تحول حذر: مستقبل عملية التحول الديمقراطي في ظل رئيس جديد (2-2)
نتناولنا في الحلقة
الأولى التحفظات حول سؤال المستقبل الديمقراطي، بالإضافة إلى إشكاليات وتحديات عمليات
التحول الديمقراطي وآثارها. وفي هذه الحلقة نحدد بعض السيناريوهات المحتملة لعمليات
التحول خلال الفترة القادمة، يمكن رصدها فيما يلى:
1- سيناريو عودة النظام السابق، وقواعده الاجتماعية
مفاد هذا السيناريو
أن الدولة وسلطاتها الرئيسة استطاعت في إدارتها لمراحل الانتقال الثلاث أن تستعيد الحد
الأدنى من فعاليتها وقدرتها على احتواء مصادر التغيير السياسى ذو الطبيعة "الثورية"،
أو الأحرى الانتفاضية واسعة النطاق. من ناحية ثانية قدرتها على صد سياسة أخونة الدولة
أو أسلمتها، ومن ثم قدرة أجهزتها الأمنية، والاستخباراتية والبيروقراطية على استعادة
عافيتها، وعلى مشاركتها في خلفية، وفعل أحداث 30 يونيو وما بعد، وكذلك في إدارة المرحلة
الثالثة وخارطة الطريق لها.
يقوم هذا السيناريو على ما سبق، وكذلك على ما يلى:-
1- حاجة الرئيس الجديد
لبعض مصادر تأييد النظام السابق، والمتمثل في القاعدة الاجتماعية التى اعتمد عليها
من رجال الأعمال، وأجهزة الدولة وسلطاتها لاسيما القضائية.
رجال الأعمال بعضهم
كان جزءاً من تركيبة نظام مبارك والحزب الوطنى ولجنة السياسات، ولا يمكن الاستغناء
عن دورهم في مرحلة تحفيز الاقتصاد المريض جداً، وفى مشاركتهم في اخراجه من غرفة العناية
الحرجة والمركزة.
من هنا سيواجه الرئيس
الجديد إشكالية إبرازه لوجه جديد لنظامه، يختلف عن نظام مبارك المستمر، وبين ضرورات
الاعتماد على رجال الأعمال المصريين، حتى تستطيع مشاركتهم جذب الاستثمارات الأجنبية
والعربية الأخرى.
2- تشكل هياكل القوة
الاجتماعية التقليدية- القبائل والعائلات الكبيرة الممتدة- أحد مصادر الخريطة السياسية
في البلاد، منذ المرحلة شبه الليبرالية وطيلة نظام يوليو 1952، وهؤلاء تحركهم البراجماتية
والمصالح الاجتماعية، ومن ثم لا يهمهم عموماً طبيعة النظام أو إيديولوجيته أو خياراته
الاجتماعية، وإنما المهم لديهم الحضور في تركيبة النظام أياً كان من أجل تحقيق وإشباع
مصالحهم على اختلافها ومن ثم قربهم المستمر من جهاز الدولة أياً كان. وهؤلاء كانوا
جزءاً من الحزب السياسى الواحد من هيئة التحرير، إلى الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى
العربى، ومنبر الوسط، ثم حزب الوسط، والحزب الوطنى الديمقراطى، ومن ثم كانوا حاضرين
في تشكيلات مجالس الأمة، والشعب، والشورى.
3- توظيف بعض شباب تمرد
وحملة السيسى الانتخابية في بعض المواقع الحكومية.
4- الاعتماد على بعض
الموالين من رجال الأعمال أصحاب القنوات الفضائية الخاصة، والذين لعبوا دوراً مؤثراً
في نقد جماعة الإخوان ومواليهم خلال مرحلة حكم الجماعة والسلفيين. هؤلاء لعبواً دوراً
كبيراً في دعم حملة الرئيس الجديد، ومن ثم سيتم استخدامهم في مواجهة خصومه خلال المرحلة
القادمة وربما مع بعض الترشيد في الأداء.
5- الاتجاه إلى إنتاج
خطاب سياسى توافقى تحت شعار الأمن والاقتصاد، والدفاع عن الفئات الاجتماعية الفقيرة
وعدم المساس بهم.
6- خطاب داعم للتضامن
العربى، والتحالف مع الدول العربية النفطية الداعمة لمصر بعد أحداث 30 يونيو وما بعد.
سيواجه هذا السيناريو
بقدر من القبول النسبى من أجل تحقيق حد أدنى من الاستقرار الأمنى، والإعداد لبناء تحالف
سياسى اجتماعى من مكونات هذه القوى الاجتماعية، لتحقيق الأغلبية البرلمانية، واختيار
رئيس وزراء وحكومة تعبر عن قوتها السياسية، وفى بناء توافق مع رئيس الجمهوريات الجديد.
لا شك أيضاً أن أية
موجات إرهابية جديدة ستؤدى إلى تفرغ أجهزة الدولة والتصدى لها سيسوغ منطق وخطاب الرئيس
الجديد حول أولويات تحقيق الأمن، ومن ثم عدم إحداث أية تغييرات نوعية في مضمون السياسات
الاقتصادية والاجتماعية عموماً إلا قليلاً.
يترتب على ما سبق استمرارية
النظام القديم مع بعض التغير في الوجوه في تشكيل الفريق السياسى للرئيس الجديد، وفى
المجموعة الوزارية، حتى استعادة الاستقرار الأمنى، وبعض التشيط الاقتصادى، والمرور
من الاستحقاق السياسى الثالث وهو انتخابات مجلس النواب.
السيناريو الثانى: استمرارية التركيبة الاجتماعية / الاقتصادية
مع تغيير في الوجوه والأجيال
يعتمد هذا السيناريو
على عديد من الاعتبارات التى يمكن تقديمها فيما يلى:
1- ضرورة استمرار التعبئة
والحشد النسبى حول الرئيس والمؤسسة العسكرية، حول مفهوم الضرورة والحاجة العارمة لتحقيق
الأمن والأمان لقطاعات جماهيرية واسعة لاسيما الطبقات الوسطى – الوسطى، والعليا.
2- الحاجة إلى بعض من
التوافق النسبى مع عديد رجال الأعمال وذلك لتنشيط الاقتصاد والسوق، وتوفير بعض الوظائف
الجديدة لاستيعاب تزايد معدلات البطالة التى يقدرها بعضهم بأكثر من ثلاثة عشر في المائة،
وهناك تقديرات أكبر في هذا الصدد، وذلك لتخفيض معدلات الغضب الاجتماعى، واستيعاب جزء
من طموحات بعض الشرائح الاجتماعية الأكثر عسراً. وبما يؤدى إلى قدر من الرضا العام
خلال الفترة من من وصول السيد/ عبد الفتاح السيسى إلى سدة الرئاسة، وفترة الإعداد للانتخابات
البرلمانية القادمة قبل نهاية عام 2014.
3- توليفه حكومية من
الحكومة الحالية، وتغيير بعض الوزراء الذين لم يحققوا أية إنجازات في وزاراتهم، والذين
ارتكبوا أخطاء، أو استمروا في إدارة وزارتهم ببيروقراطية وكسل في ضوء اضطرابات مرحلة
الانتقال.
4- إدخال بعض الوجوه
الجديدة، وذلك كرسالة على أن ثمة احتمالات لتغيير جيلى وشبابى في تركيبة النظام القادم
وأن ضرورات الأمن، وتعافى الاقتصاد، تتطلب هذه المزاوجات الجيلية، ومن مكونات استمرارية
بعض من الوجوه القديمة غير المهترأة، وبين بعض الوجوه الجديدة، وبعض الخبرات المصرية
الدولية المشهود لها بالكفاءة والإنجاز.
5- التشديد على ضرورات
الإنجاز والكفاءة في اختيار مستشارى الرئيس سواء من أبناء المؤسسة العسكرية السابقين
من ذوى الإنجاز، أو من المدنيين.
6- إمكانية التلويح
بفتح فرجة في أبواب السياسة الرسمية على جماعة الإخوان حال إذا ما تراجعوا عن التظاهرات
المصحوبة ببعض العنف، مع عدم الإعلان الرسمى عن ذلك. وهذا التوجه يحاول تخفيض عديد
الانتقادات والضغوط الأمريكية والأوروبية وغيرها في الإقليم والعالم. وهو ما قد يعنى
العودة إلى سياسة الدمج الجزئى والمرحلة الأولى من حكم مبارك منذ انتخابات 1984، دون
الوصول إلى مرحلة الحصول على خمس مقاعد برلمان 2005.
7- تطوير العلاقات المصرية/
السعودية/ الإماراتية/ الكويتية/ البحرينية/ الأردنية، والجزائرية، وذلك لخلق ظهير
إقليمى داعم للرئيس الجديد وسياساته ولمواجهة مصادر التهديد "الأرهابى" للقاعدة
والجماعات السلفية الجهادية في الأقليم.
8- إيلاء عناية خاصة
بالعلاقات المصرية/ الأفريقية عموماً، ودول الكوميسا، وجنوب أفريقيا، والسعى إلى تطوير
نسبى للعلاقات مع نظام الحكم في السودان، لبناء توافق يسعى لاحتواء الخلاف السياسى
والقانونى بين مصر وأثيوبيا، ومن ناحية أخرى تطوير التعاون الأمنى بخصوص عمليات أمن
الحدود، وعمليات تهريب السلاح الإيرانى أو بعض المساعدات القطرية، وغيرها عبر الحدود
إلى سيناء، وقطاع غزة.
9- الحركة الدولية النشطة
دولياً وأفريقياً لممارسة الضغوط على الحكومة الأثيوبية، من أجل العودة إلى التفاوض
مع مصر لتحقيق شروط تحقق التوازن في المصالح المائية بين كلا البلدين، واحترام الاتفاقيات
الدولية السابقة في هذا الصدد.
8- تغيير في الصحف القومية،
وفتح الأبواب أمام نطاق أوسع من حريات التعبير، وذلك في محاولة لتخفيض حدة الانتقادات
الموجهة إلى النظام والرئيس الجديد وسحب البساط نسبياً من الصحف الخاصة والقنوات الفضائية
الخاصة، التى سيستمر اصطفاف بعض رجال أعمالها، وقنواتهم في دعم الرئيس فيما لا يمس
مصالحهم الاقتصادية.
السيناريو الثالث: تغيير
واسع في وجوه الحكم ومستشارى الرئيس، والإشارة إلى أن قطيعه ستتم مع وجوه النظام القديم
في الحزب الوطنى، ولجنة السياسات ومعهم بعض رجال الأعمال الفاسدين.
يعتمد هذا السيناريو على عديد العناصر وعلى رأسها:
1- مناورات وضغوط بعض
رجال الأعمال على الرئيس الجديد.
2- الاعتماد على المؤسسة
العسكرية وجهاز الدولة في إنجاز المشروعات الكبرى، لضمان سرعة التنفيذ، والحد من الفساد،
بكل انعكاسات ذلك شعبياً.
3- تقديم بعض ملفات
الفساد الكبرى لإبراز قطيعة الرئيس الجديد مع نظام مبارك.
4- دمج قطاعات شابة
في تركيبة مكونات التغيير السياسى.
5- توظيف حركة النساء
كفاعلين جدد في الحياة السياسية والاجتماعية وسوق العمل في مصر، وذلك لتحقيق عديد من
الأهداف:
أ- تقديم صورة إيجابية
مؤثرة للإعلام والإدارات السياسية الغربية، والاتجاه الإصلاحى السياسى للرئيس الجديد،
في إبراز الوجه السياسى لأحد أبرز القوى الداعمة له في الانتخابات، بل وفى التظاهرات
الداعمة له في الانتخابات، بل وفى التظاهرات الداعمة للمؤسسة العسكرية والرئيس الجديد
بل والتصويت له.
ب- إبراز وجه إصلاحى
لدور النساء في الحياة السياسية المصرية، وفى ذات الوقت إزاء الرؤى الإسلامية التأويلية
المحافظة وتجاه أدوار المرأة الوطنية في نطاق نظام الأسرة لدى جماعة الإخوان، والسلفيين
والجماعات الإسلامية السياسية الأخرى ذات الرؤى المحافظة إزاء الدور السياسى للمرأة
عموماً والمصرية خصوصاً.
6- مصالحة مع الجماعة
الثقافية المصرية من خلال دعم دورها الاستقلالى والنقدى والإبداعى، من خلال تطور العمل
بوزارة الثقافة وهيئاتها وأجهزتها. من ناحية ثانية تيسير عمل المنظمات والجماعات الثقافية
المستقلة في أداء أعمالها.
7- بناء سياسة ثقافية
مصرية عربية وأفريقية ناشطة تجعل من القاهرة، وأقاليم الجمهورية فضاءات ثقافية مفتوحة
لتفاعلات وتظاهرات ثقافية مرموقة وجاذبة.
8- عودة الدور الثقافى
المصرى الناشط والفاعل يساهم في فتح هوامش حركة وتأثير مصرى فاعل في نظام السياسة الخارجية.
9- تطوير الأزهر والمساعدة
على تجديد هياكله الإدارية وتوفير البنية الملائمة لإعادة صياغة السياسة التعليمية،
ومناهجها وموادها، كتيسير الانتقالى من التعليم النقلى إلى التعليم المحفز على الاجتهاد.
10- إعادة صياغة النظام
التعليمى المدنى العام والجامعى والربط بينه، وبين متطلبات السوق، وتطوير سياساته ومناهجه
صوب بناء العقل النقدى بديلاً عن منهج الحفظ والتكرار للمواد التدريسية المقررة.
11- إعادة النظر في
أداء الجامعات الخاصة سعياً وراء الالتزام بتطوير نوعية المناهج، وتطبيقها.
12- تطوير بنية المحليات
وإدخال بعض من الإصلاحات الديمقراطية عليها سواء في الحكم الشعبى المحلى، أو تطوير
الإدارات المحلية ومقاومة الفساد داخلها.
12- تطوير سياسة تشريعية
إصلاحية جديدة تستوعب نظام حقوق الإنسان، وفلسفات التشريع المعاصرة.
13- دعم استقلال السلطة
القضائية.
14- التراجع التدريجى
لسياسة توريث المهن والوظائف في الجامعات، والإعلام، والقضاء ووزارة الخارجية.
15- مواجهة الفساد الإدارى
بكل قوة وحزم، ومن ناحية أخرى التصدى لسياسة الزبائن والمحاسيب والواسطة.
16- إصلاح سياسة الأمن
وأداءه وتوازنه بين الحرية والقانون.
يؤدى هذا السيناريو
إلى مزواجة شرعية الانتخاب الإجرائية على عديد من مصادر الشرعية، تفتح الأبواب أمام
بناء قاعدة تأييد جماهيرى غلاب، وتردم الفجوة الجيلية وتضعف نسبياً من بعض مصادر المعارضة
الشبابية والحزبية.
17- حماية حرية التدين
والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وذلك لإضفاء حيوية سوسيو- دينية، تدفع الأقباط
إلى المزيد من الحراك السياسى والاجتماعى، والتفاعل الحر مع غيرهم من المواطنين المسلمين،
مما يؤدى إلى تجديد شعبى لأواصر الاندماج الاجتماعى، وأسس جديدة للوحدة الوطنية المصرية
بوجه إنسانى مفتوح على تحولات العالم المتغير.
خاتمة
السيناريوهات السابقة
هى المطروحة في أفق تطور عملية الانتقال من التسلطية السياسية إلى ما بعدها، ومن ثم
يؤدى تفكيك أجهزة التسلطية النظامية والإدارية، ثم تتوجه بعد ذلك لإعادة بناء الدولة
والنظام السياسى على أسس ديموقراطية تبدأ بدستور جديد للبلاد، ثم نظام قانونى داعم
للحريات العامة والشخصية وحقوق الإنسان، واستيعاب طموحات الأجيال الجديدة وقواعد اجتماعية
تطمح للعدالة الاجتماعية، ولا تؤدى إلى استبعاد أو التضيق على رجال أعمال يشاركون في
التنمية المستدامة، ورقابة المؤسسات التمثيلية، والإعلام والراى العام.
كلها مقدمات قد تؤدى
إلى تحول ديمقراطى في المستقبل البعيد.