المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

رؤية ناقصة: نحو مشروع قومي للثقافة المصرية

الإثنين 26/مايو/2014 - 11:26 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود عبداللة

يبدو من القراءة الأولية لبرامج المرشحين الرئاسيين وحواراتهم، أن العامل الاقتصادي برأيهما هو العامل الأساس، وأن التحول الاجتماعي الحقيقي والتحديث يأتيان بتطبيق سياسة اقتصادية قادرة على القضاء الفقر، باعتباره أصل كل ما نعيشه في المجتمع من مشكلات، كالتطرف الديني، والجهل، والمرض. ولذلك كان الشاغل الاقتصادي هو المهيمن، دون كبير اعتبار للعامل الثقافي، إلا في حدود ضيقة، تقدر بصفحات قليلة، اعتبارا بأنه تحصيل حاصل للتغيير الاقتصادي والاجتماعي.

لكن مبدئيًا قبل الخوض في التعريف بالثقافة في برنامجي المرشحين الرئاسيين، أود أن أضع اليد على بعض التصورات المبدئية حول كتابة البرامج الانتخابية، وهي ليست تصورات نابعة من الدرس المقارن، لكنها مستقاة من التحليلات المعنية بتحليل الخطاب من جهة علم البلاغة، مع بعض التغيير والتحوير، بما يتلاءم مع طبيعة الموضوع.

هناك قضايا أساسية لم تحسم منذ قيام الثورة: قضية العدالة الانتقالية، الفساد، الحريات

كتابة البرامج: مسألة بلاغية

إن عملية كتابة البرامج الانتخابية تنم حين بحثها على مستوى الخطاب عن جوانب مهمة لها دلالتها في العمل السياسي، وعن طبيعة الفاعل المؤسس لها، وجمهوره، وموضوعه. فأولا، تكشف خطابيا عن البلاغة السياسية الكامنة وراءها، ورؤية العالم التي تحملها، في تراوحها بين بلاغة سياسية وجدانية، تتخذ من إثارة العواطف والمشاعر واللعب على الاحتياج وسيلة للتعبير، ولا تقبل المراجعة النقدية أو النظر لها بعين الريب والقلق والحيطة، أو بلاغة عقلانية، تبتعد عن التقديرات الجزافية، وتهتم بمفاهيم المسئولية والشفافية والالتزام والمحاسبية، وتقدر المراجعة وتراها مكملة لها، أو بلاغة حجاجية، هدفها الدحض والنقاش الجدلي العقيم، ولا تقبل بالنقاش، وتؤمن بمنطق الغزو وهدم المناقشين، ووضعهم في خانة الخصوم.

 ولعل اللحظة الراهنة التي يعيش المجتمع أصعب لحظاته بعد ثلاث سنوات من النضال الثوري، الذي لم ينجم على الأرض عن شيء حقيقي شامل، يؤسس لواقع جديد، تتطلب من أي مرشح أن يلتزم بالعقلانية والتأني، خاصة أن هناك قضايا أساسية لم تحسم منذ قيام الثورة: قضية العدالة الانتقالية، الفساد، الحريات. فرموز النظام السابق وقتلة الثوار تصدُر أحكام في صالحهم، والفساد لا تزال العوامل المؤسسة له قائمة لم يتم اقتلاعها، وقمع الحريات لم يزل متصلا. هذه العقلانية ليست عقلانية التكملة على الوضع القائم، بل عقلانية البناء على أسس جديدة، تنهي العلاقة بالماضي وتهدمه. وأحد العوامل الأساسية لفعل البناء الثوري الجديد هو الثقة. وبناء الثقة مرهون بالتحديد الدقيق لقضايا الوطن الملحة والعاجلة، وقضاياه طويلة الأجل، ثم تحديد الوسائل الممكنة للحل، وتكلفتها، ومصادر التكلفة، وآثارها المحتملة. أي أن البرامج ليست فقط مجموعة من المبادئ العامة المجردة، بل هي جملة من الإجراءات التي ينبغي أن تتجسد في حدود اختصاصات الرئيس المنوطة له وفق الدستور. 

  ويمكن تلمس معالم الثقافة في خطاب المرشحين في عدة قضايا: الخطاب الديني، والثقافة والإعلام، والإبداع، وحماية التراث.

1.     الخطاب الديني

والواقع أن المرشحيْن يمتلكان ذات التصور فيما يتعلق بالخطاب الديني، فهما يفضلان أن يكون الأزهر هو المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية، ويحرصان على ذات القيم الإنسانية مثل التسامح والانتماء. وهو ما يعني ضمنا غلق المجال الديني، وجعل الأزهر المرجعية للمعاني الدينية والفتوى والتشريع. ولا ننسَ أن تاريخنا الحديث، قد شهد معركة كبيرة بين ممثلي الدولة المدنية من أبناء الأزهر الذين خرجوا عليه من جهة (من أمثال طه حسين والأخوين علي ومصطفى عبد الرازق، وغيرهما)، وشيوخ الأزهر الداعين للدولة الدينية ( دولة الخلافة العثمانية)، ولا ننس كذلك أن بعض شيوخ الفضائيات من السلفيين هم أزهريون، ولم يأتوا من خارج الأزهر، بل وإن أقوى المظاهرات الطلابية التي تخرج لدعم الإخوان والمطالبة بعودتهم قادمة من جامعة الأزهر، مع أن الأزهر هو رمز التسامح والاعتدال. هذه المؤشرات ينبغي أن تلفت الانتباه لعدة أمور: ضرورة مراجعة المناهج التعليمية في الأزهر بحيث تلتزم بالقيم المدنية(حرية التعبير، والتسامح، والانتماء الوطني، وحق الإبداع والابتكار، وغيرها) ، وأن يكون الأزهر مؤسسة دعوية فقط لتعليم وتخريج الدعاة ويقتصر دورها على ذلك بعيدا عن العمل السياسي، وأن تلحق الكليات التي تدرس مواد متشابهة مع غيرها بإحدى الجامعات المصرية.

2.     الثقافة والإعلام

يحدد فريق عمل المرشح عبد الفتاح السيسي في برنامجه مجموعة من الأهداف، ومثلها على النحو التالي:

- الإسهام في تنمية الوجدان المصري ليكون هذا الوجدان قادرًا ومبادرًا ومبدعًا ومعبرًا عن ذاته بحرية دون وصاية أو تدخل.

- التنقيب في التراث الثقافي المصري، واستجلاء كوامنه للاستفادة منها في تأهيل المواطن كي يكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع.

- دعم قيم التعددية الثقافية وقبول التنوع والاختلاف، والتباين في الرأي والفكر وحرية التعبير والاعتقاد التي كفلها الدستور هي الأساس الذي تقوم عليه حرية الأوطان وتقوم عليه عملية تأصيل قيم الديمقراطية.

- الانفتاح على الثقافات العالمية المختلفة والتفاعل معها ونشر ثقافة قبول الاختلاف والاحتكاك المباشر بتيارات الفكر والثقافة والإبداع ومدارس الإعلام حول العالم.

- الاهتمام بإحياء دور مصر الريادي سواء في المجال الثقافي أو الإعلامي في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي.

- مراجعة القوانين المعنية ذات الصلة بالمطبوعات والنشر لتنقيتها من أية نصوص تعوق حرية الإبداع الفني والأدبي التي كفلها الدستور، وأن تضع الاستحقاق الدستوري بإنشاء جهاز موحد مختص برعاية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في حيز التنفيذ.

- توجه الرؤية الحكومة والجهات ذات الصلة لدراسة مشكلات قطاع السينما، واقتراح الحلول التنظيمية والتشريعية اللازمة للنهوض بهذا القطاع تحقيقًا لريادته واستعادة دوره كأحد مصادر القوة الناعمة للدولة.

- توجه الرؤية الحكومة والجهات ذات الصلة كي تكون مكلفة بإعداد مشروع قانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المختص دستوريًا بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية، وقانون الهيئة الوطنية للصحافة كهيئة مستقلة تدير المؤسسات الصحفية القومية، وقانون الهيئة الوطنية للإعلام كهيئة مستقلة تدير المؤسسات الإعلامية المسموعة والمرئية والرقمية القومية.

- الآثار المصرية كنز هذا الشعب ورمز شموخه وإسهاماته في الحضارة الإنسانية، وإذا كان الحفاظ عليها وإتاحة عرضها داخليا هما هدفين رئيسيين لهذا البرنامج من أجل أن يطَلع عليها أبناء هذه الأمة، وهو ما يعطيهم الدفعة للأمام والإصرار علي النجاح لتحقيق الحلم باعتبارهم امتدادًا لأجدادٍ صنعوا الحضارات عبر التاريخ، وإعطاء الفرصة للسائحين الوافدين إلى مصر ليتعرفوا من خلالها على حضارات وتاريخ إسهامات المصريين في بناء الحضارة الإنسانية.

أن المرشحيْن يمتلكان ذات التصور فيما يتعلق بالخطاب الديني، فهما يفضلان أن يكون الأزهر هو المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية، ويحرصان على ذات القيم الإنسانية

- تولي الرؤية اهتمامًا بالغًا بتوفير التأمين والحماية اللازمة للآثار المصرية، وتدعم جهود التنقيب والاستكشافات الجديدة للمناطق الأثرية، كما تؤكد على التزام الدولة ببذل أقصى الجهود لاستعادة الآثار المصرية التي تسربت للخارج في ظل حالة الانفلات الأمني خلال الفترة الماضية.

- تؤكد الرؤية على دعم جهود الانتهاء من المتحف المصري الجديد، والترويج دوليًا لآثارنا من خلال جولات لها حول العالم.

وترجم الفريق الرؤية في عدد من الإجراءات، تمثلت في:

-       بالنسبة للآثار، فإن الأمر يتطلب إنشاء معهد متخصص لترميم الآثار، واستكمال توثيق المقتنيات التراثية من شمال مصر إلى جنوبها وفق القواعد العلمية والفنية، وتأمين المتاحف.

-       ضرورة وضع خطة متكاملة لحماية المخطوطات الإسلامية والمسيحية، وإعمال القانون لإلزام الجهات الحكومية والخاصة بتسجيل ما لديها حماية لها من الاندثار فضلًا عن تسهيل مهمة الاطلاع عليها للباحثين، وإصدار قانون جديد يوفر الحماية اللازمة لهذا التراث الحافظ للذاكرة التاريخية لمصر.

-       توفير الدعم لقصور الثقافة، وبناء فروع منها في المناطق المحرومة لتصل الخدمات الثقافية لكل المعمورة.

-       العناية بشباب المسرحيين ماديًا وفنيًا واستعادة المسارح المصرية لدورها ابتداء بالمسرح القومي ومسارح الأقاليم في المحافظات وقصور الثقافة والمسارح الشعبية بالقرى ودعم النشاط المسرحي الأهلي ماديًا وفنيًا.

-       إعادة النظر في التشريعات والإجراءات الإدارية والبيروقراطية التي أعاقت الإنتاج السينمائي خلال العقود الماضية، واستغلال أصول السينما المملوكة للدولة وإعادة تأهيل وتطوير وتحديث الاستوديوهات ودور السينما، وإيجاد صندوق مالي لدعم هذه الصناعة الكبيرة وفق قواعد فنية وإدارية رشيدة تمكن المجتمع السينمائي من القيام بدوره الفني والوطني.

-       التأكيد على أن تبقى الدولة راعية لصناعة الكتاب والنشر من خلال مواصلة دعم مشروعات الترجمة ونشر الإبداع الأدبي والفكري، وإتاحتها بأسعار تنافسيه تحفز الشباب على القراءة واقتناء الكتب مع توفير الاعتمادات المادية لمؤسسات الدولة المعنية بالنشر والإبقاء على مشروع مكتبة الأسرة.

-       التنسيق بين كل مؤسسات الدولة في قطاعات التعليم والثقافة والشئون الاجتماعية لرعاية المبدعين، ووضع قواعد فنية وعلمية للكشف عن هذه المواهب، والعمل على رعايتها وتشجيع متحدي الإعاقة منهم في مجالات: المكتبات والمسرح والموسيقى والغناء والابتكارات العلمية مع العناية بمشروع رعاية المبدعين بتوفير الدعم المالي.

-       التفاعل بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية المستقلة ودعمها بقوة مما يصب في مشاركة فعالة وإيجابية للمجتمع المدني في التثقيف والتوعية.

-       العمل على إصدار قانون الحق في الحصول على المعلومات بشكل يعزز الشفافية والإتاحة المعلوماتية، كما يجب أن نعمل على إلزام السلطات بضمان حرية الصحافة والإعلام، وتوفير الحماية اللازمة للممارسة الإعلامية، ومنع السلطات الأمنية والإدارية والسياسية من التحكم في أداء الإعلام. وما يستوجبه ذلك من تنقية قوانين العقوبات من المواد التي تتصادم مع الإطار الدستوري الجديد لحرية الإعلام، والتي يتم استغلالها أحيانًا لوضع قيود على الممارسة الإعلامية.

-       إتاحة حرية تملك وسائل الإعلام، في إطار توفير سبل ازدهار الصناعة، مع العمل في الوقت نفسه على منع الممارسات الاحتكارية، لضمان حق الجمهور في تكوين رؤاه، عبر مصادر متنوعة ومتعددة، وتشجيع الإعلام المحلي، الذي يجب أن يقدم رسائل تعكس هموم واهتمامات أقاليم الدولة ومحافظاتها المختلفة، في إطار يعزز الاندماج الوطني، ويحمي المخزون الحضاري في آن واحد.

-       توفير الأجواء المناسبة لصياغة قانوني "الهيئة الوطنية للصحافة"، و"الهيئة الوطنية للإعلام"، على نحو يُفعّل استقلالية وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وحيادها بما يكفل ضمان عدم تحكم السلطة التنفيذية، أو الحزب الحاكم، أيًا كان اسمه، في أداء تلك الوسائل، مع تطويرها، لتتخلص من ديونها، وتحسن أنماط أدائها، وتستعيد مكانتها وتأثيرها.

-       دعم مشروعات إنشاء نقابة للإعلاميين، لتكون منوطة، مثلما هي الحال في نقابة الصحفيين، بإصدار مواثيق الشرف، وإنشاء آلية المحاسبة والتأديب، وضمان إتاحة حق الشكوى من أنماط الأداء الإعلامي المثيرة للجدل، وإخضاعها للتقييم، ومعاقبة المتجاوزين، وفق معايير النقابة، وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور والقانون.

ولا شك أن هذه الرؤية والإجراءات متميزة للغاية، فيما يتصل بالتزامها بكل القيم التي يدعمها الدستور، وتتصل بالثورة المصرية، في دعمها لأهم مبادئ السياسة الثقافية، وهي الإتاحة العامة للثقافة، وحماية التراث ونشره، وتشجيع الأدباء والكتّاب والموهوبين، ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبناء الثقافة على أساس الحرية والاستقلال، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي المؤسسي. هذا وإن شابها قدر من التعميم المخل الذي يخلع عنها صفة الإجرائية ويضعها في مصاف الأحلام.

ومع ذلك فإن هذه الرؤية وسياستها قد أغفلت أمورا عديدة تعاني منها الثقافة، وهي غياب الشباب عن مواقع القيادة الثقافية، وضعف وترهل اتحاد الكتّاب، وهيمنة السلطة التنفيذية على أنشطة هيئة قصور الثقافة وتوجيهها لها، وعدم قدرة المبدعين على التواصل مع الجمهور العام مباشرة، وعدم تشجيع الدولة لدور النشر الصغيرة الشابة لمقاومة احتكار دور النشر الكبيرة لسوق الكتاب، ووقف سرطان الكتب الدينية السلفية ودور نشرها الداعمة للتطرف الديني، وغيرها من القضايا. علاوة على أن تصريحات المرشح تدعو للقلق، فهي أقرب للرؤية المباركية للإعلام الموجّه.

      وفي المقابل قدم الفريق العامل في حملة السيد حمدين صباحي رؤية للإعلام تؤكد على ضرورة أن تعدل المنظومة الإعلامية المملوكة للدولة المصرية، بأنماطه المختلفة، بحيث تحقق ما يلي:

-       أن تمثل مصدر اعتماد رئيسًا للجمهور المصري، خصوصًا فيما يتعلق بالتغطيات الخبرية.

-       أن تعمل في إطار من الحرية والشفافية وتكافؤ الفرص والنزاهة والحق في المنافسة، وفق الأسس والمعايير الدولية.

-       أن تنتهج أساليب مالية ومؤسسية رشيدة.

-       أن  تصون حرية التعبير وتدافع عنها.

-       أن تعكس الأوزان النسبية للقوى والمطالب الاجتماعية والسياسية بقدر كبير من الموضوعية.

-       أن تمثل استثمارًا ناجحًا للمال العام على صعيد الوظيفة الإعلامية والمسئولية الاجتماعية والعمل الوطني.

فيما تتلخص آليات تأهيل منظومة الإعلام المصرية التابعة للدولة فيما يلي:

-       الصحف القومية مملوكة للدولة، لكنها هيئات مستقلة عن أي حكومة، وتقع تحت إشراف لجنة يختارها البرلمان، وتكون تلك اللجنة مسئولة أمام البرلمان، وتعيِّن مجلس مديرين لكل مؤسسة صحفية قومية من أعضاء، نصفهم يتم انتخابه من الجمعية العمومية التي تمثل العاملين في المؤسسة، ويكون مجلس المديرين مسئولًا أمام اللجنة البرلمانية.

-       يعين مجلس المديرين مديرًا مسئولًا )أو رئيس مجلس إدارة(  محترفًا، يمثل القيادة العليا في المؤسسة، ويكلف بإعادة هيكلة مؤسسته، وتحسين أوضاعها في السوق، وتطويرها بما يسمح بتعزيز قدرتها التنافسية.  ويكون المدير المسئول مسئولًا أمام مجلس المديرين، الذي يكون مسئولًا بدوره أمام اللجنة البرلمانية.  ويعين المدير المسئول رئيس التحرير، ويكون هذا الأخير مسئولا أمامه.

السياسة الثقافية مفهوم مجتمعي تشارك فيه كل القوى المختلفة، وتعمل معا على تحقيقها، بما فيها من قيم مؤسسة للديمقراطية والحرية

-       تحول الخدمات التليفزيونية والإذاعية والإلكترونية التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى نمط "الخدمة العامة"، بوصفها خدمات إعلامية مستقلة تابعة للدولة والمجموع العام، ولا تقع تحت سيطرة الحكومة أو إشرافها من قريب أو بعيد، على غرار "هيئة الإذاعة البريطانية" )بي بي سي(..

-       تصبح "هيئة الإذاعة والتليفزيون" المصرية هيئة مستقلة، مسئولة أمام لجنة برلمانية مشكلة للإشراف على الإعلام التابع للدولة من خلال البرلمان المنتخب في انتخابات حرة نزيهة ويتبع نفس النمط في إدارتها كما اتبع في الصحف القومية.

-       تنشأ في مصر هيئة  "دقة عامة" خاصة بالخدمات الإذاعية والتليفزيونية والإلكترونية والهاتفية، وهيئة أخرى خاصة بالصحافة المطبوعة.

-       يتم تشكيل لجنة تضم عناصر من البرلمان المنتخب انتخابا حرا نزيها، والتي تمتلك السمعة الحسنة والكفاءة المهنية والخبرة العميقة في مجالات الإعلام والقانون والمجتمع والاقتصاد والإدارة والعلوم السياسية، وتضم إليها عناصر من الشخصيات العامة التي يختار بعضها البرلمان وبعضها الآخر رئيس الدولة، تكون مهمتها الإشراف على إنشاء هيئة الدقة العامة المصرية الخاصة بالإعلام المسموع والمرئي والإلكتروني والهاتفي، وأخرى خاصة بالصحافة المطبوعة.

-       تشكل هيئة الدقة العامة ضمانة لحرية التعبير وحرية وسائل الإعلام، وصيانة للإطار الديمقراطي، وضرورة لإتاحة المنابر أمام أصحاب المطالب والقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة من جهة، وتضمن ضبط الأداء الإعلامي، ضمن الأطر الأخلاقية والوطنية التي يتوافق عليها المجتمع من جهة أخرى.

ويبدو الأمر أن فريق السيد حمدين صباحي يركز على الإعلام الحكومي، بحكم كونه تابعا للدولة، وأن الضرورة تحكم القرار بتنميته، بينما الوقائع تثبت أهمية الالتفات للإعلام الخاص الذي أصبحت ممارساته مصدر خطر يمس حرية واستقلال مؤسسات كالقضاء، وقيم كالحرية، إلى حد أصبحت فيه بعض القنوات والصحف الخاصة بوقا لقوى مضادة لقيم الحرية والديموقراطية، ولا تختلف في حالها ذلك عن الإعلام العام. وبالتالي فهي في حاجة للرشادة والترشيد، على النحو الذي لا يعني تكميم حقها في التعبير.

 ولا يزيد برنامج المرشح حمدين صباحي كثيرا عن برنامج المرشح الآخر، وإن زادت التفاصيل فيما يتصل بالثقافة بشكل عام بالتركيز على المؤسسات الحكومية وتطويرها سواء كانت مؤسسات متصلة بالكتّاب أم السينما أو المسرح، إلا أنه أضاف جديدا وهو إنشاء هيئة لحماية الإبداع بديلا عن هيئة الرقابة.

 

الثقافة كمشروع قومي

 

يتبين لنا من التحليل السريع لبرامج المرشحين مجموعة من الملاحظات. يأتي على رأسها التركيز على الدولة ومؤسساتها الثقافية، انطلاقا فيما يبدو من مفهوم ضيق للسياسة الثقافية باعتبارها سياسة تنموية تنتهجها الدولة، وتلتزم بها في دعم الثقافة. بينما المفهوم أوسع من ذلك، فالسياسة الثقافية مفهوم مجتمعي تشارك فيه كل القوى المختلفة، وتعمل معا على تحقيقها، بما فيها من قيم مؤسسة للديمقراطية والحرية. وليس الدولة بمفردها مسئول عن قضايا الإتاحة الثقافية والدعم. ولذلك قد غاب التركيز على دور المؤسسات الثقافية الخاصة في عملية التنمية. خاصة إذا كان الهدف العام للمرشحين هو مواجهة وحشية السوق، وهو الهدف غير المعلن، للقضاء على الاحتكار، فإن ذلك يتطلب دعم القوى الصغيرة في سوق الثقافة، على نحو ما نجد من مؤسسات مهتمة بالشأن الثقافي، أو دور نشر صغيرة، يديرها شباب، لا يجد الدعم والتشجيع، فكسر احتكار السوق الثقافي، خارج اهتمام المرشحين.

وفي الآن ذاته غاب عن خطاب المرشحين التحديد الدقيق لنصيب الثقافة وأولويتها على سلم ترتيب الأولويات في السياسة عامة المتبناة، فيما يعني التحديد الدقيق لنصيبها في الموازنة العامة للدولة، وحجم مشاركة المثقفين في حل المشكلات الكبرى للثقافة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟