المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
رحاب يحيى عبدالرازق صبره
رحاب يحيى عبدالرازق صبره

مسارات التعامل .. قراءة في سياسة ترامب الشرق أوسطية

الثلاثاء 04/فبراير/2025 - 11:16 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، تجددت النقاشات حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، التي تعتبر دائمًا واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا وتوترًا. يعود ترامب إلى رئاسة البلاد مع تحديات جديدة تضاف إلى سلسلة الأزمات القائمة في المنطقة، مثل التصعيد المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين، وتأثيرات الحرب في أوكرانيا، وتعاظم النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط. سياسة ترامب في هذه المرحلة ستظل موجهة نحو تحقيق المصالح الأمريكية بشكل مباشر، مع تعزيز التحالفات الاستراتيجية والاقتصادية، وتكثيف الضغوط على أعداء أمريكا في المنطقة.

العلاقة مع دول الخليج: استمرار الشراكة العسكرية والاقتصادية

لطالما كانت دول الخليج العربي، خاصة السعودية والإمارات، جزءًا أساسيًا من استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ففي فترة ترامب الثانية، يتوقع أن تظل هذه العلاقة محورية، ولكن مع مزيد من التركيز على تقديم الدعم المتبادل الذي يخدم المصالح الأمريكية بشكل أكبر. خلال ولايته الأولى، أظهر ترامب أسلوبًا غير تقليدي في التعامل مع حلفاء واشنطن في الخليج، وستظل أولويات ترامب في الخليج تتمثل في محاربة النفوذ الإيراني وتعزيز القدرات العسكرية لدول الخليج لمواجهة أي تهديدات إيرانية مباشرة. في هذا السياق، سيواصل ترامب تعزيز مبيعات الأسلحة المتطورة إلى هذه الدول، في خطوة تهدف إلى ضمان استقرار المنطقة، بينما يستمر في توسيع التعاون الاستخباراتي ضد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. هذا التعاون سيكون ذا طابع أمني متزايد، يتضمن تبادل المعلومات حول الإرهاب، الميليشيات، وأي تهديدات قد تنشأ في المنطقة.

إيران وسياسة الضغط القصوى

ستظل إيران واحدة من أكبر التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. رغم أن سياسة ترامب في ولايته الأولى تجاه إيران، المتمثلة في "الضغط الأقصى"، كانت قاسية وفاعلة في تعطيل الاقتصاد الإيراني، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تعني أن هذه الضغوط ستتواصل بل وتزداد في المرحلة المقبلة. وسيعمل ترامب على فرض المزيد من العقوبات التي تستهدف القطاعات الاقتصادية الإيرانية المختلفة، وعلى رأسها النفط والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تعميق العزلة السياسية لطهران في الساحة الدولية. كما تتضمن هذه الإجراءات مزيد من التحركات العسكرية في المنطقة، بما في ذلك تعزيز وجود القوات الأمريكية في الخليج والبحر الأحمر لضمان حماية أمن الولايات المتحدة وحلفائها. التصعيد الأمريكي قد يخلق ضغطًا كبيرًا على إيران لدفعها إلى التراجع عن خططها النووية، وإذا قررت إيران تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى، قد تكون هناك تدخلات عسكرية محدودة أو غارات على المنشآت النووية الإيرانية. ورغم ذلك، فإن ترامب قد يفتح قنوات للتفاوض مع طهران بشرط أن تكون الشروط أكثر صرامة، وهو ما يجعل احتمالية حدوث اتفاق جديد أو تعديل الاتفاق النووي قائمة. إلا أن المواقف الإيرانية الثابتة قد تجعل هذا الخيار صعب التنفيذ، مما قد يضيف تعقيدًا إضافيًا إلى الأوضاع في المنطقة.

إسرائيل: دعم غير محدود وتعزيز التحالفات الاقليمية

ستظل إسرائيل في قلب السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط تحت قيادة ترامب؛ حيث كان دائمًا يدعمها بشكل غير مشروط في مواجهاتها مع خصومها في المنطقة. وخلال فترته الثانية، يمكن أن يستمر ترامب في تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي مع إسرائيل، خاصة في مواجهة التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى دعم تعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية في مواجهة إيران أو وكلائها في المنطقة. من ناحية أخرى، سيواصل ترامب الضغط على المجتمع الدولي لدعم السياسات الإسرائيلية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني.

وعلى الرغم من الضغوط المتزايدة التي تواجهها إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين، فإنه من المتوقع أن يكون موقف الإدارة الأمريكية صارمًا في تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. في هذا السياق، قد يستمر ترامب في رفض أي محاولات للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات كبيرة للجانب الفلسطيني، وهو ما قد يؤدي إلى تعميق الهوة بين إسرائيل والفلسطينيين. ومع ذلك، ستحرص إدارة ترامب على توسيع دائرة التحالفات الإسرائيلية مع الدول العربية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل ودول الخليج. والعمل على توسيع اتفاقيات أبراهام التي تم توقيعها في 2020 والتي تعتبر الأساس للتوسع المتوقع في العلاقات العربية-الإسرائيلية.

التوسع في التحالفات: تعزيز اتفاقيات التطبيع والانتقال إلى مرحلة جديدة

من الإنجازات البارزة في ولاية ترامب الأولى كانت اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية مثل الإمارات والبحرين. وفي فترة 2025، يتوقع أن يسعى ترامب إلى توسيع هذه الاتفاقيات لتشمل المزيد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية، مما يعزز مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. هذه التحالفات الجديدة من شأنها أن تساهم في زيادة الاستثمارات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مجالات الطاقة والتكنولوجيا.

إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بزيادة التعاون الأمني مع هذه الدول لمواجهة التهديدات المشتركة، مثل النفوذ الإيراني، كما ستستمر في تعزيز مكانتها كداعم رئيسي للاستقرار الإقليمي. ترامب قد يركز أيضًا على تعزيز التحالفات الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، مما يساهم في خلق فرص استثمارية جديدة.

محاربة الإرهاب: تعزيز الجهود الإقليمية والدولية

ستظل محاربة الإرهاب أولوية أساسية في سياسة ترامب في الشرق الأوسط. على الرغم من النجاحات التي حققتها الولايات المتحدة في تقليص نفوذ تنظيم داعش، إلا أن خطر التنظيمات الإرهابية لا يزال قائمًا في مناطق مثل العراق وسوريا، إضافة إلى النشاط المتزايد لجماعات مثل القاعدة في غرب أفريقيا والساحل. إدارة ترامب ستستمر في تكثيف ضرباتها الجوية ضد خلايا الإرهاب في العراق وسوريا، كما سيزيد التعاون الاستخباراتي مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

ومن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتعزيز تواجدها العسكري في مناطق استراتيجية لمكافحة الإرهاب، مع تعزيز قدرات الدول الحليفة في المنطقة لمكافحة التهديدات المتزايدة من التنظيمات الإرهابية. في هذه الجهود، سيعتمد ترامب على التعاون الوثيق مع الحكومات المحلية في المنطقة لمكافحة الإرهاب على الأرض، فضلًا عن تعزيز الأمن السيبراني لمكافحة الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت.

في الختام: على الرغم من أن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط قد تواجه تحديات كبيرة في المستقبل، مثل استمرار نفوذ إيران في المنطقة أو التصعيد الفلسطيني-الإسرائيلي، إلا أن الإدارة الأمريكية ستظل تسعى إلى ضمان مصالحها الاستراتيجية. ترامب سيسعى إلى تعزيز تحالفاته في الخليج، دعم إسرائيل ضد الضغوط الدولية، ومحاربة الإرهاب في مناطق متعددة. في النهاية، ستظل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تعتمد على الضغط على الخصوم وتوسيع دائرة التحالفات، مع محاولة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟