مخرجات عديدة: زيارة أنتوني بلينكن الشرق أوسطية والعدوان على غزة
أسفرت زيارة بلينكن الشرق أوسطية إلى
الاستمرار في الانقسامات الحادة بين الولايات المتحدة والدول العربية بشأن التعامل
مع العدوان الإسرائيلي على حركة حماس وقطاع غزة، وبعد أن التقى وزير الخارجية
الأمريكي أنتوني بلينكن، مع نظرائه بعدد من دول الشرق الأوسط في العاصمة الأردنية،
عمّان وشملت السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وممثل لمنظمة التحرير
الفلسطينية، والذي أعلن فيه وزراء خارجية مصر والأردن ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار
في غزة، في حين كرر بلينكن معارضة الولايات المتحدة، بحجة أن ذلك سيمنح حماس الوقت
لإعادة تجميع صفوفها وشن هجوم آخر على إسرائيل، كما دعا بلينكن إسرائيل مرة أخرى
إلى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنع سقوط ضحايا من المدنيين، وهي الرسالة التي
نقلها في اجتماعات قام بها في تل أبيب مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية.
وضمن السياق ذاته، دعا بلينكن إلى هدنة
إنسانية مؤقتة لتسهيل إدخال الوقود إلى القطاع الذي مزقته الحرب والعمل على إخراج
المدنيين، وهو ما أكده خلال زيارته إلى تل أبيب عندما حث المسئولين الإسرائيليين
على إقامة مثل هذه الوقفات المؤقتة خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي،
بنيامين نتنياهو، ومجلس الوزراء الحربي، وهو ما رفضه نتنياهو علنًا، قائلاً إنه لن
يسمح بوقف إطلاق النار حتى يتم إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
ومع ذلك، سعى بلينكن، عقب اجتماعاته في
عمان، إلى التأكيد على النقاط ذات الاهتمام المشترك بين الولايات المتحدة وشركائها
الإقليميين، قائلًا: "إننا نجتمع هنا اليوم ونتشارك نفس المصلحة والهدف
الأساسي: إنهاء هذا الصراع بطريقة تضمن السلام والأمن الدائمين في المنطقة.. قد
تكون لدينا وجهات نظر ومواقف مختلفة بشأن بعض الخطوات الضرورية لتحقيق هذا الهدف،
ولكن اليوم، أكدنا من جديد التزاماتنا الفردية بمواصلة العمل لتحقيق هذه
الغاية". كما أكد بلينكن، رفض واشنطن لتهجير الفلسطينيين من مناطقهم بالقوة،
مشددًا على أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل من أجل تحقيق تطلعات الفلسطينيين
بإقامة دولتهم.
اتجاهات عديدة
أكد بلينكن أن الولايات المتحدة تعتبر
أن وقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى إبقاء حماس في مكانها، ما يكشف المواقف
المتباينة حيال النزاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، والدول العربية من
جهة أخرى. إذ دعا وزير الخارجية الأردني إلى إنهاء الحرب في غزة، ووصفها بأنها
جريمة حرب ترتكبها إسرائيل.
وقال رئيس الدبلوماسية الأمريكية بعد
اجتماعه مع القادة الإسرائيليين، إن الولايات المتحدة تصر على ألا يمتد الصراع إلى
جبهة ثانية أو ثالثة. وناشد إسرائيل اتخاذ خطوات لحماية المدنيين في غزة، وقد جاء
ذلك بعدما استدعى الأردن سفيره لدى إسرائيل، منددًا بالحرب الإسرائيلية المستعرة
على غزة التي تقتل الأبرياء وتسبب كارثة إنسانية غير مسبوقة، كما أعلم إسرائيل
بعدم إعادة سفيرها الذي سبق أن غادر المملكة.
من ناحية أخرى، بدأ وزير الخارجية
الأميركي أنتوني بلينكن محادثات صعبة مع تركيا في محاولة لتهدئة غضب انقرة حليفة
الولايات المتحدة الاستراتيجية الكبيرة، بشأن الحرب المستمرة على غزة. وقد جاءت
زيارة بلينكن لتركيا، وهي الأولى منذ شنّت إسرائيل الحرب على غزة وتصاعد غضب تركيا
ورئيسها من إسرائيل والغرب. وقد تكون لهذه الحرب تداعيات كبيرة على العلاقات بين
واشنطن وتركيا العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والمنخرطتين في نزاعات الشرق
الأوسط، وأن واشنطن تترقّب إعطاء البرلمان التركي الضوء الأخضر لانضمام السويد الى
حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى ذلك تم قطع كل الاتصالات بين رئيس الوزراء بنيامين
نتانياهو وأردوغان واستدعاء سفير أنقرة لدى إسرائيل احتجاجًا على ما يحدث في غزة.
على الجانب الآخر، قام وزير الخارجية
الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارة لم يعلن عنها مسبقًا للعراق، في إطار جولته بالشرق
الأوسط الهادفة لخفض التوتر بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة
الإسلامية الفلسطينية (حماس) الشهر الماضي. وشدد بلينكن في بغداد على أن الهجمات
ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا غير مقبولة على الإطلاق.
ويقول مسئولون في وزارة الدفاع
الأمريكية إن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على القوات الأمريكية وقوات
التحالف تصاعدت في العراق وسوريا منذ أن شنت حركة حماس في السابع من أكتوبر هجمات
على إسرائيل، لتشن بعدها حملة عسكرية مكثفة على غزة. كما تهدد جماعات المقاومة العراقية باستهداف
المصالح الأمريكية إذا تدخلت واشنطن لدعم إسرائيل ضد حماس في غزة.
مسارات متباينة
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال
الأمريكية، أن الولايات المتحدة حرصت خلال زيارتين مفاجئتين لوزير خارجيتها أنتوني
بلينكن، إلى الضفة الغربية والعراق، على طمأنة حلفائها في الشرق الأوسط بأنها
ستعمل على الحيلولة دون انتشار الصراع بين إسرائيل وحماس، ومساعدة المدنيين
الفلسطينيين العالقين في الأزمة الإنسانية التي تتكشف يوما بعد يوم، في الوقت الذي
تتعرض فيه إدارة الرئيس جو بايدن لضغوط لضمان التوصل إلى هدنة في القتال وتخفيف
التوترات الإقليمية. وأن الجولة الإقليمية الخاطفة التي يقوم بها وزير الخارجية
الأمريكي تأتي في لحظة معقدة ومليئة بالغضب بالنسبة للشرق الأوسط، إذ تسعى إدارة
بايدن التنقل بين دعمها لما وصفته الصحيفة بـحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وبين
الحلفاء العرب الذين يدعون إلى وقف القتال، فيما تمثل هذه الجولة جهودًا للتوصل
إلى سبل استعادة الهدوء والاستقرار في غزة بعد الحرب، مع معالجة مخاطر حرب إقليمية
يمكن أن تعرض حياة المزيد من الأمريكيين للخطر.
وضمن هذا الإطار، ناقش أنتوني بلينكن مع
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضرورة أن تلعب السلطة الفلسطينية دورًا محوريًا فيما
سيأتي بعد ذلك في القطاع، وهو ما يعني إلغاء تجميد المفاوضات التي توسطت فيها
الولايات المتحدة للتوصل إلى حل الدولتين منذ ما يقرب من عقد. بالإضافة إلى تعهد
بلينكن بالتزام الولايات المتحدة بتعزيز الكرامة والأمن للفلسطينيين والإسرائيليين
على حد سواء، وإدانة العنف المتطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وأن واشنطن
ملتزمة بتقديم المساعدات الإنسانية واستئناف الخدمات الأساسية في غزة.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن هذه التطورات
جاءت في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة على ما يبدو مع إسرائيل خيارات حكم غزة بعد
حماس، وكان بلينكن، قد ألمح إلى ذلك، عندما قال أمام لجنة مجلس الشيوخ إن بلاده
تدرس مجموعة من الخيارات لمستقبل غزة؛ حيث تتمثل الخيارات الأميركية الثلاثة
المطروحة لمستقبل غزة إمكانية وضع قوة متعددة الجنسيات قد تشمل قوات أميركية، إذا
نجحت القوات الإسرائيلية في إزاحة حماس، وإمكانية إنشاء قوة حفظ سلام على غرار تلك
التي تشرف على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979 كخيار ثان، أما
الثالث فوضع غزة تحت إشراف مؤقت للأمم المتحدة تمهيدًا لتسليمها للسلطة الفلسطينية.
في الختام: بجانب هذه الطروحات، هناك
اتجاه نحو منح الإشراف المؤقت على غزة لدول من المنطقة، مدعومة بقوات من الولايات
المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، خصوصا أن السلطة الفلسطينية، التي تحكم
الضفة الغربية إلا من خلال عملية سياسية شاملة، ولم تبدِ أي استعداد على إدارة غزة. وإن كان نتانياهو كان قد أعلن أن إسرائيل هي من ستتولى إدارة قطاع غزة
على الرغم من هناك مسئولين إسرائيليين كانوا قد أكدوا مرارًا في السابق أنهم لا
ينوون احتلال غزة، لكنهم شددوا في الوقت عينه على أنهم لن يسمحوا لحماس بالاستمرار
في الحكم بعد هجوم السابع من أكتوبر. وهو الأمر الذي يعكس مدى عدم الوضوح في
الاستراتيجيات بشأن التعامل مع القطاع.