مع إعلان قطر عزمها على إعادة تقييم
دور الوساطة الذي تقوم به بين حركة حماس وإسرائيل، ازدادت المخاوف بشأن التوصل
لهدنة وإطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة بجانب المساعدات العسكرية
الأمريكية بقيمة 26 مليار دولار التي أقرتها لإسرائيل في ظل إعلان رئيس الوزراء
الإسرائيلي توقف المفاوضات لحين تغيير حماس لموقفها بشأن صفقة الرهائن.
وقد تزامنت هذه الأحداث مع زيارة قام
بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا وزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة
حماس إسماعيل هنية لبحث وتقييم الوضع الحالي والمستقبلي للحرب على غزة، وعلى الرغم
من أن هناك اتجاه يرى بأن قطر تسعى من موقفها بمراجعة جهود الوساطة للرد على انتقادات
إسرائيلية ولا سيما من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية بعدما أعلن النائب الديمقراطي الأميركي
ستيني هوير عن ضرورة مراجعة الولايات المتحدة لعلاقاتها مع قطر. وأنها لا
تنوي التخلي عن دورها كوسيط في الأزمة الدائرة في غزة.
وتتبادل إسرائيل وحماس الاتهامات بإحباط اقتراح طرحه الوسطاء
ينص على هدنة لـ6 أسابيع وعلى إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح
من 800 إلى 900 فلسطيني في السجون الإسرائيلية. كما تطالب حماس بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من
كل أنحاء قطاع غزة والسماح بعودة النازحين وزيادة تدفق المساعدات. في حين أعلن وزير الخارجية التركي هاكان
فيدان خلال زيارته للدوحة في 17 فبراير 2024 إن ممثلي حماس كرروا له أنهم يقبلون
إنشاء دولة فلسطينية ضمن حدود الـ1967، وبالتالي، ضمنيًا وجود دولة إسرائيل والتخلي
عن الكفاح المسلح بعد إنشاء الدولة الفلسطينية، وهو ما يعني أن حماس لن تحتاج بعد
ذلك إلى وجود جناح مسلح وستستمر في الوجود كحزب سياسي.
ووفق هذا الإطار فإن القيادة السياسية لحركة حماس تبحث في
احتمالية نقل مقرها إلى خارج قطر، والتوجه ربما نحو سلطنة عُمان أو غيرها من الدول
مع تزايد ضغوط أعضاء الكونجرس الأميركي على الدوحة فيما يتعلق بالوساطة القطرية
التي تقوم بها بين إسرائيل والحركة. بالإضافة إلى اقتراح المشرعون الأمريكيون
تشريعًا لمراجعة وضع قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو إذا فشلت في التحرك ضد حماس.
ومع ذلك، يرى البعض أن مثل هذه الإجراءات سابقة لأوانها وغير مبررة، مما يشير إلى
أن صناع القرار في قطر قد يعيدون النظر في اتجاهات تعاملهم مع هذه التطورات.
مباحثات متعددة
أجرى زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية،
محادثات مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في إسطنبول، مع تعثر محادثات وقف
إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وجاءت هذه الخطوة بعد تصريحات قطر بأنها تعيد
تقييم دورها كوسيط في مفاوضات الهدنة. كما أن تحرك حماس جاء نتيجة ممارسة ضغوطًا
من خلال الوسطاء على الحركة لتخفيف شروط التفاوض مع إسرائيل.
وتعد هذه الزيارة أول رحلة لهنية إلى
تركيا منذ أن بدأت إسرائيل حملتها على غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، والتي
أثارت تساؤلات بشأن الدور التركي وعما إذا كانت أنقرة ستكون المركز الجديد للحركة،
وكذلك مدى قدرة تركيا على التوسط في المحادثات بين الخصمين وعما إذا لديها كروت
رابحة في يديها تمكنها من استخدام نفوذها لقيادة عملية الوساطة. خاصة أن الحركة
تريد تعزيز العلاقات مع تركيا، بما في ذلك تلقي المساعدات منها بصورة مباشرة.
من ناحية أخرى، أكدت مصر وتركيا خلال زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى
إسطنبول ضرورة التوصل لوقف فورى ودائم لإطلاق النار فى غزة، والسماح بنفاذ
المساعدات الإنسانية دون أي عوائق للقطاع، محذرين مجددا من مغبة الإقدام على تنفيذ
عملية عسكرية في رفح الفلسطينية، لما سيكون لتلك الخطوة من تبعات خطيرة للغاية،
بالإضافة إلى أهمية مواصلة التنسيق المستمر والعمل المشترك بين القاهرة وأنقرة
للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع في المنطقة بجانب مطالبة المجتمع الدولي بتحمل
مسئولياته تجاه القضية الفلسطينية والأوضاع المأساوية الموجودة في قطاع غزة.
وجهات مختلفة
مازالت أصداء الأخبار عن وجود مباحثات
لنقل مقر حركة حماس من قطر إلى تركيا أو غيرها من الدول تتواصل، وسط تكتم من قبل
قيادات الحركة عن نتائج مراجعة قطر لموقفها من الوساطة ومستقبل تواجدها في الدوحة،
في حين نفت عدة قيادات في حماس تلك الأخبار، مؤكدين أنها تفتقر إلى الدقة. وأن
الحركة لن تخرج من قطر، بل ترى أن الدوحة تقوم بشكل إيجابي في الوساطة الجارية من
أجل إتمام صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل. بالإضافة إلى أن واشنطن رغم
الضغوط التي تفرضها على قطر، إلا أنها ترغب في ضمان اتفاق تهدئة وتبادل أسرى
بوساطة مصرية قطرية.
على الجانب الآخر، ظهرت اتجاهات أخرى
ترى أن حركة حماس لن تذهب إلى تركيا لأن الأخيرة ستكون في موقف حرج لطبيعة علاقتها
بالناتو فضلًا عن ارتباط مصالحها بدول أخرى مثل أميركا بجانب الضغوط الداخلية التي
قد تواجهها. وأنه في حال حدوث ذلك وخرجت الحركة من الدوحة، فإن هناك احتمالات
لتوجه الحركة إلى اليمن باعتبارها المحطة الأقرب جغرافيًا وسياسيًا وأيديولوجيًا؛ حيث
الحوثيين الذين يدعمونها. وبالتزامن مع ذلك، أعلنت بعض القيادات
الحوثية اليمنية عن ترحيبهم بوجود قادة حماس على الأراضي اليمنية، وكذلك قيادات
الفصائل الفلسطينية الأخرى باعتبار أن اليمن تعد المحطة الأقرب لقيادات حماس؛ حيث
توجد بها مناطق الحوثيين الداعمين للمقاومة والرافضين للمواقف الأميركية
والإسرائيلية والتي قد تكون بعيدة عن الضغوط الأمريكية أو أن الضغوط الأمريكية على
الحوثيين لن تؤثر على مسار المفاوضات في اتجاهاتها. إلا أن هذا الأمر قد يضفي مزيد
من الصعوبات الأخرى على مسار المفاوضات بالنسبة للولايات المتحدة على وجه التحديد؛
إذ أن مغادرة حماس قطر يمكن أن تحبط المحادثات الحساسة للتوصل إلى وقف لإطلاق
النار وإطلاق سراح عشرات الإسرائيليين المحتجزين في غزة، كما أنه قد يجعل من الصعب
على إسرائيل والولايات المتحدة نقل رسائل إلى الحركة التي تصنفها واشنطن كمنظمة
إرهابية. بالإضافة إلى أن المحادثات توقفت بالفعل مرة أخرى في ظل عدم وجود إشارات
أو احتمالات تذكر لاستئنافها في أي وقت قريب بعد انعدام الثقة الذي بدء يتزايد بين
حماس والمفاوضين الإسرائيليين. بجانب ذلك فإن خروج حماس من الدوحة حاليًا قد يؤدي
إلى انهيار كافة الجهود الماضية للوصول لهدنة وتهدئة في قطاع غزة. من ناحية أخرى
فإن هذه الوجهات لا يفضلها المجتمع الدولي، وتحديدًا الإدارة الأميركية، كما أن
حماس نفسها ليس من مصلحتها أن تكون تحت النفوذ الإيراني بشكل كامل لأن هذا يقوض من
قوتها ويشكل خطرًا عليها خاصة بعد التصعيد العسكري المتبادل بين إيران وإسرائيل.
في الختام: هددت قطر، الوسيط بجانب مصر
بين حماس وإسرائيل، بالانسحاب من المفاوضات ما لم يوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو فيما تعتبره الدوحة حملة تشهير ضدها. وفي ضوء ذلك يظل احتمال
إغلاق المكتب وخروج قادة حماس من قطر قائمًا، وإن كان هناك ربط بين وجودهم
بمجهودات الوساطة التي تقوم بها قطر، والتي أعلنت أنها بصدد إعادة تقييمها. إلا أن
الخيارات تظل محدودة أمام الحركة خاصة أنها تجد صعوبة في العثور على دولة مضيفة
جديدة، لأن بعض الدول التي يرجح أن تستضيفها من الممكن أن تقع تحت طائلة العقوبات
الأمريكية لاستضافتها.
وفي مواجهة ذلك، زار وفد مصري إسرائيل بهدف
التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن، ويأتي هذا النشاط الدبلوماسي المصري المكثف
في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة، وأخذ القاهرة على عاتقها محاولة منع عملية
عسكرية إسرائيلية في مدينة رفح جنوبي القطاع. خاصة بعد أن قدم مسئولون إسرائيليون
مقترحات لمزيد من المرونة، وهو ما يمهد للتوصل إلى اتفاق مع حماس.