ماذا سيحدث لعلاقات أمريكا عبر الأطلسي بعد الانتخابات الأمريكية؟
كانت
العلاقات الأمريكية عبر الأطلسي حتى انتخاب دونالد ترامب في عام 2016 تمر بتحول
ثابت بالتوازي مع نمو منظومة الاتحاد الأوروبي من مجموعة جنينية مكونة من ست دول
في عام 1957 إلى قوة اقتصادية عظمى في الوقت الحالي تضم سبع وعشرين دولة، وقد ركزت الولايات المتحدة ودول الاتحاد
الأوروبي بشكل متزايد ليس فقط على إدارة أجندتهما الثنائية ولكن أيضًا على تعزيز
مصالحهما العالمية المشتركة، وبتعبير آخر أصبحت العلاقة عبر الأطلسي أقل فيما
يتعلق بالنمط الثنائي وأصبحت أكثر حول القضايا الإقليمية والدولية.
ولكن
هذا التطور شهد نوع من أنواع التوتر والخلاف مع مجيء إدارة ترامب إلى البيت الأبيض؛
حيث اتبعت الولايات المتحدة سياسة خارجية قائمة على أساس استعادة الدور العالمي
وتصدير صورة للعالم بأن الولايات المتحدة تعتبر ضحية للنظام الليبرالي العالمي الذي
ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وضمن السياق ذلك أصبحت أوروبا الشريك الرئيسي
للولايات المتحدة في الدفاع عن هذا النظام القائم على القواعد والمنظمات متعددة
الأطراف التي تشكله مثل الناتو ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية
وصندوق النقد الدولي، ولكن من ناحية أخرى فإن
أيديولوجية إدارة ترامب تحت شعار "أمريكا أولاً" المكرسة لتعظيم حرية
الولايات المتحدة في التصرف تعني أن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي القائمة على
الدعم المشترك للنظام الليبرالي لم تعد كما هي في السابق.
تطورات
متعددة
في
حال فوز الرئيس الأمريكي ترامب بفترة
ولاية ثانية، فإن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للعلاقة عبر الأطلسي هو ما إذا كان
الرئيس سيكتفي بمواصلة العمل كعائق أمام الالتزامات الأمريكية الراسخة أو بالأحرى
هل يتبنى سياسة تفكيكية لهذه العلاقات؟ وهل سيكون راضيًا عن استمرار عرض
التحدي للمعايير الدولية؟ أم أنه يفضل ترك إرث أكثر قوة من الناحية التاريخية
المتمثل في تفكيك النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية القائم على أساس
المفاهيم الليبرالية مثل سيادة القانون والانفتاح والتعاون متعدد الأطراف وأولوية
الفرد على دور الدولة؟
ووفق
هذا التصور يمكن أن تتفكك العلاقة عبر الأطلسي والنظام الدولي الليبرالي الذي كانت
تدعمه الإدارات الأمريكية السابقة، ولكن خلال ولاية ترامب الثانية فمن المرجح أن
يحدث هذا التفكك بسبب المحاولات المتعمدة لتدميرها ولكن من خلال قوى الطرد المركزي
التي أطلقها عدم وجود دور تنسيقي تلعبه الولايات المتحدة (والعلاقة الأوسع عبر الأطلسي)
للحفاظ عليها، وأحد الأمثلة على ذلك النظام التجاري متعدد الأطراف.
وبناء
عليه وعلى الرغم من انتقادات ترامب لمنظمة التجارة العالمية، إلا أن الولايات
المتحدة ظلت عضوًا في هيئة التجارة العالمية خلال فترة إدارته الأولى، بل
إنها رفعت قضايا إلى نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، وهو ما يمكن
اعتباره تأييدًا غير مباشرًا لها، ولكن إدارة ترامب أضعفت منظمة التجارة العالمية
بشكل كبير من خلال منع تعيين قضاة جدد في هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة بسبب عدم
الرضا عن عدد من قراراتها، وهو ما يجعل نظام تسوية المنازعات محدود التأثير،
بالإضافة إلى ذلك هدد الرئيس
الأمريكي ترامب في مناسبات عديدة بسحب الولايات
المتحدة من منظمة التجارة العالمية.
ومع
ذلك فمن غير المرجح أن تغادر إدارة ترامب منظمة التجارة العالمية بسبب التكاليف
الاقتصادية الضخمة التي قد تترتب على ذلك، وبدلاً من ذلك وفي غضون أربع سنوات أخرى
من إدارة ترامب فإن ما سيحدث هو تراكم التراجع الأمريكي الذي من المرجح أن يؤدي
إلى النهاية الفعلية للنظام التجاري العالمي. كما يُتوقع من الولايات المتحدة
إهمال تعزيز العلاقة عبر الأطلسي خلال ولاية ترامب الثانية وفق التصور الخاص بأن النظام
الدولي الليبرالي يضر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة.
العلاقات
الأطلسية ما بعد ترامب
من
المتوقع أن يعيد المرشح الديموقراطي جو بايدن في حال فوزه بناء تحالفات الولايات
المتحدة وأن يعيد تكريس بلاده للتعاون متعدد الأطراف من خلال العودة إلى اتفاق
باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية التي انسحبت منها البلاد تحت إدارة ترامب، وقد
وصف بايدن أوروبا بأنها شريك لا غنى عنه للولايات
المتحدة، وأن هذه الفكرة تمثل مبدًأ إرشاديًا لإدارة بايدن الجديدة في تعاملها مع
هذا الملف، ويمكن إرجاع ذلك جزئيًا إلى الدمار الاقتصادي الناجم عن وباء كورونا
المستجد بالإضافة إلى عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية والعرقية، ويمكن أن
يُتوقع من إدارة بايدن اتباع سياسات محلية من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة أقرب
بكثير إلى ما تطلق عليه ألمانيا اقتصاد السوق الجماعي.
وبناء
على ذلك سيركز بايدن على جعل الرأسمالية أكثر إنصافًا وشمولية واستدامة سياسيًا
واقتصاديًا على المدى الطويل من خلال الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية
والقوى العاملة والخدمات الاجتماعية ومكافحة تغير المناخ، وكذلك من خلال تعزيز
النقابات العمالية والشركات الصغيرة التي من شأنها مواجهة القلق الناشئ من أن
الرأسمالية الأمريكية بحاجة إلى الانتقال من تركيزها الحالي القوي على قيمة
المساهمين إلى تصور آخر يأخذ في الاعتبار مصالح أصحاب المصلحة من الشعوب.
شراكة
متميزة
يمكن
أن تساعد هذه الخطوات في تعزيز الشعور بالشراكة بين الولايات المتحدة وألمانيا
ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي على أساس القيم المشتركة، كما سيصبح
النهج المتبع في السياسة الاقتصادية ودور الحكومة على جانبي المحيط الأطلسي
متشابهين بشكل أوثق حتى لو كانت الاختلافات التاريخية والثقافية المتأصلة تعني أن
المجتمعين سيظلان مختلفين بصورة أو بأخرى.
ولكن
على وجه التحديد وبسبب تركيز إدارة بايدن على أجندة محلية طموحة فإن العودة إلى
نهج إدارة أوباما للتفاوض على اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة
والاتحاد الأوروبي من غير
المرجح أن تكون على رأس قائمة أولوياتها على الأقل في بداية ولايته، في حين أن
بايدن لم يستبعد الانخراط في نهاية المطاف في صفقات تجارية جديدة، إلا أن هذه
الاستثمارات ستأتي بعد استثمارات في القوى العاملة الأمريكية التي
من شأنها أن تزيد من احتمالية نجاحها في اقتصاد معولم بدلاً من إجراء المفاوضات
التجارية الحرة، كما ستكون إدارة بايدن أكثر استعدادًا لتكريس دبلوماسيتها
الاقتصادية لإعادة بناء عادات التعاون عبر الأطلسي في القضايا العالمية مثل النظام
التجاري متعدد الأطراف، وتغير المناخ، والأمن السيبراني، وسلاسل التوريد العالمية،
والصحة العامة والتنمية.
ويمكن
أن يشمل هذا النهج العمل مع الاتحاد الأوروبي لقيادة تحالف من البلدان ذات التفكير
المماثل لإصلاح منظمة التجارة العالمية ولتعزيز القواعد عالية المستوى لمواجهة
نظام رأسمالية الدولة في الصين، وفي حال حدوث ذلك فستستأنف إدارة بايدن التطور
السابق للعلاقة عبر الأطلسي منذ نهاية الحرب الباردة من علاقة تركز على الشؤون
الثنائية الداخلية إلى واحدة مكرسة للازدهار والأمن المتبادلين من خلال الإجراءات
المشتركة لخلق علاقة أكثر استقرارًا.
ومن
ناحية أخرى فإن وصول إدارة ديمقراطية لن يغير حقيقة أساسية حول النظام الدولي
والمتمثل في الاستقطاب المتزايد بسبب صعود الصين، ومن ثم ستكون هناك حاجة ملحة
لإيجاد التوازن الصحيح بين الدفاع عن العلاقة عبر الأطلسي ضد تأثيرات نظام بكين
الرأسمالي والحفاظ على فوائد العلاقات التجارية والاستثمارية القائمة مع الصين.
وكدولة
موحدة وقوة عظمى منذ إنشاء النظام الدولي، فقد اعتادت الولايات المتحدة على
الموازنة بين الفرص الاقتصادية وضرورات الأمن القومي في استراتيجيتها الدولية، وهذا
التوازن يأتي بطبيعة الحال إلى الاتحاد الأوروبي وهو سياسة تجارية وتنافسية وقوة
تنظيمية عظمى لكنه يفتقر إلى سياسة خارجية وأمنية واحدة.
وضمن هذا السياق يجب على دول الاتحاد الأوروبي العمل بشكل أكثر تماسكًا عبر مجالات
السياسة على الساحة الدولية دون أن يعطي الاتحاد الأوروبي الأولوية لاستقلاله عن
الولايات المتحدة في الوقت الذي ستكون فيه مساعي
إيجاد استراتيجية موحدة عبر الأطلسي تشمل التجارة والتكنولوجيا والأمن التي تمثل
أفضل ضمان لاستمرار النظام الدولي الليبرالي في مواجهة قوة الصين الصاعدة.
وفي
الختام إذا وضعت الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن الجديدة جانبًا
شعار ترامب "أمريكا أولاً" ومد يد التعاون إلى الاتحاد الأوروبي، فسيكون
من مصلحة الاتحاد الأوروبي الخاصة إيجاد طرق لجعل طموحاته متوافقة مع المحيط
الأطلسي.
Peter
S. Rashish, What Happens to America’s Transatlantic Relations after the U.S.
Elections?, October 30, 2020, at: