الحرب السيبرانية ومستقبل الصراع الإيراني الإسرائيلى
أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية في أواخر إبريل 2020
إلى وقوع هجوم إلكتروني على العديد من مرافق معالجة المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء
البلاد؛ حيث أفادت وكالة المياه الوطنية الإسرائيلية في البداية بوجود عطل فني،
لكن أكدت في وقت لاحق بأنها كانت ضربة الكترونية. على الرغم من أن الحدث لم يتسبب في
أي أضرار سوى حالات انقطاع محدودة في أنظمة توزيع المياه المحلية، ومرور تقرير
الحادثة في ذلك الوقت، دون أن يلاحظه أحد وسط سيل التغطية الإعلامية المتعلقة بالوباء،
اتهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية في وقت لاحق إيران بالهجوم الإلكتروني، الذي تم توجيهه
عبر خوادم أمريكية وأوروبية، ولكن نفت إيران تورطها.
وفي هذا السياق، أشار الكاتبان جيل بارام زميل أبحاث في مركز
أبحاث الإنترنت السيبراني متعدد التخصصات بجامعة تل أبيب، وكيفن لم باحث الدكتوراه
في كلية العلوم السياسية والحكومة والشؤون الدولية بجامعة تل أبيب إلى وقوع هجوم إلكتروني
في 9 مايو 2020 على أنظمة الكمبيوتر الموجودة بميناء شاهد رجائي في بندر عباس بالقرب
من مضيق هرمز. وبحسب منظمة الموانئ البحرية الإيرانية، فإن الهجوم لم يخترق أنظمة الأمن
المركزي والمعلومات بل عطل أنظمة شركات التشغيل الخاصة لعدة ساعات. وفي 18 مايو
2020 أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى الاتهامات التى وجهها مسؤولين إيرانيين لإسرائيل
على أنها صاحبة هذا الهجوم، وفي تناقض مع المزاعم الإيرانية الرسمية بتأثيرات لا تذكر،
ذكرت واشنطن بوست أن الهجوم تسبب في ازدحام خطير للطرق والممرات المائية لعدة أيام.
فعلى الرغم من عدم اعتراف رئيس أركان جيش الدفاع "أفيف كوخافي" مباشرة بالمسؤولية،
لكنه ألمح إلى الحدث عندما أعلن أن إسرائيل ستواصل العمل ضد أعدائها بمزيج من الأدوات.
تظهر الحرب السيبرانية بين الخصمان التقليديين (تل أبيب
وطهران) في الشرق الأوسط حرب الظل التى يقودها الطرفان في مواجهة بعضهما البعض
بالمنطقة، فكما هو الحال بشكل معتاد، ركز كلا الطرفين على الأهداف المدنية الحرجة ولكن
تسبب الهجوم في أضرار منخفضة نسبيًا، وبالقاء نظرة متأنية على هذا النوع الجديد من
الصراع الإسرائيلي- الإيراني، يبدو وكأن الحرب السيبرانية تنضج إلى مرحلة جديدة، حيث
تأسيس قواعد جديدة للردع.
وفي هذا السياق، تم الاعتراف بالهجمات الإلكترونية كواحدة
من أكبر التهديدات في العالم، فعلى سبيل المثال، صنف المنتدى الاقتصادي العالمي الهجمات
الإلكترونية بين أكبر 10 مخاطر من حيث الاحتمالية والتأثير في تقرير المخاطر العالمية
لعام 2020. ولكن هذا القلق ليس جديدا ولا مفاجئا؛ حيث تسمح تقنيات الحرب السيبرانية
للدول بمهاجمة الخصوم سراً لكونها انتقام منخفض المخاطر نسبياً، واللافت للانتباه
أن المهاجم ليس هو الوحيد الذي يلجأ إلى الإنكار، حتى إذا كان للهجوم عواقب ملحوظة
مثل انقطاع شبكة الكهرباء الوطنية أو شبكات الاتصالا، فقد يدعي الضحية أن هذا نتيجة
مشكلات فنية بدلاً من الاعتراف بأنه تعرض لهجوم ناجح.
ولكن يؤكد الكاتبان على أنه من غير المفاجئ أن تثير إيران
وإسرائيل مرحلة جديدة من الحروب السيبرانية؛ حيث تعتبر تل أبيب بمثابة قوة إلكترونية رائدة على مستوى العالم بفضل
مواردها الحكومية الهائلة المستثمرة في الأمن الرقمي وقدرات الحرب السيبرانية.
والجدير بالذكر، أن إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، كانت وراء فيروس
كمبيوتر Stuxnet الذى يعتبر بمثابة أول سلاح رقمي في العالم استهدف
على وجه التحديد منشآت التخصيب النووي الإيرانية قبل نحو عقد من الزمان، وكهدف للهجوم،
استثمرت إيران بدورها بشراسة في بنيتها التحتية العسكرية الإلكترونية الخاصة بها، وعلى
الرغم من أن قدراتها التكنولوجية ليست معقدة مثل قدرات إسرائيل، إلا أنها تتحسن بشكل
مطرد، تغذيها نظرة طهران إلى التهديد السيبراني والتعطش المستمر للمساواة التكنولوجية.
وعليه، تثير أحدث
أعمالهم السيبرانية تساؤلات هامة حول الدوافع؛ حيث استهدف الخصمان البنية التحتية المدنية
دون التسبب، بشكل متعمد، في إحداث أضرار دائمة، حتى لو أنكرت إيران تورطها بينما اختارت
إسرائيل على ما يبدو تسريب تفاصيل حول هجومها المضاد. علاوة على ذلك، وكان كلا الجانبين
صريحين بشأن استهدافهما ونجاح الهجمات السيبرانية التى قام بها كل منهما.
بالنسبة لإيران؛ قد يكون الدافع معروف للجميع ويتمحور
حول التواتر المتزايد من الضربات الإسرائيلية على الأصول والأسلحة الإيرانية، والمقاتلين
المدعومين من إيران، داخل سوريا، لذا، يعتبر الانتقام الإلكتروني الذي يستهدف البنية
التحتية المدنية الحيوية في إسرائيل هو أحد الطرق للرد. كما يبدو أن المناوشات الأخيرة
تشير إلى بداية تحول في الصراع السيبراني الإسرائيلي - الإيراني، وهو تحول من المرجح
أن يكون أكثر علنية من المضي قدمًا في الخفاء، التغيير الآخر هو التحول إلى مرافق مدنية
بحتة، في حين أن الهجمات الإلكترونية السابقة ركزت على الأهداف العسكرية أو الأمنية
التقليدية؛ حيث يؤدي تعطيل الأهداف المدنية إلى زيادة المخاطر دون اللجوء للنزاع العسكري،
ومع ذلك، إذا كانت الهجمات على الأهداف المدنية فاشلة، فإن إسرائيل وإيران تخاطران
بالتصعيد.
ولو كان هجوم إيران على منشآت معالجة المياه يهدف إلى العبث
بأنظمة حقن الكلور لكانت الصحة العامة الإسرائيلية معرضة للخطر. وبالمثل، في حين أنه
من غير المرجح أن تؤدي الاضطرابات في ميناء شاهد رجائي إلى اغتيال الجنود الموالين
لطهران، فإن الاضطرابات الخطيرة في سلاسل الخدمات اللوجستية للسلع الأساسية مثل الأدوية
يمكن أن تكون لها عواقب إنسانية خطيرة. فحتى عندما تصبح الحرب السيبرانية أكثر علانية
فإنها لا تزال عالمًا غامضًا وغير خاضع للرقابة. كما لا توجد قواعد دولية صارمة تشبه
الاتفاقيات المقبولة للنزاع المسلح في هذا المجال، الأمر الذى يدفع للتسبب في بعض
الأضرار مع هامش كبير للخطأ.
وهو الأمر الذي ينقلنا إلى فتح نقاش
مستمر حول فعالية الردع في الفضاء السيبراني، قد يكون هذا أكبر درس من يمكن أن تتعلمه الدول
من الهجوم الإسرائيلي- الإيراني الأخير؛ حيث يشير التسريب الإسرائيلى للهجوم الإلكتروني
على ميناء شاهد رجائي إلى سعى تل أبيب ذات
صلة بالردع التقليدي:
أولاً: عدم تسامح تل أبيب مع إيران والاعتداءات الالكترونية
المحتملة، ومع أي محاولات لضرب البنية التحتية المدنية الحيوية، على أن يعد ذلك
ضمن الخطوط الحمراء التى تحدد قواعد المشاركة المستقبلية طبقًا للردع التقليدي.
ثانيًا: أثبتت إسرائيل قدرتها على الارتقاء من الاضطراب إلى الدمار
داخل الفضاء الإلكتروني، كما يمكن أن ينتقل الانتقام أيضًا إلى أنواع أخرى من الردع،
بما في ذلك النوع العسكري، الأمر الذى من شأنه أن يؤدي إلى تقويض قدرة الدولتين على
التحكم في سلم التصعيد.
ثالثاً: تقوم إسرائيل من خلال تعهدها بالرد على الهجمات
الإلكترونية بالإشارة إلى التزامها بالرد على الهجمات السيبرانية المستقبلية؛
الأمر الذي يعزز مصداقية موقف الردع لديها، حتى لو ظل مفهوم الردع السيبراني غامضًا.
في
النهاية: يشير الكاتبان إلى أنه كان
من الممكن أن يكون إجراء الهجوم السيبرانى العلنى أمرًا غير بديهي في عصر سابق من
تاريخ الحرب الالكترونية، فربما تكون إسرائيل وإيران قد اختارتا الصمت أو إلقاء اللوم
على الأخطاء الفنية، لكن صراعهما دخل مرحلة جديدة، غير مقتصر فقط على مجال الأمن السيبراني.
ففي سوريا، شهد الصراع الإسرائيلي الإيراني التقليدى تحولاً كبيراً، لذا، من المحتمل أيضًا أن تصبح الحروب الرقمية بين
الخصمين - وربما في أي مكان آخر - أكثر توترًا وانفتاحًا، وتهدف إلى مجموعة أكبر من
الأهداف، حتى في الوقت الذي نرى فيه المحاولات الضعيفة الأولى لوضع قواعد جديدة للردع،
بات نطاق سوء التقدير أكبر.
Gil
Baram, Kevjn Lim, Israel and Iran Just Showed Us the Future of
Cyberwar With Their Unusual Attacks: A shadow war fought largely in secret has
reached a new, more open phase, Foreign Policy, JUNE 5, 2020, available
at: