الانتخابات التشريعية الجزائرية لعام 2021 بين هيمنة الأحزاب التقليدية والمستقلون
جرت الانتخابات التشريعية في الجزائر يوم 12 حزيران 2021،
وتعد هذه الانتخابات هي الثالثة بعد استقالة الرئيس الاسبق (عبد العزيز بوتفليقة)
نتيجة الحراك الشعبي الذي اندلع في شباط من عام 2019، وهي سابع انتخابات برلمانية
منذ الإصلاحات السياسية والدستورية التي عرفتها الجزائر عام 1989، وبدأ
الاقتراع يوم 10 حزيران على المقاعد الثمانية المخصصة للجالية الجزائرية في الخارج،
ويحق لمليون جزائري في الخارج الإدلاء بأصواتهم، وهم موزعون وفق الخريطة
الانتخابية على 4 مناطق، وتحوز كل منطقة على مقعدين، ونصيب فرنسا منطقتين أي أربعة
مقاعد من المقاعد الثمانية، بسبب العدد الكبير للجالية الجزائرية في هذا البلد، وتضم المنطقة الثالثة كامل
المنطقة العربية ودول آسيا وأفريقيا وأستراليا، فيما تضم المنطقة الرابعة أوروبا
والولايات المتحدة، كما بدء في نفس اليوم عملية التصويت في مختلف المناطق النائية
المنتشرة عبر الولايات الجزائرية لاسيما في جنوب البلاد، وجهزت قوافل المكاتب
المتنقلة التي يرافقها مراقبون ينوبون عن المترشحين على مستوى كل مكتب إلى جانب
ممثلي المندوبية الولائية للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بمختلف الوسائل
اللوجستية اللازمة لإجراء الاقتراع، وضمان تسهيل وصول هذه المكاتب إلى أبعد
المناطق التي يتواجد بها الناخبون.
وتنافس خلال هذه الانتخابات(1483) قائمة من بينها (646)
من أصل 28 حزب سياسي و(837) قائمة مستقلة، على(407) من مقاعد المجلس، وتأتي هذه
الانتخابات وسط تزايد اشتداد القبضة الأمنية وموجة الاعتقالات، إذ تم اعتقال عدداً من الناشطين خلال مهلة الصمت الانتخابي، وهو ما جعل البلاد
حالة من القلق والغموض، وتجددت الاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن الجزائرية،
فقد كانت على أشدها في محافظتي (تيزي وزو وبجاية) اللتين تمثلان عمق منطقة القبائل،
كما نددت منظمات حقوقية جزائرية بالقمع المتزايد قبل الانتخابات البرلمانية التي
يقاطعها متظاهرو الحراك الشعبي المؤيد للديمقراطية، مؤكدة أن القمع المكثف
والممنهج من طرف السلطات لدليل واضح على فشل النظام في تسيير أمور البلاد وعدم
قدرته على إيجاد حل للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع
الجزائري.
ودعا قائد أركان الحيش الجزائري (سعيد شنقريحة)، إلى
إفشال مخططات التشويش التي تستهدف التأثير على مجريات العملية الانتخابات النيابية،
وأشار إلى إن الجيش سيسهر على تأمين وضمان السير الآمن للعملية الانتخابية من أجل
تمكين المواطنين من التعبير عن أصواتهم في جو يشوبه الهدوء والاستقرار، مؤكدا في
نفس الوقت أن المواطن الجزائري قد أصبح أكثر وعيا من أي وقت مضى ولا يمكن تغليطه
ودفعه إلى متاهة المخاطر بحيث سيكون صدا أمام كل المخططات التي تستهدف البلاد، وقد
قوبلت تصريحات(سعيد شنقريحة) بالعديد من الانتقادات من طرف ناشطي الحراك والصحفيين
الذين أكدوا أن أحوال الجزائر لن تستقيم في ظل الخطابات التي زالت ترددها القيادات
العسكرية، منتقدين تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، مؤكدين في نفس الوقت
على ضرورة تحقيق أولى مطالب الحراك وهي دولة مدنية لا عسكرية قبل الذهاب لأي مسار
ديمقراطي انتقالي.
وتجرى
الانتخابات البرلمانية الجزائرية على أساس نظام انتخابي جديد، بعد تعديل قانون
الانتخاب، حيث يمنع كل من سبق أن تولى عهدتين برلمانيتين من الترشح، كما تم إقرار
نمط انتخابي يعتمد على القائمة المفتوحة التي تسمح للناخب بترتيب المترشحين داخل
القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما
هي، وفق ترتيب الحزب دون إمكانية التصرف فيه، إذ لا يستطيع الناخب أن يصوت لأكثر
من قائمة أو أن يصوت لقائمة معينة أو لمرشحين في قائمة أخرى، فعلى الناخب اختيار قائمة واحدة،
ثم وضع إشارة بجانب أسماء المرشحين الذين اختارهم بما يتناسب مع عدد المقاعد
البرلمانية المخصصة لولايته، ويعمل
أكثر من نصف مليون شخص في تسيير عمليات التصويت، حسب إجراءات السلطة الوطنية
المستقلة للانتخابات
وجرت الانتخابات في موعدها المحدد أمام
(24) مليون جزائري يحق لهم التصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي تجرى
لاختيار (407) نائب في المجلس الشعبي الوطني أو ما يعرف بالغرفة الأولى، ويتنافس في هذه الانتخابات(23054) ألفا
مرشحاً، وبلغ عدد المرشحات (5744) امرأة، وصرح الرئيس الجزائري (عبدالمجيد
تبون)عقب الإدلاء بصوته (بأن نسبة المشاركة لا تهم، بقدر ما يهم التمثيل الحقيقي
للأعضاء الجدد للبرلمان للذين صوتوا عليهم، والاضطلاع بالسلطة التشريعية، في إطار
إرساء المؤسسات الجديدة وإحداث التغيير المنشود)، وأضاف (أن من قاطعوا الانتخابات
أحرار في ذلك، لكن ليس من حقهم أن يفرضوا موقفهم على غيرهم، مشددا على أن هذه
الانتخابات لبنة ثانية في التغيير وفي بناء جزائر ديمقراطية).
وتميزت
تلك الانتخابات بأعمال عنف في منطقة القبائل شرق العاصمة، إذ أغلق معارضو
الاستحقاق عشرات مكاتب الانتخاب، وسعى ناشطون إلى حرق صناديق الاقتراع، وقال مسؤول
السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بولاية تيزي وزو إن مواطنين رافضين للانتخابات
أغلقوا بالقوة (86) مركز انتخاب، وأن مواجهات وقعت في بلديات ناطقة بالأمازيغية
داخلة محافظة البويرة، عندما حاول متظاهرون منع العملية الانتخابية، كما شهدت ولاية
بجاية إفراغ عشرات مكاتب الانتخاب من أوراق التصويت ورميها في الشوارع، وتعد منطقة
القبائل من المناطق المتمردة التي تطالب بالاستقلال، ويغيبون دوما عن المواعيد
الانتخابية، كما أن الأحزاب ذات الانتشار الواسع في هذه المنطقة تقاطع الانتخابات
بذريعة أنها لا تستجيب لمطلب التغيير الجذري الذي يرفعه الحراك الشعبي.
وأعلنت
الهيئة المشرفة على الانتخابات، أن نسبة التصويت بلغت (30.2%) مقارنة بالانتخابات
التشريعية التي جرت في عام 2017 في عهد (عبدالعزيز بوتفليقة) التي كانت نسبة
المشاركة (35.37 %)، وافرزت تلك الانتخابات عن هيمنة الأحزاب التقليدية وصعود
المستقلين، إذ حصل حزب جبهة التحرير الوطني في الانتخابات على (105) مقاعد من أصل
407، بينما حصل المرشحون المستقلون على(78) مقعدا، اما حزب حركة مجتمع السلم
الإسلامي على (64) مقعدا، وحصل حزب التجمع الوطني الديمقراطي على (57) مقعدا، في
حين حصل حزب جبهة المستقبل على (48) مقعدا، وحزب حركة البناء الوطني على(40) مقعدا،
أما جبهة الحكم الرشيد فحصلت على(3) مقاعد، مقابل مقعدين كل من لجبهة العدالة
والتنمية، وحزب الحرية والعدالة وحزب الفجر، ومقعد واحد كل من جبهة الجزائر
الجديدة وحزب الكرامة وحزب جيل جديد.
وفي هذه
الانتخابات شهدت صعود الشباب بنسبة (34%)، فضلا عن نسبة كبيرة من حاملي الشهادات
الجامعية (305) مقعدا أي (75%)، إلا أنه في المقابل شهد تراجع كبيرا في تمثيل
النساء الذي لم يتعدى نسبة (8%) من المقاعد مقارنة في الانتخابات السابقة بنسبة
(26%) انتخابات عام 2017، ويعود هذا التراجع إلى عوامل عديدة منها الظروف
الاجتماعية والاقتصادية، لكن أبرزها قانون الانتخابات الذي الغى مبدأ الكوتا التي
كان يقضي بتخصيص نسبة(30%) من قوائم للترشيحات النساء، واستبدل بمبدأ المناصفة بين
الرجل والنساء في الترشيحات.
وأن ترجع
نسبة المشاركة الشعبية الضعيفة في الانتخابات بسبب عدم قناعة المجتمع الجزائري
بالنظام السياسي، نتيجة الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، فضلاً عن عدم ثقة
الشعب بالعملية الانتخابية، إضافة إلى التزوير والرشوة والفقر والبطالة، وكذلك عدم
ايمان المواطن الجزائري بالانتخابات كوسيلة سلمية للتداول السلمي للسلطة، الأمر
الذي قاطع نشطاء الحراك الجزائري ومجموعة من الأحزاب، وعلى رأسها الأحزاب اليسارية
التي تنضوي تحت لواء تكتل البديل الديمقراطي والتي تضم حزب العمال والاتحاد الديمقراطي
الاجتماعي الاشتراكي والحركة الديمقراطية الاجتماعية والتجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية، وأكدت
الفئة الرافضة لتنظيمها أن الانتخابات ستكون فاشلة وأن البرلمان الذي سيتولد عنها
هو برلمان صوري سيكون أداة بيد النظام، كما اعتبرت إجراء الانتخابات بنفس الطريقة
والأسلوب في عهد النظام السابق ستساهم في تعميق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد
منذ الإطاحة بنظام (عبد العزيز بوتفليقة).
وأن
المواطن الجزائري يرى بأن الانتخابات عديمة الجدوى، ولا يمكن أن تشكل أداة لإحداث
التغيير السياسي، كما أنه لا يثق بالأحزاب القائمة، لكون تلك الأحزاب تدين بالولاء
للسلطة وتخلو من البرامج الوطنية، الأمر الذي انعكس على ازمة الشرعية في البلاد،
ومن المعروف أن لكل حزب هناك مناصريه لذلك فأن الأحزاب المشاركة في الانتخابات هي
نفسها قبل الحراك الشعبي، وبطبيعة الحال المناصرون سيصوتون لأحزابهم، وبالتالي
كانت النتيجة هي ضعف الأقبال ووصول الأحزاب التقليدية إلى سدة الحكم، إذ بقى حزب
جبهة التحرير الوطني هو المتصدر في تلك الانتخابات ومع ذلك فأنه لم يحصل على
الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة، لكن ما يميز تلك الانتخابات هو
حصول المستقلون على المرتبة الثانية بعدد من المقاعد وهي سابقة في تاريخ الجزائر
بعد الإصلاحات السياسية والدستورية عام 1989.
ولم
يتأخر الرافضون للانتخابات في التعبير عن موقفهم إذ خرجت مسيرات شعبية في بعض
المناطق الجزائرية بعد اعلان نتائج الانتخابات، وأكدوا الرافضون للعملية
الانتخابية أن تلك الانتخابات ما هي إلا مسرحية، واتهمت السلطة والمؤسسة العسكرية بتضخيم
الانتخابات، وهذا يدل على أن أغلب الجزائريين يرفضون مسار السلطة، إذ صوت (5.583.082)
من بين 24 مليونا ونصف مليون مسجلون على اللوائح الانتخابية، بينما بلغ عدد
الاصوات الملغاة(1.022.959) صوتاً، فضلا عن المقاطعة في الخارج إذ لم يصوت إلا (42.252)
ألفا من حوالي مليون مسجل.