اتجاهات التأثير: كيف تؤثر الانقسامات الداخلية على حكومة الحرب الإسرائيلية؟
مع تراجع زخم الحديث عن اجتياح بري لقطاع غزة من قبل الجيش
الإسرائيلي، بدأت الأمور تتحول باتجاه البحث عن مسئول عن تأخير الهجوم البري، وما
إذا كان قرار كهذا سيدخل حيز التنفيذ أم لا. وفي ظل زيادة الخلافات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقادة عسكريين
ومسؤولين سياسيين، يبدو أن اتخاذ قرار في الدائرة السياسية والأمنية المصغرة في
إسرائيل أصبح صعبًا بشأن بدء الهجوم البري لتضع حكومة بنيامين نتنياهو ومستقبله
السياسي على الحافة، وذلك بينما تعاني الحكومة بالأساس من أزمة ثقة وانقسامات تهدد
بانهيارها.
وتجدر الإشارة إلى أن الكنيست الإسرائيلي كان قد أقر قبل أيام
تشكيل حكومة طوارئ لإدارة الحرب، بعد اتفاق نتنياهو مع معارضين له، أبرزهم يائير
لابيد زعيم المعارضة، في محاولة أخيرة لرأب الصدع الداخلي وتجاوز الانقسامات خاصة
أنه من شأن تفاقم الأزمة السياسية التي تفجرت بوجه نتنياهو بعد هجوم طوفان الأقصى،
أن تؤدي إلى السيناريو الأسوأ، وهو انهيار حكومة الحرب ذاتها في أي وقت، لاسيما مع
وجود نتنياهو نفسه على رأسها رغم ما يواجهه من اتهامات بالفشل استخباراتيًا وعسكريًا
وماليًا جراء عمليات المقاومة التي انطلقت من غزة.
وقد تصاعد التساؤلات في إسرائيل عن موعد الاجتياح البري
الإسرائيلي لقطاع غزة وعن أسباب تأخره، وإذا كانت السلطات الإسرائيلية أشارت إلى
وجود ضغوط خارجية، وأمريكية تحديدًا، فإنه يبدو اليوم أن عنصرًا داخليًا يتمثل في
ظهور خلافات داخل الحكومة الأمنية المصغرة يلعب دورًا في هذا التأخير؛ حيث كشف مسئولون
في دوائر صنع القرار في إسرائيل، أن الحكومة تواجه صعوبة في الاتفاق على قرارات
بشأن القضايا الرئيسية المتعلقة بالتعامل مع قطاع غزة، بالإضافة إلى أن نتنياهو
غاضب من كبار مسئولي الجيش، الذين أعلنوا تحمّل مسئولية هجوم حركة حماس المباغت
الذي أوقع ما لا يقل عن 1400 قتيل في الجانب الإسرائيلي بالإضافة إلى أسر العشرات.
اتهامات وانقسامات
عمل نتنياهو بعد أيام من هجوم حماس الذي شكل صدمة أولية، على
إعادة تشكيل صورته السياسية من خلال إلقاء خطابات نارية والتقاط صور مع القوات
الإسرائيلية، كما التقى أقارب بعض الرهائن، بعد أكثر من أسبوع من أسرهم، ويرى
إسرائيليون متعاطفون مع نتنياهو، أن إلقاء اللوم عليه يعد أكبر خطأ أمني في تاريخ
إسرائيل، وأنه يمكن الانتظار إلى ما بعد انتهاء الحرب، أو القضاء على التهديد الذي
تشكله حماس في غزة.
على الجانب الآخر، أجرت مؤسسة "Agam
Research"، استطلاع رأي أوضحت فيه أنه ألقى نصف الإسرائيليين
باللوم الرئيسي في أحداث 7 أكتوبر على حكومة نتنياهو، كما أظهر استطلاع آخر أجرته
صحيفة معاريف الإسرائيلية أن 80% من الإسرائيليين، بما في ذلك أكثر من ثلثي ناخبي
حزب الليكود، يعتقدون أن نتنياهو يجب أن يتحمل المسئولية علنًا.
إلّا أن بعض الإسرائيليين يرون أنه من السابق لأوانه استبعاد
نتنياهو لقدرته على التفوق على المعارضين، وخاصةً في الفترة التي تسبق ما يتوقع
الكثيرون أن تكون حربًا طويلة وغير متوقعة. وذلك بعدما أظهرت نتائج استطلاع جديد
للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، تدني ثقة الإسرائيليين في الحكومة إلى
أدنى مستوى لها في 20 عامًا
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أن ثلاثة
أعضاء في مجلس وزراء نتنياهو، لم تذكر أسماءهم، يدرسون الاستقالة، ردًا على إخفاق
الحكومة والمؤسسة الأمنية في منع وقوع هجمات السابع من أكتوبر، وردًا على طريقة
عمل الحكومة بعد الهجوم بهدف إجبار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تحمل مسئولية
الفشل الأمني.
من ناحية أخرى، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،
ضغوطًا داخلية وخارجية بشأن التدخل البري في قطاع غزة، بعدما أعلن نتنياهو ذلك
منفردًا، دون الاتفاق على قرار نهائي بينه وبين الحكومة الإسرائيلية أو تنسيق مع
كامل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وضمن السياق ذاته، فإن تأجيل عملية التدخل
البري له علاقة بغياب الخطط الإسرائيلية للتعامل مع القطاع.
ويمكن إرجاع ذلك إلى إن نتنياهو في حالة تخبط خاصة أنه يمنع
أعضاء حكومة الحرب من اتخاذ أي قرارات، وأن اللاعبون الإضافيون في الحكومة
الإسرائيلية مثل بيني غانتس وغادي إنزاكوت لا يملكون سوى بصمة محدودة على
القرارات، وبموجب الاتفاق الذي وقعوه مع نتنياهو لدخول الحكومة، لا يمكن لهم أن
يلتقوا مع مسئولين خارج المناقشات الوزارية إلا بموافقة رئيس الوزراء".
متغيرات جديدة
يُنظر لنتنياهو بأنه سبب العملية التي نفذتها حماس في منطقة
غلاف غزة، وأخذ قرارات منفردة لحفظ ما يتبقى من ماء وجهه خاصة بعدما أعلن أن هدف
إسرائيل هو القضاء تمامًا على حركة حماس، وهو أمر غير قابل للتنفيذ بسبب انتشار
عناصرها في أماكن أخرى في فلسطين وخارجها؛ حيث يتمثل الهدف الاستراتيجي لنتنياهو
ودولة إسرائيل حاليًا هو الإتيان بالأسرى وتكبيد حماس أكبر قدر ممكن من الخسائر. وإن كان هذا التوجه جاء بعدما اعترفت أجهزة
الاستخبارات الإسرائيلية بوجود قصور في المعلومات لديها، وضعف التنسيق بشأن عملية
غزة.
على الجانب الآخر، يوجد 222 أسير إسرائيلي لدى حركة حماس، وهو
ما سيجعل إسرائيل تفكر كثيرًا قبل الإقدام على التدخل البري، ومن ثم فإن إسرائيل
لن تقدم على التدخل البري الموسع في غزة إلا حينما تعلم مكان الأسرى تحديدًا،
بالإضافة إلى ذلك فإن الجيش الإسرائيلي لم يكن جاهزًا للهجوم البري الكامل لقطاع
غزة باعتبار أن نسبة استكمال قواته كانت بنسبة 50% فقط بما يؤشر على عدم جاهزية
القوات. كما أن أغلب المستدعين من الاحتياط للجيش الإسرائيلي، لم يدخلوا حربًا في
السنوات الماضية، وغير جاهزين لها، فالجيش الإسرائيلي يواجه أزمة كبيرة في عدم
جاهزية احتياطه للحرب، وهناك تخبط في الوحدات ونوعية المقاتلين الذين سيدخلون
الحرب لعدم وقوع خسائر كبيرة أو أسرى جدد.
وضمن هذا السياق، استدعت إسرائيل "اللواء جولاني"،
وهو لواء عامل، وله سمعة كبيرة في القتال، تحسبًا لاحتياجها لاستخدامه بريًا، وعلى الرغم من ذلك، تدرك إسرائيل
أن أي عملية برية لها لن تحقق هدفها، لتوزيع الأسرى على قطاع غزة، وستعمل على
التفاوض في وقت لاحق عقب تدمير أكبر قدر من قدرات حماس. ومن ثم فإن التدخل البري حال حدوثه، سيتم لتحرير أسرى في أماكن معينة،
لكن التفاوض سيكون الطريق النهائي لأي تحرك.
وامتدادًا لذلك، فإن تباطؤ نتنياهو فى تنفيذ الاجتياح البري
وتصديه لرغبة الجيش الاسرائيلي في تنفيذه بشكل عاجل، حتى لا يضيف فشلًا إلى سجله،
وعدم خسارة دعم الولايات المتحدة الراغبة في التأجيل لحين إرسال قوات إضافية للشرق
الأوسط تحسبًا لتوسع الصراع، زيادة وتيرة التظاهرات الإسرائيلية الغاضبة، وتحميله
مسئولية الفشل في التعامل استخباريًا وعسكريًا، وعدم قدرته على حل أزمة رهائن
إسرائيل لدى حماس يضاف إلى ذلك، الخلافات شديدة داخل المجلس الأمني المصغر بين
نتنياهو وقادة الجيش التي أعدت خطط وطرق الاجتياح البري، بينما يرفض نتنياهو ويتهم
قادة الجيش بالفشل العملياتي الذى أدى لهزيمة إسرائيل أمام العالم، وهو ما يعبر عن
أزمة ثقة كبرى بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت الذي يقف حاليًا في معسكر يضم
زعماء اليمين المتطرف.
في الختام: تواجه إسرائيل مجموعة من الانقسامات الداخلية فيما
يتعلق بحكومة الطوارئ التي يحاول بها تجاوز الضغوط التي يواجهها من الرأي العام
الداخلي والضغوط التي يتعرض لها في حكومة الحرب التي تم تشكيلها للاستمرار في
العدوان على غزة، ومن ثم فإن مستقبل الحكومة برغم الدعم الذي تحظى به خارجيًا إلا
أنها تواجه تحديات داخلية في ظل تضارب التصريحات حول جهوزية الجيش للقيام بهذه
العملية.