كفاءة وعدالة النظام الضريبي في مصر في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي
مقدمة
تعد الضرائب أهم مصدر من مصادر الإيرادات
العامة، إلى جانب كونها أحد أهم أدوات السياسة المالية؛ فهي تعمل على إعادة تدوير
جزء من الدخل القومي بما يحقق التنمية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي من ناحية،
وإعادة تخصيص جزء من هذا الدخل لصالح الفئات الأكثر احتياجًا بما يحقق العدالة
الاجتماعية من ناحية أخرى. وبالتالي فإن النظام الضريبي الأمثل هو ذلك النظام الذي
يتسم بالكفاءة والعدالة، ونظراً لصعوبة الموائمة بين أهداف النظام الضريبي
المتمثلة في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، لا سيما في ظل
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ذات الطابع الديناميكي، فمن الضروري أيضًا أن
يتمتع النظام الضريبي بالقدر الكافي من المرونة حتى يتمكن من تحقيق أهدافه، ونتيجة
لذلك تعكف الدول بصورة مستمرة على إجراء مراجعات وتقييمات، ومن ثم إدخال تعديلات
على نظامها الضريبي بغية إصلاحه والارتقاء بكفاءته وعدالته. وقد أجرت مصر العديد
من التعديلات والإصلاحات على نظامها الضريبي منذ تطبيقها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي
في نوفمبر 2016، بهدف تحسين وتطوير نظامها الضريبي. وتسعى هذه الدراسة إلى رصد وتحليل
الإجراءات والتعديلات التي تمت على النظام الضريبي في مصر منذ تطبيق برنامج
الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016، بهدف تقييم أثر هذه الإصلاحات على كفاءة وعدالة
النظام الضريبي المصري.
أولاً: الاطار النظري لكفاءة وعدالة النظام
الضريبي
1 - أهداف
النظام الضريبي
يهدف النظام
الضريبي بصورة رئيسة إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال توفير الموارد المالية
اللازمة لتمويل قيام الحكومة بأداء أدوارها المختلفة، المتمثلة في الأمن والتعليم
والصحة والبنية التحتية ودعم الفئات الفقيرة ... إلخ، بما يساعد الدولة على القيام
بدورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك من خلال تحفيز وجذب
الاستثمارات المحلية والأجنبية بما يساعد على خلق فرص العمل وزيادة الإنتاجية
وتحقيق النمو الاقتصادي، حيث تؤثر السياسات الضريبية بدرجة كبيرة على خيارات
وقرارات المستثمرين المحليين والأجانب، ومن ثم تشكل عاملاً هامًا من عوامل تنافسية
الدولة في جذب الاستثمارات الأجنبية (1)، علاوة على ذلك يهدف النظام الضريبي أيضًا
إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والثروات. (2)
2 – كفاءة النظام الضريبي
أ – مفهوم كفاءة النظام الضريبي
على الرغم
من وجود شبه اجماع بين الاقتصاديين حول أهداف النظام الضريبي المشار إليها آنفًا،
إلا أن هذا الاجماع قد يتلاشى عندما يتعلق الأمر بكفاءة النظام الضريبي. ولعل السبب
في ذلك يرجع إلى الاختلاف الايديولوجي بين التيارات والمدراس الاقتصادية المختلفة
حول مفهوم الكفاءة الاقتصادية نفسه، وما يترتب على ذلك من اختلاف في المعايير
والمؤشرات التي يتم على أساساها تقييم هذه الكفاءة. فعلى
سبيل المثال يرى الاقتصاديون الكينزيون المنتمون
للمدرسة الاقتصادية التي تركز على جانب الطلب (الاستهلاك) إلى أن عدالة النظام
الضريبي لا تنفصل بحال من الأحوال عن كفاءته، وبالتالي فإن النظام الضريبي الكفء
يجب أن يتسم في الوقت ذاته بالعدالة، نظراً للدور الكبير الذي تلعبه العدالة
الضريبية في تعزيز القدرات الشرائية عند الطبقات الفقيرة، ومن ثم زيادة قدرتها على
الاستهلاك(3)، وفي الوقت ذاته تقوم الدولة بتحصيل الضرائب بنسب أعلى من الفئات ذات
الدخل المرتفع – لا سيما في حالات الكساد - ومن ثم تقوم بإعادة ضخ هذه الأموال في
شرايين الاقتصاد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى زيادة الطلب الكلي، وحفز
الاستثمار، وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي (4). ونتيجة لهذا التحليل يفضل هؤلاء
الاقتصاديون فرض الضرائب المباشرة على الدخل والممتلكات، عوضًا عن فرض الضرائب غير
المباشرة على السلع والخدمات، نظراً لتأثيراتها السلبية على الاستهلاك والطلب
الكلي، ومن ثم على الاستثمار والنمو الاقتصادي. مع التأكيد على أن النظام الضريبي وفقًا لهذه المدرسة يتم تغييره وتعديله
بصورة مستمرة – سواء بتبني سياسات ضريبية توسعية أو انكماشية – وفقًا لحالة
الاقتصاد الكلي. وبناءً على ذلك يرى هؤلاء الاقتصاديون بعدم إمكانية وصف نظام
ضريبي بالكفاءة إذا كان لا يتسم بالعدالة، حيث أن العلاقة بين العدالة والكفاءة
ليست علاقة جدلية تتسم بالتعارض.
في حين ذهب الاقتصاديون النقديون(5) المنتمون
للمدرسة الاقتصادية التي تركز على جانب العرض (الإنتاج) إلى ضرورة اقتصار دور
الدولة على حفظ الأمن فقط، أو ما يعرف بـ" الدولة الحارسة" ومن ثم
الاقتصاد في فرض الضرائب، ولا سيما الضرائب المباشرة على الدخل، حيث يضر هذا النوع
من الضرائب بمعدلات الادخار والاستثمار، وبالتالي يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
عوضًا عن ذلك يفضل هؤلاء الاقتصاديون الضرائب غير المباشرة، التي تفرض على السلع
والخدمات مثل ضريبة القيمة المضافة، حيث يؤدي فرض هذا النوع من الضرائب إلى انخفاض
حجم الاستهلاك، ومن ثم ارتفاع ميل الأفراد نحو الادخار. وعليه، فإن النظام الضريبي
الكفء؛ هو النظام الذي يحقق حصيلة ضريبية كافية لتغطية الإنفاق العام، والذي يعتمد
بصورة رئيسة على الضرائب غير المباشرة، حتى وإن اتسم هذا النظام بعدم العدالة، وبناءً على ذلك فإن هناك علاقة جدلية بين عدالة وكفاءة النظام الضريبي، الأمر
الذي يعني أن تحقيق هدف منهما لا يمكن إلا أن يكون على حساب الهدف الأخر.
في ضوء ما
تقدم يمكن تعريف كفاءة النظام الضريبي، بأنها قدرة النظام الضريبي على
تحقيق أهدافه بأقل تكلفة ممكنة. وهذه الأهداف يمكن أن تقتصر على توفير الإيرادات
الضريبية اللازمة لتمويل الإنفاق الحكومي، وتحفيز الاستثمارات والنمو الاقتصادي
فقط، كما يمكن أن تشمل إلى جانب ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية.
ب – أثر الضرائب على الاستثمار والنمو الاقتصادي
وفقًا
للنظرية الاقتصادية فإن هناك علاقة عكسية بين الضرائب والدخل القومي، حيث تعد
الضرائب بمثابة تسرب من دورة الدخل، ومن ثم فهي تؤثر سلبًا على حجم الدخل المتاح
للتصرف، وبالتبعية تُحدِث الأثر ذاته على معدلات الادخار والاستهلاك. ونتيجة لذلك
يمكن القول أنه كلما زادت الضرائب كلما انخفض حجم الدخل القومي(6)، وكلما انخفضت
الضرائب كلما زاد حجم الدخل المتاح للتصرف، وهذه الزيادة في الدخل – وبناءً على
رغبات وتفضيلات الأفراد - سيتم توجيه جزء
منها إلى الاستهلاك، في حين سيتم ادخار الجزء المتبقي منها. الأمر الذي سيحفز
الاستثمارات الخاصة في نهاية المطاف - لا سيما في ظل توافر فرص استثمارية مناسبة -
وبالتالي ستؤدي إلى زيادة التوظيف والإنتاجية، وتحقيق النمو الاقتصادي. وتجدر
الإشارة ضمن هذا الإطار إلى ضرورة عدم إغفال وجود مفاضلة اقتصادية بين الأثر
الاقتصادي لزيادة الدخل المتاح للتصرف لدى الأفراد نتيجة خفض الضرائب من جهة، وبين
قيام الدولة بإعادة ضخ أموال الضرائب مرة أخرى في شرايين الاقتصاد من خلال الإنفاق
العام من جهة أخرى، أو بصيغة أخرى مقارنة مدى كفاءة الدولة في إدارة هذه الموارد
المالية من خلال سياسات الإنفاق العام، مع مدى كفاءة إدارة القطاع الخاص لهذه
الموارد المالية، وأثر ذلك على الاقتصاد ككل (7).
وبطبيعة
الحال يختلف تأثير الضرائب على النمو الاقتصادي باختلاف نوع الضريبة، حيث تعد الضرائب
على الممتلكات أقل أنواع الضرائب على الإطلاق من ناحية تأثيرها السلبي على
النمو الاقتصادي، بل وفي بعض الأحيان يكون أثرها إيجابيًا على النمو الاقتصادي،
حيث تؤدي زيادة الضرائب العقارية إلى زيادة الحافز على العمل والاستثمار، ومن ثم
تساهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي. في حين تعد الضرائب على الدخل أكثر
أنواع الضرائب التي تؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، حيث تقلل هذه الضرائب من ربحية
الشركات، ومن ثم تضر بحجم الاستثمار في رأس المال المادي والبشري وأنشطة البحث
والتطوير، الأمر الذي يؤثر سلبًا على إنتاجية العمل والتراكم الرأسمالي، وتنافسية
الدولة من ناحية جاذبيتها للاستثمار الأجنبي المباشر، وبالتالي على معدلات النمو
الاقتصادي. ويلاحظ فيما يتعلق بالضرائب على الدخل من العمل أنها تؤثر سلبًا
على النمو الاقتصادي، حيث تقلل المعدلات المرتفعة لهذا النوع من الضرائب من الحافز
على التعليم والتدريب واكتساب المهارات اللازمة للحصول على وظائف ذات دخل أعلى، الأمر
الذي يؤدي بمرور الوقت إلى تراجع جودة وإنتاجية القوى العاملة، وبالتالي يؤثر سلبًا
على الإنتاج والنمو الاقتصادي.(8)
والأمر نفسه
ينطبق على الضرائب المفروضة على الدخول الرأسمالية، حيث تؤثر المعدلات
المرتفعة لهذا النوع من الضرائب سلبًا على مستويات الادخار والاستثمار، وبالتالي
يترتب عليها تراجع الإنتاجية والنمو الاقتصادي. أما الضرائب
غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة والضرائب الجمركية؛ فعلى الرغم من
تأثيرها السلبي على الاستهلاك، إلا أنها تجعل الأفراد أكثر ميلاً نحو الادخار،
وبالتالي فإن تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي يكون أقل بالمقارنة مع أنواع
الضرائب الأخرى، أضف إلى ذلك أن الدول قد تلجأ إلى فرض ضرائب غير مباشرة على بعض
السلع والمنتجات التي يترتب على استهلاكها أو انتاجها عدم الكفاءة الاقتصادية - من
المنظور الشامل للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية - مثل فرض الضرائب الجمركية
المرتفعة على السلع والمنتجات الفارهة المستوردة، وكذلك فرض الضرائب على السجائر
وغيرها من السلع الضارة بالصحة، والتي يتسبب استهلاكها في انخفاض انتاجية القوى
العاملة. (9) (10)
علاوة على فرض
الضرائب على السلع والصناعات الملوثة للبيئة، بهدف رفع أسعار هذه السلع للحد من
إنتاجها واستهلاكها من ناحية، وتحميل التكلفة الاجتماعية للتلوث البيئي أو استنزاف
الموارد الطبيعية الناجم عن إنتاج هذه السلعة ضمن التكلفة الإجمالية لإنتاجها، وبالتالي
يتحمل مستهلكو السلعة التكلفة الحقيقة لإنتاجها من ناحية أخرى، بالإضافة إلى نجاح
هذه الضريبة في توفير الموارد المالية اللازمة لإصلاح التلف البيئي الناجم عن
إنتاج واستهلاك هذه السلعة من ناحية ثالثة، الأمر الذي يحقق العدالة في نهاية
المطاف، لأن مستهلك السلعة يتحمل تكلفة انتاجها بالكامل، بما فيها تكلفة اصلاح
التلف البيئي الناجم عن انتاجها، ونتيجة لذلك يمكن القول أن هذا النوع من الضرائب،
يمكن أن يحقق الكفاءة الاقتصادية والعدالة في الوقت نفسه.(11)
ج - أبرز المؤشرات على كفاءة النظام الضريبي
هناك العديد
من المؤشرات الخاصة بتقييم كفاءة النظام الضريبي، مثل مؤشر نسبة مساهمة الضرائب
في إجمالي الإيرادات العامة، حيث تعد الضرائب أهم مصدر من مصادر الإيرادات
العامة، ومؤشر معدل تغطية الضرائب للنفقات العامة الذي يقيس مدى قدرة
النظام الضريبي على توفير الحصيلة الضريبية اللازمة لتمويل النفقات الحكومية
المختلفة، بما يقلل حاجة الحكومة للاقتراض، ومن ثم يحقق الاستدامة المالية(12)، علاوة
على مؤشر حجم الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الذي
يعكس قدرة النظام الضريبي على الوصول بالحصيلة الضريبة إلى أعلى مستوى ممكن، وبما
يتناسب مع حجم الاقتصاد ككل، وبالتالي يعد انخفاض هذه النسبة عن حدود معينة بمثابة
دليلاً قويًا على عدم كفاءة النظام الضريبي، نظراً لأن ضعف الحصيلة غالبًا ما يكون
ناجمًا عن ضعف القدرات الإدارية على التحصيل أو عن شيوع التهرب الضريبي أو عن وجود
خلل في التشريعات الضريبية نفسها... إلخ. وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن أي زيادة في
الحصيلة الضريبية تشير بالضرورة إلى كفاءة النظام الضريبي، ففي بعض الأحيان قد
يشير ذلك إلى العكس تمامًا، حيث أن ارتفاع الضرائب بدرجة كبيرة قد يضر بمعدلات
الاستثمار، وبالتالي يؤثر سلبًا على قدرة الاقتصاد على تحقيق النمو الاقتصادي، الأمر
الذي يعني ضرورة تحقيق التناسب بين حجم الحصيلة الضريبية من ناحية واعتبارات
الاستثمار والنمو الاقتصادي من ناحية أخرى. بالإضافة إلى هذه المؤشرات هناك أيضًا
مؤشر التكلفة الإدارية للتحصيل الضريبي؛ فكلما انخفضت
هذه التكلفة كلما دل ذلك على كفاءة النظام الضريبي.(13)
3 – عدالة النظام الضريبي
يُقصد بالعدالة
الضريبية أن يتم توزيع العبء الضريبي على جميع دافعي الضرائب في المجتمع بصورة
عادلة بحيث لا تُثقل الضرائب كاهل الفئات محدودة الدخل، وذلك من خلال العدالة الرأسية التي تعني توزيع
العبء الضريبي بصورة تتناسب مع قدرة الفرد على الدفع، فكلما ارتفع دخل الفرد كلما
تعين عليه دفع نسبة أكبر من دخله في صورة ضرائب مقارنة بغيره من الأفراد أصحاب
الدخل المنخفض، وعادةً ما يتحقق ذلك من خلال فرض الضرائب التصاعدية التي تزيد نسبه
الضريبة فيها مع زيادة الدخل(14). كما تتحقق العدالة الضريبية أيضًا من خلال العدالة
الأفقية التي تعني المساواة بين الممولين ذوي الدخل
المماثل أو الظروف الاقتصادية المتشابهة، وبالتالي فوفقًا لهذا المعيار يجب أن
يدفع الأفراد ذوي الدخول المتماثلة نفس القدر من الضرائب.(15)
وبناءً على
ذلك فإن الضرائب التصاعدية على الدخل تعد أكثر عدالة من الضرائب ذات المعدل
الثابت، كما أن الضرائب المباشرة على الدخول والأرباح والممتلكات تعد أكثر عدالة
من الضرائب غير المباشرة التي تفرض على السلع والخدمات مثل
ضريبة القيمة المضافة والضريبة الجمركية، حيث تعد الضرائب غير المباشرة من قبيل
الضرائب ذات المعدل الثابت الذي لا يختلف باختلاف دخل المستهلك أو باختلاف حجم
استهلاكه، ونظراً لكون الفئات محدودة الدخل تنفق نسبة كبيرة من دخلها على استهلاك
السلع الأساسية مقارنة بالفئات مرتفعة الدخل، فبالتالي تشكل هذه الضريبة نسبة أكبر
من دخول محدودي الدخل مقارنة بأصحاب الدخل المرتفع، وهو ما يعني تحميل الفئات
محدودة الدخل عبء ضريبي أكبر، قد يفوق مقدرتهم التكليفية ويضر بحجم استهلاكهم
ومستوي معيشتهم ويعزز التفاوت في توزيع الدخل.
4 – الإصلاحات الضريبية
تتمثل الإصلاحات الضريبية في كافة التعديلات
والتغييرات التي يتم إجراؤها على النظام الضريبي بغية تحسين قدرته على زيادة الحصيلة
الضريبية والارتقاء بكفاءته وعدالته. ونتيجة لذلك فغالبًا ما يتم تقييم هذه الإصلاحات
بناءً على درجة نجاحها أو فشلها في تحقيق تلك الأهداف. وتتمثل أبرز الإجراءات
الخاصة بالإصلاحات الضريبية في قيام الدولة بسن القوانين التي تعمل على تقليل/
زيادة عدد الشرائح الضريبية، ومنح/ إلغاء الإعفاءات الضريبية، تخفيض/ زيادة نسبة
الضرائب على السلع والخدمات، وكذلك تحسين إدارة الضرائب من خلال رقمنة الإجراءات
الضريبية والتحول نحو استخدام الفواتير الإلكترونية، بما يساعد على خفض تكلفة
التحصيل الضريبي، وتقليل حالات التهرب، وزيادة الحصيلة الضريبية. وعلى الرغم من
الدور الكبير الذي تلعبه الإصلاحات الضريبية في تحسين النظام الضريبي، إلا أن كثرة
إجراء تعديلات وتغييرات على النظام الضريبي قد تتسبب في عدم الاستقرار الضريبي وإشاعة
حالة من عدم التأكد، وبالتالي تؤثر سلبًا على بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار. لذلك
يفضل عدم الإفراط في إجراء الإصلاحات الضريبية.
ثانيًا: تحليل تطور النظام الضريبي في مصر منذ
تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي
قامت مصر
منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016 بإجراء عدد من الإصلاحات
الضريبية بهدف تحسين النظام الضريبي والارتقاء بكفاءته وعدالته،
وتجدر الإشارة إلى أن هذه التعديلات تأتي في سياق الالتزام بالدستور المصري، حيث
تنص المادة (38) من الدستور على ضرورة قيام الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبي، كما
تنص أيضًا على أن أهداف النظام الضريبي المصري هي تنمية موارد الدولة وتحقيق
العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية(16)، وبالتالي فإن أية إصلاحات تجريها
الدولة على نظامها الضريبي ينبغي أن تزيد من قدرة النظام الضريبي على تحقيق هذه
الأهداف. وقد تجسدت أهم الإصلاحات الضريبية التي قامت بها الدولة في بعض الإجراءات
والتعديلات التشريعية مثل تحديث ورقمنة نظام إدارة الضرائب، لا سيما في عمليات
التسجيل والتحصيل واستخدام الفواتير الإلكترونية، بهدف الحد من إمكانية التلاعب
المحاسبي، ومن ثم تقليل التهرب الضريبي الذي يعد واحداً من أهم أسباب انخفاض
الحصيلة الضريبية في مصر.
علاوة على ذلك فقد أصدرت الدولة قانون الإجراءات الضريبية الموحد(17)، بهدف مكافحة التهرب
الضريبي، من خلال التأكيد على ضرورة التزام الشركات بجميع أنواعها بإمساك دفاتر
محاسبية منتظمة سواء ورقية أو إلكترونية، وإصدار الفواتير الضريبية، وإدراج رقم
التسجيل الضريبي الموحد في كل المراسلات والتعاملات مع مصلحة الضرائب أو مع الغير،
مع تغليظ العقوبة على كافة محاولات التلاعب أو التهرب الضريبي. وفي المادة التاسعة
منه ألزم هذا القانون كل مالك أو منتفع بعقار بإخطار مأمورية الضرائب المختصة
باستغلال عقاره أو جزء منه في مزاولة نشاط خاضع للضريبة، وذلك خلال ثلاثون يومًا
من تاريخ الاستغلال. كما قامت الدولة أيضًا بتشكيل المجلس الأعلى للضرائب(18)، بهدف
قيامه بدراسة أية تحديات ضريبية يقترحها رئيس المجلس أو يراها مجتمع الأعمال،
وإبداء الرأي بشأنها واقتراح الحلول والأليات اللازمة لتنفيذها، وكذلك العمل على
تحفيز الالتزام الطوعي للمجتمع الضريبي، وسرعة حسم المنازعات الضريبية. بالإضافة
إلى قيام الدولة باستبدال قانون الضرائب على المبيعات بقانون ضريبة القيمة المضافة،
وإجراء عدد من التعديلات على قانون الضريبة على الدخل وقانون الضرائب الجمركية.
1 – تحليل تطور حجم الإيرادات الضريبية
شهد حجم
الإيرادات الضريبية كقيمة مطلقة ارتفاعًا كبيراً منذ تطبيق برنامج الإصلاح
الاقتصادي في نوفمبر 2016 وحتى الآن، نتيجة الإصلاحات الضريبية التي قامت بها
الدولة المصرية، حيث ارتفع حجم الإيرادات الضريبية كقيمة مطلقة من 352.32 مليار
جنيه في العام المالي 2015/2016(19) إلى 833.992 مليار جنيه في العام المالي
2020/2021(20)، ثم واصل الارتفاع ليبلغ 1.258 تريليون جنيه عام 2022/2023، ومن
المتوقع أن يستمر في الارتفاع ليبلغ حوالي 2.021 تريليون جنيه عام 2024/2025(21)، وبالتالي
بلغت الزيادة في حجم الإيرادات الضريبية كقيمة مطلقة خلال السبع سنوات اللاحقة على
تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي نحو 906.267 مليار جنيه بمعدل زيادة يبلغ 357%، منذ
تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وحتى نهاية العام المالي 2022/2023. أما حجم
الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي فكما هو موضح في الشكل رقم
(1)
شكل رقم (1) تطور حجم
الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر
خلال الفترة من 2014/205 إلى 2024/2025 - "نسبة مئوية"
حيث يلاحظ من الشكل رقم (1) ارتفاع حجم الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 13% عام 2015/2016، إلى 14.2% عام 2017/2018، ثم ما لبث أن عاود الانخفاض ليبلغ 12.5% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن يستمر في انخفاضه ليصل إلى 11.8% في 2024/2025، وبطبيعة الحال تعد هذه النسب منخفضة بعض الشيء، حيث أنها أقل من المتوسط السائد عالميًا الذي بلغ 14.30% عام 2022، كما أنها أقل أيضًا من النسب السائدة في العديد من بلدان العالم المتقدم والنامي على السواء، فقد بلغت النسبة 14.70% في البرازيل، و16.1% في تركيا، و22.1% في المغرب، و24.5% في فرنسا، و25% في إسرائيل خلال العام نفسه(22)، وفي حين انخفضت الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، يلاحظ أن نسبة الضرائب من إجمالي الإيرادات العامة في مصر قد ارتفعت كما هو موضح في الشكل رقم (2).
حيث يتبين من الشكل رقم (2) ارتفاع نسبة الايرادات الضريبية من إجمالي الإيرادات
العامة من 71.7% في العام المالي 2015/2016 إلى حوالي 80.5% عام 2022/2023، ومن
المتوقع أن تنخفض هذه النسبة لتصل إلى 77% عام 2024/2025، لكن على الرغم من ذلك فإن
هذا المؤشر يعكس تحسنًا ملحوظًا في زيادة الحصيلة الضريبية. والأمر نفسه ينطبق على
مؤشر تغطية الايرادات الضريبية للنفقات العامة كما هو مُبين في الجدول رقم (1).
حيث
يلاحظ من الجدول رقم (1) ارتفاع نسبة تغطية الضرائب للنفقات العامة من 43.1% في
العام المالي 2015/2016 إلى 57.6% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تنخفض تلك النسبة
إلى 52.25% في العام المالي 2024/2025 وفقًا لمشروع الموازنة، وعلى الرغم من هذا
الانخفاض المتوقع إلا أنه لا ينفي تحسن نسبة تغطية الضرائب للنفقات العامة، وفي ظل
انخفاض حجم الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ظل زيادة
نسبتها من الإيرادات العامة أيضًا، فإن السبب وراء تحسن مؤشر نسبة تغطية الضرائب
للنفقات العامة، يمكن أن يعزى إلى انخفاض حجم الإنفاق العام كنسبة من الناتج
المحلي الإجمالي بصورة أكبر من الانخفاض في حجم الإيرادات الضريبية كنسبة من
الناتج المحلي، وعلى أية حال فإن تحسن هذا المؤشر من شأنه تقليل حاجه الحكومة
المصرية للاقتراض – سواء من المصادر المحلية أو الأجنبية – الأمر الذي يسهم بدرجة
كبيرة في الاتجاه نحو تحقيق الاستدامة المالية.
وبناءً على
ما تقدم يمكن القول أن الإصلاحات الضريبية التي قامت بها مصر منذ تطبيق برنامج
الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016 وحتى الآن، قد نجحت في زيادة الحصيلة الضريبية، وتحقيق
الكفاءة الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة إجراء المزيد من الإصلاحات
الضريبية التي تهدف إلى زيادة الحصيلة الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
2 – تحليل تطور الهيكل الضريبي
يتكون
الهيكل الضريبي من الضرائب على الدخول والأرباح، والضرائب على الممتلكات، والضرائب
على السلع والخدمات، والضرائب على الجمركية وغيرها من أنواع الضرائب الأخرى، ونتيجة
للإصلاحات الضريبية التي قامت بها مصر منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في
نوفمبر 2016؛ فقد شهدت مكونات الهيكل الضريبي المصري العديد من التطورات والتغيرات،
كما هو موضح في الجدول رقم (2)
جدول رقم (2) تطور هيكل الإيرادات الضريبية خلال الفترة 2015/2016 إلى 2024/2025 "بالمليار جنيه"
وفيما يلي نرصد ونحلل أبرز التطورات والتغيرات التي طرأت على كل مكون من
مكونات الهيكل الضريبي المصري:
أ – الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية
يلاحظ من
الجدول رقم (2) ارتفاع حصيلة الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية من 144.74
مليار جنيه عام 2015/2016، إلى 250.1 مليار جنيه عام 2018/2019، ثم إلى 516.28 مليار جنيه عام 2022/2023، ومن
المتوقع أن تواصل الارتفاع لتبلغ 782.2 مليار جنيه في عام 2024/2025، وعلى الرغم
من هذا الارتفاع؛ يلاحظ أن نسبة الضرائب على الدخل من إجمالي الإيرادات الضريبية
قد اتسمت بالتذبذب منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث انخفضت من 41.1% عام
2015/2016 إلى 34% فقط عام 2018/2019، لكنها ما لبثت أن عاودت الارتفاع إلى 41%
عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تعاود الانخفاض في عام 2024/2025 لتصل إلى 38.7%.
وبالتالي فإن الانخفاض الفعلي في نسبة الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية
من إجمالي الإيرادات الضريبية يكاد لا يذكر منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي
وحتى الآن، إلا أن ذلك لا يعني في الوقت نفسه أن هيكل الضرائب على الدخول والأرباح
المكاسب الرأسمالية لم يشهد تغييرات كبيرة.
ويتكون هيكل
الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية من ثلاثة أنواع رئيسة وهي
الضرائب على دخول الأشخاص الطبيعيين، والضرائب على الأرباح الرأسمالية، والضرائب
على دخول الأشخاص الاعتباريين، وبطبيعة الحال تتمثل الضرائب على دخول الأشخاص
الطبيعيين في الضرائب على الدخول من
التوظف، والضرائب على الدخول من المهن الحرة، والضرائب على الدخول من النشاط
التجاري والصناعي، بينما تتمثل الضرائب على الأرباح الرأسمالية في عوائد السندات
وأذون الحزانة والتوزيعات في سوق الأسهم المصرية وغيرها من أشكال الأرباح
الرأسمالية، في حين تتمثل الضرائب على دخول الأشخاص الاعتباريين في الضرائب على
الشركات. وتجدر الإشارة إلى أن الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية
تخضع للقانون رقم (91) لسنة 2005، وقد أدخلت الدولة المصرية العديد من التعديلات
على هذا القانون منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بهدف إصلاح النظام الضريبي
بما يزيد من كفاءته وعدالته.
وقد كانت جُل
هذه التعديلات من نصيب الضرائب على دخول الأشخاص الطبيعيين، حيث تم تعديلها خمس
مرات(23) منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016 وحتى الآن، وعلى
الرغم من أن كثرة التعديلات في التشريعات الضريبية قد تعد مؤشراً على عدم
الاستقرار الضريبي، ومن ثم قد تؤثر سلبًا على مناخ الاستثمار، إلا أن هذه
التعديلات - خاصة فيما يتعلق برفع حد الإعفاء الضريبي - كانت ضرورية للغاية لتحقيق العدالة الضريبية، لا
سيما في ظل الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، وما ترتب على ذلك من تراجع القدرات
الشرائية للأفراد، حيث قامت الدولة برفع حد الإعفاء الشخصي من 7000 جنيه إلى 20
ألف جنيه، كما تم رفع أول شريحة من 6500 جنيه بسعر ضريبة 10% إلى 40 ألف جنيه بسعر
ضريبة 10% لمن يقل دخله عن 600 ألف جنيه، وبالتالي رفعت الدولة حد الإعفاء من
13500 جنيه إلى 60 ألف جنيه، علاوة على ذلك فقد رفعت الدولة سعر الضريبة على أعلى
شريحة من 22.5% لمن يزيد دخله عن 200 ألف جنيه في السنة، إلى 27.5% لمن يزيد دخله
عن مليون و200 ألف جنيه سنويًا.
كما استحدثت
هذه التعديلات شرائح ضريبية تصاعدية جديدة لمن يزيد دخله السنوي عن 600 ألف جنيه،
حيث أن كل زيادة في الدخل بمقدار 100 ألف جنيه – لمن يزيد دخله عن 600 ألف جنيه – فإن
الدخل بموجبها يصبح غير خاضع لأدنى شريحة ضريبية، وبالتالي ينتقل إلى الشريحة
الضريبية الأعلى، ليصل في النهاية إلى أن الأفراد الذين يزيد دخلهم السنوي عن
مليون و200 ألف جنيه لا يخضع دخلهم سوى لأعلى شريحتين فقط، بحيث تكون الشريحة
الأولى بنسبة 25% للدخل حتى مليون و200 ألف جنيه، أما ما يزيد عن ذلك فيخضع
للضريبة بنسبة 27.5%، وقد نجحت هذه الإصلاحات في تعميق عدالة النظام الضريبي
المصري، حيث أدى رفع حد الإعفاء الضريبي إلى تخفيف الأعباء الضريبية عن كاهل
الفئات محدودة الدخل، كما نجح استحداث شريحة جديدة تبلغ 27.5% لمن يزيد دخله
السنوي عن مليون و200 ألف جنيه في تحقيق المزيد من العدالة الضريبية.(24)
بالإضافة
إلى ذلك فقد ساهمت رقمنة نظام إدارة الضرائب واستخدام الفواتير الإلكترونية؛ في
الحد من إمكانية التلاعب المحاسبي، ومن ثم تقليل التهرب الضريبي، لا سيما الضرائب
على دخول المهن الحرة وأصحاب النشاط التجاري والصناعي، وبالتالي زيادة الحصيلة
الضريبية وتحقيق العدالة الضريبية في الوقت نفسه، ففي عام 2015/2016 - قبل تطبيق
برنامج الإصلاح الاقتصادي - كان هيكل الضرائب على دخل الأفراد يعاني من الاختلال
وغياب العدالة، حيث كانت الضرائب على المرتبات مسئولة عن 76.2% من الإيرادات
الضريبية على دخول الأفراد، بينما لم تشكل الضرائب على أصحاب المهن الحرة (مثل
مكاتب المحامين والمهندسين والمحاسبين وعيادات الأطباء والفنانين وغيرهم) سوى
1.74% فقط، كما لم تشكل الضرائب على أصحاب النشاط التجاري والصناعي (الأنشطة
التجارية الصغيرة والحرفيين من أصحاب الورش وغيرهم) سوى 22% فقط(25)، وبالتالي كان
العبء الأكبر من الضريبة على دخل الأفراد يقع على عاتق الأفراد ذوي الدخل الثابت (العاملين
بأجر).
ونتيجة
للإصلاحات الضريبية سابقة الذكر فقد انخفضت نسبة الضرائب على المرتبات من إجمالي
الضرائب على دخول الأفراد إلى 60.9% عام 2022/2023 ومن المتوقع أن تستمر في
الانخفاض لتصل إلى 57.33% عام 2024/2025، وفي الوقت نفسه ارتفعت نسبة الضرائب على
أصحاب المهن الحرة إلى 4.44% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع
لتصل إلى 5.37% عام 2024/2025، كما ارتفعت نسبة الضرائب على أصحاب النشاط التجاري
والصناعي إلى 34.6% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تستمر في ارتفاعها لتبلغ 37.3%
عام 2024/2025.(26) ونظراً لإيجابية وأهمية هذه النتائج، فمن الضروري الاستمرار في
إجراء المزيد من الإصلاحات الضريبية التي تستهدف الحد من التهرب الضريبي، الذي يعد
السبب الأبرز لانخفاض الحصيلة الضريبية في مصر، فضلاً عن تأثيراته السلبية على
العدالة الضريبية في الوقت نفسه.
أما الضرائب
على أرباح الشركات في مصر؛ فتخضع لسعر ضريبة ثابت يبلغ 22.5%، ولم تشهد الضرائب
على الشركات أية تعديلات تشريعية منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر
2016، حيث أن أخر تعديل تشريعي يخص الضرائب على أرباح الشركات كان في عام 2015(27)،
لكن في الوقت نفسه فقد خضع هذا النوع من الضرائب للإصلاحات الضريبية الأخرى
المتمثلة في استخدام الفواتير الإلكترونية ورقمنة نظام إدارة الضرائب، وغيرها من
الإصلاحات الأخرى التي أقرها قانون الإجراءات الضريبية الموحد، وقد نجحت هذه
الإجراءات في تقليل معدلات التهرب الضريبي، ومن ثم زيادة الحصيلة الضريبية من
ناحية، كما أنها قلصت الفجوة بين حصيلة الإيرادات الضريبية السيادية التي يتم
تحصيلها من هيئة البترول وهيئة قناة السويس وبين حصيلة الإيرادات الضريبية غير
السيادية التي يتم تحصيلها من باقي الشركات بخلاف هيئة البترول وهيئة قناة السويس.
حيث تشير
البيانات إلى ارتفاع الضرائب على أرباح الشركات من 102.38 مليار جنيه عام
2015/2016 إلى 322.17 مليار جنيه عام 2022/2023، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 481.31
مليار جنيه في عام 2024/2025، وفي الوقت نفسه انخفضت نسبة الإيرادات الضريبية
السيادية من 64% عام 2015/2016 إلى 45.8% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن ترتفع إلى
50.15%، في حين ارتفعت نسبة الإيرادات الضريبية غير السيادية من 36% عام 2015/2016
إلى 54.2% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 49.8% عام 2024/2025(28)، الأمر
الذي يعني أن الإصلاحات الضريبية قد نجحت بدرجة كبيرة في زيادة الحصيلة الضريبية
غير السيادية.
أما الضرائب
على الأرباح الرأسمالية التي تشمل ضريبة الثروة العقارية، وضريبة توزيعات الأرباح
الرأسمالية، والضريبة على إعادة التقييم، فتشير البيانات إلى ارتفاع حصيلتها من
343 مليون جنيه فقط عام 2015/2016 إلى 2.84 مليار جنيه عام 2022/2023، ومن المتوقع
أن ترتفع حصيلتها لتصل إلى 3.118 في عام 2024/2025.
يتبين مما
سبق أن الإصلاحات الضريبية التي شهدتها الضرائب على دخول الأفراد، والتي كان
أبرزها زيادة حد الإعفاء الضريبي، واستحداث شرائح ضريبية جديدة بسعر ضريبة أعلى - على
الفئات ذات الدخل المرتفع - كان لها تأثيرات إيجابية على كل من الحصيلة والكفاءة
والعدالة الضريبية، كما يتبين أيضًا أهمية تبني إجراءات مماثلة على الضرائب على
الشركات، وذلك باستحداث شرائح ضريبية جديدة – قد يقل أو يزيد سعر الضريبة فيها عن
السعر الحالي – بهدف تحقيق المزيد من العدالة الضريبية، فليس معقولاً أن يدفع الأفراد
الذين يزيد دخلهم السنوي عن مليون و200 ألف جنيه 27.5% من دخلهم في صورة ضرائب، بينما
تدفع شركات الأموال التي قد تتجاوز أرباحها مئات الملايين من الجنيهات 22.5% فقط من
أرباحها في صورة ضرائب، ناهيك عن كون القانون لا يفرق بين الشركات التي تحقق أرباح
منخفضة أو تلك التي تحقق أرباح مرتفعة، مع التأكيد على أهمية التريث في مثل هذه
القرارات؛ نظراً لانعكاساتها الكبيرة على مناخ الاستثمار، ومن ثم على كفاءة النظام
الضريبي.
ب- الضرائب على الممتلكات
تنقسم
الضرائب على الممتلكات إلى الضرائب الدورية على الممتلكات، والضرائب على العمليات
المالية التجارية والرأسمالية، والضراب والرسوم على السيارات. وتشمل الضرائب
الدورية على الممتلكات الضرائب على العقارات المبنية(29)، التي تفرض بنسبة 10% من
القيمة الإيجارية السنوية، بعد خصم مصاريف "بنسبة 30% للسكني و32% لغير
السكني" وذلك مقابل جميع المصروفات التي يتكبدها المكلف بأداء الضريبة بما
فيها مصاريف الصيانة(30)، كما تشمل الضرائب الدورية على الممتلكات الضرائب على
الأطيان الزراعية(31)، التي تُفرض على الأراضي الزراعية التي تزيد مساحتها عن
ثلاثة أفدنة، ويبلغ سعر الضريبة 14% من القيمة الإيجارية السنوية للفدان الواحد(32).
أما بالنسبة للضرائب على العمليات المالية التجارية والرأسمالية فتشمل رسوم نقل
الملكية وضرائب أذون وسندات الخزانة، في حين تشمل الضرائب والرسوم على السيارات؛
رسوم تنمية على رخص القيادة وجميع السيارات المستوردة من الخارج، والسيارات
الجديدة المنتجة محليًا وغيرها من الرسوم والضرائب. وتجدر الإشارة إلى قيام الدولة
بإيقاف العمل بقانون الضريبة على الأطيان في يوليو 2017 ولمدة سبعة سنوات متتالية
تنتهي في 31 يوليو 2024(33)، وذلك لتخفيف الأعباء الضريبية عن كاهل العاملين في القطاع
الزراعي من ناحية، وتشجيعهم على زيادة الإنتاج الزراعي من ناحية أخرى.
أما فيما
يتعلق بتطور حجم الضرائب على الممتلكات، فكما يلاحظ من الجدول رقم (2) فقد ارتفع
حجم هذه الضرائب كقيمة مطلقة من 27.990 مليار جنيه عام 2015/2016 إلى 125.156
مليار جنيه عام 2022/2023، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 232.73 مليار جنيه عام
2024/2025، كما ارتفع أيضًا حجمها كنسبة من إجمالي الإيرادات الضريبية من 7.9% في
عام 2015/2016 إلى 9.9% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع لتصل إلى
11.5% في عام 2024/2025. وتشير بيانات وزارة المالية(34)؛ إلى أن هذا الارتفاع كان
مدفوعًا بصورة رئيسة بزيادة الحصيلة الضريبية من العمليات المالية التجارية
والرأسمالية، والضرائب والرسوم على السيارات.
ونظراً لكون
الضرائب على الممتلكات هي أقل أنواع الضرائب المباشرة من ناحية التأثير السلبي على
النمو الاقتصادي والكفاءة الاقتصادية، بل أنها كثيرًا ما تكون ذات أثر إيجابي كما
سبقت الإشارة. ونظراً أيضًا لكون الضرائب المباشرة ذات تأثير ايجابي على العدالة
الضريبية، فبالتالي يمكن القول أن زيادة حصيلة الضرائب على الممتلكات قد ساعدت على
الارتقاء بكفاءة وعدالة النظام الضريبي المصري.
ج - الضرائب
على السلع والخدمات
قامت الدولة بإجراء تعديلات وإصلاحات جذرية على
الضريبة على السلع والخدمات في إطار تبنيها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث قامت
الدولة في سبتمبر 2016 - وقبل البدء في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بشهرين فقط
- بإلغاء القانون رقم (11) لسنة 1991 الخاص بالضريبة على المبيعات، وسن القانون
رقم (67) لسنة 2016 الخاص بضريبة القيمة المضافة ليحل محله، وذلك بهدف إصلاح
العيوب الموجودة في قانون الضريبة على المبيعات مثل وجود أكثر من سعر للضريبة،
وعدم خضوع نسبة كبيرة من الخدمات للضرائب، فضلاً عن عدم وضوح التعليمات والإجراءات،
وطول الفترة الزمنية اللازمة لرد الضريبة، وعدم خصم الضريبة في كل مراحل العملية
الانتاجية، وغيرها من الأمور التي تسببت في زيادة التهرب الضريبي وضعف الحصيلة
الضريبية، وقد نجح قانون ضريبة القيمة المضافة في معالجة هذه العيوب، حيث اتسم
القانون بالوضوح فيما يتعلق بالتعليمات والإجراءات المختلفة، كما تم
تطبيق الضريبة في كل مرحلة من المراحل الإنتاجية الخاصة بالسلعة أو الخدمة بنسبة 14%.
بالإضافة
إلى ذلك فقد تم تطبيق الضريبة على كل السلع والخدمات باستثناء السلع والخدمات
الأساسية المتمثلة في معظم السلع الغذائية كالدقيق والسكر والشاي والبن، ومنتجات
الألبان واللحوم والدواجن والأسماك، والخضر والفواكه والبقول والحبوب والعسل،
والعلف والمنتجات الزراعية المصنعة محليًا، والخدمات الصحية مثل عيادات الأطباء
والمستشفيات والادوية، والغاز الطبيعي وغاز البوتجاز والنفط الخام، والمدراس وورق
الطباعة والكتب والمذكرات التعليمية والصحف والكهرباء وغيرها من السلع الأساسية
الأخرى، وقد تم اعفاء هذه السلع بهدف تخفيف الأعباء الضريبية عن كاهل محدودي الدخل.
كما تم استثناء بعض السلع والخدمات من الخضوع للضريبة بنسبة 14%، وذلك من خلال
اخضاعها لضريبة الجدول التي قد يزيد سعرها أو يقل عن هذه النسبة.(35) وتجدر
الإشارة إلى أن قانون ضريبة القيمة المضافة قد ساعد أيضًا على سرعة رد الضريبة
مقارنة بقانون الضريبة على المبيعات، وقد وضع شروطًا صارمة لاسترداد الضريبة على
مدخلات الإنتاج، تمثلت أبرزها في ضرورة إمساك دفاتر محاسبية منتظمة، وعدم الاعتداد
بالفواتير الورقية في خصم أو رد ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من يناير 2022(36)،
الأمر الذي ألزم كافة الجهات بإمساك دفاتر منتظمة والتعامل بالفواتير الإلكترونية
فقط، وبالتالي أجبر عدد كبير من الكيانات العاملة ضمن الاقتصاد غير الرسمي على
الاندماج في الاقتصاد الرسمي، مما أدى إلى انخفاض التهرب الضريبي وزيادة الحصيلة
الضريبية.
ونتيجة لما
تقدم فقد ارتفعت الحصيلة الضريبية من الضرائب على السلع والخدمات، فكما يلاحظ من
الجدول رقم (2) ارتفعت حجم هذه الضريبة كقيمة مطلقة من 140.52 مليار جنيه عام
2015/2016 إلى 555.56 مليار جنيه عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع
لتصل إلى 828.1 مليار جنيه عام 2024/2025، كما ارتفع حجمها أيضًا كنسبة من إجمالي
الإيرادات الضريبية من 39.9% عام 2015/2016 إلى 44.1% عام 2022/2023، ومن المتوقع
أن تنخفض لتشكل 40.9% عام 2024/2025. وبناءً على هذه النتائج يمكن القول أن قانون
ضريبة القيمة المضافة قد نجح في زيادة الحصيلة الضريبية من دون أثر سلبي يُذكر على
الكفاءة الاقتصادية، كما نجح أيضًا - من خلال استثناء السلع والخدمات الأساسية من
الضريبة - في التخفيف من وطأة الأثر السلبي على العدالة الضريبية. وعلى كل حال تعد نسب الضرائب على السلع والخدمات
من إجمالي الإيرادات الضريبية في مصر مرتفعة قليلاً، فضلاً عن كونها مرتفعة كنسبة
من إجمالي الإيرادات العامة ككل، حيث بلغت تلك النسبة في مصر حوالي 35.5% عام
2022/2023، وهي بذلك أعلى قليلاً من المتوسط العالمي الذي بلغ حوالي 32.10% عام
2022، كما أنها أعلى من النسب السائدة في بعض بلدان العالم المتقدم والنامي على
السواء، حيث بلغت تلك النسبة 16.20% في البرازيل، و20.20% في فرنسا، و29.30% في
الصين، و37.70% في تركيا خلال العام نفسه.(37)
د – الضرائب الجمركية
تُستخدم
الضرائب الجمركية على نطاق واسع حول العالم؛ كأداة لتحسين المناخ الاستثماري داخل
الدول، ومن ثم خلق وضع تنافسي قوي في جذب الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي زيادة
التشغيل والإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي. علاوة على دورها الحمائي في حماية
المنتجات والصناعات المحلية من خطر المنافسة مع المنتجات الأجنبية في السوق
المحلي. وعلى الرغم من تراجع هذا الدور بدرجة كبيرة في الوقت الراهن نتيجة التوجه
العالمي نحو تحرير التجارة الدولية وإلغاء الحواجز الجمركية، إلا أنه لم يتلاشى
تمامًا، حيث لا تزال الضرائب الجمركية تستخدم حول العالم لحماية الصناعات المحلية
في الدول المتقدمة والنامية على السواء، لاسيما للحماية من مخاطر الإغراق والمنافسة
غير العادلة(38)، وقد قامت الدولة المصرية بإجراء بعض التعديلات على الضرائب
الجمركية في إطار تنفيذها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث قامت الدولة في نوفمبر
2020 بإصدار القانون رقم (207) لسنة 2020 والخاص بتعديل بعض الأحكام الواردة في
قانون الجمارك، وذلك بهدف تطوير السياسات الجمركية بما يجعلها أكثر اتساقًا مع
المتغيرات الجديدة على صعيد الاقتصاد العالمي، وبما يساعد على تحسين البيئة
الاستثمارية في القطاعات الإنتاجية، حيث أجاز القانون إمكانية تقسيط الضريبة
الجمركية المستحقة على الآلات والمعدات والأجهزة وخطوط الإنتاج وأجزائها التي لا
تتمتع بأي إعفاءات أو تخفيضات في التعريفة الجمركية متى كانت واردة للمشروعات
الإنتاجية، علاوة على العديد من الإجراءات الأخرى التي تعمل على تحفيز
الاستثمارات.(39)
ويلاحظ من
الجدول رقم (2) ارتفاع حصيلة الضرائب الجمركية كقيمة مطلقة من 28.1 مليار جنيه عام
2015/2016 إلى 59.4 مليار جنيه عام 2022/2023 ومن المتوقع أن تبلغ 99.24 مليار
جنيه عام 2024/2025، ويعزي الارتفاع في قيمة الضرائب الجمركية إلى ارتفاع أسعار
السلع المستوردة بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، ومن ثم ارتفاع
قيمة الواردات مقومة بالجنيه المصري، ورغم ارتفاع حصيلة الضرائب الجمركية كقيمة
مطلقة إلا أنها انخفضت كنسبة من إجمالي الإيرادات الضريبية من 8% عام 2015/2016
إلى 4.7% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تبلغ 4.9% عام 2024/2025.
3 - تحليل أثر الإصلاحات الضريبية على عدالة النظام
الضريبي
تنقسم
الضرائب إلى ضرائب مباشرة مثل الضرائب على الدخول والأرباح
والضرائب على الممتلكات، وضرائب غير مباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة والضرائب الجمركية. ومن المسلم به أن ارتفاع
قيمة الضرائب غير المباشرة يعد مؤشراً على عدم عدالة النظام الضريبي لأنه يحمل
الطبقات الفقيرة والوسطى عبء ضريبي يفوق مقدرتهم التكليفية، بما يضر بحجم
استهلاكهم ومستوي معيشتهم ويعزز التفاوت في توزيع الدخل كما أشرنا سابقًا. وقد
شهدت نسبة الضرائب غير المباشرة من إجمالي الإيرادات الضريبية في مصر منذ تطبيق
برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016 وحتى الآن، بعض التغيرات كما هو موضح في
الشكل رقم (3)
شكل رقم (3) نسبة الضرائب المباشرة وغير المباشرة
خلال الفترة من 2015/2016 إلى 2024/2025 "نسبة مئوية"
حيث يلاحظ من الشكل
رقم (3) ارتفاع نسبة الضرائب غير
المباشرة لتشكل حوالي 53.3% من إجمالي الإيرادات الضريبية عام 2018/2019 بعد أن
كانت تشكل 47.9% فقط عام 2015/2016، لكنها ما لبثت أن بدأت في الانخفاض بعد ذلك
لتصل إلى 48.8% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تواصل انخفاضها لتصل إلى 45.8% فقط
عام 2024/2025. في حين انخفضت نسبة الضرائب المباشرة من إجمالي الإيرادات الضريبية
من 49.3% عام 2015/2016 إلى 41.07% عام 2017/2018، إلا أنها بدأت في الارتفاع بعد
ذلك لتصل إلى 50.9% عام 2022/2023، ومن المتوقع أن تنخفض نسبتها قليلاً عام
2024/2025 لتبلغ 50.2% فقط. وهو ما يعكس تباين في أثر الإصلاحات الضريبية على عدالة
النظام الضريبي منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وحتى الآن، ففي الفترة الممتدة
من بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وحتى نهاية العام المالي 2018/2019 يلاحظ
أن الإصلاحات الضريبية كان لها أثراً سلبيًا على عدالة النظام الضريبي، في حين
يلاحظ أن بداية من العام المالي 2019/2020 وحتى الآن، كان للإصلاحات الضريبية
أثراً إيجابيًا على عدالة النظام الضريبي.
لكن وعلى
الرغم من ذلك تعد النسبة الخاصة بالضرائب غير المباشرة في مصر أكبر من المتوسط
السائد في دول منظمة التعاون والتنميةOECD الذي بلغ
31.5% فقط عام 2022(40)، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن ارتفاع نسبة الضرائب
غير المباشرة من إجمالي الإيرادات الضريبية في مصر يرجع بالأساس إلى انخفاض حصيلة
الضرائب المباشرة.
خاتمة
أجرت الدولة
عدد من الإصلاحات الضريبية منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016
بهدف الارتقاء بكفاءة وعدالة النظام الضريبي، حيث قامت الدولة بإصدار قانون
الإجراءات الضريبية الموحد، ورقمنة نظم إدارة الضرائب، كما قامت بسن قانون ضريبة
القيمة المضافة ليحل محل قانون الضريبة على المبيعات، بهدف إصلاح العيوب الموجودة
في قانون الضريبة على المبيعات، حيث تتسبب هذه العيوب في زيادة التهرب الضريبي
وبالتالي انخفاض الحصيلة الضريبية. وقد نجحت مصر من خلال هذه الإجراءات في تقليل
التهرب الضريبي، وزيادة الحصيلة الضريبية، حيث ارتفعت نسبة تغطية الإيرادات
الضريبية للنفقات العامة من 43.1% عام 201/2016 إلى 57.6% عام 2022/2023، كما
ارتفعت نسبة الإيرادات الضريبية من الإيرادات العامة من 65.8% عام 2015/2016 إلى
80.5% عام 2022/2023، لكن على الرغم من ذلك فإن الإيرادات الضريبية كنسبة من
الناتج المحلي الإجمالي لا تزال منخفضة قليلاً، حيث بلغت هذه النسبة 12.5% فقط عام
2022/2023، وهي بذلك أقل من المتوسط السائد عالميًا والبالغ 14.30% عام 2022.
علاوة على ذلك فقد قامت الدولة بتعديل قانون الضرائب على دخل الأشخاص الطبيعيين بزيادة حد الإعفاء الشخصي وحد الإعفاء الضريبي من 13500 جنيه إلى 60 ألف جنيه، علاوة على استحداث شرائح ضريبية جديدة بسعر ضريبة يصل إلى 27.5% لمن يزيد دخله السنوي عن مليون و200 ألف جنيه، وقد نجحت هذه الإجراءات في تعميق العدالة الضريبية للضرائب على دخل الأشخاص الطبيعيين بدرجة كبيرة. في المقابل فإن الضرائب على أرباح الشركات تخضع لسعر ضريبة ثابت يبلغ 22.5%، وبالتالي هناك ضرورة لإجراء بعض التعديلات على قانون الضريبة على أرباح الشركات، يتم بموجبها استحداث شرائح ضريبية جديدة، وهو ما سيجعل من الضريبة على أرباح الشركات ضريبة تصاعدية، ومن ثم يؤدي إلى تحقيق المزيد من العدالة الضريبية. أما نسبة الضرائب غير المباشرة من إجمالي الإيرادات الضريبية في مصر فقد بلغت 48.8% عام 2022/2023، وهي بذلك أكبر من المتوسط السائد في دول منظمة التعاون والتنميةOECD الذي بلغ 31.5% فقط عام 2022، لكن على الرغم من ذلك يلاحظ أن هذا الارتفاع ناجم بالأساس عن انخفاض حصيلة الضرائب المباشرة. وبالتالي فإن تعميق عدالة النظام الضريبي يحتاج إلى بعض الإجراءات التي من شأنها زيادة حصيلة الضرائب المباشرة مثل مكافحة التهرب الضريبي وغيرها من الإجراءات الأخرى.
المراجع والهوامش
1 - عبد الفتاح الجبالي، الموازنة العامة والمواطن
المصري: دراسة في قضايا الأجور والدعم والمعاشات، مركز الأهرام للدراسات السياسية
والاستراتيجية، القاهرة 2008.
2
- حكيم ضامن، أثر السياسة الاقتصادية على النمو الاقتصادي:
دراسة حالة الجزائر، رسالة ماجستير في العلوم الاقتصادية – جامعة عبد الحميد بن
باديس، الجزائر 2018.
3
- للمزيد أنظر: رفعت المحجوب، الطلب الفعلي: مع دراسة خاصة
بالبلاد الآخذة في النمو، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، القاهرة 1980.
4
- للمزيد أنظر: محمود جمام، النظام الضريبي وآثاره على
التنمية الاقتصادية: دراسة حالة الجزائر، رسالة دكتوراه الدولة في العلوم
الاقتصادية – تخصص اقتصاد، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمود
منتوري – قسنطينة، الجزائر 2010.
5 - يعد الاقتصادي الأمريكي (ميلتون فريدمان) رائد هذا التيار، للمزيد حول أراء
النقديين وغيرهم من المدارس الاقتصادية التي تركز على جانب العرض أنظر: صفاء
محمدين، نموذج دولة الرفاهية الاجتماعية: دراسة في الإشكاليات والمآلات، المجلة
العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية - جامعة الإسكندرية، المجلد
السابع - العدد (14)، الإسكندرية 2022. وأنظر أيضًا: سامي خليل، نظرية الاقتصاد
الكلي، الكتاب الأول: المفاهيم والنظريات الأساسية، الكويت 1994.
6 - نفس المرجع السابق.
7
- محمد دويدار، مبادئ الاقتصاد السياسي، الجزء الرابع:
الاقتصاد المالي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية 2009.
8
- سهير أبو العينين، دور السياسة المالية في تحقيق النمو
والعدالة في مصر مع التركيز على الضرائب والاستثمار العام، سلسلة قضايا التخطيط
والتنمية، العدد (247)، معهد التخطيط القومي، القاهرة 2013.
9
- إسراء الحسيني، السياسة الضريبية في مصر بين اعتبارات
"الكفاءة الاقتصادية و"العدالة الاجتماعية"، مركز المعلومات ودعم
اتخاذ القرار، رئاسة مجلس الوزراء، القاهرة 2021.
10
- سهير أبو العينين، مرجع سبق ذكره.
11
- للمزيد حول الضرائب على السلع والصناعات الملوثة للبيئة انظر: محمد عبد البديع،
الاقتصاد البيئي والتنمية، دار الأمين للنشر، القاهرة 2006.
12
- محمد يوسف، النظام الضريبي والعدالة الاجتماعية في مصر،
دورية بدائل، العدد (41)، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة
2020.
13
- عبد الفتاح الجبالي، مرجع سبق ذكره.
14
- للمزيد حول الضرائب التصاعدية انظر: عادل حشيش، أصول المالية العامة: دراسة
تحليلية لمقومات مالية الاقتصاد العام، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية 1983.
15 - عبد الفتاح الجبالي، مرجع سبق ذكره.
16 - للمزيد انظر: المادة (38) من دستور جمهورية مصر العربية المعدل لسنة 2014،
والمنشور في الجريدة الرسمية – العدد 3 مكرر (أ) في 18 يناير سنة 2014.
17 - نص القانون رقم (206) لسنة 2020، والمنشور في الجريدة الرسمية – العدد 42
مكرر (ج) في 19 أكتوبر 2020.
18 - تم تشكيل المجلس الأعلى للضرائب بناءً على قرار رئيس الجمهورية رقم (87)
لسنة 2024، والمنشور في الجريدة الرسمية – العدد 12 تابع (أ) في مارس 2024.
19 - البيان التحليلي عن مشروع الموازنة
العامة للسنة المالية 2018/2019، وزارة المالية، القاهرة 2018.
20
- البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية
2022/2023، وزارة المالية، القاهرة 2022.
21 - البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2024/2025، وزارة
المالية، القاهرة 2024.
22 - بيانات البنك الدولي https://data.albankaldawli.org/indicator/GC.TAX.TOTL.GD.ZS?locations=FR-TR-MA-BR-IL-1W
23
- تمثل التعديل الأول في القانون رقم (82) لسنة 2017، أما
التعديل الثاني فكان من خلال القانون رقم (26) لسنة 2020، بينما جاء التعديل الثالث
بموجب القانون رقم (30) لسنة 2023، في حين كان التعديل الرابع من خلال القانون رقم
(175) لسنة 2023، والتعديل الخامس بموجب القانون رقم (7) لسنة 2024.
24
- وفقًا لنص القانون رقم (96) لسنة 2015، المنشور في الجريدة
الرسمية – العدد 34 (تابع) في 20 أغسطس سنة 2015. ووفقًا لنص القانون رقم (7) لسنة
2024، المنشور في الجريدة الرسمية – العدد 7 مكرر (أ) في 21 فبراير سنة 2024.
25
- حُسبت النسب بواسطة الباحث، بناءً على البيانات الواردة
في البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2018/2019، مرجع سبق
ذكره.
26
- حُسبت النسب بواسطة الباحث، بناءً على البيانات الواردة
في البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2024/2025، مرجع سبق
ذكره.
27
- تم هذا التعديل بموجب القانون رقم (96) لسنة 2015،
والمنشور في الجريدة الرسمية – العدد 34 (تابع) في 20 أغسطس سنة 2015.
28
- حُسبت النسب بواسطة الباحث بناءً على البيانات الواردة
في البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2018/2019، مرجع سبق
ذكره، والبيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2024/2025، مرجع
سبق ذكره.
29
- تم فرض هذه الضريبة بموجب القانون رقم (56) لسنة 1954،
وتم إعادة تنظيمها بموجب القانون رقم 196 لسنة 2008.
30
- الموقع الإلكتروني لمصلحة الضرائب العقارية، الضريبة على
العقارات المبنية، على الرابط التالي (تمت الزيارة بتاريخ 23/1/2025) https://www.rta.gov.eg/%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A9
31
- تم فرض الضريبة على الأطيان بموجب القانون رقم (113)
لسنة 1939.
32 - الموقع الإلكتروني لمصلحة الضرائب العقارية، الضريبة على الأطيان، على الرابط
التالي (تمت الزيارة بتاريخ 23/1/2025)
33 - تم إيقاف العمل بقانون الضريبة على الأطيان بموجب القانون رقم (141) لسنة 2017، كما تم تمديده مرتين بموجب القانون رقم
(147) لسنة 2020، والقانون رقم (152) لسنة 2022.
34 - البيان التحليلي عن مشروع الموازنة
العامة للسنة المالية 2024/2025، مرجع سبق ذكره.
35
- نص القانون رقم (67) لسنة 2016، والمنشور في الجريدة
الرسمية – العدد 35 مكرر (ج) في 7 سبتمبر سنة 2016.
36 - قرار وزير المالية رقم (125) لسنة
2021، والمنشور في جريدة الوقائع المصرية – العدد 55 تابع (هـ) في 8 مارس 2021.
37 - بيانات البنك الدولي https://data.albankaldawli.org/indicator/GC.TAX.GSRV.RV.ZS?end=2023&locations=TR-CN-IL-BR-FR&start=1972&view=chart
38 - عبد الفتاح الجبالي، مرجع سبق ذكره.
39 - قانون رقم (207) لسنة 2020، والمنشور
في الجريدة الرسمية – العدد 45 مكرر (د) في 11 نوفمبر سنة 2020.
40 - Revenue Statistics 2024: Health taxes in OECD countries, OECD 2024. Retrieved from https://www.oecd.org/content/dam/oecd/en/topics/policy-sub-issues/global-tax-revenues/revenue-statistics-highlights-brochure.pdf