلا سيخسرون مواقعهم ومصالحهم، وقد تعرض بالفعل محافظ الأنبار لمحاولة اغتيال؛ بسبب الدور الذي تلعبه إيران لاغتيال المئات من الضباط والقيادات السابقة في النظام العراقي السابق في محافظتي الأنبار وصلاح الدين.
والملاحظ في شأن المشروع الإيراني في العراق، أن إيران تتقدم على جبهات مختلفة، فعلى مدار السنوات السبع الماضية انتشرت في العراق مئات الشركات التي تعمل بمثابة واجهة وتعتمد على أموال إيرانية، بل وتسببت «الاستخبارات» الإيرانية في ظهور فقاعة بمجال العقارات بمدن مثل النجف وكربلاء والبصرة، حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 70% من جميع التصاريح التجارية الجديدة منذ عام 2008 وحتى اليوم تخص شركات إيرانية. كما تلقت جماعات مسلحة تابعة لإيران، بما فيها جيش المهدي، أسلحة ومعدات جديدة، وتدريبًا عسكريًّا في معسكرات الحرس الثوري، وفي داخل المدن العراقية. واستقر في العراق الآلاف من عملاء الاستخبارات الإيرانية بعد دخولهم إلى البلاد، وحصولهم على هوية عراقية؛ بدعوى أنهم عراقيون طردهم نظام صدام حسين ولجأوا إلى إيران، بجانب حوالي 6 مليون حاج سنويًّا.
ورغم ذلك فإن إيران حتى الآن فشلت في السيطرة على “,”الحوزة“,” العلمية ذات الأهمية الحيوية في النجف؛ حيث يعمل عدد كبير من رجال الدين بقيادة السيستاني كحماة للسيادة العراقية. ومع ذلك تعمد طهران إلى تدريب وتعزيز جيل جديد من رجال الدين في العراق بينهم مقتدى الصدر؛ ليكون بديلاً عن السيستاني بعد رحيله. كما تسعى إيران في إطار مشروع الفيدرالية إلى خلق كتلة شيعية في المحافظات الثماني الرئيسية بالجنوب وتكون تحت المظلة الإيرانية، كذلك يجري تقسيم النخبة السياسية العراقية بين «حزب إيران» ومؤيدي «عراق مستقل». وقد أثارت سياسة المغامرة التي يتبعها ملالي إيران تجاه العراق انتقادات داخل إيران، حيث تحاول إيران ابتلاع ما لا تستطيع هضمه من العراق، خاصة أن مصالح إيران تتطلب إزالة كل مظاهر العداوة التي خلَّفها نظام صدام حسين بين العراق وإيران، ووجود عراق سلمي يجري التشارك في السلطة في إطاره بين مجتمعات عرقية وطائفية متنوعة، وبما يكفل استقرار البلاد.
- فإذا وضعنا في الاعتبار ما أشار إليه خبراء حول قرب نضوب آبار النفط الإيرانية، والتي تقلص إنتاجها بمعدل 15%؛ مما أدى إلى تعويض هذا النقص بزيادة إنتاج الغاز؛ فإن ذلك يعني أن عيون النظام الإيراني أصبحت تركز اليوم -ومنذ فترة- على مناطق حقول النفط العراقي الغنية في جنوب العراق (خاصة حقلي مجنون وعمر) لاستغلاله لصالح إيران، خاصة أن العراق الغني بموارده لن يكون في حاجة إلى دعم مالي إيراني كالذي تدفعه طهران لسوريا حاليًّا، كما سيمثل العراق عمقًا إستراتيجيًّا لحزب الله في لبنان بدلاً من سوريا من ناحية نقل وتخزين السلاح. ناهيك عن كون العراق يشكل أيضًا موقعًا إستراتيجيًّا لانطلاق العمليات الإيرانية تجاه الأهداف الخليجية وفي الأردن أيضًا، وهو ما يعني أن بإمكان إيران تطويق سوريا ما بعد الأسد من ناحية الحدود العراقية، خصوصًا أن النظام القادم في سوريا سيكون معاديًا لحزب الله.
- لذلك يتوقع عدد من الخبراء الأمريكيين وجود خطة إيرانية لإحكام سيطرتها على العراق بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي من هناك، وأن تنفيذ هذه الخطة سيستغرق ما بين 6-9 أشهر فقط، وتتضمن خمس مراحل على النحو التالي:
(1) تقوم الميليشيات المسلحة الموالية لإيران بالانتشار في مناطق تمركزها والسيطرة عليها؛ وهو ما يعني السيطرة على ثلثي العراق (المنطقة الواقعة بين بغداد والبصرة). وذلك قبل شروع تلك الميليشيات في إقامة جيوب مسيطرة، مع تنفيذ عمليات مسلحة تستهدف إسقاط الحكومة المركزية، وتنصيب نظام موالٍ لإيران داخل العراق.
(2) قيام الميليشيات الموالية لإيران بتصفية رموز الاعتدال وزعماء السنة المناوئين لإيران.
(3) ومع تزايد التوتر بين السنة والشيعة واستفحال القتال بين الطرفين، تطالب الحكومة المركزية الموالية لإيران بتدخل إيراني عسكري رسمي؛ للمحافظة على الأمن وتأمين الحدود، وعندها سيتحرك الجيش الإيراني للانتشار في جنوب العراق الغني بالنفط قبل أن يتمركز على طول حدود العراق مع كل من الكويت والسعودية والأردن. وفي حال استمرار بقاء نظام الأسد في سوريا سيكون دوره التدخل لحفظ النظام بمنطقة الأنبار.
(4) ستتم محاصرة مناطق السنة للتعامل معها في وقت لاحق.
(5) تقوم القوات الإيرانية بعزل المناطق الكردية في شمال العراق، مع ممارسته ضغوط عليها، وتأجيج الصراع بين الفصائل المختلفة في تلك المناطق، وذلك بالتنسيق مع كل من تركيا وسوريا.
- ومن المؤكد أن هذا المخطط الإيراني يتواءم مع المخطط الأمريكي لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، بعد انفجار الأوضاع في إطار تنفيذ سياسة «الفوضى الخلاقة»، التي تستغلها الولايات المتحدة وتدعمها لأحكام سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط الكبير. وتمهيدًا لتنفيذ هذه الخطة الإيرانية، والتي سيقع عبء تنفيذها بشكل أساسي على الحرس الثوري الإيراني، قام خامنئي بدعم قدراته ورفع عدد أجهزة استخباراته إلى 19 جهازًا.
- ولتحييد الموقف التركي من التغيرات القادمة في المستقبل القريب، لا سيما بعد أن تلقت طهران انتقادات شديدة من جانب المسئولين الأتراك بسبب الموقف الإيراني من المجازر الدائرة في سوريا؛ وحيث تنامت في المقابل الانتقادات الإعلامية الإيرانية تجاه ما يسمى بالنموذج التركي في التحديث، وآخرها نصيحة من المسئولين الإيرانيين لدول الربيع العربي بعدم الانجرار نحو التشبه بالنموذج التركي في بناء الدولة العصرية، زاعمين بأن النموذج التركي ليس هو النموذج المناسب الذي يجب أن تتبعه دول الربيع العربي وهي تتجه نحو بناء أنظمة جديدة بعدما أسقطت أنظمتها السابقة. ولم يعد خافيًا على أحد ازدياد التوتر بين طهران وأنقرة حول عدة ملفات، أبرزها:
(1) المخاوف التركية من مستقبل الدور الإيراني في العراق عقب انسحاب القوات الأمريكية من هناك.
(2) أيضًا المخاوف الإيرانية من علو الصوت التركي حول الأوضاع الداخلية في سوريا، التي تعتبر الحليف الرئيسي في المنطقة بالنسبة لطهران، وتزداد المخاوف الإيرانية كلما بدأت تسريبات تركية تخرج من أنقرة، تتحدث عن قيام الجيش التركي بالتدخل في المناطق الحدودية مع سوريا بهدف خلق منطقة عسكرية آمنة بين البلدين، مع استمرار الدعم التركي لجيش سوريا الحر، واحتمال الاعتراف بالمجلس الانتقالي الوطني الذي يمثل المعارضة السورية.
(3) زيادة ملفات النجاح التجاري التركي مع معظم دول المنطقة، وآخرها الصفقة التركية مع المجلس الانتقالي الليبي؛ على أساس أن صعود القوة الاقتصادية التركية يشكل عنصر تهديد للدولة الإيرانية.
(4) النمو الإيجابي للعلاقات التركية - الأمريكية، يقابله زيادة في انسداد أي قنوات خلفية للحوار بين طهران وواشنطن.
- ومن المعروف أن إيران تستخدم تنظيم القاعدة الإرهابي لتحقيق أهدافها السياسية والإستراتيجية، بغض النظر عن الاختلاف الطائفي بينهما؛ ولذلك آوت الكثير من قيادات القاعدة وعناصرها في إيران بعد هروبهم من أفغانستان عقب الحملة العسكرية الأمريكية هناك عام 2001، وتوجد حوالي 100 عائلة محتجزة تحت الإقامة الجبرية في معسكرات إيرانية، وكان من بينهم أبناء أسامة بن لادن وسيف العدل -الرجل الثاني اليوم في القاعدة بعد الظواهري- وأبو وليد المصري، وخليل الحياكمة الذي قتل بواسطة طائرة بدون طيار. ويعتبر الظواهري وسيف العدل مفتاح العلاقة بين القاعدة وفيلق القدس والحرس الثوري، أما عماد مغنية (مسئول العمليات والاستخبارات في حزب الله) قبل اغتياله في سوريا عام 2009، فكان بمثابة وكيل سفريات لتنظيم القاعدة وتسهيل سفر أعضائه من وإلى إيران، وتعتبر العلاقة بين إيران والقاعدة أشبه بـ«زواج المتعة»، ولا تخفي قيادات القاعدة أنهم تعلموا وتدربوا على أسلوب الشاحنات المفخخة من حزب الله.
واليوم تستخدم إيران تنظيم القاعدة وتسمح له بالتحرك بحرية؛ وذلك في إطار لعب إيران بكل الأوراق التي يمكن أن تسبب إيذاءً لأمريكا وحلفائها في المنطقة وتعمل بخروجها منها. حيث هددت إيران باستهداف 100 قاعدة أمريكية في دول المنطقة في حالة استخدامها في عمليات ضد إيران، وستكون وسيلتها في ذلك تنظيم القاعدة، إضافة إلى القصف الصاروخي. ولقد استخدمت القاعدة ببراعة في العراق وأفغانستان، واليوم تعمل في مناطق أخرى في ليبيا والمغرب وسيناء المصرية. كما يتخذ مسلحو القاعدة -بدعم إيراني- من جنوب اليمن اليوم ملاذًا ينطلقون منه لتنفيذ عمليات ضد اليمن والسعودية، وتوجد مخاوف من سيطرتهم على مدينة عدن بعد توغلهم في مناطق عديدة من جنوب اليمن، وكان محمد كريم عابدي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني قد هدد العام الماضي أن بإمكان إيران احتلال السعودية بكل يسر لو أرادت ذلك، وهدّد بمظاهرات عارمة في موسم الحج. ولم يكن خافيًا وجود أيادي القاعدة المدعومة إيرانيًّا في اضطرابات المنطقة الشرقية في عامي 2011، 2012 مواكبة لأحداث الربيع العربي، ثم محاولة اغتيال سفير السعودية في واشنطن، وكانت أحداث المنطقة الشرقية في السعودية استكمالاً لأحداث البحرين لتحريك اضطرابات داخلية؛ وهو ما دفع الأمير نايف، ولي عهد السعودية، إلى القول بأن «القضايا الأمنية بالنسبة له (أبيض وأسود)».
- وتعتبر الكويت هدفًا رئيسيًّا في مخططات إيران لبسط هيمنتها على منطقة الخليج، وذلك انطلاقا من الأراضي الإيرانية مباشرة، أو من العراق بعد إحكام السيطرة الإيرانية عليه على النحو السابق إيضاحه. وكان جاسوس إيراني من الأهواز، تابع للحرس الثوري الإيراني، قد كشف عن وجود خلايا استخباراتية وعملاء إيرانيين يقدر عددهم في دول الخليج بحوالي 40.000 عميل، من بينهم 3000 عميل إيراني في الكويت وحدها. وأن الأسلحة والأجهزة والمعدات تنقل من إيران إلى هذه الخلايا عبر أرصفة سرية تابعة للحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، ولا تخضع لأي إشراف من الحكومة أو الجمارك في إيران. وأن الخلايا الإيرانية في دول الخليج ليست متغلغلة في مناطق الشيعة فقط، بل أيضًا في مناطق السنة. وكان على شامخاني، وزير الدفاع الإيراني السابق، بنفسه يتولى قيادة مجموعة خاصة تعمل في تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية في دولة الكويت، وقد اعترف عادل الأسدي المنشق في دبي بذلك.
وإذا تناولنا شبكة التجسس الإيرانية، التي اكتشفت في الكويت في مايو 2010، وعددها 11 فردًا، بينهم 4 عسكريين، و2 إيرانيين، وسوري، وبحريني، يعملون لصالح الحرس الثوري الإيراني؛ فقد كانوا يقومون برصد مواقع عسكرية ومنشآت حيوية ومواقع القوات الأمريكية، فضلاً عن الوضع السياسي داخل الكويت ومدى متانة الجبهة الداخلية، ومراكز القوى السياسية والاقتصادية والقبلية المؤثرة في الكويت، مع العمل على تجنيد عناصر تتوافق في أفكارها وتوجهاتها مع الحرس الثوري الإيراني. كما تم رصد رفع مجهولين علمي إيران وحزب الله في إحدى غرف معسكرات الجيش الكويتي، كذا وضع لوحة في أحد الشوارع عليها (شارع الخليج الفارسي). هذا فضلاً عن اختراق طائرات إيرانية فوق المياه الإقليمية الكويتية، فسنجد كل ذلك يرجع إلى تساهلات وإهمالات أمنية سابقة، تتمثل في السماح بزيادة العمالة الإيرانية في الكويت، والتي وصلت في أكتوبر 2010 إلى حوالي 45.000 إيراني حاصلين على إقامة وأصبحوا مستقرين في الكويت، هذا فضلاً على 30.000 إيراني يترددون على الكويت بتأشيرات قدوم يتم تجديدها دوريًّا. وقد لفت زيادة عدد العمالة الإيرانية انتباه الكويتيين وقلقهم. ومما يسهل للإيرانيين فرص القدوم وتسهيل فرص العمل وجود عناصر إيرانية تابعة للحرس الثوري مقيمة في الكويت منذ فترة طويلة تيسر لهم ذلك.
ويتخوف الكويتيون من تغلغل عناصر إيرانية شابة قوية البنيان ذات مظهر عسكري
-وإن كان تحت غطاء مدني- في المجتمع الكويتي؛ مما يوحي بأن كتائب للحرس الثوري الإيراني قد اتخذت مواقع لها في الكويت وتنتظر الأوامر لها بالتحرك من طهران. وقد برزت شكوك عميقة حول مصادر تمويل وثراء بعض الكويتيين الشيعة، خصوصًا ممن ليسوا من العائلات الشيعية التجارية تقليديًّا. وقد اعترف المتهمون في خلية التجسس بأنهم تم تدريبهم على استخدام أسلحة وأجهزة اتصالات وأعمال رصد وتصنت وتصوير في أحد معسكرات الحرس الثوري في مدينة مشهد، كما أكدوا أنهم سلـَّموا الإيرانيين خريطة حديثة لجزيرة بو بيان، وأن أحد مطالب الحرس الثوري منهم كان رصد وتحديد مواقع الصواريخ (ستار باس) المضادة للصواريخ البحرية.
ويتخوف الكويتيون من أن تُستخدم بلدهم، ودول خليجية أخرى، لغسيل أموال الأجهزة الإيرانية، التي تضرب عصفورين بحجر واحد؛ فهي تهرب من الحصار التجاري الغربي على إيران، وتستخدم المال المغسول لتعزيز نفوذ إيران المحلي في تلك الدول، وهو ما يهدد بزحف إيراني مبرمج على الكويت، لا سيما بعد أن كثر الحديث هناك عن تجار في البورصة حازوا في السنوات الأخيرة شركات وعقارات وأصولاً ببلايين الدولارات. ويُذكر أيضًا في صدد التهديدات الإيرانية للكويت، مهاجمة السفارة الكويتية في طهران بواسطة عناصر من الباسيج؛ بسبب تصريحات كويتيين يرفضون استخدام الكويت في أي نزاع مسلح بين إيران والغرب، وهي تصريحات تستوجب حرص طهران على علاقاتها بالكويت وليس العكس، وهو ما يعني أن إيران انتقلت من التمدد المذهبي إلى التجسس والتهديد الأمني. كما تهتم إيران كثيرًا بدور الكويت الاقتصادي، والذي يفوقها بمراحل، وتريد الهيمنة عليه لخدمة المصالح الإيرانية.
- وتشير أحداث البحرين التي أثارتها إيران لقلب نظام الحكم في المنامة إلى أن إيران أصبحت تعتمد على البؤر الثورية وتدريبها لإثارة الاحتجاجات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الشارع الخليجي، وباعتماد أسلوب حشد الجماهير في الميادين والشوارع وتحريكها؛ لتعطيل الحياة في المدن من خلال إثارة المظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني، مع القيام بعمليات تخريب نوعية، وبما يجبر الأنظمة الحاكمة على الاستجابة لمطالبهم، وعند الاستجابة يتم رفع سقف المطالب، المرة تلو المرة؛ لاستمرار الضغط على الحكومات القائمة حتى يتم إسقاطها. هذا فضلاً عن مهمة هذه البؤر الثورية بالتعاون مع الخلايا الإيرانية القائمة في القيام بردود أفعال عنيفة ضد أماكن التواجد الأمريكي والفرنسي في المنطقة، والأهداف الإستراتيجية الخليجية، في حالة تعرض إيران لعمليات عسكرية من جانب الولايات المتحدة، وضرب موانئ التصدير النفطية في دول الخليج في حالة حظر تصدير النفط الإيراني بموجب قرار دولي.
- وترى إيران في الوجود العسكري الأمريكي في دول الخليج خطرًا عليها؛ لكونه يعرقل تحركاتها السياسية والأمنية والعسكرية في استكمال بسط هيمنتها على منطقة الخليج، في ذات الوقت الذي تستهين فيه بالقوة العسكرية لدول مجلس التعاون، والتي تتفوق على نظيرتها الإيرانية من الناحية التقنية. في حين ترى دول الخليج في الوجود العسكري الأمريكي ما يحقق التوازن مع الحجم البشري والتسليحي الضخم للقوات الإيرانية بشقيها النظامي والحرس الثوري؛ لمواجهة الأطماع الإيرانية الحقيقية والواقعة، حيث تستمد إيران قوتها من السير عكس التيار، هذا رغم أن إجمالي عدد سكان المنطقة يساوي مجموع سكان إيران، فضلاً عما تشكله دول الخليج من ثقل في الاقتصاد العالمي؛ بسبب كتلتها البترولية وبما يفوق الثقل الإيراني، خاصة في ضوء العزلة والحصار الذي تعانيه إيران من المجتمع الدولي.
ولأن قدرات إيران الاقتصادية لا تتناسب مع انتشارها ومسئولياتها العسكرية التي فرضتها على نفسها عبر أذرع لها مدتها في الشرق العربي (حزب الله وحماس والمنظمات الفلسطينية)، ودول أخرى في المغرب العربي ووسط وجنوب آسيا وإفريقيا؛ لذلك تلجأ إيران إلى خلق معارك جانبية؛ وهو ما يحدث من تدخل في البحرين وفي مناطق أخرى؛ فلدى إيران قدرات على التخريب والتأثير. هذا مع اعتقاد إيراني خاطئ بأن القوات الأجنبية (الأمريكية والفرنسية) الموجودة في دول الخليج تشكل تهديدًا هجوميًّا ضدها، في حين أنها ذات مهام دفاعية عن دول الخليج في مواجهة التهديدات والأطماع الإيرانية.
كما يوجد عامل مهم جدًّا فيما يثيره النظام الإيراني من مشاكل مع جيرانه، خاصة في منطقة الخليج، وهو تخفيف الاحتقان الداخلي في إيران؛ حيث تجتاح الشعب الإيراني موجات من الغضب المكتوم؛ بسبب ممارسات القمع البوليسية العنيفة التي مارستها منظمات الحرس الثوري والباسيج ضد شباب الثورة الخضراء، واعتقلت زعماءها في مناطق غير معلومة حتى اليوم، فضلاً عن التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعانيه إيران، وهو ما تنبأ به أحد الخبراء الروس بأن العالم ينبغي ألا يتفاجأ إذا ما اندلعت فجأة قوة عارمة في إيران، أو حدث انقلاب عسكري ضد نظام حكم الملالي.
- وفي الوقت الذي تصب فيه أقوال جميع قادة إيران من سياسيين وعسكريين في تضخيم قوة إيران الإستراتيجية، وبما يعطيها الصلاحية للمشاركة في إدارة شئون العالم، وهو تعبير عما تعانيه القيادات الإيرانية من نرجسية وغرور يفوق أي توقع، ويرجع إلى توهمها بأن القوة العسكرية هي قوام التأثير في العالم؛ نجد أن قوة إيران الاقتصادية ضعيفة، ولديها مشكلات تضخم كبيرة، وديون داخلية وخارجية طائلة، وعملة محلية لا قيمة لها؛ وشعب لا يجد الدقيق والجازولين والبنزين إلا بصعوبة، في حين نجد قيادته تنفق مليارات الدولارات على عمليات تخصيب اليورانيوم. وحتى على مستوى التأثير الخارجي نجد أنه ضعيف جدًّا في الجانب الإيراني؛ حيث لم تتمكن من جمع أكثر من 32 صوتًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة حين ترشحت لعضوية مجلس الأمن عن آسيا في دورة 2009. وليس لها علاقات سياسية طبيعية مع معظم دول العالم؛ مما اضطر القيادة الإيرانية إلى التوجه نحو قيادات ديكتاتورية مماثلة لها في دول أمريكا اللاتينية، في حين ترسخ عداوات مع الدول العربية القريبة منها، وتتوسع في توطيد علاقاتها مع عصابات إرهابية يطاردها العالم، فكيف تزعم حكومة طهران أنها قادرة على إدارة شئون العالم، وهي غير قادرة على أن تبني علاقات سلمية وشفافة مع دول إقليمها المحيط، وهي قيد تهديدات متنوعة، ولا تنعم بالاستقرار الداخلي، ولا تحترم القانون الدولي؟ والغريب في أمر إيران أنها تهدد دول الخليج بالضربات المسبقة والتدمير الداخلي انتقامًا منها، في حين نجد أن هذه الدول أعلنت صراحة وفي أكثر من مرة أنها لن تشارك في أي عمل عسكري ضد إيران، ولن تفتح أراضيها أمام أي قوات أجنبية، في حين أن الذي يهدد إيران هما إسرائيل والولايات المتحدة!! فلماذا إذن الانتقام من دول الخليج؟ الإجابة تتمثل في سياسة حافة الهاوية، التي غالبًا ما تفشل في تحقيق أهدافها، إلا أن القيادات الإيرانية مصممة على توريط دول الخليج العربية في صراعها مع الغرب لحساب أجندتها الخاصة، ومن خلال فرض الأمر الواقع، وكأنهم لم يستوعبوا درس العراق إبان حكم صدام حسين.
- وإذا انتقلنا إلى الجانب العسكري في إيران، والذي يحظى باهتمام كبير من نظام حكم الملالي، فسنجد على مستوى التسلح اهتمامًا خاصا بالقوات الجوية، التي أبرمت صفقة 250 مقاتلة (سو-30) مع روسيا، و20 طائرة إمداد وقود بالجو (اليوشين IL-MK-78 )، وأيضًا بمنظومة الدفاع الجوي، حيث استبدلت الصواريخ المضادة للصواريخ الروسية S-300 ، التي فشلت في الحصول عليها من روسيا، بنظام صيني مماثل تقريبًا، وإن كان أقل في مدى الاعتراض، وهو FD-2000 (125 كم بدلاً من 150 كم في SS-300 ).
أمّا في المجال البحري فإن أبرز عيوب القوات البحرية الإيرانية أن سفنها صغيرة الحجم، ولا تستطيع البقاء في المياه المفتوحة في تشكيل منسق لأيام معدودة، إلا أنها قادرة بواسطة لنشات الصواريخ السريعة المسلحة بصواريخ بحر/ بحر، والغواصات الصغيرة، والزوارق الانتحارية التي تتميز بسرعة وخفة حركة عالية وقوة إيرانية ضخمة، مع قدرة على الاختفاء في الجزر والخيران الكثيرة الموجودة في الساحل الشرقي من الخليج، وهو ما يمكنها إذا ما استخدمت في تحشد كبير أن توجه ضربات قاصمة لسفن حربية كبيرة وناقلات نفط وتغرقها، وهذا أخشى ما يخشاه قادة البحرية الأمريكية في الخليج، وقد حصلت إيران على لنش سريع بريطاني طراز (بلرزانر-51)، وتم نقله من ميناء دربن في جنوب إفريقيا إلى إيران، وتقوم بتصنيع لنشات مماثله له، حيث يعتبر الأسرع على مستوى العالم. كما تتوافر قدرة عالية لديها على زرع الألغام في الممرات البحرية، كذلك حصلت على صواريخ ساحلية متطورة من الصين وروسيا (سكوال) الأسرع في العالم (360 كم/ ساعة)، تم نشرها في قاعدة بندر عباس لإغلاق هرمز وغيرها من القواعد البحرية الإيرانية، إلا أن البحرية الإيرانية تعاني مشكلة خطيرة، تتمثل في أن معظم سفنها من المدمرات والفرقاطات تقادمت بعد أن زاد عمرها على 30 سنة، نفس الأمر بالنسبة للطائرات الأمريكية الأصل ف-4، ف-5، ف-14 التي لم تمارس الطيران منذ سنوات لعدم توافر قطع غيار وعمرات محركات.
أما القوات البرية النظامية فلا تزال تحتفظ بحجم كبير من الدبابات الروسية (ت-72) وتحاول الحصول على الدبابة (ت-80) وعربة القتال المدرعة (ب.م.ب.-3)، فضلاً عن عدة آلاف من قطع المدفعية أعيرة 130 مم و155 مم.
- أما القوة الصاروخية الإيرانية أرض/أرض، والتي تعتمد عليها إيران في تحقيق «ميزان الرعب» أمام إسرائيل والولايات المتحدة، فإنها تملك عدة آلاف من تشكيلة متنوعة من صواريخ باليستية ذات مَدَيات متعددة، أنتجتها في مصانعها بتراخيص من كوريا الشمالية، منها: شهاب-1/300 كم، شهاب-2/500 كم، شهاب-3/1000كم، شهاب-4/1600 كم، وجميعها تعمل بالوقود السائل. أما الصاروخ سجيل 1، 2 فيبلغ مداه حوالي 3700 كم، وهو متعدد المراحل ويعمل بالوقود الصلب؛ لذلك فهو أكثر دقة وسرعة في المناورة والانتقال من موقع إلى آخر من الصواريخ الأخرى التي تعمل بالوقود السائل. وتفيد المخابرات الألمانية عن حصول إيران على 18 صاروخ BM-25 من كوريا الشمالية، وهو نسخة من الصاروخ الروسي (R27) N-SS-6 ويطلق من الغواصات. وبالإضافة إلى كون معظم الصواريخ أرض/ أرض تطلق من منصات متحركة، إلا أن إيران جهزت أيضًا صوامع محصنة تحت الأرض تطلق منها الصواريخ ثم تختفي تحت الأرض مرة أخرى، طبقًا للأسلوب الروسي والصيني والكوري المعروف، وتحسبًا لمواجهة متوسطة وبعيدة المدى، وتم رصد هذه المواقع بالقرب من تبريز وخورام آباد، وشمال غرب إيران.
- كما نجحت إيران في إطلاق 4 أقمار صناعية بدائية في الفضاء بواسطة الصاروخ (كوتشكر-3) والصاروخ (سيفر- ب1). كما تم بناء مركز قيادة إستراتيجي محصن لإدارة الحرب في منطقة عباس آباد شمالي طهران.
- ويبدي النظام الإيراني اهتمامًا بالغًا بفيلق القدس، الذي يعتبر مسئول العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، ووسيلة النظام في تحقيق أهداف تصدير الثورة الخومينية إلى الدول الأخرى. ويصف المراقبون داخل وخارج إيران فيلق القدس بأنه «صلة الوصل بين عالم النور وعالم الظلام، بين عالم الدول وعالم جماعات الإرهاب، وهو الوجه اللاشرعي للنظام الإيراني، وبوابة الظلمات الإرهابية والعمليات غير الشرعية، كما أنه الوجه الخشن والمظلم للجمهورية الإسلامية». ويعتبر فيلق القدس المسئول عن العمليات التخريبية والانتحارية في العراق، والتي اقتحمت «المنطقة الخضراء» في العاصمة بغداد التي بها السفارة الأمريكية ومقار الحكم.
وهو المسئول عن حزب الله، وحماس، وأحزاب الله الخليجية في دول الخليج، والجماعات والأحزاب الشيعية على مستوى العالم، والحوثيين في اليمن، والجماعات الموالية لإيران في باكستان وأفغانستان، بل ومسئول عن محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، ومسئول أيضًا عن دعم النظام السوري في مواجهة الانتفاضة الشعبية في سوريا. ومهمة فيلق القدس حاليًّا مواجهة الضغط الخارجي الذي تتعرض له إيران على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة بعد ترنح الحليف السوري، وفشل المخطط الإيراني في البحرين، والنكسة الجديدة في اليمن. ولدى فيلق القدس ممثلون في جميع السفارات الإيرانية في الخارج يعملون تحت أغطية دبلوماسية.
وقد أرسل فيلق القدس أخيرًا عناصر تابعة له إلى عدد من دول أوروبا والخليج للقيام بعمليات إرهابية هناك بواسطة الخلايا النائمة هناك في حالة تعرض إيران لهجوم، من هذه العناصر محمد رضا يزدان، إلى زغرب عاصمة كرواتيا، وسعيد قاسم (مسئول الفرقة 27 محمد رسول الله). وفي الإمارات تم إرسال العقيد مير الأمير عفراوي واللبناني أنيس نقاش. وقد تم رصد 20 موقعًا سريًّا لتدريب الخلايا الإرهابية في عدة مناطق من إيران. كما أن لدى فيلق القدس شبكة واسعة من العملاء يعملون في معظم بلاد العالم تحت أغطية تجارية وثقافية واقتصادية، تقوم بتجنيد الشباب في هذه البلدان. حيث يدخلون في دورات تدريبية أولية، ثم يرسلون إلى طهران عن طريق دولة ثالثة، حيث يوضعون تحت المراقبة في مقرات تابعة للفيلق تسمي (القرنطينة).
وتعتبر قاعدة الإمام عليّ في طهران أهم مراكز تدريب الكوادر القيادية لتنفيذ عمليات إرهابية في الخليج والعراق تحت غطاء مستشارين لشركات بناء؛ لتشرف وتوجه الشبكات الإرهابية هناك. أما عدد مراكز ومعسكرات التدريب التابعة لفيلق القدس فيبلغ عددها 20 مركزًا ومعسكرًا منتشرة في أنحاء إيران، فضلاً عن عدد من المراكز داخل العراق. وتبلغ قوة الحرس الثوري 125 ألف جندي عامل، أما قوات (الباسيج) فيقدر القوة العاملة منها بحوالي 200 ألف مع وجود احتياطي يقدر بحوالي 11 مليون فرد. وقد أعطى خامنئي توجيهات جديدة لجهاز المخابرات في إيران وفيلق القدس لتطوير خططهم واعتماد نهج أكثر عدائية في التعامل مع أعداء إيران وأجهزة مخابراتهم؛ بدعوى مواجهة احتمالات شبه مؤكدة لديه لنشوب حرب في غضون سنة على أكثر تقدير.
وأوصى خامنئي هذه الأجهزة أن يكون منهجها في العمل هو المبادأة والمبادرة وليس ردود الأفعال، واستغلال الأحداث في البيئتين الإقليمية والدولية «بركوب موجتها، بل وتحريك الرياح لإثارة الأمواج»، مع توقع جميع الاحتمالات وأسوئها والتحسب لها مستقبلاَ، والعمل على إجهاض خطط الأعداء قبل تنفيذها، مع الاستفادة بالتقية الشيعية لأبعد مدى في إخفاء نوايا الحكومة الإسلامية وتحقيق أهدافها من خلال المبادأة وبما يسهل عمليات تصدير الثروة. هذا مع السعي لتجنيد معظم جماهير الشيعة في الدول الأخرى للعمل لحساب إيران، مع تأمين حرية العمل والمناورة لهم بدعمهم ماديا، محذرًا من المشروع الأمريكي لإقامة شرق أوسط جديد أو كبير الذي يستند إلى تفتيت دول المنطقة عرقيا وطائفيا لانعكاساته الخطيرة على إيران، حيث يسعى إلى تقسيمها إلى كونفدرالية من خمس دويلات، وسلخ المحافظات الحدودية ذات العرقيات والطوائف غير الفارسية وغير الشيعية عن الدولة الأم إيران، وتحويله إلى شرق أوسط إسلامي تكون فيه إيران المركز والقلب النابض.
- أما البرنامج النووي الإيراني -وله دراسة خاصة مرفقة- فيعتبر جوهر الغايات والأهداف القومية الإيرانية، والذي بواسطته يأمل نظام الملالي أن يكون المحور الذي تلتف حوله الأمة الإيرانية، ويتحقق من خلاله ولاؤها للنظام الحاكم، وأيضًا سلاح الردع المضاد للتهديدات التي تتعرض لها إيران من الخارج، ووسيلة النظام الحاكم لابتزاز دول المنطقة؛ لتحقيق المصالح والأهداف الإيرانية، ورفع قدرة إيران على قيامها بحروب بالوكالة ( Proxy Wars ) تهدد بها أمن الدول العربية -وليس الخليجية فقط- التي تعارض سياسة الهيمنة الإيرانية. ورغم المصاعب والعراقيل والعقبات التي تواجه هذا البرنامج إلا أن هناك تصميمًا إيرانيًّا للمضي فيه حتى يحقق غايته النهائية بامتلاك قوة نووية متنوعة القدرات ووسائل الاستخدام.
ولن تسعى إيران لإعلان قوتها النووية في حالة امتلاكها، بل ستتبع إستراتيجية «الردع بالشك» بأن تسرب معلومات حول تواجد سلاح نووي لم يُجمَّع بعد، ولكن يمكن تجميعه واختباره إذا اتخذ قرارًا بذلك في فترة زمنية قصيرة. وتعمل إيران في برنامجها النووي منذ 37 عامًا بإصرار وتصميم عجيب رغم ما تعرض له هذا البرنامج من نكسات، إلا أن إيران تحتذي بكوريا الشمالية التي تحدت أمريكا ونجحت في استكمال برنامجها النووي رغم ما واجهته من صعاب، وأصبح السلاح النووي الكوري هو الرادع الإستراتيجي في يد بيونج يانج ضد أعدائها في جنوب شرقي آسيا، إلا أن إيران تتميز عن كوريا الشمالية في مواردها الاقتصادية بسبب قدراتها وعائداتها من النفط والغاز، وبذلك حققت إيران اكتفاء ذاتيًّا في الغذاء والسلاح، وهو ما لا تملكه كوريا الشمالية. فمن باب أولى ينبغي على إيران أن تحصل على السلاح النووي لأن ظروفها أفضل من كوريا الشمالية.
إلا أن مشكلة وخطورة البعد النووي في الإستراتيجية الإيرانية لا يتمثل في عدم عقلانية سياستها فقط، بل في ضعفها التقني؛ ذلك أن إيران ليست مثل اليابان التي وقفت عاجزة أمام الكارثة النووية التي حلت بها مع التسونامي الأخير، وليست مثل روسيا وأوكرانيا عندما حلت بهما كارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986، وحوادث أخرى تعرضت لها مفاعلات أمريكية، وقد شاهد العالم كيف وقفت إيران عاجزة أمام فيروس (ستاكسنت) الذي دسته إسرائيل على أجهزتها الحاسبة التي تشغل أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
فإذا أدركنا أن مفاعل بوشهر النووي -وهو الأقرب إلى الكويت- قائم على خط الزلازل الذي تعيش فوقه إيران؛ فإن هناك قلقًا من حدوث كارثة في هذا المفاعل إذا ما تعرضت إيران إلى زلزال، فقد محا زلزال مدينة (بام) في وسط إيران، منذ سنوات، وضرب سواحل الإمارات وعمان، إلى جانب أن اتجاه الرياح وحركة الأمواج بالخليج في حالة حدوث تسرب إشعاعي تصيب الكويت بأكثر مما تصيب إيران نفسها، ناهيك عن تلوث مياه الخليج التي تعتمد عليها دول الخليج في الشرب بعد تحليتها.
- ويمكن أن نوجز ما تتميز به المرحلة الحالية من الناحية العسكرية والأمنية في الآتي: (1) انهيار البوابة الشرقية بعد احتلال العراق، وانتشار النفوذ الإيراني فيه وباقي دول الخليج، وانتقال إيران من العمل السري إلى العلني المعادي لدول الخليج.
(2) تطوير إيران لقدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية، وبروز قوات الحرس الثوري وفيلق القدس كقوة مضافة أخطر من الجيش النظامي، من حيث ما تكلف به من مهام عدائية ضد دول المنطقة.
(3) العمل على زعزعة أمن واستقرار الدول العربية؛ بإثارة نزاعات عرقية وطائفية وسياسية داخلها.
(4) الانتقال من الحديث المبطن عن أحقية النفوذ الإيراني في الخليج إلى التدخل المباشر في شئون العراق ودول مجلس التعاون.
(5) تعزيز القدرات الهجومية الصاروخية بأنواعها، وبشكل مستقل يستهدف ليس فقط الأهداف العسكرية الأمريكية ولكن أيضًا المنشآت النفطية والتجمعات السكانية في مدن الخليج.
(6) تعدي البرنامج النووي الإيراني المرحلة الحرجة في امتلاك سلاح نووي (بعد اختبار نظام التفجير الضمني المزدوج الذي يسمح بتصنيع رأس نووي صغير يمكن تركيبه على رأس الصاروخ شهاب، وهو ما يعني امتلاك “,”تكنولوجيا تصغير الرءوس النووية“,”، وهي مرحلة متقدمة وصعبة تحتاج إلى عشرات التجارب النووية في المعمل، ثم تجارب ميدانية.
(7) ارتباط كل ذلك بمطالب إيرانية بالاعتراف بها كقوة إقليمية عظمى شرعية، لها حقوقها ومصالحها، إلا أن حصول إيران على السلاح النووي سيطيح بشكل كامل بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة.
(8) إن ضربة إسرائيلية، أو إسرائيلية - أمريكية مشتركة، ضد المنشآت النووية الإيرانية قد يؤخر البرنامج النووي بضعة أشهر أو سنوات، ولكنها لن تدمره، بل سيشجعها على التحول إلى الردع النووي العلني، لا سيما وأن إيران لا تزال تنفي نيتها في امتلاك سلاح نووي.
- ويعتقد الحرس الثوري الإيراني أن أمريكا لن تُقدم على شن غزو شامل ضد إيران مثلما فعلت مع العراق وأفغانستان، وإنما ينتظر الحرس الثوري أزمة ذات خمس مراحل، على النحو التالي:
1. المرحلة الأولى: اندلاع أعمال شغب داخل المحافظات الإيرانية -خاصة الحدودية- بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية (يطلقون عليها الفتنة الاقتصادية)، خاصة من جانب القطاعات الأكثر فقرًا في المجتمع؛ لتقويض شرعية النظام الحاكم.
2. المرحلة الثانية: نشر قوات الحرس الثوري والباسيج (125.000 عنصر من الحرس الثوري، و300.000 عنصر من الباسيج)، مع الاعتراف بصعوبة سيطرة هذه القوات على الأوضاع وحماية منشآت دولة باتساع إيران.
3. المرحلة الثالثة: تعرض قوات الحرس الثوري وموارده لمزيد من الضغوط الشعبية المرافقة لاندلاع الثورة بعد اتساع نطاقها، وبما يجبره على الانتشار في أكثر من مدينة تندلع بها مواجهات، خاصة في المحافظات الحدودية.
4. المرحلة الرابعة: تنفيذ عمليات إعاقة إلكترونية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة على جميع الأجهزة الإلكترونية في إيران (رادارات، أجهزة اتصال، حواسب إلكترونية، محطات إذاعة وتلفزيون وفضائيات) مدنية وعسكرية، واستغلال ما تحدثه عمليات الإعاقة الإلكترونية في شن هجمات جوية وصاروخية معادية فورية ضد المنشآت النووية والعسكرية ومراكز القيادة والسيطرة والقواعد الجوية والبحرية ومواقع الصواريخ شهاب والصواريخ أرض/جو والصواريخ الساحلية، فضلاً عن مناطق تمركز وحدات الحرس الثوري، خاصة البحرية.
5. المرحلة الخامسة: سيطرة قوى المعارضة الداخلية على السلطة في طهران، وإطلاق وعود بوقف الصراع وتشكيل حكومة مؤقتة وتجنب اشتعال حرب كاملة، مع توقع انضمام قوات الجيش النظامي إلى قوى المعارضة ودعمه للحكومة المؤقتة.
- وفي مواجهة هذا السيناريو، فإن مهمة الحرس الثوري ستكون سرعة احتواء الثورة في الداخل، وإخمادها بأقصى وسائل القوة العسكرية (على النحو الجاري بواسطة الجيش السوري ضد الثورة الشعبية في سوريا) مهما كانت الخسائر الناتجة، مع تجنب الدخول في مواجهة مع الجيش النظامي الإيراني، والمحافظة على هياكل النظام ومنع انهيارها. أما مهمة فيلق القدس فسيعتمد أساليب (الحرب غير المتكافئة) خارج الحدود الإيرانية، بشن هجمات ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية في مناطق مختلفة من العالم، مع التركيز على ضرب سفن بحرية أمريكية ضخمة في الخليج وإغراقها، وبما يؤدي إلى كسر الهيبة الأمريكية على الساحتين الإقليمية والدولية، فضلاً عن توجيه ضربات صاروخية بواسطة حزب الله وحماس ضد أهداف داخل إسرائيل، وشن ضربات صاروخية إيرانية ضد القواعد الأمريكية في الخليج وآسيا الوسطى، وإغلاق المنافذ البحرية العالمية في هرمز وباب المندب، وتعطيل الملاحة في قناة السويس، مع الاستعداد لشن عمليات إرهابية ضد الأهداف والمصالح الأمريكية على كل الساحة العالمية، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة؛ بإشراك إرهابيي تنظيم القاعدة.
- أما عن جدوى هذا السيناريو من وجهة نظر الحرس الثوري، فهو غير واقعي ؛ لعدة أسباب، كالآتي:
1- ليس من مصلحة إيران التورط في عمليات خارجية بينما جبهتها الداخلية مشتعلة.
2- لقد سبق أن هدد الرئيس السوري بشار الأسد بإشعال المنطقة كلها بعد ست ساعات من بدء أي هجوم ضد سوريا، في حين أثبتت الأحداث أنه غير قادر على إخماد الحريق المشتعل داخل بلده منذ حوالي عام، فكيف سيشعل المنطقة خلال 6 ساعات؟
3- أما حزب الله فقد تم اختباره أثناء اشتعال الثورة في سوريا، فلم يتدخل ضد إسرائيل كما طلب منه الأسد ذلك، أما إذا قام حزب الله بقصف إسرائيل عندما تتعرض إيران لضربة عسكرية، فإنه بذلك يعطي إسرائيل الفرصة التي تنتظرها منذ حرب 2006 لتصفية وجوده في شمال وجنوب الليطاني، وإعادة احتلال جنوب لبنان، والقضاء على نفوذه السياسي والعسكري نهائيًّا في لبنان، وسيتكرر نفس الأمر مع حركة حماس إذا ما قامت بقصف أهداف جنوب إسرائيل، فإنها ستُعرِّض قطاع غزة لحرب جديدة تدمر فيها إسرائيل ركائز حركة حماس العسكرية والسياسية.
- ولكن من المتوقع أن ينجح فيلق القدس في تحريك جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في العراق، وكذلك فيلق بدر التابع لحزب الدعوة هناك؛ لمهاجمة أهداف أمريكية داخل العراق، ونقل المعركة إلى داخل الكويت ضد مناطق تمركز القوات الأمريكية هناك، وذلك بقوة 15.000 رجل، كما يتوقع في أفغانستان أن يعتمد الحرس الثوري على حوالي 5000 عنصر من مقاتلي شيعة (الهزارة) في شن هجمات ضد الأهداف الأمريكية في كابول، خاصة أنهم على مسافة يوم من كابول، هذا فضلاً عن تحريك الحزب الإسلامي الذي يقوده قلب الدين حكمتيار -الذي تنفق عليه إيران- لضرب أهداف تابعة لقوات الناتو في أفغانستان. ولكن إذا كان الحرس الثوري سيعتمد على إطالة أمد الحرب لتفعيل حلفائه في خارج إيران، وللتأثير في الرأي العام الأمريكي، فإن أمريكا في المقابل ستسعى إلى تقصير زمن الحرب؛ بشن ضربات نووية تكتيكية ضد ركائز النظام الحاكم في إيران، وبما يؤدي إلى سقوطه نهائيًّا، لا سيما إذا تغير الوضع في الداخل لغير صالح النظام.
- ومن المعتقد أنه ليس من مصلحة النظام الإيراني الدخول في مواجهة عسكرية حاليًّا، ولا في المستقبل القريب؛ للأسباب الآتية:
1- ضعف التأييد الشعبي لنظام حكم الملالي بشكل عام، ولحكومة أحمدي نجاد على وجه الخصوص.
2- تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني نتيجة العقوبات الدولية، وتفاقمه مع حظر النفط والتعامل مع البنك المركزي الإيراني.
3- تعطيل الملاحة في مضيق هرمز يعتبر تعطيلاً للمصالح الدولية -بما فيها روسيا والصين حلفاء إيران- مما سيؤدي إلى موقف دولي موحد في مجلس الأمن ضد إيران، مع السماح باستخدام القوة العسكرية ضد إيران لفتح الممر الملاحي.
4- لن تجد إيران أي دعم من الدول العربية الناقمة على نظام الحكم في إيران، وتريد التخلص منه.
5- يعتبر العام القادم هو عام انتخابات الرئاسة في أمريكا، واحتمال وصول المرشح الجمهوري للحكم سيزيد من الضغوط الأمريكية على إيران.
6- ضعف أو زوال نظام الأسد في سوريا سيحرم إيران من حليف أساسي، ولن يبقى لإيران سوى حزب الله، وستكون نهايته إذا ما استجاب لطلبات طهران في شن هجمات ضد إسرائيل.
- ومن ثم فإن خيار إيران أمام الحرب الباردة، التي تشنها عليها الولايات المتحدة، إما الانهيار الاقتصادي والأمني داخليًّا أو الانتحار العسكري. وهو ما كان يعنيه الأدميرال الروسي “,”فلاديمير كوميروف“,”، رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما)، عندما صرح أخيرًا بأن القوات الأمريكية المحتشدة حول إيران مزوده بحوالي 450 صاروخًا، معظمها نووي، وأن هناك تزايدًا في احتمالات العمل العسكري ضد إيران، “,”ولا تفوح رائحة بارود فقط، بل تبدو رائحة حريق“,”.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن النظام الإيراني مأزوم داخليًّا، فيما بين إصلاحات سياسية واقتصادية غير قادر على الوفاء بها، وصراعات سياسية بين المرشد خامنئي ورئيس الجمهورية أحمدي نجاد؛ في ظل تصاعد العقوبات وانهيار اقتصادي، فكيف ببلد يعاني كل هذه المشاكل أن يجازف حكامه بالدخول في حرب يأملون أن يكسبوها، لا سيما بعد أن انكشفت لعبة توزيع الأدوار بين إعلان وزير الخارجية عن استعداد بلاده للدخول في المفاوضات حول الملف النووي مع مجموعة دول 5+1 والوكالة الدولية للطاقة النووية، في حين يهدد رئيس الأركان الإيراني وقادة الحرس الثوري بإغلاق ممر هرمز وضرب دول الخليج؟ كما أن استمرار رهان النظام الإيراني على تأييد روسيا والصين في ظل تصاعد الموقف على نحو السيناريو الذي وضعه الحرس الثوري، والموضح آنفًا، يعتبر رهانًا خاسرًا بجميع المقاييس.
طبيعة موقف دول الخليج وأبعاده:
- تجد دول الخليج نفسها مضطرة للاستعداد لاحتمال اندلاع حرب لا تريدها، وذلك في ظل التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة. فهي تعزز قدراتها الدفاعية بما تعقده من صفقات أسلحة مع الولايات المتحدة، ودول أوروبية، ربما تنجح في ردع إيران عن تهديد هذه الدول، التي أعلنت أكثر من مرة أنها لن تسمح بجعل أراضيها ساحة استخدام لأي من أطراف الحرب، ولكن ستضطر هذه الدول للدخول في الحرب إذا ما اعتدت إيران على أراضيها بأي صورة من صور العدوان؛ حيث تتمتع القوات الخليجية بتفوق نوعي على القوات الإيرانية التي لا تزال تعتمد على أسلحة روسية وأمريكية متقادمة، بينما تحقق إيران تفوقًا كميًّا، لا سيما في مجال القوات البرية. والمشكلة التي تواجهها دول الخليج أنها ليست شريكة في اتخاذ قرار الحرب مع إيران، رغم أنها ستكون أكبر المتضررين منها؛ لكونها جميعًا في مدى الصواريخ الإيرانية، فضلاً عن بحرية الحرس الثوري. ورغم أنظمة الدفاع الجوي الحديثة التي تمتلكها دول الخليج، فإنها ستكون عاجزة عن صد هجمات صاروخية إيرانية إذا ما لجأت إيران لاتباع إستراتيجية (الإغراق الصاروخي)؛ بقصف الهدف الواحد بعشرات الصواريخ. هذا فضلاً عن الصعوبة التي تواجهها دول الخليج على الصعيد الأمني الداخلي في اكتشاف كل الخلايا الإيرانية النائمة داخل أراضيها، ناهيك عن استمرار عمليات الشحن الطائفي السني - الشيعي. لذلك فإن الحرب الباردة التي تقودها إيران في المنطقة -وتعتمد أساسًا على البعد الطائفي- ستستمر عقودًا حتى يسقط نظام حكم الملالي.
- إن التاريخ الاستفزازي من جانب إيران هو الذي يجعل دول الخليج لا تثق مطلقًا بإمكانية العلاقة السلمية معها. فهي تعتقد بوجود خلايا إيرانية نائمة وأخرى نشطة على أراضيها، والطرفان في حالة حرب باردة لم تتوقف منذ قيام الثورة الخومينية في عام 1979. أما على الجانب الآخر، حيث نظام طهران، فإنه يشعر أنها حرب من جانب واحد؛ إذ لا تحمل الدول الخليجية مشاريع سياسية مضادة، ولا ترسل بعثات تجسس، ولا تملك شبكات تخريب نائمة داخل إيران، وهو وضع يزيد من سوء الموقف الخليجي في مواجهة إيران، خاصة بعد تطوير إيران لبرنامجها الصاروخي والنووي، حيث أصبحت دول الخليج أمام خيارين كلاهما مر: إما القبول بإيران نووية أو صفقة أمريكية - إيرانية محتملة ستكون بالضرورة على حساب أمن واستقرار دول الخليج، وبما يتيح لإيران تحقيق أهدافها؛ لذلك لا ينبغي أن تسمح دول الخليج بأي حال من الأحوال أن يتم عقد معاهدات، أو اتفاقيات أو صفقات بين الولايات المتحدة وإيران، دون التشاور مع دول الخليج، وكشف كافة أبعادها، وأن يكون لهذه الدول دور فيما يجري من مفاوضات، وبما يحافظ على الأمن والمصالح القومية والهوية العربية لدول الخليج العربية. لذلك فإن وضعية السكون التي يمارسها مجلس التعاون لا يجب أن تستمر، أو محاولة دفع الشر عن طريق عدم الحراك الإيجابي. فلا بد من وضع إستراتيجية خليجية تتعامل مع كل الاحتمالات المستقبلية وأسوئها، وألا يكون التعاون الخليجي قاصرًا فقط على البعد الاقتصادي، مثل توحيد العملة والسوق المشتركة والسيادة المحلية، ولكن يجب أن يشمل التعاون بين دول المجلس آفاقًا إستراتيجية متكاملة؛ بهدف الحفاظ على الهوية للأجيال القادمة. وأن تنتقل دول المجلس من مقعد المراقب إلى مقعد المشارك في مجابهة التحديات الجديدة ميدانيًّا، خاصة في ضوء علاقاتها المتشابكة والمتداخلة والمعقدة وهي تنحصر في محيطها الحيوي، وبعد أن أصبحت المؤامرات على استقلال دول الخليج مكشوفة أبعادها، فقد تنبأت دراسة أمريكية أنه بعد 15 عامًا فقط لن يبقى في منطقة الخليج سوى دولتين فقط هما السعودية وسلطنة عمان. ومواجهة ذلك ليس بالضرورة بالاندماج، ولكن بالتعاون الإيجابي والوثيق في كافة المجالات، وبما يؤدي إلى ما هو أفضل من الاندماج، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، وحيث الإصلاح السياسي بما يلبي متطلبات الجبهة الداخلية، وبذلك يتم تأمينها ضد الاختراق الإيراني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بتشكيل كونفدرالية بين دول المجلس تعضد الاقتصاد كما تدعم السياسة والأمن. هذا مع الاستفادة من درس مهم كشفت عنه عمليات القوات السعودية في اليمن، وهو أن مسألة الحدود لا يمكن التهاون بشأنها ولو مرة واحدة؛ لأن قبول ذلك يجعل مسألة انتهاكها مرات أخرى واردة. لذلك ينبغي تبليغ رسالة واضحة لإيران، مفادها أن كل من يعبث بسيادة إحدى دول الخليج عبر انتهاك حدودها سيلقن درسًا قاسيًا.
- كما أنه لا بد لدول الخليج من موقف واضح وصريح، وسياسة حازمة لا ناعمة ضد أطماع وأخطار السياسة والممارسات الإيرانية التي تتربص بها وتحاصرها، تارة بالتصريحات وتارة باللكمات الخطابية. حيث ترفض إيران مبدأ الحوار حول عدد من الملفات الخليجية - الإيرانية، مثل قضية الجزر الإماراتية منذ عام 1970، حيث أعلنت إيران زيادة مساحتها لأكثر من 220.000 كم 2 بعد ضم هذه الجزر والحساب الدقيق لمساحتها. ورغم أن النظام الإيراني يعتمد على سياسات مكشوفة في تعامله مع دول الخليج العربية، فإن السياسة الخليجية لا تريد التصعيد تجاه تلك السياسات الإيرانية العدوانية، وأخطرها محاولات تغيير التركيبة السكانية، والتأثير في الانتماءات الوطنية الخليجية. ولم تتورع إيران عن دعم وتجييش أحزاب وجماعات معينة في دول الخليج للعمل وفق المصالح الإيرانية وحدها، وليس مصالح المنطقة وسلامة أراضيها وشعوبها، حتى وصل الأمر إلى التصريح بعدم شرعية الأنظمة الحاكمة، والعمل على خلق صراع سني شيعي، ناهيك عن التهديدات بحرق المنطقة والقواعد العسكرية وآبار النفط فيها.
وهذا الدور الإيراني ليس مستترًا بل مفضوحًا؛ حيث يحاول حكام طهران جر الجميع إلى شعلة اللهب التي ستصيب إيران؛ بسبب استمرارها في البرنامج النووي على عكس إرادة المجتمع الدولي دون تفكير في النتائج، وهو ما يفرض على دول الخليج أن تفضح ممارسات النظام الإيراني وأهدافه في المنطقة، وأن تقدم كل ما لديها من دلائل وإثباتات للأسرة الدولية، فهذا هو البند الأول في تحقيق مطالب الأمن القومي الخليجي، وأعني به فضح وكشف العدو؛ حتى تعي الشعوب الخليجية حجم المخاطر المعرضة لها من قبل النظام الإيراني؛ فتتلاحم مع قياداتها وتشاركها وتساندها في معركة مواجهة الخطر الإيراني.
- وتبدو مشكلة دول الخليج في أنها تتخذ القرار، ثم تصرف وقتًا طويلاً لتبريره، بدلاً من التركيز على تنفيذه، في حين أنه ثبت لهذه الدول أن المرة الوحيدة التي اتخذ فيها قادة دول مجلس التعاون قرارًا ضد إيران وتم تنفيذه فورًا وبشكل مفاجئ أذهل إيران والمجتمع الدولي، وهو دخول قوات درع الجزيرة البحرين في مارس 2011 لمساندة نظامها الحاكم في مواجهة الثورة التي حاولت إيران إشعالها هناك، وقد نجح التنفيذ السريع لهذا القرار في إحباط محاولة إيران زعزعة نظام الحكم القائم في البحرين. ساعد على هذا النجاح التناول الإعلامي والسياسي الجيد لقرار التدخل في البحرين، وبما أدى إلى اقتناع شعوب دول الخليج وغيرها بهذا الإجراء ومساندته. وإذا كانت إيران تعتقد أن وسائل إعلامها ودعايتها مصادر قوة لفرض ما تريد، فإن مواجهة ذلك من قبل دول مجلس التعاون يكون بالمزيد من التواصل مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، وكشف الحقائق وطرح المعلومات الموثقة أولاً بأول، وتفنيد المواقف وتهيئة الرأي العام قبل كل قرار أو موقف.
- إن الموقف الحالي في منطقة الخليج يتطلب وضع إيران بنظامها الحالي على أعلى درجة من سلم الاهتمامات، وتشديد الإجراءات الأمنية، ومنع نشر الأفكار التحريضية، ووقف السجالات الطائفية عبر وسائل الإعلام، وتقييد السلوك الخاطئ من حرية الترويج الديني، وإطلاق حملة إعلامية موثقة تكشف عمليات دعم إيران لتنظيمات تثير الفتنة والفوضى والتخريب في دول الخليج تحت دعوى حرية الرأي والتظاهر، وحقيقة الأمر فيها أنها حرية التخريب وإثارة الفتن. ومن أهم ما ينبغي التركيز عليه هو تقوية أجهزة الأمن والقوات المسلحة، والاهتمام بالتقديرات الاستخباراتية في دوائر صنع القرار الإيراني للحصول على النوايا والمخططات الإيرانية قبل تنفيذها. هذا مع العمل مع المجتمع الدولي لفرض تطبيق صارم للعقوبات على النظام الإيراني، وجعله يدفع ثمنًا لإصراره على اتباع سياسة التحدي. وعدم الأخذ بالتقديرات الخاطئة أو المجاملة للنظام الإيراني، والتي تزعم أن العقوبات تقوي النظام الإيراني وتضعف معارضيه.. وما إلى ذلك من رؤى وأفكار سطحية؛ ذلك لأن العقوبات المصوبة بالاتجاه الصحيح تضعف قدرة النظام الإيراني، وتشجع المعارضين الصادقين على الحركة، وتنتج فرصًا قوية للضغط الشعبي فضلاً عن دفعها المزيد من الدبلوماسيين الإيرانيين إلى الانحياز لقوى المعارضة الديموقراطية، وبذلك يتآكل النظام الإيراني من داخله. هذا مع التعامل مع إيران بأسلوب العصا والجزرة، والعصا ممثلة في وجود قوات أجنبية (أمريكية وفرنسية) في عدد من دول الخليج تسد الخلل نسبيًا في الميزان العسكري القائم حاليًا لصالح إيران، أما الجزرة فهي إقامة تعاون اقتصادي بين دول مجلس التعاون وإيران.
- ومع احترام رغبة الدول الخليجية في تجنب الحرب، فإنه يجب أن ترافقها رغبة أخرى في كبح النفوذ الإيراني، الذي ما انفك يتعاظم في السنوات الأخيرة، ليس فقط في منطقة الخليج ولكن في كل المنطقة الممتدة من أفغانستان شرقًا إلى لبنان وغزة، وصولاًً إلى اليمن والسودان والقرن الإفريقي. ويوجد مدرستان في الخليج في شأن التعامل مع إيران: المدرسة الأولى ترفض الحرب بتاتًا إلا إذا فُرضت فرضًا، والمدرسة الأخرى ترى أن تدخلات إيران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان، إضافة إلى اليمن والسودان، مع تأجيج التوترات الطائفية في البحرين والسعودية، كلها أمور لا يمكن التعامل معها إلا بهزيمة إيران إستراتيجيًّا عبر إفشال مشروعها الإقليمي التوسعي، وليس بالضرورة من خلال حرب، ويبدو أن المدرسة الثانية باتت أقوى مؤخرًا.
- ولقد خضعت الجمعيات الخيرية في دول الخليج لرقابة محلية وأمريكية، ولكن لم يرد ما يشير إلى أن مؤسسات (الخُمس) الإيرانية تخضع لتدابير مماثلة، وهي مؤسسات تجمع خمس ما يحصل عليه كل شيعي في العالم من إيرادات، على أن يتم توريدها إلى الملالي، وهي أموال طائلة لا يعرف أحد كيف تنفقها إيران. وربما يكون نقلها خارجيًّا أكثر خطرًا من صرفها داخليًّا؛ لأنها قد تصل في النهاية إلى جحور تخطيط الإرهاب في طهران، وأيادي مثيري الفتن في الدول العربية في شكل أموال وأسلحة ومخدرات. وما حدث في البحرين والكويت وشرق السعودية يثبت صعوبة التعايش بين النظام الإيراني والمحيط العربي. والدول التي لم يتحرك ضدها عملاء المخطط الإيراني لن تكون مستثناه كليًّا من تنفيذ مخططات إيران الهدامة، ولكن ذلك قد يكون مؤجلاً إلى حين. فكيف سيكون الحال إذا ما هيمنت إيران في المحصلة النهائية على العراق وبلغت غايتها النووية؟ وهو ما يفرض أن يبدأ التصدي للمخطط الإيراني من العراق الذي تريد إيران تطويق دول الخليج بعد سيطرتها على العراق، وذلك بدعم استقلال العراق ووحدة أراضيه، وترسيخ الهوية العربية للعراق وانتمائه الوطني، وبما يكفل منع تدخل إيران في الشأن العراقي.
وفي صدد إدراك خطورة الأهداف الإيرانية على حرمات المسلمين في دول الخليج، وتوعية الشعوب العربية والإسلامية بها، ينبغي أن يعرف المسلمين من أهداف إيران سرقة الحجر الأسود من الكعبة ونقله إلى مدينة “,”قم“,” في إيران، وما يجري من تلبية الحجاج والمعتمرين الإيرانيين للخميني بدلاً من التلبية لله وحده، ووضع صورة للخميني في الكعبة، فضلاً عن ممارستهم بعض الأفعال الشاذة، ناهيك عما تردده وسائل إعلام إيرانية من دعاوى إلى تحرير الكعبة من أيدي من تصفهم بـ(الآثمين).
- أهمية إقناع جماهير الشيعة العرب في الدول الخليجية والعراق بخطورة صرف ولائهم للنظام الحاكم في طهران على حساب ولائهم لأوطانهم العربية التي نشأوا فيها، واستطاعوا أن يحيوا في عزه وكرامة وبحبوحة من العيش، على عكس المواطنين الإيرانيين داخل بلدهم، الذين يعانون صورًا شتى من القمع وعدم الأمان والتعدي على الحرمات من قبل الحرس الثوري والباسيج، ناهيك عن افتقاد الحرية، ومصاعب الحصول على الاحتياجات المعيشية الأساسية في ظل العقوبات المفروضة على إيران، وأن النظام الإيراني يعتبر الشيعة العرب مواطنين من الدرجة الثانية، وسيعاملهم على هذا الأساس إذا ما قُدّر له أن يتحكم في بلدانهم، على النحو الذي يجري في العراق، هذا فضلاً عن أهمية إقناع الجاليات الإيرانية المتواجدة في دول الخليج بصعوبة الحياة في إيران في ظل حكم الملالي، وإبراز زيف وانكشاف ما يسمى بـ“,”جيوش الحرية العربية“,”، وأن إيران مهددة بالتقسيم إلى خمس كونفدراليات، هذا مع الاهتمام بتجنيس العائلات العربية الشيعية المقيمة طويلاً في دول الخليج لما يحققه ذلك من دعم لعروبة الخليج.
- أما على صعيد عموم شعوب الخليج، وتجنبًا لتأثرهم بما يسمى بـ“,”ثورات الربيع العربي“,”، ومعظمها تم صنعه في المعامل الأمريكية في مؤسسات أمريكية وبريطانية وقطرية، استغلت الأوضاع السيئة في الأنظمة العربية التي سقطت (الفساد، القمع، البطالة... إلخ)، فإنه ينبغي ضرورة احتواء الجماعات السياسية والدينية عن طريق دفع مزيد من الحريات والعدالة الاجتماعية، وبث روح المواطنة في هذه الجماعات بقبول مشاركتها في المنظومة السياسية للدولة الوطنية، وأن الدولة الوطنية هو مشروع مكونات المجتمع المستقل والمستقر والنامي، وهو ما يتطلب ويفرض تعميق الشعور بالولاء والانتماء الوطني، وتحقيق مشاركة أكبر للجماهير في صنع القرار السياسي من خلال وضع اعتبار للرأي العام عند اتخاذ القرار، فضلاً عن جعل الجماهير تلمس فعليًّا المشاركة في ثروة البلاد الاقتصادية، خاصة عائداتها النفطية، وأن تحصل فعلاً على نصيب فيها.
وهذا يفرض على قيادات مجلس التعاون الخليجي ليس فقط إحداث تغيير في الهيكلة السياسية لدولهم، ولكن الوصول إلى حلول ابتكارية لتخفيف الآثار المترتبة على انتقال ثورات الربيع العربي إلى داخل بلدانهم. فالأمر لم يعد قاصرًا على توحيد العملة والتكامل الاقتصادي والسوق المشتركة والاتحاد الجمركي... إلخ، فقط، ولكن المطلوب أوسع وأعمق من ذلك بكثير ليشمل توحيد شبكة الأمان العام في المنطقة، واتخاذ خطوات سياسية موضوعية من خلال طرح فكرة الكونفدرالية التي تقرب مواقف تلك الدول تجاه القضايا الكبرى الداخلية والخارجية، في تساند قانوني معروف للعالم؛ لكونها تشكل مجتمعة كتلة بشرية من نحو 40 مليون نسمة بناتج محلي إجمالي سنوي يقارب 900 مليار دولار، ومن دون هذه الخطوة التاريخية يعني البقاء في دول متعددة، كثير منها صغيرة غير قادرة بشريًّا على تحمل أو مقاومة صدمات كبيرة قد تواجهها على نحو التهديد الإيراني الذي واجهته الكويت عام 1990 والبحرين في 2012.
- إن الخلاف بين دول مجلس التعاون على أسلوب التعامل مع إيران رغم الاتفاق على خطورة التهديد الإيراني، يشكل أكبر معوقات العمل الجماعي لهذه الدول. فعلى سبيل المثال تبدو الإمارات كما لو كانت تسير في اتجاه معاكس لاتجاه مواجهة التهديدات الإيرانية، وتبدو كما لو أنها تريد تحييد ملفات الخلاف مع إيران وتضعها على الرف. حيث توقفت منذ سنة عن ذكر قضية الجزر الثلاث، بل وطلبت من باقي دول مجلس التعاون عدم إبراز هذه المسألة في المحافل الدولية، هذا رغم أن قضية الجزر كانت ركيزة في أي طرح لدولة الإمارات طوال السنوات الماضية، وهو قرار يعني سحب ذرائع التصعيد الإيراني معها. كما أن موقف كل من عمان وقطر من التهديدات الإيرانية أصبح واضحًا أيضًا في عدم الرغبة بإثارة مشاكل مع إيران، حتى وإن كان ذلك على حساب قضايا الأمن القومي العربي بشكل عام، والأمن في الخليج بشكل خاص.
- ولقد سبق لوزير خارجية البحرين أن عبّر في أواخر العام الماضي عما يمكن تسميته بـ“,”الحيرة الإستراتيجية“,” التي تحيط بدول الخليج؛ جراء ألا يكون أمامها سوى الاختيار بين صفقة إيرانية - أمريكية تتم على حسابها، أو عمل عسكري ضد إيران ما زال الخليجيون يعملون جاهدين للحيلولة دون حدوثه. وهذه الحيرة ناجمة عن قلة الخيارات والبدائل، وهو مثال جديد يدفع للخروج على الصيغ الأمنية القائمة وغير المكتملة، والعمل على تعديلها بحكمة، والسعي الحثيث لبلورة بدائل خليجية ونماذج إستراتيجية أكثر ملائمة في الاستجابة للهواجس والمصالح والأولويات الخليجية. وهو ما يتطلب إعادة تعريف صيغة التحالفات لمصلحة إدارة الأدوات والموارد الخليجية بشكل أكثر فاعلية، وعدم حصر الخيارات والبدائل في عنوان واحد، وأن تنهض على مبدأ الاستقلالية والمشاركة الواسعة في بلورة إستراتيجية أمنية موحدة في الإقليم، تهتم بمصلحة دول الخليج أولاً، واستبعاد منطق الخجل والتردد وعدم إغضاب الأصدقاء والحلفاء.. إلخ؛ لأن العلاقات مع الحلفاء لا تعني انتفاء الاختلاف، ولكن عدم رسوخ الديموقراطية، والإحساس النفسي بالضعف هو الذي يكرس الدبلوماسية المترددة التي دائمًا ما تخطئ في إصابة الهدف.
- وحتى يمكن تجنب صفقة تعقدها إيران مع الولايات المتحدة على حساب أمن واستقرار دول الخليج، فإن ذلك يتطلب: (1) الحصول على معلومات عما يتم وراء الستار من تحركات وعلاقات تمهد لتخفيف حدة التوتر حول الموضوعات الشائكة في العلاقات الإيرانية - الأمريكية والغربية بشكل عام، (2) إعداد ملفات يمكن إثارتها في الوقت المناسب لتحقيق ردود فعل مناسبة بهدف تسويق أي تقارب إيراني - غربي قد يخل بنقطة التوازن المرغوبة، (3) تحديد أوراق الضغط العربية الممكنة على الجانب الأوروبي والأمريكي، (4) تطوير آليات التعامل مع القطاعات التي يمكن أن تعرقل القرارات التنفيذية (مثل العمل للتأثير على البرلمان الأوروبي، وبالتالي على تحركات الاتحاد الأوروبي).
- أما على الجانب العسكري : فلقد اتضح للجميع حتمية تحويل قوات درع الجزيرة إلى جيش موحد، له قيادة موحدة، وميزانية موحدة، وهيكل تنظيمي وتسليحي موحد، وتخطيط استخباراتي وعملياتي وتدريبي موحد، وشبكة اتصالات موحدة تربط مراكز القيادة والسيطرة الإستراتيجية ببعضها، ومركز عمليات دفاع جوي موحد يسيطر على جميع محطات الرادار ومواقع الصواريخ أرض/جو في كل دول الخليج، على أن تكون شبكة الاتصالات مؤمنة بدرجة كافية (تم إقامة كابل ألياف بصرية بدأ العمل فيه 2010 ينبغي استغلاله وتوسيع قدراته)، وكذا منطقة تمركز موحدة. هذا مع الاستفادة القصوى من القوة البشرية الخليجية غير المستغلة في توسيع التشكيلات الميدانية لتصل إلى حوالي عشر (10) فرق مدرعة وميكانيكية ومشاه وقوات خاصة، قادرة على تنفيذ مهام قتالية دفاعية وهجومية إذا لزم الأمر؛ وذلك لتقليص الفجوة في القوة العسكرية البشرية القائمة حاليًّا بين الدول الخليجية وإيران لصالح الأخيرة، لا سيما أن الوعاء البشري الخليجي يسمح بتشكيل هذا الجيش، وقد يكون هناك أكثر من جيش بقيادة إستراتيجية موحدة. هذا مع تفعيل عناصر التفوق التقني الذي تتمتع به الدول الخليجية على إيران وأبرزها القوات الجوية والدفاع الجوي، على أن يكون لهذه القوات الجوية دور فاعل في قصف مواقع الصواريخ الإيرانية إذا ما قامت بقصف أهداف خليجية، مع الاهتمام بتطوير شبكة الدفاعات الصاروخية الساحلية لمواجهة الهجمات البحرية الإيرانية المتوقعة.
- وإذا كان التهديد الصاروخي الإيراني هو أبرز ما يقلق دول الخليج، فإن ذلك يتطلب تطوير شبكة الدفاعات المضادة للصواريخ المتواجدة حاليًّا وتعتمد على الصواريخ (باتريوت باك-2)، بإدخال أنظمة دفاع صاروخي أحدث، مثل (باتريوت باك-3)، (ثاد)، (إيجيس و SM-3 )، مع الاهتمام بتوفير معدات إعاقة وشوشرة على الصواريخ البالستية الإيرانية الموجهة بنظام GPS باستخدام أجهزة إعاقة مثل CASE-J58 التي تنتجه كوريا الشمالية وباعته إلى ماليزيا، وبإمكانه إعاقة توجيه الصاروخ المعادي وإسقاطه بعيدًا عن الهدف، إلى جانب قدرته على إعاقة رادارات الطائرات والصواريخ الساحلية الموجهة. هذا بالإضافة إلى خلق سدود نارية برشاشات ثقيلة (14.5 بوصه، 23 مم... إلخ) حول القواعد البحرية والأهداف الإستراتيجية مثل المنشآت النفطية، حيث ثبت أن مثل هذه السدود النارية تكون قادرة على اعتراض وإسقاط الصواريخ أرض/أرض، بحر/أرض، لا سيما التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.
هذا مع ضرورة تحزيم المواقع والمنشآت النفطية بأحزمة من الطوب والإسمنت، وبما يجعلها أشبه بموقع تحت الأرض؛ لتقليل إصابة باقي المواقع النفطية في حالة إصابة موقع أو خزان واحد. كما أن الاعتماد على نظم الرادارات السلبية التي لا تصدر نبضات كهرومغناطيسية مثل كولتشوجا الروسي ( Kolchuga ) تعتبر مفيدًا جدًّا في اكتشاف الطائرات والصواريخ المعادية حتى 64 هدفًا وعلى مسافة 600 كم، وإعطاء أوامر النيران للصواريخ المضادة خلال ثلاث دقائق. كذلك بالإمكان الحصول على الرادار الأمريكي للإنذار ( FBX-T ) لرصد الصواريخ فور إطلاقها، وقد حصلت إسرائيل على هذا الرادار، وأقامت له بُرجين بارتفاع 400 م بالقرب من “,”ديمونة“,” لتركيب هوائيات الرادار عليه، وبإمكانه اكتشاف الصواريخ الإيرانية بعد 5 دقائق من إطلاقها.
- ولمواجهة التهديد البحري الإيراني، فقد ثبت وجود أجهزة ومعدات إلكترونية قادرة بوضعها أمام الموانئ المعادية وعلى مسافة محددة، أن تحدث موجات من الماء بمواجهة 15 كم وعمق 1 كم داخل أراضي الخصم، حيث يبلغ ارتفاع الأمواج حتى 15 مترًا؛ ومما يؤدي إلى سحب السفن المتواجدة في الميناء وفي هذه المنطقة وإلقائها داخل أراضي العدو، وهذه الأجهزة متوافرة في روسيا ومن الممكن الحصول عليها.
- أما التهديدات الإيرانية بدفع جحافل من الحرس الثوري إلى داخل الدول الخليجية، سواء عبر اجتياح الحدود البرية (كما هو الحال بين العراق والكويت والسعودية انطلاقًا من العراق)، أو بواسطة عمليات إنزال بحري، فإن ذلك يتطلب ويفرض وضع منظومة متكاملة تشمل بث ألغام بحرية وبرية على طرق التقدم والإنزال، بالإضافة لشبكة كثيفة من الموانع الهندسية المغطاة بالنيران المباشرة وغير المباشرة، مع تواجد احتياجات مدرعة وميكانيكية قوية؛ للقيام بهجمات مضادة فور معرفة قطاع الهجوم الإيراني وتحديد اتجاه المجهود الرئيسي منه، وذلك دون تأخير؛ لأن عمليات الأبرار البحري والجوي تعد من أصعب العمليات الهجومية. هذا مع ضرورة السعي لمعرفة وتحديد أماكن الخلايا القائمة، والتي من المؤكد ستنشط فور بدء القتال، ومبكرًا قدر الإمكان، والقضاء عليها بواسطة قوات الأمن، مع الحرص على عدم تحقيق اتصال بين هذه الخلايا والقوات المعادية (برية أو إنزال بحري أو قوات خاصة إيرانية تمكنت من الوصول للعمق) التي تهاجم برًّا أو بحرًا.
ضرورة العمل على قلب عوامل القوة الإيرانية إلى أعباء وعوامل ضعف؛ وذلك من خلال إثارة الأقليات العرقية والطائفية الكبيرة ضد النظام الإيراني الحاكم مع بدء أعمال القتال (عرب خوزستان في الجنوب، والبالوش في الشرق، والآذريون في الشمال، والأكراد في الغرب)، وكلهم ينتمون إلى المذهب السني؛ وبذلك يمكن تشتيت جهود الحرس الثوري والباسيج وقوات الأمن. كما أن انتشار مواقع الدفاع الجوي الإيرانية على مواجهات واسعة على كل الساحة الإيرانية يخلق بالضرورة ثغرات يمكن للمقاتلات الخليجية أن تخترقها وتصل إلى أهدفها وقصفها، كما أن قصف الجسور الإستراتيجية التي تربط مناطق إيران المتباعدة، وهي كثيرة، يؤدي تدميرها إلى إضعاف الترابط بين الأطراف والمركز، ومنع قوات الحرس الثوري من الوصول إلى أهدافها في الوقت المطلوب لنجدتها.