اتجاهات الدور: هل تستطيع الصين حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
ترأس وزير الخارجية الصيني وانغ يي اجتماعًا لمجلس الأمن الدولي
في نيويورك، حول الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وذلك في سياق تولي
بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن. وكانت الصين قد رحبت
بالهدنة بين حماس وإسرائيل والتي تم إبرامها بوساطة قطرية مصرية أمريكية، وقضت
بتبادل إطلاق سراح رهائن لدى حماس، ومعتقلين في السجون الإسرائيلية. وأكدت وزارة الخارجية
الصينية، أنّ بكين ترحب بالهدنة وتأمل في أن تساعد في تخفيف الأزمة الإنسانية.
والدبلوماسية الصينية لم تكن بعيدةً عما يحدث في قطاع غزة، فقد
استضافت الصين مؤخرًا وفدًا من دول عربية وإسلامية لمناقشة الوضع في القطاع،
ومحاولة التأثير على دول غربية للتحرك باتجاه السعي لوقف إطلاق النار والعمليات
العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وشدد وزير الخارجية الصيني وانغ يي على ضرورة أن يتخذ المجتمع
الدولي خطوات أكثر نشاطًا لإنقاذ الأرواح واستعادة السلام في فلسطين وإسرائيل من
خلال العمل أولًا على التوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار بأقصى قدر من
الإلحاح. وفي اجتماع مجلس الأمن، الذي تتولى بلاده رئاسته الدورية، قال إن الصين
تأمل ألا تكون الأيام الماضية للهدنة "فجوة قبل جولة جديدة من العدوان، بل
بداية لمزيد من الجهود الدبلوماسية من أجل وقف شامل ودائم لإطلاق النار، مشددًا
على أن استئناف القتال في غزة سيتحول على الأرجح إلى كارثة تلتهم المنطقة بأكملها
مع معارضة الصين للعقاب الجماعي الذي يتعرض له سكان غزة والتهجير القسري الذي
يستهدف المدنيين الفلسطينيين، ودعا في نفس السياق إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين. كما دعا وزير الخارجية الصيني إلى تكثيف
الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية لإعادة تشكيل عملية متعددة الأطراف ذات
مصداقية لحل الدولتين واستئناف المفاوضات المباشرة بين فلسطين وإسرائيل.
الدعم الصيني
أنشأت القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في المملكة العربية
السعودية مبادرة لتنفيذ جولات دبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة، والتي تمثلت أهمها
في الجولة الدولية للجنة الوزارية العربية والإسلامية، وهو ما يمثل تحولًا محوريًا
في المشاركة والاستراتيجيات الدبلوماسية العالمية في الشرق الأوسط مع القوى
الخارجية الرئيسية. وتهدف هذه الجولة، التي تشمل زيارات إلى الدول الأعضاء الدائمة
في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى الضغط على مجلس الأمن الدولي للتوحد حول
تشجيع هدنة إنسانية مستدامة، ووقف إطلاق نار طويل الأمد، وإيجاد حل سياسي في غزة.
وبدأت الرحلة الدبلوماسية للجنة بزيارات إلى الصين ثم روسيا،
حيث انخرطت في محادثات رفيعة المستوى مع وزيري خارجية البلدين. وأعقب ذلك اجتماع
وزاري آخر في لندن مع وزير الخارجية البريطاني المعين حديثًا، ديفيد كاميرون، لحشد
دعم حلفاء إسرائيل الأوروبيين الرئيسيين. لكن الهدف النهائي الحقيقي لهذه المشاورات سيكون تقريب الولايات
المتحدة - صانع القرار الأكثر نفوذًا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني - من موقف
اللجنة الخاص المتمثل في حل سريع. وقف للحرب. ويمكن الإشارة هنا إلى أنه من خلال تبني نهج تعاوني، تستطيع الولايات
المتحدة والصين الاستفادة من نفوذهما لدى اللاعبين الإقليميين الرئيسيين لتهدئة
التوترات وتهيئة بيئة مواتية لحل سياسي مستدام في غزة.
اتجاهات جديدة
يشير هذا التسلسل من الزيارات، بدءً من بكين ومرورًا بأعضاء
آخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى تحول أوسع في الجغرافيا السياسية
والدبلوماسية الإقليمية في الشرق الأوسط. وهو ما يسلط الضوء على نظام ناشئ متعدد
الأقطاب؛ حيث تقوم دول الشرق الأوسط بتنويع ارتباطاتها الدبلوماسية لمواجهة
التحديات الإقليمية. كما يعكس النهج الذي تتبناه اللجنة، وخاصة
تركيزها في زياراتها الأولى على بكين، باتجاه جديد يتمثل في الاعتراف الجماعي في
المنطقة بالدور المتنامي الذي تلعبه الصين كوسيط في الشرق الأوسط، وهو الوضع الذي
عززه نجاحها الأخير في الوساطة والوصول إلى الاتفاق الإيراني السعودي. وفي هذا
السياق المتطور، تستفيد الصين أيضًا من نفوذها المتزايد وتضع نفسها كوسيط محايد في
المنطقة، وهو ما يقول بعض الخبراء إنه قد يُنظر إليه على أنه تحدي محتمل لدور
الولايات المتحدة ونفوذها التقليدي. وفي الواقع، وعلى النقيض من الصين، فإن النخب
الإقليمية اليوم لديها ثقة أقل إلى حد ما في قدرة واشنطن على لعب دور صانع الملوك
والعمل كضامن أمني يمكن الاعتماد عليه في المنطقة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى
دعمها المطلق لإسرائيل في الصراع الحالي.
محددات التنوع
على الرغم من هذه التحركات، إلا أنه لا ينبغي النظر إلى هذا على
أنه مجرد منافسة ثنائية محصلتها صفر بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في
الشرق الأوسط. بل إنه يمثل فرصة للدبلوماسية التعاونية في منطقة مضطربة حيث تتمتع
كل من القوتين العظميين بنفوذ كبير على مختلف الأطراف، وتتقاسمان المصالح
الاستراتيجية في الحفاظ على الأمن والسلام.
في حين، تعتبر الصفقة الإيرانية السعودية بمثابة دراسة حالة
ناجحة للصين والولايات المتحدة فيما يتعلق بتعزيز التنسيق الدبلوماسي الثنائي؛ حيث
لعبت التأثيرات المنفصلة والمتكاملة لكلا البلدين دورًا حاسمًا على مختلف الجهات
الفاعلة في تحقيق صفقة لم تستفد منها القوتان فحسب، بل أيضًا المنطقة الأوسع
والمجتمع الدولي. وعلى الرغم من عدم وجود إطار رسمي لتنسيق الاستراتيجية
الدبلوماسية الأمريكية والصينية تجاه الصفقة، إلا أن التنسيق بينهما من خلال أطراف
ثالثة - وتحديدًا المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بعلاقات ودية مع كلا
البلدين - ساعد في التوصل إلى انفراجة دبلوماسية فشلت عدة جولات من المحادثات التي
قام بها العراق.
ونظراً لأدوارهما المتميزة –الولايات المتحدة بحضورها الإقليمي
الطويل وعلاقاتها الأمنية، والصين بنفوذها الاقتصادي في المنطقة– فإن كلا البلدين
في وضع فريد للعمل ضمن إطار تعاوني، مستوحى من قصة نجاحهما في الاتفاق الإيراني
السعودي لإنهاء الحرب في غزة. حيث أنه ومن خلال تبني نهج تعاوني، يمكن
للولايات المتحدة والصين، بالتنسيق ولكن من خلال قنوات منفصلة عبر الانخراط
وتعزيز نفوذهما مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك إسرائيل إلى جانب وكلائهم
في المنطقة باعتبار أن مثل هذه الجهود المتضافرة ضرورية لتهدئة التوترات وتهيئة بيئة
مواتية للتوصل إلى حل سياسي مستدام في غزة.
تعاون مشروط
من المهم التأكيد على أن كل من الولايات المتحدة والصين، اللتين
تواجهان تحديات ملحة في الداخل والخارج، تميلان إلى تجنب المزيد من الصراع في
الشرق الأوسط. وبالنسبة لكلا البلدين، فإن تحسين الظروف الاقتصادية المحلية
ومعالجة ملفات السياسة الخارجية الأخرى مثل الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتغير
المناخ، وإدارة العلاقات الثنائية المعقدة بينهما لها الأولوية. ويعبر عن ذلك،
الاتفاقية الأخيرة بين الرئيس جو بايدن والرئيس شي جين بينج لإعادة إنشاء قنوات
الاتصال العسكرية بين الجيشين، كما تم الإعلان عنه في الاجتماع الاقتصادي الأخير
لآسيا والمحيط الهادئ. وتشير قمة التعاون إلى أن البلدين يفضلان التعاون على
التصعيد حتى في علاقاتهما الثنائية، ناهيك عن المناطق الأخرى.
وفي ضوء هذا التطور الإيجابي في علاقاتهما الثنائية، فإن إطار
التعاون بين الولايات المتحدة والصين لإنهاء الحرب في غزة بالتعاون الوثيق مع
الدول الإقليمية وأعضاء مجلس الأمن الآخرين يمكن أن يقدم سيناريو مربح لكل من
واشنطن وبكين وللمنطقة والمجتمع العالمي ككل، وإن مثل هذا التعاون لن يحل الصراع
المباشر فحسب، بل سيساهم أيضًا في جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارًا. وربما بنفس
القدر من الأهمية، يمكن أن يساعد في إعادة بناء الثقة بين هاتين القوتين
الرئيسيتين بينما تديران منافستهما الاستراتيجية في مشهد عالمي متعدد الأقطاب بشكل
متزايد.
في الختام: تلعب الصين دورًا محوريًا في تهيئة الظروف الإقليمية
والدولية من خلال إدارة تفاعلاتها مع الولايات المتحدة بما يساهم في تحقيق التسوية
الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي من خلال الارتكاز على الدول الفاعلة في المنطقة ومحاولة
تمرير بنود المبادرة العربية الإسلامية كإطار عمل يمكن من خلاله تسوية الصراع،
ويعزز من هذا التصور أن بكين وواشنطن لديهما قنوات اتصال مفتوحة حتى في ظل تصاعد
التوترات وأن هذه القنوات قد تساهم في التسريع من وتيرة الضغوط على إسرائيل لإنهاء
الحرب.