ملفات شائكة...كيف ستتأثر إيران بعودة ترامب إلى البيت الأبيض؟
آثار إعلان فوز الرئيس السابق دونالد
ترامب في الانتخابات الرئاسية التي عقدت في 5 نوفمبر الجاري الكثير من التساؤلات
حول ملفات عديدة عالمية وإقليمية وكان من أبرزها إيران؛ حيث كانت الأخيرة بمثابة
العدو اللدود للولايات المتحدة الأمريكية خلال ولاية ترامب الماضية. ويأتي ذلك في
سياق تعدد الملفات الخلافية بين طهران وواشنطن بداية من البرنامج النووي والسجناء
الأمريكيين في إيران ومعاداة الحليف الرئيسي لإيران بالمنطقة، وصولاً إلى النفوذ
الإيراني بالمنطقة وتهديد المصالح الأمريكية، الأمر الذي اتضح في استهداف القواعد
العسكرية الأمريكية في إطار التصعيد الإيراني مع إسرائيل.
رغم تقليل المتحدثة باسم الحكومة
الإيرانية فاطمة مهاجراني عقب فوز ترامب من قيمة تأثير الانتخابات الأمريكية على
إيران، مؤكدة على أن لا فرق بين لديهم من يكون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
القادم على خلفية إعداد طهران لخططها مسبقاً، إلا أن إيران ستكون من أبرز دول
المنطقة التي ستتأثر بعودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى. وفي السياق ذاته، أكد
المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي على أن إيران لديها تجارب مريرة للغاية
مع السياسات والتوجهات السابقة للإدارات الأمريكية المختلفة، مشيراً إلى أن فوز ترامب يمثل "فرصة لمراجعة وإعادة النظر
في التوجهات غير الصائبة السابقة" لواشنطن.
ومن هنا، سيتم العرض فيما يلي لأبرز
السياسات الأمريكية المتوقعة تجاه إيران خلال الفترة القادمة:
أولاً: عودة سياسة الضغوط
القصوى
من المتوقع– في ظل التصعيد الإسرائيلي
مع إيران ورغبة تل أبيب في القضاء على جماعات محور المقاومة التي باتت بمثابة
تهديد وجودي لإسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر
2023 – أن يستعيد ترامب سياساته القديمة في المواجهة مع إيران وتأتي حملة
"الضغوط القصوى" على رأس هذه الاستراتيجيات. وتتضح هذه السياسات في إضافة
المزيد من القيود على برنامج إيران النووي وتوسيع نطاق الاتفاقية لتشمل الصواريخ
الباليستية الإيرانية بالإضافة إلى الأنشطة الإقليمية الأخرى.
ويتوافق ذلك مع العقوبات المكثفة التي
فرضتها إدارة الرئيس الحالي جوبايدن على إيران بسبب ملفات متعددة يتضح أبرزها في
حقوق الانسان والهجمات الإيرانية على تل أبيب، بالإضافة إلى تحلل إيران من
التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وتصريحات مسؤولين سابقين في إدارة ترامب بإنه لو
تم منحهم المزيد من الوقت، لكان النجاح قد تحقق، واستشهدوا بالتدهور الكبير في
الوضع الاقتصادي الإيراني كدليل على ذلك. وبالتوازي مع ذلك، يُعد ترامب من أشد
السياسيين الأمريكيين المُعارضين للاتفاق النووي مع إيران، الذي تم التوصل إليه في
2015 بمدينة لوزان السويسرية، وقد انسحب منه في مايو 2018، كما يناهض ترامب
المشروع النووي والصاروخي لطهران ونفوذها وسياستها الخارجية ويتخذ إزاء ذلك خطوات
صارمة.
ثانياً: تقييد الدور
الإيراني بالمنطقة
ربما يؤدى تعزيز الدعم العسكري
الأمريكي المطلق لتل أبيب بعد مجيء ترامب إلى فرض المزيد من الضغوط على الدور
الإيراني المتصاعد بالمنطقة من خلال جماعات محور المقاومة؛ حيث تعززت المخاوف
الإيرانية بعد إعلان ترامب مؤخراً عن تعيين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية
أوهايو، جيمس ديفيد فانس، نائباً لحملته الانتخابية، واعتزامه تنصيبه نائباً لرئيس
الجمهورية حال فوزه في الانتخابات؛ إذ ينتمي فانس إلى نفس معسكر ترامب المتشدد
تجاه طهران. وعلى سبيل المثال، وصف فانس في تغريدة له على موقع "إكس يوم 25
إبريل 2022، الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 بـ "اتفاق إيران - أوباما
الكارثي"، مُضيفاً أن "أحد أفضل قرارات الرئيس ترامب الخارجية تمثل في
الخروج من هذا الاتفاق.
فإلى جانب مُكافحة إدارة ترامب الثانية
لأنشطة إيران النووية، ستسعى هذه الإدارة إلى تقليم أظافر إيران إقليمياً، سواء ما
يتعلق بـ"الحوثيين" في ضوء تهديداتهم لحركة الملاحة والتجارة في البحر
الأحمر المُستمرة منذ أشهر، أم المليشيات الولائية في سوريا والعراق التي تستهدف
القواعد والقوات الأمريكية.
ويُضاف إلى ذلك أن الدعم المُتوقع
لإدارة ترامب المُحتملة لإسرائيل، في ضوء الحرب التي تخوضها مع الفصائل الفلسطينية
داخل غزة وكذلك حزب الله في جنوب لبنان والحوثيين، سوف يتزايد عمّا هو عليه الآن
في عهد بايدن، وقد يطلق ترامب يد تل أبيب في القيام بمعارك مفتوحة ضد وكلاء إيران
في المنطقة، مع توفير كامل الدعم لها في هذا المسعى.
ثالثاً: محاولة استهداف
البرنامج الصاروخي
من المتوقع أن تمثل مسألة تقييد
القدرات الصاروخية وصناعة المسيّرات في إيران أحد الأهداف المهمة لإدارة ترامب في
التعامل مع إيران. وفي ظل سعيه لمنع تطويرها، يتوقع أن يعمل ترامب على فرض عقوبات
مشددة على مجالات تصنيع وتصدير مواد تصنيع الصواريخ والمسيرات إلى إيران، كما لا
يُستبعد تخطيطه لشن ضربات عسكرية خاطفة ضد مواقع التصنيع العسكرية المعنية في
الداخل الإيراني، سواء أمريكية أم بإطلاق يد إسرائيل في القيام بهذه المهمة.
وبالتوازي مع ذلك، يُرجح بشدة أن يوظف
ترامب بشكل فعال وقوي آلية العقوبات الاقتصادية ضد إيران؛ ذلك لأنه سوف يستعملها
كأداة تهديد وعقاب لطهران، محاولاً إجبارها على قبول توجهاته بشأن برامجها النووية
والصاروخية، علاوة على نفوذها الإقليمي. وجدير بالذكر أن إدارة بايدن، ورغم أنها
استمرت في فرض عقوبات على إيران، فإنه لا يمكن إنكار أنها تجاهلت محاولات طهران
للالتفاف حول تلك العقوبات، وقد لمّح إلى ذلك وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد
جواد ظريف، خلال السباق الانتخابي الرئاسي في إيران.
وفي النهاية: يمكن
القول إن نهج إدارة ثانية لترامب إزاء طهران سيكون أكثر تشدداً عن الأولى، ومع
ذلك، لا ينبغي على أي حال تجاهل العامل الإسرائيلي في سيناريوهات مُستقبل التعامل
الأمريكي مع إيران؛ فهو عامل ضاغط يدفع باستمرار الإدارة في واشنطن سواء جمهورية
أم ديمقراطية؛ لاتخاذ سياسات أكثر صرامة تجاه طهران. وفي الوقت نفسه أيضاً، تؤدي
التحركات الإقليمية لإيران في ملفات الشرق الأوسط المعقدة دوراً في التصعيد أو
التهدئة بين الإدارة في واشنطن والحكومة في إيران.