المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
آية حسين محمود
آية حسين محمود

دور الحروب الالكترونية في الصراع الإيراني الإسرائيلي (2006- 2017)

السبت 21/نوفمبر/2020 - 08:15 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

"عدو عدوي صديقي "، تلك هي استراتيجية كلاً من إيران وإسرائيل، فعلي الرغم من  أن الصراع بين إيران وإسرائيل صراع من قديم الأزل إلا أن هناك علاقات سرية في العديد من المجالات خاصة المجالات العسكرية حيث يتم إمداد إيران بالأسلحة من قبل كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل، ومن الممكن أن يكون هذا التعاون السري نتيجة للهدف الواضح في إستراتيجية  إيران وإسرائيل وهو معاداة المنطقة الإسلامية و الدول العربية .

  هناك تحولات كثيرة في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، حيث رغم وجود تعاون خفي إلا أن  تطور العداء بينهم جلي، ولم يكتفي كلا الطرفين بالصراع بالأسلحة ودعم الأطراف المعادية لكلاً منهم بل وصل الصراع بينهم إلي الصراع في الفضاء الإلكتروني عن طريق الأقمار الصناعية وحرب الفيروسات.

  الحرب الإلكترونية المتبادلة بين إيران و إسرائيل حرب لا تخضع لأي قوانين؛ تلك الحرب من الممكن أن تكون حرب مباشرة أو غير مباشرة تقوم بها الوحدة الإسرائيلية 8200 ضد الجيش الإلكتروني الإيراني.

أهمية الدراسة

الأهمية  العلمية:

                تكمن الأهمية العلمية للدراسة في عدم وجود دراسات عربية كافية تناولت دور الحرب الإلكترونية في الصراع الإيراني الإسرائيلي.

الأهمية العملية:

                تتمثل الأهمية العملية للدراسة في تحليل الجوانب المختلفة للهجمات الإلكترونية المتبادلة بين إيران وإسرائيل والطرق و الإجراءات المختلفة التي يتم إستخدامها لردع الهجمات في الفضاء الإلكتروني.

المشكلة البحثية:

تتمثل المشكلة البحثية للدراسة في طبيعة العلاقات الإيرانية و الإسرائيلية المتذبذبة بين الصراع البين والتعاون الخفي بين كلاً منهما، بالإضافة إلي الدور الذي تلعبه الحروب الإلكترونية بواسطة الأقمار الصناعية وحرب الفيروسات في الصراع بين الدولتين، ومن ثم فإن التساؤل الرئيسي للدراسة تتمثل في ما هو دور الحرب الإلكترونية في الصراع الإيراني الإسرائيلي؟.

التساؤلات الفرعية:

1-               ما هو تاريخ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية؟

2-               لماذا يتم التعاون الخفي بين إيرن و إسرائيل؟

3-               ما هي القدرات الإلكترونية لكلاً من إيران و إسرائيل؟

4-               ما هي وسائل الردع للهجمات الإلكترونية المتبعة من قبل إيران و إسرائيل؟

الإطار الموضوعي:

الإطار الزمني:

  تم إختيار بداية الدراسة من عام 2006 حيث الحرب بين إسرائيل و لبنان والمساعدات الإلكترونية التي قدمتها إيران لحزب الله اللبناني المعادي لإسرائيل لإستخدامها في تلك الحرب، أما نهاية الدراسة عام 2017 حيث التطورات الإلكترونية الهجومية من أقمار صناعية وحرب الفيروسات التي إستخدمتها كلاً من إيران وإسرائيل لمهاجمة الفضاء الإلكتروني لبعضهما البعض.

الإطار المكاني:

  تم إختبار مكان الدراسة في إيران و إسرائيل كلتا الدولتين تعدان وجهان لعملة واحدة فرغم الصراع هناك تعاون خفي و رغم التعاون هناك صراع وهذا الصراع في تطور مستمر حتي أصبح صراع في الفضاء الإلكتروني الذي يشتد يوم بعد يوم بسبب التقنيات المتطورة التي يتم إستخدامها في إيران و إسرائيل.

الإطار المفاهيمي:

                يتمثل الإطار المفاهيمي في المفاهيم والمصطلحات التي يستعين بها الباحث لتحليل وفهم الدراسة ومن المفاهيم المحورية لتلك الدراسة:  مفهوم الحرب الإلكترونية، الأمن القومي، الفضاء الإلكتروني.

الأمن القومي: (1)

يعرف والتر ليبمان الأمن القومي علي أنه: "القوة العسكرية للدول، والتي تضمن لها عدم تضحيتها الكاملة بجميع مقدراتها تجنبًا لويلات الحروب، مع قدرتها وإمكانيتها على حماية نفسها عسكريًا إن اقتضت الضرورة ".

  كما يعرفه هنري كيسنجر بأنه: "حماية مقدرات الشعوب من أجل حفظ حقها في البقاء"

الحرب الإلكترونية: (2)

                هي حرب تخيلية أو إفتراضية ذات طبيعةٍ غير ملموسة، تحاكي الواقع  بشكلٍ شبه تام وهي حرب بلا دماء بحيث تتلخص أدوات الصراع فيها بالمواجهات الإلكترونية، والبرمجيات الّتقنية، وجنود من برامج التخريب المحوسبة، وطلقاتٍ من لوحات المفاتيح  ونقرات المبرمجين في بيئةٍ إصطناعيةٍ تحاول ما أمكن الوصول إلى صورةٍ حقيقيةٍ لملامح الحياة المادية والملموسة.

الفضاء الإلكتروني: (3)

                يمكن وصف الفضاء الإلكتروني  بأنه عالم افتراضي يتشابك مع عالمنا المادي، يتأثر به ويؤثر فيه بشكل معقد حيث تقوم العلاقة بين العالمين على نظرة تكاملية تحمل بين طياتها مزايا ومخاطر لا تتوقف.

منهج الدراسة:

                تستخدم الدراسة منهج المصلحة الوطنية حيث يعتبر المنهج أن الهدف الأساسى للدولة هو تحقيق المصلحة الوطنية ، وعلى هذا الأساس أنصار هذا المنهج يركزون فى دراسة العلاقات الدولية على كل مايتعلق بالمصلحة الوطنية ، وهى تتضمن الاستمرارية بمعنى المصالح. (4)

تقسيم الدراسة:

تم تقسيم الدراسة إلي فصلين، حيث يتناول الفصل الأول تاريخ العلاقات المتحولة بين إيران و إسرائيل و يشمل مبحثين المبحث الأول يعرض تاريخ العلاقات قبل الثورة الإيرانية (عهد الشاه) أما المبحث الثاني يناقش العلاقات بعد الثورة الإيرانية؛ أما الفصل الثاني يتضمن دور الحرب الإلكترونية في الصراع الإيراني الإسرائيلي ويشمل مبحثين المبحث الأول يعرض القدرات الإلكترونية لكلاً من إيران و إسرائيل، والمبحث الثاني يعرض أمثلة للهجمات الإلكترونية المباشرة والغير مباشرة التي شنتها كلاً من إيران و إسرائيل تجاه بعضهم البعض.

دور الحروب الإلكترونية في الصراع الإيراني الإسرائيلي (2006-2017)

المحور الأول: تاريخ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية

        في هذا الفصل يوضح الباحث تاريخ العلاقات بين الدولتين و العوامل التي تؤدي إلي دفع كلاً من إيران و إسرائيل إلي التعاون السري رغم كل الإختلافات الفكرية والمذهبية بينهما.

أولاً: تاريخ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية قبل الثورة الإيرانية (عهد الشاه).

        كانت الاستراتيجية الإسرائيلية تعتمد على تجاوز المحيط العربي المعادي لها بإقامة تحالفات مع المحيط الأبعد الذي يعادي أيضاً المحيط العربي نفسه، أو بأسوأ الأحوال لا يقيم صداقة معه: إيران، تركيا، إثيوبيا. وقد وجدت أن موقع إيران في هذا المحيط شديد الأهمية لمصالحها بسبب إختلافها المذهبي ومنازعة العرب على الخليج وشط العرب، وكان الشاه يحاول أن يقيم توازناً دقيقاً بين علاقاته العربية وبين علاقته مع إسرائيل، التي كان يعتبر وجودها كدولة غير عربية موالية للغرب يعزز أمنه.

        في المرحلة الأولى كانت العلاقة سرية بين الشاه وإسرائيل، وكان حريصاً على أن يبقي العلاقة بينه شخصياً وبين مسؤولين إسرائيليين غير مباشرين خارج نطاق وزارة الخارجية الإيرانية، مع أن إسرائيل ضغطت بشدة عليه للاعتراف بها وتحويل العلاقة إلى علنية وسربت من أجل ذلك أخباراً إلى الصحافة، إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً الاعتراف بوجودها كدولة، مؤثراً عدم استفزاز جيرانه العرب. لكن العلاقة ما لبثت أن تطورت بسبب نشاط الطائفة اليهودية الإيرانية. في تلك المرحلة قدّم الشاه لإسرائيل خدمات من خلال تسهيل هجرة اليهود الإيرانيين والعراقيين إليها عبر الخط التركي، في الوقت الذي كانت فيه بأشد الحاجة إلى تعديل الميزان الديموغرافي المائل بوضوح إلى الجانب الفلسطيني، وبالمقابل دعمته في الأوساط السياسية الأمريكية والغربية عامة.(5)

        تطورت العلاقة شيئاً فشيئاً، وقويت أكثر أواخر الستينات وأوائل السبعينات عندما نشب النزاع بين الشاه وبين العراق حول شط العرب، فاستفاد الشاه من التقدم التقني والعسكري الإسرائيلي، وتوصلت إسرائيل إلى إيجاد بعثة إسرائيلية غير معلنة في طهران تشرف على بعثات الضباط الإيرانيين إليها للتدريب العسكري، وإستقبال الضباط الإسرائيليين لتدريب أجهزة الأمن الإيرانية (السافاك) على كيفية إستجواب المعارضين لحكم الشاه والمتهمين جرى كل ذلك بسرية، حتى إن الشاه أبقى زيارات مسؤوليه طي الكتمان، وكانت إسرائيل تراعي عدم إحراجه فلا تختم جوازاتهم عند دخولهم إليها أو خروجهم تاركة الختم التركي وحده عليها. أما البعثة الإيرانية في إسرائيل فـكمثيلتها الإسرائيلية، مثّلت سفارة غير رسمية حملت اسماً رمزياً للتمويه وإبعاد النظرعن إيرانيتها.(6)

        نشبت أزمة غير متوقعة بين الشاه ومصر في عهد عبد الناصر، بسبب تصريح للشاه يعلن فيه إعترافه بإسرائيل، اشتد بعدها توتر العلاقات بينه وبين الدول العربية ولا سيما الخليجية منها. وخاف الشاه من هجوم عراقي بدعم مصري تسهله دول الخليج، فمتن التحالف مع إسرائيل ونسق معها عسكرياً، ولم يهدأ التوتر إلا بعد مجيء السادات وبروز علاقته الغربية وابتعاده عن السوفييت وارساله إشارات إيجابية إلى الشاه. وبعد توقيع معاهدة الجزائر مع العراق لتقاسم مياه شط العرب، شعر الشاه بأهمية علاقته مع جيرانه العرب فبدأت علاقته بإسرائيل تضعف واقتصرت على تنمية ترسانته العسكرية والاعتماد عليها في تحقيق الطموح الإيراني للسيطرة على المنطقة.(7)

        واستمر الشاه في محاولة بناء قوة إيرانية مستقلة، إحتاج من أجلها إلى صواريخ أرضأرض لدعم ترسانته العسكرية ولمواجهة صواريخ سكود العراقية. لكنّ إدارة كارتر رفضت طلبه، فاقترحت تل أبيب تعاوناً يوظّف الأموال الإيرانية والمعرفة التكنولوجية الإسرائيلية في تطوير الصواريخ. ووقّع الطرفان على مشروع «الزهرة» في نيسان 1977، إلى جانب خمسة عقود أخرى لشراء النفط مقابل السلاح  وستضخه إيران من جزيرة خرج الخليجية. كما بنت إسرائيل منشأة لتجميع الصواريخ وسط إيران الجنوبي. وللحفاظ على العلاقة الإيرانية مع العرب طلب الشاه تطمينات بعدم استعمالها إسرائيلياً ضد أية دولة عربية، ووافق بيجين على طلبه معللاً بسعيه الجاد لسلام معهم. وكان هذا التعاون من أهم الأسباب التي أدت إلي الثورة الخمينية 1979م.(8)

ثانياً: تاريخ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية بعد الثورة الإيرانية.

        بدأ العهد الجديد بسياسات مناقضة تماماً لسياسة الشاه، ولا سيما علاقته بالغرب وإسرائيل. فتم طرد البعثة الإسرائيلية من طهران واقتحم الثوار مكتبها وأحرقوه، وقطعت حكومة بازر كان كافة العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك مبيعات النفط والرحلات الجوية، ورأى الثوريون المتدينون بأن إسرائيل مغتصبة لأرض إسلامية والواجب الديني يفرض على كل مسلم محاربتها، أما الثوريون اليساريون فكان موقفهم مشابهاً للمتدينين من خلال رؤيتهم لإسرائيل على أنها المخفر الأمامي للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط.(9)

        وبعد نشوب الخلاف الإيراني العراقي، كان الجيش الإيراني في حالة من الفوضي والإضطراب ونقص في الأسلحة، علاوة علي ذلك أن إيران كانت محاطة بكافة أعدائها في منطقتها الجيوسياسية حيث في الشمال والشمال الشرقي قوة عظمى (الاتحاد السوفييتي) يبغضها الخميني بالإضافة إلي باكستان، وفي الغرب العدو العراقي، أما الجنوب فدوله (دول الخليج العربي) والدولة العربية الأهم في نظر الخميني (مصر) التي كان يبغضها بسبب توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.(10)

        وقد كانت إيران في أمسّ الحاجة إلي الأسلحة، وفي الوقت ذاته كانت إسرائيل حريصة كل الحرص على علاقاتها معها، لتعيد ما وصلت إليه أيام الشاه من مراتب متقدمة، ولأن سياسييها مازالوا يؤمنون بالمبدأ المحيطي كإستراتيجية حامية لها من العداء العربي؛ وساعدتها العزلة المفروضة على إيران بعد إحتجاز الدبلوماسيين الأمريكان كرهائن في طهران وتجميد أرصدتها المالية، فاستغلت الحاجة الإيرانية وتجاهلت الخطاب الإيراني العنيف تجاهها، فإيران بالنسبة لإسرائيل وقتئذ شريك طبيعي في مواجهة التهديد العراقي؛ في هذه الظروف أرسلت إسرائيل رسالة لسياسي الثورة الإيرانية تفيد بإمكانية مساعدتها في تحسين علاقتها بالأمريكيين ودعمها عسكرياً وفك العزلة الدولية عنها. ردّت إيران بترحيب حذر. وهكذا أعيد فتح القنوات الإسرائيلية الإيرانية مجدداً. و عادت القنوات الدبلوماسية عن طريق وسطاء وعن طريق شخصيات إما إسرائيلية من يهود إيران وإما غربية مقربة من الجانبين.(11)

        وأعلنت إيران في وسائل إعلامها بأشكال مختلفة رغبتها في إقامة أفضل العلاقات مع أمريكا، و أسف الرئيس الإيراني خاتمي بنفسه لحادث الاستيلاء على السفارة الأمريكية بطهران وحرق العلم الأمريكي (كتقليد في المظاهرات الإيرانية). رد الأمريكان على التحية بأحسن منها وأسفت أولبرايت وزيرة خارجية كلينتون للانقلاب الذي دبّرته CIA ضد محمد مصدق عام 1953، واقترحت خريطة طريق لتقارب أمريكي إيراني، كما عبر كلينتون نفسه في أحد مؤتمراته الصحفية عن " الاعتراف بأن إيران تتعرّض بحكم أهميتها الجيوسياسية الفائقة للكثير من الإساءات من جانب الدول الغربية"(12).

        أبدت إسرائيل إستيائها لهذا التقارب، ودفعت بمنظمة الإيباك الأمريكية اليهودية إلى حشد الدعم ضد الشروع في حوار مع إيران، وأمرت ديبلوماسييها بمقاطعة المؤتمرات التي يعقدها مسؤولون إيرانيون بالولايات المتحدة(13)، وأرسلت بطرق مختلفة رسائل شديدة اللهجة لواشنطن تتضمن استياءها من ذلك التقارب. فالسياسة الإسرائيلية لا تقبل أبداً بأي تقارب بين الأمريكيين وبين دول الشرق الأوسط، إلا عبرها وبعد أن تقبض ثمنها(14).

        ورسمت السياسة الإسرائيلية طريقاً جديداً لنفسها عندما أدركت أن إيران تخطط للسيطرة على المنطقة والتحول إلى قوة عالمية، واتجهت إلى الإحاطة بالعرب وإيران معاً من خلال إقامة صداقات مع تركيا والهند ودول أواسط آسيا، واعتبرت أن العلاقة الإيرانية الإسرائيلية أصبحت علاقة عدائية في ظل البرنامج النووي الذي قد يتحول إلى برنامج مسلح ينتج قنبلة تغير ميزان القوى بالمنطقة، إذ ستقوي حزب الله وتحدد المناورات الإسرائيلية، وقد تجبر إسرائيل على تقديم تنازلات لا تقبلها في ظرف آخر.

        اعترض الإسرائيليون في 3/1/2002 السفينة كارين أيه في المياه الدولية في البحر الأحمر كان يقود السفينة قبطان من البحرية الفلسطينية، وكانت محملة بصواريخ كاتيوشا وقذائف مورتو، وبنادق آلية، وبنادق قصف، وذخائر، و ألغام مضادة للدروع وأنواع أخري من المتفجرات(15). زعم الإسرائيليون بأن السفينة قدمت من جزيرة كيش الإيرانية، وبما أن أغلب الأسلحة كانت لا تزال في صناديق المصانع التي أنتجتها، وتحمل رموزاً تشير إلي أنها من صنع إيراني، جادل الإسرائيليون بأن الإستنتاج بديهي وهو أن إيران تسعي إلي تزويد السلطة الوطنية الإسرائيلية بقيادة عرفات بالأسلحة في خرق للإتفاقات التي أبرمتها السلطة مع إسرائيل(16)، ورغم إنكار إيران علاقتها بالسفينة إلا أن التهمة أصبحت لصيقة بها واتخذتها إسرائيل ذريعة لزعزعة العلاقات الأمريكية الإيرانية بعدما بدأت تتحسن (بعد حادثة الرهائن الأمريكان التي تم إحتجازهم في طهران).

المحور الثاني .. دور الحرب الإلكترونية في الصراع الإيراني الإسرائيلي

           يناقش هذا الفصل القدرات و الأسلحة الإلكترونية الإيرانية و الإسرائيلية وكيف يتم إستخدامها في الهجوم الإلكتروني المباشر والغير مباشر الذي تشنه كلاً من إيران و إسرائيل تجاه بعضهم البعض.

أولاً: القدرات الإلكترونية لكلاً من إيران و إسرائيل

1- القدرات الإلكترونية الإيرانية

ساهم تعرض إيران للعديد من التهديدات الإلكترونية الداخلية والخارجية إلى تحولها نحو تدعيم قدراتها الإلكترونية الدفاعية والهجومية بقوة وكثافة غير مسبوقة للحفاظ على إستقرار النظام الداخلي وتأمين البنية التحتية للدولة.

        أسست إيران عدد من الهيئات الداخلية لتعزيز قدراتها الإلكترونية، سواء الهجومية أو الدفاعية. وكان من أبرز تلك الهيئات (المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني) والتي تعد الجهة الأعلى في هذا الإطار، لأنها تضم مسؤولين رفيعي المستوى بداية من رئيس الدولة مرورًا بوزراء الاتصالات والثقافة والعلوم ومسؤولين من أجهزة الأمن والمخابرات والقضاء والبرلمان وغيرهم. ويهتم المجلس أساسًا بتنسيق الجهود للدفاع والهجوم الإلكتروني، وإعداد السياسات العامة التي يتوجب على جميع المؤسسات المعنية بالفضاء الإلكتروني تنفيذها.كذلك أسست منظمة (قيادة الدفاع الإلكتروني) لحماية البنية التحتية للدولة من التهديدات الإلكترونية، وتدعيم الدفاعات الإلكترونية والعمل على حماية أنظمة مؤسسات الدولة(17). كما تمتلك إيران العديد من الأقمار الصناعية التي تستخدمها في عمليات التجسس و التضويش علي الردارات(18).

        بالإضافة إلى ذلك تم تأسيس (الجيش الإلكتروني الإيراني)، والموجه بالأساس لتنفيذ الهجمات الإلكترونية الخارجية، كونه جهة غير رسمية، ويضم مجموعة كبيرة من القراصنة المحترفين، يشاع أن أغلبهم من الروس لدعم الهاكرز الإيرانيين بالتعاون مع الحرس الثوري. وقد شن الجيش الإلكتروني الإيراني سلسلة هجمات عالية المستوى على مواقع مشهورة ليضع نفسه تحت الأضواء على المستوى العالمي، ويرسل رسائل ذات طابع سياسي أكثر منها حربي، خاصةً عندما هاجم ونجح في قرصنة كل من موقع (تويتر) العالمي عام 2009، وموقع (بايدو) الذي يعد محرك البحث الأشهر في الصين عام 2010 وموقع صوت أمريكا الشهير(19).

        قامت إيران بتأسيس مقر الدفاع الإلكتروني في أكتوبر2011 وأصبحت من ضمن الدول التي تملك منظومة دفاعية كاملة في مواجهة تهديدات الحرب الإلكترونية ، وظهر في نجاح إيران في احتواء فيروس (دوكو) في بداية عام 2012 بعد ساعه من إطلاقة (20).

2-  القدرات الإلكترونية الإسرائيلية

منحت إسرائيل الصناعات التكنولوجية، والتكنولوجيا العسكرية اهتمامًا كبيرًا، ليس فقط في سبيل الدفاع عن نفسها كدولة محاطة بطوق عربي وإسلامي هاد ف لزوالها؛ بل إستغلت هذه المقدرة الإنتاجية التي تمتلكها لبناء شبكة علاقات سياسية وعسكرية مع دول أوروبا والشرق الأقصى وغيرها، لكي تجني أرباح منها وتضمن تبعيتها لها على أقل تقدير، وبالتالي مشاركة تلك الدول في حفظ الأمن الخارجي الإسرائيل علاوة على الاهتمام الذي توليه بشراء أجهزة التنصت والتجسس وجمع المعلومات من مختلف دول العالم(21).

        للعامل التكنولوجي دوره الوظيفي البارز في الأمن الإسرائيلي، فهو يشكل أحد أهم مرتكزات الأمن الإسرائيلي. حيث ترغب إسرائيل في أن تكون حاضنة لغالبية التكنولوجيات والإلكترونيات العسكرية في العالم(22)، فهي تعمل لأن تكون مصدرة لهذا العمل التقني، نظرًا لتدفق رؤوس الأموال الكبيرة من الخارج إليها، وتوظفيها في إنتاج التكنولوجيات الرفيعة، كالأم المعلوماتي، والإتصالات والإلكترونيات، وبرامج الحاسوب والإنترنت الهادفة للتجسس وجمع المعلومات(23).

        وتمتلك إسرائيل وحدة خاصة تدعي (رام) لمواجهة حملات الغزو الإلكتروني والدفاع عن المواقع الاستراتيجية، وأنشأت وحدات متخصصة في تكنولوجيا المعلومات والشبكات الإجتماعية كموقع فيس بوك علي الإنترنت كسلاح إستراتيجي في الجيش إلى جانب  وحدة  تسمي (8200)  التابعه لوزارة الدفاع الإسرائيلي في حرب الإنترنت(24).

بالإضافة إلي إمتلاك إسرائيل  فضاء إلكتروني عالي الجاهزية، ويحوي العديد من التركيبات التقنية والرقمية الجاهزة لخوض الحرب الإلكترونية ومدعما بشكل كبير للحفاظ على الأمن الإسرائيلي من الضربات التكنولوجية والمعلوماتية الإلكترونية الآخذة بالتوسع ضد الكيان الإسرائيلي(25).

من وسائل الردع التي تستخدمها كلاً من إيران و إسرائيل للتصدي للهجمات الإلكترونية:

1-    الأقمار الصناعية و أجهزة التنصت (إذا كانت عالية التقنية ولا تتأثر بالموجات الصادرة من الردار).

2-   الفيروسات (حيث إن كانت عالية التقنية تستطيع شل حركات الفيروسات المهاجمة فهي تعد بمثابة مناعة للأجهزة تحميها من الإختراقات).

3-   الردارات التي يتم إستخدامها للتشويش علي أي جهاز تنصت.

ثانياً:  الصراع الإلكتروني المباشر والغير مباشر بين إيران و إسرائيل

1-    إيران وإسرائيل والمواجهة الإلكترونية المباشرة (26)

        منذ ثمانينيات القرن الماضي، نجحت إيران في فك شفرات طائرات الإستطلاع الإسرائيلية التي كانت تحلق في سماء لبنان، لُتقدم الجهات الإيرانية هذه المعرفة الرقمية والإلكترونية إلى المقاومة الإسلامية اللبنانية لتوظفها في محاربة إسرائيل.

وتلقت إيران العديد من الهجمات الإلكترونية المصوبة نحوها من الجهات الإسرائيلية والأمريكية، حيث تتعاون وحدة (8200) الإلكترونية الإسرائيلية، ووكالة الإستخبارات الأمريكية CIA ، على شن هجمات إلكترونية ضد إيران، بهدف إضعاف قوتها النووية، وإلحاق الضرر بأجهزتها الحاسوبية والحكومية لُتبادر إيران وفي سياق ردها على مثل هذه الهجمات إلى حظر استخدام محرك البحث العالمي (جوجل)، و بعض مواقع التواصل الإجتماعية، وبعض المواقع الإخبارية الأجنبية، وتبنيها لخطط إلكترونية تعرف إيرانيًا باسم الإنترنت الحلال أو النظيف في إشارة إلى استبدال إيران منظومة الإنترنت العالمية بأخرى إيرانية.

        عكفت إيران في السنوات الأخيرة على بناء جيش إلكتروني يتبنى فكرة (الجهاد الإلكتروني)، خاصة بعد تعرض منشأتها النووية لهجمات إلكترونية وفيروسية إسرائيلية وأمريكيٍ أضرت بإنتاجيتها، كالفيروس ستاكسنت (االذي من خلاله تم معرفة أسرار برنامج سيمينز للتحكم الصناعي, الأمر الذي مكنه من اختراق برنامج الويندوز المشغل له, أو بقيام إسرائيل بتجنيد أحد العملاء داخل المفاعل بزرع بطاقة ذاكرة ملوثة بالفيروس ليصيب الوحدة المركزية التي يتم من خلالها تشغيل مفاعل بوشهر ومراقبة سير العمليات ومراقبتها إلكترونيا, وأدت الإصابة لتعطل العمل بداخل مفاعل بوشهر وإمكانية إرسال بياناته للخارج ويستغرق إصلاح ذلك التلف علي الأقل شهرين, ويعد بذلك عملا استخباراتيا في المقام الأول ) ، والفيروس فلام وغيرها (27).

        وينقسم الجيش الإلكتروني الإيراني إلى عدة أقسام منها ما هو متخصص بالدفاع وصد أي هجوم إلكتروني، ومنها ما هو متخصص بالمتابعة والرصد ووقف محاولات التسلل لشبكة الحواسيب الإيرانية ، ومنها ما هو متخصص لاكتشاف الفيروسات الإلكترونية، ووقف محاولات الوصول إلى أجهزتها الحاسوبية(28).

        وقد صنفت شركة Tec Defense  للأبحاث التقنية الأمريكية إيران بأنها خامس دولة في العالم من حيث الإعداد الإلكتروني، والاستعداد لخوض الحروب الإلكترونية،  فضلا عن التشابك عبر الاقمار الصناعية، حيث تمتلك إيران بعض التجارب الهادفة لإطلاق الاقمار الصناعية، منها مثلا القمر الصناعي رصد و أوميد التابعة لوكالة الفضاء الإيراني ISA.

        وقامت إسرائيل مؤخرًا وفي سياق الحرب الإلكترونية المتبادلة بين الطرفين بتطوير أنظمة تستطيع التشويش والتأثير على ترددات الطوارئ الإيرانية، علاوة علي قيام إسرائيل بزرع العديد من العملاء والجواسيس التابعين لجهاز الموساد الإسرائيلي في إيران، وذلك لمتابعة ورصد تحركات العلماء الإيرانيين المختصين بالتطورات النووية في إيران، ليتم اغتيال عددٍ من هؤلاء العلماء، وذلك في سياق الحرب المعلوماتية والسرية التي تشنها إسرائيل على إيران.

2- إيران و إسرائيل والمواجهة الإلكترونية غير المباشرة (29)

 يتلخص مشهد الإشتباك الإلكتروني غير المباشر بين إيران وإسرائيل عبر الفضاء الإلكتروني بتلك المساعدات والتجهيزات التي تقدمها إيران للجهات المقاومة لإسرائيل خاصة فصائل المقاومة العربية والإسلامية منها حزب الله في الجنوب الُلبناني، وبعض فصائل المقاومة في فلسطين، حيث تزود إيران هذه الجهات ببعضٍ من خبراتها الّتقنية والمعلوماتية والإلكترونية.

        ومن الأمثلة على ذلك، ما قدمته إيران لفصائل المقاومة في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة، حيث قدمت إيران لهذه الفصائل الخبرات العلمية والعملية اللازمة لتصنيع الصواريخ، والوسائل الّتقنية وغيرها، والتي استخدمتها المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة أواخر عام2012.

        ولا تقتصر الحرب الإلكترونية غير المباشرة بين إيران وإسرائيل على تقديم إيران بعض من خبراتها التكنولوجية والمعلوماتية للمقاومة العربية والإسلامية؛ بل عملت إيران على زرع محطاتٍ للتجسس تعمل لحسابها في المحيط الإسرائيلي، كتلك المحطتين الإيرانيتين اللتين كشفت عنهما وزارة الدفاع الأمريكية في مرتفعات الجولان وشمال سوريا ويحملان الاسم سيغينت ويعملان منذ عام2006، علاوة على طائرة الاستطلاع الإيرانية أيوب، والتي تم إطلاقها من الجنوب الُلبناني صوب إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2012.

تجد إسرائيل صعوبة في التعامل مع مثل هذه المواجهة غير المباشرة، فهي ترى تنامي المد التقني والإلكتروني والتكنولوجي لقوى المقاومة العربية والإسلامية في المنطقة.

المراجع

1)    وليد غسان سعيد جلعود، دور الحرب الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي، رسالة ماجستير، (جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، 25/6/2013، صفحة 63)

2)    المرجع السابق.

3)    ربيع محمد يحي، إسرائيل وخطوات السيطرة علي الفضاء السيبراني في الشرق الأوسط، ( رؤي إستراتيجية، عدد يونيو 2013)

4)    نورهان الشيخ ، المصلحة الوطنية : طغيان الواقعية وتراجع المثالية فى العلاقات الدولية، (القاهرة : المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتجية ، سلسة مفاهيم ، مجلد 1 ، ط1، 2009).

5)    تريتا بارزي، حلف المصالح المشتركة (التعاملات السرية بين إيران و إسرائيل والزلايات المتحدة الأمريكية)، أمين الأيوبي (مترجم)، ( الدار العربية للعلوم ناشرون،2008م، ط1)

6)    المرجع السابق.

7)    نورهان الشيخ ،مرجع سابق.

8)    زهير مارديني، الثورة الإيرانية بين الواقع والأسطورة، ( دار اقرأ،بيروت، ط1، 1986)

9)    ربيع محمد، مرجع سابق.

10)                       عبد الوهاب القصاب، إيران والعرب مراجعة في (التاريخ والسياسة)،عزمي بشارة و محجوب الزويري (محرران)،    ( بيروت؛ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1 ، 2012).

11)    (Dalia Dassa Kaye, Alireza Nader and Parisa Roshan, Israel and Iran (Dangerous Rivals), (National Defense Research Institute ,Rand Corporation,2011).

12)                       محمد أحمد المقداد، تأثير المتغيرات الداخلية والخارجية الإيرانية على توجهات ايران الاقليمية، (دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 40، العدد 2، 2013)

13)    Stephen Walt and John Mearsheimer, The Israel Lobby and U.S. foreign affairs,( Giroux, Farrar ,and  Straus, ,New York , first  edition- 2007).

14)                       ضيف الله الضعيان، العلاقات الأمريكية الإيرانية ( الوجه الآخر)، ( السعودية: مجلة العالم الإسلامي)

15)                       عبد الوهاب القصاب ،مرجع سابق.

16)    Marziehe Shakoori, Davood Kiani and Masha Allah Heidarpour, Effect of AIPAC Lobby on America's Foreign Policy towards the Islamic Republic of Iran, Journal of Politics and Law, (Vol. 9, No. 6, 2016)

17)                        باسم راشد، نمو متصاعد للقدرات الإيرانية في مجال الحروب الإلكترونية ، (20/4/2016 متاح على:

https://rasanahiiis.org/%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB/%D9%86%D9%85%D9%88-%D9%85%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF)

18)                       إيهاب عبدالحميد خليفة، تطوير متسارع: قدرات إيران الإلكترونية بين التهوين والتهويل، (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الإمارات، أغسطس 2014).

19)                       نبيل العتوم، جيش الفضاء الإلكتروني الإيراني، ( 24/6/2015 ، متاح على:

 http://www.umayya.org/publications-ar/assessment-report-ar/6539

20)                        المرجع السابق.

21)                       كمال مساعد، منظومة الدفاع الإسرائيلية: المتغيرات والمواجهة المستقبلية، (بيروت: ماجيك لاين، ط2005م).

22)   Asa Winstanley, Cyber warfare: US, Israel’s electronic attacks on Iran and Palestinians, (2/7/2012, Available at:

 https://electronicintifada.net/content/cyberwarfare-us-israels-electronic-attacks-iran-and-palestinians/11453)

23)                       كمال مساعد، مرجع سابق.

24)                       عاموس يدلين،الحرب السبرانية: البعد الجديد في عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي،( يناير 2010)، متاح على:

http://www.intelligence.org.il/KotarPort.aspx#http://malam.barebone.kotar.co.il/

25)                       نبيل العتوم، مرجع سابق.

26)                       إيهاب عبد الحمي، مرجع سابق.

27)                     عادل الصادق، إيران و إسرائيل (هجوم ستاكس نت)، (متاح على:

http://www.ahram.org.eg/archive/Strategic-issues/News/45151.aspx

28)                       ضيف الله الضعيان، مرجع سابق.

29)                       نورهان الشيخ، مرجع سابق.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟