رؤية مغايرة....ملامح الموقف الإيراني من الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
تجددت بعض
الاشتباكات العنيفة على إقليم ناغورني قرة باغ بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان مرة
أخرى في أواخر سبتمبر 2020، الأمر الذى أدى لسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.
وعلى الرغم من إعلان طهران حيادية موقفها من الصراع المسلح الدائر بين كل من
البلدين، ومطالبة كلا الطرفين بضرورة ضبط النفس ووقف إطلاق النار، فضلاً عن توخى
الحذر من وقوع أى قذائق على الأراضي الإيرانية،
إلا أنه يبدو وكأن هناك بعض المحددات الخفية فيما يتعلق بالدور الإيراني في
هذه القضية.
أولاً- نظرة تاريخية
يرجع
قرار وقف إطلاق النار بين كل من أرمينيا وأذربيجان إلى عام 1994 ؛ حيث يدور الصراع
في هذه المنطقة حول منطقة ناغورني قره باغ الجبلية، التى يسكنها ويسيطر عليها
أغلبية أرمينية العرق، تقع داخل الأراضي الأذربيجانية وترتبط بأرمينيا عبر طريق
سريع، تعود القوات العسكرية المسيطرة عليه إلى أرمينيا، لذا، تعمل باكو في الوقت
الحالى على إستعادة هذه السيطرة.
وعليه،
بدأت الاشتباكات الحالية منذ يوليو 2020 عندما تصاعدت حدة المناوشات بين أرمينيا
وأذربيجان لعدة أيام، كما أسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل 11 جنديًا من باكو وأحد المدنيين، الأمر الذى دفع المواطنين في
أذربيجان بالخروج للشوارع للمطالبة بإعادة السيطرة على هذه المنطقة(1).
ثانيًا- لماذا تدعم إيران
أرمينيا؟
يمكن القول أنه على الرغم من المحددات الثقافية، العرقية والدينية المشتركة بين كل من طهران وباكو؛ حيث تنتمى
نسبة تقدر من 20- 25% من الإيرانيين إلى العرق الأذرى، ويدين معظم الشعب الأذربيجانى
بالديانة الشيعية، فضلاً عن اتباعهم لبعض المراجع الدينية الموجودة في مدينتى قم وتبريز
الإيرانتين، إلا أن طهران تدعم أرمينيا التى يدين الجزء الأكبر من سكانها
بالمسيحية.
في السياق
ذاته، تشترك باكو مع طهران في حدود طويلة يبلغ طولها حوالى 760 كيلو متر وتطل كل منهما
على بحر قزوين، إلا أن المشكلة بينهما مماثلة للإدعاءات الإيرانية بشأن البحرين؛ حيث
تعتبر السلطات الإيرانية أن أذربيجان وسكانها جزءاً لا يتجزأ من محافظة أذربيجان الإيرانية(2).
من ناحية أخرى، يمكن فهم هذا الموقف الإيرانى
المختلف في ضوء السياسة الإيرانية في التعامل مع الأقليات بداخلها؛ حيث لطالما ترغب السلطات الإيرانية في أضعاف أي نوع من العلاقات
مع دولة يوجد داخل طهران أقلية تابعة لها، فتخشى طهران في أن تؤدى العلاقات الجيدة
مع اذربيجان إلى مطالبة الأقلية الأذرية لديها بحقوق ومكتسبات جديدة. بل وما يثير قلق
طهران هو أن تطالب الأقلية الأذرية الموجودة لديها بالانفصال عن طهران لتكوين ما يعرف
بـ "أذربيجان الكبرى"، كما هو الحال لدى الأكراد، لذا، تقمع طهران مجرد التفكير
في مثل هذه المحاولات(3).
يتوازى ذلك، مع وجود علاقات قوية بين إيران وأرمينيا
من الناحية الاقتصادية؛ حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين حوالى 100 مليون دولار
خلال الفترة من يناير إلى إبريل من العام الجارى، كما تعتبر أرمينيا من أكبر مستوردى
الطاقة الإيرانية لاسيما فيما يتعلق بالنفط والغاز الطبيعى، فضلاً عن توسيع الدولتان من الإطار التعاونى فيما بينهما ليشمل بعض القطاعات الأخرى مثل الصناعات
الصلبة، الأدوية، التعدين والبتروكيماويات(4).
ثالثًا- مواجهة حذرة
يمكن فهم الموقف الإيرانى
المؤيد لأرمينيا في صراعها مع أذربيجان حول إقليم ناغورني قرة باغ في إطار الدعم الإسرائيلي
لأذربيجان؛ حيث أدت عدم قدرة باكو في السيطرة على هذا الإقليم، إلى الحاجة الماسة لتأسيس
برنامج دفاعى عسكرى متطور، مما جعلها مستوردًا رئيسيًا لتقنيات الدفاع الإسرائيلية،
فضلاً عن قيام تل أبيب بتدريب القوات الخاصة الأذربيجانية والحراس الشخصيين، بناء أنظمة
أمنية لمطار باكو، وتحديث المعدات العسكرية الموجودة من الحقبة السوفيتية، ولاسيما
فيما يتعلق بالدبابات.
من ناحية أخرى، يأتى
الدعم الإيرانى لأرمينيا في مواجهة أذربيجان في خضم حالة من التصعيد المتبادل بين طهران
وتل أبيب على خلفية اتفاقات التطبيع التى عقدتها كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين
مع إسرائيل والتى يمكن لتل أبيب بموجبها إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، الأمر الذى
من شأنه أن يساهم في الإخلال بالتوازن على المستوى الإقليمى في غير صالح طهران. وتعى
إيران جيداً بأن تل أبيب تتخذ من علاقتها الجيدة
مع باكو فرصة للتواجد على الحدود الإيرانية.
كما أدت إتهامات باكو
المتكررة لطهران بمحاولة تأجيج الصراع مع أرمينيا على الأرض من خلال إرسال شاحنات كبيرة
من الأسلحة إلى إقليم ناغورنو كاراباخ، إلى
جعل تل أبيب بمثابة شريكًا مريحًا لأذربيجان؛ حيث
ساعد الموقع الجغرافي لهذه الأخيرة على الحدود الإيرانية إسرائيل على بناء محطات
إلكترونية على طول الحدود الأذربيجانية مع إيران في التسعينيات لجمع المعلومات الاستخباراتية.
وعلى الرغم من الموقف
الأمريكى المعلن برفض العنف القائم بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ،
ودعوة أطراف الصراع للعمل ضمن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا
بغرض العودة إلى محادثات جدية في أقرب وقت ممكن، إلا أنه يمكن القول أن العلاقات المتطورة
لباكو وتل أبيب تنسجم مع الاستراتجية الأمريكية في المنطقة؛ ففي وقت سابق شجعت واشنطن
إقامة علاقات ثلاثية موسعة بين تركيا، أذربيجان وإسرائيل، وأضيفت جورجيا لاحقًا بغرض
أن يكون هذا التضامن بمثابة حائط صد في مواجهة التطلعات الإيرانية في الشرق الأوسط(5).
الهوامش:
1-
نك باتون وولش، تحليل إخباري: أسباب المواجهة بين
أذربيجان وأرمينيا ودور تركيا.. هل تتحول لحرب شاملة؟، CNN عربية، 1 /10/2020 ، متاح على الرابط
التالى https://arabic.cnn.com/world/article/2020/10/01/azerbaijan-armenia-clashes-explainer
2-
"صراع معقد". لماذا تدعم إيران أرمينيا المسيحية ضد
أذربيجان الشيعية بينما تقف تركيا معها؟، عربي، بوست، 28/9/2020، متاح على
الرابط التالى https://cutt.ly/Of6osa2 .
3-
تقرير كامل عن الصراع بين أرمينيا وأذريبجان وتدخلات
إيران وتركيا وموقف مصر، الدفاع العربي، 30 /9/2020، متاح على الرابط
التالى https://cutt.ly/Df6oM7K .
4-
Clément
Therme, The Irano-Armenian alliance, Centre Européen de Recherches
Internationales & Stratégiques, 2016, available at https://www.ifri.org/sites/default/files/atoms/files/Iran_alliance_russoarmenienne_Therme.pdf
5-
معركة أرمينيا - أذربيجان بطعم "حرب
إقليمية".. من يحارب من؟، الحرة، 28/9/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/kf6peGH .