المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الجوار القلق: ليبيا ومعضلة الاستقرار

الأربعاء 16/يوليو/2014 - 10:21 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم منشاوي*

نتيجة للأوضاع المتفجرة في ليبيا، والنشاط القوي للجماعات المسلحة هناك، أعلنت تونس عن تنظيم اجتماع لوزراء خارجية دول الجوار يومي 13 و14 يوليو الجاري في مدينة الحمامات، من أجل النظر في الأزمة الليبية، التي باتت مقلقة لدول الجوار كافة، وذلك بسبب عمليات تهريب السلاح التي تحدث على الحدود، والخوف من تنامي التنظيمات الجهادية والتكفيرية وامتدادها إلى تلك الدول. فقد أضحت الأمور أكثر تعقيدًا من ذي قبل؛ ومن هنا فإن هذا الاجتماع خصص لبحث تطورات الأزمة وأوجه الدعم التي من الممكن أن تقدمها دول الجوار لليبيا من أجل الخروج من ذلك المأزق.

تشهد الأراضي الليبية حربًا أهلية، وقد وجد فيها تنظيم داعش بيئة خصبة تسمح بخلق فرع جديد له يكون نقطة الانطلاق في شمال إفريقيا

أولًا: دوافع وأسباب الدعوة

من الواضح أن الأزمة الليبية قد دخلت منعطفًا خطيرًا بات مفتوحًا على كل الاحتمالات والسيناريوهات المختلفة، فمن الممكن أن تشهد الأراضي الليبية حربًا أهلية على سبيل المثال، وأن تكون مرتعًا للجماعات الجهادية والتكفيرية المتشددة، فقد يجد فيها تنظيم داعش بيئة خصبة تسمح بخلق فرع جديد له يكون نقطة الانطلاق في شمال إفريقيا، وهذا التصور يدعمه عدة احتمالات منها؛ غياب دولة مركزية قوية في ليبيا وانتشار السلاح بشكل كثيف فضلًا عن وجود كم هائل من الشباب السلفي الجهادي المستعد للانخراط في هذه الجماعة.

     ومما يرجح هذا السيناريو، أن أجهزة الأمن في كل من مصر وتونس والجزائر بدأت في التحضير لهذا الأمر، وذلك بعد دراسة تقارير أمنية غربية تحذر من انتقال داعش إلى ليبيا. وبالتالي يمكننا القول إن هناك العديد من الدوافع والأسباب التي تكمن وراء هذه الدعوة يمكن تفنيدها على النحو التالي:

 

1- دوافع سياسية

وتتضح في رغبة دول الجوار في سد حالة الفراغ السياسي في ليبيا، وذلك بالعمل على التقريب بين وجهات النظر للأطراف المختلفة، وتعزيز مسار التحول الديمقراطي والاتفاق على شكل العملية السياسية والدولة. لأنه من الجلي بعد سقوط لقذافي، أن هناك تصارعًا عميقًا حول السلطة وشكل الدولة، هذا التصارع اتخذ شكل المواجهات العسكرية المباشرة، وخير دليل على ذلك عملية الكرامة التي قام بها اللواء متقاعد خليفة حفتر من أجل تطهير ليبيا من الجهاديين وجماعة الإخوان المسلمين، مرورًا بوجود أطراف معارضة لحكومة معيتيق والحكم بعدم دستوريتها وتقديمه لاستقالته ثم اجراء انتخابات برلمانية خلال الشهر الجاري.

     كل هذه التطورات السريعة في ليبيا، أضف إلى ذلك الخلاف بين التيارات الأيديولوجية المختلفة حول رؤية الدولة الليبية، وقد ظهرت تجليات ذلك واضحة في المطالب بإقامة حكم فيدرالي من جانب بعض الجماعات وبالأخص في إقليم برقة، كما ظهرت دعوات تطالب بالانفصال وانشطار ليبيا إلى دويلات صغيرة، وذلك نتيجة لتواصل القتال دون وجود مخرج للأزمة. هذه الأمور جعلت ليبيا تعاني كثيرًا وتقترب من نموذج اللادولة كالنموذج الصومالي، ومن هنا وجب على دول الجوار اتخاذ مثل هذه الخطورة لعلها تكون قادرة على تصحيح المسار، وترتيب الأوضاع وجمع شمل الليبين والتوسط بينهم.

تعاظمت مشكلات دول الجوار الليبي من خلال عودة العمالة مما زاد من أزماتها الداخلية خاصة مع ما تمر به من وضع اقتصادي حرج نتيجة لثورات الربيع العربي

2- دوافع اقتصادية

وتتشخص تلك الدوافع في الأزمة التي خلقتها الصراعات في ليبيا من تردي أوضاع العمالة الموجودة هناك والقادمة من دول الجوار، حيث باتت أوضاعهم صعبة للغاية وذلك نتيجة لحالات الخطف والاحتجاز التي تحدث لهم على أيدي الجماعات المسلحة، بل وتمتد أحيانًا إلى القتل، فعلى سبيل المثال؛ تسلمت السلطات المصرية أخيرًا جثاميين مصريين كانوا يعملون في مدينة طبرق، وقد وصل الأمر نتيجة لغياب الدولة في ليبيا إلى تفاوض الحكومة المصرية مع قادة الميلشيات المسلحة من أجل الإفراج عن 74 سائق شاحنة مصريين، تم احتجازهم بمنطقة أجدابيا بليبيا. ولا يقتصر الأمر على العمالة المصرية فقط؛ بل امتد ليشمل العمالة القادمة من تونس والجزائر، والذين ساءت أوضاعهم خاصة بعد عملية الكرامة، ووقوعهم تحت رحمة الجماعات المسلحة من الابتزاز والاعتداء، فهناك 120 ألف عامل تونسي في ليبيا على سبيل المثال.

  وعلى الخط الموازي، فقد تعاظمت مشكلات دول الجوار الليبي من خلال عودة العمالة مما زاد من أزماتها الداخلية خاصة مع ما تمر به من وضع اقتصادي حرج نتيجة لثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى كونها دول ذات اقتصاد نامٍ. كما أن هناك بعدًا اقتصاديًا آخر لما يحدث في ليبيا، في كون حالة عدم الاستقرار التي تسيطر على الدولة الليبية تضر المنطقة بأسرها، وذلك من خلال جعلها دولًا طاردة للاستثمار بسبب حالة الانفلات الأمني الموجودة فيها، ولا شك أن الوضاع في ليبيا قد عمقت من تلك الحالة كثيرًا من خلال عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود.

3- دوافع أمنية

ويعد ذلك الهاجس الأقوى الذي يؤرق دول الجوار، فنتيجة للأوضاع الأمنية الحرجة في ليبيا ونشاط الجماعات الجهادية، فقد أدى ذلك إلى التأثير على الأمن القومي لدول الجوار من خلال عمليات تهريب السلاح وانتقال الجهاديين، وعلى إثر ذلك فقد ذكر المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والأمنية والعسكرية في تونس أن 45 مليون قطعة سلاح تم تهريبها من ليبيا إلى عدد من دول الجوار، وفي هذا الإطار فقد ألقت السلطات المصرية القبض أكثر من مرة على أسلحة مهربة عبر الحدود مع ليبيا، وكذلك المر ينطبق على الحدود مع الجزائر والنيجر، بل قد امتد السلاح الليبي إلى داخل القارة الإفريقية في مناطق النزاع المختلفة كما في مالي ونيجيريا.

      كما نمت الجريمة المنظمة بشكل كبير، فبجانب تجارة الأسلحة هناك تجارة المخدرات والاتجار في البشر وغيرها، مما شكل معه مصدرًا هامًا لتمويل الجماعات الإرهابية وتقوية شوكتها. وفي ضوء ذلك فقد تحولت المناطق المضطربة في ليبيا إلى ملاذ للمتشددين من المنتمين للتيارات الإسلامية للسلطة المعارضة في مصر بعد 30 يونيو، فعلى سبيل المثال تم القبض على القيادي الإخواني صفوت حجازي، وهو في طريقه للهروب إلى ليبيا. أضف إلى ذلك تنامي خطر تنظيم القاعدة في طرابلس، نتيجة لحضور الجماعات المسلحة وانتشار السلاح وغياب المؤسسات الأمنية.

كل هذه العوامل شكلت أرضية خصبة لتنامي قوة تنظيم القاعدة الذي يوجد حينما تصبح الدولة فاشلة. وبالتالي فالوضع بات مخيفًا لدول الجوار وذلك بدعوى انتقال العدوى، خاصة في ظل التداخل الفكري والارتباط بين الجماعات المتشددة داخل أقاليم دول الجوار وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

4- دوافع اجتماعية وثقافية

     وتتمثل تلك الدوافع في وجود امتدادات قبلية بين ليبيا ودول الجوار وبالأخص مصر والنيجر وتشاد والجزائر، مما ييسر من عملية تدفق السلاح والتعاضد بين المجموعات الإثنية والعرقية الممتدة في المواقف والآراء والتوجهات، مما يخلق معه مشكلات واضحة لدول الجوار نتيجة لهذه الحالة التي قد تؤدي إلى وجود مخاطر حقيقية من هذا الامتداد.

 كما أن هناك مشكلة أخرى تظل شوكة غليظة في الجسد الجواري، وهي المتعلقة بتدفق اللاجئين الليبيين من العمليات لمسلحة إلى دول الجوار في مصر وتونس والجزائر، فعلى سبيل المثال تشير التقارير إلى أن هناك 25 ألف لاجئ ليبي في مصر والعدد متزايد على ذلك في تونس. هذا الوضع يزيد من المعاناة الاقتصادية لتلك الدول خاصة مع تردي أوضاعها الاقتصادية.

نمت الجريمة المنظمة بشكل كبير في ليبيا، فبجانب تجارة الأسلحة هناك تجارة المخدرات والاتجار في البشر، مما شكل معه مصدرًا هامًا لتمويل الجماعات الإرهابية وتقوية شوكتها

ثانيًا: محاور التحرك المطلوبة

يمكن لدول الجوار في ظل الأزمة الليبية الحالية أن تتحرك لتجنب تفاقم الأوضاع على عدة محاور على النحو التالي:

1- على المستوى السياسي

حيث يجب على دول الجوار في هذا المضمار القيام بدور فاعل فيما يتعلق بالتوسط بين أطراف العملية السياسية في ليبيا، من أجل إيجاد مخرج للأزمة هناك، وذلك من خلال التحرك بشكل جماعي سواء في إطار منظمة الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية لاتخاذ عدد من التدابير المهمة، والتي من شأنها إعادة الأوضاع في ليبيا إلى مسارها الطبيعي، مثل عقد اجتماعات مع الأطراف الليبية المختلفة ومحاولة التقريب بين وجهات النظر، مع ضرورة مراعاة الأوضاع الاجتماعية للقبائل الليبية، وعدم الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي دون فهم التكوينات الاجتماعية لتلك القبائل، كما يجب أن تلعب دبلوماسية القمة على مستوى الرؤساء دورًا حيويًا في معالجة الأزمة الليبية، وذلك بعقد اجتماعات على هذا المستوى.

2- على المستوى الأمني

      من الممكن أن تسارع دول الجوار إلى إرسال قوة تحت مظلة الاتحاد الإفريقي إلى ليبيا من أجل ضبط الأمن هناك، وكذلك المشاركة من قبل هذه الدول وعلى الأخص مصر والجزائر في العمل على بناء جيش قوي في ليبيا يستطيع أن يحافظ على وحدة البلاد، وأن تقوم تلك الدول بتدريب عناصر القوات المسلحة الليبية على أراضيها. وذلك لأن الجيوش الحديثة لديها خطط وإستراتيجيات للتعامل مع المتشددين من خلال مقاومة الفكر بالفكر أو استخدام العنف مع تلك الجماعات حتى تصفيتها. ومن الممكن في هذا الإطار استخدام عائدات النفط الليبي في عمليات بناء الجيش وتسليحه وتدريبه.

وفي النهاية يمكن القول أنه على دول الجوار الجغرافي لليبيا التحرك بشكل أسرع حتى يمكن لملمة الجراح ومساعدة الليبيين على بناء نظام سياسي أكثر استقرارًا بما يخدم الأمن القومى العربي والأمن في منطقة شمال أفريقيا.

 

*مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟