هل تتحول إيران حقًا من ثيوقراطية إسلامية إلى استبداد عسكري؟
أثارت
التطورات الأخيرة في النظام السياسي الإيراني اهتمامًا كبيرًا بين الباحثين في
الغرب، الذين ناقشوا التأثير المتزايد للحرس الثوري في السياسة وعملية عسكرة
الدولة الإيرانية؛ فبعد انتخاب قاليباف رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي(البرلمان)
وعلى خلفية الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الإيرانية، أثار الكاتب احتمالية انتقال
السلطة السياسية في إيران من مرتدي العمامة (رجال الدين) إلى القادة العسكريون،
وأن المرحلة التالية من استيلاء الحرس الثوري الإيراني على الحكومة قد تأتي
بانتخاب مرشح معروف منهم كرئيس للجمهورية، وعليه، تم تقديم ترشيح دهقان المحتمل
كتعبير عن عسكرة الرئاسة الإيرانية وحقيقة أن الحرس الثوري الإيراني بات في موقع
قطبي لتولي رئاسة إيران.
ومما لا
شك فيه أن مكانة الحرس الثوري في إيران تعززت خلال العقود الأخيرة؛ حيث يلعب الحرس
الثوري الإيراني اليوم دورًا مهمًا في النظام السياسي الإيراني، وكذلك في الاقتصاد.
وعلى الرغم من الإرادة السياسية للمرشد الأعلى آية الله روح الله الخميني، لمنع
القوات المسلحة من التدخل في الحياة السياسية، استمرت المشاركة السياسية للحرس
الثوري الإيراني بل وزادت، في أعقاب أعمال الشغب الطلابية التي اندلعت في طهران في
يوليو 1999؛ حيث وقع عشرات من ضباط الحرس الثوري رسالة إلى الرئيس محمد خاتمي آنذاك
، يحذرونه من نفاد صبرهم ، وطالبوه باتخاذ خطوات فورية وقوية لقمع التظاهرات.
ومنذ ذلك
الحين، واصل الحرس الثوري الإعراب عن دعمه لترشيح السياسيين المتشددين المخلصين
لقيم الثورة الإسلامية؛ حيث كان تعيين محمد علي الجعفري قائداً للحرس الثوري عام
2007 بمثابة مرحلة مهمة في زيادة انخراط الحرس الثوري في السياسة، وهو ما اتضح في
تشديد الجعفري خلال خطاب ألقاه في سبتمبر 2007 على أن الحرس الثوري ليس تنظيمًا
عسكريًا أحادي البعد، ومهمته حماية الثورة وإنجازاتها من الأعداء المحليين. أما
فيما يتعلق برئاسة روحاني، فرددت شخصيات بارزة في الحرس الثوري انتقادات لسياسة
الرئيس، على خلفية انتقادات روحاني الهادفة للحد من تأثير الحرس الثوري في السياسة
والاقتصاد. في خطاب ألقاه في جامعة الإمام الصادق في طهران في ديسمبر 2013 ، أعرب علي
الجعفري عن تحفظاته على النفوذ الغربي المتزايد في إدارة شؤون البلاد. بالإضافة
إلى ذلك، أشار ضمنيًا إلى تصريحات روحاني بشأن ضرورة إبعاد الحرس الثوري عن
السياسة، وادعى أنه نظرًا لأن أكبر تهديد للثورة الإسلامية في الساحة السياسية،
فإن الحرس الثوري الإيراني ملتزم بالدفاع عن إنجازات الثورة؛ حيث لا يمكن أن يبقى صامتا في وجه هذا التهديد.
وفي غضون
ذلك، واصل الحرس الثوري الإيراني توسيع مشاركته الاقتصادية، بشكل أساسي من خلال
شركة خاتم الأنبياء البناء التابعة له. في أواخر ديسمبر 2016، أعلن حسين دهقان
وزير الدفاع آنذاك أن هذه المؤسسة تنفذ حاليًا عشرات المشاريع الاقتصادية المركزية
على المستوى الوطني في مجالات النفط والغاز والنقل والسدود وتوزيع المياه
والاتصالات، في حين أن رفع العقوبات الاقتصادية عقب توقيع الاتفاق النووي في صيف
2015 أتاح فرصة لدخول الشركات الأجنبية في الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي كان يمكن
أن يهدد المصالح الاقتصادية للحرس الثوري، وعادوا إلى العمل بعد انسحاب الرئيس
ترامب من الاقتصاد الإيراني.
كما
انعكست مشاركة الحرس الثوري في إدارة شؤون البلاد مؤخرًا في أزمة فيروس كورونا،
فعلى غرار حالات الطوارئ السابقة مثل الكوارث الطبيعية، تميزت هذه الأزمة أيضًا
بالمشاركة المتزايدة للحرس الثوري في إجراءات احتواء تفشي المرض وتقديم المساعدة
للمتضررين، على سبيل المثال عن طريق تطهير الشوارع وإنشاء المستشفيات وتنفيذ
فحوصات كوفيد. - 19 وتوريد معدات طبية ولوجستية وقوى عاملة. لذا، يمكن القول أن المشاركة
المتزايدة للحرس الثوري، أحد الموارد الكبيرة المتاحة، فضلاً عن ضروريتها له ليس
فقط من أجل ضمان المصالح الاقتصادية للتنظيم، ولكن أيضًا للحفاظ على القوة
السياسية في ميزان القوى الداخلي في إيران، خاصًة في ظل منافسة روحاني لتحسين
صورته العامة وتعميق تغلغله في المجتمع بما يخدم المصالح الأمنية المتعلقة
باستقرار النظام.
لكن رغم
هذه التطورات، فإن العلاقة المتبادلة بين الحرس الثوري والدولة الإيرانية والنظام
السياسي أكثر تعقيدًا وتتطلب فحصًا مستنيرًا ورصينًا، وهو ما يمكن توضيحه فيما
يلي:
أولاً: استمر الجدل الأكاديمي حول عسكرة النظام السياسي
الإيراني لأكثر من عقد، خاصًة منذ انتخاب أحمدي نجاد رئيساً في عام 2005، فرغم أن
أحمدي نجاد لم يكن على ما يبدو عضواً رسمياً في الحرس الثوري الإيراني، وعمل
كمتطوع في ميليشيا الباسيج إبان الحرب الإيرانية العراقية، يُعتبر من أقرب حلفاء
الحرس الثوري. بعد انتخابه عام 2005، ادعى خصومه السياسيون أن الحرس الثوري
الإيراني والباسيج قد لعبوا دورًا مركزيًا في انتخابه، وقد كافأ أحمدي نجاد بنفسه
التنظيم بتعيين شخصيات سابقة في الحرس الثوري الإيراني كوزراء.
وأدى فوز أحمدي نجاد المثير للجدل في
انتخابات عام 2009 وأعمال الشغب التي اندلعت في أعقابها إلى تعزيز مزاعم الدور
المتزايد الأهمية للحرس الثوري الإيراني في السياسة الإيرانية؛ حيث صوّر عدد قليل
منهم الانتخابات على أنها انعكاس لـ "ثورة صامتة" أبعدت إيران عن
مُثُلها الثيوقراطية والجمهورية الثورية، بل واتجهت لتكون دولة أمنية عسكرية. لكن
الخلافات التي استجدت في أبريل 2011 بين أحمدي نجاد والمرشد الأعلى إثر رفض خامنئي
قبول استقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي سرعان ما تحولت إلى أزمة سياسية حادة بين
القيادة الإيرانية، وانتهى أحمدي نجاد رئاسته معزولًا، بعد عامين من صراعات غير
مسبوقة على السلطة بين المستويات السياسية العليا.
ثانيًا؛ تتطلب مناقشة عسكرة السياسة الإيرانية التمييز بين
محاولات كبار القادة في القوات المسلحة للتأثير على السياسة، على سبيل المثال من
خلال الدعم العام للمرشحين المتشددين في الحملات الانتخابية، ودمج الضباط السابقين،
داخل النظام السياسي، والذي يعكس بشكل أساسي التغييرات في تكوين النخبة السياسية
الإيرانية. منذ
الثورة ، وحتى بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية (1988) وموت الخميني (1989) شهدت النخبة السياسية تغييرات انعكست جزئيًا في
الوجود المتزايد في السياسة لأعضاء سابقين داخل القوات المسلحة، وخاصة الحرس الثوري
الإيراني، الذي يعتبر التنظيم العسكري المركزي والقيادي في إيران. يمكن تفسير هذا
الاتجاه بأن القوات المسلحة أصبحت وسيلة مركزية للتعبئة الاجتماعية والسياسية، كما
هو الحال في دول أخرى في الشرق الأوسط، وتأتي هذه العملية بالتوازي مع انخفاض
مستمر في عدد رجال الدين الممثلين في المؤسسات السياسية المنتخبة من قبل الجمهور.
على سبيل المثال، انخفض عدد رجال الدين في المجالس من 164 في المجلس الأول
(1980-1984) إلى 153 في المجلس الثاني (1984-1988)، إلى 16 فقط في المجلس العاشر (2016-2020)
و 31 في المجلس الحالي.
علاوة على ذلك، لا يمثل القادة الكبار
السابقون الذين يدخلون السياسة بالضرورة المصالح الخاصة للقوات المسلحة والحرس
الثوري؛ حيث زعمت صحيفة "شرق" الإصلاحية مؤخراً، أن بعض المرشحين
المحتملين للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة لا يمكن الإشارة إليهم على أنهم
شخصيات عسكرية، مثل محسن رضائي ومحمد باقر قاليباف وعلي شمخاني وحسين دهقان ، في
محاولة لتعزيز صورتهم العامة.
ثالثًا: يشير الكاتب إلى أن لا توجد فرص عسكرة حقيقية لإيران
طالما استمر المرشد الأعلى خامنئي في تولي زمام السلطة، لقد أصبح الحرس الثوري
بالفعل أقوى في ظل خامنئي، الذي يحتاج إلى الحرس من أجل ضمان استقرار نظامه، وبالمقابل
يحتاج الحرس الثوري إليه أيضًا كمصدر للشرعية. وعليه، يمكن للحرس الثوري الاستمتاع
بأفضل ما في العالمين، كمنظمة تحافظ على مسافة من أعمال الحكومة وتتدخل فقط عندما
يكون ذلك ضروريًا، لأنه إذا كان على الحرس الثوري الإيراني إدارة شؤون البلاد
اليومية، فسيتعين عليهم تنفيذ تعديلات وتسويات يمكن أن تقوض من سيطرتهم الثورية. ولكن
يمكن أن يؤدي موت خامنئي إلى تسريع عملية عسكرة الدولة الإيرانية ، وحتى تمهيد
الطريق للانتقال إلى نموذج بديل للحكم وتحويل إيران إلى استبداد عسكري.
ثالثًا – نحو نهاية عهد
خامنئي
يمكن أن
يؤدي موت خامنئي إلى تسريع عملية عسكرة الدولة الإيرانية، وحتى تمهيد الطريق
للانتقال إلى نموذج بديل للحكم؛ ففي هذه الفترة لا يتمتع الحرس الثوري بمكانة
سياسية مستقلة، بل يحتاج إلى المرشد الأعلى ويخضع له، لكن هذا قد يتغير في
المستقبل. فمن الممكن أن يحاول الحرس الثوري في المرحلة الأولى تعزيز نفوذه
المباشر على القائد القادم ويسعى إلى نوع من الحكومة المزدوجة القائمة على زعيم ديني
يتمتع بسلطات محدودة ورئيس عسكري من صفوف الحرس الثوري الإيراني. يمكن أن تتطور
مثل هذه الحكومة فيما بعد إلى حكم استبدادي من قبل قائد عسكري فقط. والجدير
بالذكر، أن إيران شهدت بالفعل عملية مماثلة عندما حكم مؤسس سلالة بهلوي، ضابط
الجيش رضا خان ، بدءًا من عام 1921 كرئيس للوزراء في عهد أحمد شاه ، حتى أطاح به وأعلن نفسه شاهًا في
عام 1925 وبالنظر إلى أزمة شرعية النظام الإسلامي في إيران والتآكل المستمر لمكانة
رجال الدين، فليس من الواضح ما إذا كان الحرس الثوري سيحتاج إلى المرشد الأعلى مع
مرور الوقت من أجل الحصول على الشرعية الدينية أم لا.
وفي هذا
السياق، يمكن أن يكون لسيطرة الحرس الثوري على النظام السياسي الإيراني آثار بعيدة
المدى على السياسة الداخلية والخارجية للدولة؛ فالعديد من الأعضاء السابقين في
الحرس الثوري الإيراني، وخاصًة أولئك الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية،
والذين نشأوا في إيران ولم يكن لديهم أي خبرة تقريبًا في التعليم والتأثير
الغربيين، تم ربطهم بالفصيل المتشدد الجديد، ويدعون إلى العودة إلى قيم الثورة الإسلامية التي تم
تهميشها في نظرهم خلال رئاسي أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) ومحمد خاتمي
(1997-2005). وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فهم يتبنون في كثير من الأحيان نهجًا
متشددًا وقوميًا متطرفًا ومتحديًا للغرب، استنادًا إلى نظرة عالمية ترى أن الغرب
في طور الانحدار ، وأن على إيران تطبيق سياسة قوية في السعي لتحقيق النفوذ وحتى
القوة الدولية. ويؤكد الكاتب على أن هذا الموقف قد يؤثر في القضايا الخارجية
المركزية، بما في ذلك البرنامج النووي، والتطلعات الإيرانية في المنطقة، ونهجها
تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في العالم العربي وإسرائيل. ومع ذلك، لا
ينبغي النظر إلى الأعضاء السابقين في الحرس الثوري الإيراني والحرس الثوري ككل على
أنهم كتلة متجانسة؛ حيث ينتمي أعضاء الحرس الثوري إلى خلفيات سياسية واجتماعية
واقتصادية مختلفة ومتنوعة، وبالتالي فهم يمثلون أيضًا مجموعة من الآراء السياسية
المختلفة أيضًا
في
النهاية: يمكن القول أن مستقبل السياسة الإيرانية يعتمد على عوامل إضافية، بما في
ذلك العلاقات بين إيران والغرب، والدوافع الاجتماعية والديموغرافية، والوضع
الاقتصادي، كل هذا يؤثر على العلاقات المتبادلة بين الحرس الثوري والنظام السياسي،
وطبيعة الجمهورية الإسلامية فيما بعد
خامنئي.
Raz Zimmt, Is Iran Really Turning from Islamic
Theocracy to Military Autocracy?, The Institute for National Security Studies, Policy
Analysis | Volume 24 | No. 2, April 2021,
available at https://strategicassessment.inss.org.il/en/articles/is-iran-really-turning-from-islamic-theocracy-to-military-autocracy/ .