المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مشكلة حلايب. أبعاد الموقفين المصري والسوداني

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:17 م
بقلم: هانى رسلان
تثور مشكلة حلايب بين حين وآخر كمؤشر علي وجود ازمة في العلاقات المصرية ـ السودانية, إلا أن هذه الأزمة سرعان ما يتم احتواءها لصالح الحرص علي هذه العلاقات ومحاولة دفعها الي الامام حفاظا علي المصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين, لاسيما في المرحلة الحالية التي يمر فيها السودان بمرحلة من التحول الخطر المتمثل في استحقاقات حق تقرير المصير لجنوب السودان وتداعيات ازمة دارفور.

ويمكن للمراقب أن يلحظ أن رد الفعل المصري تجاه الأزمة الاخيرة التي اثارتها مفوضية الانتخابات السودانية وبعض المطالبات السودانية التي دعت للذهاب الي التحكيم, قد اتسم بشكل عام بالهدوء وعدم الرغبة في التصعيد, وعلي الناحية الاخري عاد الجانب السوداني إلي محاولات التهدئة والاحتواء, عبر التصريحات التي أطلقها الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل والتي أكد فيها علي أن حلايب لن تقف عقبة في طريق العلاقات المصرية ـ السودانية وأن هناك اقتراحا سودانيا بان تكون كل المدن الحدودية بين البلدين مناطق تنمية مشتركة.

غير ان هذا لايعني في الحقيقة ان ملف حلايب قد أغلق أو تم تجاوزه, إذ أنه باق إلي إشعار آخر, حيث من الواضح أنه قد تم دمجه في الحساسيات المعروفة في العلاقات المصرية ـ السودانية, وأصبحت النبرة السائدة في تناولة تعتمد علي التعبئة والاثارة في الداخل وتميل إلي اعتبار الموقف المصري تعبيرا عن التعالي دون النظر إلي الإطر الموضوعية أو الأسانيد القانونية أوالتاريخية. كما أصبحت حلايب أداة في الصراعات والمزايدات السياسية الداخلية حيث يسعي البعض لتوظيفها سعيا وراء اهداف لا علاقة لها بحلايب, ومن ثم تحولت هذه المشكلة الي ما يشبه مسمار جحا أو حصان طروادة في العلاقات بين البلدين الشقيقين. لذا لزم تحرير الخلاف بين الموقفين المصري والسوداني من أجل إعادة القضية إلي إطارها الطبيعي ومناقشة وجهتي النظر بهدوء وروية في إطار من الحرص المتبادل علي تجاوز هذه المسألة وعلي علاقات الاخوة والتاريخ المشترك.

1-يعتمد ترسيم الحدود بين مصر والسودان علي اتفاقية 1899 التي تقول بأن خط العرض 22 شمال خط الإستواء هو الحد الفاصل بين البلدين, وبما أن مثلث حلايب يقع شمال هذا الخط, فانه يقع بالكامل داخل الحدود المصرية, لاسيما ان النص الوارد في الاتفاقية واضح وقطعي الدلالة ولا يقبل التأويل.

2-علي الناحية الاخري تقول وجهة النظر السودانية ان هذا المثلث كان يدار بواسطة الحاكم العام للسودان منذ عام 1904 وان مصر لم تعترض علي ذلك وان هذه المدة الطويلة المستقرة من الادارة تعد دليلا علي سودانية حلايب, إلا ان وجهة النظر هذه تتجاهل عمدا ان تحويل التبعية الادارية للحاكم العام في السودان, قد تم بقرار إداري داخلي من مصر, من أجل تسهيل الوصول إلي هذه المنطقة النائية لإدارة إمور السكان المحليين, وأن القرار الإداري الداخلي لاينشئ سيادة ولا تترتب عليه أي إلتزامات ذات طبيعة دولية, خاصة وأن السودان في ذلك الوقت كان يقع تحت السيادة الإسمية لمصر طبقا لقواعد القانون المعمول بها حينذاك, ومن ثم فهو لم يكن ذا شخصية دولية مستقلة حتي يقال أن مصر قد قبلت ولم تعترض, الامر الذي يوضح تهافت وعدم منطقية هذه الحجة, فضلا عن أن الحاكم العام (لبريطاني الجنسية) الذي خولت اليه ادارة هذه المنطقة كان يتم تعيينه بقرار من السلطات المصرية طبقا لاتفاقية 1899 نفسها, ومن ثم فان تحويل التبعية الادارية المشار اليه هو أقرب ما يكون الي تفويض صلاحيات داخليه بين المحافظات أو المديريات في نفس الدولة, فاذا تحول الحد الإداري إلي حد سياسي تتم العودة بشكل بديهي إلي خط السيادة, وهو ماينطبق علي حالة حلايب, حيث حصل السودان علي حق تقرير المصير عام 1953 ثم الاستقلال عام 1956, ومن ثم تكون الحدود هي خط العرض 22.

3-هناك حالة اخري شبيهة بحلايب, تتعلق بمنطقة “,”إبيي“,” التي من المعروف أنها منطقة جنوبية, غير أنه تم تحويل تبعيتها الإدارية إلي شمال السودان في عام 1905 (لنفس الاسباب المتعلقة بحلايب: اي تسهيل الوصول وادارة شئون السكان), وحين حصل الجنوب علي حق تقرير المصير طبقا لاتفاقية نيفاشا الموقعة في عام 2005, اتفق الطرفان المتفاوضان علي أن إبيي منطقة جنوبية, وكان الخلاف علي تحديد او ترسيم حدود المنطقة, وليس علي تبعيتها من حيث المبدأ. وهنا يمكن ملاحظة أن الجانب السوداني يعتمد هنا معيارًا مزدوجًا, فقد سلم بجنوبية إبيي, وفي الوقت نفسه يرفض الإقرار بمصرية حلايب رغم تطابق الحالتين علما بأنه لاخلاف علي حدود مثلث حلايب فهو شمال الخط 22 ومن ثم لا حاجة للتحكيم لتوضيح معالمه كما حدث في إبيي.

4-يقول الاخوة في السودان أن السكان في حلايب هم إمتداد لقبائل سودانية وبخاصة البجا أو بعض العشائر الاخري, الا أن هذا القول حتي لو كان صحيحا لايقدم أي حجة من أي نوع, ولاينعكس بأي شكل من الأشكال علي مبدأ السيادة علي الارض, وعلي سبيل المثال: هناك 26 قبيلة مشتركة علي الحدود بين السودان وتشاد, ومن أشهرها قبيلة الزغاوة التي ينتمي الرئيس ادريس ديبي إلي فرعها التشادي, فهل يحق للسودان ان يطالب بالاراضي التي يقطنها الزغاوة في تشاد, أو تطالب تشاد بتبعية أراضي الزغاوة في دارفور مثلاً. بطبيعة الحال لايجوز. وهذا أمر غير وارد في العلاقات الدولية, وفي هذا السياق فان معالجة قضية السكان يسيرة, ويمكن التوافق حولها, فمن أراد اللحاق بالجانب الاخر من الحدود يمكنه ان يفعل. ومن يريد البقاء فله الحق في ذلك.

5-كلما ثارت قضية حلايب ترتفع بعض الأصوات السودانية التي تطالب مصر بقبول التحكيم كما حدث في طابا, رغم أن المثالين مختلفين تمامًا بحيث لا يمكن المقارنة بينهما, فما حدث في طابا هو خلاف علي التحديد الدقيق لموقع العلامة الحدودية رقم 91 علي خط الحدود بين ولايتي مصر وفلسطين تحت السلطة العثمانية, وكان الفارق بين وجهتي نظر الطرفين المتنازعين هو كيلومتر مربع واحد, وتمسكت مصر بموقفها ولم تقبل التفريط في شبر واحد من أراضيها, وكانت استعادة هذا الكيلومتر شغلا شاغلا للدولة والراي العام, وكما هو معروف فقد حسم الأمر لصالح مصر في النهاية بما قدمته من اسانيد واستدلالات. أما في حالة حلايب فلا يمكن لمصر ان تقبل الذهاب الي التحكيم علي سيادتها علي هذه المساحة من اراضيها البالغة 20 الف كيلومتر مربع, دون وجود سند قانوني واضح لدي الطرف الآخر يستوجب ذلك, فالسيادة ليست موضوعا يمكن طرحة للتحكيم بمثل هذه البساطة.

6-في هذا السياق يثور التساؤل عن الموقف السوداني والاجراءات التي تم اتخاذها تجاه مثلث “,”إليمي“,” علي الحدود السودانية ـ الكينية, وعن الاراضي التي استحوذت عليها اثيوبيا في “,”الفقشة“,” شرق السودان والتي تبلغ مساحتها 2 مليون فدان, الامر الذي يطرح تساؤلا آخر عن الدوافع والمبررات الكامنة خلف اصرار البعض علي تحويل مسألة حلايب الي “,”خميرة عكننة“,” بين مصر والسودان دون وجود سند واضح أو معقول.

7-تبقي نقطة اخيرة هي أنه إذا كانت هناك قناعة حقيقية بالمصالح المشتركة وبالمصير المشترك. ومطالبات بشراكة استراتيجية, فانه لا أهمية لمشكلة حلايب التي يجب ان يصل الطرفان الي حل وفاقي لها, كما كان حادثا علي عهد الرئيسين نميري والسادت, باعتبار مثلث حلايب منطقة تنمية مشتركة, وهو ما تم انهاؤه عمليا من جانب واحد بواسطة سلطات نظام الانقاذ قي عام 1992 عبر منح عقود تنقيب في هذه المنطقة لشركات أجنبية, الأمر الذي رفضته مصر, فكان رد الفعل هو التعبئة والتجييش والتظاهر عبر هيئة الدفاع عن العقيدة والوطن, ثم إثارة هذه القضية الآن مرة أخري لأسباب غير مفهومة بهذه الطريقة المفتعلة.

إن البحث عن حل لايمكن ان يتم من خلال الاثارة والتعبئة بل بالحوار الهادئ في اطار الوعي الكامل بالروابط العميقة بين الشعبين التي يجب ان تتعالي وتسمو عن التوظيف الوقتي المضر علي المدي البعيد.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟