المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

محفزات التوجه: مسار العلاقات الأوروبية – الصينية

الإثنين 13/مايو/2024 - 12:53 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى فرنسا في زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. في محطة أولى ضمن زيارة أوروبية ستشمل صربيا والمجر، وهي الأولى للرئيس الصيني الى القارة العجوز منذ عام 2019. وأكد شي أن العلاقات بين البلدين كانت في طليعة علاقات الصين مع الدول الغربية الكبرى، وتأتي هذه الزيارة خلال الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، الأمر الذي أكسب الزيارة معنى خاصًا باعتبارها فرصة هامة للبناء على الإنجازات الماضية وتوجيه مستقبل العلاقات الثنائية؛ حيث أعرب عن استعداد الصين لتعزيز الصداقة مع فرنسا، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وتعميق التبادلات والتعاون في مختلف المجالات. كما قال الرئيس الصيني شي إن العلاقات بين الصين وفرنسا هي نموذج للتعايش السلمي والتعاون بين دول تختلف في أنظمتها السياسية؛ إذ أن البلدين يواصلان تحقيق تقدم جديد إزاء التعاون في مجالات الطيران والفضاء الجوي والطاقة النووية والأغذية الزراعية والتنمية الخضراء.

وكانت فرنسا أول دولة غربية تتعاون مع الصين في مشاريع الطاقة النووية المدنية. ومنذ ذلك الحين، توسع التعاون من المجالات التقنية إلى مجالات البحث بدرجة أكبر. وجاء في بيان مشترك بين الصين وفرنسا في عام 2023 أن "البلدين ملتزمان بمواصلة تعاونهما النووي في موضوعات البحث والتطوير المتقدمة، لا سيما على أساس الاتفاق بين هيئة الطاقة الذرية الصينية واللجنة الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية".

مداخل عديدة

شملت المناقشات بين الجانبين منطقة الشرق الأوسط وقضايا التجارة والتحديات العالمية بما في ذلك تغيّر المناخ، في حين أقر ماكرون بعدم وجود إجماع لدى الأوروبيين بشأن الاستراتيجية الواجب اتباعها مع بكين، لأن بعض الأطراف لا يزالون يرون الصين كسوق للبيع، في حين أنها تقوم بالتصدير بشكل هائل نحو أوروبا؛ حيث حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إقناع نظيره الصيني بالعمل على تقليص أوجه الخلل التجاري بين البلدين. كما أن الانقسامات داخل بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين - وخاصة بين فرنسا وألمانيا - تؤدي إلى تقويض قدرتها على التأثير على الصين.

من جهته، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محادثات تجارية وتعزيز التعاون بين البلدين في لقاء انضمت إليه رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، وستسعى فرنسا أيضًا إلى تحقيق تقدم في فتح السوق الصينية أمام صادراتها الزراعية، وحل القضايا المتعلقة بصناعة مستحضرات التجميل الفرنسية بشأن حقوق الملكية الفكرية.

واستمرت زيارة الرئيس الصيني إلى فرنسا يومين، بحث خلالها مع نظيره إيمانويل ماكرون سبل حل الأزمة في أوكرانيا والقضايا التجارية بين بكين والاتحاد الأوروبي. وكيفية استخدام النفوذ الصيني على روسيا لإيجاد حل للحرب في أوكرانيا، في ظل التقارب بين بكين وموسكو.

وكان شي قد قال في كلمة ألقاها خلال مراسم اختتام الاجتماع الخامس لمجلس الأعمال الصيني-الفرنسي ببكين في أبريل 2023، إن الصين وفرنسا تمسكتا، في مواجهة الصعوبات والتحديات، بالتعددية الحقيقية وحافظتا على الاتجاه الصحيح للتجارة الحرة والعولمة الاقتصادية، وهو ما عزز بشكل كبير مرونة وحيوية التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. كما سعت فرنسا أيضًا إلى إحراز تقدم بشأن فتح الأسواق الصينية أمام صادراتها الزراعية وحل القضايا المتعلقة بمخاوف صناعة مستحضرات التجميل الفرنسية بشأن حقوق الملكية الفكرية. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك خلافات أوروبية عميقة حول العلاقات مع الصين، فيمكن الإشارة هنا إلى أن إيطاليا خرجت رسميًا من مبادرة الحزام والطريق، وهو ما تسبب في ضربة قوية للصين رائدة هذه المبادرة. ووراء هذه التطورات تكمن الشكاوى الاقتصادية المتصاعدة التي تجعل الاتحاد الأوروبي يستعد لمواجهة تجارية كبرى محتملة مع الصين، فضلًا عن الشكوك المتزايدة حول طموحات بكين العالمية ونفوذها، وقلق الاتحاد الأوروبي بشأن علاقات الصين العميقة مع روسيا، في ظل حربها على أوكرانيا.

من ناحية أخرى، تدعم فرنسا التحقيق الذي يجريه الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات السيارات الكهربائية الصينية، وفي يناير/كانون الثاني فتحت بكين تحقيقا في واردات البراندي، الذي يتم تصنيع معظمه في فرنسا، وهي خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رد على مجموعة متزايدة من تحقيقات الاتحاد الأوروبي.

وضمن السياق ذاته، انتقدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فائض المعروض من السلع الصينية المدعومة، وقالت إن الممارسات التجارية للصين تؤدي إلى تجارة غير عادلة تشوه السوق، ويمكن أن تؤدي إلى تراجع التصنيع في أوروبا.

ورفضت الصين مزاعم الغرب بشأن الطاقة الإنتاجية الفائضة، واتهمت الاتحاد الأوروبي بالحمائية ومحاولة كبح التنمية الاقتصادية في الصين. وتحاول بكين الآن توجيه الاقتصاد الصيني، الذي يمر بمرحلة انتقالية مؤلمة من اعتماده على العقارات والتصنيع منخفض القيمة إلى قطاعات واعدة مثل السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والألواح الشمسية.

ملفات متشعبة

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه جاء إلى فرنسا وهو يحمل 3 رسائل، تمثلت في فتح الأسواق الصينية أمام الشركات الغربية، وقال في الثانية إنه يتفهم المخاطر التي تفرضها الأزمة الأوكرانية على الأوروبيين، وأكد في الثالثة التزام بلاده بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الدول. وأن بلاده تفهم الاضطرابات التي تسببها الأزمة الأوكرانية للأوروبيين، مذكرًا بأن بكين لم تكن سببًا في هذه الأزمة ولا طرفًا فيها ولا مشاركًا، بل إنها قامت بدور بناء لتعزيز التسوية السلمية.

كما تطرق الرئيس الصيني إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقال إنه أيضًا موضوع يهمه، وإنه يرى أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي الحل الأساسي، داعيًا فرنسا إلى التعاون مع الصين للمساهمة في عودة السلام إلى الشرق الأوسط.

على الجانب الآخر، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن على أوروبا ألا تتبع أمريكا أو الصين بما يخص تايوان بل يجب أن تعمل على اتباع استراتيجية مستقلة في هذا الصدد خاصة وأن فرنسا تأمل في دفع الصين للضغط على موسكو لوقف حربها في أوكرانيا، وقال مكتب ماكرون إن المحادثات بشأن الجهود الدبلوماسية لدعم أوكرانيا والضغط على روسيا تمثّل أولوية قصوى بالنسبة لفرنسا. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المقاربة تعكس نقصًا في فهم المصالح الاستراتيجية للصين الراغبة في البقاء بمنأى عن النزاع وتسعى لعدم الانخراط فيه بشكل أكبر، لا لجهة الأوروبيين، ولا لجهة توفير دعم عسكري لروسيا، ويمكن الإشارة هنا إلى أن هناك اتجاه أوروبي يرى أن الصين حليفة لروسيا، باعتبار أن بكين أحد المستفيدين من هذه الحرب؛ حيث يمكنها شراء النفط والغاز بسعر رخيص من روسيا، التي بحاجة إلى بيعه لشراء مكونات الأسلحة لمواصلة الحرب.

 في الختام: تحاول الدول الأوروبية أنت تحدد مسار خاص بها بشأن علاقاتها مع الصين وإن كان ذلك على خلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية للحد من الأضرار الناجمة عن التوترات التجارية والاستفادة من الصين في إدارة الملفات السياسية المرتبطة بالمصالح الأوروبية، إلا أن هذه التوجهات تأتي في وقت يتبنى فيه الزعماء الأوروبيون نهجًا متباينًا تجاه بكين، وهو ما يعني غياب رؤية أوروبية واضحة ومحددة بشأن هذا المسار، في حين قد تتمكن الصين من تعزيز الانقسامات الأوروبية الأمريكية بشأن الكثير من القضايا الخلافية وخاصة تايوان، وإن كانت الصين ترى أن معظم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا تشارك نهج ماكرون في السياسة الخارجية. ففي ألمانيا، كما في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، مقتنعون بأن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة وحدهما القادران على حماية مصالحهما. ومن ثم سيكون الحصول على تنازلات من الاتحاد الأوروبي وفرنسا لن يكون سهلًا. وإن كان التقدم الذي يبدو أكثر احتمالًا يتمحور حول المجال الاقتصادي؛ حيث مصلحة كل من الجانبين.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟